الصفحة 142
وحيث أن هذه النسبة إلى السلف غلط محض! أحببت التنبيه على ذلك لئلا يغتر من يراها فيظنها من قول العلماء المعتبرين، والصواب أن هذا التفسير هو تفسير الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم في نفي الصفات وتعطيل الباري سبحانه وتعالى عما وصف به نفسه من صفات الكمال!

وقد أنكر علماء السلف رحمهم الله مثل هذا التأويل وقالوا: القول في الإستواء كالقول في سائر الصفات وهو إثبات الجميع لله على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، قال الإمام مالك: الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. وعلى هذا درج علماء السلف من أهل السنة والجماعة رحمهم الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة الحموية: فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله (ص) من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى وهو فوق كل شئ وهو عال على كل شئ، وأنه فوق العرش وأنه فوق السماء، مثل قوله تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة مثل قصة معراج الرسول إلى ربه، ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه، وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار.

وبما ذكرناه يتضح للقراء أن ما نسبه أحمد محمود دهلوب إلى السلف من تفسير الإستواء بالإستيلاء غلط كبير وكذب صريح!! لا يجوز الإلتفات إليه، بل كلام السلف الصالح في ذلك معلوم ومتواتر وهو ما أوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) في تفسير الإستواء بالعلو فوق العرش، وأن الإيمان به

الصفحة 143
واجب وأن كيفيته لا يعلمها إلا الله سبحانه، وقد روي هذا المعنى عن أم سلمة أم المؤمنين وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك (رحمه الله) وهو الحق الذي لا ريب فيه، وهو قول أهل السنة والجماعة بلا ريب، وهكذا القول في باقي الصفات من السمع والبصر والرضى والغضب واليد والقدم والأصابع والكلام والإرادة، وغير ذلك، كلها يقال فيها إنها معلومة من حيث اللغة العربية فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا لا يعلمه إلا الله سبحانه، مع الإيمان أن صفاته سبحانه كلها كاملة وأنه سبحانه لا يشبه شيئاً من خلقه، فليس علمه كعلمنا ولأيده كأيدينا ولا أصابعه كأصابعنا ولا رضاه كرضانا إلى غير ذلك، كما قال سبحانه: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير). والواجب على المؤمن التمسك بما أخبر الله به ورسوله ودرج عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، والحذر من مقالات أهل البدع الذين أعرضوا عن الكتاب والسنة، وحكموا أفكارهم وعقولهم فضلوا وأضلوا).

  وقال ابن باز في فتاويه: 2/98:

(فقد اطلعت على ما نشر في صحيفة الشرق الأوسط في عددها 3383 الصادر في 3/4/1408 بقلم الدكتور محي الدين الصافي بعنوان (من أجل أن نكون أقوى أمة) وقد لفت نظري ما ذكره عن اختلاف السلف والخلف في بعض صفات الله، وهذا نص كلامه: (إلا أنه وردت في القرآن الكريم آيات تصف الله تعالى ببعض صفات المخلوقين من مثل قوله تعالى: يد الله فوق أيديهم، كل شئ هالك إلا وجهه، الرحمن على العرش استوى، وللعلماء في فهم هذه الآيات طريقتان، الأولى طريقة السلف وهي أن نثبت

الصفحة 144
الله تعالى ما أثبت لنفسه ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل، واضعين نصب أعينهم عدم تعطيل الذات الإلهية عن الصفات، مع جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد، وأن الأصل تنزيه الله تعالى عن كل ما يماثل المخلوقين لقوله تعالى: ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. أما طريقة الخلف فهي تأويل هذه الكلمات وصرفها عن ظاهرها إلى المعنى المجازي فتكون اليد بمعنى القدرة والوجه بمعنى الذات والإستواء بمعنى الإستيلاء والسيطرة ونفوذ الأمر، لأنه قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم ولقوله تعالى: ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. وكل من الطريقين صحيحة مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام... إلخ).

وقد أخطأ عفا الله عنا وعنه في نسبته للسلف (جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد) فالسلف رحمهم الله ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال أو أثبته له رسوله (ص) ويعتقدون حقيقتها اللائقة بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل لها عن ظاهرها ولا تفويض! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة الفتوى الحموية ما نصه: روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال: كنا والتابعيون متوافرون نقول إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات، فقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين الذين هم مالك إمام أهل الحجاز والأوزاعي إمام أهل الشام والليث إمام أهل مصر والثوري إمام أهل العراق، حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش وبصفاته السمعية، وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم

الصفحة 145
المنكر لكون الله فوق عرشه والنافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يخالف هذا.

أما قوله (أما طريقة الخلف فهي تأويل هذه الكلمات وصرفها عن ظاهرها) إلى قوله (وكل من الطريقتين صحيحة مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام) انتهى. أقول: هذا خطأ عظيم فليست كلتا الطريقتين صحيحة، بل الصواب أن طريقة السلف هي الصحيحة وهي الواجبة الاتباع، لأنها عمل بالكتاب والسنة وتمسك بما درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان من التابعين ومن تبعهم من الأئمة الأعلام، وفيها تنزيه الله سبحانه وتعالى عن صفات النقص بإثبات صفات الكمال وتنزيه الله سبحانه عن صفات الجمادات والناقصات والمعدومات، وهذا هو الحق، أما تأويلها على ما يقول علماء الخلف من أصحاب الكلام، فهو خلاف الحق وهو تحكيم للعقل الناقص وقول على الله بلا علم، وفيه تعطيل الله جل وعلا من صفات الكمال، فهم فروا من التشبيه المتوهم في أذهانهم ووقعوا في التعطيل.

والخلاصة أن مذهب السلف هو الحق الذي يجب أتباعه والقول به، وأما ما ذهب إليه بعض علماء الخلف من تأويل نصوص صفات الله جل وعلا فهو باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه سلف الأمة.

وقوله (قام الدليل على أن الله ليس بجسم) هذا الكلام لادليل عليه لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة وصف الله سبحانه بذلك أو نفيه عنه! فالواجب

الصفحة 146
السكوت عن مثل هذا، لأن مأخذ صفات الله جل وعلا توقيفي لا دخل للعقل فيه، فيوقف عند حد ما ورد في النصوص من الكتاب والسنة).

  وقال ابن باز في فتاويه: 2/105:

(من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم محمد بن أحمد سندي وفقه الله وزاده من العلم والإيمان آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: كتابكم المطول المؤرخ بدون وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأمور الآتية:

1 - قولك في صدر الكتاب: الله منزه عن الجهة ولا يحيط به مكان.

2 - قولك لفت نظري واسترعى انتباهي وأنا أتصفح كتاب (صراع بين الحق والباطل) للأستاذ سعد صادق ثم ذكرت ما احتج به على علو الله من الآيات والأحاديث إلى أن قلت: ولست أدري ما الذي يجنيه ذلك المؤلف وأمثاله من هذا الاعتقاد الذي يكون في الغالب مثاراً للفتن والإضطرابات وتفريق الصفوف، إلى أن قلت: وخاصة وأن العامة يتمسكون بما في هذا الكتاب ويعتقدون بأن الله موجود في السماء... إلخ. ثم ذكرت في آخر هذا الكتاب أنك نقلت كلام الرازي والقرطبي والصاوي للإحاطة، ولعلي أرد عليها. والذي يظهر لي من كتابك هذا أنك لست متبصراً في أمر العقيدة في باب الأسماء والصفات، وأنك في حاجة إلى بحث خاص وعناية بما يوضح لك العقيدة الصحيحة.

وعليه: فاعلم بارك الله فيك أن أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان مجمعون (؟) على أن الله في السماء وأنه فوق العرش وأن الأيدي ترفع إليه سبحانه، كما دلت على ذلك

الصفحة 147
الآيات والأحاديث الصحيحة كما أجمعوا أنه سبحانه غني عن العرش وعن غيره، وهكذا قال أهل السنة في جميع الصفات مثل قول مالك: المعاني معلومة على حسب ما تقتضيه اللغة العربية التي خاطب الله بها العباد، والكيف مجهول، وتلك المعاني معان كاملة ثابتة موصوف بها ربنا سبحانه، لا يشابه فيها خلقه، والكلام في هذا يحتاج إلى مزيد بسط، وسنفعل ذلك إن شاء الله بعد وصولنا إلى المدينة، ونقرأ عليك كتابك وننبهك على ما فيه من أخطاء ونوصيك بتدبر القرآن الكريم والإيمان بأن جميع ما دل عليه حق لائق بالله سبحانه فيما يتعلق بباب الأسماء والصفات، كما أن جميع ما دل عليه حق في جميع الأبواب الأخرى، ولا يجوز تأويل الصفات ولا صرفها عن ظاهرها اللائق بالله ولا تفويضها، بل هذا كله من اعتقاد أهل البدع، أما أهل السنة والجماعة فلا يؤولون آيات الصفات وأحاديثها ولا يصرفونها عن ظاهرها ولا يفوضونها، بل يعتقدون أن جميع ما دلت عليه من المعنى كله حق ثابت الله لائق به سبحانه لا يشابه فيه خلقه كما قال سبحانه (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) وقال سبحانه (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) نفى عن نفسه مماثلة الخلق وأثبت لنفسه السمع والبصر على الوجه اللائق به، وهكذا بقية الصفات.

ونوصيك أيضاً بمطالعة جواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماه وجوابه لأهل تدمر ففي الجوابين خير عظيم، وتفصيل لكلام أهل السنة، ونقل لبعض كلامهم ولا سيما الحموية، كما أن فيهما الرد الكافي على أهل البدع، ونوصيك أيضاً بمطالعة العقيدة النونية ومختصر الصواعق المرسلة وكلاهما للعلامة ابن القيم، وفيهما من البيان والإيضاح لأقوال أهل السنة والرد على

الصفحة 148
أهل البدع ما لعلك لا تجده في غيرهما، مع التحقيق والعناية بإيضاح الأدلة من الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة). انتهى.

ولم نجد في كلام ابن باز شيئاً جديداً عما ذكره ابن تيمية، نعم ينبغي الإشارة إلى المفتي الأكبر وافق تلميذه الألباني على تفسير (كل شئ هالك إلا وجهه) بالوجه الحقيقي لله، سبحانه وتعالى.

وليت المجال يتسع لعرض نماذج من نونية ابن القيم التي يوصي المفتي المحترم بأخذ عقيدة التوحيد منها ليرى القارئ أنها لا يصح أن تسمى قصيدة ولا توحيداً، فقد كتب ابن قيم ستة آلاف سطر جبلها جبلاً منكراً أخجل فيه الأدب العربي! وخبط فيها في التوحيد خبطاً أوجع فيه المتانة العلمية عند علماء المسلمين جلداً وتعزيراً!!

وتستر الوهابيون بالإمام مالك ونسبوا مذهبهم إليه

دأب ابن تيمية وتبعه الوهابيون كما رأيت من ابن باز والألباني على الإستشهاد لمذهبهم بقول الإمام مالك في تفسير قوله تعالى: على العرش استوى.

  وقال ابن باز أيضاً في فتاويه: 5/171:

(فهو سبحانه العالي فوق خلقه والمستوي على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، وليس المعنى استولى كما تقول المبتدعة من الجهمية وغيرهم، بل هو بمعنى ارتفع فوق عرشه كما قال السلف، ومما اشتهر في ذلك قول مالك رضي الله عنه لما سئل عن قوله: الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فأجاب: الإستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). انتهى.


الصفحة 149

  وقال الألباني في فتاويه ص 518:

(سائل سأل مالك فقال له يا مالك: الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ قال: الإستواء معلوم الإستواء المعلوم لا يعني الإستواء المفوض معناه، الإستواء معلوم هو العلو، لكن الكيف مجهول، فقال مالك: أخرجوا الرجل فإنه مبتدع! وإذا أخذنا بفتوى مالك فما هو حكم تفسير الخليفة عمر للإستواء بأن الله تعالى يجلس على العرش فيئط العرش من ثقله أو يكون له صرير أو أزيز كصوت خشب حداجة البعير عندما تكون جديدة ويركب عليها أحد! وستأتي روايات ذلك.

الشئ الثاني: إذا قال الإمام أحمد أو غيره: مروها (يقصد أمروها) كما جاءت ترى قبل الإمام أحمد إمام دار الهجرة وهو الإمام مالك رضي الله عنه هل كان على هذا المذهب حينما جاءه ذاك السائل فقال له: يا مالك، الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال الإستواء معلوم فالإستواء معلوم لا يعني الاستواء مفوض معناه لا، قال الإستواء معلوم، وهو العلو، لكن الكيف مجهول وهذا هو مذهب السلف، ولذلك كان تمام كلام الإمام مالك رضي الله عنه قال: أخرجوا الرجل فإنه مبتدع.

لم يكن هذا الرجل السائل مبتدعاً لأنه سأل عن معنى خفي عليه عن قوله: الرحمن على العرش استوى، وإنما أخرج وبدع لأنه سأل عن كيفية الإستواء فكان قول الإمام مالك هذا هو الذي يمثل منهج السلف الصالح والمتبعين لهم بإحسان إلى يوم الدين هو أن معاني آيات الصفات وأحاديث الصفات مفهومة لغة، لكن كيفياتها مجهولة تماماً، فلا يعرف كيفية الذات إلا صاحب

الصفحة 150
الذات، ولا يعرف كيفية الصفات إلا الذات نفسها، لكن الإستواء معلوم والسمع معلوم والبصر معلوم إلى آخره.

ولذلك أنا أعتقد أن تفسير كلمة الإمام أحمد: مروها كما جاءت، هو بأنها تعني عدم فهم الآيات، وأن نقول الله أعلم بمراده كما يزعم الخلف، هذا هو أصل التعطيل المؤدي إلى جحد الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك فأنا يعجبني كلمة شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رضي الله عنه وأكررها على مسامعكم لتحفظوها لأن فيها جماعة هذه المسألة في كلمتين يقول رضي الله عنه (المشبه يعبد صنماً والمعطل يعبد عدماً) فالله إذا قال إنسان ليس فوق وليس تحت وليس يمين وليس يسار وليس داخل العالم ولا خارجه كما يقول المبتدعة الضالون في هذا البلد خاصة، يزعمون أن الله لا داخل العالم ولا خارجه، هذا وصف للمعدوم الذي لا وجود له لو قيل لإنسان ما العدم شئ، ماذا تتصورون أن يكون الجواب هل هو فعلاً شئ؟ العدم لا شئ. إذا قيل أن هذا العدم الذي لا شئ هو داخل العالم أو خارجه هل يصح هذا الوصف؟ لا، لا يصح، فإذا كان هناك شئ له وجوده وله كيانه فهل يقال أنه ليس داخل العالم وليس خارج العالم كذلك؟ لايقال إذن من هنا قال ابن تيمية رضي الله عنه: والمعطل يعبد عدماً أي: شيئاً لا وجود له).

انتهى كلام الألباني المطول، وترجمته المختصرة: أن الله تعالى جسم لأنه لا يوجد في الطبيعة ولا خارجها إلا الأجسام! واستواؤه على العرش مادي، ولا تسأل كيف، وإلا كفرناك وقلنا أخرجوه أو اقتلوه!


الصفحة 151
ولا تقل إن هذا إرهاب فكري فهذا موقف الإمام مالك، ونحن نقلده في تفسيره للصفات وفي إرهابه الديني، وإن كنا نخالفه في بدعته بتجويز زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)!

ولا تقل إن الخليفة عمر فسر جلوس الله تعالى على العرش بجلوس الرجل على حداجة البعير أو الكرسي الخشبية الجديدة، فصارت تئز وتئط وتصر وتطقطق من ثقله!! لأن هذا التفسير حلال للخليفة عمر حرام عليك!!

ولكن إذا صح ما نسبوه إلى المفوضة في هذا الموضوع من إرهاب فكري فإن المفوضة ارتكبوا إرهاباً واحداً، أما الوهابيون فقد ارتكبوا إرهابيين وتفويضاً! فالمفوضة قالوا: لا نعرف كيف استوى على العرش، ويحرم عليك السؤال عنه. والوهابيون قالوا: يجب أن تفسر الإستواء بالإستواء المادي وإلا فأنت مفوض جهمي معطل ضال ملحد! وبعد أن تفسره بذلك يقولون لك: يجب أن تفوض معناه وإلا فأنت فاسق مظهر لما أوجب الله كتمانه من تجسيمه!

سبحان الله، صار التفويض الحرام واجباً هنا، ولكن بعد الإجبار على التفسير الحسي!! لقد ارتكبوا الإرهاب على التفسير الحسي، ثم الإرهاب على تفويض الإستواء الحسي وعدم السؤال عن كيفيته!!

فالمفوض كمن يقول لك: لا تفتح باب السؤال ولا تدخل هذا المكان. والوهابي كمن يقول لك: إقفز من السطح، لكن لا تقع على الأرض!

أما ما نسبوه إلى الإمام مالك فلم يثبت عنه ما يريدون التشبث به، وإليك كل ما روي عنه في هذا الموضوع!


الصفحة 152
(1 - روى الذهبي في سيره: 8/100، عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله: الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فما وجد مالك من شئ ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء، ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والإستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج. قال سلمة بن شبيب مرة في رواية هذا وقال للسائل: إني أخاف أن تكون ضالاً.

2 - وقال أبو الربيع الرشيديني: حدثنا ابن وهب قال كنا عند مالك فقال رجل: يا أبا عبدالله: الرحمن على العرش استوى، كيف استواؤه؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه.

3 - وقال محمد بن عمرو قشمرد النيسابوري: سمعت يحيى بن يحيى يقول: كنا عند مالك فجاءه رجل فقال: الرحمن على العرش استوى، فذكر نحوه، وفيه فقال: الإستواء غير مجهول.

4 - 5 - وروى الذهبي في سيره: 8/105: وقال ابن عدي: حدثنا محمد بن هارون بن حسان، حدثنا صالح بن أيوب، حدثنا حبيب بن أبي حبيب، حدثني مالك قال: يتنزل ربنا تبارك وتعالى أمره، فأما هو فدائم لا يزول، قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى بن بكير فقال: حسن والله، ولم أسمعه من مالك. قلت: لا أعرف صالحاً، وحبيب مشهور، والمحفوظ عن مالك رواية

الصفحة 153
الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات فقال: أمرها كما جاءت بلا تفسير، فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية حبيب.

6 - قال القاضي عياض: قال أبو طالب المكي: كان مالك رضي الله عنه أبعد الناس من مذاهب المتكلمين وأشد نقضاً للعراقيين. ثم قال القاضي عياض: قال سفيان بن عيينة: سأل رجل مالكاً فقال: الرحمن على العرش استوى كيف استوى، فسكت مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال: الإستواء منه معلوم والكيف منه غير معقول والسؤال عن هذا بدعة والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالاً أخرجوه). انتهى.

وأنت ترى أنه لا يوجد في آراء الإمام مالك هذه نص واحد بالحمل على الظاهر كما زعم الوهابيون، بل فيها ما هو صريح بضد ما نسبوه إليه!

فالرواية الأولى نفى فيها مالك الكيف عن الله تعالى ومنه كيف الإستواء لا أنه نفى كيفية الإستواء، قال (الكيف منه غير معقول، والإستواء منه غير مجهول) وهذه العبارة تعني أن الإستواء عنده بلا كيف أصلاً، فهو ليس استواء حسياً كيفيته مجهولة كما يقول الوهابيون! ومعنى أنه غير مجهول أنه قطعي الثبوت لله تعالى لأنه بنص القرآن، فأين دلالته على ما يدعونه من الإستواء الحسي؟!

والرواية الثانية والثالثة، تؤكدان ما ذكرناه عن الأولى قال (الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع) بل إن عبارة لا يقال له كيف هي المستعملة في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وفي كلمات المنزهين لنفي المادية عن الله تعالى.


الصفحة 154
والرواية الرابعة، أول فيها الإمام مالك النزول بنزول أمره، (قال: يتنزل ربنا تبارك وتعالى أمره، فأما هو فدائم). والتأويل عند الوهابيين بدعة وتعطيل وضلال وإلحاد، فاللازم في مذهبهم أن يحكموا على الإمام مالك بذلك، ويخلصوه من التستر باسمه!

والرواية الخامسة، تفويض محض، لا حمل فيها على ظاهر ولا باطن، وقد اعترف بذلك الذهبي (سأله عن أحاديث الصفات فقال: أمرها كما جاءت بلا تفسير).

والسادسة، فيها (الإستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول) فقد نفى فيها الكيف عن الإستواء أي نفى الإستواء الحسي الوهابي عن الله تعالى، وقد نص على أن المنفي هو كيف الإستواء أو مطلق الكيف عن الله تعالى بكلمة (منه) وأوضح بذلك أن مراده بقوله معلوم أنه ثابت بالقرآن، كما تقدم. فأين ما يدعونه على الإمام مالك من موافقة مذهبهم؟!

ولماذا يصرون على التستر باسمه، ويصورون للمسلمين أن الامام مالك معهم ومنهم، ولم يبق إلا أن يصدروا له هوية عضوية في جماعة الطالبان!!

وقال في المدونة الكبرى: 6/465: (وسئل رضي الله عنه عن معنى قوله تعالى الرحمن على العرش استوى، فعرق وأطرق وصار ينكت بعوده في يده ثم رفع رأسه وقال: الكيف منه غير معقول، والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر بالسائل فأخرج، كذا في طبقات الشعراني). انتهى.


الصفحة 155
وهذه الرواية، وهي رواية مدونة مالك، كالرواية الأولى تبدأ بنفي كيفية الإستواء بالمعنى الحسي الذي يقولونه! فمن أين فسروا قوله إن الإستواء غير مجهول بأنه يقصد به الإستواء المادي على العرش؟ تعالى الله عن ذلك.

  ويؤيد ما فهمناه من كلمات مالك شهادة الشافعي التي نقلها السبكي في طبقات الشافعية: 9/40:

(قال الشافعي: سألت مالكاً عن التوحيد فقال: محال أن نظن بالنبي (ص) أنه علم أمته الإستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، وقد قال (ص) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله... ولم يقل: من التوحيد اعتقاد أن الله تعالى في جهة العلو). انتهى.

الإمام مالك يكذب كل أحاديث الرؤية ويهدم أساس مذهبهم

  قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 8/103:

(أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر قال ابن القاسم سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا: إن الله خلق آدم على صورته، والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه، وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد، فأنكر مالك ذلك إنكارا شديدا ونهى أن يحدث بها أحد! فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد، قال لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً، وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات). انتهى.

وهو نص غني فيه معلومات مهمة.. ومعنى كلام الإمام مالك أن الراوي الأصلي لهذا الحديث هو أبو الزناد، وهو متهم لأنه كان عاملاً عند بني أمية

الصفحة 156
فهو موظف عندهم ينشر أحاديث التجسيم التي أخذوها من كعب الأحبار وغيره من اليهود وتبنوا نشرها في الأمة! وهي رواية تكفي الباحث ليعرف أن الدولة الأموية قد تبنت الإسرائيليات من القرن الأول ودستها في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنها وظفت رواة يروونها حتى من غير العلماء!! وهي شهادة من مالك تكفي لاتباع مذهبه ولكل منصف لكي يتوقف في كل أحاديث التشبيه والتجسيم الأموية اليهودية.

ولكن أنظر إلى الذين أُشْرِبُوا في قلوبهم التشبيه والتجسيم كالذهبي، كيف التفوا على موقف الإمام مالك الواضح القاطع، وأهانوه بأنه جاهل لم يطلع على تلك الأحاديث الكثيرة الصحيحة بزعمهم!

وقال الذهبي بعد إيراده قول الإمام مالك المتقدم: (قلت: أنكر الإمام ذلك، لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الأول والثاني لثبوت سندهما، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه!). انتهى.

فكأنه يجب على الإمام مالك برأي الذهبي أن يقلد البخاري، وقد كان مالك إماماً رسمياً لكل الدولة الإسلامية والبخاري ما زال في صلب جد جده! فهل يحرم على مالك أن يجتهد ويخالف البخاري في تصحيح أحاديث أو ردها؟! أم ينبغي للبخاري أن يتوقف عن رواية أحاديث كان الإمام مالك يشهد بكذبها وأمويتها!!

بل يشير النص التالي إلى أن مالكاً كان طيلة حياته يتبنى أربعة آراء مهمة: أولها، عدم زيادة الإيمان ونقصه. ثانيها، القول بخلق القرآن. ثالثها، عدم رؤية الله تعالى حتى في الآخرة. رابعها، عدم عدالة بعض الصحابة المعروفين!


الصفحة 157
ولذا ادعوا عليه أنه رجع عن آرائه هذه في مرض موته!

  قال الذهبي في تاريخ الإسلام: 32/62:

(... أنه في مرضه رأى مالكاً قال له: قل الإيمان يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، وقل بفضل الصحابة). انتهى.

وهذه الرواية وغيرها تدل على أن هذه الآراء كانت موجودة عند الإمام مالك، ومن حق الباحث أن يشك في ادعائهم رجوعه عنها في مرض موته!!

بل ادعوا أن معبودهم على صورة إنسان وله أعضاؤه!

  قال ابن باز في فتاويه ج 4 ص 368، فتوى رقم 2331:

(سؤال 1: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) أنه قال (خلق الله آدم على صورته ستون ذراعاً) فهل هذا الحديث صحيح؟

الجواب: نص الحديث (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً) ثم قال: إذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلى الآن) رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح، ولا غرابة في متنه فإن له معنيان: الأول: أن الله لم يخلق آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً. والثاني: أن الضمير في قوله (على صورته) يعود على الله بدليل ما جاء في رواية أخرى صحيحة (على صورة الرحمن) وهو

الصفحة 158
ظاهر السياق ولا يلزم على ذلك التشبيه، فإن الله سمى نفسه بأسماء سمى بها خلقه ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه، وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه، لأن الإشتراك في الإسم وفي المعنى الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما لقوله تعالى (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير). انتهى.

وهكذا تقضي فتوى الشيخ ابن باز بأن آدم على صورة الله والله على صورة آدم، وأن هذا ليس تشبيهاً أبداً أبداً!! ويمكنك أن تفتي بمثلها فتنفي شخصاً عن أولاد آدم فتقول: إن فلاناً على صورة آدم وآدم على صورته ولكنه لا يشبه آدم أبداً!! بل يمكنك أن تخلص بهذه الفتوى مجرماً فتقول هذه الصورة صورته ولكنها لا تشبهه أبدا أبداً!!

إن أصل مشكلة الوهابيين أنهم مضطرون في إثبات مذهبهم إلى قلب معاني كلمات اللغة العربية! فالأمر دائر عندهم بين أن يقلبوا ألفاظ اللغة أو ينقلب مذهبهم!!

ويالبؤس مذهب إذا اعتدلت الكلمات انقلب، وإذا انقلبت معانيها اعتدل!

وقالوا: معبودهم يركض ويهرول

  قال الألباني في فتاويه ص 506:

(سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟

جواب: الهرولة كالمجيء والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها).


الصفحة 159

  وقال ابن باز في فتاويه: 5/374:

(ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة). انتهى.

ويقصد بذلك تحريم تفسير الهرولة بالقرب المعنوي، ووجوب القول بأن الله تعالى يهرول حسياً!

وقالوا: معبودهم له ساق حقيقية

  قال ابن باز في فتاويه: 4/130، ونحوه في: 5/71:

(الرسول (ص) فسر (يوم يكشف عن ساق ويدعون) بأن المراد يوم يجئ الرب يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه وهي العلامة بينه وبينهم سبحانه وتعالى، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه، وهذه من الصفات التي تليق بجلال الله وعظمته لا يشابهه فيها أحد جل وعلا! وهكذا سائر الصفات كالوجه واليدين والقدم والعين وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص، ومن ذلك الغضب والمحبة والكراهة وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز وفيما أخبر به النبي (ص) كلها وصف شاهق وكلها تليق بالله جل وعلا! أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركبهم، وهو مذهب باطل أنكره أهل السنة والجماعة وتبرؤوا منه وحذروا من أهله). انتهى.

ويقصد بذلك تحريم تفسير الساق بالكناية والمجاز، ووجوب تفسيرها بالساق المادية، شبيهة بساق أحد علماء الوهابية مثلاً! تعالى الله عما يصفون.


الصفحة 160

  وقال ابن باز في فتاويه: 5/371:

(طالب يسأل ويقول ما هو الحق في تفسير قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) جواب: الرسول (ص) فسرها بأن المراد يوم يجئ الرب يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه، عرفوه وتبعوه). انتهى.

وتحيروا هل لمعبودهم أذن مادية أم هو ممسوخ الأذن!

وكما احتاط الألباني في هرولة الله تعالى حتى أفتى له بها ابن باز، كذلك احتاط في أن الله تعالى له أذن أو أن جنب رأسه ممسوح بلا أذن، فلم يفت بالنفي ولا بالإثبات! وليتهم احتاطوا لدينهم في أصل مقولتهم هذه، لا في تفاصيلها المضحكة! قال الألباني في فتاويه ص 344: (سؤال: صفة الأذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف، السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه، وإن العين صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله).

من تأثير تجسيم الوهابيين على أطفال المسلمين

فرض علماء الوهابية مذهبهم في التجسيم على الثقافة السعودية، وروجوا الأحاديث المتشابهة والموضوعة في التجسيم، وكرروا ذكر أحاديث النزول وأحاديث يكشف عن ساقه في خطبهم بمناسبة وغير مناسبة حتى فهم الناس منها النزول المادي والساق المادية، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع الله تعالى رجله فيها فتقول قط قط... إلخ. وكتبوها في مناهج التدريس، فحفظها

الصفحة 161
الأطفال الأبرياء، ونشأت ناشئة من ذراري المسلمين تتصور أن التجسيم جزء من عقيدة الإسلام!!

وقد حدث أحد السعوديين أن معلماًً في مدرسة في المملكة العربية السعودية سأل تلاميذه يوماً فقال: كيف نعرف الله؟

فأجابه أحدهم: يا أستاذ نعرفه بأن رجله محروقة!!

وهذا الطالب البريء لا ذنب له، لأنه تعلم أن المؤمنين لا يعرفون ربهم يوم القيامة إلا بالعلامة التي بينهم وبينه وهي أنه يأتيهم ويكشف عن ساقه فيعرفونه، وتعلم أن جهنم لا تمتلئ حتى يضع الله عز وجل فيها رجله ليملأها فتقول قط قط، فلا بد أن تكون النار قد لفحتها وأن تكون رجله التي يكشفها للمؤمنين محروقة بالنار!!

وهكذا يخربون فطرة الله تعالى التي فطر عليها أبناء المسلمين على التنزيه، ويغرسون في أذهانهم التجسيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقالوا كان الهواء قبل معبودهم أو معه

  قال ابن تيمية في مجموعة الرسائل مجلد 2 جزء 4 ص 95:

(حديث أبي رزين العقيلي.. أنه سأل النبي (ص) فقال يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ فقال: كان في عماء، ما فوقه هواء ما تحته هواء). انتهى.

وبهذا يكون مذهب ابن تيمية أن الله تعالى محدود من فوقه أيضاً، فتحته الهواء والأرض وفوقه الهواء فقط، ويكون الهواء موجوداً مع الله تعالى أو قبله!


الصفحة 162

وتحيروا في العرش هل هو كروي أو مسطح؟!

فقد ألف ابن تيمية كتاباً حاول فيه أن يثبت أن العرش مسطح وليس كروياً لأنه إذا كان كروياً فإن الله تعالى يكون كروياً مثل عرشه! ويكون بدنه محيطاً بنا ولا يكون فوقنا فقط بل يكون فوقنا وتحتنا!!

  قال في مجموعة الرسائل مجلد 2 جزء 4 ص 104 - 112:

(سئل شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية ما تقول في العرش هل هو كري أم لا؟ فإذا كان كرياً والله من ورائه محيط بائن عنه، فما فائدة أن العبد يتوجه إلى الله حين دعائه وعبادته فيقصد العلو دون غيره؟

والجواب عن هذا بثلاث مقامات: أحدها أن لقائل أن يقول لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن العرش فلك من الأفلاك المستديرة الكرية الشكل لا بدليل شرعي ولا دليل عقلي.. فقالوا بطريق الظن إن العرش هو الفلك التاسع لاعتقادهم أن ليس وراء ذلك التاسع شئ، إما مطلقاً وإما أنه ليس وراءه مخلوق..

وقد استدل من استدل على أن العرش مقبب... عن جبير بن مطعم قال أتى رسول الله (ص) أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال.. فادع لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك.. وقال ويحك أتدري ما تقول؟ إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه.. إن الله على عرشه وأن عرشه على سماواته وأرضه لهكذا، وقال بأصابعه مثل القبة... إلخ.).


الصفحة 163

وقالوا معبودهم موجود مادي يحويه العرش

  قال ابن باز في فتاويه: 1/317 السؤال الثالث والخامس من الفتوى رقم 7351:

(سؤال: ماذا يكون ردي إذا سألني سائل عن المكان الذي يوجد فيه الله؟

جواب: تقول فوق عرشه كما قال تعالى الرحمن على العرش استوى). انتهى.

وينبغي الإلتفات إلى أن سؤال هذا الإنسان عن المكان الذي يوجد فيه الله تعالى، يعني عن الظرف المادي الذي يحوي وجوداً مادياً، والذي يلزم منه أن ينحصر وجود المظروف فيه ولا يوجد في غيره، وأن يرتبط أصل وجود المظروف به، ولا يكون موجوداً قبله!

وكان على المفتي أن لا يقبل صيغة السؤال، ويبين للسائل أنه لا يصح سؤال كهذا في حق الله تعالى! ولكن المفتي جعل ربه كتلة مادية موجودة على العرش، ولزمه أن يعترف بأن العرش كان موجوداً قبل الله تعالى، أو موجوداً معه من الأزل كما قال ابن تيمية، ولكنه قال إن عرشه يبلى ويتجدد!

وجعلوا حملة عرش معبودهم حيوانات

  فقد صحح مرجعهم في الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني حديث أم الطفيل في تعليقته على سنة ابن أبي عاصم برقم (471) وجاء فيه أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه عز وجل في المنام (في أحسن صورة: شاباً، موفراً، رجلاه في خضرة، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب)!


الصفحة 164
  وقد صحح إمام الوهابية في آخر كتابه (التوحيد) حديث الأوعال التي تحمل عرش الله تعالى! ونسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (كم ترون بينكم وبين السماء؟ قالوا: لا ندري، قال: فإن بينكم وبينها إما واحداً أو اثنين أو ثلاثاً وسبعين سنة (وكأن الشك من النبي (صلى الله عليه وآله) حيث لم يذكر ابن عبد الوهاب أن الشك من الراوي) والسماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم الله فوق ذلك تبارك وتعالى!

  قال السقاف في هامش كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي ص259:

(قلت: وقد بين بطلان هذا الحديث الإمام المحدث الكوثري في مقالة خاصة مطبوعة ضمن كتابه (المقالات) ص 308 سماها (أسطورة الأوعال) فلتراجع فإنها مهمة جداً. وكذا أبطله الإمام المحدث عبد الله بن الصديق الغماري وذكر بطلان متنه في كتابه في سبيل التوفيق فقال (وبينت بطلان حديث الأوعال بأن إسناده ضعيف ومعناه منكر). انتهى.

وما دام الوهابيون يقبلون أسطورة الأوعال التي تحمل العرش فلعلهم يقبلون مجموعة الحيوانات الأخرى التي أخذها مجسمة المسلمين من مجسمة اليهود وادعوا أنها حملة العرش!

  فقد قال الدميري في حياة الحيوان: 2/428:

(عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: حملة العرش أحدهم على صورة إنسان، والثاني على صورة ثور، والثالث على صورة نسر، والرابع على صورة أسد!).