[33]
ومن كلام له عليه السلام
قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله تعالى عليه: حدثنا أبو نصر محمد بن الحسين المقرئ البصري، قال: حدثنا عبد الله بن يحي القطان، قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن أبي سعيد القرشي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسين بن مخارق، عن عبد الصمد بن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن العباس رضي الله عنه، قال: لما توفي رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) تولى غسله علي بن أبي طالب عليه السلام ومعه العباس والفضل بن العباس فلما فرغ علي عليه السلام من غسله كشف الازار عن وجهه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال (1): بأبي أنت وأمي [يا رسول الله (2)] طبت حيا وطبت ميتا (3) [لقد] انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقال محمد بن حبيب البغدادي في أماليه: " فلما كشف الازار عن وجهه بعد غسله انحنى عليه فقبله مرارا وبكى طويلا وقال: " بأبي أنت وأمي " الخ.
(2) كلمة: " يا رسول الله " مأخوذة من نهج البلاغة.
(3) وفي الحديث: (228) من فضائل علي عليه السلام تأليف ابن حنبل: حدثنا ابو من كتاب الفضائل خيثمة، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي، عن أبي اسحاق، حدثني حسين بن عبد الله بن عكرمة [كذا] عن ابن العباس قال: جعل علي يغسل النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير منه شيئا مما يرى من الميت وهو يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيا وميتا.
وفي الحديث: (1175) من أنساب الاشراف: ج 1، ص 571 ط مصر: حدثني الحسين بن علي بن الاسود، عن يحي بن آدم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: التمس علي من النبي ما يلتمس من الميت = >
[34]
ممن سواك (4) من النبوة والانباء، [وأخبار السماء] (5).
ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع، لانفدنا عليك ماء الشؤون (6) ولكان الداء مماطلا، والكمد محالفا - وقلالك - (7) ولكنه ما لا يملك رده [و] لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= > فلم يجده فقال: " بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ".
ومثله مرسلا في سيرة ابن هشام: ج 4 ص 313، نقلا عن ابن اسحاق.
أقول: الشاهد في روايتهم كلام أمير المؤمنين عليه السلام لا فيما تخيلوه، وما رواه في الفضائل نقله بأبسط منه في مسنده في مسند ابن عباس تحت الرقم: (2357) وأخرجه في مسند علي (ع) من قسم الافعال من كتاب جمع الجوامع للسيوطي، عن ابن أبي شيبة، وابن منيع والمروزي في الجنائز، وأبي داود في المراسيل، عن ابي سعيد الخدري بلفظ: " بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا ".
ورواه ايضا الطبري في عنوان: " ذكر جهاز رسول الله " من تاريخه: ج 3 / 212 وقال: ما أطيبك حيا وميتا.
(4) كذا في الامالي، وفي نهج البلاغة: " لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والانباء، وأخبار السماء، خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء ".
وفي أمالي محمد بن حبيب " وعممت حتى صار المصيبة فيك سواء ".
(5) هذا هو الظاهر الموافق لنهج البلاغة، والمحكي عن أمالي محمد بن حبيب، وفي الامالي: " ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة، والانباء فيك سواء سواه " الخ.
(6) الشئون - على زنة فلوس -: جمع الشأن - كفلس -: العرق الذي تجري منه الدموع أي لولا أمرك بالصبر على المصائب ونهيك من الجزع في المكاره، لافنينا في مصيبيتك وفراقك ماء عيوننا الجاري من شئونه وهي منابع الدمع من الرأس.
وفي المحكي عن أمالي محمد بن حبيب بعد هذه الجملة هكذا: " ولكن أتى ما لا يدفع ! أشكو إليك كمدا وادبارا مخالفين (كذا) وداء الفتنة، فإنها قد استعرت نارها وداؤها الداء الاعظم ! بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك وهمك ".
(7) " مماطلا، ": مطولا، ممدودا ".
ملتفا ".
و " الكمد ": الحزن.
و " محالفا ": ملازما " و " قلا " فعل ماص مثنى، والضمير البارز فيه راجع إلى الداء والكمد، أي لولا أمرك بالصبر ونهيك عن الجزع لكان مماطلة الداء ومحالفة الكمد قليلتان لك.
[35]
يستطاع دفعه (8).
بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من همك (9) ثم أكب [عليه السلام] على النبي صلى الله عليه وآله (10) فقبل وجهه ومد الازار عليه.
الحديث الرابع من المجلس الثاني عشر، من أمالي الشيخ المفيد (ره) ص 68.
وقريب منه جدا " في المختار (230) من خطب نهج البلاغة، ومثله إلا في ألفاظ طفيفة رواه محمد بن حبيب البغدادي في أماليه على ما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار المشار إليه: ج 13، ص 42 ط مصر.
وقال الطبراني - في ترجمة أوس بن خولى الانصاري المكنى بأبي ليلى من المعجم الكبير: ج 1، الورق 22 -: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، حدثنا أحمد بن سيار المروزي، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن أبي حمزة السكري، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه، لما ثقل وعنده عائشة وحفصة إذ دخل علي رضي الله عنه، فلما رآه رفع رأسه ثم قال: أدن مني فاستند إليه، فلم يزل عنده حتى توفي صلى الله عليه، فلما قضى [أو قبض] قام علي رضي الله عنه وأغلق الباب، فجاء العباس رضي الله عنه ومعه بنو عبد المطلب فقاموا على الباب، فجعل علي رضي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهاء في " لكنه " راجع إلى الموت.
(9) وفي نهج البلاغة: " واجعلنا من بالك " وهما بمعنى واحد أي اجعلنا ممن تهتم بأمره، وبهذا وأمثاله مما لا يحصى الثابت بين المسلمين جميعا " يرد الجهلة من الوهابيين الذين يئسوا من الاموات كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
(10) بين المعقفات زيد توضيحا، وفى النسخة: " ثم أكب عليه " الخ.
[36]
الله عنه يقول: " بأبي أنت طيبا حيا وطيبا ميتا ".
وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قط، فقال علي رضي الله عنه أدخلوا علي الفضل بن العباس.
فقالت الانصار: نشدناكم بالله في نصيبنا من رسول الله صلى الله عليه، فأدخلوا رجلا منهم يقال له أوس بن خولى فحمل جرة بإحدى يديه، فسمعوا صوتا " في البيت لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه، واغسلوه كما هو في قميصه.
فغسله علي رضي الله عنه يدخل يده تحت القميص والفضل يمسك الثوب عنه، والانصاري ينقل الماء على يد علي رضي الله عنه عند خرقه ويدخل يده " [كذا]
[37]
ومن كلام له عليه السلام قاله وهو على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة دفنه
إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل (1).
المختار: (292) من الباب الثالث من نهج البلاغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجلل - كجبل - يراد به هنا -: الهين الصغير.
وفي نسخة ابن أبي الحديد: " وإنه بعدك لقليل " وهو أظهر.
[38]
ومن كلام له عليه السلام في المعنى المتقدم
قال سبط ابن الجوزي: قال الشعبي: بلغني أن أمير المؤمنين [علي بن أبي طالب عليه السلام] وقف على قبر رسول الله [صلى الله عليه وآله] (1) وقال: إن الجزع ليقبح إلا عليك، وإن الصبر ليجمل إلا عنك.
ثم قال (عليه السلام): ما فاض دمعي عند نازلة (2) * إلا جعلتك للبكا سببا وإذا ذكرتك سامحتك به (3) * مني الجفون ففاض وانسكبا إني أجل ثرى حللت به * أن لا أرى (4) بثراه مكتئبا " فصل منظوم كلام عليه السلام - وهو الفصل، (24) من ترجمته - من كتاب تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 176، ط النجف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بين المعقوفين كان في النسخة هكذا: صلى الله عليه وآله.
(2) يقال: " فاض الدمع فيضا " - من باب باع - وفيضانا ": سال دمعها بكثرة.
(3) كذا في النسخة، وفي رواية القضاعي: " وإذا ذكرتك ميتا سفحت " الخ.
(4) وفي المحكي عنه وعن ديوانه عليه السلام: " عن أن أرى لسواه مكتئبا "
[39]
ومن كلام له عليه السلام لما بلغه احتجاج أبي بكر وأصحابه على الانصار لاستحقاقهم الخلافة دون الانصار: بأنهم من قريش ومن شجرة رسول الله
قال المسعودي: لما فرغ امير المؤمنين عليه السلام من تجهيز رسول الله صلى عليه وآله وسلم - مع من حضر من بني هاشم وقوم من صحابته (1) مثل سلمان وأبي ذر والمقداد، وعمار وحذيفة وأبي بن كعب وجماعة نحو أربعين رجلا - اتصل به بيعة أبي بكر وأنه احتج لاولويته بالخلافة: بأنهم من قريش ومن شجره رسول الله.
فقام عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن كانت الامامة في قريش فأنا أحق قريش بها، وإن لا تكن في قريش فالانصار على دعواهم.
إثبات الوصية، فصل إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ص 117، ط 1.
أقول وللكلام شواهد كثيرة ستمر عليك فيما يأتي فانتظر.
وقريبا " منه رواه السيد الرضي (ره) في كتاب الخصائص ص 62 والمختار (64) من الباب الاول من نهج البلاغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من هذا وأمثاله يستفاد أن جمهور الصحابة، كانوا مشغولين بنهب الخلافة وتمهيد الرئاسة ولم يوفقوا للحضور لتغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله وللصلاة عليه ودفنه، ويدل عليه أيضا قول أمير المؤمنين (ع) في جواب الانصار: " أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ".
وقول الزهراء (ع) لعمر وأتباعه: " لا عهد لي بقوم حضروا أسوا " محضر منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ".
الامامة والسياسة ط مصر: ج 1 / 12، و 13.
وأصرح منها ما رواه ابن أبي شيبه في مصنفه فراجع.
[40]
ومن كلام له عليه السلام كان يقوله عندما يزور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقف على قبره
القاضي القضاعي قال: أخبرني محمد بن منصور التستري مجيزا، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن خليل، قال: حدثنا الحسين بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن رجاء، قال: حدثنا هارون بن محمد.
قال: حدتنا قعنب بن المحرز، قال: حدثنا الاصمعي، قال لا حدثنا أبو عمرو بن العلاء، قال حدثني الذيال بن حرملة قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يغدو ويروح إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ويبكي تفجعا " ويقول: يا رسول الله ما أحسن الصبر إلا عنك، و [ما] أقبح البكاء إلا عليك (1) المختار: (11) من الباب (9) من دستور معالم الحكم ص 98 ط مصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وله عليه السلام في ذيل الرواية أبيات قريبة مما مر، ذكرناها في باب الباء من الباب السادس من كتابنا هذا فراجع.
[41]
ومن خطبة له عليه السلام لما أشير عليه للقيام بإحقاق حقه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله [وجهز]
اجتمع أمير المؤمنين عليه السلام وعمه العباس في بعض دور الانصار لاجالة الرأي، فبدأهما أبو سفيان والزبير، وعرضا عليهما [النصرة] وبذلا من نفوسهما المساعدة والمعاضدة لهما، فقال العباس: قد سمعنا مقالتكما، فلا لقلة نستعين بكما، ولا لظنة نترك رأيكما، لكن لالتماس الخلق [كذا]، فأمهلا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الاثم مخرج يصير بنا وبهم الامر صرير الجندب (1) ونمد أكفنا إلى المجد لا نقبضها أو نبلغ المدى، وإن تكن الاخرى فلا لقلة في العدد، ولا لوهن في الايد (2) والله لولا أن الاسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من محل الابيل (3).
قال: فحل أمير المؤمنين عليه السلام حبوته وجثا على ركبتيه (4) - وكذا كان يفعل إذا تكلم - فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي شرح ابن أبي الحديد: " يصر بنا وبهم الحق صرير الجدجد، ونسبط إلى المجد أكفا لا نقبضها " الخ.
والجدجد هو صرار الليل.
(2) الايد - على زنة القيد -: القوة والاقتدار، وهذا الكلام إن صدر من العباس (ره) فلا بد أن يحمل على التجلد وإظهار الغناء، أو محمول على أنه صدر منه قبل اختبار الناس وعرفان ما عندهم، والا فهو فارغ جدا والشاهد هو انفضاض الناس عنهم وإسراعهم إلى لهو غيرهم وتجارتهم البائرة.
(3) كذا في النسخة، وفي رواية ابن أبي الحديد: " من المحل العلي ".
والجنادل: الاحجار العظيمة.
والصخر - على زنة الفخر والفرس -: الحجر الصلب العظيم.
والاصطكاك: الاضطراب.
ضرب أحد الشيئين بالاخر.
تصادم الشئ بغيره وتماسهما.
(4) الحبوة - كحربة وحرمة - هيئة الاشتمال على الشئ من ثوب أو عمامة، بأن يجمع الشخص بين ظهره وساقيه بثوب أو عمامة أو غيرهما.
وجثا جثوا - كعتى عتوا - وجثى - من باب رمى - جثيا وجثيا ": جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه، فهو جاث، والجمع جثي - بضم الجيم وكسرها - والمؤنث: جاثية.
[42]
الحلم زين والتقوى دين، والحجة محمد صلى الله عليه وآله، والطريق الصراط.
أيها الناس شقوا متلاطمات أمواج الفتن بمجاري سفن النجاة، وعرجوا عن سبيل المنافرة، وحطوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح، ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة في غير وقتها كالزارع في غير أرضه، والله لو أقول لتداخلت أضلاع كتداخل أسنان دوارة الرحى، وإن أسكت يقولوا جزع ابن أبي طالب من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي والله لعلي آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، لكني اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة ثم نهض عليه السلام فقال أبو سفيان لشئ ما فارقنا ابن أبي طالب.
نزهة الناظر، ص 18، ومثله في شرح المختار الخامس من خطب النهج من شرح ابن أبي الحديد: ج 1، ص 218، وبعض الفاظه مذكور أيضا " في الكتاب الذي كتبه عليه السلام إلى أبي بكر على ما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج.
[43]
وقريب منه جدا ذكره ابن ابي الحديد في شرح المختار الخامس من خطب نهج البلاغة، ورواه أيضا سبط ابن الجوزي في أوائل الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص، ص 137، مسندا كما تلاحظه في المقالة العلوية، وذكره أيضا قريبا مما في نهج البلاغة في الباب (49) من جواهر المطالب ص 48.
[44]
ومن كلام له عليه السلام لما جاؤا به ملببا ليبايع أبا بكر (1)
قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري.
أخبرني أحمد بن اسحاق، قال: حدثنا أحمد بن سيار، قال: حدثنا سعيد بن كثير بن عفير الانصاري - ثم ذكر ما وقع من التشاح والتكالب في الامارة بعد قبض النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى أن قال: - وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، فقال لهم: إنطلقوا فبايعوا.
فأبوا عليه، وخرج الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب.
فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، حتى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له: بايع.
فقال: أنا أحق بهذا الامر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الامر من الانصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الجوهري: وحدثنا ابو سعيد عبد الرحمان بن محمد، قال: حدثنا احمد بن الحكم، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ليث بن سعد، قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر، فأخرج ملببا يمضى به ركضا الخ.
وكتب أمير المؤمنين عليه السلام في جواب معاوية - كما في المختار (28) من كتب النهج -: " وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر والله لقد أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا بيقينه " الخ ".
[45]
إليكم الامارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الامر مثل ما عرفت الانصار لكم، وإلا فبوئوا بالظلم وأنتم تعلمون فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع.
فقال له علي: احلب يا عمر حلبا لك شطره ! اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا ! لا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه (2).
فقال له أبو بكر: إن لم تبايعني فلم أكرهك.
فقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكتب عليه السلام أيضا " في جواب معاوية - كما في كتاب أنساب الاشراف: ج 1 / الورق 365 وكتاب صفين ص 85 والعقد الفريد: ج 3 ص 108 ط 2 ومناقب أمير المؤمنين (ع) للخوارزمي -: " وذكرت حسدي الخملفاء وإبطائي عنهم وبغيي عليهم.
فأما البغي فمعاذ الله أن يكون، وأما الابطاء والكراهية لامرهم فلست أعتذر منه إلى الناس " الخ.
وقال العقيلي في الجزء (7) من ضعفائه الورق 126: حدثنا إبراهيم بن الحسن القومسي حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة، عن محمد بن اسحاق، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي قال: بعثني أبي إلى جندب بن عبد الله البجلي قال: سله ما حضرت من أمر أبي بكر وعلي، قال: جئ بعلي حتى اقعد بين يديه فقيل له: بايع.
قال: فان لم أفعل، فذكر كلاما، قال: إذا أكون عبد الله وأخو رسوله.
وذكر الحديث.
(2) قال البلاذري - في الحديث (1184) من أنساب الاشراف: ح 1 / 586 ط مصر دار المعارف سنة (1959) -: [روى] المدائني عن مسلمة بن محارب عن سلمان التيمي، وعن ابن عون أن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومع فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب فقالت: يا ابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي،.
قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك.
الخ.
وفي العسجدة الثانية من العقد الفريد: ج 3 / 63 ط 2 في عنوان: " الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر " قال: فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم.
فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: = >
[46]
له أبو عبيدة: يا أبا الحسن إنك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الامر منك، وأشد احتمالا له، واضطلاعا به، فسلم له هذا الامر، وارض به، فإنك إن تعش ويطل عمرك، فأنت لهذا الامر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.
فقال علي: يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وأهله، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن - أهل البيت - أحق بهذا الامر منكم.
أما كان منا القارئ لكتاب الله (3)، الفقيه في دين الله، العالم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= > يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ ! ! قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الامة الخ.
وقال المسعودي في مروج الذهب: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم، يقول: إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فانه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار.
كما في ط الميمنية من مروج الذهب.
وأيضا " قال البلاذري - في الحديث (1188) ص 587 من الكتاب -: وحدثني بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: بعث ابو بكر عمر بن الخطاب إلى علي حين قعد عن بيعته، وقال: ائتني به بأعنف العنف.
فلما أتاه جرى بينهما كلام، فقال [له علي:] احلب حالبا لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك (ليؤبرك " خ ") غدا الخ.
وفي شرح المختار (66) من خطب النهج من ابن أبي أبي الحديد: ج 6 / 48 شواهد أيضا.
(3) وفي الامامة والسياسة وبعض المصادر: " ما كان منا القارئ لكتاب الله ".
وهو أظهر.
[47]
بالسنة، المضطلع بأمر الرعية ! والله إنه فينا فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا.
فقال بشير بن سعد [الخزرجي الانصاري]: لو كان هذا الكلام سمعته منك الانصار قبل بيعتهم لابي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم بايعوا (4).
وانصرف علي [عليه السلام] إلى منزله ولم يبايع، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع.
شرح المختار (66) من الباب الاول من نهج البلاغة، من ابن أبي الحديد: ج 6 ص 12، وقريب منه في كتاب الاحتجاج، ص 95، والامامة والسياسة ج 1، ص 11.
وقد ذكرنا قريبا منه معنى في المقالة العلوية الغراء عن طريق غيرهم فراجع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وفي جواب مثل هذا الحسود وغيره قال أمير المؤمنين عليه السلام - بالسند المتقدم كما في شرح الكلام من ابن أبي الحديد: ج 6 / 13 -: أكنت أترك رسول الله في بيته ميتا " لا أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه !.
وفي الحديث (5) من المجلس (11) من أمالي المفيد (ره) ص 64، معنعنا " عن الزهراء صلوات الله عليها انها وقفت على بابها وقالت: " ما رأيت كاليوم قط حضروا أسوء محضر، تركوا نبيهم جنازة بين أظهرنا واستبدوا بالامر دوننا.
[48]
ومن خطبة له عليه السلام المعروفة بالوسيلة (1) في بيان ما لله تبارك من صفات المجد والعظمة، وحكم عملية واعتقادية
الحمد لله الذي أعدم الاوهام أن تنال إلى وجوده (2) وحجب العقول أن تختال ذاته، (3) لامتناعها من الشبه والتشاكل، بل هو الذي لا تتفاوت ذاته، ولا تتبعض بتجزئة العدد في كماله.
فارق الاشياء لا باختلاف الاماكن، ويكون فيها لا على الممازجة، وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الحسن بن علي بن شعبة تحف العقول: كتبنا من الخطبة ما اقتضاه الكتاب دون غيره.
ومقصوده أنه اختار من الخطبة الشريفة ما يكون بديعا وأجمع على تفضيله الخاص والعام، دون غيره.
(2) أي إلى كنه وجوده وحقيقة ذاته المقدسة.
وفي الروضة: " الحمد لله الذي منع الاوهام أن تنال إلا وجوده " الخ.
(3) وفي الحديث (4) من روضة الكافي: " وحجب العقول أن تتخيل ذاته ".
ومثله في رواية الصدوق رحمه الله.
وهو الظاهر، والمقصود ان العقول والاوهام لا نصيب لهما في إدراك جهات عظمته تعالى غير إدراك أصل وجوده تعالى، وأما حقيقة ذاته تعالى وعرفان كنه وجوده
[49]
وليس بينه وبين معلومه علم غيره كان عالما لعلومه (4) إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم (5) فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه فاتخذ إلها غيره علوا كبيرا.
نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه، وأوجب قبوله على نفسه، (و) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول، وتضعان العمل (6) خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة، والنجاة من النار، والجواز على الصراط، وبالشهادة تدخلون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) حذف منه الضمير للعلم به، وفي كتاب الروضة من الكافي ج 8: " وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما " بمعلومه الخ " أي إن ذاته المقدسة بنفسها علم بالمعلومات، لان علمه تبارك وتعالى ذاتي، وهو تعالى ليس مثل الممكنات يكون علمه علما مستفادا وخارجا عن ذاته كي يكون واسطة بينه وبين المعلومات.
(5) أي ليس كونه موجودا في الازل عبارة عن مقارنته للزمان أزلا، لحدوث الزمان، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء، أو أنه تعالى ليس بزمايى، و " كان " يدل إلى الزمانية، فتأويله: إن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم.
(6) هذا مثل قوله تعالى: " إليه يصعد الكلم الطيب " الخ.ومعنى " تضعان العمل " أي تثقلانه.وفي الروضة: " وتضاعفان العمل ".وهو اظهر.
[50]
الجنة، وبالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم.
إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الاسلام، ولا كرم أعز من التقوي، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى والقنوع، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة (7).
والرغبة مفتاح التعب، والاحتكار مطية النصب، والحسد آفة الدين، والحرص داع إلى التقحم في الذنوب، وهو داع إلى الحرمان (8) والبغي سائق إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من قوله: " يا بنى لا شرف أعلى من الاسلام - إلى قوله - فقد انتظم الراحة " وبعض الفقراة الآتية - مذكور في وصيته عليه السلام إلى محمد بن الحنفية، ورواه أيضا " في المختار (377) من قصار النهج.
(8) وقريب منها مذكور في وصيته إلى السبط شهيد عليهما السلام.
[51]
الحين، والشره جامع لمساوي العيوب، (9) رب طمع خائب، وأمل كاذب، ورجاء يؤدي إلى الحرمان، وتجارة تؤل إلى الخسران.
ألا ومن تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة [قلادة] الدين للمؤمن (10).
أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم، ولا عز أنفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الادب، ولا نصب أوجع من الغضب (11) ولا جمال أحسن من العقل، ولا قرين أشر (كذا) من الحهل، ولا سوأة أسوء من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا غائب أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) الحين - كمين وميل -: الهلاك.
المحنة.
والشره: الحرص.
وفي بعض النسخ: الشرة - كهرة - وهو غلبة الحرص.
الغضب: الطيش.
الحدة: النشاط.
(10) وفي الروضة: " وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن ".
(11) وفي بعض نسخ الروضة: " ولا نسب أوضع من الغضب ".
[52]
غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لاخيه بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره، إنكشفت عورات بيته، ومن نسي زلته، إستعظم زلل غيره، (12) ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغني بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن سفه على الناس شتم، ومن خالط العلماء وقر، ومن خالط الانذال حقر، ومن حمل ما لا يطيق عجز (13).
أيها الناس إنه لا مال (هو) أعود من العقل (14) ولا فقر هو أشد من الجهل، ولا واعظ هو أبلغ من النصح (15) ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة (16) ولا وحدة أوحش من العجب، ولا ورع كالكف (17)، ولا حلم كالصبر والصمت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) الزلة: السقطة والخطيئة، وفي بعض النسخ، وكذلك الروضة: " ومن نسي زلله، الخ.
(13) وبعض هذه الفقرات موجود في وصيته عليه السلام إلى السبط الشهيد.
(4) الاعود: الانفع.
(15) قيل: النصح: الخلوص.
(16) المظاهرة: المعاضدة والمعاونة.
(17) وفي الروضة: كالكف عن المحارم، وفي بعض نسخ الروضة: " ولا حكم كالصبر والصمت " أي ولا حكمة، كما في قوله تعالى: " وآتيناه الحكم صبيا ".
[53]
أيها الناس إن في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهد يخبر عن الضمير، وحاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الاشياء، وأمير يأمر بالحسن، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعز تسكن به الاحزان (18) وحامد تجلى به الضغائن، ومونق يلهي الاسماع (19).
أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم (20) كما أنه لا خير في القول بالجهل.
إعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يتعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم (21) ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن يتق ينج (22) ومن يكسب مالا من غير حقه يصرفه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) المعز من التعزية، وهو التسلية.
(19) وفي الروضة: " وحاضر تجلى به الضغائن، وموافق يتلذذ به الاسماع " الخ.
والضغائن جمع الضغينة، وهو الحقد.
والمونق: المعجب.
(20) الحكم: الحكمة.
(21) أي من لا يتكلف الحلم لا يحصل له ملكة الحلم.
(22) وهذا مثل قوله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " الخ.
وفي النسخة هنا تصحيف.
وفي الروضة: " ومن لا يوقر يتوبخ ".
[54]
في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود، يدع وهو مذموم، ومن لم يعط قاعدا منع قائما ؟ (23)، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.
أيها الناس إن المنية قبل الدنية، والتجلد قبل التبلد (24) والحساب قبل العقاب، والقبر خير من الفقر، وعمي البصر خير من كثير من النظر، والدهر يوم لك ويوم عليك (25)، فاصبر فبكليهما تمتحن.
أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه (26) وله مواد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) أي من لم يعاط المحتاجين حال كونه قاعدا يقوم عنده الناس ويسألونه، يبتلي بأن يفتقر إلى سؤال غيره فيقوم بين يديه ويسأله ولا يعطيه.
كذا قيل.
(24) وفي المختار: (396) من قصار النهج، " المنية ولا الدنية والتعلل ولا التوسل ".
والتجلد: إظهار الجلادة وتكلف القوة، والتبلد: ضده.
(25) وزاد في الروضة: " فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر ".
(26) من قوله عليه السلام: " أيها الناس - إلى قوله: " وكل إفراط له مفسد " - قد تواتر عنه عليه السلام كما ذكرناه في شواهد المحتار: (108) من قصار نهج البلاغة، وهو قوله عليه السلام: " ولقد علق بنياط هذا الانسان بضعة هي أعجب ما فيه، وذلك القلب الخ ".
[55]
من الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع (27) وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الاسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحزن (28) وإن اتسع بالامن إستلبته الغرة، وإن جددت له نعمة أخذته العزة، (29) وإن أفاد مالا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شغله البلاء (31) وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجزع قعد به الضعف (32)، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة (33) فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد.
أيها الناس من قل ذل، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) سنح له أي ظهر وبدا له.
(28) وفي الروضة والنهج: وإن ناله الخوف شغله الحذر " الخ.
(29) الغرة - بكسر المعجمة -:: الاغترار والغفلة، واستلبته أي سلبته عن رشده.
(31) أي ان اشتد عليه الفقر والفاقة منعته عن التحفظ على مصالحه.
(32) وفي الروضة والنهج: " وإن جهده الجوع قعد به الضعف " الخ.
(33) الكظة - بالكسر -: ما يعتري الانسان عند امتلائه من الطعام، والبطنة - بالكسر -: الامتلاء المفرط من الاكل.
[56]
رأس (34) ومن كثر حلمه نبل (35) ومن فكر في ذات الله تزندق (36) ومن أكثر من شئ عرف به، ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله، ولا فقير لاقلاله (37).
أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الانفس عن مدرجة أهل التفريط (38).
فطنة الفهم للمواعظ مما تدعو النفس إلى الحذر من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) يقال - رؤس - (من باب ضرب ونصر) رئاسة أي صار رئيسا.
قيل: ويحتمل أن يكون من " راس يروس " أي مشى متبخترا أو أكل كثيرا.
(35) أي صار نبيلا، أي ذا فضل وشرافة ونجابة.
(36) أي اتصف بالزندقة.
(37) قيل: القول في اللغة يستعمل في الخير فقط، وفي الشر يستعمل القال والقيل والقالة.
والقول مصدر، والقال والقيل إسمان له، والقال: الابتداء، والقيل الجواب.
والاقلال: قلة المال.
(38) المدرج والمدرجة: المذهب والمسلك، يعني إن للقلوب شواهد تعرج الانفس عن مسالك أهل التقصير إلى درجات المقربين.
[57]
الخطإ (39) وللنفوس خواطر للهوى، والعقول تزجر وتنهى، وفي التجارب علم مستأنف، والاعتبار يقود إلى الرشاد.
وكفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك عليك لاخيك المؤمن مثل الذي لك عليه (40).
لقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطاء، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول، (41) ومن حصر شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته، (42) وفي تقلب الاحوال علم جواهر الرجال، والايام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة (43)، ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(39) الفطنة: الحذاقة في الفهم.
وهي مبتداء وخبره قوله عليه السلام: " مما يدعو " أي إن الفطانة مما تدعو النفس إلى الحذر من المخاطرات.
(40) وفي الروضة: " وعليك لاخيك المؤمن " الخ.
(41) أي حكم العقول بتعديل رأيه وصوابه.
(42) قيل: أمنه - بالفتح - أي أمن قومه من شره.
(43) قيل: معنى الكلام: إنه لا ينفعك ما تبصره وتسمع كالبرق الخاطف، بل ينبغي أن تواظب وتستضئ دائما بأنوار الحكم، لتخرجك من ظلمات الجهل.
ويحتمل أن يكون المراد: انه لا ينفع ما تبصر وما تسمع من الآيات والمواعظ مع الانغماس في ظلمات المعاصي والذنوب.
[58]
عرف بالحكمة، لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغنى ترك المنى، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم خير من جاف مكثر (44)، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه (45)، ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال، قل ما تصدقك الامنية، التواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الاخلاق كنوز الارزاق (46) من كساه الحياء ثوبه، خفي على الناس عيبه، تحر القصد من القول، فإنه من تحرى القصد خفت عليه المؤن (47)، في خلاف النفس رشدها، من عرف الايام لم يغفل عن الاستعداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44) أكثر ما هنا مذكور في وصاياه عليه السلام إلى أبنائه: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية.
(45) وفي الروضة بعد ذلك هكذا: " وقد أوجب الدهر شكره على من نال سئوله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قزيح أو إحسان " الخ.
والطرف - بسكون الراء - العين.
وبالتحريك: الناحية.
منتهى كل شئ.
(46) وفي الروضة بعد ذلك هكذا: " كم من عاكف على ذنبه في آخر عمره ".
(47) " تحر " أمر وطلب، وبابه تفعل، و " القصد " - كفلس - - التوسط.
و " المؤن ": جمع المؤنة - كغرفة - والمؤنة - كأمومة -: القوت.
الثقل.
[59]
ألا وإن مع كل جرعة شرقا، وفي كل أكلة غصصا، لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى، لكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل وانت قوت الموت (48).
أعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الارض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار يتسارعان في هدم الاعمار.
أيها الناس كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم (49) من الكرم لين الكلام، إياك والخديعة فإنها من خلق اللئام، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤب، لا ترغب فيمن زهد فيك، رب بعيد هو أقرب من قريب، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار، أستر عورة أخيك لما تعلمه فيك (50)، إغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك، من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه وعذب نفسه، من خاف ربه كف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) وهذا قد تكرر في كلماته عليه السلام بكثرة.
(49) اللؤم - كقفل -: دناءة الاصل ومهانة النفس.
والشؤم - كرمح -: ضد اليمن والبركة.
(50) لعله كناية عن أن المعيب والناقص لا ينبغي أن يتفوه بعيب غيره.
[60]
ظلمه، (51) من لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة، إن من الفساد إضاعة الزاد، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا، وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب (52) ما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من التغيير (53) ما شر بشر بعده الجنة، وما خير بخير بعده النار، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية (54) عند تصحيح الضمائر تبدوا الكبائر (55)، تصفية العمل أشد من العمل، تخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) فالمولع بالظلم المصر عليه مجترئ على الله لا يخاف منه تعالى ومن اجترئ على الله أذله وأهانه.
(52) وفي الروضة: " هيهات هيهات وما تناكرتم الا لما " الخ.
أي لذنوبكم وعيوبكم يتناكر كل واحد منكم غيره.
(53) وفي بعض النسخ من الكتاب، وكذلك في كتاب الروضة: " والبؤس من النعيم الخ " والمراد بالتغيير: سرعة تقلب أحوال الدنيا.
(54) من قوله (غ): ما شر بشر - إلى قوله: عافية،.
قد تكرر في كثير من كلمه عليه السلام.
(55) يعني إذ اراد الانسان تصحيح ضميره وتخليص نيته عن الشوائب، تظهر له العيوب الكبيرة الكامنة في النفس، وتبدو له الاخلاق الذميمة التي خفيت عليه تحت أستار الغفلة.
[61]
هيهات هيهات لولا التقى كنت أدهى العرب (56).
عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة (57) وكلمة الحق في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على العدو والصديق، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله في الشدة والرخاء.
من كثر كلامه كثر خطاؤه، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.
ومن تقكر اعتبر، ومن اعتبر اعتزل، ومن اعتزل سلم، ومن ترك الشهوات كان حرا، ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس، عز المؤمن غناه عن الناس، القناعة مال لا ينفد، ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) وفي المختار: " 198 " من خطب المنهج: " ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس " الخ.
والدهاء: جودة الرأي والحذق.
المكر والاحتيال.
(57) ومن هنا إلى آخر الكلام يغاير مع ما في روضة الكافي.
وهذا أيضا " مما تكرر في كلمه عليه السلام، وقريبا منه ذكرناه في المختار الثالث من باب الوصايا من كتابنا هذا، كما انه إلى آخره قريب جدا مما في وصيته عليه السلام إلى السبط الشهيد، وهو المختار (12) من باب الوصايا - من كتابنا هذا - ج 1، ص 474 ط 1
[62]
علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، العجب ممن يخاف العقاب فلا يكف، ويرجو الثواب ولا يتوب، وعمل الفكر يورث نورا "، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والادب خير ميراث، [و] حسن الخلق خير قرين، ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى، العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد في ترك مجالسة السفهاء، رأس العلم الرفق، وآفته الخرق (58) ومن كنوز الايمان الصبر على المصائب، والعفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، كثرة الزيارة تورث الملالة، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، إعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله، لا تؤيس مذنبا " فكم من عاكف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(58) الرفق - كحبر - لين الجانب.اللطف.والخرق - كقفل - والخرقة والخرق - كقفلة والفرس -: ضعف الرأي.سوء التدبير.الحمق والجهالة.
[63]
على ذنبه ختم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد [له] في آخر عمره صائر إلى النار.
بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
طوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه، وبغضه [وحبه] وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وفعله وقوله.
لا يكون المسلم مسلما حتى يكون ورعا، ولن يكون ورعا " حتى يكون زاهدا، ولن يكون زاهدا حتى يكون حازما، ولن يكون حازما " حتى يكون عاقلا، وما العاقل إلا من عقل عن الله وعمل للدار الآخرة، وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المختار الرابع من كلامه عليه السلام في تحف العقول: ص 61، وفي ط ص 93