شلبي والتاريخ
إنّ الأمر المهم الذي يجب أن نتخذه مبدأ في تحقيقاتنا، هو أن لا ننظر إلى الحقيقة بالصورة التي نحن عليها. لأنّ في هذه الحالة ستتغلّب «الانا» على محاور الحدث، فنصبح معبرين عن وجهة نظرنا الخاصة على أنها الحقيقة، فيفقد البحث معناه وخصوصاً البحث التاريخي.
إن الدراسات التاريخية تعتمد على مجموعة وقائع ذات دلالات زمانية ومكانية، ومحكومة بأسباب، ففي حالة الوصول إلى النتائج بدون الغوص في الأسباب ومحاولة جردها عن علل وجودها، فحتماً النتائج تكون خاطئة. إنها عملية علمية على نمط عملية حسابية فلا يمكن الوصول إلى نتيجة 2 من دون معرفة العددين الأصليين للعملية أي 1 + 1 أو. (صفر) + 2. مما يفرض علينا وجوب الإطلاع على هذه الأسباب، وهذا مافقده تأريخ الاستاذ شلبي.
إن تأريخ أستاذنا لم يأتي فقط فاقداً للمحددات السابقة ; بل تعسف على التاريخ فبتر أحداث مهمة كانت لها فيما بعد انعكاسها على أوضاع المجتمع الإسلامي. وما آلت إليه الأحداث.
1 - لم يرد قط حديث يوم الرزية ولم يتطرق له من أي جانب،
2 ـ سرية أسامة وكذلك في باب الغزوات والسرايا. لم يذكر تجهيز سرية اسامة، ونعلم كل العلم ماحدث من خلاف صريح لامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه السرية وفعلا ما سيترتب عنه فيما بعد. وخصوصاً أنها كانت في الأيام الأخيرة من حياته (صلى الله عليه وآله وسلم).
3 ـ إفراغ كل مدونته التاريخية من الأحاديث الصحيحة الدالة على مكانة علي (عليه السلام)، والتي تدل دليلا لا يقبل الشك في أحقيته بالخلافة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرغم من تعجبه من أن كثيراً من الكتب لم تتخذ القرآن الكريم وأحاديث الرسول مراجع لها عند دراسة حدث تكلم عنه القرآن او الحديث(1) ; ودليل ذلك هو الدعوة الاولى للرسالة المحمدية وبالخصوص نزول قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}(2) حيث اوردها بطريقة نفت عنها صبغتها التاريخية وعنونها بدعوة بني عبد المطلب حيث قال: ـ
هذه هي المرحلة الثانية من مراحل الدعوة، وقد بدأها الرسول عندما نزل عليه قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فدعا بني عبد المطلب ليجتمعوا به، فلما حضروا قال لهم: «إني ما أعلم شاباً جاء
____________
1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الاسلامي: 1 / 58.
2- الشعراء: 214.
وهنا تنتفي نزاهة المؤرخ، ويظهر بوضوح مدى انتقائيته وتعامله اللاعلمي مع الحدث التاريخي، فهذه الحادثة التاريخية مما نال الإجماع على سبب نزولها وما حدث خلال اجتماع بني عبد المطلب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصاً الموقف النبيل لعلي (عليه السلام) ـ على رغم صغر سنه ـ وتحمسه لتحمل هذه الدعوة وأعبائها، ولكن كاتبنا لم يأل جهداً في تضعيف هذه الشخصية بقصد أو عن غير قصد. بحيث يرى أنه قد طمع بالخلافة(2) ونعلم معنى الطمع في اللغة العربية.
وهذا من أسباب عدم ربط النتائج بالأسباب، وبالتالي يسمح كاتبنا لنفسه أن يتهم علي (عليه السلام) بالطمع، طالما أورد النص السالف بصيغة شلبية! كما أنّه لم يدرج في موسوعته اي حديث من الأحاديث المتواترة والمعروفة عن مكانة آل البيت النبوي الكريم.
رزية الخميس
قد يبدو لأول وهلة أن هذا الامر بسيط ; يظن المؤرخ أنه لا حاجة من إدراجه فهو قد عبر عن حالة في لحظة معينة ثم انتهى فعله، وهذا بالفعل ما حدث لمؤرخنا. وكما أسلفنا سابقاً أنه لم يدرج هذه الحادثة
____________
1- د. احمد شلبي المصدر السابق ص218.
2- المصدر السابق 575.
لا أحد منا يجهل هذه الواقعة فهي مما حبلت بها الكتب التاريخية، واصطلح عليها بيوم الرزية لأن ابن عباس هو الذي أطلق عليها هذا الإسم مما رآه من هول عظيم، وخصوصاً أنه في حضرة الرسول الكريم حيث يقول «يوم الخميس، وما يوم الخميس! قالوا، وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، فقال ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي; فتنازعوا وماينبغي عند نبي تنازع! وقال ماشأنه! أهجر؟ استفهموه!! فقال «دعوني، فالذي أنا فيه خير»(1) قال ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم) ويبكي حتى يبل دمعه الحصى.
وكذلك وجد بصيغة متعددة تحدد شخصية المعترض.
فقال عمر إن النبي قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا
____________
1- كتاب المغازي: 5 / 511 باب مرض النبي ووفاته.
وفي صحيح مسلم «إن رسول الله يهجر»(2).
لقد كثر الجدل والنقاش حول هذا الحديث، فيهم من اعتبره من الموارد التي لم يتعبّد بها الصحابة ودليل على عدم عدولهم ومخالفتهم الصريحة له في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)؟(3)
وآخرين استدلوا به على وقوف مجموعة من الصحابة ضد تعيين الوصي الشرعي بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث أنه كان يتوخى تثبيت الأمر بطريقة توثيقية لا لفظية كما حصل في غدير خم، لكن وقع الهرج والمرج عنده، لكن حقيقة الحديث تتضح عن طريق آخر عبر حديث الثقلين، وذلك من خلال تقارب اللفظين حيث قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الرزية: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده» وقوله في حديث الثقلين «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي». ففهم الصحابة بطريقة غير مباشرة ان هذه الوصية خاصة بتثبيت أولية آل البيت وعلى رأسهم علي (عليه السلام)(4)، فوقع اللغط في وجود حضرته عليه الصلاة والسلام حتى لا يكون ما أراده ونحن لسنا نحب
____________
1- صحيح البخاري ـ باب قول المريض قوموا عنوا.
2- صحيح مسلم: 5 / 75 كتاب الوصية.
3- راجع المراجعات: حادثة الرزية المراجعة 86.
4- السيد عبد الحسين شرف الدين، النص والاجتهاد ص129.
لكن الاهم عندنا في هذه الوقفة هو تبيين نقطة مهمة قد أغفلها كاتبنا وهو بداية حصول عدم الاتفاق خلال وجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم، وظهور التفرقة وكذلك الفرق. وهم الفريق الذي يرى الزامية التمسك بالتعاليم النبوية والقائلون اعطوه، وفريق الرفض للتعاليم والقائل انه يهجر او غلب عليه الوجع، وبالتالي عندهم القابلية لتجاوز التعاليم المسطرة.
إنه من البلاهة أن ننظر إلى الحادثة ببساطة وأن لانهتم بهذه التفرقة بحضرة الرسول الأكرم، لكن الأكيد أنه إحدى الاسباب التي لا يجب عدم إغفالها حتى تتضح لنا أبعاد الصراع بين الصحابة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنه بعد وفاته تكون العقليات قد تشكلت واعتادت على أشياء وأصبحت المخالفة للمقررات شيئاً عادياً، وإدراجتا لهذه الواقعة ليس لكونها الوحيدة في حياة الرسول بل لأنها قريبة من لحظة وفاة النبي، يعني ان الذهنية فعلا قد تشكلت على المخالفة. ولم تكن الحديبية وحدها دليل عليها. لكن واقعة الرزية لها دلالة عميقة من حيث كونها جاءت متأخرة من حياته الطاهرة، وثاني شيء للمسكوت عنه في هذه الرواية والتي قبل أن يصل إليها الرسول أعد لها العدة وحدد طبيعة هذه الوصية طيلة مسيرة الدعوة من انذار العشيرة الأقربين إلى غدير خم، وتتبين كذلك هذه العقلية الرافضة والثائرة على الدستور
سرية أسامة
فقد أعد الرسول جيشاً عظيماً ولَّى أسامة بن زيد قيادته ليثأر لأبيه ولقتلى المسلمين ولكن الرسول مات قبل أن يسير هذا الجيش، فسيره أبو بكر(1).
هذا ما نالته سرية أسامة من موسوعة اختصت في التأريخ للإسلام وكأن هذه السرية لم تعرف أحداثاً ولم يقع خلالها اضطرابات. وهذا هو عين التزوير والانتقائية في التاريخ، وسؤال صريح لأستاذنا لماذا هذا التجاوز عن أحداث تاريخية؟ ألكونها بدون أهمية؟ أم خشيت أن تسقط أصنامك؟!.
وللأمانة التاريخية نورد النص التاريخي قبل الدخول في مطارحة معه:
لقد أعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سرية لغزوة بلاد الروم وذلك لأربع ليال
____________
1- د. احمد شلبي موسوعة التاريخ الاسلامى، ص585.
لا نريد الإطالة في الرواية ولكن المعني في هذا السرد ذكر الأحداث المهمة وبالضبط تحديد طبيعة العقليات التي تشكلت خلال المرحلة الأخيرة من حياة الرسول، إنه من الجلي والواضح هنا هو هذا الرفض والتثاقل عن الاستجابة لهذا الامر النبوي وهو الجهاد في سبيل الإسلام من إجلاء إعلاء لواءه، بالرغم من ذلك فإن تيار الرفض وقف مرة أخرى إتجاه كلام المعصوم (صلى الله عليه وآله وسلم). بالرغم من تشديده على إبعاث السرية حتى قال (صلى الله عليه وآله وسلم) «لعن الله المتخلفين عنها»(1) وكان كبار الصحابة فيها وعلى رأسهم أبو بكر وعمر.
إن دراسة هذا الحديث يبين لنا جوانب خفية لعبت دوراً مهما في
____________
1- أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة نقلا عن المراجعات ص260.
إن حدث السرية يحمل معنيين مهمين يجب التمعن فيهما وهذا ما كان يتوخاه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
الأول: عقد لواء السرية بيده وهذه دلالة شرعية للسرية ومثيلها ومثيل أي أمر نبوي وجب الخضوع له. علماً أنه خلال هذه المرة كان في مرضه الأخير وكان بإمكانه تكليف شخص معين لعقد اللواء، لكن أبى إلاّ أن يقوم من فراشه ويباشّر عن هذا العمل الشريف.
والثاني: هو شخصية القائد، وقد كان امتحان من رسول الله لأصحابه باختياره لأسامة وهو شاب صغير. ومن خلالها استطاع أن يتطلع لمصير أوامره بعد وفاته علماً أن هذه الامة ينتظرها ماهو أكبر وأعظم من سرية لكن مع الاسف كان امتحاناً استطاع الرسول أن يستشف من خلاله مصير أصحابه ويحيط لعنته بالمخالفين له.
من خلال هذين الحدثين: رزية الخميس وسرية أسامة يتضح لنا هذا المجتمع المقبل على شيء أعظم إلى أيّ شيء وصل في تفكيره
علي والوصاية
إن الحقيقة التي حاول الدكتور شلبي أن ينكرها هي أوضح من
____________
1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي: 1 / 585.
2- المصدر السابق ص620.
3- المصدر السابق ص627.
إن شخصية الامام علي (عليه السلام) لم تكن وليدة اللحظة التي توفي فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يتجرأ للطمع في شيء لا يرى فيه أحقية دينية ولنفسه، بل هو نتاج لعملية التكوين النبوي لهذه الشخصية حتى تكون مستعدة لاستخلافها من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم). إن مثل الامام علي (عليه السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كمثل تلك النبتة التي يرعاها الفلاح حتى يستفيد منها الناس في المستقبل وهذا يتطلب جهداً من الفلاح للحفاظ عليها، وهذا حال المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث لم يعلن عن وليدة في لحظة زمنية محددة وإنما تطلب منه مدة زمنية طويلة على طول الدعوة الإسلامية من حديث الدار إلى غدير خم حتى يتم استيعاب الامر بشكل جيد من طرف أصحابه، وقد اختلفت هذه المواضع باختلاف الزمان والمكان.
المرحلة الأولى: (يوم الدار)
إن مسألة تميز علي بن أبي طالب انطلقت من تحديد أهميته اولا داخل اُسرته ثم بعد ذلك بين كافة المسلمين، وكانت واقعة الانذار أول
(يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن ادعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم).
يقول الامام علي (عليه السلام):
(فأحجم القوم عنها جميعاً، فقلت وإني لأحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال ـ أي الامام علي (عليه السلام) ـ فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب قد أمرك
____________
1- الشعراء: 214.
وهذا منطلق تمهيد الخلافة لعلي ابن ابي طالب وأول مرحلة على حساب أهله ولا أظن كاتبنا لم يطلع على هذا الخبر لأنّه مما امتلئت به كتب التاريخ والحديث وليس هذا الخبر هو الوحيد لأن المسيرة التاريخية للنبوة والتي استمرت 23 سنة كانت مليئة بمثل هذه الوقائع.
ومن هنا ابتدأت الدعوة النبوية لعلي (عليه السلام) في إظهاره للناس وإبراز حقيقته ابتداء من بني هاشم إلى المسلمين عامة، وأظن ان عبد الله بن سبأ لم يكن حاضر تلك اللحظة كما أنه لم ينفرد هو نفسه برواية هذه الرواية بل هي مما امتلئت بها كتب السيرة والحديث. ولا نبغي من خلال إدراج هذه الفكرة الانتصار لطائفة معينة بقدر ما نحاول إظهار ما يحاول إخفاؤه كاتبنا وكذلك نفي التهم الباطلة التي تلصق بأعظم شخصية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
علي (عليه السلام) في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
إن حديث الدار كان أول خطوة لتبيين منزلة الإمام علي (عليه السلام) ومن ذلك الوقت سعى النبي لإظهاره تدريجياً وإعطائه مكانته الخاصة في المجتمع الإسلامي، فهو الوحيد بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم يعرف الشرك في حياته.
____________
1- تاريخ الطبري: 2 / 319، تاريخ ابن الاثير 2 / 62، السيرة الحلبية: 1 / 311، تاريخ ابن عساكر: 1 / 88.
«أنا مدينة العلم وعلي بابها».
«يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي».
«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى».
إن هذه الأحاديث تبين منزلة علي (عليه السلام) عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أن الإمام علي (عليه السلام) كان صاحب ذو الفقار، وتذكر لنا حوادث التاريخ والغزوات كيف أبلى الامام علي (عليه السلام) بلاءاً حسناً في المعارك وكيف ثبت في حرب أحد ويوم حنين. وكيف كان فاتح خيبر بعد أن فشل الصحابة الذين استلموا الراية قبله، وهو أمر يجب التأمل فيه بشكل نستطيع من خلاله التعرف على منزلته العظيمة وإبراز إحدى الخصائص المهمة وهي
____________
1- وهو المعروف بحديث الكساء بعد نزول قوله تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
هذا في الحرب أما في تبليغ الدعوة فلا أحد ينكر من بلّغ سورة التوبة بعدما أعطيت لأبي بكر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (لا ولكني أمرت ألا يبلغ عني إلاّ أنا أو رجل مني)(2) وكل هذه المواقف النبوية تدل أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اراد من خلالها توجيه الرأي العام إلى هذا النجم الساطع، وإبراز مكانته داخل المجتمع. بعد ذلك تأتي اللحظة الأخيرة فبعدما كان قد أمرَّه على ذويه وأقاربه جاء الوقت ليؤمره على كافة المسلمين بعدما تبينت مكانته في الإسلام، فكان إتمام الدين بإبلاغ ولاية الامام علي (عليه السلام) وذلك خلال حجة الوداع في غدير خم. فبيّن منه (صلى الله عليه وآله وسلم) الحقيقة بصراحة فقال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)(3).
____________
1- المصنف لابي شيبة: 7 / 17، سنن النسائي 5 /ح 8402، تاريخ الطبري: 3 / 12، البداية والنهاية: 27 / 373.
2- سنن الترمذي: 5 / 3719، سنن النسائي: 5 / 8461، تفسير الطبري: 10 / 46، البداية والنهاية: 7 / 374 ومسند الامام أحمد: 1 / 331.
3- مسند أحمد: 1 / 84، 88، 118، 119، سنن النسائي ـ كتاب الخصائص ح8542، البداية والنهاية: 5 / 229 ـ 232.
أسباب ونتائج
إن البحث التاريخي هو عبارة عن دراسة موضوعية للأحداث السابقة عبر تتبع مسيرتها إذ أنها تحوي داخلها مجموعة من الاسباب، والتي تعطي للحدث بعداً تاريخياً له انعكاساته على مجريات الأحداث المستقبلية، فلا يمكننا الوصول إلى خلاصة ونظنها منطقية. دون إيراد ماورد في هذا الباب حتى تكون استنتاجاتنا منطقية وهذه العملية مهمة في دراسة التاريخ الإسلامي لانني باستطاعتي أن اعطي حكماً قيمياً من خلاله أصلُ إلى حكم يخالف الواقع وما جرت به الأحداث، وقد يصل الأمر إلى أن أصل إلى نتيجة غير صحيحة وكثيراً ما يصل الباحث إلى هذه النتائج الخاطئة من خلال التعامل مع باقي الفرق الأخرى بشكل متطرف وإخراجها من ملة الإسلام، وهذا ما حدث لصاحبنا فعلى علة منهجه التأريخي والذي حاولنا بقليل من التفصيل إظهار الأسباب التي أغفلها والتي لها الدور الأساسي في التأثير على الأحداث التاريخية بعدو وفاة الرسول وكذلك النتائج التي تفتقد إلى
____________
1- انظر: أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الاسلامي: 2 / 151.
هذه نتيجة قد نتفق معه فيها لكن كيف توصل إلى هذه النتيجة، ماهي الدلائل والقرائن التي توحي لنا بهذا علماً أنه لم يدرج وقائع قبلية توصلنا إلى هذه النتيجة، اللهم إلاّ الاستثناءات التي أوردتها كتب التاريخ والخاصة في مسألة الصلاة وقد أوردتها كتب تاريخية متعددة وأثبتت عدم صحتها وخالفت المتعارف عليه في الشريعة وخصوصاً النقطة الاساسية ; وهي إمامة إمامين لصلاة واحدة وهذا مالا يجوز شرعاً.
وعلى فرض صحة الخبر فهو مخالفة صريحة لأصول التشريع السني لأننا كما نعلم أنّ في الفقه السني سبق الإجماع القياس(2)، لكن السقيفة أثبتت لنا العكس بحيث سبق القياس الإجماع يقال أنه في
____________
1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي: 1 / 576.
2- أصول التشريع عند السنة هي:
1 - القرآن.
2 - السنّة.
3 - الإجماع.
4 - القياس.
ونورد هنا نكتة بسيطة لنوعية تعامل الشلبي مع نفي الاقوال والأحاديث الخاصة بالفرق الأُخرى حيث يورد أنّه فقرة من كتاب «اربع رسائل اسماعيلية» لعارف ثامر(2) نقلاً عن الامام الصادق (عليه السلام): من أطاعنا فقد أطاع الله، ومن عصانا فقد عصى الله، فنحن أبواب الله وحجبه وأمناؤه على خلقه، حفظة مكنون سره، والآخذون عهده وميثاقه. ويستنتج من خطأ نحوي واحد في الرواية عدم صدور هذا القول عن الامام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: في الأصل «والآخذين» وجعفر الصادق أبعد ما يكون عن مثل هذا الخطأ النحوي الواضح فقد
____________
1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي: 2 / 145 ط 9 سنة 1994 مكتبة النهضة المصرية.
2- عارف ثامر اربع رسائل اسماعيلية ص56، 57 نقلا عن موسوعة التاريخ الاسلامي ج2.
(إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود مابين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(2) وهي ايراد لنوع من التلازم الذي يلزم الطاعة وأي افتراق عن الامام هو افتراق عن الكتاب ونتيجته الحتمية المعصية.
وملاحظة أخيرة قبل ختام هذا الباب نذكر أن استاذنا اعتمد في دراسته للطوائف الإسلامية وخاصة الشيعة على الملل والنحل للشهرستاني وهذا في حد ذاته عيب على كاتب يريد التأريخ للأمة الإسلامية لأن أحادية المصدر تعكس فقط وجهة نظره مما يبعد البحث التاريخي عن النزاهة. وخلاصة هذا البحث نوردها في التقسيمات التالية التي تبين الأسباب وبالتالي النتائج الناجمة عن هذه الأسباب.
____________
1- د. أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي: 2 / 158.
2- أخرجه أحمد في مسنده: 5 / 182، 189 والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك.