الصفحة 391
وقوع سبقه موقعه.

على أنا إن وقعنا فيمن نزلت هذه الآية، فلسنا في خروج أبي بكر منها (1)، لضلاله (2) المدلول عليه، وتضمنها الوعد للمذكور فيها بالثواب، ولفقد برهان على وقوع تصديق أبي بكر موقعه ليسلم له الوعد، ولو أمكن ذلك لأغنى عن الآية بلا خلاف.

ومن ذلك فيه: قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) (3).

قالوا: وقد روى المفسرون أنه أبو بكر.

والجواب: أنا آمنون كون الآية (ليست) فيه، لما قدمناه من ضلالته، وتضمنها وصفا لا يليق بالضلال.

ثم لو فرضنا ارتفاع ذلك، لكان الظاهر العموم في كل معط ومصدق، فلا يجوز تخصيصها إلا بدلالة، ولا دلالة في قول المفسرين.

وبعد، فروايتهم مختصة بتصديقه بحديقة نخل تسمى الحسنى.

فأول ما في هذا أنه لا تعرف في الحجاز حديقة توصف بذلك، ولأنه لو كان الحال كذلك لقال: تصدق، ولما قال: (صدق)، وهو من التصديق، وقابله بكذب المتعلقين بالاعتقادات دون الصدقة، دل على ما ذكرناه.

ومن ذلك فيه: قوله تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) (4).

قالوا: وهذه الآية في أبي بكر ومسطح عند قذفه عائشة، وحرمان أبي بكر إياه البر، وقد سماه الله تعالى أولي فضل، وهذا يخالف ما يقولون فيه.

والجواب من وجوه:

____________

(1) أي: في شك.

(2) في النسخة: " الضلالة ".

(3) الليل 92: 5 - 6.

(4) النور 24: 22.

الصفحة 392
منها: أن القول بتخصيص الآية بأبي بكر مستند إلى من ذكرناه من جهلة المفسرين، فلا يجوز لمثله الرجوع من ظاهر العموم المتضمن لنهي كل مكلف عن التأول على حرمان أولي القربى والمساكين والمهاجرين بجريرة وقعت منهم.

على أنه قد روى جماعة من المفسرين ما يخالف ذلك، وأن ملاحاة وقعت بين المهاجرين والأنصار في بعض البعث، فشج بعض المهاجرين أنصاريا، قالوا: لا تبروهم، فأنزل الله الآية، وأراد بالقربى قرابة النبي صلى الله عليه وآله.

ويقوي هذه الرواية: أن مسطحا لم يكن من قرابة أبي بكر، وهو واحد، وظاهر الآية الجمع، فصار حملها على هذه الرواية أولى، لمطابقتها لها من كل وجه ومنافاتها لروايتهم، وأقل أحوالها أن تعارض ما رووه، فسقط التعلق بها.

ومنها: أنا لو سلمنا تخصصها بأبي بكر لكانت بالذم أولى، لكونه منهيا بظاهرها عن فعل، والنهي لا يكون منه إلا عن قبيح، وإذا كان تاليه وقع على وجه يقبح، فالآية برهان على نقصه وذمه، فيكف تجعل دلالة على مدحه؟

وأيضا فإن الفضل المذكور فيها المراد فيه الفضل في الدنيا وسعة الحال فيها، لأن تعلق الآية بالقصة التي ذكروها يقتضي ذلك، فكأنه قال: ولا يأتل الأغنياء وذووا السعة على منع الفقراء من رزق الله تعالى لديهم.

وأراد بالفضل هاهنا على مسطح دون غيره، لتخصص الحكم به، وحصول العلم بأن أبا بكر لم يكن من الأغنياء، لا سيما بعد الهجرة.

وإذا صح هذا، فالفضل في باب الدنيا ليس بثواب ولا دال عليه ولا مانع من قبيح.

(ما استدل به من السنة)

وتعلقوا من جهة السنة بأشياء:

منها: ما رووه عنه صلوات الله عليه وآله أنه قال: خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.

وقوله: إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.


الصفحة 393
وقوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

والجواب من وجوه:

منها: أن هذه أخبار آحاد بلا خلاف بين الأصوليين، وما قصدوا له لا يكني فيه إلا ما يوجب العلم باتفاق.

ومنها: أنه لا يخلو أن يجعلوها دلالة على نفي القبيح عن كل واحد من الصحابة، أو عن إجماعهم.

والأول معلوم ضرورة خلافه في كثير منهم، وإذا لم يمكن (1) نفيه عن كل واحد لم ينفعهم، لصحة كون من اختلفنا فيه من جملة الآحاد الخارجين عن موجبه.

والثاني غير نافع لهم، لأنا لا نخالف فيه، لوجوب وجود معصوم في كل قرن يدل دخوله في جماعة المجمعين على صحة إجماعهم، والمقدوح في عدالتهم ليسوا جميع الأمة، والمعصوم من غيرهم.

ومنها: أن هذه الأخبار معارضة بآيات وأخبار.

فالآيات: آيات المنافقين، وهي كثيرة.

ومنها (2): وصفه تعالى لقوم من الصحابة برفع الأصوات على النبي صلى الله عليه وآله وترك تعظيمه وتوقيره، حتى نهاهم تعالى عن ذلك بقوله سبحانه: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) (3).

وقوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لو إذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (4).

____________

(1) في النسخة: " يكن ".

(2) أي: ومن الآيات التي تعارض الأخبار المذكورة.

(3) الحجرات 49: 2.

(4) النور 24: 63.

الصفحة 394
وقوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) (1)، فنص على إيثارهم التجارة واللهو على الصلاة، والقصة مشهورة.

وقوله تعالى: (ومنكم من يريد الدنيا) (2).

وقوله: (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) (3)، (نزلت هذه الآية) يوم بدر، وهي منافية لدعواهم للغفران لما تقدم وتأخر من ذنوب أهل بدر، وتوبيخهم على هزيمتهم يوم أحد وحنين، وسوء اعتقادهم يوم الأحزاب، والآيات بذلك ثابتة.

وقوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) (4).

وغير ذلك من الآيات المتضمنة لذم قوم ممن هم على ظاهر الصحبة، إيراد جميعها يطول، وفيما ذكرناه كفاية.

وأما الأخبار: فما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: بينا أنا على الحوض - حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء فيه قدحان كعدد النجوم - إذ يأتي قوم من أصحابي أعرفهم بأسمائهم وأنسابهم، إذا دنوا مني اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال لي: يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فإنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم القهقري منذ فارقتهم، فأقول: ألا بعدا، ألا سحقا ألا سحقا.

وقوله عليه السلام: - وقد ذكرت فتنة الدجال - إني لفتنة بعضكم أخوف مني

____________

(1) الجمعة 62: 11.

(2) آل عمران 3: 152.

(3) الأنفال 8: 67 - 68.

(4) آل عمران 3: 144.

الصفحة 395
لفتنة الدجال.

وقوله عليه السلام: إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني.

وقوله عليه السلام: ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض.

وقوله عليه السلام: لتسلكن سنن من كان قبلكم، حتى لو دخل أحدهم في حجر ضب لدخلتموه، فقيل له: يا رسول الله اليهود والنصارى، فقال: فمن إذن؟!.

وقوله عليه السلام: يؤخذ بقوم من أصحابي ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابي، فيقال له: إنهم ليسوا لك بأصحاب، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول:

بعدا للقوم الظالمين.

في أمثال لهذه الروايات - يطول بذكرها الكتاب - واردة بما ذكرناه.

وهذه أخبار قد سلمها الكل، واقترن إليها القرآن، فيجب له الرجوع عما رووه، أو تخصيصه بمن يليق به، ويتعين فرض البرهان على من ادعى تخصصه بمعين.

ومنها: أن يتكلم على كل خبر منها:

أما ما رووه أولا، فإن قوله عليه السلام: خير القرون القرن الذي أنا فيه ثم الذين يلونهم، فدلالة على كثرة الأخيار في المذكورين دون جميعهم، كقول القائل: بنو فلان خير من بني فلان وبنو فلان أشجع من بني فلان، لا يفيد كلام هذا إلا ما ذكرناه من كثرة الأخيار والشجعان في إحدى القبيلتين على الأخرى، يؤكد ذلك خروج أكثرهم عن هذه السمة باتفاق.

ولحصول العلم الضروري بوجود أعيان تابعين أفضل من صحابة، وتابعيهم أفضل منهم، ومعاصرين لنا أفضل من كثير من الصحابة.

وهو معارض بما رووه من قوله عليه السلام: إن أفضل أمتي قوم آمنوا بي ولم يروني، خالط حتى لحومهم ودماءهم، فهم يؤثروني على الآباء والأمهات.

وأما ما رووه ثانيا في أهل بدر، فلا يخلو أن يريد عليه السلام غفر لكم الماضي من ذنوبكم، أو المستقبل.

فات أراد الماضي، فلا نفع فيه في موضع التعلق، لأن غفران ما مضى لا يمنع من

الصفحة 396
استيناف مثله.

وإن أراد المستقبل، فباطل من وجهين:

أحدهما: أن ظاهر قوله عليه السلام: غفر، إخبار عن ما في لا يجوز حمله على مستقبل إلا بدليل.

الثاني: أن القطع على غفران المستقبل على كل حال لمن ليس بمعصوم إغراء بالقبح، وأكثر أهل بدر غير مقطوع على عصمتهم، لوقوع القبح منهم، والاغراء لا يجوز عليه تعالى.

وأما ما رووه ثالثا، فباطل من وجوه:

منها: قيام البرهان على ضلال القوم المتقدمين في مقام النبوة ومتبعيهم على ذلك.

ومنها: أنه عليه السلام لا يجوز أن يحكم بهداية المقتدي به (غير) معصوم، ولا أحد قطع على عصمة من ذكروه، فيجب توجهه إلى أئمتنا عليهم السلام، لثبوت عصمتهم بالأدلة.

ومنها: أنه لا يخلو أن يريد جميع الصحابة، أو بعضهم.

ومنها: أنه لا يخلو أن يريد جميع الصحابة، أو بعضهم.

فإن أراد البعض، فعليهم أن يدلوا على أن القوم المقتدين (1) من جملة ذلك البعض، . أنى لهم به.

وإن أراد الجميع، فالمعلوم ضرورة خلافه، لوقوع القبح من أكثرهم، كطلحة والزبير وقدامة بن مظعون المستحل الخمر، ومالك بن نويرة وبني حنيفة وغيرهم عندهم، وقاتلي عثمان، ومعاوية وعمرو بن العاص المستحلين دماء أهل بدر وحنين، ووقوعه يحيل كون المقتدي بهم مهتديا.

ولأن ذلك يقتضي صواب مالك بن نويرة فيما فعله ومن اتبعه، وأبي بكر وخالد فيما أتياه إليه، وعثمان فيما صنعه بابن مسعود وعمار وأبي ذر وغيرهم، وهم مصيبون في

____________

(1) في النسخة: " المعتدين ".

الصفحة 397
الإنكار عليه وعلى ذويه، ومن منعه (1) الماء وقتله، وعلي وذويه ومن معه من المهاجرين والأنصار في قتال طلحة والزبير ومعاوية وعمرو ومن في حيزهم، وهم في قتاله واستحلال دمه، وهداية كل مقتد بواحد من هؤلاء.

وفساد ذلك ظاهر.

ومما تعلقوا به: ما رووه عنه عليه السلام أنه قال: عشرة من أصحابي في الجنة:

أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن فضيل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح.

قالوا: فشهد لهؤلاء بالجنة، وذلك يقتضي إمامتهم، لأنه لا أحد فرق بين الموضعين، فمنع من شهادتكم عليهم بالكفر المخالفة للنبي صلى الله عليه وآله.

والجواب: من وجوه:

أحدها: أنه خبر واحد لا يجوز العمل به عندنا في شئ، ولا عند الكل فيما طريقه العلم، والقطع على ثبوت الثواب لمكلف معين مما لا يكني فيه إلا العلم، لا سيما في ذي قبائح ظاهرة، فلا يجوز إثبات إثابته (2) بخبر واحد باتفاق.

وثانيها: أنه لم يروه إلا سعيد، وهو أحد العشرة، ولو كان ثابتا مع قوة الدواعي إلى نقله - لتضمن البشارة بالجنة لأولي الأمر - لوجب تواتره وشياعه إلى حد لا يبقى فيه لبس، ومن فقد ذلك برهان على سقوطه.

وثالثها: أنه لو كان ثابتا لكان معلوما لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام:

فكان لا يقول أبو بكر عند وفاته: ليتني لم اكشف بيت فاطمة ولو أغلق على حرب، وليتني لم أقتل الهرمزان، أو ليتني كنت سألت النبي صلى الله عليه وآله هل للأنصار حق في الأمر، فكنا لا ننازعهم، وليتني بايعت أحد الرجلين.

ولا يقول عمر عند وفاته: ليت أمي لم تلدني، وليتني كنت نسيا منسيا، وود ابن

____________

(1) في النسخة: " ومن معه منعه ".

(2) كذا في النسخة، والظاهر أن الصحيح: " إمامته ".

الصفحة 398
الخطاب أنه نجى كفافا لا عليه ولا له، ويأمر ابنه بوضع خده على التراب فيتمرغ عليه، فيقول له ابن عباس: يا أمير المؤمنين لم تجزع، فقد كان والله إسلامك عزا وإمارتك فتحا، فيرد عليه عمر: المغرور والله من غررتموه، ود ابن الخطاب أنه نجا (1) كفافا لا عليه ولا له، ويقول: - وقد قيل له: استخلف ابنك عبد الله - حسب آل الخطاب أن يدان رجل منهم بالخلائق.

لأن علم المكلف بالثواب وأمانه من العقاب يمنع من هذا الجزع ويؤمن من هذا الخوف، وثبوتهما ينافي حصول اليقين به بغير شبهة.

وكان ينبغي أن يحتج به عثمان على محاصريه، لكونه أبلغ من جميع ما ذكره، وكان لا يظهر ما ظهر من وجوه الصحابة من الاستخفاف به والشهادة عليه بالضلال والحصر ومنع الماء واستحلال دمه وإراقته، لا سيما مع كون جميعهم عند القوم هم العيار في جميع أمور الدين، وكون جمهورهم عندنا بهذه الصفة، لأن علم المسلم الورع كون غيره من أهل الجنة قطعا يجب أن يمنعه من النفير به والاستخفاف والتضليل واستحلال الدم.

وكان ينبغي أن يحتج به علي عليه السلام في مواضع الحاجة إليه، ويقبله حين رواه طلحة والزبير يوم الجمل، ولا يرده ويشهد بكذبه ويقطع بضلال بعض المذكورين فيه وخلودهم في النار.

ورابعها: أن الشهادة بالجنة تقتضي عصمة المشهود له، لأن فقدها فيه يقتضي الإغراء بالقبح، والتكليف مع الإغراء قبيح لا يجوز عليه سبحانه.

ولا أحد قطع على عصمة التسعة المذكورين فيه حسب ما بيناه في الثلاثة المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام، وما وقع من عبد الرحمن يوم الشورى وبعدها من ذم عثمان وخذلانه، وما وقع من الجميع من التخلف عن أسامة وخذلان عثمان، وما أتاه طلحة والزبير من حصاره والشد في أمره حتى قتل، ونكثهما بيعة أمير المؤمنين عليه السلام لغير حدث، وما أتوه من القبائح في البصرة قبل حضور علي وبعده، من استحلال

____________

(1) في النسخة: " لا نجا ".

الصفحة 399
الدماء والأموال بغير حق، وقتال الإمام العادل، وضلال الجميع بجحد النص على أمير المؤمنين عليه السلام الثابت بالأدلة القاهرة، وموت الكل على الإصرار على ذلك، من غير علم ولا ظن بتوبة أحد منهم.

وخامسا (1): أن هذا الخبر معارض بما رووه من قول أمير المؤمنين عليه السلام لطلحة والزبير: - وقد احتجا عليه - أما أنتما فتشهدان لي بالجنة فقد حرم عليكما قتالي، وأما أنا فيما قلتما من الكافرين، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن في جهنم تابوتا فيه ستة من الأولين وستة من الآخرين، إذا أراد الله أن يسعر جهنم فتح ذلك التابوت، وأن فيه لبعض من ذكرتم، وإلا فأظفركم الله بي وأظفرني بكم.

وهذه مباهلة من أمير المؤمنين عليه السلام، تقتضي ضلال القوم المذكورين في الخبر، ولم يرد عليه أحد من الصحابة ولا طلحة والزبير ومن كان في حيز ما، فصار إجماعا.

ومن ذلك: ما رووه عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي:

أبي بكر وعمر.

قالوا: والأمر بذلك ينافي ما يقولون فيهما.

والجواب من وجوه:

منها: أنه خبر واحد لا يجوز العمل به عندنا على حال، ولا عند الكل في مثل هذه المسألة.

ومنها: أنه لم يرد إلا من جهة عبد الملك بن عمير اللخمي، وكان قاضيا لبني أمية معروفا بالفجور، وهو الذي ذبح بيده عبد الله بن يقطر رضيع الحسين عليه السلام، ولو كان ثابتا لم تقف روايته على هذا الفاجر، مع قوة الدواعي وانتفاء الصوارف (2).

ومنها: أن الأمر بالاقتداء بهما يقتضي عصمتهما، لقبح الأمر بالاقتداء بمن يجوز

____________

(1) في النسخة: " وسادسها ".

(2) في النسخة: " السوارف ".

الصفحة 400
منه القبيح، ولا أحد قطع بها لهما.

ومنها: وقوع القبائح التي بيناها منهما، وذلك يمنع من الأمر بالاقتداء بهما.

ومنها: أنه لا أحد من الأمة يدين بوجوب الاقتداء بهما، ولو كان ثابتا لوجب على أقل الأحوال تدين شيعتهما بذلك وتحريم خلافهما، وليسوا كذلك.

ومنها: أن ظاهر الخبر يقتضي وجوب الاقتداء بهما معا، وذلك محال، لحصول العلم بما بينهما من الاختلاف في الأحكام.

ومنها: أنه لو كان صحيحا لاحتجا به يوم السقيفة على الأنصار، فهو أحج مما ذكراه، ولأحتج به أبو بكر في توليه عمر على من أنكر عليه ولايته من الصحابة.

ومن ذ لك: ما رووه من كونهما معه صلى الله عليه وآله في العريش.

قالوا: وهذا يدل على غاية الاختصاص.

والجواب من وجوه:

منها: أنه خبر، واحد، وقد بينا فساد التعلق بمثله في مثل هذا.

ومنها: أن الظاهر يوم بدر وحنين حين الحرب كون النبي صلى الله عليه وآله معبيا (1) للصفوف وبيده سهم، فوكز به سوار بن عزة، فقال: يا رسول الله آلمتني أقدني، فكشف النبي صلى الله عليه وآله عن بطنه، فقبله سوار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله هي (2) الحرب وأنا أرجو الشهادة، فأردت أن يكون آخر عهدي أن يمس جلدي جلدك، فجزاه خيرا، وهذا ينافي كونه في العريش منفردا أو مقارنا لغيره.

ومنها: أنه لو ثبت كونهما معه في العريش، لم يخل أن يكون بأمره أو بغير أمره.

وكونه بغير أمره لا فضيلة فيه، ويكون الحامل عليه الجبن، ويلحق بما وقع منهما من الفرار في (غير) مقام، لأنه ولا فرق بين القبح في القعود عن الجهاد مع الحاجة إليه،

____________

(1) في النسخة: " معيبا ".

(2) في النسخة: " هو ".

الصفحة 401
وبين الفرار منه، ولم ينههما عن ذلك، لاستغنائه عنه بتقدم الأمر من الله تعالى بالجهاد، والحث منه سبحانه عليه، ولأنه عليه السلام إذا علم الوجه في تخلفهما حسن منه الامساك عنهما، خوفا من الفساد بظهور جورهما وفشلهما.

وإن كان بأمره - عليه الصلاة والسلام - فلا وجه له إلا الخوف من إفسادهما، لأن الشفقة عليهما من الجهاد ليست دينه، لحصول العلم الضروري بالحث على الجهاد وذم المتخلف عنه، وتعريض نفسه وخلصائه من أهله وأصحابه له، فصار العريش منقصة ظاهرة.

وليس لأحد أن يقول: الوجه في حبسهما في العريش للمشاورة.

لأنه عليه السلام غني عن رأيهما بالوحي، ولأنه لو كان كذلك لحفظ ما أشارا به، ونقل كما نقل ما أشارا به بعد الظهور على الكفار من احتباس الأسرى وبيعهم، ونزول القرآن بذم أبي بكر المشير به ومشورة الآخر بالقتل، ولأن الجلوس في العريش كان بعد الفراغ من الرأي والمكيدة والتقاء القوم للحرب، ولأن الحرب وسياستها غيبته عن رأي أبي بكر بنزول الملائكة وتوليهم أمرها.

(رد من قال بأن ما عمله القوم لا يوجب الكفر)

إن قيل: فهب سلم لكم خلاف المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام وأتباعهم، ومحاربتهم (1) لله ورسوله بتقدمهم وحربهم، من أين لكم أن ذلك الخلات كفر مضوا مصرين عليه؟ وما أنكرتم أن يكون فسقا يجوز العفو عنه أو حصول التوبة منه، وذلك يمنع من فتياكم فيهم بالضلال والخلود في النار على أصولكم في... (2).

قيل: إن المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام وأعيان أتباعهم، كسعد وسعيد وخالد وأبي عبيدة وعبد الرحمن وسالم والمغيرة، فالأمة فيهم رجلان:

____________

(1) في النسخة: " ومحاربته ".

(2) كلمة غير مقروءة.

الصفحة 402
إما قائل بإيمانهم وموتهم على طاعة الله وطاعة رسوله عليه السلام.

أو قائل بخلافهم لله تعالى ورسوله عليه السلام.

وكل من قال بالثاني قال إن ذلك الخلاف كفر ماتوا عليه واستحقوا به الخلود في النار.

وتسليم خلافهم، ودعوى كونه فسقا ليس بكفر يصح غفرانه ابتداء، أو ثبوته (1) حصلت منهم، خروج من الإجماع.

فيجب على مقتضى تسليم السائل عصيانهم الحكم بصحة فتيانا.

وأيضا، فكل من أوجب الرئاسة عقلا وعصمة الرئيس قال فيهم بغيا (2)، فلو كذلك كل من أثبت النص الجلي على أمير المؤمنين عليه السلام قال بذلك - ولذا كان برهان الرئاسة وصفتها والنص الجلي واضحا بما بيناه - ثبت خلافهم للواجب عليهم، وكونه كفرا مضوا عليه.

وأيضا، فإذا كانت الإمامة بصفاتها من جملة المعارف العقلية والتكذيب بها كفر، وقد ثبت تخصصها بعد النبي صلى الله عليه وآله بأمير المؤمنين عليه السلام بواضح الحجة، وتديخهم بجحدها، وجب الحكم بكفرهم.

وأيضا، ففرض الإمامة عام باتفاق، فإذا ثبت لأمير المؤمنين عليه السلام بالكتاب والسنة ثبت كفرهم بجحدهم ما يعم فرضه، كالصلاة والصوم.

إن قيل: هاتان الطريقتان مثبتتان على إنكارهم إمامة علي عليه السلام مستحلين، فدلوا على ذلك.

قيل: ذلك معلوم من حالهم بأدنى تأمل ومتيقن من قصدهم، يوضحه: أن الشيعة بأسرها تقطع عليه، ومن خالفها من شيعة المتقدمين يدينون بنفي إمامته، مضيفين هذه الفتيا إلى سلفهم، فارتفع لذلك اللبس قي إنكار الإمامة عن استحلال.

____________

(1) كذا في النسخة، والظاهر أن الصحيح: " والتوبة ".

(2) كذا.

الصفحة 403
وأيضا، فمعلوم من دين أمير المؤمنين عليه السلام وذريته المعصومين عليهم السلام وشيعتهم الصالحين القطع على كفر القوم وموتهم عليه وخلودهم به في النار، وفتياهم بذلك خلفا عن سلف، وانقراض الأعصار بإطباق الذرية في النسب والشيعة في المذهب عليه، والفتيا حجة - لاستنادها في كل عصر إلى حجة معصوم - لو ثبتت في عصر واحد لكفت، فكيف بها متناصرة في الأعصار المتوالية.

إن قيل: ومن أي وجه علمتم ذلك من حال من ذكرتموه؟ أبينوا عنه لنعلم صحة هذه الإضافة من فسادها.

قيل: أما تدين أمير المؤمنين والأئمة من ذريته صلوات الله عليهم بذلك فمن وجوه:

أحدها: تأمل حالهم، وما حفظ عنهم بحضرة الولي والعدو من الازراء على القطع المقوم بصلاتهم (1)، كما يعلم بدين الشافعي ومالك وأبي حنيفة ومن تبعهم بولاية القوم.

ومنها: تواتر شيعتهم عنهم وذراريهم بذلك، وتقربهم إلى الله تعالى وإليهم به مع اختصاصهم بهم وتوليهم وقبول ما يحملونه من حقوق الأموال، وتعظيمهم (2) مع هذه الحال، ولو كان دينهم عليهم السلام بخلاف ما يظهر من ذريتهم وشيعتهم ويدينون به لأنكروا عليهم وبرئوا منهم، وفي فقد ذلك دليل على موافقتهم لهم فيه.

فأما طريق تدين الشيعة والذرية بذلك، فالعلم الضروري من حالهم اتخاذهم شعارا على حال الأمن والخوف.

وأما من عدا من ذكرنا من الصحابة، فعلى ضروب:

منها: ضرب مقطوع على إيمانهم: كسلمان، وعمار، وأبي ذر، ومقداد، وحذيفة، وخزيمة، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وأبي سعيد الخدري، والعباس، وولده، وبريدة الأسلمي، في أمثال لهؤلاء من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، العارفين

____________

(1) كذا في النسخة، والمعنى مختل كما ترى، والظاهر وجود عدة أسطر ساقطة من النسخة.

(2) في النسخة: " ويعطيهم ".

الصفحة 404
بإمامته، المختصين بولايته، الممسكين لإمساكه.

وضرب معلوم إيمانهم على جهة الجملة، لم يتعينوا بعين من ذكرناه، ولم يتبعوا الظالمين اتباع من نذكره.

وضرب كفار غير متعين بعين من قدمناه، وهم الذين يدينون بجحد إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وهم رجلان: منافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومعتقد لظاهر الإسلام عن تقليد بغير حجة أو حجة واقعة غير موقعها يدين بجهله بإمامة المتقدمين.

وضرب فساق حملهم حب الدنيا وإيثار الرئاسة وإرادة الحظوة عند الرؤساء على الترشح لهذا الأمر، أو اتباع المتغلبين رغبة عندهم، مع ثبوت إيمانهم عند الله تعالى وسوابقه إلى دينه، وعلمهم بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، ودينهم بفرضها وضلال منكرها، فهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم.

وإن قيل: فإذا كانت هذه حال الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله، فقد كان ينبغي لعلي عليه السلام أن يدعو إلى نفسه، ويذكر بفرض طاعته وواجب حقه، فإذا فعل فالجمهور على قولكم عارفون بإمامته وفرض طاعته، ويجدون عنده ما يؤملونه من الدنيا مع سلامة الدين، فلا يبقى لهم صارف عنه، ومنكر ذلك القليل الذي لا قوام لهم بأهل الحق.

قيل: أما دعوته صلوات الله عليه الناس إلى نفسه فغير واجبة عليه، لاستغنائه عنها بدعوة الله سبحانه بنص التنزيل، ودعوة الرسول صلى الله عليه وآله في غير مقام بضروب الأقوال.

غير أنه عليه السلام قد دعى ونبه وخوف من خلافه، وصرح بكونه أولى بالبيعة من ملحيه (1) إليها، وأحق الناس بمقام النبي صلى الله عليه وآله من القائم فيه.

فأجابه المخلصون، وهم رجلان: مستطيع للنصرة وهم الأقل الذين لا يتم بهم الانتصار، ومن عداهم ذوو دين وورع وليسوا أهل حرب وقتال.

____________

(1) كذا في النسخة، ويحتمل أن يكون الصحيح: " ملجئيه ".

الصفحة 405
وتخلف عنه الأكثر: فمن كافر بإمامته لا ترجى نصرته، ومن دان بها قد سبق إلى بيعة أبي بكر للوجوه التي ذكرناها من الطمع في الدنيا وعاجل بزخرفها يظن لتقصيره عن النصر أن ذمته مرتهنة ببيعته لأبي بكر، وأنه لا يسوغ له نكثها على حال، أو يعلم الحق في وجوب البيعة لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وما أوجباه من إمامة أمير المؤمنين عليه السلام التي لا ينقضها عهد ولا يعذر في تركها عقد، ويصرفه عن ذلك الطمع في نيل الرئاسة وبلوغ المأمول من الدنيا بولاية القوم.

وما زال الأكثر من الخلق من أول الدهر إلى الآن يؤثرون الدنيا على الآخرة، ويرغبون عنها لبعض ما رغب فيه أتباع الظالمين، مع سلامة الظواهر والبواطن من الضلال، ومؤثرو الآخرة على الدنيا وبايعوها لها الأقلون عددا، عادتهم بذلك جارية، وحالهم فيه معلومة، وخلافه لا يعرف وبنقضه لا يتوهم.

وبهذا يسقط ما لا يزالون يتعجبون منه من عدول الناس عن ذوي العشيرة الكثيرة والفضائل العظيمة مع القربى والسبق والجهاد والزهد والعلم وكونه منصوصا عليه على ما يزعمون، إلى من لا يدانيه في شئ ولا نص عليه، فليتأمل ذلك.

ولأنه لا قياس على الاتفاق ولا تعجب من تمام الرئاسة لذوي الدناءة والنقص على ذي النباهة والفضل، والعادة به جارية، والموجود له شاهده، وما بين الخلق والدني إلا أن تتم له الرئاسة حتى ينقاد له الفاضل والمفضول والسيد والمسود، ويسلم له الشجاع القوي والضعيف الدني، وينخع الكل بالطاعة رجاء أو خوفا.

وبعد، فهناك دعوى إلى ولاية القوم وصوارف عنه عليه السلام لما هو عليه وهم من الصفات.

منها: أن هناك منافقين اضطرهم علو كلمة الإسلام، وخوف علي وشيعته المخلصين في النبوة إلى إظهاره، لا داعي لهم إلى ولاية سنام هذا الدين وناصره ومذل الشرك ودامغه، ولهذا نجدهم مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله وإلى أن قبضه سبحانه إليه يقدحون في الدين ويدغلون على المؤمنين، ويتربصون بهم الدوائر، ويرجفون في المدينة ومن حولها، ولم يعرف مرجف في ولاية الثلاثة ولا قادح ولايتهم بذلك، فلما آل

الصفحة 406
الأمر إلى علي عليه السلام عادت الحال إلى ما كانت عليه في أيام النبي صلى الله عليه وآله.

وهذا برهان واضح على ما قلناه، مع ما فيه من برهان نفاق المتقدمين ومشاركتهم للمعروفين به أيام النبي صلى الله عليه وآله.

ومنها: أن أمير المؤمنين عليه السلام مزيل الرئاسات، ومذل العزيز، وقاتل الأحبة، ومفرق الجمع، ومن هذه حاله فالصوارف عنه قوية، وإن كان المصروف محقا، لاستناد نفاره عنه إلى الطباع الغالبة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله - وهو أعلى الخلق إيمانا - لوحشي قاتل عمه وقد آمن به: أخرج عني، فإني لا أطيق أرى قاتل عمي، فما بال نخوة الجاهلية وقريبي عهد الإيمان، وليس في القوم المتقدمين شئ من ذلك.

ومنها: علم الكل من حال علي عليه السلام أنه إن يلي الأمر لا يعدو سيرة نبيهم صلى الله عليه وآله: من التسوية بين الرئيس والمرؤوس والسيد والمسود في العطاء، وعلم الرؤساء والسادة والشجعان الذين بهم تتم الرئاسات وينقاد لهم الأتباع فيرضون لرضاهم ويسخطون لسخطهم، فذلك صرفهم عن ولاية علي عليه السلام إلى المتقدمين عليه.

وقد صرح بهذا عبد الرحمن يوم الشورى في تعريضه عليا عليه السلام للبيعة على سيرة أبي بكر وعمر، وامتناعه من ذلك إلى السيرة بكتاب الله وسنة نبيه عليه السلام، ومبايعة عثمان على هذا الشرط، وإمساك أهل الحل والعقد وذوي النجدة والرأي عن الإنكار على عبد الرحمن، لعلمهم بمقصده وقصد علي عليه السلام وما يريده من سيرة النبوة المساوية بينهم وبين أطراف الناس، وما يريده عبد الرحمن من التفضيل في العطاء.

ومعلوم توفر صوارف الرؤساء عن ولاية من هذه حاله، ودواعيهم إلى ولاية من بين لهم في الدنيا منازلهم وارتفاع الشبهة (1) عن العقلاء في فساد رئاسة ذاك وتمام ولاية

____________

(1) في النسخة: " الشبه ".

الصفحة 407
هذا، لحصول العلم الضروري بجريان العادة من أول الدهر وإلى الآن به.

ومنها: علم الأماثل ورؤوس القبائل بيأسهم من الخلافة ورئاسة الأنام مع ولاية علي عليه السلام، وثبوت فضله وذريته عليهم السلام، وتقدم النص من الله تعالى ومن رسوله عليه السلام عليه وعليهم بالإمامة وخلافة الخلق إلى يوم القيامة، وطمعهم فيها يصرفها عنه إلى غيره.

وقد صرح بهذا المغيرة بن شعبة يوم السقيفة في قوله: وسعوا ما يتسع، والله لئن وليتموها هاشميا لا يزال ينتظر بها الحمول في بطون النساء.

وقد صحح هذا الغرض الوجود، وكشف عدولهم بالخلافة عن أهلها الذين اختارهم الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله لها، عن تعديها إلى من كان لا يظن به صلاح للإمارة على قرنه، كمعاوية بن أبي سفيان، وولده يزيد، ومروان بن الحكم الطريد ابن الطريد، ومسلمة الفتح، ومن هدر النبي صلى الله عليه وآله دمه، ومن بعدهم من الولاة والأمراء المعلنين بالفسق وعظيم الجور وقبح السياسة الدينية (1) والدنيوية.

فلكل واحد من هذه الوجوه عدل بالأمر عن أمير المؤمنين عليه السلام، مع ظهور فضائله، وثبوت ذرائعه ووسائله إليه، وانتفائها عمن أهل للأمر وقدم عليه صلوات الله عليه وآله.

وأما محاربوه عليه السلام، فبرهان كفرهم أظهر من برهان كفر المتقدمين عليه، لأن كل شئ دل على كفر أولئك دل على كفر هؤلاء، عدا الدليل الأول، لأن المعتزلة تحكم بفسق أصحاب الجمل وصفين دون كفرهم، وتدعي توبة أهل البصرة.

ويدل فيهم خاصة: ما أجمعت الأمة عليه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله:

حربك يا علي حربي وسلمك سلمي، وقوله عليه السلام: من حارب عليا فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله، وقوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أنا حرب لمن

____________

(1) في النسخة: " والدينية ".