وبهذا تسقط شبهة من قدح في شهادة الحسنين عليهما السلام بالصبا، لأن ذلك لو كان مانعا من قبول شهادتهما لكان علي عليه السلام به أعلم من أبي بكر، وكان لا يعرضهما للشهادة، ولكان رد شهادتهما لذلك أولى من ردها بالبنوة، ولما لم يقل ذلك أبو بكر دل على أنهما معتد بشهادتهما.
ومنها: قبوله دعوى جابر في الحثيات (1) وعائشة وحفصة من ثياب النبي صلى الله عليه وآله، وإقرارهما في ثبوته بغير بينة، مع تميز المردود دعواه وشهادته في الفضل، وتبريزه عليهم في العدالة والزهد، واختصاصهم من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة لم يشاركهم فيها أحد، وذلك يوضح عن قصده أهل هذا البيت بالظلم، وإرادة الوضع منهم، والتصغير من قدرهم... (2) بأدنى تأمل.
ومنها: حين طالبت بفدك من جهة الإرث - إذ دفعها عنها بالنحلة - كذبه على رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، ليتم له منع فاطمة عليها السلام لفدك من جهة الإرث كالنحلة، والدلالة على كذبه من وجوه:
منها: تصريح القرآن بخلافه في قوله تعالى: (وورث سليمان داود) (3) وقوله تعالى: (يرثني ويرث من آل يعقوب) (4)، وإطلاق الإرث مختص بانتقال الأعيان إلى الوارث فيما يصح نقله، ورفع الحظر، وصحة تصرفه فيما لا يصح نقله من الحرث والرباع، فيجب حمله عليه دون ما يدعى من علم وغيره، ولأن العلم والنبوة لا يورثان، لوقوف
____________
(1) في النسخة: " قبوله دعوى جايز في الجنينات ".
(2) كلمات غير مقروءة.
(3) النمل 27: 16.
(4) مريم 19: 6.
ومنها: قوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (2)، وهذا عام.
وقوله تعالى: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون " (3) وهذا عام (4) أيضا.
وقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (5)، وهذا عام في جميع الأولاد.
وقوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (6)، وهذا عام أيضا في جميع ذوي الأرحام.
ولأن المعلوم من دينه عليه السلام ثبوت حكم التوريث بين ذوي الأنساب والأسباب، وإذا كان حكم التوريث معلوما من دينه ضرورة، وقد نطق به القرآن، وجب القطع على كذب المدعي لخلافه، لا سيما ولا نعلم مشاركا له في روايته.
____________
(1) في النسخة: " لبنان "، ويحتمل: " ليبان ".
(2) النساء 4: 7.
(3) النساء 4: 33.
(4) في النسخة: " عالم ".
(5) النساء 4: 11.
(6) الأنفال 8: 75.
ولا يجوز أن يقول جاهلهم في هذا: قد أنكر عليها أبو بكر، لأنه يقال له: وقد أنكرت هي أيضا على أبي بكر، وهل من فضل؟!.
ومنها: أن هذا الخبر لو كان صدقا لم يختص سماعه بأبي بكر، بل الوجوب في حكمة النبي صلى الله عليه وآله إعلام أهل بيته به، لاختصاص فرض تبليغه إليهم بهم، لكونه من فروضهم دون أبي بكر.
ولو أعلمهم لم يطالبوا إلا عن علم منهم بتحريم المطالبة، وذلك مأمون منهم بغير خلاف، ولأنه عليه السلام نص على أن عليا عليه السلام أعلم القوم، وأقضاهم، وباب مدينة علمه، ومن لا يفارق الحق ولا يفارقه، وذلك يمنع من جهله بحكم شرعي يعلمه أبو بكر.
وألا يبلغه النبي صلى الله عليه وآله إليهم ولا إلى من تقوم الحجة بنقله إخلال منه عليه السلام بواجب الأداء، وذلك مأمون منه باتفاق، فلم يبق إلا كذب المخبر به.
وبعد، فلو (1) سلم الحديث لم يمنع من مقصودنا من وجهين:
أحدهما: أن إعرابه غير مضبوط، فيصح أن تكون الرواية بنصب صدقة، فتكون فائدته: أن المتروك للصدقة لا يورث، بخلاف كل موص بصدقة لا يمضي منها ما زاد على الثلث.
الثاني: أنه لو ثبت ما أرادوا من نفي التوريث لكان مختصا بما يصح ذلك فيه من أملاكه، وفدك خارجة عن هذا، لكونها من جملة الأنفال التي لا تملك على حال، ولا يصح تصرف النبي صلى الله عليه وآله ولا من يقوم مقامه من الحجة من الأئمة المستحقين للأنفال في شئ من منافعها بعد الوفاة، لاختصاص ذلك بالقيام في حفظ الملة مقام
____________
(1) في النسخة: " فلم ".
وليس لأحد أن يقول: فأبو بكر بهذه الصفة.
لأنا نعلم ضرورة أنه لم يدعها لنفسه، وذلك يقتضي جهله بهذا الحكم، أو علمه بأنه ليس من أهله، وأي الأمرين كان قدح في عدالته.
إن قيل: فعلى أي وجه صح من فاطمة عليها السلام أن تدعي استحقاقه ما بالنحلة تارة وبالميراث أخرى؟.
قيل: للوجه (1) الذي له حل لها التصرف فيها في حياة النبي صلى الله عليه وآله، (و) هو إذنه لها بذلك، وبعد وفاته إذن أمير المؤمنين عليه السلام المستحق لها بنيابته في الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم تتمكن عليها السلام أن تطلبها من هذا الوجه المقتضي لتضليل ولي الأمر دون أمير المؤمنين عليه السلام، كما لم يتمكن أمير المؤمنين عليه السلام من التصريح بذلك، فعدلت إلى دعوى النحلة من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي صادقة، لكونها منحولة منه عليه السلام.
ولما دفعت عنها بفعل من قد اعتقد كونها ملكا للنبي عليه السلام يصح ميراثه قالت: فإذا لم تعطنيها بالنحلة وكانت عندك ملكا لأبي فأنا أولى الخلق بميراثه، فعدل إلى الخبر الذي لا حجة فيه على وجه، وهي عليها السلام في ذلك واضحة للاحتجاج (2) عليه موضعه، وإن كان الوجه في استحقاقها ما بيناه.
على أن الرجل قد ناقض ما ادعاه على النبي صلى الله عليه وآله وحكم به على فاطمة عليها السلام بإقراره الأزواج في بيوت النبي عليه السلام، والقميص في يد عائشة الذي أخرجته للتأليب على عثمان، والسلاح والفرس والنعلين والقضيب والبردة والعمامة والحمار والناقة العضباء والراية في يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
____________
(1) في النسخة: " لوجه ".
(2) كذا في النسخة، والظاهر أن الصحيح: " واضعة الاحتجاج ".
ومما يدل على كونه ظالما بمنع فدك من استمرار تظلم فاطمة عليها السلام منه، وقولها: فدونكها مزمومة مرجولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحاكم الله، والزعيم محمد، وعندها هناك يخسر المبطلون، أفي آية يا بن أبي قحافة أن ترث أباك ولا أرث أبي (1)، لقد جئت شيئا فريا.
إلى غير ذلك من كلامها وهجرانها (2) إلى أن ماتت، وإيلافها (3) على ترك كلامه، وإيصائها بدفنها ليلا، لئلا يصلي عليها.
وتظلم أمير المؤمنين عليه السلام في أحوال التمكن من منعهم فدك، وقوله المشهور: وكانت لنا فدك من جميع ما أظله الفلك، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت نفوس آخرين، ونعم الحاكم الله.
وتظلم الأئمة من ذريتهما عليهما السلام، والأبرار من ذريتهم إلى يومنا هذا.
ومنها: قتال بني حنيفة وقتلهم وسبي ذراريهم وقسمة فيئهم، مع ظهور إسلامهم وإقرارهم به، وعقد الجمع والجماعات في مساجدهم، والمجاهرة بشعار الإسلام، وذلك ضلال لا ريب فيه على منصف، ولا عذر بدعوى منع الزكاة، لأن الظاهر إسلامهم، ومنع الزكاة غير معلوم، ولو كان معلوما لم يقتض ردة إلا بعد العلم بكونه صادرا عن استحلال، لحصول الإجماع على أن مانع الزكاة وتارك الصلاة محرما ليس بمرتد، ولا سبيل إلى ذلك.
ولو كان إليه سبيل لكان مختصا بالأغنياء من العقلاء البالغين، دون الفقراء
____________
(1) في النسخة: " أبيه ".
(2) في النسخة: " كلامه وهجرانه ".
(3) في النسخة: " وإيلاقها ".
وفي عموم الانتقام والشهادة بالردة على (ال) جميع دلالة على ظلم المنتقم والراضي به وجهلهما بالأحكام وإباحته الدماء والأموال ووطئ الحرائر بغير عقد واسترقاق المولودين على الفطرة والحرية لغير وجه وإسقاط الاقتصاص من جاني ذلك ودرء الحد عن خالد فيما (1) أتاه من الفجور بزوجة مالك بن نويرة، والاقتصاص منه بمن قتله بغير حق يقتضي كفره إن كان مستحلا، وفسقه إن كان محرما.
ومنها: نصه على عمر من غير مشاورة الصحابة، ومراغمته كثيرا منهم من ذلك، وإيجابه الانقياد له وإن كرهوا، وذلك خطأ ظاهر، لأن قوله لشئ بحجة يجب أتباعها باتفاق.
ومن ذلك: تعمد الكلام في الصلاة، مع حصول الإجماع بتحريمه، مع ما يدل عليه من قبيح الفعل الفارط المستدرك بالكلام في الصلاة.
وأما الأحداث الواقعة من عمر بن الخطاب في ولايته.
فعلى ضروب:
منها: تفضيله عائشة وحفصة في العطاء من غير سبب يوجب ذلك لهما من سد ثغر أو حماية بيضة أو عناء في الإسلام، وفيه منع لمستحق وإعطاء في غير حق.
ومنها: حرمان آل النبي صلى الله عليه وآله ما جعله الله لهم من الخمس المأخوذ في حياة النبي صلى الله عليه وآله وولاية أبي بكر، مع تحريم الصدقة عليهم، وذلك غاية في القصد إلى الإضرار بهم والمبالغة في ظلمهم.
ومنها: اقتراضه من بيت المال، وفيه استباحة التصرف في غير الملك بغير إذن، لتعذر الإذن في بيت المال، لفقد العين في مستحقه، وتجويز حصول الحاجة بالأمة إليه في حال لا يستطيع أداءه لفقره، أو حصول الموت دونه، حسب ما روي من وفاته وعليه
____________
(1) في النسخة: " فما ".
ومنها: إسقاط الحد والاقتصاص عن خالد بن الوليد بما أتاه إلى بني حنيفة، بعد تقدم الإنكار منه في ولاية أبي بكر، وشهادته على خالد بالفسق، وإيلائه على الانتصار منه متى يمكن، وذلك منه إخلال بواجب يقتضي فسق المخل.
ومنها: إسقاط الحد والتعزير (عن المغيرة) بن شعبة، وجلد ثلاثة من المسلمين حد المفتري بتلقينه زيادا الرجوع عن الشهادة، بقوله: ما كان الله ليفضح رجلا من أمة محمد على يديك، فعلم زياد غرضه مع قلة دينه، فقال: رأيته بين الشعب الأربع ورأيت نفسا عاليا، ولم أر الميل في المكحلة، فأسقط حد المغيرة الذي لولا هذا التلقين لكان ثابتا من حيث علمنا وكل ناظر: أن الشهود لم يحضروا من البصرة إلى المدينة ليقيموا الشهادة إلا عن يقين بما يشهدون به، ولذلك سبقوا زيادا بالشهادة، علما منهم بمشاركته.
وأما إسقاطه التعزير عنه، فقد ثبت بشهادة الأربعة مخالطة المغيرة للمرأة، وهذا فعل يوجب التعزير بشاهدين، فضلا عن أربعة، ولم يفعله، ولأنه أسقط التعزير عن زياد لكونه معرضا وحده لمخالطه.
ولا عذر بأن يقال: للإمام أن يلقن ما يدرء به الحد عن المسلم سترا عليه، لأن المغيرة ليس بذلك أولى من ثلاثة نفر من أفاضل المسلمين، فلو كان الغرض الستر على المسلم لكان الشهود بذلك أولى، لكونهم ثلاثة والمغيرة واحدا، ولهذا كان عمر يقول: ما لقيت المغيرة قط إلا خفت أن أرجم بحجارة من السماء، لعلمه بأنه أسقط عنه حدا واجبا، وجلد ثلاثة بغير حق.
ومنها: تحريمه ما يعترف بتحليله حياة النبي صلى الله عليه وآله من نكاح المتعة، بقوله على المنبر: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ضلالا، وأنا محرمهما، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج، فأما متعة الحج فإني أكره أن تروح الناس إلى منى شعثا غبرا ويروح المتمتعون مدهنين متطيبين، وأما متعة النساء فلا يزال أحدكم يرى في أهله مالا وولدا لا يعرف أباه كهذا، ورفع صبيا على يده.
منها: أن التحريم لو كان ثابتا عن نبي الهدى عليه الصلاة والسلام لاستغنى ثبوته عن تحريمه الذي لا يفيد شيئا، كاستغناء سائر المحرمات.
ومنها: أنه صرح فيه بقوله: كانتا حلالا أنا أحرمهما، فنسب التحليل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأضاف التحريم إلى نفسه، وليس إليه منه شئ.
ومنها: أنه أطلق القول بتحريم المتعتين، وقد أجمع المسلمون ونطق القرآن بمتعة الحج، وكونها عبادة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وإلى الآن، فدل ذلك على مساواة متعة النساء لها في هذا الحكم، وتخصص تحريمها بقوله في تلك الحال، لخروج القول منه بتحريمهما مخرجا واحدا.
ومنها: أنه علل تحريم كل منهما بشئ رآه عنده صلاحا، ولا يجوز تحريم الحلال الشرعي ولا إسقاط العبادة بالرأي على مذهب أحد من الأمة.
ومنها: أنها لو كانت حراما في زمنه عليه السلام لاستغنى بثبوت المفسدة في المحرمات الشرعية من تعليل ظاهر الفساد، وسكوت الحاضرين ليس بشئ يعتد به، لاحتماله، ولأنه لم يدل على تحريم متعة الحج، فكذلك متعة النساء.
ومما يدل على إباحة هذا الضرب من النكاح إلى أن حرمه إجماع الأمة على تحليله في زمن النبي صلى الله عليه وآله، وعدم دليل على تحريمه، وتعذر إثبات أحد يعرف له مذهب في تحريمه مدة زمان النبي صلى الله عليه وآله وخلافة أبي بكر وصدر من ولايته، وذلك يقتضي تخصص التحريم به، وتحريم المعلوم تحليله فسق.
ومنها: تحريمه المغالاة في المهور مع تقرير الشرع بإباحتها، ورجوعه عن ذلك بقول امرأة، وقوله: كل أحد أفقه من عمر حتى النساء.
ومنها: ابتداعه صلاة موظفة ذات صفة مخصوصة في شهر رمضان، وعقده الجماعة بها، مع وقوف العبادات الشرعية فرضا ونفلا على المصالح المفتقر بيانها إلى نصه تعالى، وهو مفقود فيها، فثبت أنها بدعة.
ولأنه عليه السلام لم يجمع بهم منذ بعث وإلى أن قبض في صلاة نافلة، ولو كان
ولأنهم قد رووا عنه عليه السلام أنه قال: أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان نافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلوا الضحى، فإن قليلا من سنة خير من كثير في بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة سبيلها في النار.
وقد أجمعوا أنه قال: لا عمل إلا بنية، ولا نية إلا بعمل، ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة.
وقال عليه السلام: من رغب عن سنتي عند اختلاف أمتي (1).
واتفقوا أن عمر قال: - وقد رأى الناس مجتمعين لهذه الصلاة والمصابيح تزهر - إنها لبدعة، ونعمت البدعة.
وقد نقل أصحاب السير وغيرهم: أن أهل الكوفة سألوا عليها عليا عليه السلام أن ينصب لهم إماما لصلاة التراويح، فنهاهم عنها وعرفهم أنها بدعة وخلاف السنة، فنصبوا لهم إماما بغير أمره واجتمعوا لها، فأنفذ الحسين عليه السلام ومعه الدرة، فلما رأوه وقد دخل المسجد ومعه الدرة تبادروا الباب وصاحوا: واعمراه.
وإذا ثبت نهي النبي (2) صلى الله عليه وآله عن هذه الصلاة، ووصفها بالبدعة، ووصفها... (3) وصيه عليه السلام بذلك، مع اتفاق الأمة على وصف النبي صلى الله عليه وآله كل بدعة بالضلال، ثبت منعها وضلال الآمر بها.
ولا يمكنهم الامتناع من موجب هذه الروايات، لأن فيها معلوما يجب العمل به باتفاق، ومظنونا يجب عليهم العمل به كسائر أخبار الآحاد.
ولا ينجي من ذلك قولهم: إنها عبادات ذات أفعال وأذكار وأحكام تقرر الشرع
____________
(1) كذا.
(2) في النسخة: " نهى الصلاة النبي ".
(3) كلمة غير مقروءة.
لأن الصلاة الشرعية ليست ذات القراءة والركوع والسجود والتسبيح فقط، وإنما تكون كذلك إذا وقعت على الوجه المشروع، بدليل قبح صلاة الظهر قبل الزوال، أو إلى غير القبلة، أو مع إخلال بعض الشروط والأحكام، أر مع تكاملها لغير الوجه المشروع، وقبح النافلة في وقت الفريضة المضيق.
وإذا لم تكن التراويح مشروعة، خرجت من قبل العبادات إلى حيز البدع وإن كانت ذات أفعال مخصوصة مثلها تكون عبادة إذا وقعت على الوجه المأمور به.
ومنها: وضعه (1) على الخراج أرضيهم، مع ثبوت النص من النبي صلى الله عليه وآله والعمل بخلاف ذلك، وهذا نسخ لما شرعه، ونسخ شرعه المؤبد ضلال.
ومنها: نقله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي نقله النبي صلى الله عليه وآله إليه، ورده إلى حيث كان في الجاهلية، وهذا كالذي قبله.
ومنها: أخذه الأموال من عمال البلاد بالتهمة التي لا إقرار بها ولا بينة ولا علم، ولا إقرارهم على الأعمال فيما بعد.
ومنها: إقدامه على ضرب كثير... (2) كثرة من المسلمين وأهل الذمة بالدرة، ومن غير ذنب، كأبي هريرة وغيره، وذلك ظلم، لكونه ضررا خالصا.
ومنها: تقليده معاوية رقاب المسلمين وأموالهم، مع ظهور حاله وتهمته على الدين وأهله، وإقراره على الولاية مع استبداده بالأموال، واتخاذ أعداء الإسلام بطانة، والسيرة بخلاف السنة.
ومنها: شويرة (3) الشورى، ورد أمر الإمامة إلى ستة نفر: علي، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وقوله فيهم: هؤلاء أفضل أمة محمد،
____________
(1) كذا.
(2) كلمة غير مقروءة.
(3) كذا في النسخة.
فقيل له: ما يمنعك من علي؟ وفي رواية أخرى: ما يمنعك من واحد منهم؟ فقال:
أكره أن أتحملها حيا وميتا، فقال له المغيرة بن شعبة: فما يمنعك من ابنك عبد الله؟ فقال له:
ويلك والله ما أردت الله بذلك، كيف أستخلف رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته! فقيل له:
فألا أدخلت فيهم العباس؟ فقال: العباس طليق، وهذا أمر لا يصلح لطليق.
ومن طريق آخر: أنه قيل له: ما يمنعك (1) من واحد منهم، فقال: من؟ قيل: علي في قرابته (وسابقته) (2) وصهره وبلائه (3)، فقال: فيه بطالة وفكاهة (4)، ومن طريق آخر: فيه دعابة، ومن آخر: أنهم إن ولوها الأصلع (5) سلك بهم الطريق، ومن آخر:
و (أ) ما أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض ليرجحهم، فقام علي موليا، فقال عمر: والله إني لأعلم لكم مكان رجل لو وليتموها إياه لحملكم على المحجة البيضاء، قالوا: من هو؟ قال: هذا المولي من بينكم، قالوا: فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل.
قيل: فأين أنت عن طلحة؟ قال: فابن الزهو والنخوة، ومن طريق آخر: طلحة
____________
(1) في النسخة: " يمنك ".
(2) في النسخة جاءت كلمة غير مقروءة، وأثبتنا ما استظهرناه.
(3) في النسخة: " وتلايه ".
(4) في النسخة: " بطلالة وفكالة " (5) في النسخة: " الأطبح ".
وأما أنت يا طلحة أفلست القائل إن قبض النبي صلى الله عليه وآله لننكحن أزواجه من بعده فما جعل الله محمدا بأحق ببنات عمنا منا، فأنزل الله فيك: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) (1) الآية؟
قيل: فأين أنت عن الزبير؟ فقال: وعقة لقس مؤمن الرضى كافر الغضب شحيح، ومن طريق آخر: وأما أنت يا زبير فوالله ما لأن قلبك يوما ولا ليلة، وما زلت جلفا جافيا.
قيل: فأين أنت عن عبد الرحمن؟ قال: هو رجل على ضعف، وهذا أمر لا يصلح لضعيف، ومن طريق آخر: وأما أنت يا عبد الرحمن فإنك رجل تحب قومك.
قيل: فأين أنت عن عثمان؟ قال: لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب المسلمين، ولو فعلها لقتلوه، ومن طريق آخر: وأما أنت يا عثمان فوالله لروثة خير منك.
قيل: فما يمنعك من سعد؟ قال: صاحب مقنب وقتال لا يقوم بقرية لو ولي أمرها، ومن طريق آخر: إنه صاحب صيد وقنص، وهذا أمر لا يصلح لصاحب صيد.
ثم قال: إن هذا الأمر لا يصلح له إلا القوي في غير عنف، رقيق في غير ضعف، جواد في غير سرف، والله لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا ما تخالجني فيه الشكوك، أو:
لم يخالجني فيه شك، وفي بعض الروايات: لو كان أبو عبيدة حيا لوليته.
ورد أمر الصلاة إلى صهيب، وقبض، فاجتمعوا للاختيار، ولم يكن سعد حاضرا في رواية، فقال عبد الرحمن: أنا عديل الغائب، فأيكم يهب سهمه فيختار؟ فأمسكوا، فقال: أنا أهب سهمي في الإمامة على أن أختار من شئت، فأمسكوا، فقال: لا بد من أحد الأمرين، وعضد الحاضرون قوله، فأجاب القوم إلى رد الأمر إليه، وأمسك أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: - والناس معه - ما لك يا أبا الحسن، إما أن تسقط حقك من الإمامة وتختار من شئت، أو ترضى بما رضي به أصحابك، فلم يجد بدا من الرضى، فاستظهر
____________
(1) الأحزاب 33: 53.
ومن طريق آخر: أن عليا عليه السلام خرج مغضبا، فلحقه أصحاب الشورى، فقالوا له: بايع وإلا جاهدناك، فقال له: يا عبد الرحمن خئونة (1) خنت دهرا، ومن طرق أخر عن الطبري وغيره: نصعت الخئونة (2) يا بن عوف، ليس هذا أول يوم تظاهر تم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم في شأن، فقال له عبد الرحمن: لا تجعل على نفسك سبيلا، إني قد نظرت وشاورت الناس، فإذا هم لا يعدلون بعثمان.
وروى الطبري: أن الناس لما بايعوا عثمان تلكأ علي عليه السلام، فقال له عبد الرحمن: فمن ينكث فإنما ينكث على نفسه، فرجع علي عليه السلام فبايع.
ومن غير طريق الطبري: أن عبد الرحمن قال لعلي عليه السلام: قد قلت ذلك لعمر، فقال له عليه السلام: أو لم يكن ذلك كما قلت.
فلما يئس علي من رجوعهم إلى الحق خطبهم، فذكر مناقبه وذرائعه إلى الإمامة والنص عليها في مقام (3) بعد آخر، يقررهم على كل فضيلة ونص ويناشدهم الله تعالى، فيقرون.
هذه صورة الشورى، قد ذكرناها جمل ما يحتاج إليه.
____________
(1) كذا.
(2) كذا.
(3) في النسخة: " والنص عليها بها في مقام واحد ".
منها: أنه مخالف بذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله على مذهبي القائلين بالنص والاختيار ولمن نص عليه ولجميع الأمة، وذلك ضلال بغير شبهة.
فأما مخالفته لرسول الله صلى الله عليه وآله، فلأن الشيعة تقول: إنه عليه السلام نص على رجل بعينه حسب ما دللنا عليه، ومن خالفها يدعي أنه عليه السلام لم ينص على أحد، وترك أمر الإمامة إلى الأمة بأسرها لتختار من شاءت، والشورى بخلاف الأمرين بغير شبهة.
وأما مخالفته لأبي بكر، فلأنه نعن عليه بالخلافة شاءت الأمة أم أبت، وليست الشورى كذلك.
وأما مخالفته لسائر فرق الأمة، فلا شبهة في مخالفته بالشورى للقائلين بالنص والدعوة والميراث، والاختيار عند القائلين به عقده مردود إلى جميع العلماء، وتسليم العامة في قصير الزمان أو طويله، ولا أحد منهم يجيز عقدها ببعض العلماء، ولا تخص بولايته واحدا من واحد، ولا إماما من مأموم، ولا يعين مقدار زمانه، والشورى بخلاف ذلك.
هذا كله لأنها مقصورة على اقتراح عمر دون سائر الأمة، مع كونه واحدا منها، ولم يجعل الله له ذلك دونها على رأي أحد، ومقصورة على نفر من الأمة تخيرهم برأيه معدودين لا تجوز الزيادة عنده فيهم، ولا أمارة على ثبوت الإمامة باختيارهم فضلا عن دليل، ومنحجز عليهم في الاجتهاد، وترجيح فرقة ابن عوف على الأخرى وتضيق زمان الاختيار، مع إجماع الأمة على أنه لا يحجز في رأي مجتهد ولا تعيين لمدة زمانه، ولا دليل على قبول رأي مجتهد دون مجتهد.
ومنها: شهادته للقوم بالجنة والرضوان من رسول الله صلى الله عليه وآله، وصلاح كل منهم للإمامة دون سائر الصحابة، ثم نقض ما أبرم، وأكذب ما أخبر من وجوه:
أولها: وصفه كلا منهم بصفة تمنع من صلاحه للإمامة، هذا بالدعابة، وهذا
ومنها: أنه شهد لعبد الرحمن بالضعف، وجعله عيارا على القوم، ومن كان ضعيفا في دينه أو رأيه - إذ ضعف الحال معلوم خلافه - لا يجوز أن يجعل عيارا على الأمة.
وثالثها: أنه لم يصف أحدا من القوم - برواية أحد - إذ وصف به عليا عليه السلام:
من قوة الإيمان، والبصيرة بالأمر، وسلوكه بمن تبعه المحجة البيضاء، فكان ينبغي أن لا يعدل به عن الأمر، لشكه بل قطعه في كل منهم بخلاف ذلك، أو بجعله على أقل الأحوال عيارا عليهم، ولا يجعل من شهد له بالضعف في الرأي والدين بمطلق القول عيارا عليه، ويعرض بقتله من أول قوله إلى آخره، لأنه المظنون خلافه من دون الجماعة، ليقدم النص عليه، ومن لم يزل يسمع منه من التظلم التقدم عليه والترشح للأمر دونه ما لم يسمع من غيره، بقوله: وإن خالف واحد فاقتلوه بعينه، ثم ظن مشاركة الزبير له لكونه ابن عمته ولما كان من التحيز إليه يوم السقيفة والغضب له وتجريد السيف واستمراره على ولايته، فقال: وإن اتفق اثنان وأربعة فاقتلوا الاثنين، ثم ظن مشاركة طلحة للزبير في الرأي (لما) بينهما من الأخوة، فقال: فإن بايع رجلان لرجل ورجلان لرجل فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الأخر، ظنا منه أن عبد الرحمن لا يفارق عثمان، للصهر الذي بينهما - عبد الرحمن زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأمها أم أروى أم عثمان، فهي أخته لأمه - وسعد ابن عم (1) عبد الرحمن، فأولئك الثلاثة حزب، وهؤلاء حزب، فبين الأمر من أوله إلى آخره على قتل علي عليه السلام.
ولم يخف ذلك عليه عليه السلام، لأنه قال لابن عباس: إن القوم قد عادوكم بعد نبيكم لعداوتهم له في حياته، ألا ترى إلى قول عمر: إن يبايع اثنان لواحد واثنان لواحد
____________
(1) في النسخة: " ابن عم بن ".
ورابعها: أنه عرض للأمر من يظن به الفساد في الدين من تقديمه أعداءه من آل أبي معيط على رقاب المسلمين.
وخامسا: أمره بقتل الستة تارة، وبقتل اثنين أخرى، وبقتل ثلاثة أخرى، وبقتل الجميع إن لم يبرموا أمرهم إلى ثلاث من غير حدث، وهذا عظيم، لكونه نصا على قتل أهل الجنة والأفاضل (من) الصحابة من غير حدث، إذ لا يجوز على رأي أحد قتل المخالف فيما طريقه الاجتهاد، ولا يسوغ في الشريعة استحلال دم من لم يصح اجتهاده في ثلاث، ولا يقوم برهان على كون الحق في اجتهاد عبد الرحمن دون علي عليه السلام المقول فيه: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث ما دار، ولا يجوز عند أحد من المجتهدين رجوع العالم إلى مثله، ولا ترك اجتهاده له، ولا يمكن أحدا إقامة برهان على أن إصابة عبد الرحمن الحق باجتهاده دون من خالفه مع فساد ذلك يقتضي استحلال دم المقطوع له بالثواب، إذ كان القطع بثوابه مانعا من استحقاقه العقاب الذي قتل قسط منه (1) لو كان الاجتهاد مسوغا ذلك، فكيف والمعلوم خلافه.
وبعد، فإذا قتل الستة الذين هم عنده الصالحون للإمامة دون سائر الصحابة، من يرى يقوم بأمر الأمة؟ أوليس هذا منه نقضا للاختيار وفساد الإمامة، أو إيجاب ذلك لغير أهله رأي مصيب لمن يأمر بقتل رؤساء القبائل وأعلامها؟
أولا يعلم أو يظن أن الإقدام على قتل علي عليه السلام وهو سيد بني هاشم ومن له في الإسلام ما ليس لغيره من المآثر، وعثمان وهو سيد بني أمية، وطلحة وهو سيد بني تيم، والزبير وهو سيد بني أسد، وسعد وعبد الرحمن وما سيدا بني زهرة - صبرا على
____________
(1) كذا في النسخة.
وكيف لا يظن ذلك من وصف عثمان بما آل أمره إليه؟ وكيف لم يصرفه عن الأمر مع ما فيه من عظيم الوزر ما صرفه عن ولاية عثمان من الخوف لتقديم آل أبي معيط؟ وأي شبه بين تقديم رئيس على رئيس وبين قتل الرؤساء بغير استحقاق من المبالغة في الفساد؟!
أوليس هذا من أوضح برهان على سوء رأيه في أمة محمد صلى الله عليه وآله، وقبح نظره لهم، وقصده إلى فساد أمرهم؟!
فأي عدالة تكون مع هذه الحال، بل أي إسلام عند متأمل لها؟!
ومنها: وصفه لأمير المؤمنين بالفكاهة والبطالة، وهذه حال الخليع، المتهالك في المجون، البعيد عن الرصانة والوقار، المعلوم ضرورة من حاله ضد ذلك من الهيبة والوقار... (1) والحلم، ويكفي في ظهور كذبه فيما وصف به عليا عليه السلام أنه لا يمكن أحدا من الخلق أن يضيف شيئا واحدا يدل على فكاهته وخلاعته، بل لم يزل الخلق يعتذرون المعدول عنه بتشدده في الحق، وحمله القريب والبعيد والولي والعدو على موجبه، إلا أن يريد بذلك حسن الخلق والبشر بأهل الإيمان، المنافي لفظاظته (2) وغلظته على المؤمنين، فيكون ذلك عائدا بالقدح على رسول الله صلى الله عليه وآله الموصوف به في القرآن، والمعلوم من حاله بظاهر الأفعال والمتفرد (3) من دينه عليه السلام، فيؤول الحال إلى قبيح من الأول.
ومنها: وصفه لعبد الرحمن بالضعف، وجعله عيارا على الأمة، ومعلوم أنه لم يرد بضعفه الفقر، لحصول العلم بسعة حاله، ولا ضعف الجسم، لأنه لا يمنع ضعف الجسم إذا
____________
(1) كلمة غير مقروءة.
(2) في النسخة: " لفظاظته هو ".