[161]
ومن كلام له عليه السلام قاله لعثمان لما أراد أن يسفّر عمار بن ياسر رضوان الله عليه
قال البلاذري: وقد روي أيضا انه لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة، قال رحمه الله.
قال عمار بن ياسر: نعم فرحمه الله من كل أنفسنا.
فقال عثمان: يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على تسييره ! ! ! وأمر فدفع في قفاه وقال: الحق بمكانه.
فلما تهيأ [عمار] للخروج جاءت بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه.
[فجاءه] فقال له: يا عثمان إتق الله فإنك صيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره ! ! ! وجرى بينهما كلام حتى قال عثمان: أنت أحق بالنفي منه (1) فقال علي: رم ذلك إن شئت.
واجتمع المهاجرون فقالوا: إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيتهء فإن هذا شئ لا يسوغ.
فكف عن عمار.
ترجمة عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 54، وقريبا منه ذكره ابن أعثم في ترجمته من كتاب الفتوح: ج 2 ص 62 ط 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فعليك بالتنقيب للظفر على ما جرى بينهما من الكلام فإن فيه بلوغ المرام.
[162]
ومن كلام له عليه السلام قاله للمغيرة بن الاخنس
روى عوانة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، أن عثمان لما كثرت شكايته عن علي عليه السلام، أقبل لا يدخل إليه أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا شكى إليه عليا، فقال له زيد بن ثابت لانصاري - وكان من شيعته وخاصته -: أفلا أمشي إليه فأخبره بموجدتك فيما يأتي إليك (1) قال: بلى.
فأتاه زيد ومعه المغيرة بن الاخنس بن شريق الثقفي - وعداده في بني زهرة، وأمه عمة عثمان بن عفان - في جماعة فدخلوا عليه، فحمد زيد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد فإن الله قدم لك سلفا صالحا في الاسلام، وجعلك من الرسول بالمكان الذي أنت به، فأنت للخير كل الخير أهل، وأمير المؤمنين عثمان ابن عمك ووالي هذه الامة، فله عليك حقان: حق الولاية وحق القرابة، وقد شكى إلينا أن عليا يعرض لي ويرد أمري علي.
وقد مشينا إليك نصيحة لك، وكراهة أن يقع بينك وبين ابن عمك أمر نكرهه لكما ".
فحمد علي عليه السلام، الله واثنى عليه، وصلى على رسوله ثم قال: أما بعد فوالله ما أحب الاعتراض ولا الرد عليه، إلا أن يأبى حقا لله لا يسعني أن أقول فيه إلا بالحق، ووالله لاكفن عنه ما وسعني الكف.
فقال المغيرة بن الاخنس - وكان رجلا وقاحا (2) وكان من شيعة عثمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الموجدة - على زنة الموعظة - مصدر قولهم: " وجد - من باب ضرب ونصر - وجدا وجدة وموجدة ووجدانا عليه ": غضب.
(2) الوقاح: كثير الوقاحة، المجترء على القبائح.
قليل الحياء.
[163]
وخلصائه -: إنك والله لتكفن أو لتكفن، فإنه أقدر عليك منك عليه ! وإنما أرسل هؤلاء القوم من المسلمين إعزازا لتكون له الحجة عندهم عليك.
فقال له علي عليه السلام: يا ابن اللعين الابتر، والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع، أنت تكفني ! فوالله ما أعز الله امرأ أنت ناصره، أخرج أبعد الله نواك (3) ثم اجهد جهدك فلا أبقى الله عليك ولا على أصحابك إن أبقيتم.
شرح المختار: (135) من خطب النهج من ابن أبي الحديد: ج 8 ص 302.
وقريبا " منه جدا ذكره أحمد بن أعثم الكوفي في ترجمة عثمان من كتاب الفتوح: ج 2 ص 165، ط 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) النوى - كعصى -: الدار، فإذا قالوا: شطت نواهم، فمعناه: بعدت دارهم.
كذا نقله في المادة من تاج العروس نقلا عن القالي عن ابن دريد.
وقال في مجمع البحرين: النوى - بالفتح - البعد، ومنه حديث علي للمغيرة بن الاخنس: " أبعد الله نواك ".
[هو] من قولهم: بعدت نواهم: بعدوا بعدا شديدا.
[164]
ومن كلام له عليه السلام قاله لعثمان في حوار جرى بينهما
فارجع إلى الله أبا عمرو، وانظر هل بقي من عمرك إلا كظمئ الحمار (1) فحتى متى وإلى متى ! ألا تنهى سفهاء بني أمية عن أعراض المسلمين وأبشارهم (2) وأموالهم ! والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركا بينه وبينك.
شرح المختار: (135) من خطب النهج من ابن أبي الحديد: ج 9، ص 15، نقلا عن الواقدي في كتاب الشورى، عن ابن عباس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " ظمئ الحمار " مثل وكناية عن الشئ القصير.
لان الحمار أقل احتمالا للعطش من سائر الحيوانات، ولذلك ذهب مثلا في القصر.
(2) أعراض المسلمين: نواميسهم.
وأبشارهم: ظواهر جلدهم.
[165]
ومن كلام له عليه السلام قاله لعثمان لما اضطرب أمره
فدعا إليه ولاته لاستكشاف القضية وحل العريصة وكان عليه السلام حاضرا فقال: يا عثمان إن الحق ثقيل مرئ (1) وإن الباطل خفيف وبئ (2) وإنك متى تصدق تسخط ومتى تكذب ترض.
ترجمة عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 44، وكتاب الفتوح لابن أعثم: ج 2 ص 189، ط 1.
وقريبا منه رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار: (376) من الباب الثالث من كتاب نهج البلاغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من قولهم: " مرأ " الطعام - مثلثة الراء - مراءة ": هنئ وصار لذيذا، ومحصل مراده عليه السلام إن الحق ثقيل ابتداءا وفي بادئ الرأي، ولكنه حميد العاقبة، لذيذ الثمرة، جميل الانتاج.
(2) أي كثير الوباء، وهو المرض، قال في المجمع: الوباء - بالمد، ويقصر (أيضا) -: المرض العام، ويعبر عنه بالطاعون، وجمع الممدود أوبية - كمتاع وأمتعة - والمقصور (تجمع) على أوباء، كسب وأسباب.
ووبيت الارض = من باب تعب =: أي كثر مرضها.
ومراده عليه السلام ان الباطل وإن كان خفيفا على النفس مرغوبا لديها في أول وهلة، ولكنه شديد المرارة في المآل، وخيم العاقبة، ذميم النتيجة بأخرة.
[166]
ومن كلام له عليه السلام قاله لعثمان لما التمس منه المهاجرون أن يأتي عثمان ويخوفه بالله
قال الواقدي في إسناده: لما كانت سنة أربع وثلاثين، كتب بعض أصحاب رسول الله " صلعم " إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله، وما الناس فيه من عماله ويكثرون عليه، ويسأل بعضهم بعضا أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد ! ! ! ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله " صلعم " يدفع عن عثمان ولا ينكر ما يقال فيه إلا زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك بن أبي كعب - من سلمة من الانصار، وحسان بن ثابت الانصاري فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان ويعظه، فأتاه فقال له: إن الناس ورائي قد كلموني في أمرك، ووالله ما أدري ما أقول لك، ما أعرفك شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه، وإنك لتعلم ما نعلم، وما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه، لقد صحبت رسول الله " صلعم " وسمعت ورأيت مثل ما سمعنا ورأينا (1) وما ابن أبي قحافة وابن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكلام ناظر إلى جهات انحراف عثمان عن جادة الشريعة، وحمله الطلقاء وأبناء الشجرة الملعونة على رقاب الناس بلا رقابة منهم وكانوا يلعبون بالدين، ويفعلون بالمسلمين ما يشتهون، وهذا كله كان عثمان عالما به، خبيرا بويلاته وضرره ولا إطلاق للكلام ولا معارضة بينه وبين ما ورد من الآثار الكثيرة في جهالة عثمان وعدم علمه بكثير من مسائل الدين.
[167]
الخطاب بأولى بالحق منك، ولانت أقرب إلى رسول الله " صلعم " رحما، ولقد نلت من صهره ما لم ينالا [ه] فالله الله في نفسك فإنك لا تبصر من عمي ولا تعلم من جهل.
فقال له عثمان: والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ولا عتبت عليك إن وصلت رحما وسددت خلة وآويت ضائعا ووليت من كان عمر يوليه، نشدتك الله ألم يول عمر المغيرة بن شعبة وليس هناك.
قال: نعم.
قال: أو لم يول معاوية ؟ فقال علي: إن معاوية كان أشد خوفا وطاعة لعمر من " يرفأ " وهو الآن يبتز الامور دونك ويقطعها بغير علمك ويقول للناس هذا أمر عثمان، ويبلغك فلا تغير ! ! ! ترجمة عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 60 ورواه أيضا في المختار: (162) من خطب النهج، كما رواه في آخر مقتل عثمان من كتاب العسجدة الثانية - في الخلفاء وتواريخهم - من العقد الفريد: ج 3 ص 92 ط 2.
[168]
ومن كلام له عليه السلام فيما يتحمله مروان في مستقبل الزمان
قال ابن سعد: ونظر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما إلى مروان فقال له (1): ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه (2) وله إمرة كلحسة الكلب أنفه (3).
ترجمة مروان من كتاب الطبقات الكبرى، ج 5 ص 43 ط بيروت، وفي ط ليدن: ص 30.
ورواه أيضا في ترجة مروان من تاريخ دمشق: ج 54 ص 124، س 15.
وقال ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (72) من الباب الاول من نهج البلاغة: قد روي هذا الخبر من طرق كثيرة، ورويت فيه زيادة لم يذكرها (السيد) الرضي، وهي قوله: " يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه " الخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا نقل بالمعنى لكلامه وكلام ابن عساكر، وإليك نص كلامهما قالا: وقد قال علي بن طالب له يوما ونظر إليه: " ليحملن راية ضلالة " الخ.
(2) هذا كناية عن ادعاءه الخلافة وتفرده بالامر.
والصدغ: ما بين العين والاذن وهما صدغان.
الشعر المتدلي على هذا الموضع، والجمع أصداغ.
(3) هذا كناية عن قصر مدة إمارته وأيام رئاسته.
يقال: " لحس القصعة لحسا - من باب علم - لعقها وأخذ ما علق بجوانبها بلسانه أو بإصبعه.
ومنه المثل: أسرع من لحس الكلب أنفه.
وفي رواية ابن عساكر: " وله إمرة كما لحية الكلب أنفه " والظاهر انه مصحف.
[169]
ومن كلام له عليه السلام يخبر فيه أيضا عما سيجرمه مروان وبنوه إلى الامة الاسلامية
قال أبو عمر: ونظر علي عليه السلام يوما إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لامة محمد منك ومن بنيك (1) إذا شاب صدغاك (2).
ترجمة مروان من كتاب الاستيعاب: ج 1، ص 119، وفي ط الهند: ص 263.
ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (72) من نهج البلاغة: ج 6 ص 150، وفي ط ج 2 ص 55، ورواه عنه العلامة الاميني تغمده الله برضوانه في الغدير: ج 8 ص 267 ط النجف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا مأخوذ من رسول الله صلى الله عليه وآله كما رواه العلامة الاميني في الغدير: ج 8 / 267 عن أسد الغابة: ج 2 / 34 والاصابة ج 1 / 346 وسيرة الحلبية: ج 1 / 337 وكنز العمال: ج 6 ص 40 قال: وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله: ويل لامتي مما في صلب هذا.
(2) وفي ط الهند، من الاستيعاب: " ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك إذا ساءت درعك ".
والصواب: " إذا شاب ذراعاك ".
والمراد من الصدغين هنا، هو الشعر المتدلى عليهما، قال في المجمع: الصدغ - بالضم -: ما بين لحظ العين إلى أصل الاذن، ويسمى الشعر المتدلى عليه أيضا صدغا، فيقال صدغ معقرب، والجمع أصداغ مثل قفل وأقفال.
[170]
ومن كلام له عليه السلام بين فيه أيضا عن إجرام مروان وبنيه في غابر الزمان
الحافظ الكبير: ابن عساكر الدمشقي، قال: أخبرنا أبو غالب، وأبو عبد الله ابنا البنا (ء) قالا: أخبرنا أبو الحسين ابن الابنوسي، أخبرنا أحمد ابن عبيد إجازة.
قالا: وأنبأنا أبو تميم علي بن محمد إجازة أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبيد قراءة، أنبأنا محمد بن الحسين، أنبأنا ابن أبي خيثمة، أنبأنا يحي بن معين، أنبأنا محمد بن جعفر غندر، أنبأنا عوف بن سليمان، عن أبي سليمان مولى بني هاشم: عن أبيه أبي سليمان [كذا] قال: بينا علي واضعا يده على بعضي (1) نمشي في سكك المدينة، إذ جاء مروان بن الحكم في حلة فتات متات، ناصع اللون وماد (2) فقال له: يا كذا وكذا (3) يا [أ] با الحسن.
وجعل علي يحسره) (4) فلما فرغ ولى من عنده - قال [ابو سليمان]: - فنظر [علي] في قفاه ثم قال [له]: ويل لامتك (5) منك ومن بنيك إذا شابت ذراعاك (6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الظاهر من السياق، وكلمة " بعضي " رسم خطها غير جلي، وفي النسخة أيضا: " يمشي في سكك المدينة ".
(2) كذا.
(3) كناية عن السب والشتم.
(4 و 5) كذا في النسخة، ولعل الصواب: " ويل للامة منك ".
وفي أسد الغابة: " ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك ".
(6) كناية عن بلوغه أقصى مرحلة الشيب، فإن شيب الذراعين أي ابيضاضهما يكون بعد
[171]
ترجمة مروان من تاريخ دمشق: ج 54 ص 124 / أو 623 س 7، ورواه عنه في كنز العمال: ج 6 ص 91 كما في الغدير: ج 8 ص 267 ط 1، ورواه أيضا في ترجمة مروان من كتاب أسد الغابة: ج 4 ص 34 غير انه ذكره مرسلا، ولم يذكر جملة: " أذا شابت ذراعاك ".
ورواه عنه أيضا " في الغدير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بياض شعر الرأس والوجه بمدة طويلة.
وقال في ترجمة عبد الملك من تاريخ دمشق: ج 35 / 62: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن منصور بن هبة الله بن الموصلي في كتابه، أنبأنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الطيوري أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، أنبأنا أبو الحسن محمد بن عمر بن محمد بن حميد بن بهتد (ظ) إجازة، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، أنبأنا جدي يعقوب، أنبأنا أبو سلمة موسى بن اسماعيل، أنبأنا حماد بن سلمة، أنبأنا حميد: عن بكر بن عبد الله المر (اد) ي: ان رجلا كان يهوديا فأسلم (وكان) يقال له: يوسف وكان يقرء الكتب فمر بدار مروان بن الحكم فقال: ويل لامة محمد من أهل هذه الدار - ثلاث مرار - فقلت: إلى متى ! قال: حتى يجئ رايات سود من قبل خراسان.
وكان صديقا لعبد الملك بن مروان فضرب منكبه ذات يوم فقال: اتق الله يا [ابن] مروان في أمة محمد إذا وليتهم.
فقال: دعني ويحك ما شأني وشأن ذلك.
فقال: اتق الله في أمرهم.
قال: وجهز يزيد بن معاوية جيشا إلى أهل مكة فقال عبد الملك - وأخد قميصه فنفضه من قبل صدره - أعوذ بالله أعوذ بالله أعوذ بالله أنبعث إلى حرم الله ! ! فضرب يوسف منكبه وقال: لم تنفض قميصك ! جيشك إليهم أعظم من جيش يزيد بن معاوية ! ! !
[172]
ومن كلام له عليه السلام قاله لعثمان لما صرفه مروان عما قاله على المنبر، من التوبة وإحقاق الحقوق
قالوا لما نزل عثمان عن المنبر (1) ودخل منزله قال له مروان: والله لاقامة على خطيئة تستغفر منها أجمل من توبة تخوف منها ! ! ! - في كلام له طويل - فانقاد له عثمان وقال: أبلغ الناس فإني أستحيي منهم.
فخرج مروان وأعلم من بالباب من الناس بأن عثمان غير معطيكم ما تريدون.
فدخل الناس على أمير المؤمنين عليه السلام وأخبروه بمقالة مروان، فخرج عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال له: يا عثمان أما رضيت من مروان، ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وبخدعك عن عقلك، مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به ! ! ! والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا [في] نفسه، وأيم الله إني لاراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت والله شرفك وغلبت على أمرك ! ! ! كتاب الجمل، ص 103، ط النجف، وقريب منه جدا في ترجمة عثمان من أنساب الاشراف: ج 5 ص 65.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وتفصيل القصة في أنساب الاشراف: ج 5 / 62 وتواليها، وفي تاريخ الطبري وغيرهما.
[173]
ومن كلام له عليه السلام قاله لرجل جاء إليه يستشفع به إلى عثمان
قال الزبير بن بكار: حدثنا محمد بن حرب، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: جاء رجل إلى علي عليه السلام يستشفع به إلى عثمان، فقال له علي صلوات الله وسلامه عليه]: حمال الخطايا (1) لا والله لا أعود إليه أبدا.
شرح المختار: (135) من الباب الاول من نهج البلاغه لابن أبي الحديد: ج 9 ص 17، ورواه عنه في الحديث (397) من خاتمة الموفقيات المطبوع ص 613.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي المختار: (29) من باب الكتب من نهج السعادة ج 4 ص 79 ما يؤيده.
[174]
ومن كلام له عليه السلام كلم به بني أمية
لما صاحوا به وقالوا: يا علي أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت (1) ! ! يا سفهاء إنكم لتعلمون أنه لا ناقة لي في هذا ولا جمل (2) وإني رددت أهل مصر عن عثمان، ثم أصلحت أمره مرة بعد أخرى فما حيلتي ؟ ! فانصرف (عليه السلام من دار عثمان) وهو بقول: أللهم إني برئ مما يقولون، ومن دمه إن حدث به حدث.
ترجمة عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 66، ورواه أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في ترجمة عثمان من كتاب الفتوح: ج 3 ص 214.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي كتاب الفتوح: فقالت له بنو أمية: يا ابن أبي طالب إنك كدرت علينا العيش وأفسدت علينا أمرنا، وقبحت محاسن صاحبنا، أما والله لئن بلغت الذي ترجو لنجاهدنك أشد الجهاد ! ! ! فزبرهم علي وقال: اعزبوا فما بلغ الله لكم من القدر مما تحابون، فإنكم سفهاء وأبناء سفهاء، طلقاء وأبناء طلقاء، إنكم لتعلمون أنه مالي في هذا الامر ناقة ولا جمل.
(2) هذا من أمثلة العرب المعروفة.
[175]
ومن كلام له عليه السلام لما قيل له: قتل عثمان
قال البلاذري: حدثني عمرو بن محمد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن محمد بن عبيد الانصاري عن أبيه قال: أتيت عليا في داره يوم قتل عثمان فقال: ما وراؤك ؟ قلت: شر، قتل أمير المؤمنين.
فاسترجع ثم قال: أحبب حبيبك هونا ما (1) عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما.
ترجمة عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 95، ورواه أيضا في المختار: (268) من قصار نهج البلاغة.
وللكلام مصادر وأسانيد، ولكن في غير المورد، فإن شك في صدوره عنه عليه السلام في المقام فلا ريب في أصل صدوره عنه عليه السلام كما يعلم ذلك بالمراجعة إلى باب القصار من كتابنا هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المراد من الهون - هنا -: الخفيف أي إذا أحببت أحدا لا تبالغ في حبه ولا تسترسل كل الاسترسال في محبته، وإذا أبغضت شخصا، فلا تبالغ في بغضة كل المبالغة ولا تقطع عنه كل القطيعة، بل خل للائتلاف موضعا، والمقصود إنه ينبغي للعاقل أن يكون في حبه وبغضه متوسطا غير مفرط فيهما، فلا يركن إلى حبيبه كل الركون فيلقى إليه جميع أسراره، كراهة أن ينقلب الحب إلى البغض فيبتلي بجميع أضراره، وكذلك لا يفرط في المشاقة والمعادات كراهة أن ينقلب البغيض عن حاله ويريد أن يرجع فلا يجد طريقا للرجوع.
[176]
ومن خطبة له عليه السلام لما صعد المنبر بعد قتل عثمان
قال البلاذري: حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي عن الحكم بن الصلت، عن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه قال: رأيت عليا على منبر رسول الله " صلعم " حين قتل عثمان وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهت، ولا أمرت به ولا نهيت عنه (1).
ترجمة عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 101 (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقال أيضا: وحدثنا سريج بن يونس أبو الحارث الزاهد، حدثنا أبو معاوية الضرير، أنبأنا ليث، عن طاووس عن ابن عباس انه سمع عليا (عليه السلام) يقول: حين قتل عثمان: والله ما قتلت ولا أمرت ولكني غلبت.
يقولها ثلاثا.
ورواه أيضا ابن سعد، في ترجمة عثمان من الطبقات: ج 3 ص 82 ط بيروت، عن أبي معاوية، عن ليث، عن طاووس، عن ابن عباس قال: سمعت عليا يقول.. (2) وبعده أيضا في معناه، وفي عنوان: " حصر عثمان وقتله " من كتاب الفضائل من كنز العمال: ج 15، ص 85 ط 2 تحت الرقم (244) قال: [وعن ابن أبي شيبة] عن علي قال: من كان سائلا عن دم عثمان فإن الله قتله وأنا معه ! ! ! قال ابن سيرين: هذه كلمة قرشية ذات وجه.
[177]
ومن خطبة له عليه السلام خطبها بعد قتل عثمان حين بايعه الناس
قال الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه: وروى الواقدي في كتاب الجمل بإسناده أن أمير المؤمنين عليه السلام حين بويع خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: حق وباطل ولكل أهل (1) ولئن أمر الباطل لقديما فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل (2) ولقلما أدبر شئ فأقبل، وإني لاخشى أن تكونوا في فترة (3) وما علينا إلا الاجتهاد، وقد كانت أمور مضت ملتم فيها ميلة كانت عليكم ما كنتم فيها عندي بمحمودين، أما إني لو أشاء لقلت، عفا الله عما سلف، سبق الرجلان وقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا الصدر رواه أيضا الزمخشري في الباب: (41) من ربيع الابرار.
(2) يقال: " أمر الشئ - من باب علم - والمصدر كفرس وفرسة - أمرا وأمرة ": كثر.
وقوله: " فلربما ولعل " أي فلربما يصير القليل كثيرا ولعل القليل يغلب الكثير، فلا ينبغي اليأس والقنوط.
(3) الفترة - كضربة -: زمان انقطاع الناس عن الحجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[178]
الثالث كالغراب همته بطنه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له.
[إلى آخر ما قاله عليه السلام] في كلام طويل بعدها.
ثم قال الشيخ (ره): وقد رويت هذه الخطبة عن الواقدي من طرق مختلفة.
تلخيص الشافي: ج 3 ص 53 ط 2، وقريب منه جدا في الباب (49) من جواهر المطالب ص 54.
أقول: وللخطبة طرق ومصادر كثيرة تلاحظ بعضها فيما يأتي.
[179]
ومن خطبة له عليه السلام في المعنى المتقدم أيضا
قال الجاحظ: قال أبو عبيدة معمر بن المثني (1): (هذا) أول خطبة خطبها علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه [بالمدينة في خلافته] حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما بعد لا يرعين مريع إلا على نفسه (2) فإن من أرعى على غير نفسه شغل عن الجنة والنار أمامه.
ساع مجتهد (3) وطالب يرجو، ومقصر في النار، ثلاثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المولود سنة (112) المتوفي (211) وكان يرى رأي الخوارج. والخطبة رواها جماعة كثيرة - باختلاف في بعض فقراتها وزيادة ونقيصة - وممن رواها العسكري في كتاب الاوائل الورق 102، قال: أخبرنا أبو أحمد، عن الجوهري، عن أبي زيد، عن محرز بن القاسم، عن أبيه قال: لما استخلف علي (عليه السلام) صعد المنبر، ثم قال: حق وباطل ولكل أهل الخ.
(2) لا يرعين: لا يبقين. يعني من أبقى على الناس فإنما أبقى على نفسه. وفي كتاب الارشاد ص 128: " أما بعد فلا يرعين مرع ".. وهو الظاهر.
(3) أي العمال خمسة: ساع في مرضاة الله مجتهد في إتيان أوامر الله - فهو ناج - وطالب لما عند الله يرجو الفوز والفلاح - فهو على سبيل النجاة - ومقصر فيما يقربه إلى الله مفرط في نيل الشهوات والامنيات فهو في النار، وملك طار إلى رضوان الله بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده سائق له إلى محابه ومراضيه ولا يوجد قسم سادس.
[180]
واثنان: ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده (4) لا سادس.
هلك من ادعى، وردى من اقتحم (5) اليمين والشمال مضلة، الوسطى [هي] الجادة منهج عليه باقي الكتاب والسنة وآثار النبوة.
إن الله داوي هذه الامة بدواءين: السوط والسيف، لا هوادة عند الامام فيهما (6).
إستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من وراء كم، من أبدى صفحته للحق هلك (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) كذا في هذه الرواية، وفي رواية الكافي الآتية " ثلاثة واثنان: خمسة ليس لهم سادس، ملك يطير بجناحيه، ونبي أخذ الله بضبعيه، وساع مجتهد، وطالب يرجو، ومقصر في النار " وهو أظهر.
وضبعيه: عضديه.
(5) وفي رواية الكافي: " هلك من ادعى، وخاب من افترى ".
(6) الهوادة - كسحابة - اللين.الميل.الرخصة.
(7) وهذه الجملة رواها السيد الرضي (ره) في المختار: (188) من قصار نهج البلاغة وصفحة كل شئ: جانبه ووجهه، والجمع: صفحات - كسجدة وسجدات -.
والكلام في هذا السياق تهديد وتخويف لمن عارضه بالعيان والصراحة.
والمراد بالحق - هنا - نفسه الكريمة صلوات الله عليه.
[181]
قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين، أما إني لو أشاء لقلت، عفا الله عما سلف (8).
سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه ! ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له (9).
انظروا فإن أنكرتم فأنكروا، وإن عرفتم فآزروا (10).
حق وباطل ولكل أهل، ولئن كثر أمر الباطل لقديما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) اقتباس من الآية: (95) من سورة المائدة: " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ".
وبمعناها وردت غير واحدة من الآيات الكريمات.
(9) وبما أن انتظام أمر المدينة المنورة في هذه الايام كان بيد المهاجمين على عثمان، وكان أعداء أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الايام إما مطرودين أو منكوبين، كان له عليه السلام فسحة ما في بث ما في صدره بالنسبة إلى الذين تقدموه في تملك زمام أمر الامة، وبما أن جل الثائرين على عثمان كانوا معتقدين لابي بكر، وعمر مقاما منيعا عبر عنهما بنحو الاشارة والاختلاس وإجمال الكلام، وأما عثمان فحيث كان الجماهير معتقدين لعدوله عن منهج العدل، وتعديه عن سواء الصراط، وحدود الكتاب والسنة، فكان عليه السلام يكشف عن حاله ويسفر عن أفعاله كلما جرى له ذكر، أو اقتضى المقام كشف الغطاء عن سريرته ولم يزاحمه أمر أهم.
وهذا هو السر، في كثرة أقواله عليه السلام حول عثمان، وقلتها حول الكشف عن منويات الشيخين وفلتات أعمالهم وزلات أقوالهم مع أن الجم الغفير من هذا النمط قد أخفاه أولياؤه وأعداؤه، أما أولياؤه فستروه محافة الاستئصال، واستباحة أعراضهم وانتهاب أموالهم، وأما أعداؤه فأخفوه مخافة الافتضاح وعدم إدراك المنى والشهوات، ومع ذلك قد برز وانتشر منه فوق حد الكفاف.
فلله الحجة البالغة.
(10) أي أنظروا فيما قلت وأقول بنظر الاعتبار والانصاف، فان أنكرتم منه شيئا أي فإن وجدتم شيئا منه منكرا وزورا من القول فأنكروه وقولوا لي: إن قولك ليس بصدق ولا صواب، وإن عرفتم صحة قولي وصواب ما ألقيت إليكم فانصروني وعاضدوني، وتعاونوا على البر والتقوى.
وقوله: " فآزروا " مأخوذ من المآزرة بمعنى المعاونة والتقوية.
[182]
فعل (11) ولئن قل الحق لربما ولعل (12) وقلما أدبر شئ فأقبل، ولئن رجعت عليكم أموركم إنكم لسعداء (13)، وإني لاخشى أن تكونوا في فترة، وما علينا إلا الاجتهاد.
[قال الجاحظ:] وقال أبو عبيدة: وزاد فيها [في رواية] جعفر بن محمد [عن آبائه عليهم السلام]: [ألا] إن أبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلم [هم] كبارا.
ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا، وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) وفي كثير من المصادر - كما تلاحظ ما في بعضها بعد ذلك -: " ولئن أمر الباطل " وهو من باب علم ومعناه: ولئن كثر الباطل وقوي أصحابه فليس بأمر بديع إذ الباطل كان كثيرا من زمن قديم، ولا مؤنة في بقاء الشئ على أصله.
(12) المراد من الحق المحقون - كما أن المراد من الباطل المبطلون - أي ولئن كان المحقون قليلين، فلربما كثر القليل، أو لعلهم مع قلتهم ينتصرون على المبطلين.
(13) قوله: " وقلما أدبر شئ فأقبل " استبعاد منه عليه السلام لرجوع الحق بنحو كلي كي يستنتج منه السامعون أن رجوع حقهم إليهم يحتاج إلى عزم راسخ وجد ثابت وتمهيد مقدمات وثيقة كي يستدرك بها الفائت.
وقوله عليه السلام " ولئن رجعت عليكم أموركم أنكم لسعداء " حث أكيد في لزوم الجد والطلب على المخاطبين لاسترداد أمورهم إليهم لانه مناط فوزهم وسعادتهم وبعدمه ترتفع السعادة وتلازمهم الشقاوة والهلاكة.
[183]
معنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق (14).
ألا وبنا تدرك ترة كل مؤمن (15) وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم وبنا فتح [لا بكم] وبنا يختم لا بكم.
البيان والتبيين: ج 3 ص 44 ط مصر سنة 1366، بتحقيق حسن السندوبي، ورواها أيضا في العقد الفريد: ج 4 ص 133، وروى قطعة منها عن البيان والتبيين في فصل حلمه وشفقته عليه السلام من كتاب المناقب لابن شهر أشوب: ج 2 ص 115، ط قم.
ورواها أيضا في الفصل (13) من مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الارشاد ص 136، وذكر فقرات منها في كتاب الجمل ص 62 وقال والعلماء متفقون عليها عنه عليه السلام وقد ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى، وفسر غريب الكلام فيها، وأوردها المدائني في كتبه، وذكرها الجاحظ في البيان والتبيين.
ورواها أيضا في أواسط الباب (49) من جواهر المطالب ص 59.
ورواها أيضا في البحار: ج 8 ص 391 ط الكمباني عن ابن أبي الحديد.
ورواها أيضا في عيون الاخبار: ج 2 ص 236 ط 2.
وذكرها أيضا في كنز العمال: ج 15 ص 446 ط 2، وج 8 ص 300 ط 1، نقلا عن اللالكائي، كما رواها أيضا في منتخبه المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 191، ط 1، باختلاف في بعض الالفاظ، والظاهر انها أغلاط مطبعية، ولها هناك مقدمة من كلام محمد بن الحنفية، كما ان الذيل المروي عن الامام الصادق عليه السلام غير موجود فيهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) هذا مثل قوله صلى الله عليه وآله: " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى ".
(15) الترة - كعدة -: ما يصيب الانسان من المكروه من هتك عرض أو نهب مال أو ذهاب حق أو ضرب أو قتل ولم يتدارك.
[184]
ومن خطبة له عليه السلام لما بايعه الناس بعد قتل عثمان
قال المسعودي: اجتمع المهاجرون، والانصار على محاصرة عثمان والهجوم عليه حتى قتلوه، ثم [صارروا مع] الناس إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليبايعوه فامتنع عليهم، فألحوا عليه حتى أكرهوه وتداكوا عليه تداك الابل على الماء، فبايعهم على كتاب الله وسنة نبيه طائعين راغبين، فلما بايعوه قام خطيبا في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكرهم بأيام الله ثم قال: أيها الناس إن أول قتيل بغى على وجه الارض عناق بنت آدم، خلق الله لها عشرين أصبعا، لكل اصبع فيها ظفران كالمنجلين الطويلين من حديد، وكان مجلسها على جريب من الارض (1) فبغت في الارض ثمانين سنة.
فلما أراد الله إهلاكها خلق لها أسدا مثل الفيل، وذئبا مثل الحمار، ونسرا مثل البعير، فسلطهم عليها فمزقوها فقتلوها وأكلوها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المنجل آلة من حديد عكفاء يقضب ويحصد بها الزرع، وهي معروفة عند أرباب الفلاحة والزراعة، وأهل بلادنا يسمونها " داس ".
وقال في مجمع البحرين: قدر الجريب من الارض بستين ذراعا في ستين.
والذراع بست قبضات.
والقبضة بأربع أصابع.
وعشر هذا الجريب يسمى قفيزا، وعشر هذا الفقيز يسمى عشيرا، ويجمع الجريب على أجربة وجربان، كأرغفة وعثمان.
وقيل: الجريب من الارض نصف الفنجان.
[185]
ثم قتل الله الجبابرة في زمانها، وقد أهلك الله فرعون وهامان وخسف بقارون.
وقد قتل عثمان، وكان حق لي حازه من [لم [آمنه عليه (2) ولم أشركه فيه، فهو منه على شفا حفرة من النار لا يستنقذه منها إلا نبي مرسل يتوب على يديه، ولا نبي بعد محمد [صلى الله عليه وآله وسلم] (3).
ثم قال [عليه السلام]: أيها الناس الدنيا دار حق وباطل ولكل أهل ألا ولئن غلب الباطل فقديما كان، ولئن قل الحق وضعف صاحبه فليس بما عاد [4) ولئن رد عليكم أمركم إنكم لسعداء ولقد خشيت أن تكونوا في فترة من الزمن (5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هذا هو الظاهر، وكلمة " لم " كانت ساقطة من الاصل، وفي المحكي عن تفسير القمي: ج 2 / 34 " وكان لي حق حازه دوني من لم يكن له، ولم أكن أشركه فيه " الخ ونقله عنه في البحار ج 17 / 172 / س 2.
(3) أي فلا مستنقذ له، فهو من الهالكين.
في يوم الدين.
(4) كذا في النسخة.
(5) الفترة - كالقطرة -: السكون والفترة والضعف.
الهدنة.
والفترة أيضا: هو انقطاع ما بين النبيين.
ولا يبعد هنا أن يراد من الفترة: هو الانقطاع عن الحجة، أي لقد خشيت أن تكونوا حيارى منقطعين عن الحجة بينكم وبين الله.
[186]
أما إني لو أشاء لقلت، سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه، يا ويحه لو قص جناحه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة، والنار أمامه (6.
ثم قال (عليه السلام) بعد كلام طويل في هذه الخطبة: إن الله جل وعلا أدب هذه الامة بالسيف والسوط، فاستتروا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم فإن التوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحق هلك (7) ألا وإن كل قطيعة أقطعها [8] عثمان من مال الله مردود على بيت مال المسلمين، فإن الحق قديم لا يبطله شئ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) كذا في النسخة، وفي الفصل (13) مما اختار من كلامه عليه السلام في الارشاد، ص 28، و عيون الاخبار: ج 2 / 236 والمختار (16) من خطب نهج البلاغة: " شغل من الجنة والنار أمامه ".
وفي البيان والتبيين: ج 2 / 50 " فإن من أرعى على غير نفسه شغل عن الجنة والنار أمامه " الخ.
وما ها هنا أظهر.
(7) من قوله عليه السلام: " إن الله جل وعلا - إلى قوله: " هلك " رواه أيضا في المختار (16) من خطب نهج البلاغة عنه عليه السلام، كما أن الجملة الاخيرة أيضا ذكرها في المختار (188) من قصار نهج البلاغة، ومعناها ان من كاشف الحق مخاصما له ومصارحا له بالعداوة هلك.
(8) من قوله عليه السلام: " ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان - إلى قوله: - فالجور عليه أضيق " رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار (15) من خطب نهج البلاغة، وقال: وهذه الخطبة ذكرها الكلبي مروية مرفوعة إلى أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنه أن عليا عليه السلام خطب (به) في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال الخ.
أقول: القطعية: ما يقطعها ويهبها الوالي من أرض الخراج بعض الرعية، ويسقط عنه خراجها.
[187]
ولو وجدته تفرق في البلدان لرددته، فإن في الحق سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق [9) أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
إثبات الوصية ص 120، وللكلام مصادر وثيقة، وشواهد عديدة أشرنا إلى بعضها في التعاليق المتقدمة، وستقف على بعضها فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) وفي المختار (15) من خطب النهج: " والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء، لرددته، فان في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ".
وفي رواية ابن أبي الحديد: " ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى (على " خ ل ") حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق ".
[188]
ومن خطبة له عليه السلام لما بايعه الناس بعد قتل عثمان
محمد بن يعقوب الكليني رفع الله درجاته، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن علي بن رئاب، ويعقوب بن السراج، عن أبي عبد الله (الامام الصادق) عليه السلام، أن أمير المؤمنين عليه السلام، لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد لله علا فاستعلى، ودنا فتعالى، وارتفع فوق كل منظر [1] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خاتم النبيين، وحجة الله على العالمين، مصدقا، للرسل الاولين، وكان بالمؤمنين رؤفا فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله.
أما بعد - أيها الناس - فإن البغي يقود أصحابه إلى النار، وإن أول من بغى على الله جل ذكره عناق بنت آدم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في مجمع البحرين: المنظرة: المرقبة، وفي الدعاء: " يا من هو بالمنظر الاعلى " أي في المرقب الاعلى يرقب عباده.
[189]
و [إن] أول قتيل قتله الله عناق، وكان مجلسها جريبا في جريب (2) وكان لها عشرون إصبعا، في كل إصبع ظفران مثل المنجلين (3) فسلط الله عليها أسدا كالفيل، وذئبا كالبعير، ونسرا مثل البغل فقتلوها (4) وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا، وأمات هامان وأهلك فرعون، وقد قتل عثمان.
ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه (5) صلى الله عليه وآله، والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الجريب - بفتح الجيم - ويجمع على أجربة وجربان - كرغيف وأرغفة ورغفان - قيل: هو في الاصل إسم للوادي، ويستعار للقطعة المتميزة من الارض، ويختلف مقدارها بحسب مقدار الاقاليم، كاختلافهم في مقدار الرطل والكيل والذراع.
وقد تقدم عن الطريحي في المجمع انه قال: وقدر الجريب بستين ذراعا في ستين.
وقيل: هو عشرة أقفزة كل قفيز منها عشرة أعشرا.
(3) تثنية المنجل - بكسر الميم كمبرد -: آلة القضب والحصاد.
(4) وفي رواية كمال الدين ابن ميثم (ره): " ونسرا كالحمار، وكان ذلك في الخلق الاول فقتلها، وقد قتل الله الجبابرة على أسوء أحوالهم ".
(5) إن بلية العرب يوم بعث الله النبي - صلى الله عليه وآله - التي أهلكتهم هي العصبية العمياء والحمية الجاهلية، وتفرد كل قبيلة بآرائها المنبعثة عن الخرافات الوهمية والعادات الطائفية، والمنافع الشخصية الخيالية، وعدهم الجري على عادات غيرهم - كائنا من كان - عارا وشنارا، ولذا تفرد كل قبيلة بصنم تعبده وتشركه في العبادة مع الله تعالى، وهذه البلية قد تكونت ثانية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ولكنها كانت ضعيفة، وكلما تجدد لوالي المسلمين نظر ورأي في قبال الاحكام الالهية والقوانين الشرعية، تجددت للبلية قوة، فزادت قوة بعد قوة حتى ترعرعت في أيام عثمان لكثرة نهمته وشدة حرصه في منافع شخصه وإشباع غرائز قومه، وحملهم على رقاب المسلمين، وحين قتل عثمان كانت هذه البلية في أوان شبابها وغاية قوتها واستحكامها، ولذا
[190]
ولتغربلن غربلة (6) ولتساطن سوطة القدر (7) حتى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم (8) وليسبقن سابقون كانوا قصروا، وليقصرن سابقون كانوا سبقوا (9) والله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت أم المؤمنين عائشة تقول - لما بلغها قثل عثمان: - إيها ذا الاصبع، ولما بلغها بيعة أمير المؤمنين قالت: ليت السماء وقعت على الارض - أو ما في معناه - ومن أجلها قال كل واحد من طلحة والزبير لامير المؤمنين: نبايعك على أنا شركاؤك في الامر.
قال عليه السلام: لا.
وقال معاوية: إن أقرني على الشام ولم يعزلني بايعت له.
(6) أي لتخلطن أبراركم وأشراركم ثم تنخلن كنخل الدقيق والحنطة ليميز الخبيث من الطيب، يقال: " بلبل الامير قومه بلبلة وبلبالا ".
هيجهم.أوقعهم في الهم.والالسنة: خلطها.والامتعة فرقها.والآراء: أفسدها.
و " تبلبل " مطاوع بلبل، وكل واحد من المعاني يصح إرادته هنا، وإن كان إرادة بعضها - كالاختلاط والتفرقة والافساد - أوضح.
ويقال: " غربل زيد الحنطة غربلة ": نخلها.
والشئ: قطعه.فرقه.
والقوم قتلهم وطحنهم.
البلد: كشف حال من بها.
وغربل في الارض ": ذهب فيها.
(7) وفي النهج وكثير من المصادر: " ولتساطن سوط القدر " وهذه الفقرة أيضا في معنى الفقرتين المتقدمتين وتزيد عليهما في إفادة معنى التقلب والثوران أي ولتخلطن كخلط ما في القدر من الاجناس المختلفة عند طحنها وغليان القدر، وضرب ما فيه بالمحراك وآلة الاختلاط، يقال: " ساط زيد القدر - من باب قال - سوطا ": خلطه.
قلبه ظهرا لبطن.
(8) هذا تصريح وتفصيل لما يستفاد من الفقرات المتقدمة، إذ من لوازم الغربال والسوط - أي التقلب - صيرورة الاعلى أسفلا وعكسه.
(9) وفي المختار: (16) من نهج البلاغة: " وليقصرن سباقون كانوا سبقوا " أي وليسبقن ويسار عن إلى مرضاة الله سابقون كانوا قبل ذلك مقصرين في طاعة الله ومرضاته، بطيئين في إجابته متساهلين في امتثال أوامره - كعدي بن حاتم وأمثاله فانهم تأخروا عن إجابة رسول الله حتى رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا، ولكنهم استقاموا في نصرة أمير المؤمنين عليه السلام - وليقصرن عن مرضاة الله ويبطئن عن نصرة دين الله من كان قبل ذلك مسارعا إليه مشمرا في إعلائه مجدا في اتساعه، وذلك مثل الزبير وأمثاله، فإنه كان في بدء الاسلام حتى يوم السقيقة مبادرا إلى الخيرات، ومخاصما لاهل الاهواء والبدع، ولكن بعد بيعة أمير المؤمنين عليه السلام أخلد إلى أرض الشهوات فاتبع هواه فصار من المهلكين.
[191]
ما كتمت وشمة [وسمة " خ "] ولا كذبت كذبة (10)، ولقد نبئت بهذا المقام، وهذا اليوم (11).
ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار (12).
ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة، وفتحت لهم أبوابها، ووجدوا ريحها وطيبها، وقيل لهم: " ادخلوها بسلام آمنين " (13)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الفصول من كلامه عليه السلام قد اشتمل على إعجاز اللفظ والمعنى أما اللفظ فظاهر فإنه قد أخبر عن تقلب الناس ببيان لا يحيط به الوصف، وأما المعنى فلوقوع المخبر به على ما أخبر عنه.
(10) الوشمة والوسمة - كضربة -: الاثر والعلامة.
وأيضا الوشمة: الكلمة.
أي أحلف بالله أن ما قلته وما أقول بعد ذلك حق عن رسول الله، ما كتمت عنكم مما بين لي أثرا وعلامة أو كلمة واحدة ولا كذبت عليه كذبة واحدة فضلا عما فوقها.
وإنما أتى عليه السلام بالقسم لان الكلام قد اشتمل على اختصاصه عليه السلام من بين الامة بأسرار رسول الله وما يقع في المستقبل، وجل فلمهاجرين كانوا يحسدونه على ذلك، وجل الناس من غيرهم كانوا جاهلين بما له من المنزلة الرفيعة المقتضى الحال ان يقرن بالقسم ما ينكروه بقلوبهم.
(12) من قوله: " ألا وإن الخطايا خيل شمس - إلى قوله: - بسلام آمنين " رواه عنه عليه السلام ابن مسكويه في كتاب الحكمة الخالدة - جاويدان خرد -.
والشمس - كعنق وقفل -: جمع شموس - كصبور - يقال: " شمس الفرس - من باب نصر - شموسا - كسرورا - وشماسا.
امتنع وأبى من ركوبه وإسراجه، ولا يكاد يستقر.
و " اللجم ": جمع اللجام: الزمام.
و " التقحم ": الدخول في الشئ بدفع وقوة.
وتشبيه الخطايا بالخيل الشموس المخلوعة اللجام لغاية التنفير عنها، وفي إتيان الفاء في قوله: " فتقحمت " دلالة على أن من كسب سيئة وأحاطت به خطيئة فأولئك أصحاب النار، يقع فيها بدفع وقوة.
(13) و " الذلل ": جمع الذلول: المنقادة.
و " الازمة ": جمع الزمام: مقود الدابة.
ثم إن ما بين القوسين مقتبس من الآية: (46) من سورة الحجر.
[192]
ألا وقد سبقني إلى هذا الامر من لم أشركه فيه، ومن لم أهبه له، ومن ليست له منه نوبة (14) إلا بنبي يبعث - ألا - ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، أشرف منه على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنم (15).
حتى وباطل ولكل أهل (16) فلئن أمر الباطل لقديما فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل (17) ولقلما أدبر شئ فأقبل (18)، ولئن رد عليكم أمركم إنكم سعداء، وما علي إلا الجهد، وإني أخشى أن تكونوا على فترة (19)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) وفي بعض المصادر: " توبة " بالمثناة وهو الظاهر.
(15) الشفا - كالعصا والصفا -: طرف كل شئ وحده.
و " الجرف " كعنق وقفل -: الجانب الذي أكله الماء من حاشية النهر.
و " هار ": هائر: ساقط ومنهدم.
(16) أي إن الدنيا دار حق وباطل.
كما تقدم التصريح به في رواية المسعودي.
(17) أمر الباطل أي كثر، في قبال قوله: " ولئن قل الحق " والفعل من باب " علم ".
وقوله: " فعل ": تحقق.
وقوله: " فلربما ولعل " أي فلربما كثر القليل، ولعل القليل غلب على الكثير.
ثم إن المراد من قوله: كثر الباطل وقل الحق.
لازمهما وهو قوة الاول وغلبته، وضعف الثاني ومغلوبيته.
(18) هذا وما بعده تحسر منه عليه السلام واستبعاد منه لعود السعادة المرفوعة الزائلة بصنيع الضلال والمبطلين، ونظيره في استبعاد إياب الذاهب أو الانتفاع به بعد العود قول الشاعر: وقالوا بعود الماء في النهر بعدما * ذوى نبت جنبيه وجف المشارع فقلت: إلى أن يرجع النهر جاريا " * ويوشب جنباه تموت الضفادع (19) الفترة - كالقطرة -: الانقطاع عن الحجة، وعدم وجدان السبيل إلى السبب الواصل بين الله وبين عبيده، ولا يكون ذلك إلا في أوان استفحال الضلالة وانهماك الناس في الشهوات وعدم التفاتهم إلى وظائف العبودية، وما يجب لله عليهم.
[193]
[قد كانت أمور] ملتم عني [فيها] ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي، ولو أشاء لقلت (20) عفى الله عما سلف.
سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همه بطنه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة، والنار أمامه.
ثلاثة واثنان: خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه، ونبي أخذ الله بضبعيه (21) وساع مجتهد، وطالب يرجو، ومقصر في النار.
اليمين والشمال مضلة، والطريق الوسطى هي الجادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) قوله: " ولو أشاء لقلت " أي لسميت وذكرت تلك الامور التي ملتم فيها عني وزللتم فيها، ولكني لم أذكرها تكرما.
وهذا إشارة منه عليه السلام إلى ما وقع من القوم في يوم السقيفة وما بعده ومن تقاعدهم عن نصرته وأداء واجب حقه، أو انحيازهم واجتماعهم مع المتغلبين على حقه ومقامه.
وقوله: " عفى الله عما سلف " جملة مستأنفة أتى بها لبيان إمكان تدارك ما فرطوا فيه وأن الحسنات المتأخرة إذا قارنت مع التوبة يذهبن السيئات المتقدمة، وأن من عاد إلى طغيانه ينتقم الله منه، والكلام مقتبس من الآية: (95) من سورة المائدة " عفى الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ".وما بين المعقوفات من المتن كانت ساقطة عن الكافي ط الاخوندي، ولابد منه.
(21) اي بعضديه.
[194]
عليها يأتي الكتاب وآثار النبوة " (22).
هلك من ادعى، خاب من افترى.
إن الله أدب هذه الامة بالسيف والسوط (23) وليس لاحد عند الامام فيهما هوادة (24) فاستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك (25).
الحديث (23) من روضة الكافي ص 67، ومن قوله: " ألا وإن بليتكم قد عادت - إلى قوله: - ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم " ذكره أيضا في الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) كذا في النسخة، وفي رواية كمال الدين ابن ميثم (ره): " ووسط الطريق المنهج عليه باقي الكتاب وآثار النبوة ".
وقريب منه تقدم في رواية الجاحظ.
(23) وقريب منه تقدم عن كتاب البيان والتبين، وفي رواية ابن ميثم (ره): " ألا وإن الله قد جعل أدب هذه الامة السوط والسيف ليس عند إمام (كذا) فيهما هوادة ".
(24) الهوادة - كشهادة -: اللين: الميل.
الرخصة.
(25) أي من أظهر صفحته وجانبه لي - وأنا الحق - مصرحا بالمخاصمة، ومكاشفا للمعادات هلك.
ومما يناسب هنا جدا ما رواه الطبري في بدء خلافة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخه: ج 3 ص 454 عن الزبير بن بكار، عن أبي حبيبة مولى الزبير، قال: لما قتل الناس عثمان وبايعوا عليا، جاء علي إلى الزبير فاستأذنه (قال): فأعلمته به فسل السيف ووضعه تحت فراشه ثم قال: ائذن له.
فأذنت له فدخل فسلم على الزبير، وهو واقف بنحوه ثم خرج فقال الزبير: لقد دخل المرء ما أقصاه (كذا) قم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئا ؟ فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته.
فقال: ذاك أعجل الرجل.
فلما خرج علي سأله الناس (عنه) فقال: وجدت أبر ابن أخت وأوصله.
فظن الناس خيرا، فقال علي: إنه بايعه (كذا).
أقول: ورواه أيضا في البحار: ج 8.
[195]
الاول من باب " التمحيص والامتحان " من كتاب الحجة من أصول الكافي: ج 1، ص 369، وقطعة من أواخرها رواها في الباب: (49) من جواهر المطالب ص 54 و 59، ومن قوله: " إن الله أدب هذه الامة " إلى آخره رواه اليعقوبي في آخر كلمه عليه السلام من تاريخه: ج 2 ص 202 ط النجف، ورواها في البحار: ج 8 ص 173، عن الكافي، كما روى قطعة منها عنه في الحديث (9) من الباب: (11) من كتاب إثبات الهداة ص 438.
ومن قوله: " ثلاثة واثنان " إلى آخره رواه مرسلا في أواخر الباب (7) من دستور معالم الحكم ص 153 ط مصر.