وخلاصة القول: أنه يوجد إشكالان كبيران لا جواب لهما عند مؤلفي كتب الملل والنحل.. الأول: أنهم لم يذكروا المصادر التي أخذوا منها العقائد والمقولات التي نسبوها إلى الفرق والمذاهب بأسمائهاوإلى الأشخاص بأسمائهم؟!
والثاني: أنهم استعملوا سياسة التشهير بخصوم الدولة فنسبوا العقائد المستغربة والمستهجنة إلى المعارضة ووزعوها عليهم بأسمائهم، بينما أبهموا أسماء القائلين ولم يسموهم عندما يكونون من أتباع الدولة أو من علماء مذهبهم!
وكفى بذلك نقصاً علمياً يسقطها عن الإعتبار والإستدلال في البحث!
وقلد الغربيون كتب الملل وقلد الدكاترة الغربيين
تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: 2/158:
(الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلى ثلاثة أقسام: غالية ورافضة وزيدية، والشيعة الغالية هم الذين غلواً في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً... والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء).
تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: 1/424:
(الرافضة قالوا إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء... هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة).
تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: 1/422:
(استطاع فقهاء لشيعة وعلماء التوحيد منهم أن يستفيدوا من أفكار المعتزلة ويستخدمونها لدعم عقائدهم ومذاهبهم الخاصة، وهذا يدل أن الشيعة
الفخر الرازي يرد بعض ادعاءات كتب الملل
قال في لمطالب العالية مجلد 1 جزء 1 ص 10:
(الفلاسفة اتفقوا على إثبات موجودات ليست بمتحيزة ولا حالة في المتحيز مثل العقول والنفوس والهيولي... إن جمعاً من أكابر المسلمين اختاروا هذا المذهب مثل معمر بن عباد من المعتزلة ومحمد بن النعمان من الرافضة). انتهى.
أقول: فأين التشبيه والتجسيم الذي نسبه مؤلفو كتب الملل والغربيون والوهابيون إلى المفيد محمد بن النعمان، الذي رفض التحيز الحسي لبعض المخلوقات، فكيف يقبله للخالق تعالى.
والشيخ الغزالي حلل دوافعهم إلى الكذب
قال في كتابه (دفاع عن العقيدة والشريعة) صفحة 253:
(ومن هؤلاء الأفاكين من روج أن الشيعة أتباع علي وأن السنيين أتباع محمد، وأن الشيعة يرون علياً أحق بالرسالة، أو أنها أخطأته إلى غيره، وهذا لغو قبيح وتزوير شائن. وأضاف: الواقع أن الذين يرغبون في تقسيم الأمة
وقد فكرت في هذه التهمة للشيعة التي نشرها خصومهم في كل البلاد الإسلامية، فلم أجد لها سبباً إلا أنهم رأوا تكبير الشيعة بعد صلاتهم ففسروه على هواهم.. فالشيعة يعتقدون أن أفضل التعقيب والذكر بعد الصلاة أن يكبر المسلم ربه ثلاثاً، ثم يسبح التسبيح الذي علمه النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة الزهراء÷. والذي يحدث عادة أن الشيعي يكبر بعد صلاته ولا يرفع يديه جيداً، فيظهر كأنه يضرب على ركبتيه ثلاثاً كالمتأسف على شئ..
وهنا تأتي عبقرية خصوم الشيعة (وتقواهم) فيقولون إن الشيعة بعد صلاتهم يتأسفون لأن النبوة لم تعط لعلي ويقولون (خان الأمين) والعياذ بالله! يقولون هذا البهتان ويصرون على إلصاقه بنا وهم يرون أن الشيعة أكثر الفرق الإسلامية تعظيماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن من عقائدنا أنه خاتم الأنبياء وأن جبرئيل (عليه السلام) معصوم، ويرون إنا نروي في مصادرنا أن علياًّ (عليه السلام) قال لشخص غلا فيه (ويحك إنما أنا عبد من عبيد محمد (صلى الله عليه وآله)) وقال (كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)).
وكفانا شيخ الأزهر الرد عليهم
فتوى صدرت بتاريخ 17 ربيع الأول سنة 1378 عن مكتب شيخ الجامع الأزهر:
(قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه، فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مثلاً؟ فأجاب فضيلته:
1 - إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين، بل نقول إن لكل مسلم الحق أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره، أي مذهب كان، ولا حرج عليه في شئ من ذلك.
2 - إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والإجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
محمود شلتوت
ثم أكد فتواه مفتي مصر
نص السؤال:
نرجو من سماحتكم أن تعطونا رأيكم الشريف في اقتداء أصحاب المذاهب بمن يتقلد بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) من الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، هل يصح ذلك أم لا؟
16 شوال المكرم 1421هـ
نص الجواب:
كل مسلم يؤمن بالله، ويشهد ألاّ إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولا ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، وهو عالم بأركان الإسلام، والصلاة وشروطها، وهي متوفرة فيه فتصح إمامته لغيره وإمامة غيره له، إذا توفرت فيه تلك الشروط ولو اختلف مذهبهما الفقهي وشيعة أهل البيت من نحلهم. ونتشيّع معهم لله، ولرسوله، وأهل بيته، وصحابته جميعاً. ولا خلاف بيننا وبينهم في أصول الشريعة الإسلامية، ولا فيما هو معلوم بالضرورة، وقد صلًّينا خلفهم وصلُّوا خلفنا في طهران وفي قم في الأيام التي شرفنا الله بهم في دولة إيران الإسلامية. وندعو الله أن يحقق وحدة الأمة الإسلامية ويرفع عنهم أيّ شقاق أو نزاع أو خلاف قد حلَّ بهم في بعض مسائل الفروع الفقهية المذهبية.
والله المؤيد والهادي إلى سواء السبيل.
16 شوال 1421 هـ
وكفانا السيوطي الرد على رواياتهم
قال في الدر المنثور: 6/379 في تفسير قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية:
(وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل علي قالوا: جاء خير البرية.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: علي خير البرية.
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تسمع قول الله إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب، تدعون غراًّ محجلين). انتهى.
أقول: ولا مجال لبحث أسانيد هذه الأحاديث وأمثالها، ونكتفي بالإشارة إلى أن علماء الحديث شهدوا أنه لم يصدر من النبي (صلى الله عليه وآله) من الحديث والمديح في حق أحد من الصحابة ما صدر في حق علي (عليه السلام). وفي كتاب النسائي صاحب الصحيح (خصائص علي ابن أبي طالب) كفاية.
لقد صدق من قال: ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها أولياؤه خوفاً، وظهر بين ذين وذين ما ملأ الخافقين.
وصدق من قال: ماذا نصنع لعلي بن أبي طالب! إن أحببناه خسرنا دنيانا، وإن أبغضناه خسرنا آخرتنا!
الفصل العاشر
نموذج من أكاديمية الوهابيين
نموذج من أكاديمية الوهابيين
من بين سيل الكتب الكثيرة التي ينشرها الوهابيون ضدنا، لفت نظري كتاب في ثلاث مجلدات، اسمه (أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد) اسم مؤلفه الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، الطبعة الثانية 1415 هـ - 1994 م. وقد كتبوا في أوله هذه العبارة: (أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات). انتهى.
ويبدو أن هذه الرسالة كانت بحثاً صغيراً أعجب الدكاترة الوهابيين لقوته العلمية مثلاً، فأمدوا مؤلفها بعدد من المعاونين ومئات المصادر الشيعية، وبذلت هذه المجموعة جهودها حتى أكملت تأليف هذا الموسوعة (الموضوعية) عن عقائد الشيعة ومذهبهم.
وإنما حكمنا بأن الكتاب من تأليف مجموعة لأن قلمه متفاوت وفي بعض مقاطعه عجمة لا يمكن أن تكون من قلم سعودي قفاري.
على أن علينا أن نتعامل بالظاهر ونأمل من الكتاب خيراً لوفرة مصادره الشيعية، ولأن أصله كتب ونوقش من قبل دكاترة، فلا بد أن يتناسب
فقال في ج 1 ص 14 و 16:
(وإذا كان لا بد من إشارات في هذا التقديم فأقول: قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى. وحاولت جهد الطاقة أن أكون موضوعياً ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقيدة كموضوعي هذا.. والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ما أمكن).
(ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة، لكن لا أغفل في الغالب ما قالته المصادر الأخرى، ووضع الأمرين أمام القارئ مفيد جداً للموازنة... اكتنفت دراستي عدة صعوبات: أولها أن كتب الرواية عند الشيعة لا تحظى بفهرسة، وليس لها تنظيم معين، كما هو الحال في كتب أهل السنة، ولذلك فإن الأمر اقتضى مني قراءة طويلة لكتب حديثهم، حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته، وأحياناً أقرأ الباب رواية رواية، وقرأت أصول الكافي، وتصفحت وسائل الشيعة، وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في الغالب). انتهى.
حسناً، لقد وعدنا المؤلف أن ينقل آراء الشيعة من مصادرهم.. وقد قرأ كثيراً كثيراً منها.. فماذا قال في موضوعنا (التجسيم)؟
قال في ج 2 ص 527:
(الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته.
للشيعة في هذا الفصل أربع ضلالات:
الضلالة الأولى: ضلالة الغلو في الإثبات، وما يسمى بالتجسيم.
الضلالة الثانية: تعطيلهم الحق جل شأنه من أسمائه وصفاته.
الضلالة الثالثة: وصف الأئمة بأسماء الله وصفاته.
الضلالة الرابعة: تحريف الآيات بدافع عقيدة التعطيل للأسماء والصفات.
وسأتوقف عند كل مسألة من هذه المسائل الأربع وأبين مذهب الشيعة فيها من خلال مصادرها إن شاء الله.
المبحث الأول: الغلو في الإثبات (التجسيم):
اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض، ولهذا قال الرازي (؟): اليهود أكثرهم مشبهة، وكان بدء ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول (1).
وكل هؤلاء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الإثنا عشرية في الطليعة من شيوخها، والثقات من نقلة مذهبها (2)...
وقد حدد شيخ الإسلام ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلاء فقال (وأول من عرف في الإسلام أنه قال إن الله جسم هو هشام بن الحكم) (3).
وهذا يدل على أن اتجاه الإثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة، وسيأتي ما قيل في تحديد ذلك (5).
وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين. يقول عبد القاهر البغدادي: زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه... (6).
ويقول: إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لأنه زعم أن معبوده على صورة الإنسان... وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان (7).
وكذلك ذكر أن يونس بن عبدالرحمن القمي مفرط أيضا في باب التشبيه، وساق بعض أقواله في ذلك (8). وقال ابن حزم (قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه) (9). انتهى.
وقال في هامشه: (1) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 97. (2) أنظر محسن الأمين / أعيان الشيعة: 1/106. (3) منهاج السنة: 1/20. (4) أنظر: مقالات الإسلاميين: 1/106 - 109. (5) في المبحث الثاني. (6) الفرق بين الفرق ص 65. (7) المصدر السابق: ص 68 69. (8) السابق ص 70. (9) الفصل: 5/40.
سبحان الله، لقد وعد المؤلف أن ينقل آراء الشيعة من مصادرهم، ولم يذكر في مصادره إلا أعيان الشيعة وقد رجعنا إلى المكان الذي ذكره فلم نجد
أين مصادر الشيعة المعتمدة التي تنادي كلها بالتنزيه وتدين التشبيه، ومنها المصادر التي بين يدي المؤلف، وقد أدرج أسماءها في آخر كتابه.. وفيها على الأقل مئة باب ومسألة تنفي التشبيه والتجسيم بالآيات والأحاديث والبحوث الكلامية؟ فهل صدف نظر الدكتور عنها جميعاً؟!
أين أصول الكافي التي قال إنه قرأه وهو مجلدان، وفي المجلد الأول منهما كتاب التوحيد وأبوابه كما يلي:
كتاب التوحيد
باب حدوث العالم وإثبات المحدث
باب إطلاق القول بأنه شئ
باب أنه لا يعرف إلا به
باب أدنى المعرفة
باب المعبود
باب الكون والمكان
باب النسبة
باب النهي عن الكلام في الكيفية
باب في إبطال الرؤية
باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى
باب النهي عن الجسم والصورة
باب صفات الذات
باب آخر وهو من الباب الأول
باب الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل
باب حدوث الأسماء
باب آخر... الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين
باب تأويل الصمد
باب الحركة والإنتقال
باب العرش والكرسي
باب الروح
باب جوامع التوحيد
باب النوادر. انتهى.
لقد رأى الدكتور كل ذلك! فقد كشف في الصفحات اللاحقة عن (سره) واعترف بأنه أغمض عينيه عمداً عن مصادر الشيعة لأن خصومهم أخبر منهم بعقائدهم وأصدق منهم!! قال في ص 531:
(وقد يقال إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم. ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين، لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم ولا شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوسمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة، وإلا فالواقع خلاف ذلك). انتهى.
ولم يبين لنا الدكتور الباحث أي واقع يقصده؟ هل هو واقع مصادرهم التي أغمض عينيه عنها، أم واقع الشيعة الذين هم حوله، ويمكنه أن يرفع التلفون ويتصل بعشرين من علمائهم وخمسين من عوامهم، من داخل المملكة السعودية وخارجها، من أي بلد إسلامي وأي قومية أراد؟!
حسناً، لنا الله.. فلنطوِ هذه الصفحة، ولننظر إلى موضوعية دكتورنا في البحث والإستدلال التي يؤكد عليها فيقول في ج 1 ص 14: (وحاولت جهد الطاقة أن أكون موضوعياً ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقيدة كموضوعي هذا...). ويقول في ج 1 ص 57: (فالمنهج العلمي والموضوعية توصي بأخذ آراء أصحاب الشأن فيما يخصهم أولاً). انتهى.
ونكتفي بذكر نموذج لموضوعية هذ الدكتور حيث يقول في ج 2 ص 535: (المبحث الثاني: التعطيل عندهم. بعد هذا الغلو في الإثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل الباري سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة، وكثر الإتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة (1). وكثيرا مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة، وكذلك ما يذكرونه في تفسير القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقول من تفاسير المعتزلة (2). ولهذا لا يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب الأسماء والصفات فرقاً، فالعقل كما يزعمون هو عمدتهم فيها ذهبوا إليه والمسائل التي يقررها المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون كمسألة خلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وإنكار الصفات. بل إن الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا، هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة المتأخرون.) انتهى.
وقال في ج 3 ص 537:
(كما وصفت مجموعة من رواياتهم رب العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه، فقد روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى (لا يوصف بزمان ولا مكان، ولا كيفية، ولا حركة، ولا انتقال، ولا بشيء من صفات الأجسام، وليس حساًّ ولا جسمانياً ولا صورة... (1). وشيوخهم ساروا على هذا النهج الضال من تعطيل الصفات الواردة في الكتاب والسنة ووصفه سبحانه بالسلوب). انتهى. وقال في هامشه: (1) التوحيد لابن بابويه ص 57.
وقال في ج 3 ص 536: (هذا والثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات لله.. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم. منهاج السنة: 2/44. انتهى. وهكذا أصدر الدكتور حكمه على الشيعة بأنهم كانوا مجسمة إلى حوالي القرن الرابع فصاروا معطلة ضالين لأنهم لا يصفون الله تعالى (بشئ من صفات الأجسام)!
ثم أصدر حكمه على الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، بأن مذهبهم موافق لمذهب الوهابيين في حمل الصفات على ظاهرها اللغوي الحسي ووصف الله تعالى بصفات الأجسام! وقد رأيت فيما تقدم أنه استدل على أن الشيعة مجسمة بأقوال خصوم الشيعة لأنهم بزعمه أصدق منهم! فبماذا استدل هنا على أن الشيعة معطلة؟! استدل بذكر أسماء علمائهم المتهمين ولم يذكر شيئاً من أقوالهم! فقد قال (وكثر الإتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة). انتهى.
ثم إن الشيخ المفيد أيها الدكتور توفي سنة 413 هـ وتلميذه الشريف المرتضى توفي سنة 436، وتلميذه الطوسي توفي سنة 460.. وإذا كان هؤلاء معطلة فكان اللازم أن يكون التعطيل بدأ عند الشيعة في المئة الخامسة لا الرابعة!
ثم إنك اعترفت أنك رأيت أحاديث الشيعة عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق فقلت: (روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان... الخ.) انتهى.
وابن بابويه محمد بن الحسين الصدوق متوفى سنة 281 وبذلك صعد تاريخ التعطيل المدعى عند الشيعة إلى الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله)! فأين التجسيم الذي ادعيت أن الشيعة كانوا عليه إلى القرن الرابع أو الخامس، حتى ألف لهم المفيد والمرتضى والطوسي كتب التعطيل؟!
لقد حصحص الحق واعترف الدكتور الباحث بأنه رأى كتاب التوحيد للصدوق وأحاديثه الكثيرة عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في التنزيه، وأن الشيعة لم يكونوا مجسمة ولا معطلة.. إلا عند المجسمة الذين يعدون التنزيه تعطيلاً! ويعدون من لا يصف الله تعالى بصفات الأجسام ضالاً ملحداً!!