الفصل الثاني

(غريب في المعنى)

هذا هو الفصل الثاني من الباب الثاني الذي يُعنى بتبيان غرابة الألفاظ معنىً، وتبيّن لنا ـ في التمهيد ـ أنّ هناك سببين دلاليين يهيمنان على أسباب غرابة اللفظة، ذكرهما الأقدمون ؛ هما : بُعْد اللفظة، وغموضها. وقد رأى الباحث أسباباً أخرى جعلت الكلمة غريبةً، جرياً مع البحث اللغوي الحديث . فأمّا البُعد فإنّ من وجوه وقوع (الغرابة) في العصر الجاهلي، ما كان يحدث في أسواق العرب، ومنها سوق (عُكاظ)، إذ كان يختلف إليه وفود من العرب من قبائل شتّى، وهي متنافرة اللغات، و نتلمس ذلك في أشعار كثير من شعرائهم، أمثال (الأزد، وحِمير، وطيء، ومذحج)، وشعراء أهل الحجاز، وغيرهم(1). فلأجل هذا كان الشعراء يوحّدون لغتهم حيث يشدون تلك المواسم، إذ إنّ اللغة التي كانت سائدة، هي : (لغة قريش).

وأرى أنّ هذا هو السبب الذي جعل نافع بن الأزرق, يسأل ابن عباس 2 (ت/68 هـ) مسائل عديدة(2). أجاب عنها ابن عباس بشعر العرب، وقد شُرحت هذه المسائل وعُلِّق عليها(3)، ولهذا جاء بُعْد الكلمة عن المألوف أو شرودها، من أنّ العرب ؛ كانت تتوافد آنذاك إلى هذه الأسواق ـ عُكاظ وذي المجنّة وذي المجاز ـ لتعرض ما ادّخرته من المفردات العربية الفصيحة التي تضمّنتها قصائدها الشعرية، أو نثرها في هذه المحافل السنوية, وطبيعي أن ينتج عن هذا؛ تبادل لغوي. فما كان شارداً في الألفاظ من قبيلةٍ معينة، أصبح غريباً على القبائل الباقيات.

وفي الآن نفسه تفد إلى تلك القبيلة ألفاظٌ من بقية القبائل، فتكون غريبةً، فهي بين مكتسبة ومعطية.

فمن رام الفصاحة شافه هذه القبائل ـ وهي تعرض نتاجها اللغوي ـ وأخذ عنها، وربّما جاوز بعضهم طلب الفصيح من لغات هؤلاء الأعراب إلى طلب الغريب وحفظه واستعماله. وما لفظة (النِضْنَاض)(4) ولفظة (النَّجه)(5), ولفظتا (الهُبَعْ) و(الرُبَع)(6) إلّا دليلاً على ذلك .

وأمّا غموض الكلمة، فقد عنى بها الأقدمون ؛ خفاء معناها بحيث لا يدركه الذهن إلّا بعد كدٍ وإعمال فكر، أو أن يُنقـّر عنها في كتب اللغة.

ومن ذلك ما يوجب حيرة السامع في فهم دلالة المعنى للمفردة الغريبة ؛ لتردّدها بين معنيين أو أكثر, وقـد أورد لنا ابن قتيبة، وأبو هلال العسكري لفظة (الهـِرْشَفَّهْ) في بيت شعري, رواه؛ عيسى بن عمر النحوي (ت/149هـ)، واضطرب عيسى نفسه في تفسير اللفظة المذكورة، فمرّة فسرها بـ( العجوز)(7) وأخرى فسرها بـ (الخِرقة)(8)، حتى جاء (المنتجع بن نبهان التميمي)، وحسم الأمر، على الرغم من أنّ عيسى بن عمر كان ميّالاً للإغراب(9) حتى عُرف به(10), وجاوز بعضهم الحدَّ قليلاً حين عدّه مطبوعاً على الغريب لامتصنّعاً له(11).

والحق أقول؛ إنّ هذه المفردة ممّا لا تسهل دلالتها المعنوية إلّا لذوي الاختصاص من أهل اللغة.

فبُعْد الكلمة عن المألوف, وغموضها ـ في ما اعتقده ـ غير كافيين للحكم عليها بالغرابة، ولابدّ لنا من أن نستعين بما توصّل إليه البحث اللغوي الحديث والمعاصر من أسبابٍ عدّها، لِتُعرف بها غرابة اللفظة في (النهج)، ومن هذه الأسباب ما يأتي :

1ـ اختلاف البيئة والأسلوب الحضاري .

2ـ التناظر والتشابه في الأصوات .

3ـ تداول اللفظة في أكثر من مجال .

4ـ استعمال اللفظة بين الحقيقة والمجاز .

5ـ أتساع دلالة اللفظة .

وقد قسّمتُ الفصل بهذا المعيار إلى خمسة مباحث مستعملاً فيها ألفاظاً من (النهج) بوصفها تطبيقات عملية على ما جاء به الدرس اللغوي الحديث, على أنّي غير متجاوز حدود الغرابة عند اللغويين القدامى والمتأخرين منهم، فالألفاظ التي سأستعملها أوردها علماء (الغريب) في كتبهم .

وتمّت مفردات هذا الفصل عندي مئتين وثماني عشرة مفردة وزّعتها على هذه المباحث، وسأمثـِّل لكلّ مبحث منها بمثال توضيحي, وآخر تطبيقي, كسابقه مستعيناً بمعاجم الألفاظ، وكتب (غريب الحديث) القديمة والمتأخرة وغيرها لتوثيق النصِّ كما في الفصل السابق من هذا الباب.

***

 

المبحث الأول؛ اختلاف البيئة والأسلوب الحضاري:

لابدّ من أن يحصل تفاوت بين الحواضر والبدو، ممّا يجعل بعض ألفاظ البيئة الصحراوية غريباً,إذا سُمع في البيئة الحضرية. فلا شكّ في أنّ لفظة (يَمْري)، ولفظة (الرِّبَق)، ولفظة (الجَرْجرة)(12) ألفاظ غريبة على أهل الحواضر، وكذلك تكون ألفاظ الحواضر، غريبة عند أهل البادية، وأحياناً تكون غريبةً في مابين الحواضر أيضاً.

فقد غزرت في كلّ بيئة مفردات تدور حول مظاهر تلك البيئة، وما اختصت به طبيعة البلاد الجغرافية، ففي البيئة البحرية برزت مفردات تتصل بشؤون البحر، كما هي الحال عند الفينيقيين، فقد كثرتْ عندهم المفردات «المتصلة بشؤون الملاحة البحرية»(13)، وتكثر في البيئة الصحراوية؛ المفردات التي تتصل بها أيضاً.

فإذا ارتحلت هذه الأعراب إلى الحواضر، رَحّـلـَتْ معها مفرداتها إلى تلك الحاضرة, فينتج عن هذا ألفاظٌ غريبة بين الحواضر نفسها، فكان أهل مكة يستعملون (الكافور, و الإغْريض), في حين يستعمل أهل البصرة (الطَّلْع)، من قوله تعالى: ((وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ))(14)، وإلى هذا المعنى ذهب الجاحظ(15)، وأشار إليه الدكتور محمود فهمي حجازي(16).

فالكوفة أحد تلك الأمصار التي استقبلت ألفاظ الأعراب من مختلف القبائل العربية التي اجتمعت للإمام في, جند الكوفة في أثناء خلافته (ع) فيها، لكنّ الغلبة كانت للناطقين بلهجة تميم، لحروبهم الكثيرة. فمنهم من كان مع الإمام ومنهم من كان مع خصومه الأمويين(17). فراح يخطب فيهم بألفاظ تلك القبائل التي يبدو قسم من مفرداتها غريباً عن القبائل الأخرى .

ولفظة (اللَّدم)، هي : احدى الألفاظ الصحراوية التي باتت غريبة وظلت كذلك, منذ أن أظهرها الإمام إلى القرن الثاني الهجري, حتى سجـّلها أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه؛ على أنّها من غريب حديث الإمام علي، وما انفكت غريبة حتى القرن السابع الهجري ـ في ما امتدت إليه يداي من المصادر ـ إذ دوّنها علماء (الغريب) في كتبهم موثـّقة للإمام(18).

جاءت هذه اللفظة في معرض كلامه لمّا أُشير عليه بألاّ يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال, فقال: «واللهِ لا أكَونُ كالضَّبُع تَنَامُ عَلى طُولِ اللَّدم ؛ حَتى يَصِلَ إليْها طالِبُها، ويَخْتِلَها راصِدُها...»(19).

ومعنى هذا هو : لا أقعد عن الحرب والانتصار لنفسي وسلطاني، فيكون حالي مع القوم المشار إليهم، حال الضَّبع مع صائدها، والعرب تقول في رموزها وأمثالها «أحمقُ من الضَّبُعِ»(20).

ويأتي حُمق الضَّبُع ـ كما يزعمون ـ من أنّهم إذا رموا في جحرها بحجرٍ, أو ضَربوا بأيديهم باب الجحر فتحسبه شيئاً تصيده، فتخرج لتأخذه فتُصاد عند ذلك، ويبلغ من حُمقها أنّ الصائد يدخل عليها وِجارَها، فيقول لها : أطرقي أم طُرَّيق، خامري أم عامر، أي طأ طئي رأسك(21), قالوا فتلجأ إلى أقصى مغارها فيقول: أم عامر ليست في وِجارها أم عامر نائمة، فتمدّ يديها ورجليها وتستلقي، فيدخل عليها الصائد فيوثـّقها، فيقول الصائد: إبشري أم عامر، فتُشدُّ عراقيبها، فلا تتحرّك، ولو شاءت أن تقتله لأمكنها. ومن هذا المعنى، قال الشَّنْفرى :

«لا تَقْبرونِي إنَّ قَـبْري مُحَــــــرَّمٌ عَلَيْكُم ولكِنْ خامِري أَمَّ عامـرِ»(22)

وذكر الجوهري أنّ معنى (اللَّدم) هو : صوت الحجر، يقع بالأرض، وليس بالصوت الشديد(23), يقال: (لدِمْتُ ألدم لَدْماً)، ومن هذا المعنى قال ابن مقبل :

«وَ لِلفُـؤادِ وَجِيـبٌ تَحــْتَ أبهَـره لَدْمَ الغُلامِ وَراءَ الغَيبِ بالحَجَرِ»(24)

وتابع الجوهريَّ الرازي(25), وابنُ أبي الحديد(26)، غير أنّ ابن سيدة، توسّع قليلاً في معنى هذه اللفظة، إذ قال : « لدمتْ المرأة صدرها ؛ ضربته، ولدمتُ خبز الملة، ضربته»(27). لكنّ ابن منظور؛ زاد على سابقيه في دلالة (اللَّدم) المعنوية بقوله : «... وأنّ اللَّدم بمعنى اللّطم، والضرب بشيء ثقيل يُسمع وَقعُه»(28).

فابن منظور فسّر دلالة (اللَّدم) (باللّطم) هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أنّه يشترط في معنى اللفظة هذه؛ الضرب الشديد، على عكس الجوهري والرازي، وقد نقل هذا المعنى أيضاً الفيروز آبادي(29)، بزيادة معنى واحد هو: (رقع الثوب)، ونقل صاحب(التاج) كلّ المعاني التي ذكرها المتقدمون من أصحاب المعاجم(30) في دلالة (اللَّدم) المعنوية، ولم يورد لنا (المعجم الوسيط) معاني جديدة, بل اختصرها، واكتفى بذكر ما قاله الجوهري, بحذف شيءٍ منه فقال: «اللَّدم: صوت الحجر، أو الشيء يقع بالأرض وليس بالصوت الشديد ...»(31).

وإنْ دلّ هذا على شيء، فإنّما يدلُّ على غرابة هذه اللفظة، بحيث لا يتوسّع في معناها حتى المعجم الحديث، ولم يورد إلّا الدلالات المعجمية القديمة نفسها وذلك لعدم استعمال هذه اللفظة، فهي غريبة إلى الآن، ولاسيما أنّ الحاجة إلى معانٍ جديدة مع تطوّر الحياة حاجة ملحّة.

يستفاد ممّا ورد في (المعاجم)، أنّ (اللَّدم) مرادف ـ عند أصحابها ـ للّطم, وللضرب، والحقّ أنَّ هناك فرقاً دقيقاً بين (اللّطم واللَّدم). فاللّطم : هو ضرب الصدر، أو صفحة الجسد بكف مفتوحة(32) وكذلك ضربك لخصمك.

أما اللَّدم : فلا يكون إلّا على الصدر؛ لأنّه يكون بكف مقبوضة مكتوم صوتها. وأغرب من هذا كلّه أنّ علماء (غريب الحديث)، قد أوردوا (اللَّدم) بمعنى المكيدة، والخديعة اللتين يستعملونها لصيد الضَّبُع(33). وغرابة هذه اللفظة إنّما جاءت من تعدّد دلالاتها مع وجود الجامع بين تلك الدلالات، وهو الضرب بكف اليد (أقصد الضرب واللَّدم، واللّطم(34)، واللَّكم، والوَكز ).

الذي يقصد إليه الإمام معنى دقيق, بعيد عن الضرب ؛ لأنّه مستعار، فهو يقول : لن أقعد عن طلب الحقّ، على الرغم من المكائد والدسائس وكثرة الحروب. وقد كنّى (باللَّدم) عن الخديعة، كما يخدع الضَّبُعَ صائدوها .

ومثل هذه اللفظة في (النهج) لفظة؛ (كشيش) من قول الإمام: «وَكَأنِّي أَنظُرُ إليْكُمْ تَكِشّونَ كَشِيشَ الضِّباب ...»(35). و(الكشيش) لفظ صحراوي، يعرفه البدوي، وهو : الصوت الذي يشوبه خور، و (كشيش الأفعى) : صوتها من جلدها لا من فمها(36)، وقد قال الراجز :

«كأنَ صوتَ سُخْبها المُرفضِّ
كشيشُ أفعى أجمعتْ بعضِّ
فـهـي تـحـكُّ بعضها ببعـض»(37)

وشبيه بلفظ (كشيش)، و(اللَّدم) ؛ لفظ : «العَمِدة»(38), ولفظ، «خَزائِم»(39), ولفظ «فِدامَ»(40).

***

المبحث الثاني؛ التناظر والتشابه:

تكمن الغرابة في هذا المبحث بسبب أصوات الكلمات، أو بسبب رجوعها إلى جذر بنائي واحد، ولاسيما؛ « إنّ القدر المشترك بين الألفاظ التي ترجع إلى أصل واحد في اللغة العربية، ثلاثة أحرف، ويسمّى مادّة الكلمة وأصلها»(41) , أو وجود مفردة مشابه لمفردة أخرى في الأصوات، مختلفة، بعيدة عنها في الدلالة المعنوية, كما في كلمة (الغِبُّ) التي تعني عاقبة الشيء(42)، وكلمة (الغَبُّ) ؛ وهي: مصدر غَبَّت الماشية تَغِبُّ، إذا شربت غِبّاً، وكلمة (الغُبُّ), وهي: الضارب في البحر حتى يمعن، أو الغامض من الأرض، و(أَغَبَّ) الزائرُ القومَ، إذا جاءهم يوماً، وترك آخراً، و(أغبَّ) اللّحمُ، إذا أنتن(43).

وقد هجا جرير الأخطل بقوله:

«والتَّغلبيَّةُ حِيـنَ غَبَّ غَبِيـبـُـهَا تَهْوي مشافِرُها لِشَرِّ مَشَافِر..»(44)

و(غَبَبَ) الذئب الشاة : إذا أخذ بحلقها، ومِن هذا المعنى قال الشاعر:

« ولَقَدْ غَنَيْتُ لَهم صَدِيقاً صالِحاً كالذّئبِ يَفْرِسُ تارةً ويُغَبِّبُ »(45)

هذه المفردة من (غريب الحديث)(46). وهي من (الشوارد) أيضاً(47)، وهي عندي من (غريب النهج)(48).

و(الغُبَّة) أيضاً: البُلغة من العيش، و( التَّغبَّة): شهادة الزور(49). فهذا التشابه في أصوات هذه المفردة أدّى إلى غرابتها، إذ خرجت عن الدلالة العامة للجذر الذي اشتُقت منه أخواتها(50), وهو الانقطاع إلى معنيين آخرين هما (الفساد)، و(الختم)؛ لأنّ أصل اللّغة يدلـّنا على التداخل المعنوي للكلمة، عندما تُستمد من جذور دلالية واحدة(51). ولهذا ذُكرت في كتب (الغريب).

وعلى نحو من هذا ورد في (النهج) لفظة (أعْذِبوا)، فهي غريبة لتشابهها وتناظرها مع لفظة(عَذَب) في قول الإمام : «أعْذِبوا عن النِّساءِ مَا استطَعْتُم»(52). وسأحيل إلى غير شرح (النهج) الذي اعتمدته, في هذه اللفظة فقط ؛ لأنّ ابن أبي الحديد أورد (أعزبوا) بدلاً من (أعذبوا)(53). قال الإمام هذا الكلام، لمّا شيّع سريّة أو جيشاً يغزيه تناولتْ هذا الحديث (كتب الغريب) وقيّدته للإمام(54) وأقدمهم أبوعبيد القاسم بن سلاّم، الذي قال:

«في حديثه (ع)، أنّه شيّع سريّة أو جيشاً، فقال : أعذبوا عن النساء ...»(55)، وتابعه في إيراد هذا الحديث موثقاً إلى الإمام لا إلى غيره، أصحاب المعاجم(56).

العَذْب؛ كلّ ما عَذُب وطاب من الأكل والشراب، فهو كلُّ مستساغ(57)، وبهذا المعنى نزل قوله تعالى: ((هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ))(58).

وقولهُ تـعالى:(( هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ))(59).

وفي الحديث, أنَّ النبي (ص) :

«كان يُستعذب لَه الماءُ من بيوت السّقيا»(60) أي: يُحضر له منها الماء العَذِب، وهو الطَّيب الذي لا ملوحةَ فيه.

يُقال أعْذِبنا واستعْذَبنا، أي شربنا عَذْبـاً واستقينا عَذْباً، وفي كلام الإمام أيضاً، في المعنى نفسه, يذم الدنيا قال : (اعْذَوْذَب جانِبٌ مِنها واحْلَولَى) وهما (إفْعَوْعَل)(61) من العذوبة والحلاوة، وهما من أبنية المبالغة.

و(اعذبوا) امتنعوا، تقول : أعْذَبته : إعْذاباً، كقولك : فطمته عن هذا الأمر، وكلّ مَن منعته شيئاً فقد أعْذَبته ويَعْذِب الرجلُ، فهو عاذِبٌ عن الأكل، لا صائِمٌ ولا مُفْطِر، قال عَبيد بن الأبرص :

« وَتبدّلوا اليَعْبوبَ بَعْــدَ إلهِهِـمْ صَنَماً فَقِروا ياجَديلَ وأَعْذِبوا»(62)

وقال حُميد :

«إلى شَجَــرٍ ألْـمــَى الظـلال كأنّهُ رَواهبُ أحـْْرَمْن الشراب عُذُبُ»(63)

ومن هذا المعنى شرح الرضي غريب هذه اللفظة, في باب كلام الإمام، المتضمن ألفاظاً غريبة، فقال: «ومعناه : اصدفوا عن ذكر النساء وشغل القلوب بهن، وامتنعوا من المقاربة لهنّ ؛ لأنّ ذلك يفتّ في عضد الحميّة ويقدح في معاقد العزيمة، ويكسر عن العدو، وتلفت عن الإبعاد في الغزو، فكلّ من امتنع من شيء فقد أعذب عنه، والعاذب والعذوب: الممتنِع من الأكل والشرب»(64).

والعذْب والعُذُب: ترك الرجل والحمار والفرس الأكل من شدّة العطش، فهو : عاذب، والجمع عُذُبٌ، فالعاذِبُ ؛ من جميع الحيوان ؛ الذي لايُطعَم شيئاً، وقال ثعلب: « العَذوبُ من الدّواب وغيرها ؛ القائم الذي يرفع رأسه، فلا يأكل ولا يشرب، وكذلك العاذِب، والجمع عُذُب »(65).

وأعْذَبَه إعْذاباً، وعَذَّبه تعذيباً ؛ منعه وفطمه عن الأمر، وكلُّ من منعته شيئاً فقد أعْذَبته، وأعْذبَ، وأسْتَعْذب كُلّه : كَفَّ وأضْرب(66) « فأعْذِب نفسك؛ اظْلِفْهَـا عنـه؛ وفي حـديث علي كــرم الله وجهه أنَّه شيَّع سِريّة فقال : أعذبوا عن ذِكرِ النساء أنفُسَكم، فإنَّ ذلك يَكْسركم عن الغزو، أي امنعوها عن ذكر النساء، وشَغْل القلوب بهنّ، وكلَّ من منعته شيئاً فقد أعذبته، وأعذب لازم ومتعد»(67).

وأما (العَذَبُ) فهو : القذى، يعلو الماءَ، وما يخرج في أثر الوَلد من الرّحم, ومآلي النوائح كالمعاذب، والخيط الذي يُرفع به الميزان، وَطَرَفُ كلّ شيء، ومن البعير : طرف قضيبه، والجلدة المعلـّقة خلف مؤخّرة الرَّحْل(68).

وأمّا (العَذاب) فهو النكال، وقد قال ـ عز من قائل ـ ((رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً))(69). وفي هذا المعنى جاء الحديث الشريف: «الميِّتُ يُعذّب بِبُكاءِ أهْله عليه»(70), يُشْبه أنْ يكون هذا من حيث إنّ العرب، كانوا يوصون أهلهم بالبكاء والنوح عليهم، وإشاعة النَّعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً في مذاهبهم، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك، ممّا تقدّم من أمره به .

والعَذِبة) و(العَذْبة): الطُّحْلُب(71)، وماء عَذِبٌ، ككتف، مُطَحْلَبٌ, وأعْذَبَه؛ نزع طُحْلبه، و(العَذُبة): الخيط المتدلّي من العمامة، والإعتذاب : أن تبسل للعمامة عذبتين من خلفها(72).

وخلاصة القول، فإنّ (أعْذِبوا) في هذا الحديث : اتركوا، واصدفوا، أو دَعوا، فهو: يفيد المنْع والتّرْك هنا، على حين نجد أنَّ أصل المادة (ع/ذ /ب) يدل على الاستساغة والحلاوة، فهناك تناظر في الأصوات وتشابه، وقد خطَّأ (الزبيدي) قول أبي عبيد، لمّا قال : «وأمّا قول أبي عبيد : وجَمْعُ العَذُوب عُذُوبٌ فخطأ؛ لأنّ فعولاً لا يُكَسَّر على فُعُول. قلتُ هو من غرائب اللغة، وفوائد الأشباه و النظائر، ومن حفِظ حُجَّة على مَن لم يحفظ...»(73).

فقد صرّح (الزبيدي): بهذا التناظر والتشابه في الأصوات, الذي سبّب غرابة في هذا اللفظ, وأدّى إلى بُعْد في المعنى، قد يصل إلى درجة (التضاد)، لأنّ المعروف المألوف أنّ المستساغ، لا يُترك، في حين، تدلّ لفظة (أعْذب) على التـَّرْك، وفي (المناظر) لهذه الكلمة أنَّك تقول : أعْذَبُ الرجلُ الماءَ، إذا أزالَ طُحْلُبَهُ، فيصبح عَذْباً، في حين يكون (عَذباً)، إذا كان فيه الطُحْلُب(74)، وليس هذا من (المشترك) اللفظي كما يبدو أوّل مرّة، بل من التناظـر الصوتي، لأصول الكلمة واختلاف الصيغة، في حين يكون المشترك اللفظي ؛ في لفظ واحد يفيد معاني متعدّدة، من نحو: (الخال) الذي من معانيه ـ بصيغته نفسها ـ أخو الأم، والشامة، والغيم الرقيق، ونوع من النسيج، والكذب ..(75).

فإنّما قلنا : إنَّ (أعْذِبوا) و(أعْذَب) ليسا من قبيل (المشترك اللفظي)، بسبب اختلاف الصيغة، واتحاد المادّة اللغوية، فكلتا اللفظتين، مكوّنة من (العين) و(الذال) و( الباء)، غير أنّ (أعْذِبوا) من الفعل الثلاثي، و(عَذَبَ) و(أعْذَبَ) من الفعل الثلاثي المزيد بهمزة في أوّله، والذي يسمّيه كثير من اللغويين القدماء رباعياً (76).

وقد يسأل سائل، ما وجه الغرابة هنا ؟ فنقول إنّ وجه الغرابة ؛ هو الإبهام الحاصل في ذهن السامع بين(عَذَب) و( أعْذِب)، من حيث الصيغة، وبين السائغ، وبين معنى الممتنع في (عَذَب) من حيث الدلالة، هو السبب في كون لفظة (أعذبوا) غريبة .

وقد وجدتُ كثيراً من هذه الألفاظ التي كان سبب غرابتها ؛ التناظر والتشابه في أصوات الكلمة، فـي (النهج)، من مثل لفظ «لُـمَـة»(77)، ولفظ «قَرَن»(78)، ولفظ «فَرَط»(79).

***

 

المبحث الثالث؛ تداول اللفظة في أكثر من مجال:

لو نظرنا إلى ما يراه الأقدمون في المشترك اللفظي، فإننا نرى اللغويين والأصوليين إزاءه فريقين، فريق يقرُّ بوجوده(80)، وفريق يردُّه(81)، ويلتمس لوقوعه في العربية تفسيراً(82) , ولم نفصّل القول عن هذه الظاهرة بين مؤيديها ومعارضيها ؛ لأنّ المهم لدينا ليس التاريخ لها، بل المهم ؛ هو : ما نتج منها من غرابة قسم من الألفاظ، بسبب اشتراك المعاني في اللفظ الواحد، والذي يسبب إرباكاً للسامع، حتى يطمئن إلى المعنى المقصود في النصّ، الذي يسمعه أو يقرأه .

ولم ينصّ القدماء، على أنّ المشترك من خصائص العربيـة لأنّهم، لم يكونوا معنيين بهذا، بل اهتموا بأساسها، الذي يعتمد على لفظٍ واحد تتفرع منه معانٍ عدّة، آخذين في نظر الاعتبار أنّ المعاني الحسيّة أسبق في الوجود من المعاني المعنوية(83).

والمشترك اللفظي : ظاهرة، قال عنها : كتّاب فقه اللغة المحدثون(84)، إنَّها من خصائص العربية : وخلاصة هذه الظاهرة ؛ أنّ للفظ الواحد ؛ معانٍ متعدّدة(85), وذلك نحو (الأثال) : كسحاب وغراب: المجد والشرف, وكغراب: جبل، وماء لعبس، أو حصن لهم و...(86)، والأمثلة على المشترك, لا تكاد تُحصى. وأهمّ ما يميّز هذه الظاهرة هو : بُعد ما بين الدلالات، التي تتفرّع من أصل واحد هو (اللفظ). وأودّ أن أذكر هنا ما أملاه علينا أستاذنا الدكتور ؛ صباح عباس السالم في (محاضراته) ؛ أنّه لا يَرى المشترك اللفظي من خصائص العربية، وحجّته في ذلك؛ أنّ الخصيصة، هي : الصفة التي يتفرّد بها الشيء، ولا يشركه فيها سواه، على حين ؛ تشارك لغات أُخر؛ العربية في خاصية المشترك اللفظي، فنجد فـي الإنجليزية مثلاً كلمة (spring) التي تعني: (الربيع)، و(النابض)، و(نبع الماء)، و(المنافق)... ومثل هذا كثير في بقية اللغات(87).

فأستاذي ـ السالم سلّمه الله من كلّ داء ـ , يرفض المشترك اللفظي, إذا كنا بصدد عقد مقارنة بين لغات العالم, ولكن عندما ندرس اللغة الواحدة فيكون المشترك خصيصة لها في ذاتها وليس مع غيرها. فتكون غرابة هذا النوع من كون اللفظ لا تستبين دلالته إلّا من خلال القرائن المحيطة به، الدّالة على ميدان استعماله ؛ لأنّ اللفظة (الأصل) تُستعمل في أكثر من مجال لغوي. وتشتدّ الغرابة؛ إذا غمض معنى اللفظ في المشترك، بحيث لا يتّضح بسهولة حتى من السياق، ومنه (متشابه القرآن الكريم)(88).

ومن أمثلة (الغريب) من المشترك اللفظي الذي ورد في (النهج) لفظة (اللـّمظة) من قول الإمام: «إنَّ الإيمانَ يَبْدو لُمْظةً في القَلْبِ، كُلّمَا ازدادَ الإيمانُ, ازدادتْ اللُّمْظَةُ»(89) ومعناه:أنّ الإيمان يبدأ بنقطة في القلب تكبر كلما ازداد الإيمان فهو لمعة بيضاء، فإذا عمل العبد الصالحات، نما وزاد حتى يبيضَّ قلبه كلّه، وإنّ النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهكت الحرمات نمت وزادت حتى يسودّ القلب فيطبع بذلك الختم ، ((كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ))(90).

وهذه اللفظة من (غريب الحديث)، أوردها علماؤه(91)، وقسم من أصحاب المعاجم(92). وغيرهم من مؤلفـي الكتب الأخرى ، موثـّقةً إلى الإمام علي (ع) لا لغيره(93)، وقد جعله الرضي من غريب حديث الإمام (ع) أيضاً(94).

قال: أبو عبيد القاسم بن سلاّم «... وفي هذا الحديث حجةٌ على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد أو ينقص ألا تراه يقول : كلـّما ازداد الإيمان، ازدادت تلك اللمظة...»(95).

ومن نافلة القول إنّي، وجدتُ صاحب (شرح العقائد النسفية)، قد أورد ما معناه ؛ أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأنّه التصديق القلبي الذي بلغ حدَّ الجزم والإذعان، وهذا لا يتصوّر فيه زيادةولا نقصـان فسواء أتى بالطاعات، أو أرتكب المعاصي، فتصديقه باقٍ على حاله، لا تغيير فيه أصلاً (96).

قلتُ: إنّ الآيات الدالّة على زيادة الإيمان كثيرةٌ، وقد فُسِّرت بهذا المعنى، ومنها قوله ـ تعالى ـ ((فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً))(97) , وقولهُ : ((وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً))(98)، وقولهُ: (( الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ))(99).

فالزيادة حاصلة في (الإيمان) الذي مثـّله الإمام كالنكتة في القلب، فإنّ إدراك معنى هذه اللفظة في قول الإمام ليس بالا مر السّهل، وذلك بسبب دلالة هذه اللفظة على معانٍ كُثـُر، فإنّها تدلُّ في الأصل على القلـّة أو الأمر اليسير، تقول العرب : أخذ بيده لُمظةً من السّمن، أي : شيئاً يسيراً بإصبعه(100). واللمظة أيضاً: بياض يسير في يد الفرس، أو رجله على الأشعر، وهو ـ الأشعر ـ نهاية الوظيـف من جهة الحافر، وهي أيضاً من معنى القلـّة، فاللـّمظة أيضاً : النقطة في شفة الداّبة السفلى، أو العليا(101) واللـّمظة أيضاً : النقطة، أو النكتة في القلب، وهذا المعنى هو الذي استعمله الإمام في الحديث .

واللـّمظة هنا ـ من الأضداد ـ فهي النقطة البيضاء، وهي النقطة السوداء، في آن واحد، يوضِّح معناه السياق. واللـّمظة أيضاً : بقيّة الطعام في الفم، يحرك الرجل لسانه لِتَتَبُّعِها، وإخراجها فهو يتلمّظ ومنه قيل : تلمّظت الحية، إذا حرّكت لسانها(102).

هذه المعاني، تجعل هذه المفردة مما (اتفق لفظه، واختلف معناه)، أو ما نسميه بـ(المشترك اللفظي)، الذي يعبّر عنه الدلاليون المعاصرون، بأنّ الكلمة تُستعمل في أكثر من مجال دلالي. ومن هنا تأتي غرابة لفظة (اللـّمظة) ؛ لأنّ كلّ معنى من معانيها مألوف في مجاله، غريب في المجالات الأُخر.

ومّما يضفي على (اللـّمظة) غرابة أكثر، هو أنّ الإمام ؛ مزج في استعماله إيّاها بين دلالتين، الأولى هي : القلـّة، بقوله : (يبدو لمظة)، ومّما يؤيد معنى القلّة قوله : (كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة) ؛ لأنّ معنى هذا ؛ أنّ (اللـّمظة) كانت نقطة صغيرة. والثانية هي: البياض؛ لأنّه استعار (اللمظة) للإيمان، وأنّ الإيمان، نور القلب، والنور أبيض عادةً، كومض البرق .

وهذه اللفظة تنضّم إلى مجموعة كبيرة من الألفاظ في (النهج) من مثل لفظ «القَزَع»(103) , ولفظ «أَرْبِعْ»(104)، ولفظ «قُلْعَة»(105).

***

 

المبحث الرابع؛ استعمال اللفظة بين الحقيقة والمجاز:

المعروف ؛ أنّ اللغة ؛ حقيقة ومجاز، والحقيقة ؛ هي : من قولهم حقّ الشيء إذا وجب، وهي : ضدّ المجاز(106)، الذي هو : من جاز الموضع جوزاً، ومَجَازاً، وجاوز الكلام، تكلّم بالمجاز(107). والكـلام بـ(الحقيقة) أكثر الكلام وأوفره، والمجاز فرع من الحقيقة، ويبدو هذا جلياً في أغلب استعمالات الجاحظ الفنية التي يطلق عليها المجاز(108). فانتقال الكلمة من الحقيقة إلى المجاز، يوجب الغرابة فيها في أحيان كثيرة، حتى تُفهم وتُدلّ، وهذه الدلالة تأتي من تطوّر الاستعمال .

المجاز في لغة العرب فنٌّ أصيل تمتّد جذوره إلى العصر الجاهلي في الاستعمال, وتشتبك فروعه في كلٍّ من الشعر، والنثر على حدٍ سواء، وقد حدب الأدب الجاهلي على إعطاء نماذج حيّة في هذا المضمار، نجدها في الشعر والخطابة، ومنتخبات الأعلام ؛ كالضبّي، والأصمعي، وابن الشجري وأمالي المصنفين كالقالي والشريف المرتضى، غنيّة بأصول هذا الفن، وإرهاصاته التاريخية، نجد فيها إشاعة الحياة في الجماد، وإضافة الحسّ إلى الكائنات، فتجاوزتْ بذلك حدود الحقيقة، إلى مناخ أوسع شمولاً، وأبلغ تعبيراً، وأدقّ إرادةً «فاللغة العربية تسمى لغة المجاز ؛ لأنّها، تجاوزت بتعبيـرات المجاز حدود الصورة المحسوسة المجرّدة...»(109).

ولهذا رُفض أن يكون في القرآن مجازٌ(110). غير أنّ كثيراً من العلماء، أكدوا وجوده في القرآن(111)، ومن هؤلاء ابن جني، الذي أشار إلى أنّ «المجاز لا يقع في الكلام ويُعدل عن الحقيقة إليه إلّا لمعانٍ ثلاثة ؛ هي : الاتساع، والتوكيد، والتشبيه ..»(112).

والحقّ أنّ ما قرره ابن جني هو المختار، وهو ما نأنس به، ونميل إليه؛ لأنّ الاتساع هو: المجاز وعدم وجوده لا يعني وجود حقيقة البتة فـ«إ نكار الحقيقة في اللغة إفراط، وإنكار المجاز تفريطٌ»(113) فلا مجاز من غير حقيقة.

وعلى هذا تبقى الحقيقة وهي «اللفظ الداّل على موضوعه الأصلي»(114)، هي الأصل المشرع في الاستعمال، ويظلّ المجاز فرعاً عن ذلك الأصل، ما لم يحقق المجاز مزية، فلا يُعدل إليه عن الحقيقة، إنّما يُعدل إلى المجاز إذا كان فيه زيادة في الفائدة، وشمول للمعنى الحقيقي، بإضافة معنى جديد، ينتقل إليه المتلقي، وهذا الانتقال إلى المتلقي ؛ ذو قيمة فنية في شمولية اللفـظ العربي، ومرونته في الاستعمال، وعلى هذا ؛ فالمجاز: حدث لغوي يفسّر لنا تطوّر اللغة بتطوّر دلالة ألفاظها على المعاني الجديدة، والمعاني الجديدة في عملية ابتداعها، لا يمكن إدراك حقائقها إلّا بالتعبير عنها, والتصوير اللفظي لها، والمجاز خير وسيلة للتعبير عن ذلك بما يضيفه من قرائن، ومن علاقات لغوية جديدة، توازن بين المعاني والألفاظ في الشكل والمضمون(115)، لذلك يعجب بما فيه من تلوين للأفكار، وتوليد للصور، وبعث الإيحاء، بما هو ملائم لطبيعة المعاني(116) ؛ لأنـّك ذكرتَ الكلمة ولا تريد معناها، ولكن تريد معنى ما هو ردف لها أو شبيه بها، فتجوَّزتَ بذلك في ذات الكلمة، فتكون على ظاهرها، ويكون معناها مقصوداً في نفسه، فلابدّ لذهن السامع من أن ينقل إلى المعنى الذي يريده القائل، باحثاً عن قرينة تربط الاستعمال الحقيقي للكلمة، و ما آلت إليه في المعنى المجازي.

ولما كان المجاز هو؛ علم البيان بأجمعه، وإنّه أولى بالاستعمال من الحقيقة في باب الفصـاحـة والبلاغة(117), وأنّ للبيان فروعاً، وأغراضاً كثيرة، أُلّفت فيها كتب كثيرة(118) , حصل التيهُ في تحديد دلالة اللفظة المستعملة، فتنشأ الغرابة من هذا الانتقال، وتنشأ أيضاً حتى في فروع المجاز نفسها .

ومن ذلك؛ قوله تعالى: ((وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي))(119). عبّر ـ سبحانه وتعالى ـ عن الإرادة من كونه على سبيل المجاز بـ (قيل)، وإنّما هي أمرٌ كائن لا محالة، وكانـت قرينة هذا المجاز ؛ خطاب الجماد، وهو لا يخاطب (يا أرض)، و( يا سماء)، إذ، هو: ليس ممّا يعي الخطاب، أو يدرك الامتثال، فكان ذلك قرينة في اللفظ في دلالة المجاز .

ومن الحديث؛ قول الرسول (ص) : «لا يُلْسَع المؤْمِنُ مِنْ جُحرٍ مَرّتين»(120) ويروى ـ لا يُلدغ ـ، والجحر: كلّ شيء يحتفره الهوام والسباع لأنفسها(121)، فهذا هو المعنى الأصلـي أو الحقيقي، ويُلسع : يُلدغ، واللسعُ: لذوات الإبر، واللـّدغ بالفم(122). في حين استعمل النبي هذه الكلمة (يلسع) بمعنى يخدع، واستعمل (الجحر) بمعنى المكان، فقد جاوز استعمالهما الأصلي إلى الاستعمال المجازي، أي: إلى أنّ المؤمن لا يُمكن أن يُخدع مرتين من مكانه، فيحصل له الأذى من تلك الخديعة، فعليه أن يتّعظ ويحذر في سلوكه مع الناس من المرة الأولى, أو الخديعة الأولى.

وعلى نحو ما تقدم، فإنّ استعمال الإمام الألفاظ في المجاز كثير في (النهج) ومنه كلمة (نُوَمَة)، في أثناء حديثه لمّا ذكر الفتن في آخر الزمان، في خطبة له من خطب الملاحم ؛ قال فيها :

« ... وَذَلِك زَمَانٌ، لا يَنْجِو فِيهِ إلّا كُلّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ، إنْ شَهِدَ لَمْ يُعرَف ، وإنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَد . أولئكَ مَصَابيحُ الهُدَى ، وَأعْلامُ السُّرى ، لَيْسوا بالمَسَايِيِحِ ، وَلا المَذايِيِعِ، أؤلَئِكَ يَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ أبْوابَ رَحْمَتِهِ ، وَيَكْشِفُ عَنْهُم ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ...»(123).

ولفظة (نُوَمَة) من (غريب الحديث)، أوردها علماء (الغريب)، ووثـّقوا نسبتها إلى الإمام(124) وقد روته عدد من المعاجم وكتبٌ أخرى مقيّدة للإمام لا لغيره(125) أيضاً .

والمعنى: تكون في آخر الزمان فتن، فلا ينجو فيه منها إلّا كلّ مؤمن، خامل الذكر عن الشرِّ وأهله، الذي؛ إنْ شهد لم يُعرف، وإنْ غاب لم يُفتقد فهؤلاء مصابيح الهدى، وأعلام السُّرَى، وهم ليسوا من الذين يسيحون بالفساد والنمائم في الأرض، ولا الذين إذا سمعوا لغيرهم فاحشةً أذاعوها، فهم لا يبذرون الأحاديث، والنمائم، ويفرِّقونها في الناس .

روى ابن خالويه (نَوْمَة) ـ بالتسكين ـ ، وقد غلط بها لمّا قال: «ليس في كلام العرب : فُعْلَة إلّا مفعول، ولا فُعَلَة إلا فاعل .. إلّا في حرف واحد، رجل نُومَة بالإسكان، إذا كان خامل الذِّكر، ويكون عبداً صالحاً، قال أمير المؤمنين علي (ع) : «خَيْرُ ذلِكَ الزمان كلُّ مؤمنٍ نُوْمة...»(126).

قرأتُ أغلب مصادر هذا الحديث ـ إنْ لم تكن كلّها ـ فلم أعثر على لفظة (نوْمَة) بالتسكين، بل وجدتُ (نُوَمَة) ـ بالتحريك ـ عدا قول ابن خالويه الآنف ذكره. ولعل ما أورده ابن الأثير لـ(نُوْمَة) ، مأخوذٌ من ابن خالويه، وقد ذكر اللفظة بعد كلمة «قِيل ... »(127).

استعمل الإمام علي (ع) لفظة (نُوَمَة) على غير وجهها الذي وُضعت له، فإنّ (النُوَمَة) هي: الرجل الكثير النوم(128). وهي من حيث الإستعمال الصرفي صيغة مبالغة، بوزن (فُعَلَة) مثل هُمزة أي: كثير الهمْز للناس، ولُـمَزَة، أي كثير اللـَّمْز لهم، غير أنّ المعنى الذي قصد إليه الإمام ؛ هـو (الساكن في الفتنة اللازم لبيته)(129).

قلتُ إنّ هذه صفات المؤمن في حلول الفتن، يدلُّ على ذلك قوله : (أولئـكَ مصابيحُ الهُدى...)، ومّما يتصل بهذا؛ أنّ الإنسان إذا قعد في بيته، خَمُل ذكره، وهنا ذكر قسم من أصحاب المعاجم أنّ (النُّوَمَة): هو الخامل الذكر(130).

إذن أصبح بهذا ثلاثة معانٍ (للنُوَمَة) متقاربة ينتج بعضها بعضاً، ومن هنا تأتي الغرابة ؛ لأنّك لابدّ من أن تختار المعنى المناسب للظرف الذي قِيلت فيه تلك الخطبة، والمناسب أيضاً لأدب الإمام الجمّ وطريقة تربيته لأصحابه. أنّه بالتأكيد لا يطلب منهم أن يكونوا خاملي ذكر؛ لأنّه ؛ لا يريد لأي مؤمن أن يصبح هَمَلاً، أو من سَقْط المتاع, فلا يبقى لنا إذن إلّا اعتزال الفتنة. ويلحظ القارئ، أنّنا لم نصل إلى هذه الدلالة إلّا بعد أن عرضنا (النَّومة) بمعنييهـا الآخرين، على الظروف المحيطة بالنصّ، فخلص لنا معناها الثالث، ولهذا كلّه, سُئل عبدالله ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ (ت/68هـ) عن معنى (النُّوَمَة) في حديثه قال : «إنّه قال لعـلي : ما النّوَمَة؟ فقال : الذي يسكن في الفتنة فلا يبدو منه شيء»(131). وبقول ابن عباس هذا حُسم الأمر؛ لأنّ تفسير (النومة) جاء من القائل نفسه، وما قَصَدَ باللفظة، أعني الإمام علي (ع) . فأصل النّوم ؛ هو النعاس، وانتقلت دلالة (النومة) من الحقيقة إلى المجاز بمجيء معنـىً آخر يختلف عن أصل الوضع للدلالة الأولى، وبهذا حصلت الغرابة ، وتوهّم المتلقي, غير المتخصص . فهـي أثّرت في اللفظ ومعناها هـذا أثّر في اللفـظ والتركيب فأنظر كيف كان إلتفات الإمام إلى هذه المعاني اللطيفة(132).

ومما يتعلق بغريب هذا الحديث أيضاً لفظة (البذر)، وقد ردّ ابن أبي الحديد قول الرضي, لمّا شرح الأخير غريب كلام الخطبة في قوله: « والبُذُرُ : جَمْع بَذوُر، وهو الذي يكثر سَفَهُهُ، وََيَلْغو مَنْطِقُه...»(133), فقال الشارح: «والبُذْر :جمع بَذور، مثل صَبور وصُبُر ؛ وهو الذي يذيع الأسرار ؛ وليس كما قال الرضي ; ، فقد يكون الإنسان بذوراً وإن لم يكثر سفهه، ولم يلغُ منطقه ؛ بأن يكون عُلَنة مذياعاً من غير سفه ولا لغو»(134).

قلتُ إنَّ البذور والبذير؛ هو النَّمام(135)، والنمام ؛ إنْ لم يكن سفيهاً، ولا لاغياً(136) في منطقه، فهو؛ سفيه ولاغٍ في أخلاقه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ؛ كيف ينمّ النميمة من غير سفهٍ ولا لغوٍ؟. وما التسمية التي تصلح للذي ينمّ بين الناس ؟ أليست هي بذيراً، أي : يبذر الكلام بالنميمة والفساد .

ومن مثيلات لفظة (نُوَمَة) ما أورده الإمام في (النهج) أيضاً لفظ (ضَحِّ) من قوله : «وَأُقْسِمُ باللهِ رَبِّ العالمين مَـا يَسُرُّني أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِن أمَوالِهمْ حَلالٌ لِي، أتَرُكُه مِيراثاً لِـمَنْ بَعْدي، فَضَحِّ رويداً، فَكَأنَّكَ قد بَلَغْتَ المَدَى ...»(137).

الأصل في (ضحّى) أن تذبح شاة يوم (الأضحى) فيقال لها (أُضحية)(138)، وقوله (فضح رويداً) كلمة تقال لمن يؤمر بالتؤددة والأناة والسكون، وأصل العبارة، أنّ الرجل يطعم إبله ضحىً، ويسيرها مسرعاً ليسير، فلا يشبعها، فيقال له : ضحِّ رويداً والمراد بالعبارة هنا؛ إرعَ نفسك على مهل، فإنّما أنت على شرف الموت .

ومثل هذه الألفاظ كثير في (النهج) كلفظ «غَمْرَة»(139) ، ولفظ «يُجعْجِعا»(140)، ولفظ «يُظَرِّفُ»(141) و... .

***

 

المبحث الخامس؛ اتساع دلالة اللفظة:

لقد ذهب جملة من علمائنا القدامى إلى وجود مناسبة طبيعية بين اللفظ ومدلوله، ولاشكّ في أنّ الخليل بن أحمد الفراهيدي، قد أفاد الدارسين في معجمه (العين) بهذه المناسبة، وتابعه الجاحظ، وابن جني و ابن فارس، والثعالبي(142).

غير أنّ لكلّ لفظةٍ ميلاداً، فالمناسبة بين اللفظ عند نشأته الأولى ومدلوله، لا تُلتمس إلّا في الاستعمال, وأنّ هذه المناسبة ؛ تُحمل حملاً على المعنى الأصلي الأقدم، ولا يَخفى على الباحث اللغوي، أنّ الدلالة الأخيرة، لم تنشأ مع اللفظ، ولم تحضر ميلاده، بل اكتَسبت إيحاءها ودلالتها في الاستعمال الأخيـر نفسه، وهو المعنى الجديد ؛ لأنّ كلّ جيلٍ له حاجة ملحّة إلى فهم متجددٍ للغة ومفرداتها. فهل نستطيع أن نتخيّل أنّ الإجابة عن هذه الحاجة، يمكن أن تتحقق بمعرفة المعنى الحقيقي للفظ، والمعنى الجديد, وإن كانت مادّتهما المعجمية واحدة(143)!؟

هذا وقد يُخصّص المعنى العام على الخاص، وكذلك قد يُعمّم المعنى الخاص على العام(144).

وقديماً تحدّث (علماء الغريب) عن كلمات ؛ اتسعت دلالتها إلى معانٍ جديدة، في غير ما وضعت له في الدلالة الأولى للكلمة، من نحو لفظة (العقيقة)، التي كانت تعني (الشعر)، ثم توسّعت دلالتها إلى معنى (الذبْح)، فقيل للشاة عقيقة(145).

ومثال من درسنا اللغوي المعاصر لفظة (قَارَن)، وتعني، صاحب، فَقَارن الشيء مُقارنـةً وقِراناً اقتَرَنَ به وصاحَبه ، ومـن هـذا المعنى قوله ـ تعالى ـ ((وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً ))(146). لكنّ لغتنا الحاضرة لا تستعمل (قارن) بمعنى الاقتران والمصاحبة وإنّما يُراد بها(الموازنة), فهم إذا وازنوا بين موضوعين من الموضوعات، أحدثوا (المقارنة) بمعناها الجديد، ومن هذا عرفنا (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) للآمدي (ت/370هـ)(147) وهو من الكتب الشهيرة في النقد والبلاغة، ومثل ذلك فـي(كتب الأدب المقارن)، وكتب علم اللغة من نحو (حول المنهج المقارن وتصنيف اللغا ت)(148)، فالمقارنة بمعنى الموازنة حاصلة موضوعاً وتطبيقاً. واتسع هذا المعنى لتستعمله المحاكم في معنى(أدلّة الإدانة أو التبرئة)، فانظر كيف اتسعت دلالة اللفظ (قارن) المعنوية من المناسبة الوضعية بين اللفظ ومدلوله إلى ما آلت إليه الدلالة الأخيرة المستعملة(149).

ومثال ما اتسعت دلالته مما استعمله الإمام في (النهج) لفظة (يَعْسوب)، إذ قال : «فإذا كَانَ ذلِكَ ضَرَبَ يَعْسوب الدِّينِ بِذَنَبِهِ، فَيَجْتَمِعُون إليه كَمَا يَجْتَمِعُ قُزَعُ الخَرِيفِ»(150).

ولفظة (يَعْسوب) كانت في مطاوي كتب (غريب الحديث)، وقد وثّق مؤلفو( الغريب) نسبتها إلى الإمام لا إلى غيره(151)، ووضعها الرضي في باب « من كلامه (ع) المتضمّن ألفاظاً من الغريب تحتاج إلى تفسير »(152).

وهذا الكلام من أخبار الملاحم، التي كان يخبر بها الإمام، وهو يذكر الإمام المهدي (ع) من ولده، ويريد : إذا كان ذلك الزمان، أقام وثبت بعد اضطرابه، وذلك؛ لأنّ (اليَعْسوب) فحل النّحل ـ قديماً ـ وسيّدهـا, وهو أكثر زمانه طائر ـ غائب ـ بجناحيه، فإذا ضرب بذَنَبه، فقد أقام، وترك الطيران والحركة تشبيهاً باختفاء المهدي، فهو أكثر زمانه مختفياً، فيجتمع إليه المؤمنون، كما تجتمع أقطاع السحب الرقيقة. و(ضرب يَعْسوب الدِّين بِذَنَبِه)، أي : فارق الفتنة وأهلها، وضرب في الأرض ذاهبـاً أو مسافراً في أهل دينه، و(ذَنَبَه) : أتباعه، و( الضرْب بالذَنَب) أنْ يغرزه في الأرض، إذا بـاض كما تَسْرَأُ الجراد. فالقائم ـ يومئذٍ ـ يثبت حتى يثوب الناس إليه، وحتى يظهر الدين ويفشو .

لو أردنا تتبّع دلالة (يَعْسوب) منذ النشأة الأولى إلى الوقت الحاضر، لاحتجنا إلى معجم تأريخي، يدوّن لنا وقت ميلاد اللفظة، وكيف ومتى توسّعت دلالتها ولم يصل إلينا في هذا الأمـر إلّا الجزء الأول من معجم فيشر التاريخي(153)، وهو عاجز تمام العجز عن النهوض بمثل هذه المهمة، لنقصانه، غير أنّي سأدرس دلالة (يَعْسوب) بما توافر لي من المعاجم اللغوية : ابتداءاً من معجم (العين) بوصفه أقدم معجم لدينا ـ متدرجاً ـ حتى المعجم الوسيط، لنرى كيف توسّعت هذه الدلالة، وربّمـا تتداخل معاني (المعاجم) في مابينها، فـ(المعجم) اللاحق ينقل عن (المعجم) السابق .

قال الخليل في مادة (ع/س/ب): «العَسْب : طَرْق الفرس»(154)، وربّما استعمله الشاعر في الناس أيضاً حين قال زهير؛ بيتاً شعرياً لزهير بن أبي سلمى استشهد به قسم من أصحاب المعاجم, ولا أذكره تنزيهاً للبحث(155) من ألفاظه الفاحشة.

وذكر الخليل أيضاً أن (اليَعْسوب) ؛ هو أمير النّحل، وفحله(156)، ومثله قال الرازي(157) وزاد ياقوت الحموي (ت/626هـ) معنى (الجبل) في دلالة هذه اللفظة، بعد قوله: « قال بعضهم: حتى إذا كنا فويق يَعْسوب»(158). غير أنّ الخليل ذكر ثلاثة معانٍ أُخر, غير (أمير النّحل وفحله) هي؛ أنّ (اليَعْسوب) طائرٌ يُشبّه به الخيل والكلاب لضمرها(159)، ومن هذا المعنى وجدتُ قول الشاعر بشر :

«أبو صِبْية شُعْثٍ يُطيفُ بِشَخْصِه كَوالِحُ أمثَالُ اليَعاسيبِ ضُمَّرُ»(160)

وهذه الدلالة ـ في ما أراه ـ جاءت من شبه الطائر بـ (اليَعْسوب)، ومن رئاسة أمير النّحل على بقيّة النّحل، وذكر الخليل الدلالة الثانية وكانت : ضربٌ من الحجلان من أعظمها(161) ،ولا أدري كيف جاءت الدلالة الثالثة، وهي: دائرة في مركض الفرس، حيث يصيب رَحْلَ الفارس(162)، وأورد ابن الاثير دلالةً خامسة حين قال: «في حديث معضد؛ لولا ظمأ الهواجر، ما باليتُ أن أكونَ يَعْسوباً»(163)، ثم شرح اللفظة وقال «اليَعْسوب هنا فِراشة مخضّرة »(164).

ثم كثر استعمال اللفظة بعد إطلاقها الأوّل في دلالتها الأصل، حتى سمّوا بها كلّ رئيس، ولهذا قال ابن منظور «واليَعْسوب : أمير النّحل، وذكرها، ثم كثر ذلك حتى سمّوا كلّ رئيس يَعْسوباً»(165), وزاد في دلالات هذه اللفظة، حتى ذكر (الذهب)، لسيادته على باقي المعادن، المتمثلة بثمنه، فقد قـال «يسمّى الذهب يَعْسوباً، على المثل لقوام الأمور به»(166).

ثم توسّعت دلالة (يَعْسوب) حتى شملت غُرّة في وجه الفرس ؛ مستطيلة تنقطع قبل أن تساوي أعلى المنخرين، وإن ارتفع على قصبة الأنف، وعَرُض واعتدل حتى يبلغ أسفل الخُليقاء، فهو يَعْسوب أيضاً، قلّ أو كثر، ما لم يبلغ العينين(167).

ولعلّ تسمية يَعْسوب عَلَماً لها ؛ إنّما جاءت من شبْه غرّتها بشكل يَعْسوب النّحل، إذ هي مخصّرة من الوسط وأعلاها ـ مابين عيني الفرس ـ يشْبه صدر اليَعْسوب، وأسفلها ـ الممتدّ إلى أنف الفرس ـ يشْبه بطن اليَعْسوب.

وكثر هذا الاتـِّساع، حتى عُمِّمت هذه الدلالة الخاصة ـ الغرّة في وجه الفرس ـ على عامة جسم الفرس، فسمّوا الفرس يَعْسوباً، وإلى هذا المعنى ذهب ابن منظور(168)، والفيروز آبادي(169)، من أنّ (اليَعْسُوب) فرس للنبي (ص) وأخرى للزبير بن العوام .

تبيّن ـ مّما تقدّم ـ أنّ ابن منظور ذكر صراحة؛ اتّساع دلالة هذه اللفظة وتابعه في ذلك، محمد مرتضى الزبيدي، إذ قال «واليَعْسوب : أمير النّحل وذكرها واستُعمل بعد ذلك في الرئيس الكبير والسيِّد والمقدّم، وأصله ؛ فحل النّحل ... وفي حديث علي ...»(170).

وأنتهي من هذا كله إلى أنّه يستفاد مّما ورد في(المعاجم) من أنّ (اليَعْسوب) لفظٌ يدلّ على الذكورة والسِّيادة ؛ والذكورة والسِّيادة؛ فيهما معنى الارتفاع عن أبناء النوع الذي يكونان فيه، فهناك (يَعْسوب) الَحَجَل، و(يَعْسوب) الجراد، و(يَعْسوب) الفرس، و(يَعْسوب) النّحل، و(يَعْسوب) الفَراش.

واتّسعت دلالة اللفظة، لتدلّ على (الجبل)، بحسبانه مرتفعاً عمّا يحيط به من الأرض، وامتدّ معنى الارتفاع، والسموّ إلى رئيس الناس، المسوَّد عليهم، أو الذي يجتمع عليه الناس، فيوجههم ويأمرهم، فيطيعونه، فتكون الرئاسة لـه وإلى هذا الحد تنتهي دلالة(اليَعْسوب) ـ أقصد رئيس القوم وسيّدهم ـ وهي آخر دلالة في معجم حديث ذلك هو: (المعجم الوسيط) الذي لم يزد مؤلفوه عن قولهم إن «اليَعْسوب: ملكة النّحل، وهي أنثى وكان العرب يظنّونها ذكراً لضخامتها. ويقال هو: يَعْسوب قومه: رئيسهم، وكبيرهم، ومقدمهم والجمع يَعَاسيب»(171).

فغرابة لفظة (يَعْسوب)، جاءت من اتساع دلالتها أولاً، واعتقاد اللغويين العرب، بأنّ النّحل (ذكر)، ولذلك قالوا: إنّ (اليَعْسوب) أقوى ذكور النّحل، وهو فحلها الكبير، الذي إذا ضرب بذَنَبِهِ ؛ اجتمـع النّحل حوله.

فنحن نعلم ـ اليوم ـ أنّ في خلية النّحل إمرة أُنثوية، فـ(اليَعْسوب) على فهمنا، هو ملكة النّحل، لا الذكر، والذكر؛ أضعف منها بكثير، والنّحل لاتجتمع على ذكرها، وإنّما تجتمع علـى الملكة، ثانياً .

وستظلّ كلمة (اليَعْسوب) عنواناً على دلالة مرنةٍ، قابلةٍ للزيادة بقدر ما أراد الله ـ سبحانه ـ إيداعه في الكلمة من مضمون يتراحب حتى يضمّ كل الدلالات المعنوية إلى نهاية الزمان؛ لأنّ اللغة العربية لغة الله في السموات قبل الأرضين . وشبيه بلفظ (يَعْسوب) لفظ «أغْمَضَ»(172)، ولفظ «مَضَامِين»(173)، ولفظ «قُلّ»(174)، و... وغير هذا كثير في (النهج).

هذا ما وجدتَه من غريب المعنى في ألفاظ (النهج) وهناك ألفاظ غربتْ أيضاً, بسبب بنائها الصرفي، وهي ما ستحتلّ الفصل الثالث من هذا الباب إن شاء الله .

***

الهوامش

(1) ينظر : طبقات الشعراء لابن المعتز : 273 ـ 274، و(عيسى بن عمر) : 34 ـ 36.

(2) ينظر : الإتقان: 2 / 55 ـ 59، وينظر أيضاً : (سؤالا ت نافع بن الأزرق)، تح : د. إبراهيم السامرائي.

(3) ينظر : الإعجاز البياني للقرآن ومسائل نافع بن الأزرق : 270 ـ 288، وينظر أيضاً : (شواهد القرآن لأبي تراب)، (الجزء الأول), و(مسائل نافع) للسيد محمد مهدي الخرسان، مخطوط، في حوزتي .

(4) ينظر: الحيوان : 4/ 216، و (جمهرة اللغة) (ن /ض/ض): 1/157، وهي بمعنى : الحية التي لا تستقرّ في مكان، أو إذا نهشت قَتلت من ساعتها, ينظر: (غريب الحديث للقاسم بن سلاّم)، و (الفائق)، و (التذييل والتذنيب)، (ن/ض/ض): 3 /220، 3/436، 5/72، 116 .

(5) ينظر : أخبار النحويين البصريين : 81، وهي بمعنى ؛ سوء الرد ؛ ينظر : (القاموس المحيط) (ن/ج/5): 1154.

(6) ينظر : الأمثال لمؤرج السدوسي : 86، و (الأمالي للزجاجي) : 1 / 21، والهُبَع ؟ مانتج آخر النتاج، ينظر : (القاموس المحيط) (هـ/ب/ع): 714، والرُبَع : ما نتج في أول النتاج، ينظر : (القاموس المحيط) (ر/ب / ع) : 663.

(7) ينظر : المعاني الكبير: 1 / 566.

(8) ينظر : التصحيف والتحريف : 48.

(9) ينظر : عيسى بن عمر : 44 .

(10) ينظر : المعارف : 531، 540.

(11) ينظر : صبح الأعشى : 2 / 242 .

(12) ينظر: شرح النهج: 6/438/7، 10/202/4، 2/300/5، و(يمري) من (مرى الناقة) أي: مسح على ضرعها ليحلب لبنها، و(الربق): جمع (ربقة) وهو حبل فيه عدّة عُرى يُشد به البهم، و(الجَرجرة): صوت يردده البعير في حنجرته، ولعلّه ينتج عن( الشِقشقة) التي هي شيء كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، ينظر في هذه المعاني: (القاموس المحيط) : (م/ر/ى)، (ر/ب/ق)،( ج/ر/ج/ر): 1224، 816، 341 .

(13) علم اللغة / وافي : 255، وينظر أيضاً : (دراسات في فقه اللغة) : 303 .

(14) الشعراء /148 .

(15) ينظر : البيان والتبيين : 1/ 26 .

(16) ينظر: علم اللغة العربية : 246 .

(17) لتفصيل هذا يُقرأ : (علاقة تميم وحروبها مع القبائل العربية)، ويُقرأ: (صلة تميم بملوك الحيرة)، ويُقرأ أيضاً : (تميم والأحزاب الإسلامية)، في هذا كله، ينظر : (صفة جزيرة العرب) : 162، و(معجم ما استعجم) : 1 / 86، و(نقائض جرير والفرزدق) : 1 / 66، 1 / 298، و(لهجة تميم) : 27.

(18) ينظر : غريب الحديث : 3/ 436، و( المجموع المغيث) : 3/523 , و(ا لفائق) : 3/ 313، و(غريب الحديث لابن الجوزي) : 2/321، و(النهاية): 4/ 246، وقد نقله عن(الغريبين) لأبي عبيد الهروي.

(19) ينظر : شرح النهج : 1/223 .

(20) جمهرة الأمثال : 1/ 276 .

(21) كنيتها (أم طرَّيق) على (فعَّيل)، وخامري ؛ ألزمي وِجارك، وخامر الرجل منزله، كالذي حِلْسه منزله، أي إذا لزمه.

(22) ديوانه : 36 .

(23) ينظر : الصحاح (ل/د/م) : 5/2.29 .

(24) ديوانه : 1/74 .

(25) ينظر : مختار الصحاح (ل/ د/ م) : 596 .

(26) ينظر : شرح النهج : 1/ 223 .

(27) المحكم، (ل / د / م) : 6 / 470.

(28) لسان العرب : (ل/ د / م) :12 / 539 .

(29) ينظر : القاموس المحيط (ل/ د/ م) : 1067 .

(30) ينظر تاج العروس : (ل / د / م) 9/58 ،( نسخة غير محققة).

(31) المعجم الوسيط (ل / د / م) : 2/ 827 .

(32) ينظر : القاموس المحيط (ل / ط / م) : 1067 .

(33) ينظر: الفائق: 3/313، وينظر: (النهاية): 4/246.

(34) تقارب حرف (الطاء) مع (الدال) في (اللّطم)، و (اللَّدم)، وتطور (الدال) إلى (التاء)، وهو : الجمع، ثم انقلاب (التاء) إلى (الطاء) لأنّهما يتبادلان في هذه اللفظة، ينظر في ذلك (سرّ صناعة الأعراب) : 174، 200، 223.

(35) شرح النهج : 7/304 .

(36) ينظر : القاموس المحيط (ك/ش/ش) : 559.

(37) ينظر : لسان العرب (ك / ش / ش) 6/341، ولم ينسبه ابن منظور .

(38) شرح النهج : 6/ 102 / 3.

(39) المصدر نفسه : 13 / 137 / 6.

(40) م. ن : 19 / 31 / 1.

(41) فقه اللغة وخصائص العربية:73، وهناك من يجعل أصل الكلمة في حرفين، ينظر:(نشوء العربية ونموها واكتهالها): 2، و(أبحاث ثنائية ألسنية ): 6، مجلة المجمع العربي بدمشق: 13/220، (بحث طه الراوي)، و(دراسات في فقه اللغة):153, وقارن في: (أصول النحو): 1/125.

(42) ينظر: مختار الصحاح : (غ/ب/ب): 467 .

(43) ينظر: القاموس المحيط : (غ/ب/ب): 122 ـ 123 .

(44) ديوانه: 309 .

(45) ينظر : الجيم : (غ/ب/ب ): 3/3، وزاد فيه (فذاك التغبيبُ)، ولم ينسبه الشيباني .

(46) ينظر : الفائق : 1/ 132، وينظر أيضاً : (النهاية) : 3 / 336 .

(47) ينظر : الشوارد في اللغة : 316 .

(48) ينظر : شرح النهج : 17 / 5/ 6 .

(49) ينظر : تاج العروس : (غ / ب / ب) : 3/ 454 ـ 455 .

(50) ينظر : دلالات (غ / ب / ب) في ( التاج ) : 3/ 451 ـ 456 .

(51) ينظر : فقه اللغة وخصائص العربية : 75 .

(52) نهج البلاغة لصبحي الصالح : 519، و(نهج البلاغة لصبري إسماعيل السيد) : 295، و(نهج البلاغة) (نسخة مفهرسة) : 174.

(53) ينظر : شرح النهج : 19 / 114. وقفتُ على نيف وثلاثين كتاباً بعد المئة من كتب (النهج) ولم أجد لفظة (اعزبوا) بل وجدت (اعذبوا) وقد اقتضاني هذا الأمر أيضاً أن أرجع إلى ما أمكنني الوقوف عليه من النسخ المخطوطة ـ وبحوزتي بعض صورها ـ لمتن (النهج) وأقدمها نسخة علي ابن ناصر وهو من معاصري الرضي، وقد تقدّم ذكرها في التمهيد، وثانيها نسخة للشيخ حسن حسن زاده العاملي كتب في آخرها (تمّ الكتاب بعون الوهاب سنة 421هـ)، وثالثها؛ نسخة من منشورات المرعشي النجفي بخط الحسين بن الحسين المؤدّب، وقد كُتبت في سنة (499هـ)، ينظر: (أعلام الشيعة) قسم النابس في أعلام القرن الخامس:5/11، و(ماهو نهج البلاغة) : 8. أمّا النّسخة الرابعة؛ فكانت في حوزة السيد مهدي الحسيني اللاجوردي، وقد جاء في نهايتها (فرغت من قراءته على مولاي.. محمد بن أبي نصير.. في شهر ربيع الأول من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمئة هجرية، وزيادة على هذا فقد وردت لفظة (أعذبوا) في كتب (غريب الحديث). ولعلّ الشارح ذكر (اعزبوا)، لاعتماده على نسخة مخطوطة، محفوظة بمكتبة طلعت برقم (4840ـ أدب) كُتبت سنة (682هـ) بخط الحسين بن محمد الحسني، وهذه النسخة هي التي تفرّدت بنقل (أعزبوا) وعلـّة ذلك جاءت من عدم دقّة الناسخ في نسخ المخطوطة الأم، فحصل هذا اللبس من تشابه حرف(الذال) مع حرف (الزاي). ولاسيما أنّ وقت النسخ هو القرن السابع والشارح من أهله أيضاً، فالناسخ معاصر لابن أبي الحديد. وممّا يعضد رأي هذا أيضاً اعتراف المحقق بالرجوع إلى هذه النسخة التي اعتمدها الشارح، ينظر: (شرح النهج):1/21.

(54) ينظر : غريب الحديث : 3/ 467، و( الفائق):2/127، و(غريب الحديث لابن الجوزي): 2/76، و(النهاية): 3/195.

(55) ينظر: غريب الحديث: 3/467، و(الفائق): 2/127، و(غريب الحديث لابن الحوزي): 2/76، و(النهاية): 3/195.

(56) ينظر : لسان العرب المحيط، و( تاج العروس)، و( المعجم الوسيط) (ع/ ذ / ب) : 2/ 715، 3/ 327، 2/ 596.

(57) ينظر: العين، و(لسان العرب)، و(تاج العروس)، و(المعجم الوسيط) (ع/ذ/ب): 2/102، 2/715، 3/326، 2/596 .

(58) الفرقان / 53 .

(59) فاطر /12 .

(60) ينظر: النهاية : 3/195 .

(61)ينظر: النهاية : 3/195 .

(62) ديوانه /3 .

(63) ديوانه / 57.

(64) نهج البلاغة لصبحي الصالح : 519.

(65) تاج العروس/ (ع/ذ/ب) : 3 /326 .

(66) ينظر: المصدر نفسه: 3/326

(67) م. ن: 3/326.

(68) ينظر : القاموس المحيط (ع/ذ/ب): 117ـ 118، وينظر (التاج) (ع/ذ/ب) أيضاً: 3 /327 ـ 328.

(69) الفرقان / 65 .

(70) النهاية : 3/ 196 .

(71) ينظر : القاموس المحيط (ع / ذ / ب) : 118 .

(72) ينظر: المصدر نفسه: 118.

(73) التاج : (ع/ ذ / ب) 3/326 .

(74) ينظر : تاج العروس : (ع/ ذ / ب) : 3/ 329.

(75) ينظر : القاموس المحيط (خ / و / ل) : 916.

(76) ينظر : الكتاب: 2/ 214 ـ 231, 245 ـ 246, 310, و( المقتضب): 71 ـ 72, و( المنصف في التصريف): 1/ 20 ـ 24, 28 و....

(77) شرح النهج : 10 / 164 / 4.

(78) المصدر نفسه : 13 / 110 / 12.

(79) م. ن. : 16 / 96 / 2.

(80) ينظر : الكتاب : 1/24، و( الاشتقاق لابن السراج ) : 33، وينظر أيضاً : (اللمع في أصول الفقه) : 49، و (المحصول) : 1/ 267، و (شرح الكوكب المنير) 1/ 140، و (كشف الأسرار) : 1/ 39 ـ 40، و (نهاية السول) : 2 / 114 .

(81) ينظر: تصحيح الفصيح لابن درستويه:1/240، وقد نقله عنه السيوطي في(المزهر):1/384.

(82) ينظر : اصلاح المنطق : 56، و( بصائر ذوي التمييز) : 4/ 4ـ5، و( التصريف الملوكي) : 48، و( شرح تصريف الملوكي) : 110 ، و (المنجد لكراع النمل) : 32 ـ 33 و (المأثور عن أبي العميثل) : 7ـ 8.

(83) ينظر: في اللهجات العربية : 119، و(دور الكلمة في اللغة): 191 , و(لحن العامة والتطور اللغوي): 78 .

(84) ينظر : ظاهرة المشترك اللفظي ومشكلة غموض الدلالة : 176 ، و ( ابن جني وعلم الدلالة): 169 .

(85) ينظر : المزهر : 1/ 369، وينظر : (المشترك اللفظي في اللغة العربية) : 87 .

(86) ينظر : القاموس المحيط (أ /ث / ل) : 884 .

(87) مدونتي : 27، محاضرات ألقاها الدكتور صباح على طلبة الماجستير في 3/1 / 1998 .

(88) ينظر: كتب متشابه القرآن، ومنها كتاب (متشابه القرآن لعبدالجبار أحمد الهمداني)، و(المتشابه من القرآن لمحمد علي حسن الحلبي) و(متشابهات القرآن ومختلفه لابن شهر آشوب)، و... .

(89) شرح النهج : 19/111.

(90) المطففين /14.

(91) ينظر : غريب الحديث للقاسم بن سلاّم : 3/460، و( الفائق) : 3/311، و(غريب الحديث لابن الجوزي) : 2/ 331، و(النهاية) : 4/471 .

(92) ينظر : اللسان، و( التاج) (ل / م/ ظ) : 7/ 461، 5/ 263 .

(93) ينظر : اللمع لابن السراج : 130، و( قوت القلوب) : 2/ 275 .

(94) ينظر : شرح النهج : 19 /111 .

(95) غريب الحديث : 3/ 460 ـ 461 .

(96) ينظر : شرح العقائد النسفية : 157 .

(97) التوبة / 124 .

(98) الأنفال / 2 .

(99) التوبة / 124, وينظر : الآيات الدالة على زيادة الإيمان في (المعجم المفهرس) : 410 ـ 411 .

(100) ينظر : القاموس المحيط (ل / م / ظ) : 644، و( التاج) (ل/ م / ظ) : 5/ 263 .

(101) ينظر : القاموس المحيط (ل / م / ظ) : 644 .

(102) ينظر : القاموس المحيط، و( التاج) (ل / م / ظ) : 644، 5 / 263.

(103) شرح النهج : 7 / 263 / 1.

(104) المصدر نفسه : 15 / 125 / 9.

(105) م. ن. : 16 / 89 / 2 .

(106) ينظر : القاموس المحيط : (ح/ ق / ق) 806 .

(107) ينظر : المصدر نفسه : (ج / و / ز) : 470 .

(108) ينظر استعمالات الجاحظ لإطلاقات المجاز في (الحيوان) : 5 / 23 ـ 34 .

(109) ينظر : اللغة الشاعرة : 40 .

(110) ينظر : أسرار البلاغة : 361، و(البرهان للزركشي) : 2 / 255، و(الإتقان) : 3 / 109 .

(111) ينظر: تأويل مشكل القرآن: 99، ناقش ابن قتيبة هذه القضية مناقشة أدبية نقدية بارعة، وينظر أيضاً : (الخصائص): 2 /442 .

(112) الخصائص : 2 / 442 .

(113) الطراز : 1 /44 .

(114) المثل السائر : 1 / 58 .

(115) ينظر: الفوائد : 10، وينظر أيضاً: (الصورة الفنية): 153.

(116) ينظر : المجاز وأثره في الدرس اللغوي : 52.

(117) ينظر : فنون بلاغية : 84.

(118) ينظر : مَن كتب في المجاز وفروعه في : (علم البيان) لبدوي طبانه : 3 ـ 46.

(119) هود / 44.

(120) السنن الكبرى : 6 / 320، و (من كنز العمال) : 1/38 .

(121) ينظر : القاموس المحيط: (ج/ ح/ ر): 338.

(122) ينظر : القاموس المحيط (ل/س/ع) : 702.

(123) شرح النهج : 7/ 109.

(124) ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلاّم: 3/ 463 ـ 464 , و(الفائق) : 3/ 135, و(غريب الحديث لابن الجوزي): 2/ 442, و( النهاية ): 5/130.

(125) ينظر : ليس في كلام العرب :313، و(التذكرة لابن الجوزي): 138، و(مختار الصحاح) (ن/و/م) : 686، و(الملاحم): 27 و(اللسان) (ن/و/م): 12/596.

(126) ليس في كلام العرب : 313 .

(127) النهاية : 5/ 131 .

(128) ينظر:مختار الصحاح، و(اللسان)،و(المعجم الوسيط)(ن/و/م): 686، 12/596، 2/974.

(129) ينظر: شرح النهج: 7/110، وقد شرحها الرضي وجعلها من غريب ألفاظ الخطبة، وينظر أيضاً : اللسان (ن/و/م) : 12/595, و (القاموس المحيط) (ن / و / م) : 1073 .

(130) ينظر : المصادر نفسها، وينظر أيضاً : المعجم الوسيط (ن / و / م) : 2/974 .

(131) ينظر : الفائق : 3/135، و( النهاية) : 5/131، و( لسان العرب) (ن / و / م) : 5/ 596 .

(132) سيتم بحث هذا الموضوع والإشارة إليه في غرابة التركيب والنظم إن شاء الله .

(133) شرح النهج : 7/110 .

(134) شرح النهج : 7/110 .

(135) ينظر : القاموس المحيط (ن / م / م) : 1073 .

(136) ينظر : المصدر نفسه (ل / غ / و) : 1222 .

(137) شرح النهج : 16 / 168، رويت موثـّقة للإمام ينظر : (عيون الأخبار) : 1/57، و(العقد الفريد) : 2/242، و(تذكرة الخواص) : 167 .

(138) ينظر : القاموس المحيط (ض / ح / ى) : 1199 .

(139) شرح النهج : 2/189 /5.

(140) المصدر نفسه : 10/ 55 / 3 .

(141) م. ن. : 18 / 260 / 2 .

(142) ينظر: تقليبات الكلمة في كلّ معجم (العين), و (البيان والتبيين) : 1/ 39، و( الخصائص) : 1/ 65، و( الصاحبي في فقه اللغة) : 193، و(فقه اللغة وسرّ العربية ):171، و (منهاج البلغاء) : 18، و( خصام ونقد) : 102 .

(143) ينظر : نظرية جديدة في دلالة الكلمة القرآنية في: (بحوث في اللغة والأدب ): 66.

(144) ينظر : التطور اللغوي وقوانينه : 178ـ179، و( دلالة الألفاظ) :148، و(اللغة لفندريس) : 256، و(علم اللغة وفقه اللغة) : 58 .

(145) ينظر : غريب الحديث لابن إسحاق الحربي : 1/45، و( المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل) : 2/644.

(146) النساء / 38، وينظر الآيات الأخرى في هذا المعنى في (المعجم المفهرس) (ق / ر / ن) : 652 .

(147) طبع الكتاب بتحقيق؛ محمد محيي الدين، وأحمد صقر باسم (الموازنة بين الطائيين) في القاهرة، 1959 ـ 1961.

(148) ينظر: حول المنهج المقارن: 144 ـ 162.

Ashort of liguisticsf , R.H.RobinsـLondon 1967.

(149) للمزيد من معرفة أتساع الدلالة ينظر : (التطور اللغوي التاريخي) : 123 ـ 142 .

(150) شرح النهج : 19 / 104.

(151) ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد القاسم: 3 / 439 ـ 440، و(الفائق): 2/150، و(غريب الحديث لابن الجوزي): 2/95 و(النهاية) : 3/234.

(152) شرح النهج : 19 / 104 وقد تكرر (اليَعْسوب) في (النهج)، ينظر: الشرح: 13/166، 19/105.

(153) طبع في القاهرة سنة 1387 هـ ـ 1967 م .

(154) العين (ع / س / ب) : 1 / 342 .

(155) ينظر: ديوانه : 301 .

(156) ينظر : العين (ع / س / ب) : 1 / 342 .

(157) ينظر : مختار الصحاح (ع / س / ب) : 431 .

(158) معجم البلدان : 4 / 1021 .

(159) ينظر : العين (ع/س/ب) : 1 / 342 .

(160) ديوانه : 84 .

(161) ينظر : العين (ع/س/ب) : 1 / 342 .

(162) ينظر : المصدر نفسه .

(163) النهاية (ع /س/ب) : 3 / 235 .

(164) المصدر نفسه .

(165) لسان العرب (ع/س/ب) : 1/ 599 .

(166) ينظر : المصدر نفسه.

(167) ينظر : م. ن.

(168) ينظر : م. ن .

(169) ينظر : القاموس المحيط : (ع/ س / ب) : 119 .

(170) تاج العروس (ع / س / ب) : 3 /369 .

(171) المعجم الوسيط (ع / س / ب) : 2 / 606 .

(172) شرح النهج : 7 / 201 / 6.

(173) المصدر نفسه: 16 / 293 / 2.

(174) م.ن: 18/122 / 4.