[276]

 

- 86 -

ومن كلام له عليه السلام في المعنى المتقدم، مع تذييله بتقريض النافرين للجهاد من أهل الكوفة

قال ابن أبي الحديد: روى أبو مخنف، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن زيد بن علي، عن ابن عباس، قال: لما نزلنا مع علي عليه السلام ذاقار، قلت: يا أمير المؤمنين ما أقل من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظن ؟ ! فقال (عليه السلام): والله ليأتيني منهم ستة آلاف وخمسمأة وستون رجلا، لا يزيدون ولا ينقصون.

قال ابن عباس: فدخلني والله من ذلك شك شديد في قوله (1) وقلت في نفسي: والله إن قدموا لاعدنهم.

قال أبو مخنف: فحدث ابن إسحاق، عن عمه عبد الرحمان بن يسار، قال: نفر إلى علي عليه السلام إلى ذي قار، من الكوفة في البر والبحر، ستة آلاف وخمسمأة وستون رجلا.

[قال: و] أقام علي بذي قار خمسة عشر يوما حتى سمع صهيل الخيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وقريبا منه رواه في كنز العمال: ج 6 ص 405 عن معجم الاسماعيلي فيه: قال ابن عباس: الحرب خدعة ! ! قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس كم أنتم ؟ فقالوا كما قال، فقلت: هذا مما أسره إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه علمه ألف ألف كلمة، كل كلمة تفتح ألف كلمة.

ورواه أيضا في فتح الباري: ج 16 / 165.

عن الطبراني على ما ذكره بعض المعاصرين.

 

[277]

وشحيج البغال حوله، فلما سار بهم منقلة (2) قال ابن عباس: والله لاعدنهم فإن كانوا كما قال [فهو] وإلا أتممتهم من غيرهم فإن الناس قد كانوا سمعوا قوله، قال: فعرضتهم فوالله ما وجدتهم يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا، فقلت: الله أكبر ! صدق الله ورسوله ! ثم سرنا.

قال أبو مخنف: فلما قدم أهل الكوفة على علي عليه السلام، سلموا عليه وقالوا: الحمد لله - يا أمير المؤمنين - الذي اختصنا بموازرتك وأكرمنا بنصرتك، قد أجبناك طائعين غير مكرهين، فمرنا بأمرك.

قال: فقام (أمير المؤمنين عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله وقال: مرحبا " بأهل الكوفة بيوتات العرب ووجوهها، وأهل الفضل وفرسانها، وأشد العرب مودة لرسول الله صلى الله عليه وأهل بيته، ولذلك بعثت إليكم واستصرختكم عند نقض طلحة والزبير بيعتي عن غير جور مني ولا حدث، ولعمري لو لم تنصروني - يا أهل الكوفة - لرجوت أن يكفيني الله غوغاء الناس وطغام أهل البصرة، مع أن عامة من بها ووجوهها وأهل الفضل والدين قد اعتزلوها ورغبوا عنها.

شرح المختار: (33) من خطب نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 187، وللكلام مصادر أخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(2) شحيح البغال: صوتها.

والمنقلة: المرحلة من مراحل السفر، والجمع: مناقل، كمراحل لفظ ومعنى.

 

[278]

 

- 87 -

ومن خطبة له عليه السلام لما قدم إليه ابنه الحسن عليه السلام مع فرسان أهل الكوفة

قال ابن عبد ربه: واستنفر [أمير المؤمنين] عليه السلام أهل الكوفة لحرب الجمل، فأقبلوا إليه مع ابنه الحسن (عليه السلام) فقام فيهم خطيبا فقال: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وآخر المرسلين.

أما بعد فإن الله بعث محمدا عليه الصلاة والسلام إلى الثقلين كافة والناس في اختلاف، والعرب بشر المنازل، مستضيئون للثاآت بعضهم على بعض (1) فرأب الله به الثأي، ولام به الصدع، ورتق به الفتق (2) وآمن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) كذا في كتاب فرش الخطب، وفي كتاب الخلفاء وتواريخهم: " مستضعفون لما بهم ".

(2) قال الزمخشري في أساس البلاغة ص 88: " فلان يرأب الثأي أي يصلح الفساد.

من قولهم " ثئي الخرز " إذا انخرم، وأثأته الخارزة.

وقد عظم الثأي بينهم: وقعت بينهم جراحات وقتل ".

وأنا أقول توضيحا: يقال: " رأب زيد الصدع رأبا - من باب منع - وأرأبه إرآبأ ": أصلحه.

و " رأب الشئ ": جمعه وشده برفق.

و " رأب بينهم ": أصلح.

و " الثأي والثآ " - على زنة الفلس والعصا -: الفساد.

الجرح.القتل.

الفتق.الخرم.

الضعف.والفعل منه كسعى وبلى.و " لام الشي لاما - من باب منع - ولامه تلئيما وألامه إلآما ": أصلحه. جمعه

 

[279]

به السبل، وحقن به الدماء، وقطع به العداوة الواغرة للقلوب، والضغائن المخشنة للصدور (3) ثم قبضه الله عزوجل [إليه] مشكورا سعيه، مرضيا عمله، مغفورا ذنبه كريما عند ربه نزله (4) فيا لها مصيبة عمت المسلمين، وخصت الاقربين.

وولي أبو بكر فسار بسيرة رضيها المسلمون، ثم ولي عمر فسار بسيرة أبي بكر رضي الله عنهما، ثم ولي عثمان فنال منكم ونلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموه فقتلتموه، ثم أتيتموني فقلتم لي: بايعنا.

فقلت لكم: لا أفعل، وقبضت يدي فبسطتموها ونازعتم كفي فجذبتموها وقلتم: لا نرضى إلا بك ولا نجمتع إلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

وشده.

و " لاءمه ملاءمة ": أصلحه.

جمعه.

وافقه.

و " الصدع كفلس، ": الشق في الشي الذي له صلابة.

و " رتق الشئ - من باب ضرب ونصر - رتقا ": سده وأغلقه.

يقال: " هو الراتق الفاتق " أي مصلح الامر.

و " رتق فتقهم " أي ذات بينهم.

و " رتق الثوب ": ضد فتقه.

و " رتق الفتق ": أصلحه.

ويقال: " فتق الشئ فتقا - من باب نصر وضرب - وفتقه تفتيقا ": شقه.

و " فتق الثوب كفتقه تفتيقا ": نقض خياطته حتى فصل بعضه من بعض.

(3) الواغرة: المتقدة والمشتعلة.

واللام في قوله: " القلوب " بمعنى " في " كما تقدم في المختار: (69) ص 332.

(4) النزل - كقفل وعنق وفرس -: ما يهيأ ويعد للضيف، من الطعام والشراب وجهات الاكرام.العطاء.الفضل.الرزق.

 

[280]

عليك، وتداككتم علي تداكك الابل الهيم على حياضها يوم وردها (5) حتى ظننت أنكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض (6) فبايعتموني وبايعني طلحة والزبير، ثم ما لبثا [حتى] أن استأذناني للعمرة، فسارا إلى البصرة فقتلا بها المسلمين، وفعلا الافاعيل، وهما يعلمان والله أني لست بدون واحد ممن مضى، ولو أشاء أن أقول لقلت (7).

اللهم إنهما قطعا قرابتي، ونكثا بيعتي وألبا علي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) وهذا البيان قد ورد عنه عليه السلام في كثير من كلماته وصدر منه في أوقات عديدة، ففي المختار: (54) من خطب النهج: " فتداكوا علي تداك الابل الهيم يوم وردها، قد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها، حتى ظننت أنهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدي " الخ.

وقريب منه في المختار: (227) منه.

و " تداككتم ": اجتمعتم وهجمتم بحيث يدك - أي يدق - بعضكم بعضا لفرط رغبتكم في بيعتي.

و " الهيم ": العطاش وهو جمع الهيماء - مثل عين: جمع عيناء -، و " يوم وردها ": يوم شربها.

ومنه قوله تعالى في الآية (55 و 56) من سورة الواقعة: " فشاربون شرب الهيم، هذا نزلهم يوم الدين ".

ومنه قوله عليه السلام في نعت أهل بيت رسول الله - كما في المختار: (8 4) من النهج -: " وردوهم ورود الهيم العطاش ".

وأيضا الورد: الاشراف على الماء.

النصيب منه.

الماء الذي يورد.

الابل الواردة على الماء.

القوم الواردون.

(6) كل ذلك كان لاجل فوز السبق إلى بيعته ودفع المعوق عنها، ففي الخطبة الشقشقية: " فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي ".

(7) أي لقلت إني أفضل منهم، أو ان الفضل لي دونهم.

 

[281]

عدوي، اللهم فلا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما عملا وأملا.

الخطبة السابعة من خطبه عليه السلام من فرش كتاب الخطب من العقد الفريد: ج 4 ص 71 ط مصر، مكتبة النهضة المصرية، ورواها كذلك في عنوان: " الجمل " من خلافة علي عليه السلام، من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم: ج 4 ص 318.

وفي ط ج 4 ص 138.

وفي ط 2 ج 2 ص 345، وج 3 ص 87 تحت الرقم (9) من كتاب الخلفاء.

وهذه الخطبة قريبة جدا مما ذكره الشيخ المفيد (ره) في كتاب الارشاد، ص 130، وقد تقدم في المختار (69) ص 233.

 

[282]

 

- 88 -

ومن خطبة له عليه السلام خطبها أيضا بذيقار

روى أبو مخنف، عن زيد بن صوحان، قال: شهدت عليا بذيقار وهو معتم بعمامة سوداء، ملتف بساج يخطب (1) فقال في خطبته: الحمد لله على كل أمر وحال، في الغدو والآصال وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، إبتعثه رحمة للعباد، وحياة للبلاد، حين امتلات الارض فتنة واضطرب حبلها (2) وعبد الشيطان في أكنافها، واشتمل عدو الله إبليس على عقائد أهلها، فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أطفأ الله به نيرانها، وأخمد به شرارها، ونزع به أوتادها، وأقام به ميلها،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) الساج - على زنة العاج -: الطيلسان الواسع المدور.

وقيل: هو الطيلسان الاخضر أو الاسود.

أو الضخم الغليظ.

أو المقور ينسج كذلك، ويطلق على الكساء المربع مجازا.

(2) الضمير في " حبلها " عائد إلى الارض.

شبه عليه السلام الارض قبل مبعث الرسول صلوات الله عليه بحمل على دابة بلا حزام، فهو دائما يتزلزل يمينا وشمالا إلى أن يقع على الارض.

 

[283]

إمام الهدى، والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله، فلقد صدع بما أمر به (3) وبلغ رسالات ربه، فنأصلح الله به ذات البين، وآمن به السبل وحقن به الدماء، وألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور حتى أتاه اليقين (4) ثم قبضه الله إليه حميدا، ثم استخلف الناس أبا بكر فلم يأل جهده (5) ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده، ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان، أتيتموني لتبايعوني، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، ودخلت منزلي فاستخرجتموني، فقبضت يدي فبسطتموها، وتداككتم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) أي كشفه وبينه وتكلم به جهارا، يقال: " صدع بالحق - من باب منع - صدعا ": تكلم به جهارا.

وفي الامر: مضى.

و، صدع الامر " كشفه وبينه.

ومنه قوله تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " الآية: (94) من سورة الحجر: (15).

قال في المجمع: أي أبن الامر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزجاجة، والكلام استعارة والمستعار منه كسر الزجاجة، والمستعار له التبليغ، والجامع التأثر، وقيل: فرق بين الحق والباطل وقيل: شق جماعتهم بالتوحيد أو القرآن.

(4) هذا مثل قوله تعالى في الآية: (99) من سورة الحجر: " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " والمراد باليقين: الموت.

و " الضغائن: " جمع الضغينة: الحقد.

والواغرة: المشتعلة.

(5) أي فلم يقصر ما كان طاقه وقدر عليه.

 

[284]

علي حتى ظننت أنكم قاتلي (6) وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل (7) وقد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وآله (8) - ولقد سمعته يقول: " ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤس الخلائق، ثم ينشر كتابه، فإن كان عادلا نجا، وإن كان جائرا هوى ".

- حتى اجتمع علي ملؤكم، وبايعني طلحة والزبير وأنا أعرف الغدر في أوجههما، والنكث في أعينهما، ثم استأذناني في العمرة، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معهما ابناء الطلقاء (9) فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المنكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(6) تقدم معناه في المختار السابق وقبله فراجع.

(7) ولا جذل: ولا فرح.

(8) وإنما كان عليه السلام كارها للحكومة لما كان يعمله من اعتياد الناس بالمداقة في دنياهم ومساهلتهم في أمر دينهم وأنه متى شدد عليهم من يتولى أمر الدين يبغون له الغوائل كما صدر من طلحة والزبير وأم لمؤمنين، وانتهزه معاوية وأتباعه فرصة لمحاربة أمير المؤمنين، ونيل شهواتهم باسم الدين.

(9) يقال: " استخف زيد عمرا ": أزاله عن الحق.

استجهله.

و " الطلقاء ": هم الذين حررهم وأطلقهم رسول الله يوم فتح مكة وقال لهم: " اذهبوا فأنتم الطلقاء ".

 

[285]

فيا عجبا لاستقامتهما لابي بكر وعمر، وبغيهما علي ! وهما يعلمان أني لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت.

ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه (10) فكتماه عني وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان.

والله ما أنكرا علي منكرا، ولا جعلا بيني وبينهم نصفا (11) وإن دم عثمان لمعصوب بهما ومطلوب منهما (12).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(10) وإليك نص كتاب معاوية - على ما في شرح المختار الثامن من خطب نهج البلاغة من ابن أبي الحديد: ج 1، ص 231 -: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شي بعد هذين المصريين، وقد بايعت لطلحة ابن عبيد الله من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان، واعدوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير، أظفركما الله وخذل مناوئكما ! فلما وصل الكتاب إلى الزبير، سر به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه السلام.

والظاهر ان هذا هو الكتاب الثاني الذي كتبه معاوية إلى الزبير وأن أول كتاب كتبه إليه - وإلى غيره - هو ما ذكره معنعنا نقلا عن الموفقيات في شرح المختار (193) من الخطب: ج 10، ص 235 ط الحديث بمصر، فراجع، وكذا الظاهر انهما مغايران لما ذكره في الحديث: " 321 " من ترجمة علي عليه السلام من أنساب الاشراف: ج 2 ص 257 ط 1.

(11) النصف والنصفة - محرنة -: العدل والانصاف.

(12) أي ان دمه قد شد وعصب بهما، فمن أراده فليطلبه منهما.

 

[286]

يا خيبة الداعي إلى م دعا (13) وبماذا أجيب ؟ ! والله إنهما لعلى ضلالة صماء، وجهالة عمياء (14) وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه، واستجلب منهما خيله ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه، ويرد الباطل إلى نصابه (15).

(قال زيد) ثم رفع (أمير المؤمنين عليه السلام) يديه فقال: اللهم إن طلحة والزبير قطعاني وظلماني، وألبا علي ونكثا بيعتي، فاحلل ما عقدا، وانكث ما أبرما، ولا تغفر لهما أبدا، وأرهما المساءة فيما عملا وأملا.

قال أبو مخنف: فقام إليه الاشتر فقال: الحمد لله الذي من علينا فأفضل، وأحسن إلينا فأجمل، قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين، ولقد أصبت ووفقت، وأنت ابن عم نبينا وصهره ووصيه وأول مصدق به ومصل معه، شهدت مشاهده كلها، فكان لك الفضل فيها على جميع الامة، فمن اتبعك أصاب حظه واستبشر بفلجه، ومن عصاك ورغب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(13) " إلى م " مخفف " إلى ما " حذف الالف منه تخفيفا ".

(14) الصماء: مؤنث الاصم: الصلب المتين.

والعمياء: مؤنث الاعمى: الجاهل لا بصيرة له أي إن ضلالتهما قد صلب واستحكم بحيث تأبى عن العلاج، وإن جهالتهما قد اشتدت حتى صارت جهلا مركبا تعمي صاحبها عن الاهتداء.

(15) ذمر حزبه - من باب - نصر: حضه على معونتهما.

والرجل - بفتح الراء ثم السكون - جمع الراجل: الذي يمشي على قدمه.

والنصاب - كالحساب -: أصل الشئ.

 

[287]

عنك فإلى أمه الهاوية، لعمري يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة والزبير وعائشة علينا بمخيل، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه، وفارقا على غير حدث أحدثت ولا جور صنعت، فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما، فإنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه (16) وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان، فإن سيوفنا في عواتقنا، وقلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنا أمس.

ثم قعد [رحمه الله].

[قال أبو مخنف في ذيل الرواية: المتقدمة في المختار: (72):] فقام رؤس القبائل فخطبوا وبذلوا له النصر، فأمرهم (عليه السلام) بالرحيل إلى البصرة.

آخر شرح المختار: (22) من خطب نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1، ص 209.

وخطبته عليه السلام هذه ذكرها أيضا باختصار في الباب: (49) من جواهر المطالب الورق 55 قال: قال صعصعة بن صوحان: خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بذي قار معتما بعمامة سوداء متلففا بكساء - أو والايساح [كذا] فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه: أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ان الحمد لله كثيرا على كل حال بالغدو والآصال الخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(16) وهذا مما اعترف به أيضا أولياء عثمان كما تقدم تحت الرقم (3) من تعليقات المختار: (62) ص 217، وذكره أيضا في ترجمة سعيد بن العاص من تاريخ دمشق.

 

[288]

 

- 89 -

ومن خطبة له عليه السلام وقد نفر من "ذي قار" متوجها إلى البصرة

قال عليه السلام بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما بعد فإن الله تعالى فرض الجهاد وعظمه وجعله نصرة له، والله ما صلحت دنيا قط ولا دين إلا به، [ألا] وإن الشيطان قد جمع حزبه واستجلب خيله وشبه في ذلك وخدع، وقد بانت الامور وتمحصت.

والله ما أنكروا علي منكرا ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا " (1) وإنهم ليطلبون حقا تركوه، ودما سفكوه، ولئن كنت شركتهم فيه، فإن لهم لنصيبهم منه (2) وإن كانوا ولوه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) تمحصت الامور ": انجلت وانكشفت.

و " النصف " - كالحبر والفرس -: العدل والانصاف، أي ما صدر مني شيئا منكرا كي يعتزضوا علي بارتكابه، ولا جعلوا بيني وبينهم المعاملة بالعدل والانصاف، بل بالظلم والجور، حيث يطالبوني بدم هم سفكوه وقتل هم ارتكبوه، وحق ضيعوه.

(2) وفي المختار: (22 و 135) من النهج: " فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم منه " الخ.

 

[289]

دوني فما تبعته إلا قبلهم، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم وإني لعلى بصيرتي ما التبست علي، وإنها للفئة الباغية فيها اللحم واللحمة، وقد طالت هينتها [هلبتها " خ "] وأمكنت درتها (3) يرضعون أما فطمت، ويحيون بيعة تركت (4) ليعود الضلال إلى نصابه (4) ما أعتذر مما فعلت، ولا أتبرأ مما صنعت (5) فيا خيبة للداعي ومن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) وفي النهج وبعض النسخ من كتاب الارشاد: " فيها الحمأ والحمة ".

أقول: اللحم: اللب الخالص.

واللحمة - بضم اللام -: القرابة، أي إنها فئة ظالمة فيها من لب الصحابة وقرابة الرسول من يوقع الناس في شبهة مطبقة وجهالة عمياء.

والصواب هو ما في النهج: " ما لبست ولا لبس علي، وإنها للفئة الباغية فيها الحمأ والحمة، والشبهة المغدفة، وإن الامر لواضح وقد زاح الباطل عن نصابه، وانقطع لسانه عن شبغه " الخ.

و " الحمأ والحمأة " - كفرس وحربة -: الطين الاسود المنتن.

و " الحمة " - بضم الحاء وتخفيف الميم المفتوحة -: السم.

إبرة شولة العقرب التي تضرب بها وتفرغ منها السم في جسد غيرها.

الشدة.

و " هينة " - بكسر الهاء على زنة ريبة ولينة -: السكون والرفق.

و " هلبة " - بضم الهاء على زنة قفلة وتربة -: مؤنث هلب - كقفل -: الشعر.

الشعر النابت على أجفان العينين.

وقيل: ما غلظ منه.

شعر الذنب.

شعر الخنزير الذي يخرز منه.

و " هلبة الزمان ": شدته.

و " الدرة " - بكسر الدال -: اللبن.

كثرته.سيلانه.

ومثله " الدر " - بفتح الدال على زنة الذر -.

والمراد هنا معناه المصدري.

(4) وفي المختار (22) من النهج: " يرتضعون أما قد فطمت، ويحيون بدعة أميتت ".

يقال: " رضع الولد أمه - من باب منع وضرب وعلم - وارتضعه ارتضاعا ": مص ثديها أو ضرعها فهو راضع.

و " فطمت المرءة ولدها - من باب علم، والمصدر كالجبل - فطما ": فصله عن الرضاع وقطعه عنه.

و " النصاب " - على زنة الكتاب -: أصل الشئ وأساسه.

(5) كذا في النسخة، ومثله في البحار نقلا عن الارشاد، ومعناه ظاهر، ولو كان الاصل هكذا: " ما اعتذرت مما فعلت، ولا تبرأت مما صنعت " كان أظهر، ليكون الكلام مسوقا لذم الفئة الناكثة الباغية وقبح شيمتهم بلا تخلل الفصل بأجنبي، فليتثبت طرق الرواية وألفاظها.

 

[290]

دعا، لو قيل له: إلى من دعوتك وإلى من أجبت (6) ومن أمامك وما سنته ؟ إذا لزاح الباطل عن مقامه ولصمت لسانه فما نطق (7).

وأيم الله لافرطن لهم حوضا أنا ما تحه لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريا أبدا (8) وإني لراض بحجة الله عليهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(6) كذا في النسخة، وعلى هذا فيكون الصدر بيانا لمورد خيبة الداعي، والذيل بيانا لخيبة المدعو.

وفي البحار: " لو قيل له: إلى من دعوك وإلى من أجبت " الخ.

وعلى هذا فهذه القطعة بأجمعها بيان لخيبة المدعو، وهم أنصار طلحة والزبير، وهذا أظهر، لان عنايته عليه السلام بتنبيه الاذناب، وتوجيههم إلى الحقائق وقبح ما ارتكبوه كان أكثر، وأما الرؤساء وهم طلحة والزبير فبما أنهم كانوا مستيقنين بضلالتهم ورشاد خصمهم فلم يكونوا بتلك العناية عنده عليه السلام إلا إذا كان الاحتجاج معهم وبيان سوء سريرتهم وخسارة صنيعهم ذا مدخلية في إتمام الحجة على العامة، وصرفهم عن الضلالة.

(7) وفي النهج المختار: (135): " إذا لزاح الباطل عن نصابه وانقطع لسانه عن شغبه ".

يقال: " زاح الشي عن مقامه - من باب باع - زيحا وزيحانا كانزاح ": ذهب واضمحل.

و " الشغب " - كالفلس الفرس -: تهييج الشر.

(8) وفي النهج: " وأيم الله لافرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري، ولا يعبون بعده في حسي ".

" لافرطن لهم ": لاملان لهم.

والمراد من الحوض هو حوض القتل والافناء.

و " الماتح ": الذي يقوم على شفير منبع الماء ويستقى الماء - والمائح - بالهمزة -: الذي ينزل إلى قعر المنبع ويملا الدلو - ويقال: " صدر عن الماء أو المكان - من باب ضرب ونصر - صدرا ومصدرا ": رجع عنه.

و " أصدره وصدره عنه ": أرجعه منه.

و " الرى " - بكسر الرا وفتحها -: مصدر قولهم: " روي - من باب علم - ريا وريا وروى من الماء ": شرب وشبع، فهو ريان.

و " يعبون " - في روية النهج من باب مد -: لا يشربون ولا يكرعون.

ويقال: " حسى - حسيا " - من باب رمى - واحتسى ": احتفر الحسي - وهو على زنة الحبر والفلس والحسى كمنى -: السهل من الارض يستنقع فيه الماء، فيحفرونه لاستخراج الماء منه.

 

[291]

وعذره فيهم (9) إذ أنا داعيهم فمعذر إليهم، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحق مقبول وليس على الله كفران (10) وإن أبوا أعطيتهم حد السيف، وكفى به شافيا لباطل وناصرا لمؤمن (11).

الفصل (23) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 134.

ورواه عنه في باب بيعة أمير المؤمنين عليه السلام من البحار: ج 8 ص 416 ط الكمباني، وقريب منه جدا في المختار: (10، و 22 و 135) من خطب النهج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(9) وفي المختار: (22) من النهج: " وإني لراض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم " الخ.

(10) ومساقه مساق قوله تعالى: " إن الله لا يظلم الناس.. وإن الله لا يضيع عمل عامل.. " (11) وفي النهج: " وكفى به شافيا من الباطل، وناصرا للحق " الخ.

وهو أظهر.

 

[292]

 

- 90 -

ومن كلام له عليه السلام قاله لابن العباس ليبلغه الزبير احتجاجا عليه

قال ابن عساكر - في ترجمة الزبير من تاريخ دمشق: ج 18، ص 66 -: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو عثمان السحري، أنبأنا زاهر بن أحمد 2 (1).

وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، قالا: أنبأنا أبو الحسين ابن النقور - زاد اسماعيل بن أحمد: وأبو محمد الصيرفي، قالا: - أنبأنا أبو القاسم ابن حبابة.

وأخبرنا أبو الفتح محمد بن علي، وأبو نصر عبيد الله ابن أبي عاصم، وأبو محمد عبد السلام بن أحمد، وأبو عبد الله سمرة بن جندب، وأخوه محمد ابن عبد القادر بن جندب، قالوا:: أنبأنا محمد بن عبد العزيز الفارسي، أنبأنا عبد الرحمان بن أبي شريح (2) قالوا: أنبأنا عبد الله ابن محمد، أنبأنا مصعب بن عبد الله، أنبأنا أبي، عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير - وهو جد موسى بن عقبة من قبل أمه، وهو موسى بن عقبة بن أبي عباس (3) - قال [قال موسى بن عقبة]: قال أبو حبيبة: أتانا ابن عباس بالبصرة في يوم شديد الحر، فلما رآه الزبير قال: مرحبا بابن لبابة أ [جئت] زائرا أم سفيرا ؟ قال: كل ذلك،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) كذا في الاصل.

(2) وهذا هو الصواب، وفي النسخة هنا تصحيف.

(3) كذا.

 

[293]

بعثني - وقال ابن أبي شريح (ظ): أرسلني - إليك ابن خالك [وهو] يقول [لك]: ما عدا مما بدا ؟ أعرفتني بالمدينة، وأنكرتني بالبصرة ؟ (1).

قال: فجعل الزبير ينقر بالمروحة في الارض، ثم رفع إليه رأسه فقال: ترفع لكم المصاحف غدا فما حللت حللنا - وقال ابن أبي شريح: " أحلت حللنا " - وما حرمت حرمنا (2).

قال [ابن عباس]: فانصرفت فناداني ابن الزبير وهو في جانب البيت يا ابن عباس أقبل علي - زاد ابن أبي شريح: قال ابن عباس: فأقبلت عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) قال في أواخر الباب (3) من تيسير المطالب: حكى أبو الحسن ابن مهدي (قال) قال ابن الانباري في قول علي عليه السلام يوم الجمل للزبير: بايعتني ثم جئت محاربا ؟ فما عدا مما بدا ؟ هذه كلمة فصيحة ما سبق عليا عليه السلام أحد إليها، ومعنى " ما عدا ": ما منع مما ظهر من بيعتك ؟ تقول: عداني عندك كذا.

اي منعني.

قال، وأنشدنا لبعضهم: عداني أن أزورك من مهمي * عجايا كلها إلا قليلا قال: والعجايا واحدها عجي على مثال فصيل وهو الفصيل تموت أمه فيرضعه صاحبه من لبن غير أمه.

(2) كذا في هذه الرواية، والظاهر ان هذا الجواب مما نحته أولياء الزبير بعد أيام صفين وتنبههم لحيلة عمرو بن العاص في ليلة الهرير، وأن جواب الزبير هو ما ورد في الروايات المستفيضة، وروى بعضها ابن أبي الحديد في شرح المختار: (31) من خطب النهج، قال: وروى جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: سألت ابن عباس عن ذلك، فقال: إني قد أتيت الزبير فقلت له [ما قال أمير المؤمنين عليه السلام لي أن أبلغه إياه] فقال: قل له: إني أريد ما تريد - كأنه يقول الملك - لم يزدني على ذلك فرجعت إلى علي عليه السلام فأخبرته.

وروى محمد بن إسحاق والكلبي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قلت الكلمة للزبير فلم يزدني على أن قال: قل له: إنا مع الخوف الشديد لنطمع.

قال:: وسئل ابن عباس عما يعني بقوله هذا.

فقال: يقول: إنا على الخوف لنطمع أن نلي من الامر ما وليتم.

 

[294]

وأنا أكره كلامه - قال مصعب: أشك (1) في قول ابن عباس في حديث من هو - قال عبد الله بن الزبير: بيننا دم خليفة وعهد خليفة وانفراد واحد واجتماع ثلاثة، وأم مبرورة ومشاورة العامة - أو قال: الجماعة.

أقول: وللرواية طرق عديدة وصور مختلفة أجودها ما ذكره السيد رضي (ره) في المختار: (31) من خطب نهج البلاغة، وذيل الكلام ذكره كما هنا - مع جواب ابن عباس عنه - في كتاب الجمل ص.

17، ط النجف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) من هذا يستفاد أن كلام ابن عباس هذا لم يرد في جميع الطرق المتقدمة بل في بعضها ولكن ذلك " البعض غير معلوم تعيينا " عند الراوي وهو مصعب بن عبد الله.

 

[295]

 

- 91 -

ومن خطبة له عليه السلام في بث الشكوى عن الناكثين ثم تهديدهم ثم الحث على قتالهم ثم الدعاء عليهم

ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني قدس الله نفسه، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، رفعه ان أمير المؤمنين عليه السلام خطب يوم الجمل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني أتيت هؤلاء القوم ودعوتهم واحتججت عليهم، فدعوني إلى أن اصبر للجلاد، وابرز للطعان.

فلامهم الهبل (1) وقد كنت وما أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب، [وقد] أنصف القارة من راماها (2) فلغيري فليبرقوا وليرعدوا فأنا أبو الحسن الذي فللت حدهم (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) الجلاد والطعان - بكسر أولهما -: المسايفة والمقاتلة.

والهبل - كالفرس - مصدر قولهم: " هبلت - من باب علم - فلانا أمه هبلا ": ثكلته فهي " هابل ".

ويقال: " هبلته أمه " دعاءا عليه.

وكثيرا ما يستعمل في المدح والاعجاب والاستحسان.

(2) والقارة اسم لقبيلة من بني الهرم من خزيمة، سموا قارة لاجتماعهم واتفاقهم ويوصفون بالرمي وفي المثل: " أنصف القارة من راماها ".

(3) أي أنا أبو الحسن المعروف بفل حد الاعداء، وكسر شوكة الاحزاب: وهذا مثل قول الشاعر: " أنا أبو النجم وشعري شعري " أي لم أتغير عما كنت عليه من البأس المرهب، والسطوة المرعبة.

ويقال: " فللت القوم - من باب مد -: كسرتهم وهزمتهم.

والسيف: ثلمته.

 

[296]

وفرقت جماعتهم وبذلك القلب ألقى عدوي، وأنا على ما وعدني ربي من النصر والتأييد والظفر، وإني لعلى يقين من ربي وغير شبهة من أمري.

أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، ومن لم يقتل يمت (4) وإن أفضل الموت القتل (5) والذي نفسي بيده لالف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على فراش.

واعجبا لطلحة، ألب الناس على ابن عفان (6) حتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

هذا هو الصواب، وفي النسخة: " ومن لم يمت يقتل ".

وفي المقالة الرابعة من كتاب " تهذيب الاخلاق " لابن مسكويه (ره) ص 89: " أيها الناس إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفس ابن ابي طالب بيده لالف ضربة بالسيف على الرأس أهون من ميتة على الفراش ".

وقريب منه جدا في الحديث (38) من المجلس الثامن من أمالي الشيخ ص 135.

(5) أي في سبيل الله، وهذا مع أنه من القضايا التي قياساتها معها، ويستفاد أيضا - في مفروض المقام - من القرينة المقامية، مما قد صرح به الامام الرضا عليه السلام.

ففي الحديث الاول من الباب (25) من كتاب الجهاد، من الكافي: ج 5 ص 53، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن سعد بن سعد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: " والله لالف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش " قال: في سبيل الله.

(6) يقال: " ألب زيد الناس على فلان - من باب نصر وضرب - وألبهم عليه تأليبا ": أغراهم عليه.

 

[297]

إذا قتل أعطاني صفقته بيمينه (7) طائعا ثم نكت بيعتي، أللهم خذه ولا تمهله [اللهم] وإن الزبير نكث بيعتي وقطع رحمي وظاهر علي عدوي فاكفنيه بما شئت.

الحديث الرابع من الباب (25) من كتاب الجهاد من الكافي: ج 5، ص 53، ولها أسانيد ومصادر وشواهد كثيرة، منها ما ذكره ثقة الاسلام (ره) في الحديث الاول من الباب، وقد نقلناه تحت الرقم الخامس من تعليقاتنا على هذه الخطبة.

وقريب منه جدا في الحديث (36) من المجلس السادس من أمالي الطوسي ص 106، بسند آخر.

وقريب منه أيضا في الفصل الثامن - وهو الفصل المعقود لبيان شجاعته عليه السلام - من كتاب مطالب السئول ص 16 - ط النجف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(7) كذا في النسخة، وفي أمالي الشيخ: " أعطاني صفقة يمينه " الخ.

 

[298]

 

- 92 -

ومن كلام له عليه السلام قاله للحارث بن حوط الليثي

قال الشيخ الطوسي (ره): أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثني أبو الوليد الضبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، قال: دخل الحارث بن حوط الليثي، على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين ما أرى طلحة والزبير وعائشة اجتمعوا [أضحوا " خ "] (1) إلا على حق ؟ فقال [له أمير المؤمنين عليه السلام]: يا حار [إنك ملبوس عليك] إن الحق والباطل لا يعرفان بالناس (2) ولكن اعرف الحق باتباع من اتبعه (3) والباطل باجتناب من اجتنبه.

قال [الحارث]: فهلا أكون كعبد الله بن عمر، وسعد بن مالك ؟.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) يقال: " أضحى زيد يفعل كذا ": فعله في الضحى.

أو صار يفعله مطلقا.

وعلى الثاني فهو من أخوات " كان " ويعمل عمله.

(2) بين المعقوفين مأخوذ، من رواية اليعقوبي والبلاذري.

(3) وفي رواية اليعقوبي والبلاذري: " ولكن اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف من أتاه " وهو الظاهر.

 

[299]

إن عبد الله بن عمر، وسعدا خذلا الحق، ولم ينصرا الباطل (4) متى كانا إمامين في الخير فيتبعان.

الحديث: (28) من الجزء الخامس، من أمالي الشيخ، ص 133، وله طرق ومصادر، أحسنها متنا ما في المختار: (262) من قصار النهج.

ورواه في الباب (3) من تيسير المطالب بزيادة بيتين في آخره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) وفي النهج: " إن سعدا وعبد الله بن عمر، لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل ".

وهو أظهر، أما عدم نصرتهم الحق - أعني أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان بنص رسول الله صلى الله عليه وآله يدور معه الحق حيث ما دار - فواضح وعليه الاتفاق، وأما عدم خذلانهم الباطل فإنه من لوازم التخلف عن الحق، ومن باب ان تقاعدهم نفس ترويج الباطل.

وقال في الباب (3) من تيسير المطالب: روى أصحاب الاخبار (عن) الحارث بن حوت قال: أتيت عليا عليه السلام حين ورد البصرة، فقلت: اني اعتزلك كما اعتزل سعد بن مالك وعبد الله بن عمر.

فقال: إن سعدا وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا (ظ) الباطل.

ثم أنشد متمثلا: واثكلها فقد ثكلته أروعا * أبيض يحمي الشرب ان يفرعا قال السيد أبو طالب: أراد به عليه السلام ان اختيارهما ما اختاراه مصيبة أصابتهما، كمصيبة الثكلاء التي فقدت من صفته من ذكر في البيت.

[300]

 

- 93 -

ومن خطبة له عليه السلام لما أصر الناكثون على الشقاق وآذنوه بالحرب

أبو مخنف: لوط بن يحي (ره) قال: حدثنا مسافر بن عفيف بن أبي الاخنس، قال: لما رجعت رسل علي عليه السلام: من عند طلحة والزبير، وعائشة يوذنونه بالحرب، قام فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله صلى الله عليه وآله ثم قال: أيها الناس إني قد راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا (1) أو يرجعوا، ووبختهم بنكثهم وعرفتهم بغيهم، فلم يستحيوا، وقد بعثوا إلي أن ابرز للطعان، واصبر للجلاد وإنما تمنيك نفسك أماني الباطل، وتعدك الغرور ! ! ! ألا هبلتهم الهبول لقد كنت وما أهدد بالحرب، ولا أرهب بالضرب، ولقد أنصف القارة من راماها ! ! ! (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(2) هذا من الامثلة السائرة بين العرب، وفي اللسان عن التهذيب: قال: [القارة قوم] كانوا رماة الحذق في الجاهلية، وهم اليوم في اليمن ينسبون إلى أسد، والنسبة إليهم قاري، وزعموا أن رجلين التقيا أحدهما قاري والآخر أسدي، فقال القاري: إن شئت صارعتك وإن شئت سابقتك وإن شئت راميتك، فقال: اخترت المرامات.

فقال القاري: لقد أنصفتني وأنشد: قد أنصف القارة من راماها * إنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها ثم انتزع له سهما فشك فؤآده.

 

[301]

فليرعدوا وليبرقوا، فقد رأوني قديما وعرفوا نكايتي (3) فكيف رأوني ؟ ! ! أنا أبو الحسن الذي فللت حد المشركين (4) وفرقت جماعتهم وبذلك القلب ألقى عدوي اليوم، وإني لعلى ما وعدني ربي من النصر والتأييد، وعلى يقين من أمري، وفي غير شبهة من ديني.

أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيد ولا محيص، من لم يقتل مات، [و] إن أفضل الموت القتل، والذي نفس علي بيده لالف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة (5) على الفراش.

اللهم إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله ثم عضهني به ورماني (6) اللهم فلا تمهله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) يقال: " رعد لي زيد وبرق - الاول من باب منع ونصر، والثاني من باب نصر فقط - رعدا وبرقا، وأرعدني إرعادا، وأبرقني إبراقا ": تهددني وخوفني.

والنكاية: قهر العدو بالجرح والقتل.

(4) فللت: كسرت، أي أنا الذي كسرت المعروفين بالتنمر والجبروت.

(5) كذا في هذه الرواية.

(6) ألب: جمع وحشر.

وعضهني به - من باب منع -: رماني به بالزور والبهتان، ونسبه إلى بالافك والافتراء.

 

[302]

اللهم إن الزبير قطع رحمي، ونكث بيعتي وظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت.

(قال) ثم نزل (عن المنبر).

شرح المختار: (22) من خطب نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج 1، ص 305.

وقريبا منه رواه أحمد بن أعثم الكوفي - المتوفى نحو سنة (314) - في كتاب الفتوح: ج 2 ص 307 ط 1، وللكلام مصادر.

 

[303]

 

- 94 -

ومن كلام له عليه السلام في المعنى المتقدم

حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثتا وكيع، عن سفيان، عن [الامام] جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين، قال: حدثني ابن عباس قال: أرسلني علي إلى طلحة والزبير يوم الجمل وقال [لي: قل لهما] (1): إن أخاكما يقرؤكما السلام ويقول لكما: هل وجدتما علي حيفا في حكم أو في استئثار في فئ أو في كذا.

قال [ابن عباس: فأبلغتهما الرسالة] (2) فقال الزبير: ولا في واحدة منهما، ولكن [لنا] مع الخوف شدة المطامع (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) بين المعقوفين زيادة منا، وفي الاصل هكذا: " أرسلني علي إلى طلحة والزبير يوم الجمل قال: فقلت: إن أخاكما يقرؤكما السلام " الخ.

(2) بين المعقوفين زيادة توضيحية منا.

(3) ورواه أيضا أبو الفرج في الاغاني: ج 16 / ص 127 ط ساسي - في عنوان مقتل الزبير، وخبر إبراهيم في الاصوات الماخورية من أواخر الكتاب - قال: حدثني أحمد بن عيسى بن إي موسى العجلي الكوفي، وجعفر بن محمد بن الحسن العلوي الحسني، والعباس بن علي بن العباس، وأبو عبيد الصيرفي قالوا: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا عمرو

 

[304]

الحديث (137) من فضائل علي عليه السلام من كتاب الفضائل - تأليف أحمد بن حنبل - وللكلام مصادر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ابن عبد الغفار، عن سليمان النوري [كذا] عن جعفر بن محمد، عن أبيه: عن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثني ابن عباس قال: قال لي علي صلوات الله عليه: إئت الزبير فقل له يقول لك علي بن أبي طالب نشدتك الله ألست قد بايعتني طائعا غير مكره، فما الذي أحدثت فاستحللت به قتالي ؟ وقال: أحمد بن يحيى في حديثه: قل لهما: إن اخاكما يقرأ عليكما السلام ويقول: هل نقمتما علي جورا في حكم أو استئثارا بفئي ؟ ! ! فقالا: لا ولا واحدة منهما ولكن الخوف وشدة الطمع ! ! ! وقال: محمد بن خلف في خبره فقال الزبير: مع الخوف شدة المطامع.

فأتيت عليا عليه السلام فأخبرته بما قال الزبير، فدعا بالبغلة: فركبها وركبت معه فدنوا حتى اختلفت أعناق دابتيهما فسمعت عليا صلوات الله عليه يقول: أنشدتك الله يا زبير أتعلم أني كنت أنا وأنت في سقيفة بني فلان تعالجني وأعالجك فمر بي يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كأنك تحبه، فقلت: وما يمنعني قال: أما إنه ليقاتلنك وهو لك ظالم.

فقال الزبير: الله نعم ذكرتني ما نسيت.

وولى راجعا ونادى منادي علي: إلا لا تقانلوا القوم حتى يستشهدوا منكم رجلا.

فما لبث أن أتي برجل يتشحط في دمه فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد اللهم اشهد، وأمر الناس فشدوا عليهم وأمر الصراخ فصرخوا لاته تدففوا على جريح ولا تتبعوا مديرا ولا تقتلوا أسيرا.

 

[305]

 

- 95 -

ومن كلام له عليه السلام قاله لابن عباس كي يبلغه إلى طلحة والزبير

قال ابن أبي الحديد: قال محمد بن إسحاق: حدثني [الامام] جعفر بن محمد عليه السلام، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: بعثني علي (أمير المؤمنين) عليه السلام، يوم الجمل إلى طلحة والزبير، وبعث معي بمصحف منشور وإن الريح لتصفق ورقه فقال لي: قل لهما: هذا كتاب الله بيننا وبينكم فما تريدان ؟ ! (قال ابن عباس فأبلغتهما) فلم يكن لهما جواب إلا أن قالا: نريد ما أراد.

كأنهما يقولان: الملك ! ! (قال:) فرجعت إلى علي (أمير المؤمنين عليه السلام) فأخبرته.

شرح المختار: (173) من خطب النهج لابن أبي الحديد: ج 9 ص 317.

 

[306]

 

- 96 -

ومن كلام له عليه السلام أيضا في معنى ما تقدم

قال ابن عساكر - في ترجمة الزبير من تاريخ دمشق: ج 18، ص 69، - أخبرنا أبو غالب ابن البنا (ء) أنبأنا أبو محمد ابن الجوهري، أنبأنا أبو الحسن ابن لؤلؤ، أنبأنا محمد بن أحمد بن المؤمل، أنبأنا محمد بن علي بن خلف، أنبأنا عمر الفقيمي، عن سفيان الثوري، عن [الامام] جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين [قال:] حدثني ابن عباس قال: قال [لي] علي [عليه السلام]: ائت الزبير فقل له: ننشدك الله [كذا] ألست قد بايعتني طائعا غير مكره، فما الذي أحدثت فاستحللت به قتالي ؟ ! [قال ابن عباس: فأتيته فأبلغته الرسالة ف‍] قال الزبير: [قل له] مع الخوف شدة المطامع (1) قال [ابن عباس] فأتيت عليا فأخبرته بما قال الزبير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) قال ابن أبي الحديد: وروى محمد بن إسحاق، والكلبي عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قلت الكلمة [أعني المختار المتقدم وهو قوله: " ما عدا مما بدا، أعرفتني بالمدينة وأنكرتني بالبصرة "] للزبير فلم يزدني على أن قال: " قل له إنا مع الخوف الشديد لنطمع ".

قال (كذا): وسئل ابن عباس عما يعني (الزبير) بقوله هذا.

فقال: يقول: " إنا مع الخوف لنطمع أن نلي من الامر ما وليتم ".

أقول: وروى ابن عساكر - في ترجمة عبد الله بن عامر، من تاريخ دمشق: ج 30،

 

[307]

فدعا علي بالبغلة فركبها وركبت معه، ودنا [علي أمير المؤمنين عليه السلام من الزبير] حتى اختلفت أعناق دوابهما ووقفت حتى أسمع كلامهما، فسمعت عليا يقول: أناشدك بالله هل تعلم يا زبير أني كنت أنا وأنت في سقيفة بني فلان تعالجني وأعالجك فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم (كذا) فقال: كأنك تحبه ؟ قلت: وما يمنعني [إنه على ديني وهو ابن عمتي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله]: أما [إنه] ليقاتلنك وهو الظالم (2).

قال الزبير: اللهم ذكرتني ما قد نسيت.

فولى راجعا.

أقول: وللكلام مصادر وشواهد أخر تأتي إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

ص 52 قال - فلما كان من أمر الجمل ما كان وهزم الناس جاء عبد الله بن عامر إلى الزبير، فأخذ بيده فقال: أبا عبد الله أنشدك الله في أمة محمد، فلا أمة محمد بعد اليوم أبدا ! ! ! فقال الزبير: خل بين الغارين يضطربان فإن مع الخوف الشديد المطامع.

ورواه أيضا ابن سعد في ترجمة عبد الله بن عامر من كتاب الطبقات: ج 5 ص 34 ط 1.

(2) وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وتواتر عنه، ورواه ابن عساكر في ترجمة الزبير بطرق كثيرة، كما رواه أيضا في فضائل الخمسة: ج 2 ص 364 عن مصادر كثيرة.

 

[308]

 

- 97 -

ومن كلام له عليه السلام كلم به الزبير في معركة الحرب وهو حاسر والزبير دارع

وفيه أيضا إخباره عليه السلام أصحابه بشهادته بيد ابن ملجم ضاعف الله عذابه.

قال ابن أبي الحديد: برز علي عليه السلام يوم الجمل حاسرا ونادى بالزبير مرارا: يا أبا عبد الله.

فخرج إليه الزبير دارعا مدججا (1) فقال له: يا أبا عبد الله، قد لعمري أعددت سلاحا وحبذا، فهل أعددت عند الله عذرا ؟ ! ! فقال الزبير: " إن مردنا إلى الله (2) فقال عليه السلام: " يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين " (25 - النور).

ثم قال له: يا زبير إنما دعوتك لاذكرك حديثا قاله لي ولك رسول الله صلى الله عليه، أتذكر يوم رآك [رسول الله] وأنت معتنقي فقال لك: أتحبه ؟ قلت: ومالي لا أحبه وهو أخي وابن خالي ؟ ! فقال [لك]: " أما إنك ستحاربه وأنت ظالم له".

فاسترجع الزبير وقال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر، فرجع إلى أصحابه نادما واجما، ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى أصحابه جذلا مسرورا (3) فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) الدارع: لابس الدرع. والمدجج: المسلح.

(2) وفي الآية (43) من سورة غافر - وهي سورة المؤمن: (40) -: " لا جرم انما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن مردنا إلى الله، وأن المسرفين هم أصحاب النار ".

(3) واجما: عابس الوجه مطرقه لشدة الحزن أو الخوف. و"جذلا": فرحاً مسروراً.

 

[309]

تبرز إلى الزبير حاسرا وهو شاك في السلاح، وأنت تعرف شجاعته ؟ ! فقال (عليه السلام): إنه ليس بقاتلي، إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب(3)، غيلة في غير مأقط حرب ولا معركة رجال ويلمه أشقى البشر، ليودن أمه أن هبلت به (4) أما إنه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن ! شرح المختار: (8) من خطب النهج لابن أبي الحديد: ج 1، ص 233 و 234، بتلخيص منا.

وقريب منه معنا في كتاب سليم بن قيس الهلالي (ره) ص 187، وأيضا روى قريبا من صدره الطبري معنعنا في تاريخه: ج 3 ص 514، وكذلك رواه سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، ص 76، غير انه قال: قاله لطلحة والزبير، وقريبا منه - أي من الصدر - معنى رواه في عنوان: " مقتل الزبير " من كتاب أنساب الاشراف: ج 1، ص 357 من المخطوطة، وفي للطبوعة: ج 2 ص 251.

والقصة - بلا ذيل - ذكرها أيضا أحمد بن أعثم الكوفي - المتوفى عام 314 - في كتاب الفتوح: ج 2 ص 309 وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه الزبير مرتين على انه يقاتل عليا ظلما وعدوانا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) ضئيل النسب: حقير النسب.

و " غيلة " - بكسر الغين -: خديعة واغتيالا.

و " مأقط " كمجلس -: موضع الحرب أو المضيق منه.

والجمع مآقط كوضع ومواضع.

" ويلمه " مخفف ويل لامه.

و " هبلت به أمه - من باب علم - هبلا ": ثكلته، فهي هابل.

وكثيرا يستعمل في الدعاء على الشخص - كما هنا - ويعبر عنه بالفارسية ب " نفرين " و " أحمر ثمود " هو عاقر ناقة صالح.

و " قرن " كفرس: الحبل.