الصفحة 97
تقوله العامّة(1) ـ؟

وهل السُنّة هي التسوية في الجنائز، أم التدرج فيها؟

بل مَن هو الأحق بالصلاة على الميت؟ هل السُنّة أن يصلّي عليها الإمام؟ أم أولياء الميت؟

إلى غيرها من الفروع الفقهية التي يمكن أن تُبحث ضمن هذه المسألة.

جاء في مختصر تاريخ دمشق:

... كانت في زيد وأُمّه سنّتان: ماتا في ساعة واحدة لم يُعرف أيّهما مات قبل الآخر، فلم يورث كلّ واحد منهما صاحبه، ووضعا معاً في موضع الجنائز، فأخّرت أُمّه وقدّم هو ممّايلي الإمام، فجرت السُنّة في الرجل والمرأة بذلك بعد(2).

أمّا الكلام عن الأمر الأوّل:

وهل أنّ زيداً مات رجلاً أم غلاماً؟

فقد عرّف الخليل في العين(3) والصاحب بن عباد في المحيط(4)وابن سيده في المحكم(5) والأزهري في التهذيب(6): لغلام بـ " الطارّ

____________

1- صحيح البخاري 2: 91 كتاب الجنائز باب اين يقوم من المرأة والرجل ح 1242 وسُنن الترمذي 2: 249 أبواب الجنائز باب 44.

2- تاريخ دمشق 19: 488 ـ 489، مختصر تاريخ دمشق 9: 161 ـ 162.

3- العين، للخليل 4: 422، مادة: غلم.

4- المحيط في اللغة 5: 88.

5- لسان العرب 12: 440 عن المحكم.

6- تهذيب اللغة 8: 141.


الصفحة 98
الشارب ".

وفي المصباح المنير للفيومي:

الغلام: الابن الصغير، ويطلق على الرجل مجازاً باسم ما كان عليه، كما يقال للصغير: (شيخ)، مجازاً باسم ما يؤول إليه.

وقال الأزهري: وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكراً: " غلام "، وسمعتهم يقولون للكهل: " غلام "، وهو فاش في كلامهم(1).

فالغلام حقيقة هو للابن الصغير، وقد يطلق على الشيخ مجازاً باسم ما يؤول إليه حسبما عرفت.

والآن نتساءل عن زيد بن عمر: هل مات صغيراً أم رجلاً؟

فإن قيل بموته صغيراً، فإنه سينافي ما دلّ على أنّه مات رجلاً.

ولو قلنا بأنّه مات رجلاً، فيعارض كونه مات صبيّاً طفلاً صغيراً.

وإليك بعض الكلام في أنّه مات رجلاً:

  ذكر ابن حبيب (ت 245) في المنّمق عند بيانه (حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الإسلام) دور زيد بن عمر في حلّ هذا النزاع، وأنّه قد مات على أثر شجة أصابته في ظلمة الليل(2).

  وفي أسد الغابة: وكان زيد قد اُصيب في حرب كانت بين بني عدي، خرج ليصلح بينهم، فضربه رجل منهم في الظلمة فشجّه

____________

1- المصباح المنير: 452.

2- المنمّق: 309 ـ 301.


الصفحة 99
وصرعه، فعاش أياماً ثمّ مات(1)، وقد رثاه عبد الله بن عامر شعراً(2).

  وفي سير أعلام النبلاء: كان [ زيد ] من سادة أشراف قريش، توفّي شاباً ولم يعقّب.

وأضاف الذهبي: وكان ذلك في أوائل دولة معاوية(3).

  وقال الزبير بن بكار: ضرب في حرب كانت بين عدي، في خلافة بعض بني أُميّة، فصرع وحمل فمات(4).

وصرحت بعض المصادر: بأنّه كان متزوجاً وله اولاد، أو مات بلا عقب:

  ففي هامش تاريخ دمشق قال الزبير: وأما زيد بن عمر، فكان له ولد فانقرضوا(5).

  وقال محمّد بن سعد في تسمية أولاد عمر بن الخطّاب: " وزيد الأكبر لا بقية له "(6).

  وقد عُدّ زيد بن عمر من العلماء، مع ابن عبّاس، بعد معاذ بن جبل، وعبدالله بن مسعود، وأبي الدرداء، وسلمان(7).

____________

1- أسد الغابة 5: 615، الإصابة 8: 465، ت 12267.

2- أسد الغابة 3: 190.

3- سير أعلام النبلاء 3: 502.

4- المغني 2: 421، الشرح الكبير 2: 345.

5- تاريخ دمشق 19: 484، المغني 2: 421 وفيه: (كان رجلاً له أولاد).

6- الطبقات لابن سعد 3: 265.

7- انظر الاحاد والمثاني 4: 86، وفيه: عن سعيد بن عبد العزيز قال: كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، وكان العلماء بعد هؤلاء: زيد بن ثابت، ثم كان بعد زيد ابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم، المعجم الكبير 5: 108.


الصفحة 100
  ولمعاوية حكاية طويلة مع زيد بن عمر، تؤكّد على أنّه كان رجلاً يمكنه أن يعترض ويردّ معاوية(1).

  وقد ذكر ابن معين في تاريخه أسماء عدّة أشخاص كانوا أبناء لزيد بن عمر، كعبد الرحمن، ومحمّد.

كلّ هذه النصوص توضّح لنا: بأنّ زيداً لم يكن صغيراً كما صوّرته نصوص أخرى، بل كان رجلاً له مكانته عند التابعين، حتّى كانوا يعدّونه من العلماء مع ابن عبّاس، بعد معاذ بن جبل، وعبدالله بن مسعود، وأبي الدرداء، كما مرّ عليك في خبر الطبراني في الكبير، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وغيرهما.

فلو مات زيد في خلافة بعض بني أُميّة وهو غلامٌ، بمعنى: الطّار الشارب، فهذا لا يتّفق مع كونه بمنزلة ابن عبّاس عند الصحابة والتابعين، وأن يعدّوه من العلماء، وهو الآخر لا يتّفق مع تدخله لحلّ حرب من حروب بني عدي.

فلو كان زيد قد عاش إلى خلافة بعض بني أُميّة، فما أخباره في عهد جدّه الإمام عليّ (عليه السلام)؟

وهل شارك في معركة الجمل وصفّين معه، أم عليه؟

____________

1- أنظر تاريخ دمشق 19: 489 و 484، الكامل في التاريخ 3: 373. سير أعلام النبلاء 3: 502 مختصر تاريخ دمشق 9: 190.


الصفحة 101
بل، أيّ شيء خلّف له عمر بن الخطّاب من الميراث؟

وما هي كلمات حفصة وابن عمر وغيرهما من أولاد عمر في أخيهم زيد؟

ولماذا تظهر شخصية زيد بن عمر وأُمّه بعد وفاتهما في المصادر، ولا نرى لهما ذكراً واضحاً دقيقا قبل ذلك؟

وعلى أي شيء يدل هذا؟

كلّ هذه التساؤلات تشكّكنا في وجود شخص اسمه زيد بن عمر وأُمّه أُمّ كلثوم بنت عليّ(1).

نعم، قد يكون هذا الشخص هو ابن أُمّ كلثوم بنت جرول ـ حسب ما قالته المصادر ـ وقد شارك مع أخيه عبيدالله بن عمر مع معاوية في وقعة صفّين، ثّم إنّ المؤرّخين وبلحاظ التطبيع التاريخي والعقائدي جعلوه ابن أُمّ كلثوم بنت عليّ الصغيرة! وذلك لتطبيق الأهداف التي كانوا يرجونها.

أمّا الكلام عن الأمر الثاني:

وهو قول عمّار: " قالوا إنّها السُنّة ".

ربّما يكون هذا الكلام مبهماً، حيث لا نعرف مراد المتكلّم ـ عمّار بن أبي عمّار ـ من نقله قولهم: (هذا هو السُنّة)، وربّما يقال:

أوّلاً: عنى بكلامه أن السُنّة هي تقديم الغلام إلى الإمام وإبعاد

____________

1- ونحن سنعود ـ ضمن بحثنا عن خبر القداح في المواريث ـ إلى هذا الأمر تارة أخرى بإذن الله ومشيئته.


الصفحة 102
المرأة إلى القبلة.

ثانياً: أراد بها كون التكبير على الميت أربعاً لا خمساً.

ثالثاً: أراد بأنّ الصلاة على الميّت هي للإمام والأمير، لا لأوليائه، وبذلك جرت السُنّة.

رابعاً: المقصود من كلامهم: (هذا هو السُنّة) أي: التسوية بين الموتى لا التدرج، لأن سعيد بن العاص سوّى بينهم، والصحابة أمضوا ذلك.

أو: أنّه أراد بذلك شيئاً آخر.

فلو كان مراده القول الأول، فهو صحيح ; لأنّ السُنّة عندنا هو أن يقدّم الغلام إلى الإمام وتبعد المرأة إلى القبلة، وفي ذلك صحاح مروياتنا(1).

أمّا لو أراد بذلك القول الثاني، فإنه يخالف فقه أهل البيت (عليهم السلام)، لأنّ أهل البيت كانوا يكبرون خمساً، ولا يرتضون التكبير على الميت أربعاً، فكيف يقبل الإمامان الحسن والحسين وابن الحنفية ما فعله ابن عمر مع أختهم المفترضة؟

والمطالع في فقه الطالبيّين يعرف أنّهم كانوا يصرّون على أنّ التكبير على الميّت خمسٌ، ولا يرتضون غيره، وهذه حقيقة ثابته دلّت عليها نصوص كثيرة.

فلو أريد من قولهم: "هذا هو السُنّة" هو التكبير على الميّت أربع

____________

1- أنظر احاديث الباب في وسائل الشيعة 3: 124 باب 32.


الصفحة 103
تكبيرات فهو باطل لتخالفه مع فقه الطالبيّين(1)، إلا أنّ نقول بأنّ أمّ كلثوم المفترضة هي بنت أبي بكر لا بنت عليّ، لتخالف فقه علي وأهل بيته مع فقه الحكّام في كثير من الأمور.

كلّ ذلك ونحن نستبعد أن يقدّم الإمام الحسن عبد الله بن عمر للصلاة على أُخته المفترضة، مع علمنا باستفاضة الأخبار في استحباب تقديم الهاشمي على غيره في الصلاة على الميّت(2).

وكذا نستبعد أنّ يسمح الإمام الحسن والحسين بصلاة سعيد بن العاص على أُختهم المفترضه، وهم يعلمون عداءه لأهل البيت (عليهم السلام):

فقد جاء في بعض الأخبار: أنّ الإمام الحسين لمّا اضطر للصلاة على سعيد ابن العاص قال: اللهم العنه لعناً وبيلاً، وعجل بروحه إلى جهنم تعجيلاً.

فقال له من بجنبه: أهكذا صلاتكم على موتاكم؟!

فقال: لا، بل على أعدائنا. ذكره في الشفاء وغيره(3).

ويضيف صاحب الازهار: وفي رواية الجامع عن مولى لبني هاشم عن دعاء الحسين بن علي على سعيد بن العاص: اللهم املأ جوفه ناراً، واملأ قبره ناراً، وأعد له عندك ناراً، فإنّه كان يوالي عدوك، ويعادي وليك، ويبغض أهل بيت نبيك.

____________

1- مقاتل الطالبيّين: 268 ـ 269.

2- راجع المعتبر للعلامّة الحلي 2: 347، باب صلاة الميّت، كشف الرموز 1: 192، باب صلاة الجنائز.

3- شرح الازهار 1: 431.


الصفحة 104
فقلت: هكذا نصلي على عدونا.

ويمكن أنّ نجاب ـ على فرض التنزل والقبول بالامر ـ بأنّ الإمام الحسين قدّم سعيد بن العاص في الصلاة على أخيه وقوله: لو لا أنّها سنه ما تقدمت ـ كما جاء في بعض الأخبار ـ وهذا لا يمكن تفسيره مع نصب سعيد العداء لأهل البيت (عليهم السلام).

فنقول لأولئك: لو صحّ الخبر فقد تكون تقية، وقد تكون بوصية من الإمام الحسن واستجابة لقوله: " بأنّ لا يراق بسببه محجمة دم " وبذلك يكون المراد من قوله: لو لا السنّة في امضاء الوصيّة(1).

أمّا لو أراد القول الثالث والرابع فهو ممّا يجب البحث عنه كي نراه هل يتفق مع فقه أهل البيت أم لا؟ وهو ما نرجئه لوقت آخر.

كان هذا بعض الشيء عن مقصود عمّار بن أبي عمّار من جملة: أنّها السُنّة، والان مع خبر القداح في المواريث.

3 ـ ميراث الغرقى والمهدوم عليهم:

روى الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي في المطبوع من تهذيب الأحكام (باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد):

" عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد القمي، عن القدّاح، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: ماتت أُمّ كلثوم بنت عليّ وابنها

____________

1- أنظر هامش الأزهار 3: 211، الأحكام للإمام يحيى: 154 وهامش مسند الإمام زيد: 172.


الصفحة 105
زيد بن عمر بن الخطّاب في ساعة واحدة، لا يُدرى أيّهما هلك قبل، فلم يُورَّث أحدهما من الآخر، وصُلِّي عليهما جميعاً "(1).

السند:

وفي هذا الإسناد جعفر بن محمّد، الذي قال عنه السيّد الخوئي:

" جعفر بن محمّد القمي = جعفر بن محمّد الأشعري.

روى عن القدّاح، وروى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى، التهذيب: الجزء 9، " باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم " الحديث 1295.

أقول: الظاهر إتحاده مع جعفر بن محمّد الأشعري المتقدم "(2).

وقد كان رحمه الله قد قال قبل ذلك:

" جعفر بن محمّد الأشعري = جعفر بن محمّد القمي: وقع في إسناد عدّة من الروايات تبلغ مائة وعشرة موارد، فقد روى عن ابن القدّاح، ورواياته عنه بهذا العنوان تبلغ تسعة وسبعين مورداً، وعن عبدالله بن القدّاح، وعبدالله بن ميمون، وعبدالله بن ميمون القدّاح، وعبدالله الدهقان، والقدّاح... "(3).

إلى أن يقول:

" أقول: قيل أنّ جعفر بن محمّد هذا هو جعفر بن محمّد بن عبيدالله

____________

1- تهذيب الأحكام 9: 363 ح 1295 وعنه في الوسائل 26: 314 ح 33067 وفيه: عن ابن القدّاح.

2- معجم رجال الحديث 5: 99.

3- معجم رجال الحديث 5: 68.


الصفحة 106
الآتي، أو جعفر بن محمّد بن عيسى الأشعري، إلاّ أنّ كلاًّ منهما وإن كان محتملاً في نفس الأمر، لكنه لا دليل عليه، فإن جعفر بن محمّد بن عبيدالله لم يثبت أنّه كان أشعرياً، ومجرّد رواية كلّ منهما عن ابن القدّاح لا يثبت الاتّحاد.

كما أن أحمد بن محمّد بن عيسى، لم يثبت أنّه كان له أخ يسمى بجعفر.

هذا، ومن المطمأَنّ به أنّ جعفر بن محمّد الأشعري هو جعفر بن محمّد بن عبيد الله الآتي، وذلك فإنّ جعفر بن محمّد الأشعري قد روى عن ابن القدّاح كثيراً يبلغ عددها مائة وتسعة موارد، ولم يذكر له رواية عن غيره إلاّ في مورد واحد... "(1).

وقال السيّد الخوئي أيضاً في ترجمة جعفر بن محمّد بن عبيدالله:

" روى عن عبدالله بن ميمون القدّاح، ويروى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى كامل الزيارات، باب في فضل كربلاء وزيارة الحسين 88 الحديث 11.

وقال الشيخ (150): " له كتاب رويناه عن عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضّل عن ابن بطّة، عن أحمد بن عبيدالله، عن ابنه، عن جعفر بن محمّد بن عبيدالله وطريقه إليه ضعيف بأبي المفضّل وبأبي بطّة وتقدّم في جعفر بن محمّد الأشعري ما له ربط بالمقام "(2).

____________

1- معجم رجال الحديث 5: 68 ـ 70.

2- معجم رجال الحديث 5: 83 ـ 84.


الصفحة 107
وقد علّق الشيخ التستري في كتابه " قاموس الرجال " على ما قاله الميرزا الاسترآبادي ـ في جعفر بن محمّد الأشعري من أنّه: جعفر بن محمّد بن عبدالله، الذي يروي عن ابن القدّاح كثيراً، أو جعفر بن محمّد بن عيسى الأشعري، أخو أحمد بن محمّد ـ بقوله:

" أقول: كان عليه أن يحقّق أولاً موضوعه وموضع وروده، هل ورد في الأخبار أو الرجال؟ ثمّ يردّد في المراد منه "(1).

وكيف كان، فجعفر بن محمّد القمّي مشترك بين عدّة أشخاص منهم الثقة، ومنهم غير الثقة، ويمكن للمطالع وبمراجعة كتب مثل كتاب " جامع المقال في ما يتعلّق بأحوال الرجال " للشيخ فخر الدين الطريحي أو (هداية المحدّثين) للكاظمي، أو غيرها من كتب المشتركات، أن يستعلم حال ما نحن فيه ; إذ (لمّا يعسر التمييز تقف الرواية)(2).

إذاً، كان جعفر بن محمّد مشترك بين الثقة وغيره، فهو إمّا جعفر بن محمّد الأشعري، أو جعفر بن محمّد بن عبيدالله، أو جعفر بن محمّد بن عيسى الأشعري، أو أنّ هؤلاء جميعاً شخص واحد، ولمّا تعسر التمييز بينهم وقفت الرواية عن الاحتجاج بها.

مشيرين إلى أنّ الراوي (جعفر بن محمّد القمّي) لم يرو عنه أحد في كتب الحديث بهذا الاسم إلاّ الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام،

____________

1- قاموس الرجال للشيخ التستري 2: 665.

2- انظر احوال الرجال: 103، هداية المحدّثين.


الصفحة 108
وعنه أخذ الحر العاملي في وسائل الشيعة.

ففي المطبوع من تهذيب الأحكام: روى الشيخ بسنده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن القمّي جعفر بن محمّد عن القدّاح(1).

وفي نسخة صاحب الوسائل من التهذيب: عن ابن القدّاح(2).

فلو كانت الرواية عن ابن القدّاح، فهو عبدالله بن ميمون بن الأسود القدّاح، الثقة حسبما قاله النجاشي(3).

وأما لو كان عن القدّاح، فهو ميمون بن الأسود، الذي عدّه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب السجّاد (عليه السلام)(4)، وأخرى من أصحاب الباقر (عليه السلام) قائلاً: ميمون القدّاح مولى بني مخزوم، مكّي(5).

وثالثة من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً: ميمون القدّاح المكّي مولى بني هاشم روى عنهما.

ثم جاء السيّد الخوئي برواية الكليني، التي فيها مدح لميمون القدّاح وقال: (وغير بعيد أن يكون ميمون القدّاح مولى لهم سلام الله عليهم، من جهة ولائه لهم سلام الله عليهم اجمعين، ويظهر من الرواية شدّة اختصاصه بهم، كما يدلّ عليه قول ابن شريح فإنّه منهم، وفي هذا

____________

1- تهذيب الأحكام 9: 362 ح 1295، وروى له أيضاً في الاستبصار 1: 477 ح 1845، بسنده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن حمد بن عبد الله القمّي عن عبد الله بن ميمون القدّاح عن جعفر عن أبيه.

2- وسائل الشيعة 26: 314 ح 33067.

3- رجال النجاشي: 213 ت 557.

4- رجال الشيخ الطوسي: 120 رقم 1223.

5- رجال الشيخ الطوسي: 231 رقم 3131.


الصفحة 109
مدح عظيم، غير أنّ الرواية ضعيفة بجهالة رواتها)(1).

وعليه، فالراوية تعدّ مجهولة، لعدم ورود توثيق في جعفر بن محمّد القمّي، وفي القدّاح.

أمّا لو كان " ابن القدّاح " فهو ثقة، حسبما قاله النجاشي، لكنّها تنحصر في نسخة صاحب الوسائل.

أمّا نُسـخ غالب فقهاءنا العظـام (كصاحب المسـتند)(2)و (الجواهر)(3) و(المسالك)(4) و(مجمع الفائدة والبرهان)(5)و (كشف اللثام)(6) وغيرهم فجميعها عن " القدّاح " لا ابنه، وهو مجهول.

ولمّا كان الرواي هو القدّاح ولم يثبت توثيق فيه، وكان في الرواية أيضاً جعفر بن محمّد القمّي المشترك في الرواية، سقطت عن الاعتبار، ولا يؤخذ بها.

____________

1- معجم رجال الحديث 20: 127. وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال 3: 265 طـ قديم: الحديث دلّ على كون الرجل امامياً، ولم أقف فيه على مدح يدرجه في الحسان. (وانظر قاموس الرجال 10: 327) وقد أورده ابن داود الحلي في القسم الثاني من رجاله: 282 وقال: ميمون القدّاح ين، ق [ جخ ] ملعون. تحت رقم 531، الطبعة الحيدرية.

2- مستند الشيعة 19: 452 و 463.

3- جواهر الكلام 39: 308.

4- مسالك الافهام 13: 270.

5- مجمع الفائدة والبرهان 11: 529.

6- كشف اللثام 9: 525.


الصفحة 110
وقد علّق العلاّمة المجلسي (ت 1111 هـ) في كتابه " ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار " على الحديث الرابع عشر من أحاديث باب الغرقى والمهدوم عليهم بقوله: " مجهول، وجعفر بن محمّد هو ابن عبدالله المجهول "(1).

سؤلان؟!

لنا هنا سؤالان:

الأوّل:

هل أنّ أُمّ كلثوم وزيداً ماتا في يوم واحد أم لا؟

الثاني:

هل يمكن تعميم نصوص توريث الغرقى والمهدوم عليهم على الّذين ماتوا حتف أنفهم ـ كما في رواية القدّاح ـ أم لا؟

أمّا الجواب عن السؤال الأوّل.

فلا يمكن البتّ فيه بهذه السرعة، لأنّ النصوص مختلفة في ذلك، فتارة تصرح بأنّ زيد بن عمر مات وهو غلام(2).

وأُخرى: مات وهو رجل(3).

وثالثة: مات وأُمّه في يوم واحد(4).

____________

1- ملاذ الاخيار 15: 382.

2- سير أعلام النبلاء 3: 502، وفيه توفى شاباً ولم يعقد.

3- تاريخ المدينة 2: 654.

4- أنساب الأشراف: 190، نسب قريش: 353.


الصفحة 111
ورابعة: لم نر قيداً فيها(1).

وخامسة: مات على أثر نزاع نشب لبني عدي(2).

وسادسة: أن عبدالملك بن مروان سمّ زيداً وأُمّه فماتا، وذلك بعد ما قيل لعبد الملك: هذا ابن عليّ وابن عمر، فخاف على مُلكه فسمّهما(3).

وليس في كلّ تلك النصوص أنّه مات على أثر هدم حائط، أو أنّه غرق في بحر أو ما شابه ذلك.

ولكي نقف على الحقيقة أكثر لابُدّ من استعراض الحدث في الكتب التاريخية والرواية.

والآن مع خبر ابن حبيب البغدادي (ت 245) في المنمّق في أخبار قريش، إذ أفرد باباً في كتابه بعنوان: (حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الإسلام) أشار فيه إلى وجود رجلين قبل الإسلام كانا أشد النّاس عداوة للرسول (صلى الله عليه وآله):

أحدهما: عمر بن الخطّاب.

والثاني: أبو الجهم بن حذيفة.

____________

1- السنن الكبرى للبيهقي 7: 70 ـ 71.

2- الإستيعاب بهامش الإصابة 4: 491، سير أعلام النبلاء 3: 502، وفيه: وقعت هوسة بالليل فركب زيد فيها فأصابه حجر فمات، السنن الكبرى للبيهقي 7: 70، تاريخ دمشق 19: 483، ومختصر تاريخ دمشق 9: 161.

3- المصنّف لعبد الرزاق 6: 164 / ح 10354.


الصفحة 112
وقد فتح الله على عمر بن الخطّاب وهداه إلى الإسلام، أمّا أبو الجهم بن حذيفة فبقي على كفره، حتى أسلم يوم الفتح(1).

ولمّا أسلم عمر وسمع بقوله تعالى: { وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ }طلّق زوجته أُمّ كلثوم بنت جرول والتي كانت تسمى: بـ (مليكة) مع أنه كان قد أولدها عبيدالله وزيداً و...(2).

وكان ذلك في الهدنة فخلف عليها أبو الجهم بن حذيفة(3).

ولمّا حدث نزاع في بني جهم جاء عبدالله وسليمان ابنا أبي الجهم إلى زيد بن عمر بن الخطّاب ; يسألاه النصر، فأجابهما، وقال: لا هضيمة عليكما ولا ضيم(4).

فبنو الجهم كانوا يتناقشون ويتباحثون النزاع العائلي بينهم في الصباح نظرياً ولفظياً، ويطبقونه في المساء تطبيقا عملياً، وقد تدخّل زيد بن عمر لحلّ النزاع بين الأخوة، فأصابه شيء، فجرح، وقد أدّى ذلك إلى موته.

وقد كان زيد يتهم خالد بن أسلمَ ـ أخا زيد بن أسلم، من موالي عمر بن الخطّاب ـ بأنّه هو ضاربُهُ(5) الضربة التي أدّت إلى موته.

____________

1- المنمّق: 294.

2- البداية والنهاية 7: 156.

3- الاصابة 2: 519.

4- المنمق: 301.

5- انظر: تاريخ دمشق 19: 489، مختصر تاريخ دمشق 9: 162، والمنمّق: 310.


الصفحة 113
وقد عاتب عبدالله بن عمر أخاه زيداً بقوله: اتّق الله يا زيد لا تدري من ضربك فلا تتهم خالداً...

كلّ هذه النصوص تؤكّد على أن زيداً ـ ابن أُمّ كلثوم بنت جرول، أو ابن أُمّ كلثوم بنت فاطمة ـ كان رجلاً مقبولاً عند الآخرين، بحيث كان يُقدّم على إخوته، أمثال: عبدالله بن عمر وأولاده، ولم يمكن تصوّر تقديمه على أولئك إلاّ لوجاهته ومكانته الإجتماعية.

ومن الطريف في الأمر أنّ غالب المؤرخين يذكرون وجود ابنين لعمر بن الخطّاب:

اسم أحدهما: زيد الأكبر، وهذا ابن أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، الذي مات مع أُمّه في يوم واحد حسبما يقولون(1).

وثانيهما: زيد الأصغر، وهو ابن أُمّ كلثوم بنت جرول(2).

وفي (المنمّق) إن الذي تدخّل في النزاع هو ابن أُمّ كلثوم بنت عليّ، وقد مدحه بعض الشعراء مصرّحاً بأنّه من الفاطميين الذين نصروهم في هذا النزاع(3).

ولو راجعت ترجمة أُمّ كلثوم بنت جرول في كتب التراجم لرايتها قد ولدت لعمر (عبيدالله وزيداً) قبل الإسلام، فيكون زيد هذا هو أكبر حقيقة من ابن أُمّ كلثوم بنت فاطمة.

____________

1- عون المعبود 8: 665، عن المنذري.

2- تاريخ الطبري 3: 269، تاريخ دمشق 38: 58.

3- المنمّق: 305. وفيه قول عبدالله بن أبي الجهم:


وزيدٌ اتيناه فهشَّ ولم يَخِمْلدن أن ندبناه ابن خير الفواطمِ