[196]

 

- 55 -

ومن كلام له عليه السلام قاله حين تخلف عن بيعته عبد الله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وحسان بن ثابت، وأسامة بن زيد، على ما رواه الشعبي (1)

قال الشعبي: لما اعتزل سعد (و) من سميناه (عن) أمير المؤمنين عليه السلام، وتوقفوا عن بيعته، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا، وإن [كذا] بايعوا فلا خيار لهم، وإن على الامام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة من رغب عنها [رغب] عن دين الاسلام، واتبع غير سبيل أهله، ولم تكن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وقال المسعودي في مروج الذهب: ج 3 ص 15: وكان سعد، وأسامه بن زيد، وعبد الله ابن عمر، ومحمد بن سلمة، ممن قعد عن علي بن أبي طالب، وأبوا أن ببايعوه هم وغيرهم ممن ذكرنا من القعاد عن بيعته، وذلك إنهم قالوا: إنها فتنة، ومنهم من قال لعلي: أعطنا سيوفا نقاتل بها معك فإذا ضربنا بها المؤمنين لم تعمل فيهم ونبت عن أجسامهم، وإذا ضربنا بها الكافرين سرت في أبدانهم.

فأعرض عنهم علي وقال: ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.

 

[197]

بيعتكم إياي فلتة (2) وليس أمري وأمركم واحدا، وإني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لانفسكم، وأيم الله لانصحن للخصم، ولانصفن للمظلوم، وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة، وأسامة، وعبد الله، وحسان بن ثابت أمور كرهتها والحق بيني وبينهم.

الفصل (16) من مختار كلامه عليه السلام في الارشاد، ص 13، ط الغري، وقريبا من الذيل رواه السيد الرضي (ره) في المختار: (134) من خطب النهج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(29 إلى هنا ذكره أيضا في الاخبار الطوال ص 141، والظاهر منه أنه أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام، وليس فيما ذكره قوله: " واتبع غير سبيل أهله ".

والبقية مثل ما هنا الا في بعض ألفاظه فإنه يوافق ما هنا معنى لا لفظا.

و " الفلتة ": صدور الفعل عن الفاعل بلا روية ومن غير فكر ودقة.

 

[198]

 

- 56 -

ومن خطبة له عليه السلام في بيان تساوي الناس في الحكم والقسم كتساويهم في الانتساب إلى آدم

ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني طيب الله ثراه، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن جعفر العقبي رفعه، قال: خطب أمير المؤمنين " (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خول بعضكم بعضا، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عزوجل.

ألا وقد حضر شئ ونحن مسوون فيه بين الاسود والاحمر.

فقال مروان، لطلحة والزبير: ما أراد بهذا غيركما.

قال فأعطى كل واحد (من المسلمين) ثلاثة دنانير، وأعطى رجلا من الانصار ثلاثة دنانير، وجاء بعد [5] غلام أسود، فأعطاه ثلاثة دنانير، فقال الانصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالامس تجعلني وإياه سواءا ؟ فقال (عليه السلام): إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

وهذا مما كان عليه السلام يصر عليه قولا وفعلا وعلما وعملا - وكان من أشد البواعث على تفرق الناس عنه - قال البلاذري في ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الاشراف ص 323 -: حدثني عمرو بن شبة، حدثنا عبيد بن جناد (كذا) حدثنا عطاء بن مسلم، عن واصل، عن أبي إسحاق،

 

[199]

الحديث (26) من روضة الكافي ص 69، ط طهران سنة 1377، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 420 س 8 عكسا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

عن الحرث، قال: كنت عند علي فأتته امرأتان فقالتا: با أمير المؤمنين (نحن) فقيرتان مسكينتان.

فقال: قد وجب حقكما علينا وعلى كل ذي سعة من المسلمين إن كنتما صادقتين.

ثم أمر رجلا فقال: انطلق بهما (ظ) إلى سوقنا فاشتر لكل واحدة منهما كرا من طعام وثلاثة أثواب، فذكر رداءا وخمارا وإزارا، وأعط كل واحدة منهما من عطائي مأة درهم، فلما ولتا سفرت (ظ) إحداهما وقالت: يا أمير المؤمنين فضلني بما فضلك الله به وشرفك.

قال: وبماذا فضلني الله وشرفني ؟ قالت: برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: صدقت وما أنت، قالت: امرأة من العرب وهذه من الموالي.

قال: فتناول شيئا من الارض ثم قال: قد قرأت ما بين اللوحين فما رأيت لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا ولا جناح بعوضة.

وقال اليعقوبي - في ختام وقعة الجمل من تاريخه: ج 3 / 173 -: وأعطى الناس بالسوبة، لم يفضل أحدا على أحد، وأعطى الموالي كما أعطى الصلبية، فقيل له في ذلك.

فقال: قرأت ما بين الدفتين فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا (كذا) وأخذ عودا من الارض فوضعه بين إصبعيه.

 

[200]

 

- 57 -

ومن خطبة له عليه السلام خطبها عندما أنكر عليه قوم من المهاجرين تسويته بين الناس في الفيء

أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا ظاهرة وباطنة، بغير حول منا ولا قوة، إلا امتنانا علينا وفضلا، ليبلونا أنشكر أم نكفر، فمن شكر زاده ومن كفر عذبه (1).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه رحمة للعباد والبلاد [كذا] والبهائم والانعام، نعمة أنعم بها [علينا] ومنا وفضلا، وصلى الله عليه وآله، فأفضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم عند الله خطرا أطوعهم لامر الله، وأعملهم بطاعة الله، وأتبعهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأحياهم لكتاب الله، فليس لاحد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) إشارة إلى قوله تعالى في الآية السابعة من سورة إبراهيم: " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ".

 

[201]

من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبي الله وسيرته فينا، لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند عن الله عزوجل، يقول الله " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم [13 - الحجرات] فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله [قال الله تبارك وتعالى] في كتابه: " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " [31 - آل عمران: 3].

وقال [الله تعالى]: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإن الله لا يحب الكافرين " (2).

ثم صاح (عليه السلام) بأعلا صوته: يا معشر المهاجرين والانصار، ويا معاشر المسلمين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(2) كذا في النسخة، وفي الآية: " 32 " من سورة آل عمران: " قال أطيعوا الله والرسول، فان تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ".

ولعل ما في المتن نقل منه عليه السلام بالمعنى، أو انه من خطأ الرواة أو الكتاب والناسخين.

 

[202]

أتمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ؟ ! ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين (3).

ثم قال (عليه السلام): ألا إنه من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن، وأقسام الاسلام، ليس لاحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثم قال (عليه السلام): ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم (4) ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه، ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجربتموها فأصبحتم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) إشارة إلى الآية: (17) من سورة الحجرات: (49): " يمنون عليك أن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم بلى الله يمن عليكم أن هداكم للايمان ".

(4) هذا هو الصواب، وفي النسخة: " تعظكم وترميكم " الخ.

 

[203]

لا تحمدون عاقبتها، فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا، والباقية [التي] لا تنفد، رغبكم الله فيها ودعاكم إليها، وجعل لكم الثواب فيها فانظروا يا معاشر المهاجرين والانصار، وأهل دين الله، ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وجاهدتم عليه، فبما فضلتم به ؟ [أ] بالحسب والنسب ؟ أم بعمل وطاعة ؟ فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لانفسكم، والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه.

ألا وإنه لا يضركم تواضع شئ من دنياكم (5) بعد حفظكم وصية الله والتقوى، ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما أمرتم به من التقوى، فعليكم عباد الله بالتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر على بلائه (6) فأما هذا الفئ فليس لاحد فيه على أحد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) كذا في النسخة، ويراد منه - هنا - الانحطاط والانتقاص، من قولهم: " تواضعت الارض ": انخفضت ونزلت.

(6) ومساق هذا مساق قوله تعالى: " ونبلوكم بالخير والشر فتنة ".

 

[204]

أثرة، قد فرغ الله عزوجل من قسمه (7) فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله، به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فسلموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء، فإن العامل بطاعة الله، والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه، أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (8) [و]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(7) قال الطبرسي (ره): الفئ: ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بغير قتال، والغنيمة: ما أخذ منهم بقتال.

وهو قول عطاء، ومذهب الشافعي وسفيان، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام، وقال قوم: الغنيمة والفئ واحد.

و " الاثرة " كشجرة -: الاختصاص بالشئ دون غيره.

وقيل: هو اختصاص المرء نفسه بأحسن الشئ دون غيره.

و " القسم ": التجزأة والتفريق، يقال: " قسم الشئ - من باب ضرب - قسما ": فرقه وجزأه.

(8) وهذا الحكم مدلول كثير من الآيات المحكمات، والعقل أيضا حاكم به بعد حكمه بعدل الباري تعالى وغنائه وحكمته، قال الله تعالى في الآية: (38) من سورة البقرة: " فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وفي الآية: (63) من السورة: " من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وفي الآية: " 112 " منها: بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وفي الآية: (262) منها: " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا لا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وفي الآية: (274) منها: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وقال جل شأنه - في الآية: (170) من سورة آل عمران في حق الشهداء: " فرحين بما أتاهم الله من فضله ويسبتشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ".

وقال تعالى - في الآية: (69) من سورة المائدة -: " من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا

 

[205]

أولئك هم المفلحون ونسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وقال عز شأنه - في الآية: (48) من سورة الانعام -: " وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وقال جلت عظمته - في الآية: (35) من سورة الاعراف -: " يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

وقال تعالى عم نواله - في الآية: (62) من سورة يونس -: " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ".

وقال جل جلاله - في الآية: (68) من سورة الزخرف -: " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، إلا المتقين، يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أننم تحزنون، الذين آمنو بآياتنا وكانوا مسلمين، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون، يطاف عليهم بصحاف من مذهب وأكواب، وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين، وأنتم فيها خالدون، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون، لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ".

وقال عظم برهانه - في الآية: (13) من سورة الاحقاف -: " إن الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".

ولا شك أن أمير المؤمنين من أكمل مصاديق الآيات المتقدمة - إن لم نقل باختصاص بعض الآيات المتقدمة به - نظير قول ابن عباس: " ما نزل " يا أيها الذين آمنوا " إلا وعلي أميرها وشريفها.

وهكذا الكلام بالنسبة إلى ما ورد في الحكم بالفوز والفلاح فإنه عليه السلام من أفضل أفراد من أتى بوسائل الفوز والفلاح، وكيف يمكن أن يقال انه عليه السلام كان خائفا - بمعنى احتماله وتجويزه لحلول العذاب عليه وعدم علمه بما يؤل إليه أمره - والخوف بذلك المعنى من لوازم الجهل بمقام الربوبية والتفريط في العمل بوظائف العبودية، وهو عليه السلام كان متفردا ببلوغ النهاية في العمل والعلم، وكيف يمكن أن يقال انه عليه السلام كان خائفا بذلك المعنى وقد أعده الله لشفاعة المذنبين، وكيف يشفع لغيره من لا يعلم عاقبة أمره ويحتاج إلى شفاعة غيره ؟ !.

هذا كله بالنسبة إلى الخوف الاخروي، وأما الدنيوي فانه لم ير الدهر أربط جاشا منه ولذا كان عليه السلام في ساعات الروع واختلاس نفوس الابطال يغفي ويضع رأسه على القربوس في ساحة الحرب وينام، وإذا يخوفوه كان يقول: ما أبالي سقط علي الموت أو سقطت عليه.

وسياق الكلام - هنا - يفيد المعنى الثاني، وإنما أتى به عليه السلام إظهارا للتجلد، ومحدثا بنعمة ربه بأنه عامل بطاعته، وحاكم بكتابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

[206]

وإياكم من أهل طاعته، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

المختار (17) من كلمه عليه السلام من كتاب تحف العقول، ص 125، ط الغري، وللخطبة صور وأصول أخر ذكرنا بعضها في كتاب المقالة العلوية الغراء وقريبا من الذيل ذكره السيد الرضي (رحمه الله) في المختار: (164) أو قبيلها م خطب النهج، وكذلك رواه أيضا في الحديث الخامس من المجلس: (44) من أمالي ابن الشيخ ص 91.

 

[207]

 

- 58 -

ومن خطبة له عليه السلام لما طلب منه بعض الاشراف التفضيل لهم في العطاء

قال محمد بن يعقوب الكليني الرازي رحمه الله (حدثنا) علي بن إبراهيم، عن أبيه (1).

و (حدثنا) محمد بن علي جميعا عن إسماعيل بن مهران، و (عن) أحمد بن محمد بن أحمد، عن علي بن الحسن التيمي.

و (حدثنا) علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا، عن إسماعيل بن مهران، عن المنذر بن جيفر، عن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جرير (حريز " خ ") العبدي (2) عن الاصبغ بن نباته، قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عمر، وولد أبي بكر، وسعد بن أبي وقاص، يطلبون منه التفضيل لهم (3) فصعد (أمير المؤمنين عليه السلام) المنبر ومال الناس إليه فقال: الحمد لله ولي الحمد ومنتهى الكرم، لا تدركه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وقد غيرنا هنا عبارة ثقة الاسلام الكليني (ره) في سرد الرواة بعض التغيير للتوضيح، ووضعنا ما زدناه على تعبيره بين المعقوفات أو الاقواس.

(2) والمحكى عن جامع الروات: ج 1، ص 107، انه ضبطه " حريث ".

(3) يعني طلبوا منه أن يفضلهم على سائر الناس في العطاء وقسمة بيت المال كما كان عمر في أيامه يفضل بعض الناس على بعض، وكما كان عثمان يفضل بني أبيه على غيرهم.

 

[208]

الصفات ولا يحد باللغاة ولا يعرف بالغايات (4) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، نبي الهدى، وموضع التقوى ورسول الرب الاعلى، جاء بالحق من عند الحق، لينذر بالقرآن المنير، والبرهان المستنير (5) فصدع بالكتاب المبين ومضى على ما مضت عليه الرسل الاولون.

أما بعد أيها الناس فلا يقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم - فاتخذوا العقار وفجروا الانهار، وركبوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) أي إن الصفات التي نجريها على الله تعالى ونصفه بها لا تدركه ولا تلحقه أي انها قاصرة عن إفادة معنى مساوق لذاته تعالى بل هي حاكية عن بعض مقام ذاته تعالى.

ويحتمل أن يراد من الصفات معناها المطلق لا خصوص ما نجريها عليه ونصفه به بل مطلق الصفات أي حتى الصفات التي وصف الله نفسه بها، مثلا وصف القادر، والعالم غير واف بإفادة معنى الله، إذ معناه: الواجب الوجود المستجمع لجميع الكمالات والمبرئ من جميع النقائص.

ومعنى الاولين ذات قادر وعالم، فهما قاصران عن إفادة وجوب الوجود، وعن استجماعه للكمالات وتنزهه عن النقائص.

وعلى هذا فالقصور راجع إلى اللغة، وعلى هذا يحمل قوله: " ولا يحد باللغات ".

أو من أجل أنها من الممكنات الحادثة المحدودة وأنى للممكن والحادث والمحدود أن يحد الواجب الغيز المحدود ! !.

وقوله عليه السلام: " ولا يعرف بالغايات " قيل: المراد بالغايات الآثار، وبما أنه يشترط في المعرف أن يكون أعرف من المعرف ولا شئ أعرف منه تعالى فلا يعرف بالآثار.

وقال المجلسي (ره): أي لا يعرف بالنهايات والحدود الجسمانية، أو بالحدود العقلية إذ حقيقة كل شئ وكنهه نهايته وحده، أو ليس له نهاية لا في وجوده ولا في علمه ولا في قدرته، وكذا سائر صفاته، أو لا يعرف بما هو غاية أفكار المتفكرين.

(5) وفي بعض النسخ: " لينذر بالقرآن المبين، والبرهان المستبين ".

 

[209]

أفره الدواب، ولبسوا ألين الثياب، فصار ذلك عليهم عارا وشنارا - إن لم يغفر لهم الغفار - إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون، وصيرتهم إلى ما يستوجبون، فينقمون ذلك ويستنكرون (6) ويقولون: - ظلمنا ابن أبي طالب (7) وحرمنا ومنعنا حقوقنا، فالله عليهم المستعان.

[ألا] من استقبل قبلتنا (8)، وأكل ذبيحتنا، وآمن بنبينا وشهد شهادتنا ودخل في ديننا أجرينا عليه حكم القرآن وحدود الاسلام، ليس لاحد على أحد فضل ألا بالتقوى.

ألا وإن للمتقين عند الله تعالى أفضل الثواب، وأحسن الجزاء والمآب، لم يجعل الله تبارك وتعالى الدنيا للمتقين ثوابا، وما عند الله خير للابرار.

أنظروا أهل دين الله فيما وصفتم [به] في كتاب الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(6) هذا هو الموافق لرواية الاسكافي، وفي الكافي: " فيفقدون ذلك فيسألون ".

(7) " ظلمنا " مفعول لقوله: " يقولون " الثاني، وهو بدل من قوله: " فلا يقولن " أو أنه مفعول لهما على سبيل التنازع.

(8) كلمة " ألا " مأخوذة من رواية الاسكافي، وفي المستدرك: " فإن من استقبل قبلتنا " الخ.

 

[210]

ونزلتم به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وجاهدتم به في ذات الله (9) أبحسب أم بنسب ؟ أم بعمل أم بطاعة أم زهادة ؟ (10) و [انظروا] فيما أصبحتم فيه راغبين (11) فسارعوا إلى منازلكم - رحمكم الله - (12) - التي أمرتم بعمارتها [كذا] العامرة التي لا تخرب (13) [و] الباقية التي لا تنفد التي دعاكم [الله] إليها، وحضكم عليها ورغبكم فيها، وجعل الثواب عنده عنها، فاستتموا نعم الله عز ذكره بالتسليم لقضائه والشكر على نعمائه، فمن لم يرض بهذا فليس منا ولا إلينا، وإن الحاكم يحكم بحكم الله ولا خشية [ولا وحشة " خ "] عليه من ذلك، أولئك هم المفلحون [وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " خ "].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(9) اي في سبيله خالصا مخلصا له، وفي البحار: " انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله، وتركتم عند رسول الله، قال: وفي بعض النسخ: " فانظروا إلى أهل دين الله ".

(10) كلمة أم في الاول والثالث والرابع بمعنى أو.

(11) أي انظروا فيما أصبحتم راغبين فيه هل يشبه ما رأيتم وعهدتم مما تقدم ذكره، أو أنظرو أيهما أصلح لان يرغب فيه وجعل الثواب عنده ؟ ! ! (12) كذا في النسخة، وفيها تقديم وتأخير.

(13) وفي المستدرك: فإنها العامرة التي لا تخرب ".

 

[211]

الحديث (551) من روضة الكافي ص 360 ورواه عنه مشروحا في الحديث الثاني من باب: " نوادر ما وقع في أيام خلافته عليه السلام " من بحار الانوار: ج 8 ص 117 ط الكمباني وكذلك في ج 17، ص 90 في أواخر الباب (14).

وقريب منه جدا وراه في المختار: (18) من خطب المستدرك ص 40، والمستفاد مما ذكره نصر بن مزاحم في آخر كتاب صفين بأربعة أوراق، ص 551 ط مصر، أنهم دخلوا عليه وسألوا منه العطاء بعد وقعة صفين، والمستفاد من رواية الاسكافي وأمالي ابن الشيخ انه عليه السلام قال ذلك الكلام في اليوم الثاني من بيعته بلا طلب وسوال منه، أقول: وتعدد الصدور قوي جدا.

 

[212]

 

- 59 -

ومن كلام له عليه السلام في تنبيه الناس بأن الفئ يقسم بينهم بالسوية وأنه لا يفضل شريفا على وضيع

قال ابن دأب: وقام (أمير المؤمنين) عليه السلام خطيبا بالمدينة حين ولي (الخلافة) فقال: يا معشر المهاجرين والانصار، يا معشر قريش اعلموا - والله - أني لا أرزؤكم من فيئكم شيئا ما قام لي عذق بيثرب (1) أفتروني مانعا نفسي وولدي ومعطيكم ؟ ! ! ولاسوين بين الاسود والاحمر.

فقام إليه (أخوه) عقيل بن أبي طالب فقال: لتجعلني وأسودا من سودان المدينة واحدا ؟ ! فقال له: اجلس رحمك الله تعالى، أما كان ههنا من يتكلم غيرك ؟ وما فضلك عليهم الا بسابقة أو تقوى ! ! (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) يقال: " رزأ الرجل ما له - من باب منع والمصدر كالمنع والقفل ومعدنة - رزأ ورزأ ومرزئة ": أصاب منه شيئا أي نقصه.

والعذق - كعقل -: النخلة بحملها، والجمع: أعذق وعذاق.

والعذق - كحبر -: عنقود العنب.

المشابه لعنقود العنب من ثمر النخل - و - ويعبر عنه في لسان المرودشتيين ومن جاورهم من أهالي إيران ب‍ " تلواره " على زنة سلمانة -، والجمع: عذوق وأعذاق.

" ويثرب " على زنة يضرب علم للمدينة المنورة غير منصرف للعلمية ووزن الفعل.

(2) وأيضا قال ابن دأب: (ومن الفضائل السبعين التي اجتمعت في أمير المؤمنين عليه السلام دون غيره) ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الاسلام، دخلت عليه أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فدفع إليها عشرين درهما، فسألت أم هانئ مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: عشر بن درهما.

فانصرفت (أم هانئ) مسخطة (على أخيها

 

[213]

الفضيلة (23) من الفضائل السبعين التي ذكرها لامير المؤمنين عليه السلام ابن دأب في كتابه على ما رواه الشيخ المفيد (ره) في كتاب الاختصاص ص 151، ط 2، عنه معنعنا، ورواه عن الاختصاص في الحديث (117) من الباب (91) من بحار الانوار: ج 9 ص 452 ط الكمباني، وفي ط الجديد: ج 40 ص 106.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

وطلبت منه التفضيل) فقال لها: (يا أختاه) انصرفي رحمك الله، ما وجدنا في كتاب الله فضلا لآ (ل) إسماعيل على (آل) إسحاق.

وفي مناقب آل أبي طالب: ج 1، ص 315، وفي ط قم: ج 2 ص 109، في عنوان: " المسابقة بالعدل والامانة " قال: وعن أم عثمان أم ولد علي عليه السلام قالت: جئت عليا وبين يديه قرنفل، فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة.

فقال: هاك ذا، ونفذ ييده إلي درهما فإنما هذا للمسلمين، أو فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة.

ورواه عنه في الحديث (15) من الباب (107) من البحار: ج 9 ص 535 وفي ط الحديث: ج 41 ص 116.

 

[214]

 

- 60 -

ومن كلام له عليه السلام قاله في بعض خطبه

قال البلاذري: حدثني محمد بن سعد، حدثنا عفان، حدثنا جويرية بن بشير، حدثني أبو جادة انه سمع عليا رضي الله تعالى عنه يقول وهو يخطب: والله الذي لا إله إلا هو ما قتلته ولا مالات على قتله ولا ساءني (1).

ترجمه عثمان من كتاب أنساب الاشراف: ج 5 ص 98 ط 1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وقال في كنز العمال تحت الرقم: (227) ج 15 / 10 /: عن اللالكائي عن الحسن قال: شهدت عليا بالمدينة وسمع صوتا فقال: ما هذا، قالوا: قتل عثمان.

قالى: اللهم إني أشهدك افي لم ارض ولم أمالئ - مرتين أو ثلاثا.

 

[215]

 

- 61 -

ومن كلام له عليه السلام في البراءة عن دم عثمان والممالات عليه

البلاذري، عن المدائني، عن عيسى بن الربيع، عن أبي حصين قال: قال علي (عليه السلام): لو أعلم أن بني أمية يذهب ما في أنفسها (1) أن أحلف لها لحلفت خمسين يمينا مرددة بين الركن والمقام أني لم أقتل عثمان ولم أمالئ على قتله (2).

ترجمة عثمان من كتاب انساب الاشراف: ج 5 ص 81 ط 1.

وقريب منه جدا بسند آخر، رواه في الحديث 37 من الجزء العاشر من أمالي الطوسي ص 168، ورواه أيضا تحت الرقم: (226) من كتاب الفضائل في عنوان: " حصر عثمان وقتله " من كنز العمال: ج 15، ص 8 ط 2 نقلا عن اللالكائي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وفي كنز العمال: " يذهب ما في نفوسها ".

(2) وقال في مادة: " نفل " من الفائق: ج 4 / 11: وأصل النفل: النفي [ويستعمل في الحلف لما يترتب عليه من نفي ما نسب إلى الحالف أو من يحلف له] ومنه حديث علي رضي الله عنه: لوددت أن بني أمية رضوا ونفلناهم خمسين رجلا من بني هاشم يحلفون ما قتلنا عثمان ولا نعلم له قاتلا.

يريد نفلنا لهم [يعني حلفنا لهم بالبراءة من دم عثمان].

 

[216]

 

- 62 -

ومن كلام له عليه السلام قاله لمروان وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة

قال اليعقوبي - في أول خلافة أمير المؤمنين من تاريخه: ج 2 ص 167 -: وبايع الناس [أمير المؤمنين عليا عليه السلام] إلا ثلاثة نفر من قريش، مروان ابن الحكم، وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة وكان لسان القوم، فقال [لعلي عليه السلام]: يا هذا إنك وترتنا جميعا، أما أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر، وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر ؟ وكان أبوه من نور قريش (كذا) وأما مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه ! ! [ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف فنبايعك] (1) على أن تضع عنا ما أصبنا، وتعفي لنا عما في أيدينا وتقتل قتلة صاحبنا.

فغضب علي عليه السلام وقال: أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم ! ! ! وأما وضعي عنكم عما في أيديكم فليس لي أن أضع حق الله [عنكم ولا عن غيركم] وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا (2):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) بين المعقوفات كلها مأخوذ من رواية الاسكافي في شرح المختار: (91) من خطب النهج من ابن أبي الحديد، وهنا في رواية اليعقوبي سقط.

(2) كذا في النسخة، وفي رواية الاسكافي: " فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس ".

 

[217]

ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه، فمن ضاق عليه الحق فالباطل عليه أضيق، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم.

فقال مروان: بل نبايعك ونقيم معك فترى ونرى (3).

أقول: والقصة مذكورة في أول خلافته عليه السلام من مروج الذهب: ج 2 ص 353، إشارة، ورواه ابن أبي الحديد بألفاظه في شرح المختار: (91) من النهج: ج 7 ص 36 نقلا عن الاسكافي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) وإنما قال ذلك لانه أراد أن يكون مع أمير المؤمنين عليه السلام ويخل بأمره سرا إن عجز عنه علنا وجهرا، ويدل عليه ما ذكره في ترجمة سعيد بن العاص من طبقات ابن سعد: ج 5 / 23 ط 1: قال: فلما خرج طلحة والزبير وعائشة من مكة يريدون البصرة خرج معهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم، وعبد الرحمان بن عتاب بن أسيد، والمغيرة بن شعبة، فلما نزلوا مر الظهران، ويقال: ذات عرق، قام سعيد بن العاص فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن عثمان عاش في الدنيا حميدا، وخرج منها فقيدا - وساق مدحه على عثمان بزعمه وذويه إلى أن قال: - أيها الناس إنكم إنما تخرجون تطلبون بدم عثمان، فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها فميلوا عليهم بأسيافكم ! ! ! وإلا فانصرفوا إلى منازلكم ولا تقتلوا في رضى المخلوقين أنفسكم ولا يغنى الناس عنكم يوم القيامة شيئا.

فقال مروان بن الحكم: لا بل نضرب بعضهم ببعض فمن قتل كان الظفر فيه، ويبقى الباقي فنطلبه وهو واهن ضعيف ! ! ! (*)

 

[218]

 

- 63 -

ومن كلام له عليه السلام أجاب به جماعة عثمانية حين سألوه عن عثمان أقتل ظالما أو مظلوما ؟!!

قال ابن عساكر: قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمد القرشي قال: أخبرني أحمد بن عبيد الله ابن عمار، حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور الربعي - وذكر له إسنادا شاميا هكذا قال ابن عمار: في الخبر - وذكر حديثا فيه طول لحسان بن ثابت، والنعمان بن بشير، وكعب بن مالك، فذكرت ما كان لكعب فيه - قال: لما بويع علي بن أبي طالب بلغه عن حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، والنعمان بن بشير - وكانوا عثمانية - أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة، واتصل بهم أن ذلك بلغه فدخلوا عليه فقال له كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن عثمان أقتل ظالما فتقول بقولك (1) أو قتل مظلوما فنقول بقولنا (2) ونكلك إلى الشبهة ! ! ! والعجب من ثبتنا وشكك ؟ وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه فهاته لنعرف ثم قال: [و] كف يديه ثم أغلق بابه * وأيقن أن الله ليس بغافل وقال لمن في داره: لا تقاتلوا * عفى الله عن كل امرئ لم يقاتل فكيف رأيت الله صب عليهم * العداوة والبغضاء بعد التواصل وكيف رأيت الخير أدبر عنهم * وولى كإدبار النعام الجوافل (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) هذا دال على أنه عليه السلام كان يقول: بأن عثمان قتل ظالما، وان عمله وجرائم بني أبيه أجهز عليه.

(2) كذا في النسخة.

(3) هذا السياق دال على أنه لم ينشد هذه الابيات حين دخوله على أمير المؤمنين بل إنشاده لها كان في آخر أيامه عليه السلام أو في أيام معاوية.

 

[219]

فقال علي (عليه السلام لهم): لكم عندي ثلاثة أشياء: إستاثر عثمان وأساء الاثرة (4) وجزعتم وأساتم الجزع، وعند الله [حكم] ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة.

فقالوا: لا ترضى بهذا العرب ولا تعذر نابه ! ! ! فقال علي (عليه السلام): أترد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة، ولا حجة واضحة ! ! أخرجوا فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبدا.

فخرجوا من يومهم فساروا حتى أتوا معاوية فقال لهم: لكم الكفاية أو الولاية (كذا) فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار، وكعب بن مالك ألف دينار، وولى النعمان بن بشير حمص ثم نقله إلى الكوفة.

ترجمة كعب بن مالك بن أبي كعب من تاريخ دمشق: ج 46 ص 1553، وكذلك رواه في الاغاني: ج 16، ص 233 ط بيروت وقريب منه في ذيل المختار: (30) من نهج البلاغة، وذكره باسناد آخر في ترجمة عثمان من تاريخ دمشق: ج 25 ص 159، وكذلك في المختار: (153) من باب الكتب من نهج السعادة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) أي استبد بتخصيص منافع الولاية إلى نفسه وذويه وإيثارهم على غيرهم واستقلاله مع بني أبيه بحيازة الفئ وغيره.

و " الاثرة " كثمرة.

- الاستبداد وتخصيص النفائس بالنفس.

 

[220]

 

- 64 -

ومن خطبة له عليه السلام خطبها بعدما بويع له بخمسة أيام (1)

علي بن ابراهيم رحمه الله قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام: بعدما بويع له بخمسة أيام فقال فيها: واعلموا أن لكل حق طالبا ولكل دم ثائرا، والطالب لحقنا كقيام الثائر بدمائنا، والحاكم في حق نفسه (2) [و] هو العادل الذي لا يحيف (3) والحاكم الذي لا يجور، وهو الله الواحد القهار (4).

واعلموا أن على كل شارع بدعة وزره ووزر كل مقتد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) والالفاظ الواردة في هذه الخطبة قد صدرت عنه عليه السلام في غير واحد من القضايا، وأوقات مختلفة، كما يعلم ذلك من مراجعة الخطبة: (103، و 156) من نهج البلاغة.

(2) أي إن الذي يطلب حقنا - بمعناه العام - كمن يقوم ويطلب ثارنا ودماءنا، وكمن يحكم حق نفسه فينال مطلوبه بلا مزاحم ولا مهلة وعلى هذا فالكلام إشارة إلى نجاح طالبي حقوقهم حث على الطلب بها.

(3) ومثله في تفسير البرغاني نقلا عن تفسير علي بن إبراهيم، وفي تفسير البرهان: ج 2 / 44 والبحار: ج 8 ص 399 نقلا عنه: " هو العدل الذي لا يحيف ".

أي لا يجور ولا يميل عن الحق.

(4) وفي النهج: " وهو الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب ".

 

[221]

به من بعده إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئا (5) وسينتقم الله من الظلمة مأكلا بمأكل، ومشربا بمشرب (6) من لقم العلقم، ومشارب الصبر الادهم (7) فليشربوا الصلب من الراح السم المداف (8) وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا، ولهم بكل ما أتوا وعملوا من أفاريق الصبر الادهم فوق ما أتوا وعملوا (9) أما إنه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم، وما لهم من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) وهذا المعنى قد ورد في أخبار كثيرة ذكر بعضها في الحديث (18) من المجلس: (24) من أمالي المفيد، وفي البحار: ج 17 / 165، و 188، وج 8 / 679، وفي الحديث: 46 و 55 و 78 و 79 من الباب (8) من البحار: ج 1، ص 75 وما بعدها، وفي الباب: (15) من كتاب الامر بالمعروف من مستدرك الوسائل ج 3 ص 368 (6) وفي البحار: " مأكل بمأكل، ومشرب بمشرب ".

وفي النهج: " وسينتقم الله ممن ظلم مأكلا بمأكل، ومشربا بمشرب، من مطاعم العلقم، ومشارب الصبر والمقر، ولباس شعار الخوف ودثار السيف، وإنما هم مطايا الخطايا وزوامل الآثام " الخ.

(7) واللقم: جمع اللقمة.

والعلقم: الحنظل.

كل شئ مر.

والادهم: الاسود.

(8) أي فليشربوا الشديد الغليظ.

فإن شربه أعسر، أو ان " الصلب " تصحيف " الصئب " بالهمزة، يقال: " صئب من الشراب صئبا " - من باب فرح: روى وامتلا.

أو هو مصحف " الصبب " - محركة كسبب - بمعنى المصبوب.

والراح: الخمر أطلق هنا تهكما.

والدوف: الخلط والبل بماء ونحوه.

كذا أفاده المجلسي (ره).

(9) أفاريق كأنه جمع أفراق، وهو جمع أفارقة، وهو جمع الفرقة - بالكسر فالسكون - قال في شرح القاموس: الفرقة - بالكسر -: السقاء الممتلئ الذي لا يستطيع أن يمخض حتى يفرق.

الطائفة من الناس، والجمع فرق - كعنب - وجمع في الشعر على أفارق، وجمع الجمع أفراق، ثم جمع جمع الجمع أفاريق.

 

[222]

الصيف إلا رقدة (10) ويحبسهم (11) ما توازروا وجمعوا على ظهورهم من الآثام.

فيا مطايا الخطايا، ويا زور الزور، وأوزار الآثام مع الذين ظلموا اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على أنفسكم فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فأقسم ثم أقسم ليتحملنها (12) بنو أمية من بعدي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(10) أي لم يبق لهم من شدائد الدنيا إلا ما أصابهم من تلك الشدة، وليس لهم في ذلك أجر.

والرقدة - بالهاء -: النومة، وفي بعض النسخ: " إلا رفده " بالفاء مع الضمير، والرفد - - بالكسر -: العطاء.

وبالكسر والفتح: القدح الضخم، والحاصل انه لم ببق لهم من راحة الدنيا إلا راحة قليلة ذهبت عنهم.

هذا محصل ما أفاده المجلسي رحمه الله في شرح هذه الفقرة.

(11) كذا في غير واحد من الاصول الناقلة عن تفسير علي بن ابراهيم، قال المجلسي (ره): أي يحبسهم يوم القيامة أوزارهم.

ثم قال: وفي بعض النسخ: " ويحبسهم وما توازروا ".

أي يحبسهم الله (مع أوزارهم).

أقول: ويحتمل أيضا أن يكون: و " يحسبهم " بمعنى يكفيهم، أي يكفي لهلاكهم وضلالتهم ما توازروا.

وفي الطبعة الاخيرة من تفسير علي بن إبراهيم - ومثله في نفسير البرهان، نقلا عنه -: ويحهم ما تزودوا وجمعوا على ظهورهم من الآثام ".

وهذا أظهر.

(12) وفي بعض النسخ: " لتحملنها بنو أمية ".

وفي المختار: (103) من خطب النهج: " فأقسم بالله يا بني أمية، عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم، وفي دار عدوكم " الخ.

وفي المختار: (156) من النهج: " فأقسم ثم اقسم لتنخمنها أمية من بعدي كما تلفظ النخامة، ثم لا تذوقها ولا تطعم بطعمها أبدا ماكر الجديدان ".

لتنخمنها - من باب فرح -: لتدفعنها وتلفظنها مثل لفظ النخامة: والتشبيه أما للاشارة إلى سرعة الدفع وسهولته، أو للاشارة إلى قذارة المدفوع في مذاق الدافع، أي انهم يتركون الامارة ويلفظونها مستقذرا إياها - لما يصل إليهم من التلبس بها من العناء - كاستقذار صاحب النخامة - وهي أخلاط الصدر والانف - حفظ النخامة وإبقاءها في صدره وفيه.

 

[223]

وليعرفنها في دار غيرهم عما قليل، فلا يبعد الله إلا من ظلم، وعلى البادي (13) ما سهل لهم من سبيل الخطايا [كذا] مثل أوزارهم وأوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، ألا ساء ما يزرون " (14).

تفسير الآية: (25) من سورة النحل، من تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 384 وفي ط ص 358، وفي آخر ص 231 ورواه المجلسي الوجيه (ره) عنه في البحار: ج 8 ص 399، س 11، ط الكمباني وشرح بعض مفرداته، ورواه عنه أيضا في الحديث الثاني من تفسير الآية الكريمة من سورة النحل من تفسير البرهان: ج 2 ص 364، ط 2.

وكذا رواه عنه في تفسير نور الثقلين: ج 3 ص 49.

وكذا نقله البرغاني (ره) في تفسيره.

وقريبا من صدرها نقله في آخر الباب: (62) من ينابيع المودة ص 358 عن جواهر العقدين، كما انه مذكور في المختار: (103) من باب خطب النهج، وكذلك قطعة منها ذكره في آخر المختار: (156) منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(13) يعني الاول، فإن من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها.

(14) اقتباس من الآية: (25) من سورة النحل: 16.

 

[224]

 

- 65 -

ومن خطبة له عليه السلام خطبها بعد استخلافه بستة أيام

قال السيد أبو طالب: أخبرنا محمد بن زيد الحسني قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي، قال: حدثنا أخي الحسين بن علي عن محمد بن الوليد، عن ابن أبي عمير (ظ) عن هشام، عن إسماعيل الجعفي قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام: خطب أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد أن استخلف لستة أيام، فحمد الله وأثنى عليه وأفاض في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: أيها الناس إن مبدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع (1) يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالا، فلو ان الحق خلص لم يكن اختلاف، ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى [ظ] ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان [و] هنالك استحوذ الشيطان على أوليائه دون الذين سبقت لهم من الله الحسنى اليوم عمل ولا ثواب، ولا عمل كأداء مفاتيح الهدى [كذا].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) هذا هو الظاهر الموافق لرواية الكليني الآتية في أواخر الباب، وفي نسخة تيسير المطالب: " تبدع ".

ثم ان في رواية الكليني: " إنما بدء وقوع الفتن "..

 

[225]

بنا نفى الله ربق الذل عن أعناقكم وبنا يفتح ويختم لا بكم.

والله أيها الناس لقد أدركت أقواما كانوا يبيتون لله سجدا [و] قياما كأن صرير النار في آذانهم، وإذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة يوم الريح العاصف.

أيها الناس إن الله حد حدودا فلا تعتدوها.

وفرض فروضا فلا تنقصوها وأمسك عن أشياء لم يمسك عليها نسيانا بل رحمة من الله لكم فاقبلوها ولا تكلفوها، حلال بين [وحرام بين] وشبهات بين ذلك، فمن ترك ما اشتبه عليه فهو لما استبان له أترك.

والمعاصي حمى الله فمن رتع حولها يوشك أن يقع فيها.

الباب: (14) من تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيد أبي طالب ص 128.

ولذيل الكلام مصادر وأسانيد.

 

[226]

 

- 65 -

ومن كلام له عليه السلام قاله للمغيرة بن شعبة لما أشار إليه بإمضاء إمارة معاوية وتوليته الشام

قال أبو الفرج: أخبرني عبيد الله بن محمد، قال: حدثنا الخزاز، عن المدائني، عن أبي مخنف.

وأخبرني أحمد (محمد " خ ") بن عيسى العجلي، قال: حدثنا الحسن بن نصر (كذا) قال: حدثني أبي نصر بن مزاحم، قال: حدثنا عمر بن سعد [شبة " خ "] عن أبي مخنف، عن رجاله: أن المغيرة بن شعبة جاء إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال له: أكتب إلى معاوية فوله الشام، ومره بأخذ البيعة لك، فإنك إن لم تفعل وأردت عزله حاربك.

فقال علي عليه السلام: " ما كنت متخذ المضلين عضدا ".

فانصرف المغيرة وتركه، فلما كان من غد جاءه فقال: إني فكرت فيما أشرت به عليك أمس فوجدته خطأ، ووجدت رأيك أصوب.

فقال له علي: لم يخف علي ما أردت، قد نصحتني في الاولى، وغششتني في الآخرة ؟ ! ! (1)، ولكني والله لا آتي أمرا أجد فيه فسادا لديني طلبا لصلاح دنياي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) أي ما أبديت في المرة الاولى من تولية معاوية كان نصحا وصلاحا للدنيا لمن أرادها، وما قلت في المرة الثانية كان مجاراة لي ولم يكن بداعي التحفظ على مصالح العاجل وانتظام أمر الخلافة، فكان الاول بحسب مصلحة الدنيا نصحا، والثاني غشا، ولكني لا أطلب صلاح الدنيا إذا كان فيه فساد الدين.

 

[227]

ترجمة المغيرة بن شعبة من كتاب الاغاني: ج 16، ص 91 ط تراثنا.

وذكره أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: ج 2 ص 267 ط 1، بنحو الارسال ولكن ما ذكره أقرب من رواية غير أبي الفرج منه إليها.

وقريبا منه رواه في الجزء التاسع من بشارة المصطفى ص 324، ومثله رواه أيضا في أمالي الطوسي.

 

[228]

 

- 66 -

ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين طلحة والزبير

قال القاضي نعمان (ره): روينا عن (أمير المؤمنين) على عليه السلام انه أمر عمار بن ياسر.

وعبيد الله بن أبي رافع، وأبا الهيثم بن التيهان أن يقسموا فيئا [مالا من الفئ " خ "] بين المسلمين، وقال لهم: اعدلوا فيه ولا تفضلوا أحدا على أحد، فحسبوا فوجدوا الذي يصيب كل رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأعطوا الناس فأقبل إليهم طلحة والزبير، ومع كل واحد منهما ابنه، فدفعوا إلى كل واحد منهم ثلاثة دنانير فقال طلحة والزبير: ليس هكذا يعطينا عمر، فهذا منكم أو عن أمر صاحبكم ؟ قالوا: بل هكذا أمرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) فمضيا إليه فوجداه في بعض أمواله (1) قائما في الشمس على أجير له يعمل بين يديه، فقالا له: ترى أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) قال ابن دأب في الفضائل السبعين المجتمعة في أمير المؤمنين دون غيره - على ما رواه في كتاب الاختصاص ص 152، ط 3 - ولى (امير المؤمنين) بيت مال المدينة عمار بن ياسر، وأبا الهيثم بن التيهان، فكتبا العربي والقرشي والانصاري والعجمي وكل من كان في الاسلام من قبائل العرب وأجناس العجم (سواءا) فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود فقال: كم تعطي هذا ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كم أخذت أنت ؟ قال: ثلاثة دنانير، وكذلك أخذ الناس.

قال: فأعطوه ثلاثة دنانير مثل ما أخذ (سهل) فلما عرف الناس أنه لا فضل لبعضهم على بعض (في القسم) أتى طلحة والزبير عمار بن ياسر، وأبا الهيثم بن التيهان فقالا: يا أبا اليقظان استأذن لنا على صاحبك.

قال: وعلى صاحبي إذن ؟ ! قد أخذ بيد أجيره وأخذ مكتله ومسحاته وذهب يعمل في نخله في بئر الملك.

(قال ابن دأب:) وكان بئر ينبع سميت بئر الملك، فاستخرجها علي عليه السلام وغرس عليها النخل.

وقال في الحديث: (24) من الباب: (107) من البحار: ج 9 ص 535 - وفي ط الجديد: ج 41 ص

 

[229]

أن ترتفع معنا إلى الظل ؟ قال: نعم.

فقالا له: إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفئ فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس.

قال: وما تريدان ؟ قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر.

قال: فما كان رسول الله [صلى الله عليه وآله] (2) يعطيكما ؟ فسكتا، فقال: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقسم بالسوية بين المسلمين (3) من غير زيادة ؟ قالا: نعم.

قال: أفسنة رسول الله [صلى الله عليه وآله] أولى بالاتباع أم سنة عمر ؟ قالا: بل سنة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وغناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس فافعل.

قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي ؟ قالا: سابقتك.

قال: فقرابتكما أقرب أم قرابتي ؟ قالا: قرابتك.

قال: فغناؤكما أعظم أم غنائي ؟ قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

116، نقلا عن مناقب آل أبي طالب: ج 1 ص 315 عن كتاب ابن الحاشر باسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثنان في خبر طويل: انه قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده فقال: يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام.

فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف.

(2) بين المعقوفين هنا في الاصل كان هكذا: " صلعم " وكذلك ما يأتي بعده، وما تقدمه كان هكذا: " ع ".

والمستفاد من الاستقراء ان هذا من كلام الرواة أضافوه إلى كلام المعصومين كلما جرى ذكرهم لما ورد من الحث على ذلك، وإنما أتوا به رمزا للاختصار.

(3) وفي بعض النسخ هكذا: " أليس كان رسول الله يعطيكما من قسمة الغنيمة كسائر المسلمين بالسوية ؟ " الخ.

 

[230]

أعظم غناءا.

قال: فوالله ما أنا وأجيري هذا - وأومى بيده إلى الاجير الذي بين يديه (4) - في هذا المال إلا بمنزلة واحدة ! ! ! قالا: جئنا [جئناك " خ "] لهذا وغيره.

قال: وما غير ؟ قالا: أردنا العمرة فأذن لنا.

قال: انطلقا فما العمرة تريدان، ولقد أنبئت بأمركما ورأيت مضاجعكما ! ! ! فمضيا.

وهو يتلو وهما يسمعان: " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما [10 - الفتح: 48].

الحديث الاول من باب قسمة الغنائم من كتاب الجهاد من دعائم الاسلام: ج 1.

ص 384 ط مصر.

وقطعة منه رواها ابن شهر آشوب رحمه الله في مناقب آل أبي طالب: ج 1، ص 315، ورواها عنه في الحديث (23) من الباب (107) من البحار: ج 9 ص 535 ط الكمباني، وفي ط الحديث: ج 41 ص 116 وقريبا منه رواه أيضا القطب الراوندي رحمه الله في كتاب الخرائج كما في البحار: ج 8 ص 415.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) هذا كان في الاصل مؤخرا عن قوله: " إلا بمنزلة واحدة ".

وإنما قدمناء لانه أوفق.

 

[231]

 

- 67 -

ومن كلام له عليه السلام في الدعاء على طلحة والزبير (1)

قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه.

عن أبي مخنف: ان طلحة والزبير، استأذنا عليا في العمرة، فقال: لعلكما تريدان الشام أو العراق ؟ فقالا: اللهم غفرا إنما نوينا العمرة ! فأذن لهما فخرجا مسرعين وجعلا يقولان: لا والله ما لعلي في أعناقنا بيعة ! ! وما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف ! ! ! فبلغ ذلك عليا فقال: أخذهما الله [أبعدهما الله " خ "] إلى أقصى دار وأحر نار.

الحديث: (282) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الاشراف: ج 1، الورق 172 - أو ص 247 من المخطوطة، وفي المطبوعة: ج 2 ص 222 ط 1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) ومن اللطائف ما ذكره ابن الاعرابي في معجم الشيوخ: ج 2 / الورق 152 / وفي نسخة الورق 219 / أ / قال: أنبأنا على (بن سهل بن المغيرة) أنبأنا أزهر بن عمير، قال: استأذن شريك على يحيى بن خالد، وعنده رجل من ولد الزبير بن العوام فقال الزبيري: أصلح الله الامير، ائذن لي في كلام شريك.

فقال: إنك لا تطيقه.

قال: ائذن لي في كلامه.

قال: شأنك.

فلما دخل شريك وجلس قال له الزبيري: يا (أ) با عبد الله ان الناس يزعمون أنك تسب أبا بكر وعمر ! ! فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: والله ما استحللت ذاك من أبيك وكان أول من نكث في الاسلام فكيف استحله من أبي بكر وعمر ؟ ! !

 

[232]

 

- 68 -

ومن كلام له عليه السلام لما بلغه أن طلحة والزبير لم يلقيا في مسيرهما إلى مكة أحدا إلا وقالا له: ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهين !!!

أبعدهما الله وأغرب دارهما (1) أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل، ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم.

والله ما العمرة يريدان، ولقد أتياني بوجهي فاجرين، ورجعا بوجهي غادرين ناكثين، والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا.

شرح المختار الثامن، من الباب الاول من النهج لابن أبي الحديد: ج 1، ص 232.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) أي نحاها وشطتها.

 

[233]

 

- 69 -

ومن كلام له عليه السلام قاله عند نكث طلحة والزبير بيعته في مسيرهما إلى مكة للاجتماع مع عائشة في التأليب عليه

أما بعد فإن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله للناس كافة وجعله رحمة للعالمين، فصدع بأمره (1) وبلغ رسالات ربه، فلم به الصدع ورتق به الفتق (2) وآمن به السبل وحقن به الدماء، وألف به بين ذوي الاحن والعداوة الواغرة في الصدور (3) والضغائن الراسخة في القلوب، ثم قبضه الله إليه حميدا، لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة، ولا بلغ شيئا كان في التقصير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) أي أبانه وأظهره بين الناس، وفي الاحتجاج: ج 1، ص 236: " فصدع بما أمر به ".

(2) أي جمع الله به تشتت الناس وتفرقهم واستبدادهم بالاديان والاهواء وقوله: " رتق به الفتق " أي أصلح ما فسد منهم يقال: " رتق فتقهم - من باب نصر، وضرب - رتقا ": أصلح ذات بينهم، ويقال: هو الراتق الفاتق: مصلح الامر.

و " الفتق ": شق الشئ ونقضه.

و " الرتق ": ضمه وإصلاحه.

(3) الاحن: جمع الاحنة - كحرف وحرفة وإرب وإربة -: الحقد.

يقال: " أحسن أحنا " من باب علم والمصدر كالضرب -: حقد وأضمر العداوة.

ويقال: " وغر يوغر - - كوجل يوجل - وييغر وغرا صدره على فلان ": توقد عليه من الغيظ فهو واغر الصدر.

و " الوغر " - كفلس وفرس -: الحقد والضغن والعدارة.

 

[234]

عنه الفضل، وكان من بعده ما كان من التنازع في الامر فتولى أبو بكر وبعده عمر، ثم تولى عثمان، فلما كان من أمره ما عرفتموه أتيتموني فقلتم: بايعنا.

فقلت: لا أفعل.

فقلتم بلى.

فقلت: لا، وقبضت يدي فبسطتموها ونازعتكم فجذبتموها وتداككتم علي تداك إلابل الهيم على حياضها يوم ورودها (4) حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعضا لدي، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وأن لا يبغيا الامة الغوائل (5) فعاهداني ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ونقضا عهدي.

فعجبا لهما من انقيادهما لابي بكر وعمر، وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين ! ! ولو شئت أن أقول لقلت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) وهذا المعنى مما وصف به بيعته في كلم كثيرة له عليه السلام ولغيره.

(5) الغوائل: جمع الغائلة: الداهية. الفساد. المهلكة.

 

[235]

اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا من أمري وظفرني بهما.

الفصل (17) مما اختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الارشاد للشيخ المفيد ص 130، ورواه أيضا في كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 235 ط الغري، قال: وروى انه عليه السلام قال عند توجيههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة للتأليب عليه، ثم ساق الخطبة كما تقدم.