الحجة الثانية: لو كان متحيزاً لكان مثلاً لسائر المتحيزات (في تمام الماهية) وهذا محال فذاك محال. بيان الأول: أنه لو كان متحيزاً لكان مساوياً لسائر المتحيزات في كونه متحيزاً، ثم بعد هذا لا يخلو أما أن يقال إنه يخالف سائر الأجسام في شئ من مقومات ماهيته، وإما أن لا يكون كذلك، والأول باطل فيبقى الثاني. وإنما قلنا إن الأول باطل لأنه إذا كان مساوياً لسائر المتحيزات في كونه متحيزاً ومخالفاً لها في شئ من مقومات تلك الماهية، وما به المشاركة غير ما به المخالفة فكان عموم كونه متحيزاً مغايراً لتلك الخصوصية التي وقعت بها المخالفة.
إذا ثبت هذا فنقول: هذان الأمران إما أن يكون كل واحد منهما صفة للآخر، وإما أن لا يكون كل واحد منهما صفة للآخر، وإما أن يكون ما به المخالفة موصوفاً وما به المشاركة يكون صفة، والأقسام الثلاثة الأولى باطلة، فبقي الرابع. وذلك يفيد القول بأن الأجسام متماثلة في تمام الماهية.
وإنما قلنا إن القسم الأول باطل، لأن ذلك يقتضي أن يكون كل واحد منهما ذاتاً مستقلة بنفسها، ومع ذلك فيكون صفة مفتقرة إلى غيرها وذلك باطل.
وإنما قلنا إن القسم الثاني باطل، لأنه على هذا التقدير يكون كل واحد منهما ذاتاً مستقلة بنفسها ولا يكون (لواحد منها) تعلق بالآخر. وكلامنا ليس في الذات الواحدة.
فيثبت أن كل متحيز فهو محتاج إلى الفاعل، فخالق الكل يمتنع أن يكون متحيزاً.
الثاني: أن اختصاص ذلك الجسم بالعلم والقدرة والإلهية إما أن يكون من الواجبات أو من الجائزات، والأول باطل وإلا لزم أن تكون كل الأجسام موصوفة بتلك الصفات على سبيل الوجوب لما أنه ثبت أن الأفراد الداخلة تحت النوع يجب كونها متساوية في جميع اللوازم، والثاني باطل، وإلا لزم أن
والثالث: (أن الأجسام) لما كانت متماثلة فلو فرضنا بعضها قديماً وبعضها محدثاً لزم المحال، ذلك لأن كل ما صح على الشيء صح على مثله، فيلزم جواز أن ينقلب القديم محدثاً وأن ينقلب المحدث قديماً، وذلك محال معلوم الإمتناع بالبديهة.
والرابع: أنه كما صح التفرق والتمزق على سائر الأجسام وجب أن يصحا على ذلك الجسم، وكما صحت الزيادة والنقصان والعفونة والفساد على سائر الأجسام وجب أن يصح كل ذلك عليه. ومعلوم أن ذلك باطل محال.
الخامس: أن الأجزاء المفترضة في ذلك المجموع تكون متساوية في تمام الماهية، ولا شك أن بعض تلك الأجزاء وقع في العمق وبعضها في السطح، وكل ما صح على الشئ صح على مثله، فالذي وقع في العمق يمكن أن يقع في السطح وبالعكس.
وإن كان الأمر كذلك كان وقوع كل جزء على الوجه الذي وقع عليه لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص وبجعل جاعل. وذلك على إله العالم محال. واعلم: أن هذه الحجة قوية. إلا أنها توجب صحة الخرق والإلتئام على الفلك، والفلاسفة لا يقولون به.
الحجة الثالثة: لو كان متحيزاً لكان متناهياً وكل متناه ممكن وواجب الوجود ليس بممكن، فالمتحيز لا يكون واجب الوجود لذاته.
والعلم بثبوت هذا الإمكان ضروري، فيثبت أن كل متحيز ممكن، ويثبت أن واجب الوجود ليس بممكن، ينتج فلا شئ من المتحيزات بواجب الوجود، وينعكس فلا شئ من واجب الوجود بمتحيز.
الحجة الرابعة: لو كان متحيزاً لكان مساوياً لسائر المتحيزات في كونه متحيزاً. وإما أن يخالفها بعد ذلك في شئ من المقومات وأما ألا يكون كذلك، وعلى التقدير الأول يكون المتحيز جنساً تحته أنواع، وعلى التقدير الثاني يكون نوعاً تحته أشخاص.
ونقول: الأول باطل وإلا لكان واجب الوجود مركباً من الجنس وهو المتحيز ومن الفصل وهو المقوم الذي به يمتاز عن غيره، وكل مركب ممكن، فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته. هذا خلف. والثاني أيضاً باطل، وهو أن يكون المتحيز نوعاً تحته أشخاص، وذلك لأن المفهوم من المتحيز قدر مشترك بين كل الأشخاص وتعين كل واحد منها غير مشترك بينه وبين الأشخاص، فتعين كل واحد منها زائد على طبيعته النوعية، والمقتضي لذلك التعين المعين إن كان هو تلك الماهية أو شئ من لوازمها وجب أن يكون ذلك النوع مخصوصاً بذلك الشخص، لكنا فرضناه مشتركاً فيه بين الأشخاص. هذا خلف.
وإن كان أمراً منفصلاً فكل شخص من أشخاص الجسم المتحيز إنما يتعين بسبب منفصل فلا يكون واجب الوجود لذاته. فثبت: أن كل جسم فهو ممكن لذاته، وما لا يكون ممكن الوجود لذاته امتنع أن يكون جسماً.
وإذا ثبت مساواة الجانبين في الطبيعة والماهية فكل ما كان ممسوساً بجانب يمينه وجب أن يصح كونه ممسوساً بجانب يساره ضرورة أن كل ما صح على شئ فإنه يصح أيضاً على مثله، وإذا كان كذلك فكما صح على ذلك الجزء أن يماس الجزء الثاني بأحد وجهيه وجب أن يصح عليه أن يماسه بالوجه الثاني، وإذا ثبت جواز ذلك ثبت جواز صحة التفرق والتمزق عليه.
وإنما قلنا: إن ذلك محال لأنه لما صح الإجتماع والإفتراق على تلك الأجزاء لم يترجح الإجتماع على الإفتراق إلا بسبب منفصل، فيلزم افتقاره في وجوده إلى السبب المنفصل. وواجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون كذلك، فيثبت أن واجب الوجود لذاته ليس جسماً.
الحجة السادسة: لو كان متحيزاً لكان جسماً لأنه لم يقل أحد من العقلاء بأنه في حجم الجوهر الفرد، وإذا كان جسماً كان مركباً من الأجزاء فإما أن يكون الموصوف بالعلم والقدرة والصفات المعتبرة في الإلهية جزء واحدا من تلك الأجزاء وإما أن يكون الموصوف بتلك الصفات مجموع تلك الأجزاء. فإن كان الأول كان الإله هو ذلك الجزء الواحد منفرداً فيعود الأمر إلى ما ذكرناه من أن الإله يكون في حجم الجوهر الفرد.
وإن كان الثاني فنقول: إما أن تقوم الصفة الواحدة بجميع تلك الأجزاء، وإما أن تتوزع أجزاء تلك الصفة على تلك الأجزاء، وإما أن يقوم بكل
فإن قيل: ما ذكرتموه من الدليل قائم في الإنسان فإن مجموع بدنه لا شك أنه مركب من الأجزاء الكثيرة فيلزم أن يقوم بكل واحد من تلك الأجزاء علم على حدة وقدرة على حدة، فيلزم أن يكون الإنسان الواحد علماء قادرين كثيرين، وذلك باطل.
قلنا: أما الفلاسفة فقد طردوا قولهم في الكل وزعموا أن الموصوف بالعلم والقدرة هو النفس لا الجسم وإلا لزم هذا المحال. وأما الأشعري فإنه التزم كون كل واحد من أجزاء الإنسان عالماً قادراً حياً وذلك في غاية البعد، إلا أن التزامه وإن كان بعيدا لكن لا يلزم منه محال، أما التزام ذلك في حق الله تعالى فهو محال، لأنه يوجب القول بتعدد الآلهة، وهو محال.
الحجة السابعة: لو كان جسماً لكان إما أن تكون الحركة جائزة عليه وإما أن لا تكون، والقسمان باطلان فالقول بكونه متحيزاً باطل.
بيان أن الحركة ممتنعة عليه: أنه لو جاز في الجسم الذي تصح الحركة عليه أن يكون إلهاً فلم لا يجوز أن يكون إله العالم هو الشمس والقمر لأن الأفلاك والكواكب ليس فيها عيب يمنع من كونها آلهة إلا أموراً ثلاثة: وهي كونها مركبة من الأجزاء، وكونها محدودة متناهية، وكونها قابلة للحركة والسكون. وإذا لم تكن هذه الأشياء مانعة من الإلهية فكيف يمكن الطعن في إلهية الشمس
وأما القسم الثاني وهو أن يقال: إن إله العالم جسم، ولكن الإنتقال والحركة عليه محال، فنقول هذا باطل من وجوه، الأول: أن هذا يكون كالزمن المقعد الذي لا يقدر على الحركة وذلك نقص وهو على الله محال. والثاني: أنه تعالى لما كان جسماً كان مثلا لسائر الأجسام فكانت الحركة جائزة عليه. والثالث: أن القائلين بكونه جسماً مؤلفاً من الأجزاء والأبعاض لا يمتنعون من تجويز الحركة عليه، فإنهم يصفونه تعالى بالذهاب والمجيء، فتارة يقولون أنه جالس على العرش وقدماه على الكرسي وهذا هو السكون، وتارة يقولون إنه ينزل إلى السماء وهذا هو الحركة.
فهذا جملة الدلائل الدالة على أنه تعالى ليس بجسم. والله أعلم).
بحث للجرجاني في نفي الجهة
قال في شرح المواقف: 8/19:
(المقصد الأول: أنه تعالى ليس في جهة من الجهات ولا في مكان من الأمكنة. وخالف فيه المشبهة وخصصوه بجهة الفوق اتفاقاً، ثم اختلفوا فيما بينهم، فذهب أبو عبد الله محمد بن كرام إلى أن كونه في الجهة ككون الأجسام فيها وهو أن يكون بحيث يشار إليه أنه ها هنا أو هناك، قال: وهو مماس للصفحة العليا من العرش، ويجوز عليه الحركة والإنتقال وتبدل الجهات، وعليه اليهود حتى قالوا العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الراكب الثقيل، وقالوا إنه يفضل على العرش من كل جهة أربعة أصابع، وزاد بعض
ومنهم من قال هو محاذ للعرش غير مماس له، فقيل بعده عنه بمسافة متناهية، وقيل بمسافة غير متناهية. ومنهم من قال ليس كونه في الجهة ككون الأجسام في الجهة، والمنازعة مع هذا القائل راجعة إلى اللفظ دون المعنى، والإطلاق اللفظي متوقف على ورود الشرع به.
لنا في إثبات هذا المطلوب وجوه:
الأول: لو كان الرب تعالى في مكان أو جهة لزم قدم المكان أو الجهة، وقد برهنا أن لا قديم سوى الله تعالى، وعليه الاتفاق من المتخاصمين.
الثاني: المتمكن محتاج إلى مكانه بحيث يستحيل وجوده بدونه، والمكان مستغن عن المتمكن لجواز الخلاء، فيلزم إمكان الواجب ووجوب المكان، وكلاهما باطل.
الثالث: لو كان في مكان، فإما أن يكون في بعض الأحياز أو في جميعها وكلاهما باطل. أما الأول فلتساوي الأحياز في أنفسها، لأن المكان عند المتكلمين هو الخلاء المتشابه، وتتساوى نسبته أي نسبة ذات الواجب إليها، وحينئذ فيكون اختصاصه ببعضها دون بعض آخر منها ترجيحاً بلا مرجح، إن لم يكن هناك مخصص من خارج. أو يلزم الإحتياج أي احتياج الواجب في تحيزه الذي لا تنفك ذاته عنه إلى الغير إن كان هناك مخصص خارجي.
وأما الثاني وهو أن يكون في جميع الأحياز فلأنه يلزم تداخل المتحيزين، لأن بعض الأحياز مشغول بالأجسام وأنه أي تداخل المتحيزين مطلقاً محال
الرابع: لو كان متحيزاً لكان جوهراً لاستحالة كون الواجب تعالى عرضاً، وإذا كان جوهراً فإما أن لا ينقسم أصلاً أو ينقسم، وكلاهما باطل. أما الأول فلأنه يكون جزء لا يتجزأ وهو أحقر الأشياء، تعالى الله عن ذلك. وأما الثاني فلأنه يكون جسماً وكل جسم مركب، وقد مر أنه أي التركيب الخارجي ينافي الوجوب الذاتي. وأيضاً فقد بينا أن كل جسم محدث فيلزم حدوث الواجب. وربما يقال في إبطال الثاني: لو كان الواجب جسماً لقام بكل جزء منه علم وقدرة وحياة مغايرة لما قام بالجزء الآخر، ضرورة امتناع قيام العرض الواحد بمحلين، فيكون كل واحد من أجزائه مستقلاً بكل واحد من صفات الكمال، فيلزم تعدد الآلهة.
وهذا المستدل يلتزم أن الإنسان الواحد علماء قادرون أحياء كيلا ينقض دليله بالإنسان الواحد لجريانه فيه، وهذا الإستدلال ضعيف جداً لجواز قيام الصفة الواحدة بالمجموع من حيث هو مجموع فلا يلزم ماذكر من المحذور.
وربما يقال في نفي المكان عنه تعالى: لو كان متحيزاً لكان مساوياً لسائر المتحيزات في الماهية، فيلزم حينئذ إما قدم الأجسام أو حدوثه، لأن المتماثلات تتوافق في الأحكام، وهو أي هذا الإستدلال بناء على تماثل الأجسام بل على تماثل المتحيزات بالذات.
وربما يقال: لو كان متحيزاً لساوى الأجسام في التحيز ولا بد من أن يخالفها بغيره فيلزم التركيب في ذاته، وقد علمت في صدر الكتاب ما فيه، وهو أن الإشتراك والتساوي في العوارض لا يستلزم التركيب...
والمعتمد في بطلانه أنه لو كان جسماً لكان متحيزاً واللازم قد أبطلناه في المقصد الأول. وأيضاً يلزم تركبه وحدوثه، لأن كل جسم كذلك. وأيضاً فإن كان جسماً لاتصف بصفات الأجسام، أما كلها فيجتمع الضدان، أو بعضها فيلزم الترجيح بلا مرجح إذا لم يكن هنالك مرجح من خارج، وذلك الإستواء نسبة ذاته تعالى إلى تلك الصفات كلها. أو الاحتياج أي احتياج ذاته في الاتصاف بذلك البعض إلى غيره.
وأيضاً فيكون متناهياً على تقدير كونه جسماً فيتخصص لا محالة بمقدار معين وشكل مخصوص، واختصاصه بهما دون سائر الأجسام يكون بمخصص خارج عن ذاته، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح. ويلزم حينئذ الحاجة إلى الغير في الإتصاف بذلك الشكل والمقدار... إلخ.).
الفصل التاسع
المجسمون مبرؤون و الشيعة متهمون
المجسمون مبرؤون و الشيعة متهمون
لو أن موجات الإضطهاد التي صُبَّتْ على الشيعة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا... صبت على أمة أو طائفة، لكانت كافية لإبادتها وإنهائها من الوجود! ولو أن سيول التهم والحملات الإعلامية التي وجهت ضد الشيعة.. وجهت إلى غيرهم، لكانت كافية لانزوائهم وتلاشيهم!
ولكن الشيعة ما زالوا بخير، يعيشون كأحسن ما يعيش الناس، ويشكلون نحو ربع الأمة الإسلامية، وعددهم يزداد ولا ينقص!
والسبب في ذلك أنهم تأقلموا مع الإضطهاد حتى صار جزء من حياتهم.. وتكيفوا مع التهم حتى صارت جزء من مسموعاتهم!
فمن أراد أن يتعلم كيف يواجه سيل التهم والشتائم الظالمة بأعصاب هادئة مرتاحة، فليتعلم ذلك من الشيعة! وأول ما يقولونه له: نحن معارضة، ولا ننتظر من تاريخنا الإسلامي أن يتحملنا.. تاريخنا الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبي (صلى الله عليه وآله) فجاءت الدولة وكومت الحطب حول دارها وأحرقت بابه وهددت بإحراق كل البيت بمن فيه، وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين، عترة النبي الذي مات قبل ساعات وما زالت جنازته لم تدفن!
إنا لا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا، بل نتوقع منها أن ترمينا بكل تهمة وسبة، وأن تبتكر من التهم والشتائم ما لا يخطر على بال المتخصصين في هذه المهنة!
لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون، أن لا يرثوا ظلم أهل بيت نبيهم وشيعتهم، وأن يقرأواعقائدهم وفقههم وفكرهم من مصادر مذهبهم، لامن مصادر الذين اضطهدوهم أو أبغضوهم، ولامن مصادر الذين سمعوا ناساً يسبون الشيعة فقالوا نحن مع الناس، وأخذوا يسبونهم!
كتب الفرق والملل
تفتري على الشيعة و تتستر على المجسمة
إذا أردت أن تصف كتب الملل والنحل المعروفة مثل كتاب مقالات الإسلاميين للأشعري، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني، وكتاب الفصل في الملل لابن حزم، والفرق بين الفرق للنوبختي.. وصفاً علمياً حديثاً فيمكنك أن تقول: إنها تقارير صحفية مسيسة وغير موثقة، تشبه تقرير صحفي غربي عن مجموعة الفئات والجمعيات والإتجاهات الموجودة في بلد عربي، يكتبه من مسموعاته وبعض مشاهداته، والكثير من خلفياته وأهدافه!
ولا يتسع موضوعنا لأكثر من عرض نماذج من هذه الكتب، لعل ذلك يفتح باب الدراسة النقدية الجادة لها.
ومن أول الأمور التي تحتاج إلى دراسة نسبة هذه الكتب إلى أصحابها، فقد وجدت أن عدداً من القرائن مثلاً توجب الشك في نسبة كتاب (مقالات الإسلاميين) إلى أبي الحسن الأشعري.. إلخ.
من أمثلة تستر كتب الملل على المجسمة
مقالات الإسلاميين للأشعري: 1/211:
(وقالت المعتزلة إن الله استوى على العرش بمعنى استولى، وقال بعض الناس: الإستواء القعود والتمكن.). انتهى.
فتراه يعني ببعض الناس: أكثر الأشعرية والحنابلة، ولكن لماذا لم يصرح بهم؟!
مقالات الإسلاميين للأشعري: 1/213:
(واختلفوا في رؤية الباري بالأبصار... فقال قائلون: يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا، ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات...). انتهى. وهو يعنى بقوله: فقال قائلون: المجسمة من الأشعرية والحنابلة والحشوية!! ولكن لماذا لم يصرح بهم؟!
مقالات الإسلاميين للأشعري: 1/211:
(واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل؟ فقال قائلون: الحملة تحمل الباري، وإنه إذا غضب ثقل على كواهلهم وإذا رضي خف... وقال بعضهم: الحملة ثمانية أملاك، وقال بعضهم: ثمانية أصناف.) انتهى.
فقد أخفى الأشعري هوية القائلين بهذه المقولات، لأنهم هو وجماعته من (أهل السنة والجماعة) الذين يصححون حديث الأوعال وأمثاله. وهذا دأبه عندما لا يستطيع أن ينسب المقولات المستهجنة إلى الشيعة أو المعتزلة، فهو يتستر على قائليها، ستر الله عليه!
هذا، وللحنابلة والأشعرية أقوال سقيمة في حملة العرش تجدها في تفسير قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى، وقد وصلوا فيها إلى تقليد اليهود
وقال الأشعري في مقالات الإسلاميين: 1/214:
(وأجاز عليه (تعالى) بعضهم الحلول في الأجسام، وأصحاب الحلول إذا رأوا إنساناً يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه... وأجاز كثير ممن أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم، وقالوا: إن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك.. وامتنع كثير من القول إنه يرى في الدنيا.. وقالوا إنه يرى في الآخرة.). انتهى.
وأصحاب الحلول والذين ادعوا إمكان معانقة الله تعالى هم: الحشوية وبعض الحنابلة وبعض الأشعرية. والممتنعون هم بعض الأشاعرة وقليل من الحنابلة. والمخالفون لذلك هم بقية المسلمين.. فلماذا لم يسمهم؟!!
وقال الشهرستاني في الملل والنحل بهامش الفصل مجلد 1 جزء 1 ص 141:
(وروى المشبهة عن النبي (ص) أنه قال: لقيني ربي فصافحني... ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله). انتهى. وهو يقصد الحديث الموجود في مصادر إخواننا السنيين الذي صحح روايته مجسمة الحنابلة وابن تيمية وغيرهم من المشبهة! وقد استنكر هذا الحديث الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.
وقال الأشعري في مقالات الإسلاميين: 1/210:
(باب اختلافهم في الباري هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان.. وقال هشام بن الحكم إن ربه في مكان دون مكان، وإن مكانه هو العرش وإنه مماس للعرش وإن
وحديث أطيط العرش وأزيزه وصريره، والأربع أصابع الإضافية من العرش أو من الله تعالى، قد صحت روايته عندهم عن الخليفة عمر وابنه عبد الله، وغيرهما.
وما نسبه الأشعري إلى هشام الشيعي هو مذهب المجسمة المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام)، وهو في عصرنا مذهب الحشوية، والوهابيين، ومن انضم إليهم من متطرفي الأشاعرة، والامعات الرياليين.
وقال الأشعري في مقالات الإسلاميين: 1/211:
(وقال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء، وإنه على العرش استوى بلا كيف وإنه نور.. وإن له وجهاً... وإن له يدين... وإنه يجئ يوم القيامة. وإنه ينزل إلى السماء الدنيا.). انتهى.
هنا ذكر الأشعري أهل السنة وسماهم باسمهم لأنه نسب إليهم التنزيه ونفى عنهم التشبيه. أما عندما يذكر تشبيههم وتجسيمهم فيذكرهم باسم: قائلون، أو: بعضهم. ولكن مجسمة الحنابلة لا يقبلون نفي الجسم عن الله تعالى، كما تقدم في كلام ابن باز، ولا نفي الشبيه كما تقدم من ابن تيمية! ويدعون أنهم هم أهل السنة، وأن كل السلف على رأيهم!
من أمثلة تخليط كتب الملل و نسبها الكاذبة
وقال في الملل والنحل بهامش الفصل مجلد 1 جزء 2 ص 23:
(وافق محمد بن النعمان هشام بن الحكم في أن الله تعالى لا يعلم شيئاً حتى يكون، والتقدير عنده الإرادة والإرادة فعله تعالى. وقال إن الله تعالى نور على صورة إنسان ويأبى أن يكون جسماً لكنه قال: قد ورد في الخبر أن الله خلق آدم
وفي الملل والنحل بهامش الفصل مجلد 1 جزء 1 ص 139:
(إن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه مثل الهشاميين من الشيعة ومثل كهمس وأحمد الهجيمي وغيرهم من أهل الشيعة قالوا: معبودهم صورة ذات أعضاء وأبعاض إما روحانية أو جسمانية، يجوز عليه الإنتقال والنزول). انتهى. ومقاتل بن سليمان ناصبي مجسم توفي حدود سنة 150. قال ابن حبان في المجروحين: 3/14: (مقاتل بن سليمان الخراساني، مولى الأزد أصله من بلخ... كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان شبهياً يشبه الرب بالمخلوقين وكان يكذب مع ذلك في الحديث). انتهى.
ومع أن القول بالتجسيم معروف مشهور عن مقاتل، فقد نسبه صاحب الملل إليه بلفظ (ويحكى) بينما نسبه إلى جماعة من الشيعة على نحو الجزم! ومحمد بن النعمان الذي نسب إليه القول بالتجسيم هو عالم الشيعة ومرجعهم في زمانه، المعروف بالشيخ المفيد، من أولاد سعيد بن جبير، وأستاذ الشريفين الرضي والمرتضى، توفي سنة 413 هجرية، ومؤلفاته في العقائد والفقه والسيرة كثيرة ومشهورة من عصر صاحب الملل، ولكنه لم ينقل التهمة منها! لأنه لا يوجد فيها ما افتراه على المفيد!
وهشام بن الحكم من تلاميذ الإمام الصادق (عليه السلام)، متكلم قدير مناظر عن التوحيد والنبوة ومذهب التشيع، ورواياته ومناظراته مدونة في
فانظر إلى تقرير صاحب الملل والنحل كيف لم يسند ادعاءاته، وكيف خلط عباساً بدباس، وجعل كهمس والجهيمي من أهل الشيعة، وجعل الشيعي يأخذ عقائده من الناصبي! وجعل حديث (على صورته) أي على صورة الله تعالى حديثاً مقبولاً عند الشيعة، وزعم أنهم يقولون بالتجسيم بسبب صحة هذا الحديث عندهم، مع أن أئمة الشيعة(عليهم السلام) حذروا من أمثال هذا الحديث وبينوا أنه محرف!
تقسيمهم الشيعة إلى فرق لا وجود لها
مقالات الإسلاميين للأشعري: 1/31:
(واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق: الفرقة الأولى الهشامية.. يزعمون أن معبودهم جسم.. وزعموا أنه نور ساطع... وأنه قد كان لا في مكان، ثم حدث المكان بأن تحرك الباري فحدث المكان بحركته). انتهى.
أقول: لا وجود لمثل هؤلاء في عصرنا، ولا سمعنا بهم في تاريخ الشيعة، ولا وجدنا لهم ذكراً في مصدر موثوق. ولكن مؤلفي كتب الملل يرمون الشيعة بتهم عظيمة ولا يذكرون لها مستنداً.
ثم قال الأشعري: (والفرقة الثانية من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم إنه جسم إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض..). انتهى.
ثم قال الأشعري: (والفرقة الثالثة من الرافضة يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان ويمنعون كونه جسماً. والفرقة الرابعة من الرافضة: الهشامية... يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون إنه نور ساطع.. وإنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان.) انتهى.
أقول: لا وجود لمثل هؤلاء في عصرنا، ولا في مصدر تاريخي موثوق، ولكنها تقارير مفتريات مؤلفي كتب الملل، أو من ألف هذه الكتب من أتباع الدولة ونسبها إليهم. ثم قال الأشعري: (والفرقة الخامسة من الرافضة: يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت.. وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان). انتهى.
أقول: إن كان يقصد النور المادي فلا وجود لمثل هؤلاء في عصرنا ولم نره في مصدر تاريخي موثوق. وإن كان يقصد نور السماوات والأرض الذي ليس كمثله نور، فهذا نص القرآن الكريم الذي يؤمن به كل المسلمين.
ثم قال: (والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء.. وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج). انتهى. وقوله هذا تكرار لمقولة الفرقة الثانية حسب تقسيمه، ولكن مؤلفي الملل كمراسلي الصحف يريدون تطويل تقاريرهم، بزيادة فرق وجماعات لا
مقالات الإسلاميين للأشعري: 1/35:
(واختلف الرافضة في حملة العرش... وهم فرقتان فرقة يقال لهم اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين، يزعمون أن الحملة يحملون الباري... وقالت فرقة أخرى إن الحملة تحمل العرش والباري يستحيل أن يكون محمولاً). انتهى.
ونرجو توجيه هذا السؤال إلى المفتي ابن باز الذي يقول بأن حملة العرش يحملون ذات الله تعالى، فهل هو شيعي ونحن لا نعلم!
مقالات الإسلاميين للأشعري: 1/59:
(واختلفت الروافض في الجسم... وزعموا أن معنى الجسم الطويل العريض العميق أنه شئ موجود وأن الباري لما كان شيئاً موجوداً كان جسماً.. والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه مؤلف مركب مجتمع، وأن الباري عز وجل لما لم يكن مؤتلفاً مجتمعاً لم يكن جسماً..).
المواعظ والاعتبار للمقريزي: 2/348:
(والجولقية أتباع هشام بن سالم الجولقي، وهو من الرافضة أيضاً، ومن شنيع قوله إن الله تعالى على صورة الإنسان، نصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل مصمت). انتهى.
أقول: من الواضح لمن راجع مصادر الشيعة أنه لا وجود لهذه الفرق ولا هذه المقولات بل هي مقولات مخالفيهم، وأن أهل البيت (عليهم السلام) وعلماء مذهبهم قادوا حملة ضد التجسيم والتشبيه، وأن تهمة خصومهم لهم بذلك من باب المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت! فقد اشتهر التجسيم في النواصب الذين خالفوا أهل البيت (عليهم السلام) حتى أنه يمكن للباحث المتتبع