فأمّا الشرك ففيه أكبر وأصغر، وفيه كبير وأكبر، وفيه ما يخرج من الإسلام، وفيه ما لا يخرج من الإسلام، وهذا كله بإجماع -وتفاصيل ما يخرج مما لا يخرج- يحتاج إلى تبيين أئمة أهل الإسلام الذي اجتمعت فيهم شروط الاجتهاد»(1).
لا أمثالكم ممن اجتمعت فيه شروط الجواسيس، وعسس الليل، وإمامكم الأكبر لا يجيد الوضوء، وربّما لا يغتسل من الجنابة، أو أنّه يعبد هواه ويصلي لنفسه ولم يخلص لله طرفة عين أبداً.
ويقول الشيخ سليمان: «من أين لكم أنّ المسلم الذي يشهد أنْ إلا إله إلا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله إذا دعا غائباً، أو ميتاً، أو نذر له، أو ذبح لغير الله، أو تمسَّح بقبر، أو أخذ من ترابه، أنّ هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله، وحلَّ ماله ودمه، وأنّه الذي أراد الله
____________
(1) الصواعق الإلهية لسليمان بن عبدالوهاب: ص5-6.
فإن قلتم: فهمنا ذلك من الكتاب والسنّة.
قلنا: لا عبرة بمفهومكم، ولا يجوز لكم، ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم، فإنّ الأمة مجمعة كما تقدم على أنّ الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق، ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر»(1).
فإذا قال أتباع ابن عبد الوهاب أنّهم يأخذون من شيخ إسلامهم ابن تيمية السلفي الأول الذي وصفه ابن بطوطة بالمجنون.. قلنا لهم إنّ إمامكم لا يقول هذا ولا حتّى إمامه الإمام أحمد بن حنبل الذي تقلدونه في بعض الفروع، قال تقي الدين السبكي في كتابه الإيمان: لم يكفّر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة، ولا القدرية، وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية، مع أنّه لم يكفِّر أعيان الجهمية... الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا الناس، وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة،... بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم، ويرى لهم الائتمام بالصلاة خلفهم والحج، والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم بما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما
____________
(1) الصواعق الإلهية لسليمان بن عبد الوهاب: ص6.
وقال: من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به، وقد غلط في بعض ما ناله من البدع، ولو دعى إليها فهذا ليس بكافر أصلاً(1).. لأنّه معذور لجهله أو غفلته فمرفوع عنه القلم إلى أنْ ينتبه كما يقال.
وسئل شيخ سلفي عن التكفير، فقال: لو فرض أنّ رجلاً دفع التكفير عمَّن يعتقد أنّه ليس بكافر حماية له، ونصراً لأخيه المسلم لكان هذا غرضاً شرعياً حسناً، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران، وإنْ اجتهد فيه فأخطأ فله أجر.
ثم يقول: التكفير إنّما يكون بإنكار ما علم من الدين بالضررة، أو بإنكار الأحكام المتواترة المجمع عليها.
ويعلق الشيخ سليمان أخيراً بقوله: «فيا عباد الله تنبَّهوا وارجعوا إلى الحق، وامشوا حيث مشى السلف الصالح، وقفوا حيث وقفوا، ولا
____________
(1) انظر قوله في «الصواعق الإلهية» لسليمان بن عبد الوهاب: ص18.
ولكن هذه الأصوات، والنداءات باءت بالفشل من علماء الأمة وأعلامها، وذلك لأنّ المخطط المرسوم من قبل أسيادهم تقضي بتكفير الأمة تمهيداً لتقطيع أوصالها، وتشتيتها وضرب بعضها ببعض.
فأي دعوة للإصلاح وإعادة الأمور إلى مجاريها كانت تعارض بقوّة، ويكفّر صاحبها مباشرة دون تردد، فسيف التكفير مشهور على الرقاب.. فكل الأعمال التي اعتبروها شركاً يكفّرون فاعلها ويكفّرون من لم يكفرهم كذلك.
ضرب شيعة أهل البيت (عليهم السلام):
وأوّل طائفة حاول الاستعمار ضربها، هي عشّاق الإمام الحسين (عليه السلام) ومحبي أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، وذلك لأنّهم شطر الأمة الإسلامية ونصفها، وما يميزهم عقائدهم المحكمة وتنمرهم بذات الله ولا تأخذهم بالحق لومة لائم أبداً.
فوجّهوا إليهم كل سهامهم، وراحوا يكفّروهم ويصفوهم بأبشع الأوصاف وأنكرها، ويصدرون الفتوى تلو الأخرى بتكفيرهم لا
____________
(1) الصواعق الإلهية لسليمان بن عبد الوهاب: ص63-64.
ورغم أنّ (المستر همفر) يصف محمد عبد الوهاب أنّه كان في بداية حياته في البصرة لم يكن يتعصّب ضد الشيعة، وحتّى أنّه كان يصادقهم، ويتردد إليهم حتّى أنّ المستر تعرَّف إليه في دكان رجل شيعي، إلا أنّ هذا ابن عبد الوهاب انقلب رأساً على عقب، وصار الشيعة أكبر همّه، وراح يصدر الكتب والرسائل والفتاوى بتكفيرهم والحط من شأنهم.
مهازل الفتاوى:
ألّف ابن عبد الوهاب رسالة أسماها (الرد على الرافضة) حشّاها بالسباب المقذع، والاتهامات الباطلة، والأوصاف التي لا تليق إلا بأمثاله من حثالات الأمم، كقوله: الكذبة.. والكذابون، وفاسدون، ومفسدون، وقبائح الرافضة، وما أقبح ملّة قوم، وتسود وجوه الرافضة والفسقة. ويخلص إلى أنّ: هؤلاء أشد ضرراً على الدِّين من اليهود والنصارى(1).
وهكذا تتالت الفتاوى من الشيخ نوح الذي أفتى بوجوب قتل
____________
(1) رسالة في الرد على الرافضة: ص13.
وهكذا قال -وعليه وزر عمله إنْ شاء الله ومن عمل به- لأنّه بهذه الفتوى أريقت دماء في مدينة حلب لا يعلمها إلا الله سبحانه، حتى أنّ الدماء خرجت من أبواب المسجد الكبير من كثرة القتلى في المسجد.
وما زلنا نسمع مثل هذه الفتاوى إلى اليوم مثل:
1- ابن عثيمين يقول: «الشيعة، والصواب أنّ يقال الرافضة ويستشهد بقول ابن تيمية في تكفير الشيعة فيقول: فالرافضة كما وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم حيث قال ص391: إنهم أكذب طوائف أهل الأهواء، وأعظمهم شركاً،... الرافضة أمة مخذولة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة».
ويعلق بعد شرح فاسد كأخلاقه ودينه:
«وأمّا خطر الرافضة على الإسلام فكبير جداً، من حيث إنهم يدينون (بالتقيّة) التي حقيقتها النفاق وهو إظهار قبول الحق مع الكفر
2- ابن باز: وهذا ابن باز أعمى القلب والعين الذي لا يقول بكروية الأرض ويرفض دورانها في القرن العشرين.. يقول: «إنّ الشيعة فرق كثيرة، وكل فرقة لديها أنواع من البدع، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثني عشرية؛ لكثرة الدعاة إليها؛ ولما فيها من الشرك الأكبر، كالاستغاثة بأهل البيت واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب».
3- ابن جبرين: وكذلك ابن جبرين لا يقل تفاهة وحقارة عن سابقيه فهو يقول محرّضاً السنّة لقتل الشيعة وإساءة معاملتهم حتّى في وظائفهم الرسمية:
«يكثر الابتلاء بهم (الشيعة) في كثير من الدوائر من مدارس وجامعات ودوائر حكومية في هذه الحال نرى (وهذه فتواه) إذا كانت الأغلبيّة لأهل السنّة أنْ يظهروا إهانتهم، وإذلالهم وتحقيرهم، وكذلك أنْ يظهروا شعائر أهل السنة.. لعلهم ينقمعوا بذلك وأنْ يذلّوا ويهانوا وتضّيق بذلك صدورهم ويبتعدوا.
وأمّا عن معاملتهم؛ فيعاملهم الإنسان بالشدّة، فيظهر في وجوههم الكراهية، ويظهر البغض والتحقير، والمقت لهم، ولا يبدأهم بالسلام، ولا يقوم لهم، ولا يصافحهم، ولكن يمكن إذا ابتدءوا بالسلام أن
____________
(1) فتاوى مهمة: 145-147.
انظر إلى هذا التعامل الإنساني الراقي في الفكر الوهابي!! والإمام علي (عليه السلام) يقول لنا: «فإنّهم [الناس] صنفان إمّا أخ لك في الدِّين، وإمّا نظير لك في الخلق»(1) أين هذه الأخلاقيات الإسلامية من الساحة الوهابية.. بل أين الأخلاق، والقيم، وأساليب المعاملة بالحسنى، حتى لو كان من تتعامل معه بلا دين، ولا يعترف بالله ربّاً، ولا بأي رسول أو نبي، ألا يجب علينا أنْ نعامله بما نحبّ أنْ يعاملنا به..؟ ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: «الدين المعاملة».
وذاك المفتي ابن الجبرين يحرِّض أهل السنة ليس على إيذاء إخوانهم من الشيعة بل، ويشجعهم على قتلهم إنْ استطاعوا يقول: «إنْ كان لأهل السنة دولة وقوة وأظهر الشيعة بدعهم، وشركهم، واعتقادهم، فإنّ على أهل السنّة أنْ يجاهدوهم بالقتال».
فهل أفتى بهذه الشدّة والصرامة، لقتال اليهود وأمريكا والاستعمار الغربي المعاصر؟!
ليته فعل..
إلا أنّه لا يمكن أنْ يفعل إلا ما يأمره به سادته في دوائر
____________
(1) نهج البلاغة: 3/84، عهده لمالك الأشتر على مصر.
4- سليمان العودة: أمّا المدعو سليمان العودة فإنّه كفّر المسلمين الشيعة علانية على فضائية (الجزيرة) خلال برنامج (بلا حدود).
هذا على مستوى الأفراد، أمّا مجلس الإفتاء واللجنة الدائمة للبحوث الوهابية فإنّها تصرِّح قائلة: «لا يجوز للمسلم أنْ يقلِّد مذهب الشيعة الإمامية، ولا الشيعة الزيدية، ولا أشباههم من أهل، البدع كالخوارج والمعتزلة والجهمية، وأمّا انتسابه إلى بعض المذاهب الأربعة المشهورة فلا حرج فيه إذا لم يتعصب للمذهب الذي انتسب إليه ولم يخالف الدليل من أجله».
ومعنى هذه الفتوى الغير مباركة، أنّ جميع الفرق الإسلامية الشيعية، والسنيّة باطلة إلا من يقلدهم ويتبع تعليمات ابن عبد الوهاب كلمة كلمة.. سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم، وتقول اللجنة عن الدعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية لزيادة التضامن الإسلامي في مثل هذه الظروف الحرجة على الأمة كلها: «التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن، لأنّ العقيدة مختلفة».
نعم، إنّ العقيدة مختلفة بين الشيعة والوهابية، أمّا نقاط الالتقاء والقوّة بيننا وبين أهل السنة والجماعة هي كثيرة ولله الحمد، وجهود المخلصين تبذل للتقريب والجمع والألفة بين السنة والشيعة على
وأمّا الوهابية فإنّهم يختلفون عن الأمّة الإسلامية، فهم كالطحالب تماماً والطفيليات أو الفيروسات (كالإيدز) يتطفّلون على الإسلام وليس لهم من الإسلام شيء؛ لأنّهم لا يحترمون الله سبحانه بالتجسيم والتشبيه، ولا يحترمون رسولنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وينالون منه بالإهانة والسخرية، ولا يقدِّرون أهل البيت (عليهم السلام) بالسباب والشتائم والطعن بهم، ولا يحترمون الأمة إذ يرمونها كلها بالكفر والاشراك، ويستحلّون دماءها وأموالها وأعراضها.
فأين هؤلاء من الإسلام لا والله ليس عندهم من الإسلام لا اسم ولا رسم لأنّ دينهم وهابي، ورسولهم المطاع محمد بن عبد الوهاب دون غيره، ونحن من هذا الدين براء حتى يوم الدين.
2-خلع الطاعة ومحاربة السادة:
جاء بتلك الخطة اللعينة: السعي لخلع طاعة الخليفة (العثماني) ومن اللازم محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة.
هذا كان لأمر وقتي وزماني إلا أنّ المدقق فيه يرى أنّه محاولة لضرب الوحدة الإسلامية ومحاولة لتقطيع أوصال الدولة، وهذا بالضبط معاهدة (سايكس بيكو) سيئة الصيت التي فرّقت الأمة
فضرب الخليفة العثماني ليس هو ضربة للأتراك فقط بل هو ضرب للدولة الإسلامية من رأسها مباشرة.
وأمّا أشراف الحجاز، كان المقصود بهم الشريف حسين وأهل بيته الذين كانوا حكاماً على الحجاز، ولهم قوتهم الضاربة، لا سيما وأنّ الشريف حسين كان قائد الثورة العربية الكبرى وتوزع أبناؤه على الدول العربية من الحجاز إلى الأردن ثم الشام وأخيراً العراق.
ومراسلات حسين - مكماهون شهيرة بالتاريخ إلا أنّ البساطة السياسية للشريف جعلته لقمة سائغة، وعصاة تحركها أيدي البريطانيين، ولكنّ الغدر المتأصل بهم جعلوهم يعطونه بيد ويطعنونه بالأخرى بمقتل..
وفي الحقيقة أنّ اسم الإسلام، والوحدة، والجهاد، والكعبة، والقرآن كانت كلها مصادر رعب حقيقي لدوائر الاستعمار الغربي في القرون الأخيرة.. ولذا فإنّهم سعوا بكل ما يستطيعون لضرب هذه المفردات التي تشكل نقاط قوة لا يستهان بها للإسلام والمسلمين على مدى الأيام والعصور.
3- هدم المقدسات:
إنّ هذه النقطة بالذات كان لها الأثر التخريبي الكبير في الأمة الإسلامية وتاريخها؛ وذلك لأنّهم سعوا لطمس جميع الآثار النبوية، ومحوا المآثر والاستهانة بكل المقدسات ابتداءً بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) وحتى الصحابة والتابعين.
جاء في خطة الهدم: «هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها.. باسم أنّها وثنية وشرك والاستعانة بشخصية النبي وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسر».
إنّ كل جملة.. بل ربّما كل كلمة بهذا الكلام يحتاج إلى كتاب لشرحه وتوضيحه وسرد ما قام به هؤلاء العملاء (الوهابية) من أعمال تندى لها جبين الإنسانية كلها دون وازع من ضمير ولا رادع من دين.
أ) هدم القباب والأضرحة:
إنّ القلب يكاد ينفطر عند الحديث عن هذه القباب المباركة الشامخة، وتلك الأضرحة العالية الناصعة.. لأئمة المسلمين، وأمهات المؤمنين، والصحابة والتابعين، نعم، إنّ الخطة الاستعمارية كانت تقتضي الهدم، والأيدي الوهابية الآثمة عشقت الهدم والردم
فبعد الاستيلاء على الحجاز وإحكام سيطرتهم على الحرمين المقدسين راحوا إلى تلك الأماكن والآثار ودمروها عن آخرها، حتّى صارت قاعاً صفصفاً بعد أنْ كانت عامرة بكل معاني العظمة والكبرياء.
ففي يوم الثامن من شهر شوال سنة 1344ه / 1926م انهالت معاول الجهل والعصبية على العتبات المقدسة والمراقد المطهرة في المدينة المنورة، والتي كان يؤمها المسلمون ليروا من خلالها معالم تاريخهم وآثار سلفهم الصالح.. وليؤدّوا أمامها مراسيم التحية والإجلال لرسول الإسلام العظيم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولآل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وخيرة صحابته والمجاهدين.
لقد فوجئ المسلمون في العالم بذلك الاعتداء الأثيم الذي استهدف تاريخهم ومقدساتهم وتراثهم من قبل فئة محدودة لا يصلح لها أبداً مهما كانت مبرراتها أنْ تفرض رأيها في قضية وموضوع يرتبط بكل المسلمين.
ولكنّ أولئك القائمين بجريمة هدم المقدسات استبدّوا برأيهم وخالفوا إجماع الأمّة وجرحوا مشاعرها ورفضوا أي دعوة للحوار والنقاش حول الموضوع، كما لم يبالوا بصرخات الاعتراض
ومما يبعث الألم والأسى أنْ تتعرض هذه الديار المقدسة في هذه العصور لمؤامرة خطيرة وحقيرة تستهدف تاريخ الإسلام وآثار معالم الرسالة السماوية، حيث تسلّط على الجزيرة العربية أناس يحملون مخططاً رهيباً يهدف إلى إزالة آثار الإسلام ومعالم تاريخه الأول.. وهذا بناءاً على الأفكار التي بشّر بها محمد بن عبد الوهاب، فقد بادر أتباعه ومؤيدوهم إلى هدم البيوت والمشاهد والقباب والمساجد التي شُيّدت للعبادة وحفظ آثار الرسالة وتعظيم مضاجع أئمة المسلمين والشهداء والصالحين من الصحابة والتابعين.
ففي تاريخ (ابن الجبرتي): «إنّهم هدموا قبّة زمزم والقباب التي حول الكعبة، وتتبعوا جميع المواضع التي تضم آثار الصالحين فهدموها، وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنون ويبالغون في شتم القبور».
وفيه أيضاً: «لمّا استولى الوهابيون على المدينة المنورة، هدموا القباب التي فيها، وفي ينبع، ومنها قبة أئمة البقيع بالمدينة، الإمام الحسن (عليه السلام)، الإمام زين العابدين، الإمام الباقر، الإمام الصادق (عليهم السلام) جميعاً، لكنّهم لم يهدموا قبّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وحملوا الناس على ما
____________
(1) يوم البقيع للشيخ الصفار: ص6.
وصحيح، إنهم لم يهدموا قبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، إلا أنّهم رموها بالرصاص قديماً وما زال بعضهم يأمل ويسعى لهدمها -والعياذ بالله- فذاك مفتي الديار (ابن باز) لم يوّفق لزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه كان يسميه بالصنم فكان يقول: «ما دام هذا الصنم (أي قبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)) هناك لا أزوره»(2).
لأنّهم يعتبرونه منكراً وانحرافاً وزيارته شركاً يخرج من الملة.. فهذا الجبهان يعرب عن نواياه الخبيثة تجاه قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول:
«نحن لا ننكر أنّ بقاء الأبنية على قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) مخالفاً لما أمر به الرسول» سبحانك هذا بهتان عظيم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ويضيف: «وإنّ إدخال قبره في المسجد أشد إثماً وأعظم مخالفةً».
ويخلص إلى نتيجة بأنّ: «سكوت المسلمين على بقاء الأبنية لا يصيّرها أمراً مشروعاً»(3).
____________
(1) يوم البقيع: ص25.
(2) بقيع الغرقد للإمام الشيرازي: ص26.
(3) تبديد الظلام إبراهيم الجبهان: ص289.
واللافت للنظر أنّ أولئك الطغاة لم يكتفوا بهدم القباب، بل هدموا المساجد المشيّدة منذ مئات السنين، فقد أحصوا أكثر من خمسين مسجداً في الحجاز فقط دمروها.. ولم يقنعوا بذلك بل هدّموا البيوت التي لها ذكريات مقدّسة كبيت خديحة (عليها السلام) أو آمنة حيث ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وغير ذلك كثير.
ومن شدة استهانتهم بالمقدسات، أنّ بعض الأماكن حولوها إلى زرائب واصطبلات للمواشي، ومنها ما حولوه لمراحيض عامة، والطيب الحظ الذي حوَّلوه إلى مكتبة عامة أو منزل للسكن، والعجب العجاب أنّنا نرى دول العالم أجمع تحترم رجلاً مجهولاً دافع عن تلك الدولة فينصبون له نصباً تذكارياً تحت اسم (الجندي المجهول) يزوره الرؤساء والقادة والضيوف ويضعون عليه أكاليل الزهور ويصلّون على روحه وهو بلا روح ولا جسد حتى..
وهؤلاء الخوارج عمدوا إلى تلك الأضرحة والقباب الشامخة وهدّموها وهي مهوى الأرواح والأفئدة، ولا يسعنا إلا أنْ نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ب) استهانتهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
إنّهم ما قدروا الله حقّ قدره، وكذلك ما قدروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حيث كان محمد بن عبد الوهاب يقول عنه: «إنه طارش» وإن بعض أتباعه كان يقول: «عصاي هذه خير من محمد؛ لأنه ينتفع بها في قتل الحيّة ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق َ فيه نفع وإنما هو طارش ومضى»، وكان يُقال ذلك بحضرته فيرضى(1).
والطارش هو كساعي البريد الذي يحمل إليك رسالة ويمضي في حال سبيله.. أو أنّه «كصاحب الطرش» (هو الغنم والمعزى) أي أنّه مجرد راعي غنم لا أكثر ولا أقل.. والعياذ بالله.
وآخر يقول إنّه زينة كالخاتم الذي في إصبعه وينزع خاتمه من إصبعه ويعيده أمام عيون الناس ويهزون رؤوسهم موافقين..
إنّ الأمم تقدّس رجالها العظام الذين أثروا بمسيرتها الحضارية، فكيف إذا كان عظيمنا هو أعظم من ولد في هذه الحياة ويفخر به العدو قبل الصديق، والقاصي قبل الدّاني، فإنّ كل من اضطلع على حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولو نتفاً قليلة فإنّك تجده يعظمه ويوّقره ويجلّه كثيراً.. أمّا هؤلاء الذين يدَّعون أنّهم ينتسبون إلى أمته، وكذبوا، فهم
____________
(1) كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب لمحسن الأمين: 127، عن خلاصة الكلام: ص230.
من أشد ما أظهره الوهابيون تجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، كان البغض الشديد والنصب العنيد لأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، ومحاربة ذكره الشريف (صلى الله عليه وآله وسلّم) والصلاة عليه عقب الأذان أو الجهر بالصلاة التي تطرد الشياطين وتطهّر القلب من النفاق، حتّى أنّ محمد بن عبد الوهاب كان ينهي عنها وربّما جلد من جهر بها أمامه أو قتله.
وهذا الشيخ رضا العدل بيبرس المصري الشافعي يقول عنه: «وكان محمد بن عبد الوهاب ينهى عن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ويتأذى من سماعها، وينهى عن الإيتاء بها ليلة الجمعة (لأنّها أفضل أعمال ليلة الجمعة) وعن الجهر بها على المنابر، ويؤذي من يفعل ذلك ويعاقبه، أشدُّ العقاب وربّما قتله.
وكان يقول (ابن عبد الوهاب): إنّ الرَّبابة في بيت الخاطئة -يعني الزانية- أقل إثماً ممن ينادي بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على المنائر، ويلبِّس على أصحابه بأنّ ذلك كله محافظة على التوحيد، وأحرق كتاب (دلائل الخيرات) وغيرها من كتب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويتستر بقوله: إنّ ذلك بدعة وإنّه يريد المحافظة على التوحيد»(1).
____________
(1) السلفية للسقاف: ص76.
4- الإرهاب:
وهذا هو سمة العالم المعاصر وحديث الأطفال في المدارس، والجدّات والأجداد في المجالس، فلا حديث لنا منذ خمس سنوات إلا الإرهاب، والحرب الكونية على الإرهاب، والعجيب إذا بحثت عن تعريف مختص عالمي ومعترف عليه لهذا المصطلح فإنّ جميع مساعيك ستبوء بالفشل الذريع.. لا سيما عند أصحاب القوة والقرار العالمي.
إنّ مسألة الإرهاب صارت كقميص عثمان قديماً:
فما زالت مادة الإرهاب هلامية أو زئبقية ليس لها شكل معين، بل ربّما تأخذ شكل القالب التي تنزل به.. فكل من السياسيين، والحكام، والاقتصاديين والمثقفين يفهمون الإرهاب من زاويتهم الخاصّة بهم.
فالولايات المتحدة الدولة الأولى بالقوة والسيطرة، وصاحبة الحرب الكوني على الإرهاب، فإنّها أكبر ممارس للإرهاب في العالم كله، وترمي الناس بشرّها ودائها وتنسل، ولذا فهي ترفض الدعوات الموجهة للأمم المتحدة، بضرورة عقد مؤتمر دولي لتحديد معنى هذه الكلمة، والمراد من هذا المفهوم المتداول في كل أصقاع الدنيا، وبلدان العالم..
جاء في تلك الخطة الشنيعة: نشر الفوضى والإرهاب في البلاد.
نشروا الإرهاب في كل مكان نزلوه، وفي أي بلد حلّوا به من بلاد
أليس هذا إرهاباً عجيباً وفكراً رهيباً في تخريب المنظومة الفكرية والثقافية للعالم كله؛ لأنّ الاختلاف بالرأي أمر طبيعي كاختلاف الألوان والأجساد والطبائع.. والإرهاب الذي مارسه الوهابيون كان على أوجه مختلفة.
أ) الإرهاب الفكري:
هو طرح الفكر الإرهابي أولا، ومحاولة تطبيقية على أرض الواقع ثانياً.. وحديثنا عن الأول، فالإرهاب: هو العنف، والشدة، والغلظة، وبالفكر: هو الرمي والسباب والشتم والقذف للمخالفين لهم بشتى أنواع الكلمات الغليظة واللاأخلاقية، فإنّ قاموس الجماعة الوهابية مليء بتلك الكلمات النابية، والشتائم المقذعة، بالإضافة إلى سوء الخلق وعدم الحياء من إنسانية الإنسان أينما كان يراهم أو يسمعهم.
وعقائدياً: ترى سيف الكفر والتكفير، والشرك والتشريك، والفسق والتفسيق، مسلطاً على كل رقبة تخالفهم، ولو حتّى بأبسط النظريات العلمية المعاصرة، فبمجرد شعوره منك بعدم الرضا برأيه يرميك بالكفر، أو الشرك، أو الابتداع والجهمية والتعطيل وعداء السنة وغير ذلك من التهم الجاهزة لكل مخالف كائناً من كان.
فالوهابية يرمون كل المتوسلين بالأنبياء، والأولياء، وآل البيت (عليهم السلام) والذين يزورون القبور، والذين يُصلّون في المسجد فيه قبر، وزائري قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أو من يحمل تميمة أو حرز أو حجاب، أو حتى من يحمل المسبحة ويرفع صوته بالتسبيح أو الصلاة على الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم) يرمونهم بالكفر والشرك بشتى أنواعه.
فهذا يؤدي بالعامي من الأمة إلى أنْ يرتجف خوفاً وفزعاً من كلامهم فيضطر العبد المسكين ليأخذ بكلامهم المزيّن ببعض الآيات المقطعة أو الأحاديث المجزّأة فيظنّ أنّ كلامهم هو الحق وأنّهم من الفرقة الناجية، فيسلّم إليه أموره كلها ويعطيهم قياد نفسه لينتشلوه من هوّة الكفر والنفاق.
كما أنّهم يزعمون أنّ المتمذهبين بمذاهب الأئمة الأربعة، والصوفيين، والأشاعرة الذين هم جمهور أهل السنة والجماعة، والمعتزلة، والشيعة (الروافض) والزيدية والأباضية (الخوارج) وغيرهم من فرق الأمة الإسلامية بالابتداع والعداء للسنة والتوحيد