الصفحة 125

خصائص الإمام علي (عليه السلام)


لم يعرف التاريخ الاسلامي أعظم من الامام علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه أبلى في الإسلام بلاءاً حسناً وكان أخاً لرسول الله منذ صغره إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.

وكان (عليه السلام) أول المسلمين وأول من صلى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعنه (عليه السلام) قال: «أنا أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(1).

وقد بلغت هذه الرواية إلى حد التواتر(2).

كما أن الامام علي (عليه السلام) هو أول من صلى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعنه (عليه السلام) قال: (أنا عبد الله، وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، صليت قبل الناس بسبع سنين)(3).

____________

1- خصائص الإمام علي للنسائي ص15 تحقيق السيد جعفر الحسيني، ط1، 1419 دار الثقلين ـ قم، الترمذي في الجامع الصحيح: 5 / 640 و 642.

2- رواه أحمد في مسنده: 1 / 141، 4 / 368، وابن الأثير في أُسد الغابة: 4 / 17، وابن عبد البر في الاستيعاب: 3 / 23، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن المغازلي في مناقب عليّ ص14، والطبراني في الكبير 5 / 198.

3- سنن ابن ماجة: 1 / 44.


الصفحة 126
وكان أول العابدين لله بعد رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي لم يسجد قط لصنم، فولد موحداً وعاش موحداً حتى لقي الله تعالى وكان أول المسلمين رغم حداثة عمره، وصغر سنّه، وكان محطم الأصنام عند فتح مكّة، فقال (عليه السلام): (قال لي رسول الله: احملني لنطرح الأصنام من الكعبة، فلم أطق حمله، فحملني، فلو شئت أن أتناول السماء فعلت)(1) فكان للإمام علي (عليه السلام) بذلك جليل القدر والعظمة.

أما قوته وبلاؤه في الحروب فلا أحد يشك في قدرته وقوته وما فَتْحُ خيبر إلاّ جزء يسير من البطولات الخالدة له (عليه السلام) فبعد رجوع أبي بكر وعمر مهزومين قال (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفسي بيده لأعطي الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ليس بفرار، يفتح الله على يده، فأرسل إلى علي (عليه السلام) وهو أرمد فتفل في عينه وقال:

اللهم اكفه أذى الحر والبرد فما وجد حراً بعد ولا برد(2).

وللبلاء الحسن والقوة التي أظهرها الإمام علي (عليه السلام) في خيبر وخصوصاً مما تعارف عليه أصحاب السير والتواريخ من حمل الإمام علي (عليه السلام) باباً لا يستطيع عشرة أشخاص حملها، قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن جابر بن عبد الله الأنصاري: (لولا أن يقول فيك طوائف

____________

1- إعلام الورى بأعلام الهدى: للطبرسي 1 / 362، مسند أحمد: 1 / 84 و 151.

2- انظر: إعلام الورى بأعلام الهدى: 1 / 364، ومسند أحمد: 1 / 99 و 133.


الصفحة 127
من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك، ومن فضل طهورك، فيستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنك مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي...) وبعد نهاية الحديث خر علي (عليه السلام) ساجداً ثم قال:

(الحمد لله الذي من علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين، إحساناً منه إلي وفضلا منه علي)(1).

وهذا جزء يسير من بطولاته القتالية في الدفاع عن الإسلام وردّ اعتداء الكافرين، اين غيره يوم الأحزاب حينما تجابن الكل عن مبارزة عمرو بن عبد ودّ حتى خرج له الامام وهزمه. واين غيره يوم حنين حيث فرَّ الكل فبقي هو ومجموعة من بني هاشم. واين بطولات غيره يوم بدر وهو يردي الوليد بن عتبة قتيلا ويوم أحد وهو يرد عن رسول الله ضربات الكفار. إنها جزء قليل من تاريخ الامام علي الجهادي والذي حاول البعض نسيانه وجعله في طي النسيان.

أما العلم فلا أحد يشك في أعلميته (عليه السلام)، وهو القائل ولم يقلها أحد غيره: اسألوني قبل أن تفقدوني، وكذلك قول عمر بن الخطاب: «ويل لعمر من مسألة ليس لها أبو الحسن»، ويؤكد هذا الأمر حديث مدينة

____________

1- المصدر السابق: 5 / 366.


الصفحة 128
العلم حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه ابن عباس:

(أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها)(1).

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن أقضى أمتي علي بن أبي طالب، وأعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب)(2).

وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (علي مع الحقّ والحق مع علي يدور الحق معه حيث دار)(3).

وأما قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا ينكرها إلاّ جاحد وما أحاديث الولاية وسد الأبواب والمؤاخاة إلاّ دليل على مميزات هذا الرجل العظيم في الإسلام الذي سعى المؤرخون في تاريخ الإسلام أن يطمسوا هويته لكن أبى التاريخ إلاّ أن يحفظ مكانته رغم تحايلات المؤرخين التي أظهرنا بعضها، والتي حاولت الحط منه وإصباغ التاريخ بشخصيات عملت السلطة لإبرازهم في التاريخ الاسلامي، حتى تعطي المشروعية لعملية السلب التي قاموا بها، مما اضطر العلماء المدافعين عن هذا النموذج المصطنع إلى خلق مجموعة من القوانين لحفظ هذا التاريخ المزيف والتي أثبت التحقيق التاريخي مدى زيفها وبرغماتيتها

____________

1- فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي للعلامة أحمد بن محمد الصديق الحسني المغربي ص3 المطبعة الإسلامية الازهر ـ مصر.

2- مصباح الهداية في إثبات الولاية، السيد علي الموسوي البهبهاني: ص 156.

3- المصدر السابق ص157.


الصفحة 129
في التعامل مع الأحداث.

ونورد هنا كلاماً مختصراً للعلامة أحمد بن محمد بن الصديق الحسيني المغربي وهو يذكر آراء بعض العلماء في تعاملهم مع الأحاديث الواردة في حق علي (عليه السلام) حيث قال:

الذهبي لا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل علي (عليه السلام) فإنه سامحه الله إذا وقع نظره عليها اعترته حدة أتلفت شعوره وغَضَبٌ أذهب وجدانه حتى لا يدري ما يقول وربما سب ولعن من روى فضائل علي (عليه السلام) كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع، ولكنه لا يفعل ذلك فيمن يروي لأحاديث موضوعة في مناقب أعدائه(1).

وهذا رأي عالم عاش في صعيد الأحاديث ودوّن التاريخ، فترى كيف يمكن أن تكون العقليات المتولدة من خلال ما يروى لها من زيف وأكاذيب، وما الداعي إلى ذلك؟

____________

1- فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص98 ـ 99.


الصفحة 130

الصفحة 131


الفصل الرابع
قراءة نقدية
نموذج أحمد شلبي


«يبدأ العلم المعقول بنقد
التقليد الموروث»

 

                    رانكه



الصفحة 132

الصفحة 133
هل استطاعت عملية التأريخ أن تصل إلى النزاهة المتوقعة وإلى تطبيق المناهج التي سنستخلص منها النتيجة الحقيقية، عبر التخلص من عقدة قداسة الماضي وأصحابه.

إن النهج الذي ننادي به هو المقايسة والمقاربة مع تجريد هذا التاريخ من القداسة المفتعلة حتى نستطيع الوصول إلى المبتغى المنشود، وبالتالي إلى تاريخ إسلامي ينير لنا طريق الثورة المعرفية والثقافية لاستشراف المستقبل نحو دولة العدل الإلهي المرتقبة.

وكم تحس بالسعادة وأنت تطالع كتاباً تأريخياً وصاحبه يتحدث عن إعادة كتابة التاريخ بطريقة تتجاوز ركام التخلف التاريخي، وتحاول استخلاص العبر منه، بحيث تصبح الموضوعية هي المطلب الرئيسي للمؤرخ ويأخذ على من سبقه إغفال هذا الجانب بحيث يرى أن أغلب الباحثين لا يدرسون هذه المشكلة دراسة موضوعية، بل يتأثرون بأشخاصهم فيدفعهم تأثرهم إلى هذا الجانب او ذاك دون عمق وبدون إحتمال فكر(1). وهذا ما اصطلحنا عليه بالتوجه السياسي

____________

1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي: 1 / 641 ط13 مطبعة النهضة المصرية 1988.


الصفحة 134
والايديلوجي للمؤرخ بحيث يصبح ارتباطه بنظام سياسي وبتوجه ايديلوجي هو الطابع الغالب على تحليله للأحداث التاريخية وصياغتها، وبالتالي كما يرى الدكتور احمد شلبي الخروج من هذه البوتقة المغلقة، والأهم من ذلك هو تحطيم القداسة المرتبطة بالصحابة على اعتبار أن أهل السنة تراهم أسهل حكماً «عدلوا الصحابة جميعاً وتولوهم واعتقدوا نجاتهم وقليلا ما يحاولون على هذا أو ذاك بالخطأ(1)، على الرغم من معرفتهم وتيقنهم من المخطئ والمصيب فيؤثرون أن يغمضوا أعينهم. ومنه فإن الضرورة تستدعي إعادة النظر في هذا التاريخ، للوصول إلى حقيقة الأمر فيضع الأستاذ المحترم السؤال، هل نستطيع أن ننظر إلى هذه المسألة نظرة موضوعية بصرف النظر عن اشخاصها، بل مع كامل التقدير والإجلال لماضي كل من هؤلاء الأشخاص؟ أرجو هذا(2).

رغبة أكيدة منه لإخراج التاريخ من هذه الأزمة التي أحاطت به منذ عصور، وإظهاره بوجه يساير التطلعات المستقبلية للامة الإسلامية.

هذه وجهة نظر أحد ابرز المؤرخين في العصر الحديث(3)، وله

____________

1- المصدر السابق.

2- المصدر السابق ص642.

3- الدكتور احمد شلبي. مصري حاصل على دكتوراه من جامعة كمبردج في التاريخ له مجموعة مؤلفات أهمها موسوعة التاريخ الإسلامي، موسوعة الحضارات الإسلامية، ومقارنة الأديان.


الصفحة 135
مؤلفات تحظى بأهمية كبيرة في العالم. وأول ما عرفته كان بواسطة كتاب مقارنة الأديان وقد تميز بالدقة والعلمية. لكن هذه النزاهة وهذه المنهجية التي تحدّث عنها هل فعلا جسدت في عملية تدوينه للتاريخ الإسلامي؟

إن مجموعة من النقاط يمكن ملاحظتها خلال قراءة كتاب موسوعة التاريخ الإسلامي. وخصوصاً الجزء الأوّل، إذ تنم عن الإطار الذي يتحدث منه المؤلف ضارباً بعرض الحائط الموضوعية والعلمية.


الصفحة 136

الصفحة 137

التشيّع والفرس


إن أول ما يلاحظ في كتاب موسوعة التاريخ الاسلامي وهو الهجوم اللاذع والشنيع على الفرس، وليس هنا من باب الدفاع عن قومية معينة ولكن هو استشفاف المخفي من داخل النصوص والذي هو في الأصل هجوم على التشيّع، وذلك دون دليل منطقي. والأمر الثاني الملاحظ في هذا الكتاب هو الانتقائية في التعامل مع الأحداث التاريخية، الشيء الذي يصعب معه استخلاص الأسباب وبالتالي النتائج مما جعل نتائجه بعيدة عن واقع الأحداث التاريخية مما أفقد عمليّة التأريخ تناسقها.

لقد جاءت الطبعة 13 مفردة في إبراز المخاطر الفارسية على الإسلام وما حكاه هؤلاء الفرس (الشيعة) للإسلام، فهم على زعمه أنّهم قاتلوا عمر وعثمان وعلي، مع العلم على أن الخليفتين عثمان وعلي لم ينسب أحد قتلهم إلى الفرس إلا دكتورنا المحترم، وقوله لايستند لأي دليل، ولكن الواضح أن هذه الرؤية، وهذه النتيجة التي استخلصها هي من إيحاءات الإتجاه الوهابي الذي ارتبط به كاتبنا ماديا، فقبيل إخراج هذه الطبعة تلقى دعوة من الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمان الربيع عميد البحث العلمي بجامعة محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة

الصفحة 138
العربية، يدعوه فيه لكتابة كتاب لمركز البحوث بالجامعة عن السيرة النبوية ويقول عن هذا العرض: ففرحت بهذه الدعوة وقمت بهذا العمل ما أستطيع من الإجادة، وقد أدخلت في هذه الطبعة مما رأيت ضرورته(1).

وبالطبع لم ير من الضروري إلا ما يطعن في الفرس ويبين حسب زعمه كيدهم للإسلام بحيث يقول أن في هذه الطبعة أيضاً إبراز الخطر الذي تدفق على الإسلام والمسلمين من ايران(2).

والجدير بالذكر أن هذه الطبعة كانت سنة 1988 أي بعد أحداث مكة الشيء الذي يعطيها طابعاً سياسياً ومما يؤكد هذا وهو اعتباره حركة الإمام الخميني (رحمه الله) إحدى الحركات الهدامة وهي استمرار للحركات الهدامة الفارسية الأصل منذ انطلاقة التاريخ الإسلامي، بحيث انطلقت مؤامرتهم على نطاق واسع باسم الشعوبية والباطنية، والزنادقة، والزنجية، والقرامطة والدرزية والبابية والبهائية فقتلت الملايين من المسلمين ولا تزال تقتل وتضرب حتى اليوم بصيحة الخميني(3).

إذن ترى ما سبب هذا الحقد الفارسي الدفين حسب زعم دكتورنا؟

إن السبب في ذلك هو تحطيم المسلمين للمملكة الساسانية وإخضاعهم للدولة الإسلامية بحيث يرى أن بلاد فارس استسلمت عسكرياً بسرعة

____________

1- دكتور أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الاسلامي: ص 19.

2- المصدر السابق ص20.

3- المصدر السابق ص613.


الصفحة 139
غير متوقعة ولكن قادتها بدأوا يثيرون المتاعب والشبهات والشكوك منذ عهد الفتح إلى الآن في حركات الشعوبية والباطنية والزنادقة، والزنج والقرامطة، والدرزية والبابية والبهائية والخمينية(1).

هل يستطيع العقل أن ينسجم مع هذا السبب الواهي بحيث لو كان الامر بهذا الشكل لكانت كل المناطق التي دخلت إلى الإسلام تحت سيوف الفتح أن تكيد لهذا الإسلام فلا أظن أنّ الشمال الافريقي قد فتح بلسان المسلمين بل بسيوفهم وإخضاعهم للحق عن طريقه، وما قتل كسيلة البربري لعقبة ابن نافع الفهري إلاّ دليل على المواجهة التي لقيها الفاتحون لهذه المناطق، إذن لماذا لم يتحدث عن كيدهم للإسلام أم أنّ التوافق الايديلوجي السني أخرجهم من دائرة المكيدين لهذا الدين. وعلى هذا المنطق المعتمد عنده فإن مسلمي الفتح وجب في حقهم الكيد للإسلام لأنهم وجدوا أنفسهم ملزمين بهذا الدين وهم في عقر دارهم، مما يلزم عليهم التستر وانتظار الفرصة للوقيعة به، وهذا ماوقع لكن كاتبنا لا يشاطرنا الرأي علما ان يزيد بن معاوية تمثل بأبيات عقب مقتل الإمام الحسين تدل على حنقه من النصر الذي حققه هذا الدين على أجداده خصوصاً في معركة بدر وكتب التاريخ ملئت بهذا الحدث. وثاني شيء ما يمنع الفرس من الرجوع إلى دينهم بعد ضعف الدولة المركزية في بغداد وهذا ما حصل في الاندلس بحيث أن الحانقين فعلا على هذا الدين سرعان ما انقضوا عليه عند ضعف إدارته،

____________

1- المصدر السابق ص277.


الصفحة 140
ولو كان الامر في بلاد فارس كذلك لرجعوا إلى دين آباءهم وتخلصوا منه. ولكنهم بقوا على هذا الدين، وابرز دليل على ذلك الحركة التصحيحية التي قادها الامام الخميني (رحمه الله) واحيائه لهذا الموروث التاريخي المقدس وإعادته إلى الحياة بعدما ركن في زوايا المساجد، فكيف نسميها حركة تخريبية.

وشيء آخر مهم، حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصريح: «لو كان الإسلام ينال بالثريا لناله رجال من فارس». فأين كاتبنا من هذا الحديث. وهنا أمرين فإما صاحبنا على حق فيما وصل إليه والنبي يهجر! وحاشا لله وبهذا تنتزع عنه صفة النبوة وتذهب الرسالة مهب الريح، او رسول الله صادق وصاحبنا يعيش في الأهاجيس المادية والمذهبية وهذا هو الأكيد فراح يخبط خبط عشواء..

كما إن المسكوت عنه من خلال نصوص كاتبنا واضح وجلي، لكنه لم يعبر عنه بطريقة مباشرة فتخفى تحت راية عرقية، علماً أن المقصود عنده هنا هو التشيع وهذا يتضح جلياً حينما نراه يربط بين الحركات الفارسية واليهودية ويصوّر تنسيقها في الكيد لهذا الدين. بحيث يرى أن المؤامرات فارسية، وتؤيدها الأصابع اليهودية ثم ثورات خطط لها الفرس واليهود وقادوها ووجهوها(1) ففعلا المعنى واضح وهو التيار السبئي وما فعل في التاريخ؟

____________

1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامية، ط13 ص613.


الصفحة 141

شخصية عبد الله بن سبأ


من الشخصيات التي أعطاها التاريخ حجماً أكبر من حجمها، شخصية عبدالله بن سبأ، حتى صار معروفاً بين أوساط المؤرخين بمؤسس السبئية والتي كان يقصد بها وفي غالب الأوقات الأشخاص الموالين لعلي (عليه السلام) أو أحد أبنائه أو أحفاده. الشيء الذي أكسبه شخصية محورية في أرتباطه بالتشيع. وأصبح هذا الشخص هو المدخل الرئيسي للهجوم على الشيعة، وربط حركتهم بالأصول اليهودية.

لكن الأمانة العلمية التي يتطلبها التحقيق التأريخي تلزمنا أن ندرس هذه الشخصية من جميع الجوانب انطلاقاً من وجودها أو عدم وجودها، وإن كانت موجودة فلابد من معرفة مدى تأثيرها على الصعيد الثقافي والسياسي الاسلامي، وهل فعلاً كان بالشكل الذي رسمه التاريخ الاسلامي.

ان مسألة عبدالله بن سبأ لم تكن محل اختلاف بين السنة والشيعة فقط بل حتى داخل المنظومة الفكرية الشيعية نفسها، فقد نفى البعض وجود هذه الشخصية بالإطلاق بأعتبارها إحدى موضوعات سيف بن عمر بأعتباره هو الراوي الذي أورد له الطبري مروياته وبعدها كان

الصفحة 142
تاريخ الطبري هو المرجع لكل المؤرخين فيما بعد. وقد مثل هذا الخط في أوجه العلامة مرتضى العسكري في كتابه أسطورة ابن سبأ، وقد رأينا الإمام الخوئي (رحمه الله) أيضاً قد مال إلى هذا القول في معجم الرجال(1).

وقد كان العلاّمة التستري صاحب موسوعة الرجال من بين علماء الشيعة من أقر وجود هذه الشخصية لكل الفارق أنه وضعها في إطارها الحقيقي، وسحب عنها تلك الخرافية التي أكسبها إياه سيف بن عمر الذي تلاعب بالرواية وأخرجه بالشكل الذي أصبح هو مؤسس المذهب الشيعي، مع العلم أن الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) قد لعنوه ويقول الإمام الخوئي في هذا الباب «فعلى فرض وجوده، فهذه الروايات تدل على أنه كفر وادعى الألوهية في علي (عليه السلام) لا أنه قائل بفرض امامته (عليه السلام)(2). وقد سبق أن قلنا أن الأئمة قد لعنوه والروايات كثيرة، فعن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: لعن الله من كذب علينا! إني ذكرت عبدالله بن سبأ فقامت كل شعرة من جسدي! لقد ادعى(3) أمراً عظيماً، ماله لعنه الله(4)، وكذلك عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «لعن الله عبدالله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين»(5) وهكذا يظهر لنا الموقف الحقيقي لخط

____________

1- السيد الخوئي: معجم الرجال ج 11.

2- المصدر السابق ص 207.

3- العلامة التستري: قاموس الرجال ج 6 ص 367.

4- المصدر السابق: ص 366.

5- المصدر السابق: ص 370.


الصفحة 143
الأمامة في شخصية عبدالله بن سبأ، وهو اللعن والرفض لكل ما أدعاه.

ولا يمكن أن ننفي وجود حركة الغلاة والذين لعنوا من طرف الأئمة ومن علماء مذهب أهل البيت مما لايجعل مصوغا للآخر، الخلط بين التشيع الأصيل الذي بنا أسسه على اتباع أهل البيت وبين خط الغلو والانحراف، وقد قال العلامة التستري في هذا الباب: ومن العجب أن الجماعة المتسمين بالعلماء من أهل السنة، إذا تكلموا في كتبهم على المذاهب لايذكرون الإمامية المستمسكين بأهل بيت العصمة بل يقتصرون على الغلاة من السبئية واضرابهم.

ومنه فإن أي قراءة لتاريخ التشيع يجب أن يتبع فيه البحث الدقيق حتى لانعيد تلك القراءات البئيسة والتي ادت إلى تفريق وتمزيق الصف الإسلامي.

وقبل الانتهاء من هذه فإن علماء الشيعة لم يسقطوا حالات الغلو والتطرف التي ظهرت عند السنّة بل يقتصرونها على الحالات التي أنتجتها كالنواصب المعادين لآل البيت ولم تتهم كل المدرسة السنية بالنصب، كما أنهم لم يتهموا السنة باليزيدية وهي إحدى الفرق التي خرجت من أهل السنة وأدعت الالوهية في يزيد بن معاوية وقد عرفوا على طول التاريخ بعبدة الشيطان. بل اقتصر الامر على أتباع تلك الطائفة.


الصفحة 144