الصفحة 286

نكير عائشة

وذكر الطبري في تاريخه والثقفي في تاريخه قال: جاءت عائشة إلى عثمان، فقالت:

أعطني ما كان يعطيني أبي وعمر، قال: لا أجد له موضعا في الكتاب ولا في السنة، ولكن كان أبوك وعمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما وأنا لا أفعل، قالت: فأعطني ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: أو لم تجئ فاطمة عليها السلام تطلب ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدت أنت ومالك بن أوس البصري: أن النبي صلى الله عليه وآله لا يورث، وأبطلت حق فاطمة عليها السلام، وجئت تطلبينه؟!! لا أفعل.

وزاد الطبري: وكان عثمان متكئا، فاستوى جالسا وقال: ستعلم فاطمة أي ابن عم لها مني اليوم، ألست وأعرابي يتوضأ ببوله شهدت عند أبيك؟!

قالا جميعا في تاريخهما: فكان إذا خرج عثمان إلى الصلاة أخرجت قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وتنادي: إنه قد خالف صاحب هذا القميص.

وزاد الطبري يقول: هذا قيص رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وقد غير عثمان سنته، اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.

وذكر الثقفي في تاريخه، عن موسى التغلبي (1)، عن عمه قال: دخلت مسجد المدينة فإذا الناس مجتمعون، وإذا كف مرتفعة وصاحب الكف يقول: يا أيها الناس العهد حديث، هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وآله وقميصه، إن فيكم فرعون أو مثله، فإذا هي عائشة تعني عثمان، وهو يقول: اسكتي، إنما هذه امرأة رأيها رأي المرأة وعقلها عقل المرأة.

وذكر في تاريخه، عن الحسن بن سعيد قال: رفعت عائشة ورقات من ورق المصحف بين عودين من وراء حجابها وعثمان على المنبر، فقالت: يا عثمان أقم ما في كتاب الله، إن تصاحب تصاحب غادرا وإن تفارق تفارق عن قلى، فقال عثمان: أما والله

____________

(1) في البحار: " الثعلبي ".

الصفحة 287
لتنتهين أو لأدخلن عليك حمران الرجال وسودانها (1)، قالت عائشة: أما والله إن فعلت لقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم ما استغفر لك حتى مات.

وذكر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أخرجت عائشة قميص رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لها عثمان: لئن لم تسكتي لأملأنها عليك حبشانا، قالت: يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك ومزقت كتاب الله، ثم قالت: والله ما ائتمنه رجل قط إلا خانه، ولا صحبه رجل قط إلا فارقه عن قلى.

وذكر فيه قال: نظرت عائشة إلى عثمان فقالت: يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود.

وذكر فيه، عن عكرمة: أن عثمان صعد المنبر، فاطلعت عائشة ومعها قميص رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قالت: يا عثمان أشهد أنك برئ من صاحب هذا القميص، فقال عثمان: (ضرب الله مثلا للذين كفروا) الآية (2).

وذكر فيه، عن أبي عامر مولى ثابت قال: كنت في المسجد فمر عثمان، فنادته عائشة: يا غادر يا فاجر أخربت أمانتك وضيعت رعيتك، ولولا الصلوات الخمس لمشى إليك رجال حتى يذبحوك ذبح الشاة، فقال لها عثمان: (امرأة نوح وامرأة لوط) الآية (3).

وذكر فيه: أن عثمان صعد المنبر، فنادت عائشة ورفعت القميص فقالت: لقد خالفت صاحب هذا، فقال عثمان: إن هذه الزعراء عدوة الله، ضرب الله مثلها ومثل صاحبتها حفصة في الكتاب: (امرأة نوح وامرأة لوط) (4) الآية، فقالت له: يا نعثل يا عدو الله إنما سماك رسول الله صلى الله عليه وآله باسم نعثل اليهودي الذي باليمن، ولاعنته ولاعنها.

____________

(1) في النسخة: " وسوادنها ".

(2) التحريم 66: 10.

(3) التحريم 66: 10.

(4) التحريم 66: 10.

الصفحة 288
وذكر فيه، عن القاسم بن مصعب العبدي قال: قام عثمان ذات يوم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: نسوة تكتبن (1) في الآفاق لتنكث بيعتي ويهراق دمي، والله لو شئت أن أملا عليهن حجراتهن رجالا سودا وبيضا لفعلت، ألست ختن رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنتيه، ألست جهزت جيش العسرة (2)، ألم ال رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أهل مكة، قال إذ تكلمت امرأة من وراء الحجاب، قال: فجعل يبدو لنا خمارها أحيانا، فقالت: صدقت، لقد كنت ختن رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنتيه، فكان منك فيهما ما قد علمت، وجهزت جيش العسرة، وقد قال الله تعالى:

(فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة) (3)، وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أهل مكة فيك عن بيعة الرضوان إنك (4) لم تكن لها أهلا، قال: فانتهرها عثمان، فقالت:

أما أنا فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن لكل أمة فرعون، وإنك فرعون هذه الأمة.

وذكر فيه من عدة طرق قال: لما اشتد الحصار على عثمان تجهزت عائشة للحج (5)، فجاءها مروان وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، فسألاها الإقامة والدفع عنه، فقالت: قد عريت (6) غوايري (7)، وأدنيت ركابي، وفرضت على نفسي الحج، فلست بالتي أقيم فنهضا (8)، ومروان يتمثل:


فحرق قيس على البلادحتى(9) إذا اشتعلت(10) أجذما(11)

____________

(1) كذا في النسخة، وفي البحار: " يكتبن "، ويحتمل: " يكبتن ".

(2) في النسخة: " العشرة ".

(3) الأنفال 8: 36.

(4) في البحار: " غيبك عن بيعة الرضوان لأنك ".

(5) في النسخة: " الحج "، والمثبت من البحار.

(6) في البحار: " عزيت "، وفي حاشية البحار: " غررت ".

(7) في النسخة: " عزايري "، والمثبت من البحار.

(8) في النسخة: " فيهضا " والمثبت من البحار.

(9) في النسخة: " وحتى "، والمثبت من البحار.

(10) في النسخة: " اشتغلت ".

(11) في النسخة: " وأجذ ما ".

الصفحة 289
فقالت: أيها المتمثل بالشعر إرجع، فرجع، فقالت: لعلك ترى أني إنما قلت هذا الذي قلته شكا في صاحبك، فوالله لوددت أن عثمان مخيط عليه في بعض غرايري (1) حتى أكون أقذفه في اليم، ثم ارتحلت حتى نزلت بعض الطريق، فلحقها ابن عباس أميرا على الحج، فقالت له: يا بن عباس إن الله قد أعطاك لسانا وعلما، فأنشدك الله أن تخذل عن قتل هذا الطاغية غدا، ثم انطلقت، فلما قضت نسكها بلغها أن عثمان قتل، فقالت:

أبعده الله بما قدمت يداه، الحمد لله الذي قتله، وبلغها أن طلحة ولي بعده، فقالت: إيه ذا الإصبع (2)، فلما بلغها أن عليا عليه السلام بويع، قالت: وددت أن هذه وقعت على هذه.

وذكر الواقدي في تاريخه كثيرا مما ذكره الثقفي، وزاد في حديث مروان ومجيئه إلى عائشة: أن زيد بن ثابت كان معه، وأنها قالت: رددت والله إنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنه في البحر، وأما أنت يا زيد فما أقل والله من له مثل ما لك من عضدان العجوة.

وذكر من طريق آخر: أن المكلم لها في الإقامة مع مروان عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، قالت: لا والله ولا ساعة (3)، إن عثمان غير فغير الله به، آثركم والله وترك أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.

وزاد في خطابها لابن عباس: إنك قد أعطيت لسانا وجدلا وعقلا وبيانا، وقد رأيت ما صنع ابن عفان، اتخذ عباد الله خولا، فقال: يا أمه دعيه (4) وما هو فيه، لا ينفرجون عنه حتى يقتلوه، قالت: أبعده الله.

ومن طريق آخر: إياك أن تردد الناس عن هذا الطاغية، فإن المصريين قاتلوه.

____________

(1) في النسخة والبحار: " غزايري ".

(2) في النسخة: " الأصبغ ".

(3) في النسخة: " ولا سراعة "، والمثبت من البحار.

(4) في النسخة: " دعيته ".

الصفحة 290
وروي عن ابن عباس قال، دخلت عليها بالبصرة فذكرتها هذا الحديث، فقالت: ذلك المنطق الذي تكلمت به يومئذ هو الذي أخرجني، لم أر لي توبة إلا الطلب بدم عثمان، ورأيت أنه قتل مظلوما، قال: فقلت لما: فأنت قتلتيه بلسانك، فأين تخرجين؟! توبي وأنت في بيتك، أو أرضي ولاة دم عثمان ولده، قالت: (دعنا من جدالك فليس من الباطل في شئ.

وذكر الواقدي عن عائشة بنت قدامة قالت:) (1) سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله تقول - وعثمان محصور قد حيل بينه وبين الماء -: أحسن أبو محمد حين حال بينه وبين الماء، فقالت لها: يا أمه على عثمان؟ فقالت: إن عثمان غير سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وسنة الخليفتين من قبله، فحل دمه.

وذكر الواقدي في تاريخه، عن كريمة بنت المقداد قالت: دخلت على عائشة فقالت: إن عثمان أرسل إلى أن أرسل إلى طلحة فأبيت، وأرسل إلي أن أقيمي ولا تخرجي إلى مكة، فقلت: قد جليت (2) ظهري وعريت (3) غرايري (4) وإني خارجة غدا إن شاء الله، ولا والله ما أراني أرجع حتى يقتل، قالت (5): بما قدمت يداه، كان أبي - تعني:

المقداد - ينصح له فيأبى إلا تقريب مروان وسعيد بن عامر، قالت عائشة: حبهم والله صنع به ما ترين، حمل إلى سعيد بن العاص مائة ألف، وإلى عبد الله بن خالد بن أسيد ثمانمائة ألف، وإلى الحارث بن الحكم مائة ألف، وأعطى مروان خمس إفريقية لا يدري بكم (6) هو، فلم يكن الله ليدع عثمان.

وذكر في تاريخه، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت أشد

____________

(1) من البحار.

(2) في النسخة: " جلت "، والمثبت من البحار.

(3) في حاشية البحار: " وغررت ".

(4) في النسخة: " غزايري ".

(5) في البحار: " قالت قلت ".

(6) في البحار: " كم ".

الصفحة 291
الناس على عثمان، تحرض الناس عليه وتؤلب حتى قتل، فلما قتل وبويع علي عليه السلام طلبت بدمه.

وأمثال هذه الأقوال وأضعافها المتضمنة للنكير على عثمان من الصحابة والتابعين (1) المنقولة في جميع التواريخ.

وإنما اقتصرنا على تاريخي الثقفي والواقدي لأن لنا إليهما طريقا، ولأن لا يطول الكتاب.

وفيما ذكرناه كفاية، ومن أراد العلم بمطابقة التواريخ لما أوردناه في هذين التاريخين فليتأملها يجدها موافقة.

(حصر عثمان في داره وما جرى عليه)

ثم أطبق أهل الأمصار وقطان المدينة من المهاجرين والأنصار - إلا النفر الذين اختصهم عثمان لنفسه وآثرهم بالأموال، كزيد بن ثابت، وحسان، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ومروان، وعبد الله بن عمر - على حصره في الدار، ومطالبته بخلع نفسه من الخلافة أو قتله، إلى أن قتلوه على الإصرار على ما أنكروا عليه ومن ظفروا به في الحال من أعوانه، وأقام ثلاثا لا يتجاسر أحد من ذريه أن يصلي عليه ولا يدفنه خوفا من المسلمين، إلى أن شفعوا إلى علي عليه السلام في دفنه، فأذن في ذلك على شرط أن لا يدفنوه في مقابر المسلمين، فحمل إلى حش كوكب مقبرة اليهود، ولما أراد النفر الذين حملوه الصلاة عليه منعهم من ذلك المسلمون ورجموهم بالأحجار، فدفن بغير صلاة، ولم يزل قبره منفردا عن (2) مقابر المسلمين، إلى أن ولي معاوية، فأمر بأن يدفن الناس (من) (3) حوله، حتى اتصل الدفن بمقابر المسلمين، ولم يسأل عنه أحد من بعد

____________

(1) في البحار: " أو التابعين ".

(2) في البحار: " من ".

(3) من البحار.

الصفحة 292
القتل من وجوه المهاجرين والأنصار - كعلي عليه السلام، وعمار، ومحمد بن أبي بكر، وغيرهم، وأماثل التابعين - إلا قال: قتلنا كافرا.

وهذا الذي ذكرناه من نكير الصحابة والتابعين على عثمان موجود في جميع التواريخ وكتب الأخبار، ولا يختلف في صحته مخالط لأهل السير والآثار، وإن أحسن الناس كان فيه رأيا من أمسك عن نصرته ومعونة المطالبين له بالخلع، وكف عن النكير عنه وعنهم، كمن ذكرناه من مواليه وبني أمية، ومن عداهم بين قاتل ومعاون بلسانه أو يده (1) أو بهما.

و (معلوم) (2) تخصص قاتليه بولاية علي عليه السلام، وكونهم بطانة له وخواصا - كمحمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، والأشتر، وغيرهم من المهاجرين والأنصار وأهل الأمصار - وتولي الكافة لهم تولي الصالحين، والمنع منهم بالأنفس والأموال وإراقة الدماء في نصرتهم، والذب عنهم، ورضاهم بعلي عليه السلام، مع علمهم برأيه في عثمان والتأليب عليه، وتولي الصلاة وهو محصور بغير أمره، واتخاذه مفاتح لبيوت الأموال، واتخاذ قتلته (3) أولياء (و) خاصته أصفياء، وإطباقهم على اختياره، وتقالهم معه، والدفاع عنه وعنهم، واستفراغ الوسع في ذلك، وعدم نكير من أحد من الصحابة أو التابعين يعتد بنكيره.

(تكفير عثمان)

ثم اشتهر التدين بتكفير عثمان بعد قتله، وكفر من تولاه من علي عليه السلام وذريته وشيعته ووجوه الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، وحفظ عنهم التصريح بذلك، المستغني عنه بمعلوم القصود منهم، غير أن (4) في ذكره (إيناسا) (5) للبعيد عن سماع العلم

____________

(1) في البحار: " أو بيده ".

(2) من البحار.

(3) في النسخة: " قبلته ".

(4) في البحار: " التصريح بذلك بحيث لا يحتاج إلى ذكره غير أن ".

(5) من البحار.

الصفحة 293
وتنبيها للغافل (1) من شبه (2) الجهل.

فن ذلك ما رووه من طرقهم: أن عليا عليه السلام خطب الناس بعد قتل عثمان، فذكر أشياء قد مضى بيانها.

من جملتها: قوله عليه السلام: سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب، همته بطنه وفرجه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة، والنار أمامه.

ورووا عن علي بن حزور، عن الأصبغ بن نباتة قال: سأل رجل عليا عليه السلام عن عثمان؟ فقال: وما سؤالك عن عثمان، إن لعثمان ثلاث كفرات، وثلاث غدرات، ومحل ثلاث لعنات، وصاحب بليات، لم يكن بقديم الإيمان، ولا ثابت الهجرة، وما زال النفاق في قلبه، وهو الذي صد الناس يوم أحد، الحديث طويل.

وذكر الثقفي في تاريخه، عن عبد المؤمن، عن رجل من عبد القيس قال: أتيت عليا عليه السلام في الرحبة فقلت: يا أسير المؤمنين حدثنا عن عثمان، قال: ادن، فدنوت، قال: إرفع صوتك، فرفعت صوتي، قال: كان ذا ثلاث كفرات، وثلاث غدرات، وفعل ثلاث لعنات، وصاحب بليات، ما كان بقديم الإيمان، ولا حديث النفاق، يجزي بالحسنة السيئة، في حديث طويل.

وذكر في تاريخه، عن حكيم بن جبير، عن أبيه، عن أبي إسحاق، وكان قد أدرك عليا عليه السلام قال: ما يزن عثمان عند الله ذبابا، فقال: ذبابا! فقال: ولا جناح ذباب، ثم قال: و (لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) (3).

وذكر فيه، عن أبي سعيد التيمي قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: أنا يعسوب المؤمنين، وعثمان يعسوب الكافرين.

____________

(1) في النسخة: " وتنبها الغافل "، والمثبت من البحار.

(2) في البحار: " سنة ".

(3) الكهف 18: 105.

الصفحة 294
وعن أبي الطفيل: وعثمان يعسوب (1) المنافقين.

وذكر فيه، عن هبيرة بن ميرم (2) قال: كنا جلوسا عند علي عليه السلام، فدعا ابنه عثمان، فقال له: يا عثمان، ثم قال: إني لم أسمه باسم عثمان الشيخ الكافر، إنما سميته باسم عثمان بن مظعون.

وذكر في تاريخه من عدة طرق: أن عليا عليه السلام كان يستنفر الناس ويقول:

انفروا إلى أئمة الكفر وبقية الأحزاب وأولياء الشيطان، انفروا إلى من يقول: كذب الله ورسوله صلى الله عليه وآله، انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا، والله إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة، لا ينقض من أوزارهم شئ.

وذكر فيه، عن عمر بن هند، عن علي عليه السلام أنه قال: لا يجتمع حبي وحب عثمان في قلب رجل إلا اقتلع أحدها صاحبه.

وروي فيه من طرق: أن جيفة عثمان بقيت ثلاثة أيام لا يدفن، فسأل عليا عليه السلام رجال من قريش في دفنه، فأذن لهم على أن لا يدفن مع المسلمين في مقابرهم ولا يصلى عليه، فلما علم الناس بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، فخرجوا به يريدون (3) حش كوكب مقبرة اليهود، فلما انتهوا به إليهم رجموا سريره.

وروي فيه من طرق، عن علي عليه السلام أنه قال: من كان سائلا عن دم عثمان فإن الله قتله وأنا معه.

وروي فيه، عن مالك بن خالد الأسدي، عن الحسن بن إبراهيم، عن آبائه قال:

كان الحسن بن علي عليهما السلام يقول: (معشر) (4) الشيعة علموا أولادكم بغض عثمان، فإنه من كان في قلبه حب لعثمان فأدرك الدجال آمن به، فإن لم يدركه آمن به (5) في

____________

(1) في النسخة: " ويعسوب ".

(2) في النسخة: " مريم ".

(3) في البحار: " يريدون به ".

(4) من البحار.

(5) في النسخة: " من "، والمثبت من البحار.

الصفحة 295
قبره.

ورووا فيه، عن بكر بن أيمن، عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: إنا وبنو أمية تعادينا في الله، فنحن وهم كذلك إلى يوم القيامة، فجاء جبرئيل عليه السلام براية الحق فركزها بين أظهرنا، وجاء إبليس براية الباطل فركزها (1) بين أظهرهم، وإن أول قطرة سقطت على وجه الأرض من دم المنافقين دم عثمان بن عفان.

وروي فيه، عن الحسين عليه السلام: أن عثمان جيفة على الصراط، من أقام عليها أقام على أهل النار، ومن جاوزه جاوز (2) إلى الجنة.

وروي فيه، عن حكيم بن جبير يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله: أن عثمان جيفة على الصراط، يعطف عليه من أحبه ويجاوزه عدوه.

وروي فيه، عن محمد بن بشير قال: سمعت محمد بن الحنفية يلعن عثمان ويقول:

كانت أبواب الضلالة مغلقة حتى فتحها عثمان.

وروي فيه، عن عبد الله بن شريك، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال: لا تكن حرب سالمة حتى يبعث قائمنا ثلاثة أراكيب في الأرض: ركب يعتقون مماليك أهل الذمة، وركب يردون المظالم، وركب يلعنون عثمان في جزيرة العرب.

وروى قتيبة، عن أبي سعيد التيمي قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: ثلاث يشهدن على عثمان بالكفر وأنا الرابع.

وقد ذكرنا هذا الحديث وشهادة عمار عليه بالكفر في مقام بعد مقام.

وروي فيه، عن يحيى بن جعدة قال: قلت لزيد بن أرقم: بأي شئ كفرتم عثمان؟

قال: بثلاث: جعل المال دولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين بمنزلة من حارب الله ورسوله صلى الله عليه وآله، وعمل بغير كتاب الله.

____________

(1) في النسخة: " فركزهم "، والمثبت من البحار.

(2) في النسخة: " جاوزه "، والمثبت من البحار.

الصفحة 296
ومن طريق آخر قال: كفرناه بثلاث: مزق كتاب الله ونبذه في الحشوش (1) وأنزل المهاجرين بمنزلة من حارب الله ورسوله عليه السلام، وجعل المال دولة بين الأغنياء، فمن ثم أكفرناه وقتلناه.

وروي فيه، عن أنس بن عمرو قال: قلت لزبيد الأيامي (2): إن أبا صادق قال:

والله ما يسرني أن في قلبي مثقال حبه خردل حبا لعثمان ولو (3) أن لي أحدا ذهبا، وهو شر عندي من حمار مجدع لطحان، فقال زبيد: صدق أبو صادق.

وروي فيه عن الحكم بن عيينة قال: حضرنا في موضع فقال طلحة بن مصرف الامامي: يأبى قلبي إلا حب عثمان، فحكيت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال: لعن الله قلبه (4).

ورووا عن إبراهيم أنه قال: إن عثمان عندي شر من قارون.

ورووا فيه عن سفيان، عن الحسن البصري قال: سألت (5) فقلت: أيهما أفضل عثمان أم عمر بن عبد العزيز؟ قال: ولا سواء من جاء إلى أمر فاسد فأصلحه خيرا، ومن جاء إلى أمر صالح فأفسده.

ورووا فيه عن جويبر، عن الضحاك قال: قال لي: يا جويبر إعلم أن شر هذه الأمة الأشياخ الثلاثة، قلت من هم؟ قال: عثمان وطلحة والزبير.

ورووا فيه عن الوليد بن زرود الرقي، عن أبي جارود العبدي قال: أما عجل هذه الأمة فعثمان، وفرعونها معاوية، وسامريها أبو موسى الأشعري وذو الثدية، وأصحاب النهر ملعونون، وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وروي عن أبي الأرقم قال: سمعت الأعمش يقول: والله لوددت أني كنت وجأت

____________

(1) في النسخة: " الحسوس "، والمثبت من البحار.

(2) في النسخة: " الأنامي ".

(3) في النسخة: " ولا "، والمثبت من البحار.

(4) في النسخة: " قلبيه ".

(5) في البحار: " سألته ".

الصفحة 297
عثمان بخنجر في بطنه فقتلته.

ورووا عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير (1)، قال: يرفع عثمان وأصحابه يوم القيامة حتى يبلغ بهم الثريا ثم يطرحون على وجوههم.

وروي فيه، عن أبي عبيدة الذهلي (2) قال: والله لا تكون الأرض سلما سلما حتى يلعن عثمان ما بين المشرق والمغرب، لا ينكر ذلك أحد.

وروي فيه: أن عبد الرحمن بن حنبل الجمحي - وكان بدريا - قال (3):


ذق يا أبا عمرو بسوء الفعلوذق صنع كافر ذي جهل
لما صددت (4) باب كل عدلورمت نقص حقنا بالباطل
غدا عليك أهل كل فضلبالمشرفيات العصاة (5) الفصل
فذقت قتلا لك أي قتلكذاك يجزى كل عات دغل

في أمثال لهذه (6) الأقوال المحفوظة عن الصحابة والتابعين، ذكر جميعها يخرج عن الغرض، وفي بعض ما ذكرناه كفاية في المقصود، والمنة لله.

(الطلب بثأر عثمان وسببه)

إن قيل: أفليس قد أنكر ما جرى وطلب بثأر عثمان طلحة والزبير، وهما صحابيان، وعائشة وهي زوج النبي عليه السلام، ومعاوية وعمرو بن العاص وهما صحابيان، ومن كان في حيزهم من المسلمين؟

____________

(1) في النسخة: " خبير "، والمثبت من البحار.

(2) في النسخة غير مقروءة، وكأنها: " الثقفي ".

(3) في البحار: " قال شعر ".

(4) في البحار: " سددت ".

(5) في البحار: " القضاب ".

(6) في البحار: " هذه ".

الصفحة 298
قيل: أول ما في هذا أن الحال التي وقع فيها (1) القتل بعثمان لم يحصل فيها نكير من أحد يعتد به، وهو الوجه المقتضي لحسن الواقع من قتل عثمان، ولا تأثير لما أظهره القوم المعنيون من النكير شاما وعراقا، لوجوب اختصاص النكير لما يتوقع حدوثه، دون الماضي الذي يستحيل تأثير الإنكار فيه، ولم يبق إلا أن يقال: إن الواقع منهم كان انتصارا، فيسقط ذلك على مذاهبنا ومذاهبهم، وإن كان غير نافع لهم في موضع القدح إنكار من ذكروه.

فأما سقوطه على مذاهبنا، فلأنا نثبت النص (على) علي عليه السلام، وندين بأنه كاشف عن عصمته عليه السلام، حسب ما وضح برهانه وقامت حجته، وذلك يقتضي صواب فعله عليه السلام، وضلال المنكر عليه والمنتصر منه والخارج عن طاعته، وسقوط الأحكام المخالفة لحكمه، والشهادة على جميعها بالقبح.

وعلى أصول الخصوم: أنهم يثبتون إمامته بعد عثمان باختيار الأمة، ويقطعون على خطأ الخارج عن طاعته المختار، وضلال المحارب له من غير حدث، وعلي عليه السلام لم يحدث باتفاق.

على أن تأمل حال الفريقين، وتتبع أفعالهم، وكشف أغراضهم يوضح عن خلاف ما ظنه السائل من الإنكار لباطل أو الانتصار لحن أو طلب ثأر، ويوضح عن قصدهم التأمير على الناس، وخلع طاعة المنصوص عليه والمختار، ليأسهم من بلوغ الأغراض الفاسدة في ولايته، وحرصهم على نيل الأماني الدنيوية على أي وجه يمكن وبأي شئ تم من حسن الأفعال وقبيحها.

ومن كانت هذه حاله فلا اعتداد بفعله، ولا تأثير لما يظهره من النكير المعلوم خلاف غرضه فيه وفساده لو كان مقصودا، لقبحه، ونحن ننبه (2) على جمل ذلك وما

____________

(1) في النسخة: " فيهما ".

(2) في النسخة: " بينه ".

الصفحة 299
يقتضيه.

أما عائشة، فالمعلوم من حالها عداوة عثمان والمجاهرة بالنكير عليه والتأليب إلى أن أحصر، وخروجها إلى مكة، بعد الظن القوي بهلاكه، مؤلبة عليه، وذاكرة أحداثه في الإسلام، ومخالفته سيرة المتقدمين عليه في محافل مكة، وكاتبة به إلى البلاد، إلى أن بلغها قتله والإرجاف ببيعة طلحة، فأظهرت من السرور بالأمرين والذم لعثمان والمدح لطلحة ما أجمع عليه الناقلون، فقد ذكرنا طرفا من ذلك أجمع، وأعجلت الرحلة مغتبطة بالحالين.

إلى أن صح لها في الطريق ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وبيعة الناس له لخلات، فعادت ناكصة على عقبها، واجمة من ولايته، عظيمة الوجد لخلافته، مظهرة التوجع لعثمان وما جرى عليه، مشيدة لقتله مظلوما، ناشدة دمه في المحافل، مؤلبة على علي عليه السلام، معلنة بأنه قتل عثمان وشيعته مظلوما.

حتى اجتمع لها أولياء عثمان، ومبغضو علي عليه السلام، ومكيدوا الإسلام وأغرار قريش.

وبلغ ذلك طلحة والزبير، فوافق شحنا (1) في صدور ما، فاستأذنا عليا عليه السلام في العمرة، عزما منهما على نكث بيعته، ورغبة في اللحوق بعائشة، تأميلا لبلوغ الرئاسة الفانية من جهته، وطمعا في الدنيا المؤيس منها لديه، فخوفهما عليه السلام الغدر والنكث، فجددا عهدا ثانيا، فأذن لهما.

فلما وصلا مكة ناشدا الناس دم عثمان، وأن عليا دس عليه حتى قتل، وآوى قتلته واتخذهم بطانة، مع ما نعلم من حالهما في عثمان وحصره، والمشاركة في قتله، وبرء أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك، ولزومه منزله حتى قتل.

فاجتمع إليهم القوم الذين أجابوا عائشة وأمثالهم من الطماع وأجلاف الأعراب، فمضوا جميعا إلى البصرة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

____________

(1) في النسخة: " سحنا ".

الصفحة 300
فلما انتهوا إليها دعوا الناس إلى خلع علي عليه السلام وبيعتهما وعائشة، فأجابهم من لا بصيرة له أو من يرغب في الفتنة، وامتنع حكيم بن جبلة العبدي في مائتين من صلحاء قومه، فقتلوه وجماعته، وغدروا بعثمان بن حنيف - وقتلوا السابحة - (1) وأرادوا قتله، فخافوا أخاه سهلا على قومهم بالمدينة، فنكلوا به، وفتحوا بيت المال بها، فأخذوا منه ما شاؤوا.

واجتمع إليهم أطراف الناس، وقوي أمرهم وعظمت فتنتهم.

فلما بلغ ذلك عليا عليه السلام، كانت عماله وأمراؤه بحال القوم وإفسادهم في البلاد (2)، فسار في المهاجرين والأنصار وذوي السوابق وأولي البصائر، ليتلافى فارطهم وشغب صدعهم في الإسلام وبريق لمعهم (3) في الدين.

فلما انتهى إليهم دعاهم إلى الله تعالى، وإلى كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، والدخول في الجماعة، وخوفهم الفتنة والفرقة.

فأبوا إلا القتال، أو خلع نفسه من الأمر ليولوه من شاؤوا، أو يسلم إليهم قتلة عثمان ليروا رأيهم فيهم.

فسألهم ذكر حدث يوجب خلعه، أو تقصير يمنع من إمامته، فلم يجيبوه، فكرر الأعذار، وبالغ في النصيحة، والدعوة إلى كتاب الله والسنة، والتخويف من الفتنة والفرقة، على الانفراد بكل منهم بنفسه وبرسله، والاجتماع.

ولا جواب إلا قولهم مع الخوف شدة المطامع، وسمعنا أن هاهنا دنيا جئنا بطلبها، وظن ابن أبي طالب أن الأمر قد استوسق له، وأنه لا منازع له، ونحو هذا الكلام.

فكرر التذكار والوعظ، فلم يزدهم ذلك إلا طغيانا وإصرارا، فأمسك عن قتالهم واقتصر على الدعاء، حتى بدأوه بالحرب، وقتلوا داعيه بالمصحف إلى ما فيه وهو

____________

(1) كذا.

(2) كذا في النسخة، والظاهر وجود سقط يحتمل: " على علم ".

(3) في النسخة: " معهم ".

الصفحة 301
مسلم، ورشقوا أصحابه بالسهام، فجرحوا قوما وقتلوا آخرين، وحملوا على أصحابه من كل جانب، وعائشة على جملها محفحفا (1)، وعلى هودجها الدروع بارزة بين الصفين تحرض على القتال.

فحينئذ أذن عليه السلام لأنصاره بالقتال، فلم يكن إلا قليلا حتى صرع الله طلحة والزبير ناكثين غادرين، وقتل أنصار الجمل، وولى الباقون مدبرين، وعقر جمل الفتنة، وأخذت عائشة، ونادى مناديه عليه السلام: بأن لا يتبع منهزم، ولا يجهز على جريح، ولا يعرض لمن ألقى سلاحه أو دخل داره، وقسم ما حواه العسكر من كراع وسلاح ومال، دون النساء والولدان، ولم يعرض لما خرج عنه من أموال المحاربين وأهليهم، وعفا عن الانتقام من عائشة ومن سلم من أنصارها، وأنفذها إلى المدينة في صحبة النساء.

فهذه جمل أحوال أهل الجمل باتفاق الناقلين، ليست من النكير في شئ، وظاهرها الطلب بثأر عثمان على مذاهب الجاهلية، ومنازعة أمير المؤمنين عليه السلام الأمر رغبة في الخلافة، دون الانتصار لحق أو دفع لباطل، وخطأهم في ذلك ظاهر من وجوه:

أما عائشة، فإذا كان المعلوم من حالها عداوة عثمان، والتعريض به، والتأليب عليه، واستمرارها على ذلك إلى أن قتل، واغتباطها بقتله، وما سمعته من تولي طلحة للخلافة، فلما بلغها ولاية أمير المؤمنين عليه السلام للأمر رجعت عن ذلك كله إلى خلافه. علم أن الحامل لها على الطلب بدم عثمان عداوة أمير المؤمنين عليه السلام، دون الانتصار له.

ولو سلم رأيها في عثمان، لكان الواجب عليها الرضى بما فعلته الصحابة وأولوا البصائر الذين بهم انعقدت إمامة عثمان وإمامة من تقدمه عندها (2)، التي لا يتمكن منها

____________

(1) كذا.

(2) في النسخة: " يقدمه عندهما ".