ونحن ننقل ما حكوه عنه في ذلك وما قالوه في حقه لتعلم ما هي قيمة ابن تيمية عند العلماء: قال أحمد بن حجر الهيثمي المكي الشافعي صاحب الصواعق في كتابه الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم، في جملة كلامه الآتي في فصل الزيارة: إن ابن تيمية تجاوز إلى الجناب المقدس وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم... إلخ.
وقال ابن حجر أيضاً في الدرر الكامنة على ما حكي: إن الناس افترقت في ابن تيمية فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك بقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله، وأنه مستو على العرش بذاته، فقيل له يلزم من ذلك التحيز والإنقسام فقال: أنا لا أسلم أن التحيز والإنقسام من خواص الأجسام، فألزم بأنه يقول بالتحيز في ذات الله...
وعن صاحب أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل أنه قال في بيان إرخاء العمامة بين الكتفين: قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه ذكر شيئاً بديعاً وهو أنه (ص) لما رأى ربه واضعاً يده بين كتفيه، أكرم ذلك الموضع بالعذبة! قال العراقي ولم نجد لذلك أصلاً.
أقول: بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما إذ هو مبني على ما ذهبا إليه وأطالا في الإستدلال له والحط على أهل السنة في نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسمية لله، تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. ولهما في
وعن المولوي عبد الحليم الهندي في حل المعاقد حاشية شرح العقائد: كان تقي الدين ابن تيمية حنبلياً لكنه تجاوز عن الحد وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله، فأثبت له الجهة والجسم، وله هفوات أخر... وحكم قاضي القضاة بحبسه سنة 705 ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه، كذا في مرآة الجنان للإمام أبي محمد عبد الله اليافعي، ثم تاب وتخلص من السجن سنة 707 وقال إني أشعري، ثم نكث عهده وأظهر مرموزه فحبس حبساً شديداً، ثم تاب وتخلص من السجن وأقام في الشام، وله هناك واقعات كتبت في كتب التواريخ ورد أقاويله.
وبين أحواله الشيخ ابن حجر في المجلد الأول من الدرر الكامنة، والذهبي في تاريخه، وغيرهما من المحققين. والمرام أن ابن تيمية لما كان قائلاً بكونه تعالى جسماً قال بأنه ذو مكان، فإن كل جسم لا بد له من مكان على ما ثبت، ولما ورد في الفرقان الحميد (الرحمن على العرش استوى) قال إن العرش مكانه، ولما كان الواجب أزلياً عنده وأجزاء العالم حوادث عنده، اضطر إلى القول بأزلية جنس العرش وقدمه وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية، فمطلق التمكن له تعالى أزلي والتمكنات المخصوصة حوادث عنده، كما ذهب المتكلمون إلى حدوث التعلقات. انتهى.
وجاء في المنشور الصادر بحقه من السلطان: وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومد عنان كلمه، وتحدث في مسائل القرآن والصفات، ونص في كلامه على أمور منكرات، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء الأعلام، وخالف في ذلك علماء عصره، وفقهاء شامه ومصره، وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه، حتى اتصل بنا أنهم صرحوا في حق الله بالحرف والصوت والتجسيم. انتهى.
وأما محمد بن عبد الوهاب فاقتفى هو وأتباعه في ذلك أثر ابن تيمية، كما اقتفى أثره في زيارة القبور والتشفع والتوسل وغير ذلك، وبنى على أساسه وزاد، وقد أثبت ابن عبد الوهاب لله تعالى جهة الفوق والإستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض والجسمية والرحمة والرضا والغضب واليدين اليمنى والشمال والأصابع والكف كلها بمعانيها الحقيقية من دون تأويل...
وأما أتباع محمد بن عبد الوهاب فأثبتوا لله تعالى جهة العلو والإستواء على العرش والوجه واليدين والعينين والنزول إلى سماء الدنيا والمجيء والقرب وغير ذلك بمعانيها الحقيقية، ففي الرسالة الرابعة من الرسائل الخمس المسمى مجموعها بالهدية السنية لعبد اللطيف حفيد محمد بن عبد الوهاب عند ذكر بعض اعتقادات الوهابية وأنها مطابقة لعبارة أبي الحسن الأشعري قال: وأن الله تعالى على عرشه كما قال: الرحمن على العرش استوى، وأن له يدين بلا
وقال: ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله (ص) أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر. إلى أن قال: ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: وجاء ربك والملك صفاًّ صفاًّ، وأنه يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.
وفي الرسالة الخامسة لمحمد بن عبد اللطيف المذكور: ونعتقد أن الله تعالى مستوٍ على عرشه عال على خلقه، وعرشه فوق السماوات، قال تعالى: الرحمن على العرش استوى، فنؤمن باللفظ ونثبت حقيقة الاستواء ولا نكيف ولا نمثل. قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس وبقوله نقول، وقد سأله رجل عن الإستواء فقال: الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة...
ونقول: يلزم من ذلك أحد أمرين: التجسيم أو القول بالمحال وكلاهما محال، لأن حصول حقيقة الإستواء مع عدم الكيف محال بحكم العقل، ومع الكيف تجسيم، فلا بد من التأويل والمجاز، والقرينة العقل.
ومنه تعلم أن الكلام المنسوب إلى الإمام مالك لا يكاد يصح، وحسن الظن به يوجب الريبة في صحة النسبة إليه، وذلك لأن قوله الإستواء معلوم إن أراد أنه معلوم بمعناه الحقيقي فهو ممنوع بل عدمه معلوم بحكم العقل باستحالة الجسمية عليه تعالى، واستحالة الإستواء الحقيقي بدون الجسمية...
ثم كيف يكون السؤال بدعة، والتصديق بالمجهول محال؟! وإن أراد أنا نؤمن به على حسب المعنى الذي أراده الله تعالى منه وإن لم نعلمه تفصيلاً،
وإذا كان قول الإمام مالك عند هؤلاء قدوة وحجة في مثل هذه المسألة الغامضة، فلم لم يقتدوا بقوله فيما هو أوضح منها وأهون، وهو رجحان استقبال القبر الشريف والتوسل بصاحبه عند الدعاء؟ حسب ما أمر به مالك المنصور فيما مرت الإشارة إليه...
أما قول عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية أنه لا يلزم أن نكون مجسمة وإن قلنا بجهة العلو، لأن لازم المذهب ليس بمذهب!
ففيه: أن كون لازم المذهب ليس بمذهب إن صح فمعناه أن من ذهب إلى القول بشئ لا يجب أن يكون قائلاً بلازمه، إلا أنه إذا كان هذا اللازم باطلاً كان ملزومه الذي ذهب إليه باطلاً، لأن بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، وإلا لبطلت الملازمة. فمن قال بجهة العلو وإن لم يقل بالتجسيم إلا أنه لازم قوله، فإذا كان التجسيم باطلاً فالقول بجهة العلو خطأ وباطل، مع أنك قد عرفت آنفاً أن قدوتهم ومؤسس ضلالتهم ابن تيمية قد صرح بالجسمية وكفره علماء عصره لذلك وحكموا بقتله أو حبسه، وأن مؤسس مذهبهم ابن عبد الوهاب اقتدى بابن تيمية في ذلك فأثبت اليدين اليمين والشمال والأصابع والكف، وهم على طريقته لا يحيدون عنها قيد أنملة، فلا ينفعهم التبري من القول بالتجسيم).
السقاف في الصحيح في شرح العقيدة الطحاوية
وقال الباحث المعاصر السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 165:
(ثم اعلم بأن من نهج السلف الصالح إثبات المجاز في اللغة ولا أظن أن عاقلاً يشك في ذلك، فهذا الإمام أحمد يثبت المجاز ويقول في بعض الأمور: هذا من مجاز اللغة كما اعترف بذلك ابن تيمية (95) في كتابه الإيمان ص 85، وذكره الحافظ الزركشي في البحر المحيط في علم الأصول 2/182 عن الإمام أحمد). انتهى.
وقال السقاف في هامشه: (95 - ومحاولة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما إنكار المجاز محاولة فاشلة جداً! وقد ناقضوا أنفسهم فيها! فابن القيم الذي يعتبر المجاز في كتابه الصواعق المرسلة طاغوتاً، يتناقض مع نفسه حيث يثبت المجاز ويدلل عليه بأوجه كثيرة في كتابه الفوائد المشوقة!
كما أن الشيخ المتناقض (يقصد الألباني) يخالف ابن تيمية في هذه المسألة فيثبت المجاز في مقدمة مختصر العلو ص 23 في الحاشية! وقد بينا هذا التناقض الواقع بين آرائهم العقائدية وغيرها في رسالتنا البشارة والإتحاف ص31 فارجع إليها!
وصاحب تفسير أضواء البيان المعاصر المنكر للمجاز في الظاهر، إنما أنكره تحت وطأة الضغط والإكراه الذي أجبر عليه في البلد التي كان يعيش فيها آخر حياته، والمكره له أحكام!
وعلى كل الأحوال فإنكاره لذلك ليس حجة يصح أن يتشبث بها طالب العلم ومبتغي معرفة الرجال بالحق، المبتعد عن نحلة من يعرف الحق بالرجال، وخاصة بعد وضوح الأدلة والبراهين في هذا الأمر والله الهادي!
ونقول له ولمن ينغر بقوله: لماذا هذا التخبط في تحديد التاريخ (في ثلاثة قرون)!
وماذا وراءه إلا تضليل القارئ! بل قد ذكر الأئمة المجاز ومنهم الشافعي في الرسالة ولو سماه بغير هذه التسمية، وقد صنف أهل القرن الثاني في المجاز ومنهم معمر بن المثنى المولود سنة 106 هجرية في أواخر القرن الأول وأوائل الثاني واسم كتابه مجاز القرآن). أنظر سير أعلام النبلاء 9/446.
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 311:
(احتجت المجسمة بقوله تعالى: الرحمن على العرش استوى، على أن الله تعالى جالس على العرش وأنه عالٍ عليه علواً حسياً، وبعضهم يعتقد ذلك ولا يصرح بلفظ الجلوس ولا بالعلو الحسي إنما يقول: الله في العلو ويشير إليه إلى جهة السماء!
وهذا خطأ محض بلا شك لأن الله تعالى منزه عن المكان، والعرب تقول عمن أرادت تعظيمه على وجه المجاز فلان في السماء أي عظيم القدر.
وإليكم تفصيل الكلام على هذه الآية وما شابهها من كلام الإمام الحافظ ابن الجوزي في (دفع شبه التشبيه) ص 121 مع تعليقاتنا عليه في الحاشية قال (رحمه الله):
قد استوى بشر على العراق | من غير سيف ودم مهراق) |
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 324:
(يزعم المجسمة والمشبهة على اختلاف مشاربهم بأن الذي ينفي أن يكون الله تعالى داخل العالم وخارجه يكون منكراً لوجوده سبحانه، وهذه مغالطة واضحة لا قيمة لها!
وذلك لأنهم يقيسون الله تعالى على الأجسام ويتوهمون أن الله سبحانه شئ كالأشياء يأخذ حيزاً في الفراغ كبقية الأجسام!
وبعضهم يتخيله سبحانه وتعالى جسماً كثيفاً كالإنسان، وبعضهم يتخيل بأنه من قبيل الأشياء اللطيفة كالهواء والنور والغاز ونحو ذلك!
وجميعهم متفقون مهما حاولوا الإنكار على أنه جسم يتخيله ويتصوره العقل بإزاء العالم، خارجاً عنه! ونحن بدورنا يجب علينا أن نجلي المسألة ونكشف عما كان غامضاً منها ونبين ما هو القرآن الصحيح في ذلك من نصوص الكتاب والسنة حتى يتبين مذهب أهل الحق فيها.
وإن المنطقة التي يتخيلها المجسمةوالمشبهة فوق العرش والتي يتصورون أن المولى سبحانه وتعالى حال فيها هي مكان بلا شك ولا ريب، ولولا أنها مكان لما أمكن تخيلها ولما صح وصفه بأنه فيها وأنه في جهة ما فوق العرش، ولما صحت أيضا إشارتهم إليه، فهم بناء على ذلك يتخيلون أن الله تعالى ذات من الذوات الجسمانية فيقيسونه سبحانه على الأجسام التي وصفناها قريباً، وأنه خلق العالم والعرش تحته فصار هو فوقه!
فهم إذا يتصورون ويتخيلون بأن الله تعالى قبل خلق هذا العالم وإيجاده من العدم كان له تحت، وإذا كان له تحت فله فوق وأمام وخلف ويمين ويسار!
فالعقدة الموجودة في عقول هؤلاء المجسمة والمشبهة هي أنهم لم يسلموا للشرع، فلم يقولوا بأن الله تعالى لا يمكن إدراكه وتصوره وأنه خارج عن كل ما يجول في الأوهام ويحوم في الخواطر والنفوس، ولو أنهم سلموا بوجوده سبحانه مع إقرارهم بأنه لا يمكن تصوره لنجوا، وكانوا على عقيدة الإسلام الحقة عقيدة التنزيه!).
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 334:
(لقد صرح علماء الإسلام من فحول أهل الحديث وحذاق الأئمة الذين يعول على كلامهم ويعتد بهم في الإجماع والخلاف، بتنزيه الله تعالى عن أن
1 - قال الإمام الغزالي: في الإحياء 4/434:
إن الله تعالى مقدس عن المكان ومنزه عن الأقطار والجهات، وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه، ولا هو متصل ولا هو منفصل عنه، قد حير عقول أقوام حتى أنكروه إذ لم يطيقوا سماعه ومعرفته.
وكذلك ذكر نحو هذا الكلام في عدة من مؤلفاته.
2، 3 - الإمام الحافظ النووي والإمام المتولي:
قال الإمام الحافظ النووي في روضة الطالبين 1064: قال المتولي (من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الإتصال أو الإنفصال كان كافراً) وأقره عليه فيكون هذا قول إمامين من كبار الأئمة).
4 - وقال نحو هذا الإمام الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ص 410 - 411 بتفصيل دقيق وكذا له نصوص في ذلك في شعب الإيمان.
5 - الشيخ العز بن عبد السلام: ذكر في كتابه القواعد ص 201:
إن من جملة العقائد التي لا تستطيع العامة فهمها هو أنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا منفصل عن العالم ولا متصل به.
6 - الإمام أبو المظفر الاسفراييني في التبصير في الدين ص 97 بتحقيق الإمام الكوثري مطبعة الأنوار 1359 هـ حيث قال: (وأن تعلم أن الحركة والسكون
7 - الإمام الحافظ ابن الجوزي الحنبلي:
قال في كتابه دفع شبه التشبيه ص 103 من طبعة دار الإمام النووي بتحقيقنا (وكذا ينبغي أن يقال ليس بداخل في العالم وليس بخارج منه لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات). انتهى.
فهؤلاء جماعة من العلماء صرحوا بأن الله تعالى لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله.
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 339:
هذه الصورة (ثلاث دوائر) هي ترجمة كلام الألباني وإمامه ابن تيمية كما نصا عليها، أنظر صحيح الترغيب ص (116) وهذا نصه هناك بحروفه: (فائدة هامة: إعلم أن قوله في هذا الحديث: فإن الله قبل وجهه. وفي الحديث الذي قبله: فإن الله عز وجل بين أيديكم في صلاتكم، لا ينافي كونه تعالى على عرشه فوق مخلوقاته كلها، كما تواترت فيه نصوص الكتاب والسنة وآثار الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم ورزقنا الاقتداء بهم، فإنه تعالى مع ذلك واسع محيط بالعالم كله، وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله عز وجل، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه. وإذا كان عالي المخلوقات يستقبل سافلها المحاط بها بوجهه من جميع الجهات والجوانب، فكيف بشأن من هو بكل شئ محيط وهو محيط ولا يحاط به. وراجع بسط
ونقل الألباني المتناقض في مقدمة مختصر العلو ص (71) عن ابن تيمية الحراني من التدمرية مستدلاً بقوله (كأنه نص شرعي!) مقراً مباركاً له! ما نصه: (أتريد بالجهة أنها شئ موجود مخلوق فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم. وكذلك يقال لمن قال الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم، أو تريد به أن الله داخل في شئ من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل).
فاعتبروا يا أهل الأبصار والعقول كيف يقولون بأن هناك وراء العالم منطقة ليست داخلة في المخلوقات فهناك وفي تلك المنطقة يوجد معبود هذه الطائفة!!).
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 358:
(المجسمة والمشبهة: المجسمة هم المشبهة أنفسهم، وهم الذين يتخيلون بأن الله تعالى جسم على شكل ما من الأشكال، وغالبهم يتصورونه ويتخيلونه على صورة رجل جالس على كرسي عظيم (وهو كرسي الملك) والذي يدل على ذلك عباراتهم التي يرددونها في كتبهم التي يتكلمون فيها عن مسائل التوحيد والإعتقاد. وكتاب (السنة) المنسوب لابن الإمام أحمد من أوضح الأدلة والشواهد على ذلك!
وبعضهم يكابر ويجادل بالباطل فيقول: بأنه لا يتصور الله تعالى مثل ما ذكرنا عنهم! وهم غير صادقين في تلك المكابرة والمجادلة العقيمة، ومؤلفاتهم
ومن أوضح الأمثلة على ذلك أيضا أن المجسمة والمشبهة يثبتون لله تعالى أعضاء يسمونها صفات كاليد والأصابع والوجه والساق والقدم والرجل والعين والجنب والحقو والجلوس والحركة والحد والجهة، وغير ذلك من صفات المحدثات والأجسام كما تقدم!).
وظلم الألباني السقاف...
فتاوي الألباني ص 520: السائل يقول:
(ثَمَّ بدعة جديدة ابتدعها السقاف وأنه قال: أنا أثبت الله فوق السماء كما أثبتت الجارية...
جواب: إن هذه كلمة يقولونها بألسنتهم هرباً من الحجة، لأن الرجل في كتبه يصرح بأن القول بأن الله في السماء كفر، هكذا... ويقول إن الله ليس في مكان وليس خارج مكان، الله لا داخل العالم ولا خارجه... ولذلك هو شنشنة المعطلة...). انتهى.
ويقصد السائل بالجارية حديث الجارية الخرساء التي روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) سألها أين الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء، فارتضى جوابها.
وقد استدل به الوهابيون على إثبات الفوقية له تعالى والجهة، وقد رفض السقاف تفسيرهم، لكن قال إني أؤمن بصحة قول الجارية على معنى العلو المعنوي وليس المادي.
ثم كرر الألباني حكم أسلافه المجسمة على من خالفهم بأنهم معطلة ملحدون!
قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج 14 ص 384:
(قال صفوان بن صالح: سمعت مروان بن محمد وقيل له إنهم يقولون ليس لله عين ولا يد، فقال: إن مذهبهم التعطيل!). انتهى.
فلا بد لك حتى تؤمن بالله عندهم أن تعترف بالصفات الحسية المادية لله تعالى، وبالقدم واليد والعين والوجه وبقية أعضاء معبودهم! كل ذلك بالمعنى الحسي المادي! وإلا فأنت من المعطلين الملحدين بأسماء الله تعالى وصفاته!!
فانظر إلى هذا المنطق الذي يغرق في المادية، ويخلط عن عمد أو غباء بين صفات الأعضاء وصفات المعاني والأفعال، فيجعل المشبهين المجسمين مؤمنين ويتجرأ على تكفير المنزهين الذين لايقبلون بوصف الله تعالى بالصفات المادية، ويصفهم بأنهم معطلون ملحدون كافرون! وهم جمهرة المسلمين.
وانظر إلى هذه (المادية الدينية اليهودية) التي يتبناها (علماء الحرمين) ويريدون أن يسوقوا العالم الإسلامي بعصاها، ويبذلون لها الأموال ويبحثون لها عن منظرين من الهنود والسوريين..!!
وذلك في القرن العشرين، الذي شهد انهيار المادية التاريخية!
الفصل الثامن
من بحوث الفلاسفة والمتكلمين في نفي الجسمية والجهة
بحث للعلامة الحلي في نفي الجسمية والجهة
قال في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 154:
(قال: ولكل جسم مكان طبيعي يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق.
أقول: كل جسم على الإطلاق فإنه يفتقر إلى مكان يحل فيه، لاستحالة وجود جسم مجرد عن كل الأمكنة، ولا بد أن يكون ذلك المكان طبيعياً له، لأنا إذا جردنا الجسم عن كل العوارض فإما أن لا يحل في شئ من الأمكنة وهو محال، أو يحل في الجميع وهو أيضاًً باطل بالضرورة، أو يحل في البعض فيكون ذلك البعض طبيعياً، ولهذا إذا أخرج عن مكانه عاد إليه، وإنما يرجع إليه على أقرب الطرق وهو الإستقامة.
قال: ولو تعدد انتفى. أقول: يريد أن يبين أن المكان الطبيعي واحد، لأنه لو كان لجسم واحد مكانان طبيعيان لكان إذا حصل في أحدهما كان تاركاً للثاني بالطبع، وكذا بالعكس فلا يكون واحد منهما طبيعياً له، فلهذا قال فلو تعدد يعني الطبيعي انتفى، ولم يكن له مكان طبيعي).
وقال في كشف المراد ص 317:
(المسألة العاشرة: في أنه تعالى غير مركب. قال: والتركيب بمعانيه. أقول: هذا عطف على الزائد، بمعنى أن وجوب الوجود يقتضي نفي التركيب
واعلم أن التركيب قد يكون عقلياً وهو التركيب من الجنس والفصل، وقد يكون خارجياً كتركيب الجسم من المادة والصورة وتركيب المقادير وغيرها، والجميع منتفٍ عن الواجب تعالى، لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء، فلا جنس له ولا فصل له ولا غيرهما من الأجزاء الحسية العقلية.
المسألة الثالثة عشرة: في أنه تعالى ليس بحال في غيره. قال: والحلول.
أقول: هذا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود يقتضي كونه تعالى ليس حالاً في غيره، وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء، وخالف فيه بعض النصارى القائلين بأنه تعالى حال في المسيح، وبعض الصوفية القائلين بأنه تعالى حال في بدن العارفين، وهذا المذهب لا شك في سخافته لأن المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية بشرط امتناع قيامه بذاته، وهذا المعنى منتف في حقه تعالى لاستلزامه الحاجة المستلزمة للإمكان.
المسألة الرابعة عشرة: في نفي الاتحاد عنه تعالى. قال: والإتحاد.
أقول: هذا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود ينافي الإتحاد، لأنا قد بينا أن وجوب الوجود يستلزم الوحدة، فلو اتحد بغيره لكان ذلك الغير ممكناً فيكون الحكم الصادق على الممكن صادقاً على المتحد به، فيكون الواجب ممكناً. وأيضاً لو اتحد بغيره لكان بعد الإتحاد إما أن يكونا موجودين كما
المسألة الخامسة عشرة: في نفي الجهة عنه تعالى. قال: والجهة. أقول: هذا حكم من الأحكام اللازمة لوجوب الوجود وهو معطوف على الزائد، وقد نازع فيه جميع المجسمة فإنهم ذهبوا إلى أنه في جهة، وأصحاب أبي عبد الله بن الكرام اختلفوا فقال محمد بن هيثم أنه تعالى في جهة فوق العرش لا نهاية لها، والبعد بينه وبين العرش أيضاً غير متناه، وقال بعضهم البعد متناه، وقال قوم منهم إنه تعالى على العرش كما يقول المجسمة، وهذه المذاهب كلها فاسدة، لأن كل ذي جهة فهو مشار إليه ومحل للأكوان الحادثة، فيكون حادثاًً فلا يكون واجباًً).
بحث للفخر الرازي في نفي الجسمية
المطالب العالية مجلد 2 جزء 2 ص 25:
(الفصل الثالث في إقامة الدلائل على أنه تعالى يمتنع أن يكون جسماً.
لأهل العلم في هذا الباب قولان: فالجمهور الأعظم منهم اتفقوا على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الجسمية والحصول في الحيز. وقال الباقون: إنه متحيز وحاصل في الحيز وهؤلاء هم المجسمة.
ثم القائلون بأنه جسم اختلفوا في أشياء فالأول: أنهم في الصورة على قولين، منهم من قال إنه على صورة الإنسان ومنهم من لا يقول به.
أما الأول فالمنقول عن مشبهة المسلمين أنه تعالى على صورة إنسان شاب. والمنقول عن مشبهة اليهود أنه على صورة إنسان شيخ. وأما الذين يقولون إنه ليس على صورة الإنسان فهم يقولون: إنه على صورة نور عظيم.
والموضع الثاني: من مواضع الإختلافات أن المجسمة اختلفوا في أنه هل يصح عليه الذهاب والمجيء والحركة والسكون، فأباه بعض الكرامية وأثبته قوم منهم، وجمهور الحنابلة يثبتونه.
والموضع الثالث: القائلون بأنه نور ينكرون الأعضاء والجوارح مثل الرأس واليد والرجل. وأكثر الحنابلة يثبتون هذه الأعضاء والجوارح.
الموضع الرابع: اتفق القائلون بالجسمية والحيز على أنه في جهة فوق، ثم إن هذا المذهب يحتمل وجوهاً ثلاثة (لأنه تعالى) إما أن يكون ملاقياً للعرش أو مبايناً للعرش ببعد متناه أو مبايناً عنه ببعد غير متناه، وقد ذهب إلى كل واحد من هذه الأقسام ذاهب.
الموضع الخامس: أن القائلين بالجسمية والحيز اتفقوا على أنه متناه من جهة التحت فأما في سائر الجهات الخمس فقد اختلفوا، فمنهم من قال إنه متناه من كل الجهات، ومنهم من قال إنه متناه من جهة التحت وغيرمتناه من سائر الجهات، ومنهم من قال أنه (غير) متناه من جهة الفوق (وغير) متناه من سائر الجهات.
الموضع السابع: أن العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام حالة في جميع أجزاء ذلك الجسم بالسوية، أو يكون لكل واحد من هذه الصفات جزء معين من ذلك الجسم يكون ذلك الحيز محلاًّ لتلك الصفة بعينها، ذهب إلى كل واحد من هذين القولين ذاهب. والذي يدل على أنه تعالى منزه عن الجسمية والحجمية وجوه:
الحجة الأولى: لا شئ من واجب الوجود لذاته بممكن الوجود لذاته، وكل متحيز فإنه ممكن الوجود لذاته، ينتج فلا شئ من واجب الوجود لذاته بمتحيز (أما الصغرى فبديهية، وأما الكبرى فلأن كل متحيز مركب وكل مركب ممكن لذاته، ينتج أن كل متحيز ممكن لذاته).
وإنما قلنا إن كل متحيز مركب لوجوه الأول: أن كل متحيز فإن يمينه مغاير ليساره، وكل ما كان كذلك فهو مركب، ينتج أن كل متحيز مركب. وتمام القول فيه مقرر بالدلائل المذكورة في نفي الجوهر الفرد.
والثاني: قالت الفلاسفة: كل جسم فهو مركب من الهيولى والصورة.
الثالث: (كل متحيز) فإنه يشارك سائر المتحيزات في كونه متحيزاً ويخالفها بتعينه، وما به المشاركة غير ما به المخالفة، فوجب أن يكون كل فرد من أفراد المتحيزات مركباً من عموم التحيز الذي به المشاركة ومن ذلك التعين الذي به المخالفة، فيثبت بهذه الوجوه الثلاثة: أن كل متحيز مركب. أما بيان أن كل مركب فهو ممكن، فلأن كل مركب فإنه مفتقر إلى حيزه