وقال في: 9/187:
(عن مالك أنه أول النزول هنا بنزول رحمته تعالى وأمره أو ملائكته، وقال البيضاوي: لما ثبت بالقواطع أنه تعالى منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الإنتقال).
وقال في: 9/384:
(قال النبي (ص): لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه، قيل فيه هم الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه فهم قدم الله للنار).
وقال في: 10/250:
(وغضبه تعالى يراد به ما أراده من العقوبة).
وقال في: 10/269:
(قوله تعالى: يد الله فوق أيديهم، يريد أن يد رسول الله (ص) التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله، وهو سبحانه وتعالى منزه عن الجوارح وصفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول (ص) كعقده مع الله).
وقال في: 10/388:
(جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: إن الله يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع فضحك النبي (ص) حتى بدت نواجذه، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال).
وقال في: 10/391:
(قوله تعالى: ثم استوى على العرش، قول أهل السنة إن الله سبحانه وصف نفسه بـ (على) وهي صفة من صفات الذات، وقال المعتزل: معناه الإستيلاء بالقهر والغلبة، وقالت المجسمة: معناه الإستقرار).
وقال في: 10/398:
(قول النبي (ص): إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون، أي لا تتزاحمون ولا تختلفون،
وقال في: 10/402:
(قوله: فلا يزال يدعو حتى يضحك الله، المراد لازم الضحك وهو الرضا).
وقال في: 10/420:
(قوله تعالى: ثم استوى على العرش، وتفسير العرش بالسرير والإستواء بالإستقرار كما يقول المشبه باطل، لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان، وهو الآن كما كان، والتغير من صفات الأكوان).
وقال في: 10/435:
(عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا أي ينزل ملك بأمره، وتأوله ابن حزم بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا كالفتح بطول الدعاء، وعند ابن خزيمة فإذا طلع الفجر صعد إلى العرش). انتهى.
وقصده أن ابن خزيمة يقول بالتجسيم ونزول الله تعالى بذاته ثم صعوده!!
وكثيرون.. وافقونا على لزوم التأويل
قال ابن جزي في التسهيل: 3/283:
(لا يبعد في الشرع وصفه سبحانه بالفوق على المعنى الذي يليق بساحته، لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد).
وقال السهيلي في الروض الآنف: 3/15:
(قال ابن اللبان: نسبة الأيدي إليه استعارة، والله سبحانه وتعالى منزه عن الجارحة).
وقال السهيلي في: 3/24:
وقال في: 3/48:
(معنى ضحك الرب، أي يرضيه غاية الرضا).
وقال الرازي في المطالب العالية مجلد 1 جزء 1 ص 10:
(الفلاسفة اتفقوا على إثبات موجودات ليست بمتحيزة ولاحالة في المتحيز، مثل العقول والنفوس والهيولي. إن جمعاً من أكابر المسلمين اختاروا هذا المذهب مثل معمر بن عباد من المعتزلة، ومحمد بن النعمان من الرافضة). انتهى. ومحمد بن النعمان هو الشيخ المفيد أحد كبار مراجع الشيعة الذي نسب إليه خصومهم أنه يقول بالتجسيم، وأنت ترى أن الفخر الرازي نقل قوله بوجود مخلوقات غير متحيزة لا تحتاج إلى مكان، فكيف بخالقها سبحانه وتعالى!
وقال ابن حزم الظاهري في الفصل مجلد 1 جزء 2 ص 167:
(وكذلك صح عن رسول الله (ص) أنه قال: إن جهنم لا تمتلئ حتى يضع (الله) فيها قدمه، فمعنى القدم في أحاديث المذكور إنما هو كما قال الله تعالى: أن لهم قدم صدق عند ربهم، يريد سالف صدق، فمعناه أن الأمة التي تقدم في علمه تعالى أنه يملأ بها جهنم، وكذلك القول في الحديث الثابت: خلق الله آدم على صورته، فهذه إضافة ملك، يريد الصورة التي تخيرها الله سبحانه وتعالى ليكون آدم مصوراً عليها).
من تأويلات رشيد رضا الباردة
قال في تفسير المنار: 3/220 -221:
(قال قائلون: لا يجوز أن يعتمد في هذا الباب إلا ما ورد في القرآن أو تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواتراً يفيد العلم، فأما أخبار الآحاد
ولهذا نقول: ما رواه غير العدل من هذا الجنس ينبغي أن يعرض عنه ولا يروى، ويحتاط في المواعظ والأمثال وما يجري مجراها.
والجواب الثاني: أن تلك الأخبار روتها الصحابة لأنهم سمعوها يقيناً، فما نقلوا إلا ما تيقنوه، والتابعون قبلوه ورووه وما قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بل قالوا قال فلان قال رسول الله كذا وكانوا صادقين، وما أهملوا روايته، لاشتمال كل حديث على فوائد سوى اللفظ الموهم عند
فانظر إلى هذا المفسر المثقف كيف هداه عقله إلى الحق وأن أمور العقائد الخطيرة لا يكفي لإثباتها خبر واحد يعلم الله ماذا حدث في سلسلة رواته، ولكنه أخضع عقله لعمل (السلف) الذين حكموا بوجوب قبول رواية
وافترضوا أنه لا يوجد لرواية الصحابي رواية صحابي آخر تعارضها!
ثم أنظر كيف هون هذا المثقف من تأثير أحاديث النزول والتشبيه والتجسيم على عوام المسلمين بل وعلمائهم، وكأنه لم يعرف ما سببته من تشويش في عقيدة المسلمين، ومشاكل وصراعات بينهم! وأنها كانت السبب في انتشار روايات اليهود والنصارى والمجوس عن تجسيم الله تعالى، ورواج الأساطير بين المسلمين عن صورة الله تعالى وأوصافه، وأنه ينزل راكباً على حماره، وأنه شاب أمرد أجعد قطط، وصار (عبادهم وزهادهم) يبحثون عنه بين الغلمان أصحاب هذه الصفات، ويروون للناس القصص الكاذبة عن مشاهدتهم إياه ومصافحته ومعانقته...!
إلى آخر هذا البلاء الذي وقف أهل البيت وعائشة ومن معهم من الصحابة في وجه من قدحوا شرارته، وحذروا المسلمين من خطره، وطلبوا منهم رده وتكذيبه!
ثم انظر إلى تسهيله إزالة آثار روايات التجسيم بقوله (وما أهون على البصير أن يغرس في قلب العامي التنزيه والتقديس فهذا القدر يعرف العامي أن ظاهر النزول باطل) ولو كان الأمر كما قال فلماذا عجز العلماء والفلاسفة عن إقناع أهل التشبيه والتجسيم بل استطاعوا أن يغرسوه في أذهان العوام؟!
وأخيراً، كيف تَعَقَّل هذا المفسر المثقف أن الله تعالى يريد حث المسلمين على القيام والتهجد في الليل، فاستعمل لذلك أسلوباً عجيباً فقال لعباده: إني أنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فقوموا في الليل، فأوقعهم في الوهم في عقيدتهم به، ليحثهم على عبادته!!
لكن حقيقة المسألة عند رشيد رضا وأمثاله هي الدفاع عن شخصية الخليفة عمر الذي قال بالرؤية والنزول. ولكن ماذا نصنع إذا كان الدفاع غير ممكن عن هذه الفكرة غير المعقولة التي أخذها الخليفة من ثقافة كعب الأحبار!
المذهب الثاني: مذهب التفويض وتحريم
التأويل قلنا إن الصحابة ومن عاصرهم تعاملوا مع ألفاظ القرآن الكريم والحديث الشريف بحسب قواعد اللغة العربية، فكانوا يحملون ألفاظها على معانيها المجازية عندما توجد قرينة عقلية أو لفظية توجب ذلك، كما كانوا يرجعون إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فيبين لهم معنى الآية والحديث الذي لا يعرفونه.
وأنت عندما تلاحظ أسئلتهم للنبي (صلى الله عليه وآله) عن معاني ألفاظه وكلامه وكذا أسئلتهم لمن هو أفهم منهم من الصحابة وهي أسئلة كثيرة جداً يظهر لك أن بعضها كان استيضاحاً طبيعياً للمفهوم أو الحكم الشرعي، وبعضها كان بسبب ميل السائل إلى تفسير كلام النبي بمعنى معين، وبعضها كان بسبب انخفاض مستواهم الذهني أو جهلهم باللغة.. إلخ.
فاختار جماعة التأويل كما ذكرنا، وأفتى بعض علماء إخواننا بوجوب السكوت عن تفسيرها احتياطاً لدينهم وخوفاً من الخطأ في هذا الموضوع الخطير، وقالوا لمن يأخذ برأيهم من المسلمين: إقرؤوها كما هي ولا تفسروها، وفوضوا أمرها إلى الله تعالى.
وهذا هو معنى التفويض أو مذهب الإمتناع عن التفسير، الذي صار مذهباً رسمياً لكثير من المسلمين عندما راجت سوق التفاسير المتناقضة، وكثرت رواية الأحاديث المؤيدة لهذا التفسير وذاك.
وأقدم نص وجدته عن التفويض وتحريم التأويل ما رواه السيوطي عن الإمام مالك وسفيان بن عيينة.
قال في الدر المنثور: 3/91:
(وأخرج البيهقي عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى، كيف استواؤه؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه قال فأخرج الرجل!
وأخرج البيهقي عن إسحق بن موسى قال سمعت ابن عيينة يقول: ما وصف الله به نفسه فتفسيره قراءته، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسله صلوات الله عليهم).
وقال الذهبي في سيره: 8/466:
(قال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا لوين قال: قيل لابن عيينة: هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية؟ قال: حق على ما سمعناها ممن نثق به ونرضاه.
وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي: حدثني أحمد بن نصر قال: سألت ابن عيينة وجعلت ألح عليه فقال: دعني أتنفس، فقلت: كيف حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحمل السماوات على إصبع، وحديث: إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمان، وحديث أن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق؟ فقال سفيان: هي كما جاءت نقر بها ونحدث بها بلا كيف!).
وقال الذهبي في سيره: 10/505 عن القاسم بن سلام:
(أخبرنا أبو محمد بن علوان، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم، أخبرنا عبد المغيث بن زهير، حدثنا أحمد بن عبيد الله، حدثنا محمد بن علي العشاري، أخبرنا أبو الحسن الدار قطني، أخبرنا محمد بن مخلد، أخبرنا العباس الدوري، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذي يروى فيه الرؤية والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا وأين كان ربنا، فقال: هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن
دلالات نصوص المفوضين
من هذه النصوص الشرائح عن التفويض تتضح حقائق كثيرة، أهمها الحقائق الخمسة التالية:
الأولى: أن مذهب التفويض متأخر عن مذهب التأويل.
الثانية: أن السلف بمعنى جيل الصحابة كانوا متكلين على وجود النبي (صلى الله عليه وآله) وقد يسألونه وقد لا يسألونه! ثم اتكلوا من بعده على الخليفة وما يقوله، أو على الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) وما يقوله.
الثالثة: أن السلف بمعنى التابعين كان أكثرهم متأولين، وقد يكون فيهم مفوضة. أما تابعو التابعين والجيل الرابع فقد كثر فيهم المفوضة حتى صار التفويض هو المذهب الرسمي لأهل الحديث في مقابل الشيعة المتأولة، ثم في مقابل المعتزلة المتأولة أيضاً.
الرابعة: أن التفويض يكاد أن يكون محصوراً في صفات الذات الإلهية، من نوع الإستواء على العرش والضحك والغضب، أما صفات الأفعال فكان التأويل فيها أكثر.
الخامسة: أن كون الشخص مفوضاً لا يعني أنه لا يتأول، فقد يكون مفوضاً في بعض الصفات ومتأولاً في بعضها، وقد تقدم عن الإمام مالك من إرشاد الساري: 9/187 أنه أول النزول بنزول رحمته تعالى وأمره أو ملائكته، وتقدم عنه من الدر المنثور: 3/91 التفويض في معنى الإستواء، وهو الذي حاول المجسمة تحريفه والإستشهاد به لمذهبهم.
الأول، معرفة الصحابي أو الراوي بمعنى الآية والحديث أو عدم معرفته.
والثاني، وجود حديث صحيح في نظره لا يمكنه رده ولا تفسيره بتفسير معقول.
شيخ الأزهر يرى أن كل المفوضة متأولة
فقد سمى الشيخ سليم البشري كل السلف المفوضة متأولين بالإجمال لأنهم نفوا الجهة والمعاني المادية عن صفات الله تعالى ولكن لم يحددوا المراد منها، وسمى المتأخرين متأولين بالتفصيل لأنهم نفوا المعاني المادية الحسية وعينوا المراد بالآيات والأحاديث المتشابهة.
قال في جواب رسالته الآتية في الفصل السابع (ومثل هذه يجاب عنها بأنها ظواهر ظنية لا تعارض الأدلة القطعية اليقينية الدالة على انتفاء المكان والجهة، فيجب تأويلها وحملها على محامل صحيحة لا تأباها الدلائل والنصوص الشرعية، إما تأويلاً إجمالياً بلا تعيين للمراد منها كما هو مذهب السلف، وإما تأويلاً تفصيلياً بتعيين محاملها وما يراد منها كما هو رأي الخلف).
سبب تحريمهم التفسير والتأويل
نصَّ عدد من العلماء على أن سبب تفويض السلف وعدم تفسيرهم آيات الصفات وأحاديثها هو عجزهم العلمي وخوفهم من الخطأ في تفسيرها، وهذا هو الموقف الطبيعي لكل عالم يحترم نفسه، ويقف عند حدود علمه.
قال جامع الأحاديث القدسية: 2/46:
(كل آيات الصفات وأحاديث الصفات علينا أن نؤمن بها ونعتقد بها ما قاله السلف، وهو التفويض إلى الله تعالى مع إيماننا بالتنزيه، وما قاله الخلف في التأويل يحتاج إلى علم أكثر فالأحسن مذهب السلف لسلامته من الوقوع في الخطر، وتأويل كلام الله أو كلام رسوله بما لا يكون مراداً لله خطر جسيم). انتهى.
أما سبب هذا العجز العلمي فليس هو النقص في مستوى أولئك العلماء، فإن فيهم أصحاب أذهان عميقة، بل لأن روايات النزول والرؤية والتشبيه والتجسيم التي روجتها الدولة مناقضة للعقل والقرآن، ومتناقضة فيما بينها، فهي لا تقبل التفسير المعقول!
ولكنهم اضطروا لقبولها لأنها صحيحة بمقاييسهم التي ألزموا أنفسهم بها، فكان الحل عندهم أن اكتفوا بروايتها وتهربوا من تفسيرها، وأوجبوا على المسلمين الإيمان بها بلا سؤال!!
إنها ظاهرة ملفتة أن يقبل علماء إخواننا التناقض ويفرضوا على المسلمين الإيمان به! ليس في هذه المفردة وحدها، بل في مسائل كثيرة استلموها من السلف على تناقضها وسلموها كذلك إلى الأجيال، وطلبوا منهم أن يقبلوها ويؤمنوا بها، بلا تفسير ولا سؤال!!
وكل ذلك يرجع إلى مسألة تناقض الصحابة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هو أساس كل تناقض يتراءى في مفاهيم الإسلام وأحكامه، وقد أكده موقفهم الرسمي الذي اتخذوه إخواننا من الصحابة فقالوا: كلهم عدول، ونتولاهم كلهم أجمعين، أكتعين، أبصعين!
ومن يتولى مجموعة متناقضة، كيف لا يقع في التناقض؟!
ولو أنهم قالوا إن الصحابة اختلفوا وكفَّر بعضهم بعضاً وقتل بعضهم بعضاً، وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أن بعضهم من أهل النار، ولا يراهم ولا يرونه بعد فراقه إياهم، لأنهم سينقلبون من بعده! فعلى المسلم أن يجتهد فيهم ويتولى من يعتقد صلاحه ويثق بروايته، ويكل أمر الباقين إلى الله تعالى.
لو قالوا ذلك لفتحوا الباب للمسلمين لحل التناقض! لكنهم فرضوا الصحابة الذين يحبونهم بتناقضاتهم على الإسلام فرضاً، وحرموا على المسلمين السؤال عنها تحريماً!
وغرضنا هنا أن نبين أمرين:
الأول: أن الخلاف في آيات الصفات ورواياته، إنما هو ظاهر المسألة، أما باطنها وواقعها فهو الخلاف في أخذ الدين من هذا الصحابي أو ذاك!
والثاني: أن المجسمة والمشبهة استغلوا السكوت في مذهب التفويض فزعموا أن سببه ليس عدم علم أولئك العلماء بمعنى آيات الصفات بل سببه عدم رغبتهم في إعلان تفسيرها الحسي!!
وهو من أسوأ أنواع التحريف لأنه تفسير للسكوت بالكلام وتفسير للتفويض بعدم التفويض، كما سترى!!
المذهب الثالث: مذهب التجسيم
وهو مذهب الذين حرَّموا تأويل الصفات، وحرَّموا تفويض معناها إلى الله تعالى، وأوجبوا حملها على ظاهر اللغة، أي المعنى الحسي المادي.
فكلمة (يد الله) عند المفوضين لا تعني القدرة كما يقول المتأولون، ولا تعني الجارحة كما يقول الحسيون، لأن معنى كونهم مفوضة أنهم متوقفون في معناها وممتنعون كلياً عن تفسيرها.
بل إن التفويض قد يجتمع مع نفي الظاهر الحسي منها واعتباره غير مراد، وأن المعنى المراد منها مفوض إلى الله تعالى، كما تقدم من قول النووي.
أما الحسيون فيقولون يجب حمل الكلمة على اليد الحقيقية لا المجازية!
وقد وصلت بهم الجرأة إلى أن أنكروا وجود المجاز في القرآن والحديث، أي في اللغة العربية، لأن القرآن والحديث إنما جاءا بهذه اللغة واستعملا ألفاظهما حسب قواعدها.
وإذا قلت لهم: تقصدون أن الله تعالى له جوارح، يد ورجل وعين، إلى آخره؟
يقولون: نعم له يد، ولكن لا نقول كيد الإنسان! غير أنهم يقولون ذلك في نقاشهم معك فقط! لأنهم يعتقدون أن الله تعالى على صورة الإنسان، فتكون جوارحه كجوارحه، كما عرفت وستعرف من كلماتهم.
متى ظهرت مقولات التجسيم
إدعى بعض خصوم الشيعة أن هشاماً بن الحكم أول من قال بالتجسيم، وهشام متكلم شيعي من تلاميذ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) توفي نحو سنة 200 هجرية، كما سيأتي.
فقد زعم المؤلف الوهابي الدكتور ناصر القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة الإمامية: 1/529 قائلاً:
(وقد حدد شيخ الإسلام ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلاء فقال: وأول من عرف في الإسلام أنه قال إن الله جسم هو هشام بن الحكم. منهاج السنة: 1/20).
وقال القفاري في 1 /530 - 531:
(إذن تشبيه الله سبحانه بخلقه كان في اليهود وتسرب إلى التشيع، لأن التشيع كان مأوى لكل من أراد الكيد للإسلام وأهله، وأول من تولى كبره هشام بن الحكم، ثم تعدى أثره إلى آخرين عرفوا بكتب الفرق بمذاهب ضالة غالية، ولكن شيوخ الإثني عشرية يدافعون عن هؤلاء الضلال الذين استفاض خبر فتنهم واستطار شرهم، ويتكلفون تأويل كل بائقة منسوبة إليهم أو تكذيبها، حتى قال المجلسي: ولعل المخالفين نسبوا إليهماهذين القولين معاندة.
وأقول: أما إنكار بعض الشيعة لذلك فقد عهد منهم التكذيب بالحقائق الواضحات، والتصديق بالأكاذيب البينات، وأما دفاعهم عن هؤلاء الضلال فالشئ من معدنه لا يستغرب، فهم يدافعون عن أصحابهم، وقد تخصص طغام منهم للدفاع عن شذاذ الآفاق ومن استفاض شره وتناقل الناس أخبار مروقه وضلاله). انتهى.
ولو أن هذا الكاتب قرأ صحيح البخاري وغيره من مصادر الحديث، لَلَمَس بيديه قبل عينيه أن مقولة التجسيم ظهرت في الناس في زمن عائشة كما تقدم، أما أفكارها وأصلها فقد ظهر على يد كعب الأحبار وجماعته في زمن الخليفة عمر، يعني قبل أن يولد جد هشام بن الحكم أو جد جده!
منها: ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/83:
(عن عمر رضي الله عنه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح).
وقال عنه في مجمع الزوائد: 10/159:
(رواه أبو يعلى في الكبير ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن خليفة الهمذاني وهو ثقة).
وقال عنه في كنز العمال ص 373:
(ع، وابن أبي عاصم، وابن خزيمة، قط في الصفات، طب في السنة، وابن مردويه، ص).
وقال عنه في: 2/466:
(ابن مردويه خط ص وج 6 ص 152 وقال: الخطيب من طريق أبي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة الهمداني).
وقال السيوطي في الدر المنثور: 1/328:
(وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي عاصم في السنة، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وأبو الشيخ، والطبراني، وابن مردويه، والضياء المقدسي في المختارة، عن عمر أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أدع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله، ما يفضل منه أربع أصابع).
وقال الديلمي في فردوس الأخبار: 3/86:
(عمر بن الخطاب: على العرش استوى، حتى يسمع أطيط كأطيط الرحل).
وقال الخطيب في تاريخ بغداد: 1/295:
(عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: على العرش استوى، قال: حتى يسمع أطيط كأطيط الرحل).
وقال في تاريخ بغداد: 4/39:
(عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله سبحان الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال له: ويحك ما تدري ما الله؟ إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد، إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه هكذا وأشار بيده مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب). انتهى.
وقال الديلمي في فردوس الأخبار: 1/219:
(ابن عمر: إن الله عز وجل ملأ عرشه، يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع، بأصابع الرحمن عز وجل). انتهى.
ويلاحظ أن عبد الله بن عمر جعل العرش أكبر من حجم الله تعالى بأربع أصابع بأصابع الله تعالى، وبما أن آدم في رواياتهم الصحيحة مخلوق على صورة الله تعالى وطوله ستون ذراعاً وفي بعضها سبعون ذراعاً، فتكون إصبع (معبودهم) أكثر من متر!