[310]

 

- 98 -

ومن كلام له عليه السلام حين برز في قميصه غير دارع وأصحاب الجمل يرمون أصحابه

قال الواقدي: حدثني عبد الله بن الفضيل، عن أبيه، عن محمد ابن الحنفية قال: لما نزلنا البصرة وعسكرنا بها، وصففنا صفوفنا دفع إلي أبي عليه السلام اللواء وقال: لا تحدثن شيئا حتى يحدثوا فيكم.

ثم نام فنالنا نبال القوم فأفزعته ففزع (1) وهو يمسح عينيه من النوم وأصحاب الجمل يصيحون يا لثارات عثمان.

فبرز عليه السلام وليس عليه إلا قميص واحد، ثم قال: تقدم يا بني باللواء.

فتقدمت وقلت: يا أبه: (أ) في مثل هذا اليوم [تخرج] بقميص واحد ؟ ! ! فقال عليه السلام: أحرز امرأ أجله (2) والله قاتلت مع النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] (3) وأنا حاسر أكثر مما قاتلت وأنا دارع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) كذا في النسخة.

(2) وهذه القطعة رواها عنه عليه السلام عمرو بن العاص كما في ترجمته من تاريخ دمشق: ج 42 ص 669 - أو ما قاربها - ورواها أيضا ابن سعد، في ترجمة عمرو من الطبقات الكبرى ولكن لفظهما: " حرس امرأ أجله ".

ومثله معنى في المختار: (306) من قصار النهج، وقال أبو نعيم - في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من حلية الاولياء: ج 1، ص 67 -: حدثنا أحمد ابن يعقوب المهرجان، عن أبي شعيب الحراني، عن يحيى بن عبد الله، عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير وغيره، قال: قيل لعلي: ألا نحرسك ؟ فقال: حرس امرأ أجله.

(3) بين المعقوفين كان في الاصل هكذا: صلى الله عليه وآله.

 

[311]

ثم دنا (عليه السلام) من كل من طلحة والزبير فكلمهما ورجع وهو يقول: يأبى القوم إلا القتال، فقاتلوهم فقد بغوا.

ثم دعا عليه السلام بدرعه البتراء - ولم يلبسها بعد النبي إلا يومئذ - فكان بين كتفيه منها متوهيا (4) فجاء عليه السلام وفي يده شسع نعل، فقال له ابن عباس: ما تريد بهذا الشسع يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام: أربط بها ما قد توهي من هذا الدرع من خلفي ! ! فقال ابن عباس: أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل هذا ؟ ! فقال عليه السلام: لم ؟ قال: أخاف عليك.

قال: لا تخف أن أوتي من ورائي، والله يا ابن عباس ما وليت في زحف قط ! ! كتاب الجمل - للشيخ المفيد - ص 189، ط النجف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) أي مشقوقا ومنخرقا.

 

[312]

 

- 99 -

ومن خطبة له عليه السلام حين جمع أصحابه بالبصرة وحرضهم على الجهاد

عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم فإنهم نكثوا بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة، وقتلوا سبابحة (1) ومثلوا بحكيم بن جبلة العبدي، وقتلوا رجالا صالحين، ثم تتبعوا منهم من نجا يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا (2) ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.

انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم والقوهم صابرين محتسبين تعلمون أنكم منازلوهم ومقاتلوهم وقد وطنتم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) الضرب المبرح: الشديد المتعب المدهش.

و " سبابجة ": قوم من السند، كانوا بالبصرة جلاوزة وحراسا للسجن.

(2) الرابية: ما ارتفع من الارض.

وضرب الرقاب صبرا.

أن يمسك بيدي من يراد قتله ثم يضربه آخر حتى يموت.

 

[313]

أنفسكم على الطعن الدعسي، والضرب الطلحفى ومبارزة الاقران (3) وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء (4) ورأى من أحد من اخوانه فشلا فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله.

الفصل (24) مما اختار من كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 134.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) أي الطعن الشديد، والضرب الوجيع، يقال: دعست الوعاء - من باب منع - دعسا ": حشوته.

أي عليكم بالطعن الذي يحشى به أجواف الاعداء.

و " الطلحفى " بفتحتين فسكون ففتح، أو بكسر الطاء وفتح الللام فسكون ففتح -: أشد الضرب.

(4) الجأش - كفلس -: القلب، يقال: " ربط جأشه " - من باب ضرب ونصر - رباطة " - كهداية -: اشتد قلبه وقوي.

 

[314]

 

- 100 -

ومن خطبة له عليه السلام في يوم الجمل قبل اشتباك الحرب

وقد أتوه بقتيلين من أصحابه قتلهما أصحاب الجمل، ورشقوا عمارا وتواتر عليه الرمي واتصل، فقال يا أمير المؤمنين ليس لك عند القوم إلا الحرب!!

فقام عليه السلام خطيبا رافعا بها صوته فقال: أيها الناس إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح (1) ولا تقتلوا أسيرا، ولا تتبعوا موليا، ولا تطلبوا مدبرا، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل ولا تهتكوا سترا، ولا تقربوا شيئا من أموالهم إلا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع (2) أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله.

مروج الذهب: ج 2 ص 371، وفي ط بيروت: ج 2 ص 362، ومثله مع الزيادة في الدر النظيم ص 115 وص 119.

وأشار إليه أيضا الطبري في غير موضع من تاريخه، وذكره أيضا في الامامة والسياسة ص 77، إلا أنه قال: بعد ما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) أي لا تقتلوا جريحا ولا تتموا قتله.

(2) الكراع - كغراب -: الخيل والبغال والحمير.

 

[315]

وضع الحرب أوزارها.

ورواها أيضا في الاخبار الطوال ص 151، قال: ونادى على رضي الله عنه في أصحابه: لا تتبعوا موليا ولا تجهزوا على جريح، ولا تنتهبوا مالا، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.

قال، فجعلوا يمرون بالذهب والفضة في معسكرهم والمتاع، فلا يعرض لهم أحد إلا ما كان من السلاح الذي قاتلوا به، والدواب التي حاربوا عليها.

فقال له بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين كيف حل لنا قتالهم، ولم يحل لنا سبيهم وأموالهم ؟ فقال علي رضي الله عنه: ليس على الموحدين سبي ولا يغنم من أموالهم إلا ما قاتلوا به وعليه، فدعوا ما لا تعرفون والزموا ما تؤمرون ! ! ! وقريب منه بسند آخر ذكره في الحديث: (334) من ترجمة علي من أنساب الاشراف: ج 1، ص 360، وفي المطبوعة: ج 2 ص 262 ط 1.

وقال في الفصل (9) من كتاب الجهاد، - من منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 2 ص 319 ط 1، نقلا عن الشافعي وعبد الرزاق في كتاب الجامع، وابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى -: وعن علي [عليه السلام انه] قال: لا يدفف على جريح، ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر.

وعن عبد الرزاق في الجامع، عن امرأة من بني أسد، قالت: سمعت عمارا - بعدما فرغ علي من أصحاب الجمل - ينادي: لا تقتلوا مقبلا ولا مدبرا، ولا تدففوا على جريح ولا تدخلوا دارا، ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.

أقول: وهذا المضمون مما قد تواتر عنه عليه السلام وانه قد أمر بالنداء به في يوم الجمل.

 

[316]

 

- 101 -

ومن كلام له عليه السلام حين قيل له: إن هذه الحرب من أعظم الفتن ! ! !

قال أبو مخنف: وقام رجل إلى علي عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه ؟ إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف ! فقال علي عليه السلام: ويحك أتكون [الحرب] فتنة [و] أنا أميرها وقائدها! والذي بعث محمدا بالحق وكرم وجهه ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضل بي، ولا زللت ولا زل بي، وإني لعلى بينة من ربي، بينها الله لرسوله وبينها رسوله لي، وسأدعى يوم القيامة ولا ذنب لي، ولو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم (1).

شرح المختار (13) من خطب النهج لابن أبي الحديد: ج 1، ص 265.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) إشارة إلى قوله تعالى: " إن الحسنات يذهبن السيئات " وهذه قضية فرضية سيقت لبيان عظم خطأهم، وجلالة من قاتلهم، ولبيان ما للقانل من جزيل الاجر، وتكفير الذنب لو كان له ذنب، وهذا حث عجيب وتحريض أكيد على قتالهم، قلما يوجد لفظ يؤدي به هذا المعنى ! ! !

 

[317]

 

- 102 -

ومن كلام له عليه السلام لما وضع رأسه في معركة الحرب على قربوس سرجه يخفق نعاسا !!!

قال المسعودي: وقد كان أصحاب الجمل حملوا على ميمنته وميسرته فكشفوها، فأتاه بعض ولد عقيل ورأسه على قربوس سرجه، فقال له: يا عم قد بلغت ميمنتك وميسرتك حيث ترى وأنت تخفق نعاسا ؟!! فقال له عليه السلام: يا ابن أخي إن لعمك يوما لا يعدوه(1)، والله لا يبالي عمك وقع على الموت أو وقع الموت عليه.

(قال:) ثم بعث إلى ابنه محمد - ابن الحنفية - وكان صاحب رايته - (أن) احمل على القوم: فقال: لا أجد متقدما إلا على سهم أو سنان.

فقال له: [يا بني] احمل بين الاسنة، فإن للموت عليك جنة.

مروج الذهب: ج 2 ص 366 ط بيروت، بتلخيص منا، وهذا المعنى مروي عنه عليه السلام في قضايا عديدة، وبألفاظ مختلفة مسندا ومرسلا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وفي النسخة هكذا: " أسكت يا ابن أخي فإن لعمك يوما لا يعدوه ".

ثم إن ما بين المعقوفات زيادة منا.

 

[318]

 

- 103 -

ومن كلام له عليه السلام لما رد الراية إلى ابنه محمد بن الحنفية وحرضه على الجلاد

ثم استسقى فأتي بعسل وماء فحسا منه حسوة (1) وقال: هذا [هو العسل] الطائفي وهو غريب بهذا البلد.

فقال له عبد الله بن جعفر: أما شغلك ما نحن فيه عن علم هذا ؟ فقال له: إنه والله يا بني ما ملئ صدر عمك شئ قط من أمر الدنيا ! ! ! مروج الذهب: ج 2 ص 368 ط بيروت، وقريب منه أيضا ذكره في كتاب الامامة والسياسة ج 1، ص 76.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) يقال: " حسا المرق - من باب دعا - حسوا وتحساه واحتساه ": شربه شيئا بعد شئ.

 

[319]

 

- 104 -

ومن كلام له عليه السلام قاله لعائشة لما وقف عليها بعد سقوط جملها ووقوع هودجها على الارض

قال المسعودي: ولما سقط الجمل ووقع الهودج، جاء محمد ابن أبي بكر، فأدخل يده فقالت: من أنت ؟ قال: أقرب الناس منك قرابة وأبغضهم إليك ! ! ! أنا محمد أخوك، يقول لك أمير المؤمنين: هل أصابك شئ ؟ قالت: ما أصابني إلا سهم لم يضرني.

فجاء علي حتى وقف عليها فضرب الهودج بقضيب وقال: يا حميراء [أ] رسول الله أمرك بهذا ؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك ؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوك إذ صانوا عقائلهم وأبرزوك (1).

مروج الذهب: ج 2 ص 367 ط بيروت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وقال البلاذري - في الحديث: (308) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الاشراف: ج 1، ص 357 -: وانتهى علي إلى الهودج فضربه برمحه وقال: كيف رأيت صنيع الله بك يا أخت ارم ؟ فقالت: ملكت فاسجع.

أقول: وللبلاذري رواية أخرى مشتملة على زيادة جيدة، تقرءها في كتابنا: " المقالة العلوية الغراء ".

 

[320]

 

- 105 -

ومن كلام له عليه السلام حين قتل طلحة وانقض جمع أهل البصرة

بنا تسنمتم الشرف، وبنا انفجرتم عن السرار (1) وقر سمع لم يفقه الواعية، [و] كيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة (2) ربط جنان لم يفارقه الخفقان (3) ما زلت أتوقع بكم عواقب الغدر، وأتوسمكم بحلية المغترين (4) سترني عنكم جلباب الدين، وبصرنيكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وفي النهج: " بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم العلياء، وبنا انفجرتم (أفجرتم " خ ") عن السرار " الخ و " انفجرتم ": دخلتم في الفجر.

السرار - كحساب وكتاب - آخر ليلة من الشهر يختفي فيها القمر.

(2) الواعية - هنا -: الصراخ.

و " النبأة ": الصوت الخفي.

" والصيحة ": الصوت الشديد.

أي من لم يلتفت إلى الصياح الدائم والصيحة المرتفعة المصمة فكيف يلتفت ويعتني بالصوت الخفي، (3) الجنان - بفتح الجيم - القلب:.

و " الخفقان ": الاضطراب والخوف، ويراد منه هنا خشية الله تعالى.

(4) اي دائما كنت أترقب ابتلاءكم بعواقب غدركم، وأتفرس ما فيكم من الغرور فانتظر لكم ما ينتظر للمغرور.

 

[321]

صدق النية (5) أقمت لكم الحق حيث تعرفون ولا دليل، وتحتفرون ولا تمتهون (6).

اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان (7) غرب فهم امرء تخلف عني، ما شككت في الحق منذ أريته (8) كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا أباهم وباعوا أخاهم، وبعد الاقرار كانت توبتهم، وباستغفار أبيهم وأخيهم غفر لهم.

الفصل (25) من مختار كلامه عليه السلام من كتاب الارشاد، ص 135، ط الغري، وقريب منه جدا في المختار الرابع من خطب نهج البلاغة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) جلباب الدين: هو ما تلبسوا به من رسومه الظاهرة، أي الذي عصمكم مني هو ما أظهرتم من الدين وإن كان صدق نيتي قد بصرني ببواطن نفوسكم.

(6) وفي النهج: " أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة، حيث تلتقون ولا دليل، وتحتفرون ولا تميهون ".

(7) قيل: أراد من العجمأ رموزه وإشاراته، فإنها وإن كانت غامضة على من لا بصيرة له، لكنها جلية ظاهرة لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد.

(8) وبعده في النهج هكذا: " لم يوجس موسى عليه السلام خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال، اليوم تواقفنا على سبيل الحق، من وثق بماء لم يظمأ ".

 

[322]

 

- 106 -

ومن خطبة له عليه السلام خطبها بالبصرة لما افتتحها

المفيد الثاني الشيخ أبو علي ابن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ره) عن موسى بن بكر، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فقال: يا جند المرأة، يا أصحاب البهيمة، رغا فأجبتم، وعقر فانهزمتم (1) الله أمركم بجهادي أم على الله تفترون ؟ ! ! فجعل [عليه السلام] يضرب على الصدر ثم يقول: يا بصرة أي يوم لك لو تعلمين ؟ ! وأي قوم لك لو تعلمين ؟ ! إن لك من الماء يوما عظيما بلاؤه.

وذكر (عليه السلام) كلاما كثيرا.

الحديث السابع من المجلس (40) من أمالي ابن الشيخ ص 78 ط 1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وفي عيون الاخبار: ج 1، ص 217: " يا أتباع البهيمة، ويا جند المرأة، رغا فأجبتم، وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق، وأخلاقكم رقاق، وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبصيرة، والسبيخة والخريبة، أرضكم أبعد الارض من السماء، وأقربها من الماء (ظ) وأسرعها خرابا وغرقا.

 

[323]

 

- 107 -

ومن خطبة له عليه السلام لما فرغ من حرب الناكثين البغاة

قال ابن عبد ربه: قال ابن عباس: لما فرغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من وقعة الجمل، دعا بآجرتين فعلاهما ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أنصار المرأة وأصحاب البهيمة، رغا فأجبتم (1) وعقر فهربتم، نزلتم شر بلاد (2) أقربها من الماء (3) وأبعدها من السماء، بها يغيض كل ماء (4) ولها شر أسماء هي البصرة والبصيرة، والمؤتفكة وتدمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) " رغا البعير - من باب دعا - رغاءا ": صوت وضج. و"رغا الصبي": بكى أشد البكاء.

(2) كذا في العسجدة الثانية من كتاب الخلفاء وتواريخهم، وهو الصواب، وفي كتاب فرش لخطب: " دخلت شر بلاد " الخ. وفي النهج: " بلادكم أنتن بلاد الله تربة، أقربها من الماء، وأبعدها من السماء " الخ. وأيضا في رواية أخرى في النهج: " أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء " الخ.

(3) لانها في جوار البحر، ولهذا ماؤهم مالح كثيرا، قوله: " وأبعدها من السماء " كناية عن شيوع الفساد فيه المانع من رفع العمل وصعوده إلى الملا الاعلى.

(4) وفي كتاب الخلفاء ج 3 ص 103، ط 2: " بها مغيض كل ماء ".

 

[324]

[ثم قال عليه السلام]: أين ابن عباس ؟ [قال:] فدعيت [إليه فجئته] فقال لي: مر هذه المرأة فلترجع إلى بيتها الذي أمرت أن تقر فيه.

العقد الفريد: ج 3 ص 103، ط 2 وفي نسخة ج 4 ص 328 في كتاب الخلفاء وتواريخهم، ورواه أيضا في فرش كتاب الخطب: ج 4 ص 146، ط مصر، ومثله في الباب الثالث والخمسون من جواهر المطالب ص 76.

 

[325]

 

- 108 -

ومن خطبة له عليه السلام في تقريع أهل البصرة، ثم تقريضها

قال ابن قتيبة: حدثني محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن ميمون الحراني، عن عوف ابن أبي جميلة، عن الحسن البصري، قال: لما قدم علي رضي الله عنه البصرة، ارتقى على منبرها (1) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة، يا بقايا ثمود، ويا جند المرأة ويا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) قال كمال الدين البحراني ابن ميثم (ره) في شرح المختار: (13، و 99) من نهج البلاغة: لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من أمر الحرب أمر مناديا ينادي في أهل البصرة ان الصلاة الجامعة لثلاثة أيام من غد إنشاء الله ولا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة فلا تجعلوا على انفسكم سبيلا.

فلما كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج عيه السلام فصلى بالناس الغداة في المسجد الجامع فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلى فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ثم قال: يا اهل البصرة يا اهل المؤتفكة ائتفكت باهلها ثلاثا وعلى الله تمام الرابعة، يا جنصد المرأة وأعوان البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فانهزمتم، أخلاقكم رقاق ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، بلادكم أنتن بلاد الله تربة وأبعدها من السماء، بها تسعة أعشار الشر، المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو الله، كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر.

فقام إليه الاحنف بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟ قال: يا أبا بحر إنك لن تدارك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقرونا ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصهم دورا وآجامها قصورا فالهرب فالهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ.

ثم التفت عليه السلام عن يمينه فقال: كم بينكم وبين " الابلة " ؟ فقال

 

[326]

أتباع البهيمة، رغا فأتبعتم، وعقر فانهزمتم، أما إني لا أقول رغبة فيكم ولا رهبة منكم، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [كذا] يقول: " تفتح أرض يقال لها البصرة، أقوم الارضين قبلة قارئها أقرأ الناس، وعابدها أعبد الناس، وعالمها أعلم الناس، ومتصدقها أعظم الناس صدقة، وتاجرها أعظم الناس تجارة، منها إلى قرية يقال لها [ظ]: " الابلة " أربعة فراسخ، يستشهد عند مسجد جامعها أربعون ألفا الشهيد منهم يومئذ كالشهيد معي يوم بدر ".

الجزء الثاني من عيون الاخبار، في عنوان: " ذكر الامصار " من كتاب الحرب: ج 1، ص 216، وقريبا من صدره مرسلا ذكره في ص 216 منه.

أقول: أغلب فصول هذا الكلام رواه المحقق البحراني الشيخ كمال الدين ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي أربعة فراسخ.

قال: صدقت فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وأكرمه بالنبوة، وخصه بالرسالة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال لي: يا علي هل عملت أن بين التي تسمى البصرة، والتي تسمى " الابلة " أربعة فراسخ، وسيكون التي تسمى الابلة موضع أصحاب العشور، ويقتل في ذلك الموضع سبعون الفا..

 

[327]

ميثم (ره) في شرح المختار: (13) من خطب النهج: ج 1، ص 290 (2) مع زيادات كثيرة بنحو الارسال، ولم أجد هذه الرواية المرسلة في غيره.

وهو (ره) أيضا لم يذكر مصدرا لها، فلا بد من التثبت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(2) من الطبعة المشوشة المحرفة الملحونة المطبوعة في شهر رجب المرجب سنة 1378، بطهران، واأسفا على تلعب الجهال بآثار العلماء، وإيكال المهمات إلى الذين لا يميزون البديهيات الاولية عن غيرها، وإلى الله المشتكى.

 

[328]

 

- 109 -

ومن كلام له عليه السلام لما التمس منه جماعة من جيشه تقسيم ذراري أهل البصرة وأموالهم ونسائهم بين المجاهدين

قال القاضي نعمان: روينا عن علي (صلوات الله عليه) انه لما هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه في عسكرهم مما أجلبوا به عليه فخمسه وقسم أربعة أخماسه على أصحابه ومضى، فلما صار إلى البصرة قال [جمع من] أصحابه: يا أمير المؤمنين اقسم بيننا ذراريهم وأموالهم ! ! ! قال: ليس لكم ذلك.

قالوا: وكيف أحللت لنا دماءهم ولا تحل لنا سبي ذراريهم ؟.

قال (عليه السلام): حاربنا الرجال فحاربناهم، وأما النساء والذراري فلا سبيل لنا عليهم، لانهن مسلمات وفي دار هجرة فليس لكم عليهن سبيل، فأما ما أجلبوا عليكم به واستعانوا به على حربكم وضمه عسكرهم وحواه فهو لكم، وما كان في دورهم فهو ميرات على فرائض الله تعالى لذراريهم، وعلى نسائهم العدة، وليس لكم عليهن ولا على الذراري من سبيل.

 

[329]

فراجعوه في ذلك فلما أكثروا عليه قال: هاتوا سهامكم واضربوا على عائشة أيكم يأخذها فهي رأس الامر ؟ ! قالوا: نستغفر الله.

قال: وأنا أستغفر الله (1).

الحديث الاول من باب " الحكم في غنائم أهل البغي " من كتاب الجهاد، من دعائم الاسلام: ج 1، ص 395، وللكلام شواهد كثيرة يتلى عليك بعضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وفي أخبار أبي البختري - في أواخر الجزء الاول من قرب الاسناد، ص 62 ط إيران - أيضا ما يدل على هذا.

 

[330]

 

- 110 -

ومن كلام له عليه السلام في بيان أفضل الخلق والبرية وأكرمهم عند الله تعالى

فرات بن إبراهيم (ره) عن عبيد بن كثير، معنعنا عن أصبغ بن نباتة (1) قال: لما هزمنا أهل البصرة جاء (أمير المؤمنين) علي بن أبي طالب عليه السلام، حتى استند إلى حائط من حيطان البصرة، فاجتمعنا حوله وهو راكب والناس نزول (فجعل يذكر رجالا من أصحابه) فيدعو الرجل باسمه فيأتيه، ثم يدعو الرجل باسمه، فيأتيه، حتى وافاه منا ستون شيخا كلهم قد صغروا اللحى وعقصوها (2) وأكثرهم من همدان، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام طريقا من طرق البصرة ونحن معه وعلينا الدرع والمغافر، متقلدي السيوف، متنكبي الاترسة، حتى انتهى إلى دار قوراء (3) فدخلنا فإذا فيها نسوة يبكين، فلما رأينه صحن صيحة واحدة وقلن: هذا قاتل الاحبة ! ! فأمسك عنهن، ثم قال: أين منزل عائشة.

فأومأن إلى حجرة في الدار، فدخل (عليه السلام) عليها، فلم أسمع من قول علي شيئا، إلا أن عائشة كانت أمرأة عالية الصوت، فسمعناها (تقول) كهيئة المعاذير: إني لم أفعل.

ثم خرج علينا أمير المؤمنين، فحملناه على دابته، فعارضته امرأة من قبل الدار، فقال (عليه السلام): أين صفية ؟ فقالت: لبيك يا أمير المؤمنين.

قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) وذيل القصة رواه الكليني (ره) في الحديث: (34) من باب مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب الحجة من أصول الكافي: ج 1، ص 450 معنعنا عن أصبخ بن نباتة الحنظلي (ره).

(2) " وافاه ": أتاه.

" وعقصوها ": ضفروها وليوها على الرأس.

(3) الاترسة: جمع الترس: صفحة من فولاذ يتوقى بها من سيف المهاجم وصدمته.

" ودار قوراء ": واسعة.

 

[331]

ألا تكفين عني هؤلاء التي يزعمن أني قاتل الاحبة ؟ لو قتلت الاحبة لقتلت من في الدار.

- وأومى بيده إلى ثلاث حجر في الدار - (قال أصبغ) فضربنا بأيدينا على قوائم السيوف، وضربنا بأبصارنا إلى الحجر التي أومى إليها، فوالله ما بقيت في الدار باكية إلا سكتت ولا قائمة إلا جلست.

(قال الراوي: قلت: للاصبغ): يا أبا القاسم فمن كان في تلك الثلاث حجر.

قال: أما واحدة (منها) فكان فيها مروان بن الحكم جريحا ومعه شباب قريش جرحى،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) كذا في هذه الرواية، والاقرب بحسب القرائن ما رواه الطبري - وجماعة - في آخر وقعة الجمل من تاريخه: ج 3 ص 534 - عن السري، عن سيف، عن محمد وطلحة، قال: دخل علي البصرة يوم الاثنين، فانتهى إلى المسجد فصلى فيه، ثم دخل البصرة فأتاه الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته، فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف - وهي أعظم دار بالبصرة - وجد النساء تبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف مع عائشة (كذا) وصفية ابنة الحارث مختمرة تبكي، فلما رأته قالت: يا علي قاتل الاحبة، يا مفرق الجمع، أيتم الله بنيك منك، كما أيتمت ولد عبد الله جبهتنا صفية أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم.

فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام، فكف بغلته وقال: " أما لهممت أن أفتح هذا الباب - وأشار إلى الابواب من الدار - وأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه، ثم هذا فأقتل من فيه " - وكان أناس من الجرحى قد لجأوا إلى عائشة فأخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم - فسكتت (صفية) فخرج علي، فقال رجل من الازد: والله لا تفلتنا هذه المرأة.

فغضب علي وقال: " صه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ولا تهيجن امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضرب فيعير بها (و) عقبه من بعده... ورواية الطبري هذه وإن كانت ضعيفة السند جدا، ومتنها أيضا قد خلط غثه بثمنيه، إلا أن القطعة التي ذكرنا منها - مقرونة بالصواب عدا قوله: " فأخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم ".

فإنه عليه السلام لم يكن غافلا عنهم وعن مكانهم عند عائشة، بل آمنهم في قوله مرارا قبل الحرب وبعدها: " لا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا موليا، ولا تطلبوا مدبرا، وم ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن " - وإنما قلنا باعتبار هذه القطعة لكونها مروية عن غيره أيضا ويساعدها الاعتبار.

 

[332]

وأما الثانية فكان فيها عبد الله بن الزبير، ومعه آل الزبير جرحى، وأما الثالثة فكان فيها رئيس أهل البصرة يدور مع عائشة أينما دار.

قلت: يا أبا القاسم هؤلاء أصحاب القرحة، فهلا ملتم عليهم بهذه السيوف.

قال: يا ابن أخي أمير المؤمنين كان أعلم منك، وسعهم أمانه، إنا لما هزمنا القوم نادى مناديه: لا يدفف على جريح (5) ولا يتبع مدبر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، سنة يستن بها بعد يومكم هذا.

[قال أصبغ:] ثم مضى (أمير المؤمنين عليه السلام) ومضينا معه حتى انتهينا إلى المعسكر، فقام إليه ناس من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم أبو أيوب الانصاري، وقيس بن سعد، وعمار بن ياسر، وزيد ابن حارثة، وأبو ليلى، فقال (أمير المؤمنين عليه السلام): إلا أخبركم بسبعة [هم] من أفضل الخلق يوم يجمعهم الله تعالى.

(فقام) أبو أيوب (و) قال: بلى والله، فأخبرنا يا أمير المؤمنين فإنك كنت تشهد ونغيب.

قال (عليه السلام): فإن أفضل الخلق يوم يجمعهم الله تعالى سبعة من بني عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد [5] إلا جاحد (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) لا يدفف على جريح - من باب التفعيل -: لا يجهز عليه أي لا يقتل المجروج.

(6) ثم إن تفضيل هؤلاء السبعة قد ورد بطرق كثيرة وألفاظ مختلفة وأسانيد متعددة أطولها متنا ما رواه ابن المغازلي - وغيره - في الحديث (385) من مناقبه ص 195 - من النسخة المنقوص

 

[333]

قال عمار بن ياسر: سمهم (لنا) يا أمير المؤمنين فلنعرفنهم (كذا).

قال (عليه السلام): إن أفضل الناس يوم يجمع الله الخلق الرسل، وإن من أفضل الرسل محمدا عليهم الصلاة والسلام، ثم إن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي، وإن أفضل الاوصياء وصي محمد عليهما الصلاة، ثم إن أفضل الناس بعد الاوصياء الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة وجعفر بن أبي طالب ذا جناحين يطير بهما مع الملائكة، لم يحل بحليته أحد من الآدميين في الجنة، شئ شرفه الله به، والسبطان الحسنان سيدا شباب أهل الجنة، والمهدي يجعله الله من أحب منا أهل البيت.

ثم قال (عليه السلام): أبشروا [أبشروا، أبشروا] إن (7) " من يطع الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الاول - وما رواه ابن عساكر في ترجمة الامام الحسن والحسين عليهما السلام من تاريخ دمشق: ج 12، ص 33 / أو 120 وج 13 - ونقله عنه في كفاية الطالب ص 419 - وأرسطها ما رواه في الحديث (153) من ترجمة الامام الحسن عليه السلام من المعجم الكبير: ج 1 الورق 50 وكذلك في كتاب ذخائر العقبى ص 130، ورواه أيضا في ثمرات الاسفار: ج 2 ص 32 عن أمالي أبي سعد الماليني وأخصرها ما رواه في عنوان: " أخبار الطالبيين " تحت الرقم (7) من كتاب اليتيمة الثانية من العقد الفريد: ج 3 ص 276 ط 2.

(7) وفي النسخة هكذا: ثم قال " أبشروا - ثلاثا - " الخ.

 

[334]

والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (8).

الحديث: (84) من تفسير فرات بن إبراهيم، ص 29 ط النجف.

ونقله عن تفسير فرات بن إبراهيم، في الحديث (12) من باب أحوال عائشة بعد حرب الجمل، من بحار الانوار: ج 8 ص 551 ط الكمباني، ورواه أيضا ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث: (34) من باب مولد النبي من أصول الكافي: ج 1، ص 450، غير أنه لم يذكر الصدر.

ورواه قريبا مما مر جدا، في آخر باب: " قتال أهل البغي " من كتاب الجهاد، من دعائم الاسلام: ج 1، ص 394، إلا انه لم يذكر الذيل، بل قال: وذكر [الراوي] باقي الحديث بطوله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(8) الآية: (71 - 72) من سورة النسا: 4.

 

[335]

 

- 111 -

ومن كلام له عليه السلام في بيان أخص صفات مروان، وما تقاسي الامة الاسلامية من أبنائه!!!

قال: قطب الدين الراوندي (ره) روي عن أبي الصيرفي، عن رجل من مراد، قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة، إذ أتاه ابن العباس بعد القتال، فقال: إن لي (اليك) حاجة.

فقال (عليه السلام): ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها (جئت) تطلب الامان لابن الحكم ؟ قال: نعم أريد أن تؤمنه (1) قال: امنته ولكن اذهب إليه وجئني به، ولا تجئني به إلا رديفا، فإنه أذل له.

(فأتاه ابن عباس وأخذه معه) فجاء به ردفا خلفه كأنه قرد، فقال له أمير المؤمنين: أتبايع ؟ قال: نعم وفي النفس ما فيها ! ! ! قال: الله أعلم بما في القلوب، فلما بسط (مروان) يده ليبايعه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) المذكور في ترجمة مروان من كتاب طبقات ابن سعد: ج 5 ص 23، وكذلك في تذكرة الخواص، ص 85، وكذلك في المختار: (71) من خطب النهج أن مروان استشفع بالسيدين: الحسن والحسين عليهما السلام، ولا مانع في الجمع بينهما بأن توسل بهم جميعا، كما يدل عليه ما ذكره تحت الرقم: (334) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الاشراف: ج 1، ص 361 قال: حدثني محمد بن سعد، عن أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد: عن أبيه عن جده علي بن الحسين: ان مروان بن الحكم حدثه - وهو أمير على المدينة - قال: لما تواقفنا يوم الجمل لم يلبث أهل البصرة أن انهزموا فقام صائح علي فقال: " لا يقتل مدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن طرح السلاح فهو آمن ".

قال: فدخلت دارا ثم أرسلت إلى حسن وحسين وابن جعفر وابن عباس، فكلموه فقال: هو آمن فليتوجه حيث ما شاء.

فقلت: لا تطيب نفسي حتى أبايعه، قال: فبايعته ثم قال: اذهب حيث شئت.

ورواه أيضا البيهقي في سننه: ج 8 ص 181 بسنده عن علي بن الحسين قال: دخلت على مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو ألا ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يدفف على جريح.

 

[336]

أخذ (عليه البلام) كفه عن كف مروان فترها (2) وقال: لا حاجة لي فيها، إنها كف يهودية (3) لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث بأسته (4) ثم قال (عليه السلام): هيه يا ابن الحكم، خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة (5) كلا والله حتى يخرج من صلبك فلان وفلان يسومون هذه الامة خسفا ويسقونها كأسا مصبرة (6).

هكذا رواه في الحديث التاسع من باب احتجاجه عليه السلام على اهل البصرة، من بحار الانوار: ج 8 ص 442 ط الكمباني نقلا.

عن قطب الدين الراوندي وأشار إليه أيضا البلاذري في ختام حرب الجمل في الحديث: (336) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الاشراف ج 1 ص 361.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(2) يقال: " تر زيد يده - من باب مد وفر - ترا وأترها إترارا: قطعها وبعدها.

وفي بعض النسخ: " فنثرها " أي نفضها وحركها.

(3) كناية عن الغدر والمكر، وعدم الوفاء بالعهد، والاستقرار على الامان، وهذه من أخص صفات اليهود.

(4) الاست - بتثليت أوله -: السوءة، وفي هذا التعبير دلالة عجيبة على انتهاء مروان وبلوغه أقصى حد الخباثة واللؤم، وأيضا في التعبير بيان وكشف لهوانه وخفته بما لا مزيد عليه.

(5) " هيه " بكسر أوله وآخره -: كلمة تقال لما يراد طرده وزجره، والمعروف بين اللغويين أنها تقال مكررا، و " المعمعة " - كمرحلة، وملحمة -: صوت الابطال في الحرب.

(6) وفي النهج: " أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الاربعة، وستلقى الامة منه ومن ولده يوما أحمرا " وصدره رواه في مادة " أمر " من كتاب النهاية، وفي مادة: " مرء " من مجمع البحرين.

و " كأسا مصبرة " أي مملوءة إلى إصباره أي إلى رأسه، وهذا كناية عن تنكيلهم بالناس إلى غير النهاية.

 

[337]

 

- 112 -

ومن كلام له عليه السلام قاله لجمع من المنهزمين في يوم الجمل بالبصرة وفيهم مروان بن الحكم

قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (ره): وروى أبو مخنف، عن العدي، عن أبي هشام، عن البريد (1) عن عبد الله بن مخارق، عن هاشم بن مساحق القرشي، قال: حدثنا أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل، اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم، فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمنا هذا الرجل - يعنون أمير المؤمنين عليه السلام - ونكثنا بيعته من غير حدث (منه) والله لقد ظهر علينا فما رأينا أكرم سيرة منه، ولا أحسن عفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعالوا حتى ندخل عليه ونعتذر إليه فيما صنعناه، قال: فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا، فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم.

فقال (عليه السلام): أنصتوا أكفكم إنما أنا بشر مثلكم.

فإن قلت حقا فصدقوني، وإن قلت باطلا فردوا علي (ثم قال عليه السلام): أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (2) قبض وأنا أولى الناس به وبالناس من بعده ؟ قلنا: اللهم نعم.

قال: فعدلتم عني وبايعتم أبا بكر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) كذا في النسخة، ولعل الصواب: " عن علي بن هاشم بن البريد ".

(2) بين المعقوفين كان في النسخة هكذا: " ص ".

 

[338]

فأمسكت ولم أحب أن أشق عصا المسلمين (1) وأفرق بين جماعاتهم، ثم أن أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت ولم أهج الناس وقد علمت أني كنت أولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه، فصبرت حتى قتل، وجعلني سادس ستة فكففت ولم أحب أن أفرق بين المسلمين، ثم بايعتم عثمان فطعنتم عليه (2) وقتلتموه وأنا جالس في بيتي، فأتيتموني وبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر [ثم] وفيتم لهما ولم تفوا لي ! ! ! وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتي ؟ ! ! فقلنا: يا أمير المؤمنين كن كالعبد الصالح يوسف إذ قال: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين [92 - يوسف].

فقال عليه السلام: لا تثريب عليكم اليوم، وإن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث بإسته.

يعني مروان بن الحكم كتاب الجمل ص 222 ط النجف.

ورواه أيضا الشيخ الطوسي (ره) - في الحديث (15) من الجزء (18) من أماليه ص 323 ط طهران - عن جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي الاشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب الاسدي قال: حدثنا علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه، عن عبد الله ابن مخارق...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) أي جماعتهم ومنظمتهم، وهذه من الكنايات الشائعة.

(2) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: " فطغيتم عليه ".

 

[339]

 

- 113 -

ومن كلام له عليه السلام في إظهار التبرم عما صنعته الامة، وانهم لو عملوا بما أوجب الله عليهم واختاروا من اختاره الله لسادوا على العالمين

ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني أعلى الله مقامه.

عن أبي علي الاشعري والحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن غير واحد من أصحابنا، قال: أتى أمير المؤمنين عليه السلام رجل البصرة بصحيفة فقال: يا أمير المؤمنين أنظر إلى هذه الصحيفة فإن فيها نصيحة.

فنظر [أمير المؤمنين عليه السلام] فيها، ثم نظر إلى وجه الرجل فقال: إن كنت صادقا كافيناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك ؟ ! فقال: بل تقيلني يا أمير المؤمنين.

فلما أدبر الرجل (1) قال: أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها أما إنكم لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله ما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله (2) ولا اختلف اثنان في حكم الله ولا تنازعت الامة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(2) فيه حذف وإيصال، أي فأقاله فأدبر الرجل، فلما أدبر قال عليه السلام " أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها "... (2) عال مأخوذ من " العيل " يقال: عال يعيل عيلا وعيلة وعيولا " - كباع يبيع بيعا وبيعة وبيوعا -: افتقر، فهو عائل، وهي عائلة، والاسم العيلة - كليلة -.

ويقال: " طاش السهم - من باب باع - عن الغرض طيشا ": جاز ولم يصبه، فهو طائش.

قال اليعقوبي في أواخر سيرة عثمان من تاريخه: ج 2 ص 161: وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد

 

[340]

في شئ من أمر الله، إلا (3) علم ذلك عندنا من كتاب الله، فذوقوا وبال ما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

الحديث الاول من الباب السادس من كتاب المواريث من الكافي: ج 7، ص 88، وقريب منه جدا بسند آخر، في الحديث الثاني من الباب، إلا انه لا تعرض فيه لزمان صدور الكلام ومكانه.

ومن قوله: " أيتها الامة المتحيرة " - إلى آخره - مروي عن غير واحد من أوليائه عليه السلام كسلمان وأبي ذر، كما في آخر الباب الاول من كتاب المسترشد، ص 37 وغيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ويجتمع إليه الناس، فيحث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال: " أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي.

إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، محمد ابن الصفوة من نوح فالاول من إبراهيم (كذا) والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد، إنه شرف شريفهم واستحقوا الفضل [كذا] هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستوره، أو كالقبلة المنصوبة أو كالشمس الضاحية أو كالقمر الساري أو كالنجوم الهادية أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها، وبورك زندها، محمد وارث علم آدم وما فضلت به النبيون، وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه.

أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لاكلتم من فوق رؤسكم ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".

(3) كذا في النسخة، ولعل الصواب: " ألا وإن علم ذلك عندنا ".

 

[341]

 

- 114 -

ومن كلام له عليه السلام وقد دخل على الربيع بن زياد الحارثي عائدا له (1) والكلام يجب أن يكتب بماء الحياة!!!

ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله، عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد.

(وعن) عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وغيرهما، بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام، على عاصم بن زياد، حين لبس العباء، وترك الملاء (2) وشكاه أخوه الربيع بن زياد، إلى أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: علي بعاصم بن زياد.

فجيء به، فلما رآه (عليه السلام) عبس في وجهه فقال له:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) قال السيد الرضي (ره): في المختار: (206) من خطب النهج: " ومن كلام له عليه السلام، بالبصرة، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي - وهو من أصحابه - يعوده، فلما رأى سعة داره قال (له): ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج، ! وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت (قد) بلغت بها الآخرة.

قال ابن أبي الحديد في شرح الكلام: ج 11، ص 35: واعلم أن الذي رويته عن الشيوخ، ورأيته بخط عبد اله بن أحمد بن الخشاب، أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام، فأتاه علي عليه السلام عائدا فقال: كيف تجدك أبا عبد الرحمان ؟ قال أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي بذهاب بصري لتمنيت ذهابه.. (2) الملاء والملاة والملاءة - كغراب وقفلة وغرابة -: كل ثوب لين رقيق.

 

[342]

أما استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها؟!(3) أو ليس الله يقول: " والارض وضعها للانام فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام (4) أو ليس الله يقول: " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان - إلى قوله - يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " ؟ فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال الله عزوجل: " وأما بنعمة ربك فحدث " [81 / الضحى: 93] فقال عاصم: يا أمير المؤمنين فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة ؟ (5) وفي ملبسك على الخشونة ؟ فقال (عليه السلام): ويحك إن الله عزوجل فرض على أئمة العدل أن يقدروا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) وما أحلى أن نذكر هنا ما رواه في الحديث: (1314) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ونسبه إليه عليه السلام قال:: أجد الثياب إذا اكتسبت فإنها * زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التواضع في الثياب تخوفا * فالله يعلم ما تجن وتكتم فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة * عند الاله وأنت عبد مجرم وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن * تخشى الاله وتتقي ما يحرم (4) الآية العاشرة - إلى الآية 23 - من سورة الرحمان.

ثم إن كلمة: " إلى قوله " تحتمل أن تكون من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وتحتمل أن تكون من كلام الراوي طوى ذكر الآيات المتوسطات للاختصار.

(5) الجشوبة - بضم الجيم - الطعام الغليظ.

وقيل: الطعام بلا أدم.

 

[343]

أنفسهم بضعفة الناس (5) كيلا يتبيغ [كيلا يبيغ " خ "] بالفقير فقره (6).

فألقى عاصم بن زياد العباء ولبس الملاء.

الحديث الثالث من باب سيرة الامام في نفسه إذا ولي الامر - وهو الباب: (25) من كتاب الحجة - من أصول الكافي: ج 1 ص 401، ورواه أيضا الشيخ المفيد (ره) في كتاب الاختصاص ص 152، ط 2 عن كتاب ابن داب، كما رواه ابن عبد ربه تحت الرقم: (59) في عنوان: " باب الغلو في الدين " من كتاب الياقوتة في العلم والادب، من العقد الفريد: ج 1، ص 329 ط 2، ورواه باختصار عن الاحنف بن قيس في أوائل الباب الخامس من تذكرة الخواص، ص 118، ط النجف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) وفي الحديث الاول من الباب (25) من كتاب الحجة من أصول الكافي: ج 1، ص 410 معنعنا عن حميد، وجابر العبدي قال: قال أمير لمؤمنين عليه السلام: " إن الله جعلني إماما لخلقه، ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس، كي يقتدي الفقير بفقري، ولا يطغى الغني غناه ".

وقال في أواسط فصل " بيان الزهد، وصفة الزهد، من كتاب قوة القلوب: ج 1 ص 531: وقال علي كرم الله وجهه: إن الله تعالى أخذ على أئمة الهدى أن يكونوا في مثل أدنى أحوال الناس ليقتدى بهم الغني، ولا يزري بالفقير فقره.

(6) يقال: " باغ به الدم - من باب باع - بيغا وتبيغ ": هاج. و " تبوغ به الدم تبوغا ": هاج.

و " باغه من باب قال - بوغا ": غلبه.

 

[344]

 

- 115 -

ومن كلام له عليه السلام كلم به الحسن البصري وأهل البصرة

قال في الباب: (14) من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي السيد أبي طالب ص 118 -: أخبرنا القاضي الامام أحمد ابن أبي الحسن الكني (1) قال: أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسين زيد بن الحسن بن علي البيهقي بقراءتي عليه، قدم علينا الري، والشيخ مجد الدين عبد المجيد بن عبد الغفار ابن ابي سعيد [كذا] الاسترابادي الزيدي قال: أخبرنا السيد أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر الحسني النقيب بأستراباذ، في شهر رجب سنة ثمان عشرة وخمس مأة، قال: أخبرنا والدي السيد أبو جعفر محمد بن جعفر بن علي، خليفة الحسني، والسيد علي ابن أبي طالب [بن] أحمد بن القاسم الحسني الآملي الملقب بالمستعين بالله، قالا: حدثنا السيد الامام أبو طالب يحي بن الحسين الحسني قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني قال: حدثنا الحسن بن فرج بن زهير البغدادي قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو بكر الرسغي (2) قال: حدثنا علي بن هاشم الرقي عن يحيى بن همام الحلواني: عن مبشر بن إسماعيل عن الحسن قال: كنت جالسا بالبصرة - وأنا حينئذ غلام - أتطهر للصلاة، إذا مر بي رجل راكب بغلة شهباء متلثم بعمامة سوادء فقال لي: يا حسن أحسن وضوءك يحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، يا حسن أما عملت أن الصلاة مكيال وميزان ؟ قال: فرفعت رأسي فتأملت فإذا هو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) ومثله في أول الكتاب، ولكن في أول الباب الرابع منه: " أبي يحيى الكني ".

(2) ويحتمل رسم الخط أن يقرء أيضا: " الرسفي " بالفاء.

 

[345]

علي بن أبي طالب عليه السلام فأسرعت في طهوري وجعلت أقفو أثره إذ حانت منه التفات (3) فقال لي: يا غلام ألك حاجة ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين تفيدني كلاما ينفعني الله به في الدنيا والآخرة.

(ف) قال: يا غلام إنه من صدق الله نجا، ومن أشفق من ذنبه أمن [من] الردى، ومن زهد في هذه الدنيا قرت عيناه بما يرى من ثواب الله غدا.

ثم قال: يا غلام ألا أزيدك ؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين.

قال: إن سرك أن تلقى الله وهو عنك راض فكن في هذه الدنيا زاهدا، وفي الآخرة راغبا، وعليك بالصدق في جميع أمورك تنجو مع الناجين غدا يا غلام إن تزرع هذا الكلام نصب عينك ينفعك الله به.

[قال:] ثم أطلق عنان البغلة عن يده وفرص بطنها بعقبه (4) فجعلت اقفو أثره إذ دخل سوقا من أسواق البصرة، فسمعته عليه السلام يقول: يا أهل البصرة، يا أهل البصرة، يا أهل المؤتفكة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) أقفو: أنبع.وحانت: وقعت وتحققت.وفي الاصل: إذ كانت منه " وكتب فوق كلمة " كانت " لفظة " حانت ".وفي أمالي الشيخ المفيد (ره): " إذ حانت منه التفاتة ".

(4) أي ضربه بعقبه.

 

[346]

يا أهل تدمر - أربعا (5) - إذا كنتم بالنهار الدنيا تخدمون (6) وبالليل على فراشكم تقلبون، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى تز [و] دون الزاد، ومتى تفكرون في المعاد ؟ فقام إليه رجل من السوقة (7) فقال: يا أمير المؤمنين إنه [لا] بد من طلب المعاش.

فقال [أمير المؤمنين عليه السلام] (8): أيها الرجل أن طلب المعاش لا يصدفك (9) عن طلب الآخرة، الا قلت: [لابد] من طلب الاحتكار فأعذرك إن كنت معذورا.

فتولى الرجل وهو يبكي [قال الحسن] فسمعته عليه السلام يقول: أقبل علي يا ذا الرجل أزدك تبيانا [فأقبل الرجل فقال له،] إنه لابد لكل عامل من أن يوفي في القيامة أجر عمله، وعامل الدنيا أنما أجره النار.

ثم خرج من السوق والناس في رنة من البكاء، إذ مر بواعظ يعظ الناس، فلما بصر بأمير المؤمنين عليه السلام سكت ولم يتكلم بشئ، فقال عليه السلام:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) أي قال هذا القول أربع مرات.

(6) وفي أمالي الشيخ المفيد: " يا عبيد الدنيا وعمال أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون، وبالليل تنامون، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون، فمتى تحرزون الزاد، وتفكرون في المعاد، (7) أي من الرعية، وفي أمالي الشيخ المفيد: " من السوق ".

(8) وفي أمالي الشيخ المفيد: " فقال رجل: يا أمير المؤمنين انه لابد لنا المعاش فكيف نصنع ؟ فقال أمير المؤمنين: إن طلب المعاش من حله لا يشغل عن الآخرة، فإن قلت: لابد لنا من الاحتكار لم تكن معذورا ".. (9) ويمكن أن يقرأ: " لا يصدفنك " ورسم الخط غير جلي.

 

[347]

فكم وإلى كم توعظون فلا تتعظون ؟ قد وعظكم وزجركم الزاجرون، وحذركم المحذرون، وبلغكم المبلغون، ودلت الرسل على سبيل النجاة، وقامت الحجة، وظهرت المحجة، وقرب الامر والامد، والجزا [ء] غدا (10) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

أيها الناس إنه لم يكن لله تبارك وتعالى في أرضه حجة ولا حكمة أبلغ من كتابه، ولا مدح الله أحدا منكم إلا من اعتصم بحبله، وإنما هلك من هلك عنده من عصاه وخالفه واتبع هواه.

واعلموا أن جهاد النفس (11) هو الجهاد الاكبر، والله ما هو شئ قلته من تلقاء نفسي ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد جاهد نفسه فردها عن معصية الله إلا باهى الله به كرام الملائكة، ومن [ظ] باهى الله به كرام الملائكة فلن تمسه النار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(10) كلمة: " الجزاء " غير واضحة بحسب رسم الخط.

(11) هذا هو الصواب الذي يدل عليه الذيل، وفي الاصل: " جهاد الناس ".

 

[348]

ثم قال [عليه السلام]: فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم.

وقريبا منه رواه الشيخ المفيد (ره) في الحديث الثالث من الجزء (41) من أماليه ص 77.