نهج السعادة
الشيخ المحمودي
ج 1
[1]
نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
[3]
نهج السعادة
في مستدرك نهج البلاغة
تأليف
الشيخ محمد باقر المحمودي
[4]
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
[5]
سورة إجازة الاستاذ العلامة الفقيه المتبحر الميرزا محمد حسن اليزدي رحمه الله
المتوفى يوم الخميس: (12) ربيع الثاني من العام: 1379 الهجري.
[6]
صورة إجازة المحقق العلامة الفقيه الاصولي المتفرد بالمباني الرصينة الميرزا محمد باقر الزنجاني أعلى الله مقامه المتوفى يوم: (21) من شهر رمضان المبارك من سنة: (1394) الهجرية.
[7]
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد شكر الله - الذي جعل الشكر مزيدا لآلائه، وسببا " لاستبقاء نعمائه، وسلّماً "إلى مرافقة أوليائه، ووسيلة" إلى مجاورة أصفيائه، والسلام على سيد أنبيائه، وخاتم سفرائه، المختار من أصل الكرم، والمنتجب من سلالة المجد الاقدم، والمنتخب من خلاصة أشراف بني آدم، والصلاة والسلام على آله ينابيع الحكم، ومصابيح الظلم، ويعاسيب الامم " ومفاتيح الكرم، وأعلام الشريعة الغراء، ودعاة المحجة البيضاء، وقادة الامة الحنيفية السمحاء - فيقول (1) الحقير القاصر أبو جعفر محمد باقر المحمودي (2) إني في ابتداء عمري ونعومة حالي، وطراوة غصني وفراغ بالي كنت مشغوفا " بمطالعة الكتب الدينية، مفطورا " على العناية بالمسائل الشرعية، مجبولا على التفكر والتدقيق في المباحث المذهبية، والامور الاعتقادية، ولم يتجاوز عمري سني المراهقين، ولم تك معلوماتي مبنية على مقدمات أهل النظر والتحقيق، وجرى علي سنين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفاء جواب ما تقدم من الشرط وهو: " أما بعد ".
وهذا نظير قول السيد الرضي (ره) في ديباجة النهج: " أما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا " لنعمائه - وساق الخطبة إلى أن قال: - فاني كنت في عنفوان السن، وغضاضة الغصن الخ.
ونظيره أيضا " خطبة التجريد للمحقق الطوسي قدس سره.
(2) ابن ميرزا محمد بن ميرزا عبد الله بن ميرزا محمد بن الاخوند ملا محمد باقر بن الاخوند الحاج محمود بن الحاج كمال بن محمود بن كمال.
وهذا التسلسل في أجدادي وسلسلة نسبي هو المعروف بين أقربائنا وقد سمعته عن غير واحد من معمري عشيرتي ونسابة قومي.
[8]
من الزمان وكنت على هذه الحالة، إلى أن حثني بعض الاكابر من أهل بيتي وبني عمومتي (3) على تحصيل العلم، والانتظام في زمرة أولياء الله، ومن رفعه الله وآتاه خيرا كثيرا، وفضله على البرية تفضيلا، فشمرت لاجابة دعوته الميمونة عن ساعد الجد، وقلت لبيك داعي الله، فاشتغلت بالتعلم منه ومن الوجيه الحاج الشيخ حسين الرفيعي - والد الشيخ الماجد المعاصر الشيخ أسد الله الرفيعي رفع الله درجاتهم - مدة لا تتجاوز سنتين، ولا تقل عن سنة ونصف ثم ألقى الله في روعي، وألهمني الذهاب إلى مدينة العلوم الربانية، وقبة الاسلام، ومركز الراسخين في العلم النجف الاشرف - زادها الله علاءا وشرفا - ولما رسخت هذه العزيمة في نفسي، واستحكمت في خلدي، وخالطت مخي ودمي، وهونت علي العناء، وجعلت مقاساة السفر وبرد الشتاء علي مريئا (4) خرجت متفردا، وسعيت ماشيا متوجها تلقاء باب مدينة علم النبي والروضة المباركة العلوية على مشرفها الاف الثناء والتحية، وجرى علي في الطريق سوانح ذكرتها في رسالة " السير إلى الله " وبعد اللتيا واللتي من الله علي بالوصول إلى المقصد، والتشرف بوادي السلام العلوي أعني النجف الاشرف، فخررت لله ساجدا وأنا أقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وكان بدء وصولي إلى مركز العلم ومهبط رجال الدين النجف الاشرف في أوائل شهر ربيع الاول من سنة " 1364 " الهجرية - الموافقة لسنة " 1323 " الشمسية و " 1945 " " الميلادية " - فساعدني بعض الاجلة من أقربائنا رحمه الله (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وهو الشيخ الرئيس الشيخ أحمد المعروف: " رستكار " الساعي في إحياء معالم الدين، وتكثير التلامذة والمحصلين، وهو ابن الرئيس علي بن الرئيس جنيد بن الرئيس كمال بن محمود بن كمال.
(4) إنما قلت: " برد الشتاء " دون حر الصيف مع انه المتعارف في نظير المقام، لاني خرجت من بلدي في صبارة القر وغاية برودته المعبر عنه في لسان أهل ايران: " جلة زمستان ".
(5) وهو العالم الجليل والسيد النبيل السيد ابو الحسن الراغب - المتوفى ليلة الثلثاء (22) من جمادى الاولى من سنة (1384) - نجل الشاعر المعروف السيد أسد الله الراغب المتوفى ببلدة " فال " في اليوم (24) من ربيع الثاني من سنة (1340) القمرية الهجرية.
[9]
على تحصيل العلم وآواني في الحجرة التي كانت تخصه في المدرسة المعروفة بالمدرسة القزونية، فاشتغلت بالعلوم المعتادة في أيامنا بين المحصلين، ولكن بمقتضى سجيتي وما ارتكز في فطرتي وغرس في قلبي كان إلمامي بكتب التفسير والكلام والحديث والتاريخ أكثر، ونشاطي بها أتم، وولعي وشوقي إليها أشد وآكد، وكنت مكبا على المعجزة العلوية الخالدة أعني كتاب " نهج البلاغة " فجعلته سمير ليلي وأنيس نهاري، وصاحب وحدتي وكاشف همي وكربتي، وكلما كررت في مطاويه النظر، وأمعنت في مضامينه الفكر، زدت ايمانا على ايمان بأنه قبس من الانوار العلوية، وغيض من فيض بحار العلوم المرتضوية، وندى من اقيانوس علوم الدين، ورشحة من معارف السيد الوصيين، وخليفة سيد المرسلين، ومهما سبرت كتب الاخبار، وتصفحت جوامع الادب والآثار وثقفت التفاسير والتواريخ، عثرت له على مصادر وثيقة، ومدارك قوية قويمة قديمة، وكلما اطلعت على كتب المعرضين عن أمير المؤمنين، وتأملت كلمات المنحرفين عنه وأساطيرهم، رأيت البغضاء مجسمة، والشحناء ممثلة، والمحادة مجسدة، والشنان قد تجاوز النهاية، والمعاداة مسفرة، والمكابرة متراكمة، والمشاقة ملموسة، فعرض لي من البهر والدهشة والحيرة ما لا يوصف، إذ لم أجد - ولن يوجد أبدا - مثل كتاب نهج البلاغة حقيقة نيرة أوقدت من شجرة طيبة مباركة علوية - أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين، ويكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، ويوشك نورها أن يعبق العالم، ويفيق قاطنيه من الاغماء، ويخلصهم من الدواهي واللاواء - وهو مع هذا مورد النقاش والاستنكار، ! ! وكيف يمكن النقاش فيه وقد اكتنفته الشواهد الداخلية والخارجية، وحفت به المعاضدات اللفظية والمعنوية، ولفت به القرائن الحالية والمقالية، وجل ما فيه مما أجمع واتفق على روايته علماء السنة والامامية، وهل يمكن ستر الشمس بالكف، أو يتيسر إخماد نور الله بالنفث، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الفاسقون، وكيف
[10]
لا يستعجب الفطن الخبير المنصف من ذلك، مع انه لم يعرف - ولن يعرف أبدا - بعد القرآن الكريم نظير كلام أمير المؤمنين - عليه السلام - عزا عربيا سرمدا ومع ذلك يقع في معرض الانكار، ويكون هدفا للنقاش، ويقابل بالمكابرة والمجادلة، وكيف لا يتعجب اللبيب ولم يعهد - ولن يكن معهودا لاحد - بعد الفرقان المجيد مثيل نهج البلاغة أساسا أدبيا مخلدا قد تمثل بصورة الاعجاز، ومع الوصف يجهل قدره ؟ ! لا يقدره ذووه، ولا يصدقه أهلوه ؟ ! !
وكيف لا يعجب الحكيم - أو يلام على ذلك - ولم يشاهد - ولن يشاهد أبدا - بعد تنزيل العزيز الحميد، عديل نهج البلاغة بيانا جامعا للحقائق، وكاشفا عن الغرض من إيجاد العالم وتشريع القوانين الالهية، وبعث الانبياء والسفراء، ومحاسبة العباد في يوم المعاد، وهل يترقب مثله كلاما شارحا للاسلام ومزاياه الراقية ؟ !
وهل ينتظر شبهه بيانا سائقا إلى الايمان ودرجاته السامية، وثمراته الطيبة، وبركاته العظيمة، ولوازمه الرغيبة الحبيبة الحميدة ؟ !
أنى يترقب مثله وهو معجزة الخلافة ؟ !
أو أنى ينتظر شبهه وهو من أنوار الامامة !
! ومن لوازم الوصاية والولاية كل ذلك مما خص الله تعالى بها وليه ووصي نبيه ميزة له عن المبطلين، ودلالة على أمامته، وحجة على خلافته، وتحفظا " على غرضه وحكمته، ولطفا على بريته وقطعا لمعاذير عباده، ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) يا معشر المنكرين وياملا المعرضين عن سيد الوصيين، فإن كنتم في ريب مما وصفنا به كلام أمير المؤمنين، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم ائتوا صفا وائتوا من آثار أئمتكم السالفين، والحقوها بمسترقات أكابركم اللاحقين، فإن وجدتم فيها جميعا معشار ما في كلام امير المؤمنين (ع) من المزايا الرائقة، والنعوت الفائقة، فاستمروا في في امركم وبالغوا في إنكاركم فإن لم تفعلوا - ولن تفعلوا - فاتقوا النار التي أعدها الله تعالى للكافرين بآياته، والمحادين لاوليائه، والمنكرين لمزايا حججه وخصائص خلفائه، وآمنوا بالنور الذي وهب الله لوليه وخليفة نبيه، واجعلوه مع كلام الله الحميد المجيد معيار علمكم وعملكم في جميع المواضيع من الاعتقاديات والاخلاقيات والعمليات
[11]
وبعدما اطلعت على صنيع المنحرفين، وسجية المعرضين عن أمير المؤمنين، وصرت من مشاقتهم من المتعجبين، ورأيت الاصدقاء متخاذلين، والسواد الاعظم من المؤمنين متكاسلين، وعن إحقاق الحق وإبطال الباطل قاصرين، وألد الخصوم علينا متحاملين، بدا لي أن أجمع لكتاب نهج البلاغة ما اطلعت عليه من الاسانيد الوثيقة، والمصادر المعتبرة القويمة، أداء لبعض ما يجب على العلماء، من إرشاد الجهال، وإبطال كيد المبطلين والضلال، وتدعيم الحقائق، وتوطيد الوثائق، علما بأن في الجمع المذكور أحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، ولفتا لانظار أهل الحق بأن في هذا العمل تشييد الاصول الاعتقادية، وترويج المسائل العملية، وترميم المكارم الاخلاقية، وتعزيز القوانين الاسلامية، وتأييد للمستقلات العقلية.
ولما شمرت عن ساعد الجد والاجتهاد، وخضت في جوامع كتب علمائنا الاخيار، وألممت ببعض ما حضرني من كتب أهل السنة - مع قلة مقدرتي عليها وشدة حاجتي إليها - رأيت أن ما فات عن السيد الرضي (ره) - أو تركه - من كلم أمير المؤمنين عليه السلام لا يقل عما جمعها وذكرها (7)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كي تكونوا في الدنيا والآخرة من الفائزين، وتسودوا على العالمين، ولا تكفروا به ولا تنبذوه وراء ظهوركم فتكونوا من الاخسرين الذين ضل سعيهم في الحيات الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " (7) بل ما فات منه - أو ما تركه على زعم بعض - أكثر، وقبل أن ترى صدق ما قلناه برأي العين بمشاهدة ما في كتابنا - نهج السعادة - نوطد دعوانا بما ذكره جماعة من ثقاة أهل النقل من المحدثين والمؤرخين فنقول: قال أبو عمر في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الاستيعاب - المطبوع بهامش كتاب الاصابة: ج 3 ص 1111 -: وخطبه (عليه السلام) ومواعظه ووصاياه لعماله كثيرة مشهورة وهي حسان كلها.
وقال الحسن بن علي بن شعبة - من أعلام القرن الرابع - في الباب الاول من مختار كلم أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب تحف العقول ص 43: لو استغرقنا جميع ما وصل إلينا من خطبه وكلامه في التوحيد خاصة دون ما سواه من المعاني لكان مثل جميع (ما في) هذا الكتاب الخ.
[12]
فعند ذلك عزمت على تأليف كتاب آخر يتضمن ما لم يوجد في نهج البلاغة، وحيث إن الموضوع الثاني كان أهم، صرفنا فيه نهاية الطاقة، وغاية المقدرة، وقدمناه في الترتيب والتأليف، وبحمد الله تعالى ومنته قد جمعنا من كلم أمير المؤمنين عليه السلام - في المواضيع الثلاثة التي اختارها السيد الرضي وغيرها - ضعف ما في نهج البلاغة، وأقمنا على جلها من الشواهد الخارجية - المعاضدة بالشواهد الداخلية - ما لو رآها المنصف المتدبر، ووعاها العالم المتبحر، لقال: سبحان الله ما هذا من عند غير وصي النبي، إن هذا إلا من إمام عليم اختاره الله واصطفاه لخلافة رسوله الكريم، ودراسة دينه القويم، وكتابه الحكيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال في الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي، ص 138: أخبرنا السيد الشريف أبو الحسن علي بن محمد الحسيني، باسناده إلى الشريف المرتضى قال: " قد وقع إلي من خطب أمير المؤمنين عليه السلام أربعمأة خطبة.
تأمل هذا الكلام - وما يأتي بعد - وراجع باب الخطب من المنهج فإنه مع ما فيه من غير الخطب ومن التكرار لا يتجاوز جميع ما فيه عن نيف ومأتين: (238) وقال اليعقوبي - من أعلام القرن الثالث - في كتابه: مشاكلة الناس لا زمانهم، ص 15: " وحفظ الناس عنه (عليه السلام) الخطب، فانه خطب بأربعمأة خطبة حفظت عنه، وهي التي تدور بين الناس ويستعملونها في خطبهم ".
وقال المؤرخ الشهير المسعودي في مروج الذهب: ج 3، ص 419 ط بيروت - في عنوان: " لمع من كلام (أمير المؤمنين) وأخباره وزهده "، قبيل ختام ترجمته عليه السلام -: والذي حفظ الناس عنه (عليه السلام) من خطبه في سائر مقاماته أربع مأة خطبة ونيف وثمانون خطبة (كان عليه السلام) يوردها على البديهة، وتداول الناس ذلك عنه قولا وعملا.
- ثم ساق لمعا من كلامه عليه السلام وجملا من القضايا إلى أن قال: - وفضائل علي ومقاماته ومناقبه ووصف زهده ونسكه أكثر من أن يأتي عليه كتابنا هذا أو غيره من الكتب، أو يبلغه إسهاب مسهب أو اطناب مطنب، وقد أتينا على جمل من أخباره وزهده وسيره وأنواع من كلامه وخطبه في كتابنا المترجم بكتاب: " حدائق الاذهان " في أخبار آل محمد عليه السلام، وفي كتاب " مزاهر الاخبار، وطرائف الآثار " للصفوة النورية، والذرية الزكية، أبواب الرحمة، وينابيع الحكمة.
[13]
وسمينا هذه المجموعة ب " نهج السعادة " في مستدرك نهج البلاغة (8) ورتبناها على خمسة أبواب: الباب الاول في الخطب وما يجري مجراها من الكلم الطوال، والباب الثاني في الكتب والرسائل وما بمعناها، الباب الثالث في الوصايا، الباب الرابع في الادعية والمناجاة " الباب الخامس في الدرر اليتيمة، والحكم القصيرة من كلمه عليه السلام (9).
وقد كتبنا بتوفيق الله تعالى - في مدة لا تنقص عن خمس عشرة سنة - مثلي ما في نهج البلاغة كمية وعددا، ومثله مما لا يقصر عما فيه نتيجة وغرضا، مع أن جهاز التأليف والتصنيف الذي كان عندي لم يك وافيا لهذا الغرض الخطير، وتحصيل غيره لا يتيسر لمن لا يملك من قطمير.
وأيضا قد ظفرنا في هذه المدة على مصادر وثيقة لاكثر ما رواه السيد الرضي (ره) في نهج البلاغة، وأخرجنا أسانيد كثيرة وشواهد وفيرة لجل ما فيه عن كتب الفريقين: الشيعة والسنة، وإن أنسا الله تعالى في عمري، ومتعني بما حباني وأمدني بما أعطاني من التوفيق، وأظفرني بمخطوطات القدماء من الفريقين، لافتحن لارباب الادب والبلاغة أبوابا، ولاكشفن عن وجه السعادة نقابا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) وإنما سميناه بهذا الاسم، لانا - كما دريت مما ذكرناه آنفا - بنينا أن لا نذكر في نهج السعادة ما هو مذكور في نهج البلاغة ولو عثرنا عليه في غيره من المصادر، وبعدما نشرنا وطبعنا منه مجلدا وشرعنا في طبع مجلد آخر، اطلعنا على ما جمعه السيد السند السيد عبد الزهراء الخطيب وفقه الله حول أسانيد نهج البلاغة ومصادره، فرأيناه غير قاصر عما جمعناه حول الكتاب، فعدلنا عن تأليف كتابين وترنمنا بقوله تعالى: " وكفى الله المؤمنين القتال ".
ثم ببعض المناسبات أدرجنا بعض ما ذكرناه وجمعناه بعنوان: " أسانيد نهج البلاغة وشواهده " في الموضوع الثاني أعني نهج السعادة.
(9) وبعدما فرغنا من تنضيد كلمه عليه السلام بمقدار وافر في الابواب الخمسة، عزمنا على جمع الشتات من منظوم كلامه وتصييره بابا سادسا، فجمعنا شيئا كثيرا مما تكلم به عليه السلام في المقامات المختلفة، والمناسبات المتكثرة، ولكن بالمراجعة إلى ما جمعناه ورتبناه يعلم أن جله ليس منه بل من غيره تمثل به أمير المؤمنين عليه السلام ببعض المناسبات، وان المنظوم من كلامه عليه السلام نفسه في غاية القلة، ولكن لا بمثابة أفرط بها بعض العامة.
[14]
ثم ليعلم أنا نذكر - في جميع الابواب المعدودة - كلام أمير المؤمنين عليه السلام كما ظفرنا به، ونذيله بما عندنا من الشواهد، وفي ختامه نذكر المصدر المأخوذ منه وغيره، ولا نتعرض لما يخطر في خلد بعض ممن عقله عقل الصبي، وفهمه فهم السفيه، فنحن مستغنون - بما صنعناه - عن جواب ما أبداه لسان البغضاء، أو يتصور بالتصور البدوي والنظرة الحمقاء.
وليعلم أيضا " أن لدينا شيئا " من الكلم المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، في الابواب المذكورة وغيرها، ولم ندرجها في كتابنا هذا، لان بعضها مختلق قطعا، وبعضها وإن كان من سنخ كلامه وإمكان صدوره عنه عليه عليه السلام، قائم ولا دليل لنفي الصدور، ولكن لا شاهد له (10)، ودليل الاثبات والمصدر المأخوذ منه غير صالح للحجية، أو أن راوي الكلام غير معتمد عليه، وهذا القسم نترصد للعثور على شاهد لحجيته، وإما لذكره في مصدر آخر موثوق به، أو كونه مرويا بسند آخر معتمد عليه، أو يدل دليل خارجي على صدوره عنه عليه السلام.
وليتنبه أيضا انا لا ندعي الاحاطة بجميع ما صدر عنه عليه السلام في الابواب الخمسة وغيرها إذ كثير من كلماته الصادرة عنه في أيام طرده عن مقامه واختلاس الخلافة منه، لم يضبطها أحد ولم يدون، وما ضبطوه ودونوه في غير تلك الايام مصادره غير محصورة، وأنا يحيط المحصور والمحدود بغير المحصور ؟ ! وكثير من المصادر المتكلفة لبيان خصائصه وعلومه قد أتلف وأعدم فذهب ما فيه بذهابه، كذهاب بعض علومه عليه السلام، وموته بموت راويه كما قال عليه السلام: " هكذا يموت العلم بموت حامليه ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) وأخيرا قد أدرجنا في نهج السعادة مقدارا قليلا من هذا النوع أي ما هو من سنخ كلامه عليه السلام ولا دليل على نفي صدوره عنه، رجاء أن نظفر على شاهد له، أو يظفر غيري على شواهده، وإذن فلا بد فيما ذكرناه من ملاحظة جهات الحجية، فيقبل ما هو الواجد لها، وينتظر لغيره العثور على شواهده، فلا محيص لغير أهل العلم إلا الرجوع إلى أهله المتخصص بالفن، كما هو الشأن في جميع الاشياء، فالمعتبر مما ذكرناه هو ما اقترن بالشاهد الصدق دون غيره.
[15]
وليتذكر أيضا بأنا لا نقتصر على خصوص كلمه عليه السلام البليغة، وألفاظه الرشيقة، وإن كان جل ألفاظه أقواله مذهبا برونق الفصاحة، ونوع كلمه مطلى بماء البلاغة ومحلى بحلية الايجاز (11) بل نذكر كل ما اشتمل على معنى بديع، أو إثبات حق أو إبطال باطل، أو يتضمن الارشاد إلى مصلحة مهمة، أو ما ينفر عن وجوه العناء والشقاء، أو يتعرض الدلالة على أمر جليل وخطب عظيم عامة الناس عنه غافلون، وصار بينهم نسيا منسيا، وبالجملة نذكر من كلمه عليه السلام ما كان مقربا إلى السعادة وموجباتها، ومبعدا عن الشقاوة وموبقاتها، سواء كان بليغا - كما هو الشأن في أغلب ما صدر عنه عليه السلام - أم لا يكون كذلك، وما قيمة البلاغة في قبال السعادة وموجباتها ؟ !
وفي جانب التخلص من الشقاوة وموبقاتها، وفي حذاء انجاء النفوس من الهلكات، وإحيائها من مرديات الهوى وسكر متاع الحيات الدنيا، وهل البلاغة إلا زينة الحياة الدنيا، وزخرف دار الفناء، وزهرة أيام التظاهر والتعارض ! ! !
وليعلم أيضا أنا لاحظنا الترتيب في كلامه عليه السلام (12) فقدمنا ما هو أقدم صدورا وأسبق حدوثا في عالم الخارج - ولو بحسب التقريب والظن - فرتبنا ما اخترناه من كلمه الاول فالاول، بحسب ما عثرنا عليه وشهد الشاهد الداخلي - كمضمون الكلام أو سنده -، أو الشاهد الخارجي والقرينة المنفصلة على زمان صدوره وأوان إلقائه وتكلمه به، ليتسلسل كلامه بحسب الترتيب والتأليف كتسلسله بحسب الصدور والبروز في نفس الامر وعالم الخارج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) هذا إذا أريد من البلاغة معناها المتفاهم العرفي، وإن أريد بها ما فسره البيانيون من أنها: " مطابقة الكلام لمقتضى الحال ".
فكلمه عليه السلام كلها بليغة.
(12) وهذا الترتيب اخترناه بعد نشر باب الوصايا كما انه لم يلاحظ في الباب الخامس وقصار كلمه عليه السلام هذا المعنى.
وهو الاسلوب الثالث الذي استقر عليه عزمنا أخيرا بعدما كنا رتبنا الكتاب على أسلوبين آخرين.
أحدهما أسلوب نهج البلاغة وثانيهما: تأخير السند عن ذكر كلامه مثل تأخير المصدر المأخوذ منه وغيره عنه.
[16]
ليسهل تناوله لمن أراد قسما خاصا منه، فمن أراد العثور على خصوص ما صدر عنه عليه السلام في أيام النبي صلى الله عليه وآله بمجرد ما افتتح الكتاب ونظر إلى عنوان الكلام يستعلم منه بغيته، ويستنتج محل طلبته، ومن فوائد هذا الاختيار أن يكون الكتاب كترجمة لحياة أمير المؤمنين عليه السلام مأخوذة من بيانه ومتلقاة عن فمه ولسانه، فيكون مقياسا به يميز صواب ما ذكروه في ترجمته عن خطائه، ويكون ميزانا به يوزن ما نسبوه إليه أو نفوه عنه، فيقبل ما يوافقه ويرد ما يخالفه، كل ذلك بعد ملاحظة شرائط الحجية.
هذا كله إذا كان زمان الصدور معلوما إما تحقيقا أو تقريبا، وأما الكلام الذي لم يعلم وقت صدوره ولو تقريبا فنؤخره عن معلوم الصدور، ونصوغه بصياغة مفردة مستقلة، وننسج له كساءا على حدة، والمرجو من أهل النظر وأولي العلم والتحقيق أن يغمضوا عما كل عنه الفكر، أو طغى به القلم، أو أثبته نظر السهو والنسيان، فإني لم أقصر بحسب طاقتي وميسوري عن تحري الصواب، والتجنب عن الزلل والخطاء، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وبه استعنت (13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) ومما يجب التنبيه عليه في الختام انا مثل بقية المؤلفين في عصرنا نزيد في بعض المقامات كلمة أو جملة أو شبههما ونضعها بين المعقوفين، وذلك إما للتوضيح والتبيين، أو لوجودها في طريق آخر للرواية، أو لتوقف صحة الكلام أو تزيينه عليها، فكل ما وضعناه بين المعقوفين أو المعقوفات، فهو زيادة منا إلا ما ننقله من كتاب صفين لنصر بن مزاحم فإن بعضه مما زاده محمد هارون محقق طبعة مصر.
[17]
الباب الاول في خطبه عليه السلام وما يجري مجراها مما تكلم به في الحوادث النازلة، والخطوب الواردة، وهو على قسمين: ما علم زمان صدوره ولو تقريبا.
وما لم يعلم زمان صدوره.
- 1 -
ومن خطبة له عليه السلام خطبها بمحضر النبي صلى الله عليه وآله، والمهاجرين والانصار، لما خطب من النبي سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
قال محمد بن جرير الطبري الامامي: حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري (1) قال: حدثني أبي، قال: أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي العرب الضبي (2) قال: حدثنا محمد بن زكريا بن دينار الغلابي (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في موارد كثيرة من هذا الكتاب، ومثله ذكره النجاشي (ره) تحت الرقم: (182) من فهرسته ص 62 في ترجمة أحمد بن محمد بن الربيع، وقال: " أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى رحمه الله " الخ.
وفي نسخة دلائل الامامة هنا تصحيف.
(2) كذا في النسخة، وفي البحار، ومدينة المعاجز، ومستدرك الوسائل: " محمد بن أبي الغريب الصبي " " الخ.
(3) كذا في النسخة، وفي المستدرك: " محمد بن زكريا بن دينار العافي ".
[18]
قال: حدثنا شعيب بن واقد، عن الليث، عن [الامام] جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده، عن جابر [بن عبد الله الانصاري (4)] قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة عليا قال له: أخرج إلى المسجد، فإني خارج في أثرك ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك.
قال علي: فخرجت من عند رسول الله وأنا ممتلئ فرحا وسرورا، فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا: ما ورا (ؤ) ك ؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة وأخبرني أن الله زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في أثري ليذكر بحضرة الناس، ففرحا وسرا ودخلا معي المسجد، فو الله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله وإن وجهه ليتهلل فرحا وسرورا، فقال صلى الله عليه وآله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) رواية أئمة أهل البيت عليهم السلام، أحيانا عن أمثال جابر بن عبد الله، إنما هي لاغراض ومصالح وخصوصيات اقتضت ذلك، لا من باب استفادة الحقيقة التي رووها، والقصة التي نقلوها عن جابر وأمثاله، إذ هم النور ومعدن العلم، بهم استضاء كل شئ، وعنهم أخذ كل عالم، وهم الادلاء والخلق مهتدون بهدايتهم وإرشادهم، وقد جعلهم الله مثابة ومرجعا " للناس كي يعلموهم ويكشفوا لهم الحقائق بقدر ما اقتضته المصالح، ولا يحجز بينهم وبينها الموانع، ولا تترتب على علمهم بها المفاسد، وقد تواتر بين المسلمين قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقهم: " ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ".
وفي الحديث: (167) من ترجمة علي عليه السلام من أنساب الاشراف: ج 1 ص 327 وفي المطبوع: ج 2 ص 156 معنعنا عنه صلى الله عليه وآله انه قال: " آل محمد معدن العلم وأصل الرحمة ".
ورواه أيضا مع زيادات في ترجمة بحر السقاء من كتاب الكامل لابن عدي: ج 1 / 177.
وتواتر عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا أمثاله، وسيمر عليك في هذا الكتاب نمط كثير في هذا المعنى، وكفاك الرجوع إلى المختار: (109) من هذا الباب، أو إلى الخطبة الثانية من القسم الثاني من باب الخطب فإنه عليه السلام حكى عن الله تعالى انه قال في حقهم مخاطبا لنبيه: " وأنصب أهل بيتك للهداية، وأويتهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يغيب عنهم خفي - إلى أن قال عليه السلام: - فنحن أنوار السماء وأنوار الارض، فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم " الخ.
ومن كان هذا نعته وصفته كيف يحتاج إلى أمثال جابر وغيره ممن يكون علمه محدودا أو مأخوذا عن مثله.
وفي ترجمة المصفح العامري من الطبقات الكبرى: ج 6 / 240 قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن جبلة بنت المصفح، عن أبيها قال: قال لي علي: يا أخا بني عامر سلني عما قال الله ورسوله، فإنا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله.
(قال ابن سعد): والحديث طويل.
[19]
أين بلال ؟ فقال: لبيك وسعديك.
فقال: وأين المقداد ؟ فلباه.
فقال: وأين سلمان ؟ فلباه، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم إلى جنبات المدينة، واجمعوا المهاجرين والانصار والمسلمين.
فانطلقوا لامره (ودعوا المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأفاضوا إليه (5) فأقبل (رسول الله) حتى جلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله (6) قام صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه وقال: الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الارض ودحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها (7) (وأخرج منها ماءها ومرعاها، الذي تعاظم عن صفاة الواصفين) وتجلل عن تحبير لغات الناطقين (8) وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للعالمين، ونقمة على الكافرين.
عباد الله إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال متقلبة الحال (9) جعلت سببا للارتحال، فرحم الله امرأ قصر من أمله وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته فقدمه ليوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) بين القوسين زيادة منا للتوضيح.
ومعنى أفاضوا إليه: اندفعوا وسارعوا إليه بكثرة.
(6) أي غص المسجد وملا بأهله، كأنه من قولهم: " حشد الناقة " من باب نصر وضرب - حشدا ": جمع اللبن في ضرعها بكثرة.
أو أنه مجهول من باب التفعيل بمعنى الاجتماع لامر واحد، كما انه يجئ بهذا المعنى مبنيا " للفاعل من باب الافعال والافتعال والتفعل والتفاعل.
(7) كأنه مقتبس من قوله تعالى - في الآية (29) وتواليها من سورة النازعات -: " والارض بعد ذلك دحاحا "، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها ".
والدحو - كفلس -: البسط والاسترسال إلى أسفل.
وأرسى الجبال: أوقفها على الارض.
أو ضربها فيها كالوتد.
وبين القوسين مأخوذة من البحار.
(8) تجلل: تعظم وتعالى.
وحبر الكلام أو الشعر أو الخط تحبيرا ": حسنه وزينه: أي إن عظمته ونعوت ذاته المقدسة أعظم وأعلى من أن يصلها ويصفها المزينة من لغاة الناطقين، والمحسنة من ألفاظ الواصفين.
(9) ويساعد رسم الخط على أن يقرء " منقلبة الحال ".
وفي البحار: " دار زوال وتقلب أحوال ".
[20]
فاقته، يوم تحشر فيه الاموات، وتخشع فيه الاصوات (10) وتنكر الاولاد والامهات، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، يوم يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء، تود له أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، يوم تبطل فيه الانساب وتقطع الاسباب، ويشتد على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (11).
أيها الناس إنما الانبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله تعالى أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها في السماء، وأشهد الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الارض وأشهدكم على ذلك.
ثم جلس (صلى الله عليه وآله) وقال لعلي: قم واخطب لنفسك (فقام علي) (12) وقال: الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين (13) وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين (14) وأوضح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) اقتباس من قوله تعالى - في الآية (108) من سورة (طه): " وخشعت الاصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا ".
(11) من قوله: " وترى الناس سكارى " إلى قوله: " متاع الغرور " - عدا أربع جمل في الوسط - اقتباس من الآية (2) من سورة الحج، و (25) من سورة النور، و (30)، و (185) من سورة آل عمران، والآية الاخيرة من سورة " إذا زلزلت الارض ".
(12) بين الاقواس زيادة منا.
(13) ألهم: لقن وعلم.
والفواتح: جمع الفاتحة وهي أول الشئ وابتداؤه.
والناطقين: العقلاء المدركون الذين يتكلمون بالحروف والاصوات الموضوعة لاداء ما في ضميرهم وتفهيمه لغيرهم.
(14) أنار: جعله ذا نور ولمعان وتشعشع.
والثواقب: جمع الثاقبة: المرتفعة.
الساطعة.
النافذة.
[21]
بدلائل أحكامه طرق السالكين (15) وأبهج بابن عمي المصطفى العالمين، حتى علت دعوته دواعي الملحدين (16) واستظهرت كلمته على بواطن المبطلين (17) وجعله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه وصدع بأمره وأنار من الله آياته (18).
فالحمد لله الذي خلق العباد بقدرته (19) وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد [صلى الله عليه وآله] ورحم وكرم وشرف [وعظم (20)] والحمد لله على نعمائه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص ترضيه، وأصلي على نبيه محمد صلاتا تزلفه وتحظيه (21)
(15) الدلائل: جمع الدلالة: ما يقوم به الارشاد والهداية.
البرهان.
والسالكين: جمع السالك - والمقصود منه في أمثال المقام -: المتبع لطريق الحق الملازم له.
(16) أبهج العالمين: جعلهم في بهجة وسرور.
والدواعي: جمع الدعوى.
وفي مستدرك الوسائل: " وأنهج بابن عمي المصطفى العالمين ".
يقال: " أنهج الطريق أو الامر ": وضح واستبان.
و " أنهج زيد الطريق أو الامر ": أبانه وأوضحه (17) كذا في النسخة، ومثله في البحار، وفي مستدرك الوسائل: " على بواطل المبطلين ".
وهو أظهر.
(18) وفي البحار والمستدرك: " وصدع بأمره وبلغ عن الله آياته " الخ.
(19) وفي البحار والمستدرك: " والحمد لله " الخ.
(20) الاول مما بين المعقوفين مأخوذ من المستدرك، والثاني من البحار.
(21) وفي البحار: " وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وصلى الله على محمد صلاتا تربحه وتحظيه ".
[22]
وبعد فإن النكاح مما أمر الله تعالى به وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله تعالى ورضيه (22) وهذا محمد ابن عبد الله رسول الله زوجني ابنته فاطمة على صداق أربع مأة درهم (23) وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا.
فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله ؟ قال: نعم.
قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما.
الحديث: (25) من كتاب دلائل الامامة، ص 15 ورواه في الحديث: (17) من الباب: (63) من كتاب النكاح من البحار: - ج 23 ص 62 ط الكمباني - عن كتاب مسند فاطمة.
كما رواه أيضا " في الحديث السادس من الباب: (33) من كتاب النكاح من مستدرك الوسائل، ج 2 ص 541.
ورواه أيضا " في الحديث: (413) من مناقب أمير المؤمنين من كتاب مدينة المعاجز، ص 134 وللخطبة صور أخرى تلاحظها في كتابنا: " المقالة العلوية الغراء " والمنهج الثاني - وهو المنهج العلوي - من كتابنا " مناهج المعصومين " وفقنا الله تعالى لاتمامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) وفي البحار: " والنكاح مما أمر الله به وأذن فيه، ومجلسنا هذا، مما قضاه ورضيه (و) هذا محمد بن عبد الله " الخ.
(23) هذا هو الصواب الموافق لما ورد في أخبار الباب، وفي النسخة - ومثلها في البحار -: " أربعمأة درهم ودينار ".
[23]
ومن كلام له عليه السلام
محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (ره) قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو أحمد عبد الله بن الحسين بن إبراهيم العلوي النصيبي رحمه الله ببغداد، قال: سمعت جدي إبراهيم بن علي يحدث عن أبيه علي بن عبد الله، قال: حدثني شيخان بران من أهلنا سيدان، عن [الامام] موسى بن جعفر، عن ابيه جعفر بن محمد، عن ابيه محمد بن علي عن أبيه.
وحدثنيه أيضا الحسين بن زيد بن علي ذو الدمعة، قال: حدثني عمي عمر بن علي، قال: حدثني أخي محمد بن علي، عن أبيه عن جده الحسين صلوات الله عليهم.
قال أبو جعفر عليه السلام: وحدثني عبد الله بن العباس، وجابر بن عبد الله الانصاري - وكان بدريا أحديا شجريا وممن لحظ من أصحاب رسول الله (1) (صلى الله عليه وآله) في مودة أمير المؤمنين (عليه السلام) - قالوا: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده في رهط من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر، وعثمان وعبد الرحمان، ورجلان من قراء الصحابة، من المهاجرين عبد الله بن أم عبد، ومن الانصار أبي بن كعب - وكانا بدريين - فقرأ عبد الله من السورة التي يذكر فيها لقمان حتى أتى على هذه الآية: " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " الآية: (2) وقرء أبي من السورة التي يذكر فيها إبراهيم (عليه السلام، حتى أتى على هذه الآية): " وذكرهم بأيام الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا.
(2) وهي الآية: (20) من سورة القمان - المكية -: (31).
[24]
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ".
قالوا: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أيام الله نعماؤه، وبلاؤه مثلاته (3) سبحانه.
ثم أقبل (صلى الله عليه وآله) على من شهده من أصحابه فقال: إني لا تخولكم بالموعظة تخولا (4) مخافة السامة عليكم وقد أوحى إلى ربي جل جلاله أن أذكركم بالنعمة، وأنذركم بما أقتص عليكم من كتابه وتلا (صلى الله عليه وآله) " وأسبغ عليكم نعمه " الآية، ثم قال لهم: قولوا الآن قولكم: ما أول نعمة رغبكم الله فيها وبلاكم بها ؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعمة الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها، من المعاش والرياش والذرية والازواج إلى سائر ما بلاهم الله عزوجل به من أنعمه الظاهرة.
فلما أمسك القوم أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على علي فقال: يا أبا الحسن قل فقد قال أصحابك.
فقال: وكيف لي بالقول فداك أبي وأمي وإنما هدانا الله بك ! ! قال: ومع ذلك فهات (و) قل: ما أول نعمة بلاك الله عزوجل، وأنعم عليك بها ؟ قال: أن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا.
قال: صدقت فما الثانية ؟ قال: أن أحبني إذ خلقني فجعلني حيا لا ميتا (5) قال: صدقت فما الثالثة ؟ قال: أن أنشأني - فله الحمد - في أحسن صورة وأعدل تركيب.
قال: صدقت فما الرابعة ؟ قال: أن جعلني متفكرا راغبا، لا بلهة ساهيا (6) قال صدقت فما الخامسة ؟ قال: أن جعل لي مشاعر أدرك بها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) كذا في النسخة " ولعله بتقدير حرف العطف.
والمثلات: جمع المثلة - بفتح الميم وضم الثاء.
وبضم الميم وسكون الثاء أيضا -: العقوبة والتنكيل.
ما أصابه الامم الماضية من العذاب.
(4) اي أفيضها عليكم وأنا ولكم إياها تفضلا وكرما.
(5) أي أحياني بمحبته إياي.
ولازمه أن من لا يحبه الله فهو ميت.
(6) لا بلهة أي لم يجعلني سائرا بلا هداية وارشاد، ولا ساهيا ما دلني عليه.
[25]
ما ابتغيت، وجعل لي سراجا منيرا (7).
قال: صدقت فما السادسة ؟ قال: أن هداني لدينه ولم يضلني عن سبيله.
قال: صدقت فما السابعة ؟ قال: أن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها.
قال: صدقت فما الثامنة ؟ قال أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا.
قال: صدقت فما التاسعة ؟ قال: أن سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.
قال: صدقت فما العاشرة ؟ قال: أن جعلني سبحانه ذكرا ولم يجعلني أنثى (8) قال: صدقت فما بعد هذا ؟ قال: كثر نعم الله يا نبي الله فطابت، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
فتبسم رسول الله وقال: ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن وأنت وارث علمي والمبين لامتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى صراط مستقيم، ومن رغب عن هداك وأبغضك لقى الله يوم القيامة (و) لا خلاق له.
الحديث (45) من الجزء (17) من أمالي الطوسي، وقريب منه في المختار الثاني من الباب (5) من دستور معالم الحكم ص 97 ط مصر، ولاجل التنبيه على الاختلال الفاحش فيما اختاره ذكرنا هذا، وقريبا " مما ذكره في دستور معالم الحكم رواه الحسكاني في تفسير الآية (18) من سورة النحل في الحديث (45) ص 329.
من كتاب شواهد التنزيل الورق 80 ب، ومن المطبوع: ج 1، ص 329 بسند آخر عن ابن عباس.
وكذلك في الفصل (19) من مناقب الخوارزمي ص 232.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) المراد من السراج هو العقل المدرك للحقائق والحاكم بابتغاء المصالح والمحاسن واجتناب المضار والقبائح.
8 - هذا هو الظاهر من السياق الموافق معنى لما في دستور معالم الحكم: " ان خلقني ذكرا ولم يخلقني انثى ".
وفي النسخة: " أن جعلنا ذكرانا لا إناثا ".
[26]
ومن كلام له عليه السلام بين فيه تفانيه في سبيل رسول الله، ووراثته وولايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أحق به من جميع الجهات
قال الطبراني، أنبأنا علي بن عبد العزيز، أنبأنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، أنبأنا أسباط بن نصر، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس ان عليا [عليه السلام] كان يقول في حيات رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزوجل يقول: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [144 - آل عمران: 3] والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لاقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لاخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني.
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1 / الورق 17.
ورواه عنه أبو نعيم في عنوان: " معرفة ما أسند أمير المؤمنين على النبي صلى الله عليه وآله " من كتاب معرفة الصحابة: ج 1 / الورق 23 ب.
ورواه أيضا في مجمع الزوائد، ج 9 ص 134، باب فضائل أمير المؤمنين، نقلا عن الطبراني قال: ورجاله رجال الصحيح
[27]
ورواه أيضا في الحديث (6) من الجزء: (18) من أمالي الطوسي - ص 116، وفي ط ص 320 - قال: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قراءة (عليه) قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء وحدثنا عبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي بالري، قال: حدثني أبو زرعة عبد الله بن عبد الكريم، قالا: حدثنا عمرو بن طلحة القناد... ورواه عنه في تفسير الآية الكريمة من تفسير البرهان: ج 1، ص 319 ط 2، وفي الباب: (132) من غاية المرام ص 406.
ورواه أيضا في الحديث: (227) من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الفضائل - لاحمد - قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا أحمد بن منصور، وعلي بن مسلم وغيرهما قالوا: حدثنا أسباط، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس.. ورواه أيضا في الرياض النضرة: ج 2 ص 300 وفي ط ص 226 ورواه أيضا في ذخائر العقبى ص 100.
وقال النسائي - في الحديث: (62) من كتاب الخصائص ص 85 وفي ط ص 18 -: أخبرنا محمد بن يحي بن عبد الله النيسابوري، وأحمد بن عثمان ابن حكيم الدراوردي - واللفظ لمحمد - قالا: حدثنا عمرو بن طلحة، قال: حدثنا أسباط، عن سماك.. وقال الحاكم في المستدرك: ج 3 ص 126: أخبرنا محمد بن صالح ابن هانئ، عن أحمد بن نصر، عن عمر وبن طلحة القناد.. ورواه في الحديث: (151) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق بأسانيد.
[28]
وقال في الحديث: (168) في الباب: (24) من فرائد السمطين: أخبرني الشيخ أبو علي بن علي بن أبي بكر الخلال إذنا " بدمشق، أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر سماعا، أنبأنا الشيخان أبو الخير محمد بن أحمد بن عمر الباغباني، ومسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي إجازة قالا: أنبأنا ابو عمرو عبد الوهاب بن الامام الحافظ محمد بن إسحاق بن مندة، أنبأنا خيثمة بن سليمان، أنبأنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: نبأنا أسباط بن نصر، نبأنا سمال بن حرب.. ورواه عنه في الباب: (131) من غاية المرام ص 405، كما رواه في الباب: (67) منه، ص 575 من مسند أحمد.
ورواه أيضا في كتاب العمدة، عن مسند أحمد، كما في البحار: ج 8 / 458 ط الكمباني، س 5 عكسا.
ورواه أيضا في الحديث: (75) من تفسير فرات ص 27 ط 1، كما رواه أيضا في الاحتجاج: ج 1 / 291 ط الغري، وكذلك في مجمع الزوائد: ج 9 / 134.
ورواه أيضا في كتاب الفتح الملك العلي ص 51 والغدير: ج 3 / 113.
[29]
ومن كلام له عليه السلام في نعت رسول الله صلى الله عليه وآله جسما وبدنا
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر الاسلمي، حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه عن جده: عن علي [عليه السلام] قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن (1)، فإني لاخطب يوما على الناس وحبر من أحبار اليهود واقف [و] في يده سفر ينظر فيه، فنادى إلي فقال: صف لنا ابا القاسم.
فقال علي رضي الله عنه: (قلت): [إن] رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالقصير [المتردد] ولا بالطويل البائن، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، هو رجل الشعر أسوده (2)، صخم الرأس،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في كتاب طبقات فقهاء اليمن ص 16: وأخبرني القاضي أحمد بن علي بن أبي بكر، عن والده كنانة، ان عليا " دخل عدن أبين (كذا) وخطب على المنبر خطبة بليغة ذكر فيها: " ان منكم من يبصر بالليل والنهار، ومنكم من يبصر باحداهما دون الاخرى ".
وما يؤدي معنى هذا الكلام.
(2) الجعد من الشعر - على زنة فلس - المتقبض الملتوي.
القصير.
ويقال: " قط شعره - - من باب منع - قططا وقطاطة ": كان قصيرا جعدا.
والسبط - كفلس -: الشعر السهل المسترسل.
والرجل - كفلس أيضا - من الشعر: هو ما بين الاسترسال والجعودة.
[30]
مشرب لونه حمرة، عظيم الكراديس، شثن (3) الكفين والقدمين، طويل المسربة - وهو الشعر الذي يكون في النحر إلى السرة - أهدب الاشفار (4) مقرون الحاجبين، صلت الجبين (5) بعيد ما بين المنكبين، إذا مشى يتكفأ كأنما ينزل من صبب (6) لم أر قبله مثله ولم أر بعده مثله.
قال علي: ثم سكت (7) فقال لي الحبر: وماذا [بعد] ؟ قال [قلت] هذا ما يحضرني.
قال الحبر: في عينيه حمرة، حسن اللحية حسن الفم، تام الاذنين، يقبل جميعا ويدبر جميعا.
فقال علي: هذه والله صفته ! ! قال الحبر: و [فيه] شئ آخر.
فقال علي: وما هو ؟ قال الحبر: وفيه جنأ (كذا) قال علي: هو الذي قلت لك كأنما ينزل من صبب.
قال الحبر: فإني أجد هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكراديس: جمع الكردوس - بضم الكاف وسكون الراء -: فقرة من فقرات أعلى الظهر.
كل عظم ضخم.
ويقال: " شثنت كف زيد - تشثن شثنا " كفرح فرحا " -: خشنت وغلظت.
الشثن - كفلس -: الغليظ.
(4) الاهدب: من طال هدب عينيه، والهدب - كقفل -: شعر أشفار العينين، والجمع الاهداب.
والاشفار: جمع الشفر - على زنة قفل -: أصل منبت الشعر في طرف الجفن.
(5) أي واضح الجبين واسعه، يقال: " صلت جبينه صلوتة " - من باب شرف -: كان واضحا واسعا (6) يتكفأ: يندفع.
والصبب - كسبب -: المنحدر من الارض.
(7) والظاهر ان سكوته عليه السلام إنما هو لاجل أن يسمع الناس ما ورد في نعته صلى الله عليه وآله وسلم في كتب السلف من الانبياء فيزدادوا ايمانا على ايمان.
أو لاجل عرفانه عليه السلام مقدار علم الحبر بالحقائق.
[31]
الصفة في سفر آبائي ونجده يبعث من حرم الله وأمنه وموضع بيته، ثم يهاجر إلى حرم يحرمه هو ويكون له حرمة الحرم الذي حرم الله، ونجد أنصاره الذين هاجر إليهم قوما من ولد عمرو بن عامر، أهل نخل وأهل الارض قبلهم يهود (1) قال قال علي (كذا): هو هو ! وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحبر: فإني أشهد أنه نبي الله، وأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، فعلى ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله ! ! ! قال: فكان يأتي عليا فيعلمه القرآن ويخبره بشرائع الاسلام، ثم خرج علي والحبر هنالك حتى مات في خلافة أبي بكر وهو مؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ومصدق به (2).
الطبقات الكبرى: ج 1، ص 411 ط بيروت في عنوان: " ذكر صفة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ورواه أيضا ابن عساكر - في تاريخ دمشق: ج 1، ص 98، - قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الفرضي، أنبأنا أبو محمد الجوهري أنبأنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أحمد بن معروف ابن بشر الخشاب، أنبأنا الحارث ابن أبي أسامة، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد بن عمر الاسلمي الخ.
أقول: إن لامير المؤمنين عليه السلام في نعت النبي صلى الله عليه وآله كلاما كثيرا، وله صور عديدة قد بينها في أماكن متشتتة وأزمنة مختلفة، وصورة منه قد ذكرها في ترجمة أبي الازهر عبد الوهاب بن عبد الرحمان، من تاريخ بغداد: ج - ص 30.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في ط بيروت من الطبقات، وفي تاريخ دمشق: " من نجد ".
(2) كذا في تاريخ دمشق، وهو الظاهر، وفي ط بيروت: " يصدق به ".
[32]
ومن كلام له عليه السلام لما أمر الصديقة الكبرى فاطمة بإيثار الاسير السائل على أنفسهم وإعطاء فطورهم له
وذلك بعد ما صاموا ثلاثة أيام ولم يذوقوا فيها الا الماء القراح، ولما أرادوا في اللية الرابعة الافطار فإذا شيخ كبير بالباب يصيح يا أهل بيت محمد تأسروننا ولا تطعمونا ؟ فقال علي عليه السلام: يا فاطمة إني أحب أن يراك الله وقد آثرت هذا الاسير على نفسك وأشبالك ! ! فقالت سبحان الله ألا ترجع إلى الله في هؤلاء الصبية الذين صنعت بهم ما صنعت ؟ ! وهؤلاء إلى متى يصيرون صبرنا ؟ ! فقال لها: الله يصبرك ويصبرهم ويأجرنا إن شاء الله تعالى، وبه نستعين وعليه نتوكل، وهو حسبنا ونعم الوكيل (ثم قال عليه السلام): اللهم بدل لنا ما فاتنا من طعامنا هذا بما هو خير منه (1) واشكر لنا صبرنا ولا تنسه إنك رحيم كريم الحديث الاخير من الباب (72) من غاية المرام ص 372 نقلا عن محمد بن العباس الماهيار التقة في تفسيره، قال: حدثنا أحمد بن محمد الكاتب، عن الحسن بن عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عن المسعودي، عن عمرو بن بهرة، عن عبد الله بن الحارث المكتب، عن أبي كثير الزبيري عن عبد الله بن العباس الخ.
وقد اختصرنا الخبر، وذكرنا منه ما يمس موضوعنا ومن أراد تمامه فليراجع غاية المرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الظاهر، وفي النسخة تصحيف.