[349]

 

- 116 -

ومن خطبة له عليه السلام في التحذير عن الدنيا، والاغترار بها

ثقة الاسلام الكليني رفع الله مقامه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان أبي جعفر الاحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام لما انقضت القصة فيما بينه وبين طلحة وعائشة بالبصرة، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله عليه السلام ثم قال: يا أيها الناس إن الدنيا حلوه خضرة (1) تفتن الناس بالشهوات، وتزين لهم بعاجلها وأيم الله إنها لتغر من أملها، وتخلف من رجاها، وستورث أقواما الندامة والحسرة بإقبالهم عليها، وتنافسهم فيها وحسدهم وبغيهم على أهل الدين والفضل فيها ظلما وعدوانا وبغيا وأشرا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) اي ناعمة ذات نضارة جالبة لانظار الناس إليها كالاغصان الريانة من الاشجار.

والجملتان التاليتان كالتفسير لها.

يقال: " فتنه يفتنه - من باب ضرب - فتنا وفتونا - كفلسا وفلوسا - وفتنه وأفتنه ": أعجبه.

استماله.

ولهه.

أوقعه في الفتنة.

ويقال: " زان الشئ زينا - من باب باع - كزينه تزيينا وأزانه إزانة وأزينه إزيانا ": حسنه وزخرفه.

(2) يقال: " غره يغره - من باب مد - غرا وغرورا وغرة - كثرا وشرورا وشدة ": خدعه وأطمعه في الباطل.

ويقال: " غرر تغريرا وتغرة " بالشئ: عرضه للهلاك.

ويقال: " أخلفه ": وجد موعده خلفا.

و " أخلف وعده وبوعده ": لم يف بوعده ولم يتممه.

 

[350]

وبطرا (3) وبالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا، ولا دائم تقوى في طاعة الله والشكر لنعمه فإزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير من أنفسهم وتحويل عن طاعة الله والحادث من ذنوبهم وقلة محافظة وترك مراقبة الله عزوجل، وتهاون بشكر نعمة الله، لان الله عزوجل يقول في محكم كتابه: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " [11 - الرعد: 13].

ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله وحلول نقمته وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم فأقلعوا وتابوا وفزعوا إلى الله بصدق من نياتهم وإقرار منهم بذنوبهم وإساءتهم، لصفح لهم عن كل ذنب، وإذا لاقالهم كل عثرة، ولرد عليهم كل كرامة نعمة، ثم أعاد لهم * (هامس) * (3) التنافس: شدة الرغبة في الشئ والمبالغة فيه.

 

[351]

من صلاح أمرهم - ومما كان أنعم به عليهم - كل ما زال عنهم وأفسد عليهم.

فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته، واستشعروا خوف الله جل ذكره وأخلصوا اليقين [النفس " خ "] وتوبوا إليه من قبيح ما استفزكم الشيطان (5) - من قتال ولي الامر وأهل العلم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله - وما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة وتشتت الامر وفساد صلاح ذات البين، إن الله عزوجل يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون.

الحديث (368) من روضة الكافي ص 256 ط طهران ورواه عنه المجلسي الوجيه (ره) في البحار: ج 8 ص 443 س 2 ط الكمباني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) يقال: " استفزه الخوف ": استخفه واستدعاه.و " فزه - من باب مد - وأفزه - واستفزه ": أفزعه وأزعجه عن مكانه.

 

[352]

 

- 117 -

ومن كلام له عليه السلام في نعت الدنيا ومدحها

قال جابر بن عبد الله الانصاري (ره): كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، فلما فرغ من قتال من قاتله أشرف علينا من آخر الليل، فقال: ما أنتم فيه ؟ (1) فقلنا: في ذم الدنيا ! فقال: على م تذم الدنيا يا جابر ؟ (2) ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا [وقد] انتحلوا الزهد فيها ؟ ! (3) االدنيا منزل صدق لمن صدقها، ومسكن عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته ومسكن أحبائه ومتجر أوليائه، إكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة.

فمن ذا يذم الدنيا - يا جابر - وقد آذنت ببينها ؟ !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) أشرف على الشئ: أطلع عليه من فوق، كمن ينظر من سطح جبل أو جدار إلى من تحته، وقد يطلق على الدنو بالشئ.

وقوله عليه السلام: " ما أنتم فيه " أي ما الذي أنتم فيه، وأي شئ ما تتكلمون فيه.

(2) " على م " أصله: على ما، فحذف الالف تخفيفا.

(3) يقال: " تنحله وانتحل الشئ ": إدعاه لنفسه وليس له.

وجملة: " أنتحلوا " صفة لقوله: " أقوام " ويجوز كونها حالا عنه، وبين المعقوفين زيادة منا.

 

[353]

ونادت بانقطاعها، ونعت (4) نفسها بالزوال، ومثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى السرور، وراحت بفجيعة وابتكرت بنعمة وعافية ترهيبا وترغيبا (5) فذمها قوم غداة الندامة (6) [وحمدها آخرون] خدمتهم جميعا فصدقتهم (7) وذكرتهم فأذكروا [ظ] ووعظتهم فاتعظوا (8) وخوفتهم فخافوا وشوقتهم فاشتاقوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(4) آذنت: أعمللت وأخبرت، كما في قوله تعالى - في الآية الثانية من سورة البراءة -: " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين " الخ.

والبين: والفراق وقطع الوصل.

و " نعت ": أخبرت نفسها بالزوال والفقد والعدم (5) وفي نهج البلاغة: " راحت بعافية وابتكرت بفجيعة " الخ.

وفي تاريخ اليعقوبي: " راحت بفجيعة، وأبكرت بعافية ترغيبا وترهيبا وتحذيرا وتخويفا ".

وفي مروج الذهب: " وراحت بفجيعة، وابتكرت بعافية تحذيرا وترغيبا وتخويفا، فذمها رجال غب [غداة " خ "] الندامة، وحمدها آخرون غب المكافات، ذكرتهم فذكروا تصاريفها، وصدقتهم فصدقوا حديثها ".

وراحت بفجيعة: ذهبت في الرواح والعشي بفجيعتها.

ويقال: " بكر بكورا - من باب نصر - وأبكر وبكر وتبكر وابتكر " الشئ: أتاه بكرة اي صباحا.

أي إنها تمسي وتصبح بحالات مختلفة ترهيبا وترغيبا.

(6) هذا هو الظاهر الموافق لما رواه الحسين بن سعيد الاهوازي واليعقوبي، والسيد الرضي، وابن العساكر، وغيرهم، وفي نسختي من تحف العقول: " يذمها قوم عند الندامة " وسقط أيضا من النسخة ما جعلناه بين المعقوفين، وهو لابد منه، بقرينة قوله: " وذكرتهم فاذكروا " الخ.

(7) أي خدمت الدنيا جميع ذاميها ومادحيها بالصدق وبما هي عليها، إلا انه لم يصدقها ولم يعتبر بها إلا المادحون، وأما الذامون فكذبوها.

وهاتان الجملتان لم أجدها في غير تحف العقول.

(8) وفي القسم الثالث من المجلد الخامس عشر من البحار، ص 98 نقلا عن كتاب حسين بن سعيد: " ذكرتهم فتذكروا، وحدثتهم فصدقوا "...

 

[354]

فأيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت إليك (9) بل متى غرتك بنفسها، (أ) بمصارع آبائك من البلى ؟ ! أم بمضاجع أمهاتك من الثرى ؟ (10)، كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك ؟ (11) تستوصف لهم الدواء، وتطلب لهم الاطباء، لم تدرك فيه طلبتك، ولم تسعف فيه بحاجتك (12) بل مثلت الدنيا به نفسك وبحاله حالك (13) غداة لا ينفعك أحباؤك، ولا يغني عنك نداؤك يشتد من الموت أعالين المرضى، وأليم لوعات المضض،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(9) أي متى صنعت وعملت بك ما تستحق عليه الذم.

(10) المصارع جمع المصرع، وهو مكان الطرح والسقوط.و " البلى " بكسر الباء مقصورا: الخلق الرث البالي.وقيل: هو الفناء بالتحليل.والمضاجع جمع المضجع وهو موضع الاضطجاع أي وضع الجنب على الارض.و " الثرى ": الندى أي البلل والرطوبة.والتراب الندي.وكأن الكلام على القلب، أي أغرتك الدنيا بالبالي والخلق من مصارع آبائك ومحل سقوطهم - وهو جنبهم - أم غرتك بالتراب الندي والعظام البالية من ضلوع أمهاتك وجنوبهن.

(11) مرض الريض: خدمه في مرضه.وعلله: خدمه في علته.و " تستوصف لهم الدواء " أي تطلب وصف دوائهم وما به عود صحتهم.

(12) الطلبة - على زنة الكلمة -: ما يطلب.ويقال: سعفه بحاجته وأسعفه بها - من باب ضرب وأفعل -: قضاها له.والضمير في قوله: " فيه " في الموضعين راجع إلى المصدر المدلول عليه بالافعال المتقدمة.

(13) الضمير في " به " و " بحاله " راجع إلى ما تضمنه الكلام أي إن الدنيا جعلت الهلاك قبلك - أو الجنوب البالية من آبائك والظلوع الرميمة من أمهاتك - مثالا لنفسك تقيسها عليه، وصورت لك حالك بما رأيت مما جرى عليهم من صور أحوالهم.

 

[355]

حين لا ينفع الاليل ولا يدفع العويل (14) [حين] يحفز بها الحيزوم، ويغص بها الحلقوم [حين] لا يسمعه النداء ولا يروعه الدعاء (15) فيا طول الحزن عند انقطاع الاجل، ثم يراح به على شرجع تقله أكف أربع (16) فيضجع في قبره في لبث وضيق جدث (17) فذهبت الجدة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(14) في جميع النسخ المحكية عنها والحاكية ضبطت " أعالين المرضى " كما في المتن، ولعله جمع إعلان أي المعلن والبارز من المرضى.

و " لوعات " جمع لوعة وهي الحرقة من هم أو شوق و " المضض ": الالم والوجع.، " الاليل " كالانين لفظا ومعنى يقال: " أل - المريض - من باب فر - أللا وألا وأليلا ": أن.والمصدر على زنة عددا وعدا وعديدا.و " العويل ": رفع الصوت بالبكاء والصياح.ومفعول " ينفع " و " يدفع " محذوف.

(15) كذا في نسخة من تحف العقول والبحار، عدا ما وضعناه بين المعقفتين، وفي مستدرك البحار: ج 17 ص 306 نقلا عن تحف العقول: " ولا يروحه الدعاء ".و " يحفز " أي يقلق ضجرا بها، أو تتضايق وتتضام وتجتمع بسبب الدنيا حيزومه، والحيزوم: الصدر أو وسطه.

(16) يراح به أي يذهب به في العشي أو مطلقا، وهو المراد هنا.والشرجع - كضفدع وجعفر -: التابوت أي السرير الذي يحمل عليه الميت.

والجنازة، والمراد هنا الاول، قال عبدة بن الطيب: ولقد علمت بأن قصرى حفرة * غبراء يحملني إليها شرجع وتقله لا ترفعه وتحمله، كما في قوله تعالى في الآية (57) من سورة الاعراف: " وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذ أقلت سحابا ثقالا "...

(17) واللبث - كفلس وفرس -: الاقامة والمكث الطويل، وهو مصدر، وفعله من باب علم. والجدث - محركا -: االقبر.

 

[356]

وانقطعت المدة ورفظته العطفة، وقطعته اللطفة (18) لا تقاربه الاخلاء، ولا تلم به الزوار، ولا اتسقت به الدار، إنقطع دونه الاثر، واستعجم دونه الخبر (19) وبكرت ورثته فأقسمت تركته ولحقه الحوب وأحاطت به الذنوب، فإن يكن قدم خيرا طاب مكسبه، وإن يكن قدم شرا تب منقلبه - وكيف ينفع نفسا قرارها والموت قصارها (20) والقبر مزارها فكفى بهذا واعظا كفى (21).

[ثم قال عليه السلام:] يا جابر امض معي.

[قال جابر:] فمضيت معه حتى أتينا القبور فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(18) يقال: " جدة " جد - الثوب: صار جديدا وذو طراوة ونضارة.

والفعل من باب " فر " والمصدر كالعدة.

والعطفة - محركا - جمع العاطف وهو الرحيم وذو الشفقة.

ومثله اللطفة نمعنى ذوي اللطف والاحسان.

(19) يقال: " لما " - من باب مد - لم زيد بفلان: أتاه فنزل به.واتسق الامر: انتظم واستوى. اجتمع.

واستعجم عليه الكلام: صعب واستبهم. واستعجم القراءة: لم يقدر عليها.

(20) بكرت ورثته: أسرعت وأقدمت في أول الصباح. ويقال: أقسم التركة وقسمها: جزأها وأخذ كل منهم قسما وجزء منها.

والحوب - على زنة القفل والفلس -: الاثم. وتب منقلبه - من باب مد -: هلك وخسر مرجعه ومآله. وقصارها. أي غايتها ومنتهاها.

(21) كذا في تحف العقول والبحار، وفي مستدرك البحار ج 17 ص 306: " فكفى بهذا واعاظا ".

 

[357]

يا أهل التربة، ويا أهل الغربة أما المنازل فقد سكنت، وأما المواريث فقد قسمت، وأما الازواج فقد نكحت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ! ! ! (قال جابر:) ثم أمسك عني مليا (22) ثم رفع رأسه فقال: والذي أقل السماء فعلت، وسطح الارض فدحت (33) لو أذن للقوم في الكلام لقالوا إنا وجدنا خير الزاد التقوى.

ثم قال (عليه السلام): يا جابر إذا شئت فارجع.

المختار (19) من كلمه عليه السلام في تحف العقول ص 186، ط طهران، وفي ط ص 127، وقريب منه جدا في الحديث الخامس من المجلس (25) من أمالي ابن الشيخ ص 26.

والكلام مما صدر عنه عليه السلام في أزمنة وأمكنة عديدة، وله مصادر كثيرة وثيقة، وصور مختلفة أحسنها ما ذكرناه، وستطلع على بعضها فيما يأتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(22) أي إمساكا طويلا، يقال: " انتظرته مليا " أي زمنا طويلا.

(23) أي رفع السماء فرفعت أي قبلت الرفع، وبسط الارض فبسطت أي قبلت البسط، يقال: أقل الشئ واستقله: رفعه وحمله.

وقل الشئ: علا.

وسطح لارض: دحاها، أي بسطها.

وكلاهما من باب منع والمصدر كالمنع.

 

[358]

 

- 118 -

ومن خطبة له عليه السلام خطبها بالبصرة بعد افتتحاحها بأيام (1)

عن يحي بن عبد الله بن الحسن عن أبيه رضوان الله عليهما، قال: كان [أمير المؤمنين] علي [عليه السلام] يخطب، فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ؟ ومن أهل الفرقة ؟، ومن أهل السنة ؟ ومن أهل البدعة ؟ فقال [عليه السلام]: ويحك أما إذ سألتني فافهم عني، ولا عليك أن لا تسأل عنها أحدا بعدي (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) قال في الاحتجاج: روى يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه عبد الله بن الحسن، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام، يخطب بالبصرة بعد دخوله [إياها] بأيام، فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين الخ.

وهذا الصدر - إلى قوله: عن جدد الارض، - رواه المحقق البحراني في ذيلي خطبة طويلة ذكرها في شرح المختار (199) من النهج: ج 3 ص 16، ورواها عنه في البحار: ج 8 ص 448 ص الكمباني.

(2) وفي الاحتجاج: " ولا عليك أن تسأل [كذا] عنها أحدا بعدي أما الجماعة " الخ.

وفي ترجمة عمرو بن ميمون الاودي من تاريخ دمشق: ج 34 ص 798 قال ابن مسعود: الجماعة ما وافق الحق، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، إن الجماعة ما وافق طاعة الله.

وروى العسكري عن سليم بن قيس العامري قال: سأل ابن الكواء عليا عن السنة والبدعة وعن الجماعة والفرقة، فقال: يا ابن الكواء حفظت المسألة فافهم الجواب، السنة والله سنة محمد صلى الله عليه وسلم، والبدعة ما فارقها، والجماعة مجامعة أهل الحق وإن قلوا، والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا.

كذا في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 1 ص 109.

 

[359]

فأما أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله ! ! ! فأما أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا.

وأما أهل البدعة فالمخالفون لامر الله ولكتابه ورسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا، وقد مضى منهم الفوج الاول ! ! ! وبقيت أفواج وعلى الله قصمها واستيصالها عن جدبة الارض (3).

فقام إليه عمار، فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفئ، ويزعمون أن من قاتلنا (4) فهو وماله وأهله وولده [ظ] فئ لنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(3) إلى هنا رواه في البحار عن شرح البحراني وفيه: " قصمها " و " جدد الارض " وفي الاحتجاج: " وعلى الله قبضها واستئصالها عن جدد الارض " الخ.

أقول: القصم - كفلس -: الكسر.

الاهلاك.

و " جدبة " مؤنث الجدب - كفلس -: القفر والثياب.

والمحل، والجمع: جدود كفلوس.

و " الجدد " كفرس: الارض الغليظة المستوية: والظاهر ان المراد من " جدية " الارض أو جددها " هو مطلق وجه الارض.

(4) هذا هو الموافق لما في الاحتجاج: " ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وولده فئ لنا " الخ.

وهو الظاهر، وفي النسخة: " ويزعمون أن من قاتلا "... ثم ليعلم أن هذه القطعة - إلى قولهم: " أصاب الله بك الرشاد " - الآتي بعد ورق - رواها الشيخ (ره) حرفيا في تلخيص الشافي: ج 1 ص 275، ط النجف، وأشار إلى بقية الخطبة، وقال: " وتظاهرت به الرواية، ونقله أهل السير من طرق مختلفة "...

 

[360]

فقام رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس (5) - وكان ذا عارضة ولسان شديد - فقال:: يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية، ولا عدلت في الرعية.

فقال علي [أمير المؤمنين عليه السلام]: ولم ويحك ؟ قال: لانك قسمت ما في العسكر، وتركت الاوال والنساء والذرية.

فقال علي [عليه السلام]: يا أيها الناس من كان به جراحة فليداوها بالسمن.

فقال عباد: جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات ! ! ! فقال له علي [أمير المؤمنين عليه السلام]: إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف ! ! فقال رجل من القوم: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ فقال [عليه السلام]: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(5) ومثله في الاحتجاج، وهذه القطعة رواها أيضا في الروض النضير: ج 4 ص 464.

وفي النسخة المطبوعة من تلخيص الشافي: " عباد بن بشير ".

والظاهر انه من خطاء النساخ، أو من سهو الرواة.

ثم إن عباد بن قيس ذكره الشيخ فئ أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام تحت الرقم (78) من باب العين من رجاله ص 51، وقال: " عباد بن قيس صاحب الترهات ".

وبما أن الشيخ (ره) كان متضلعا في علم الاخبار والتاريخ وأراد أن يعرف الرجل، أشار إلى هذه القصة بقوله: " صاحب الترهات " أي المعترض على أمير المؤمنين عليه السلام والقائل له: " جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات " ولاجل أن المتأخرين من أرباب علم الرجال لم يكونوا بمثل الشيخ متضلعين في علم الحديث والتاريخ خفي عليهم مراد الشيخ فوقعوا في حيص وبيص فتذكر واغتنم.

(6) قال في أواخر الباب الاخير من المسترشد، ص 162: ومن عجائبه عليه السلام قوله

 

[361]

قال: فيموت أو يقتل ؟ [عليه السلام]: بل يقصمه قاصم الجبارين، قتله بموت فاحش (7) يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه، يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي، أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الاموال كانت لهم قبل الفرقة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

لرجل حين دعا عليه: " إن كنت كاذبا فسلط الله عليك غلام ثقيف " قالوا: يا أمير المؤمنين: ومن غلام ثقيف ؟ قال: " غلام لا يدع لله حرمة إلا انتهكها، ولا عظيمة إلا ارتكبها ".

فأخذ في وصف الحجاج بن يوسف الثقفي فأدرك الرجل الحجاج فقتله.

أقول: ونظير القصة المذكورة ههنا في المتن، قد جرى بينه عليه السلام وبين عامر بن الحارث: أعشى باهلة، قال ابن أبي الحديد، في شرح المختار (37) من خطب نهج البلاغة: ج 2 ص 289: وروى عثمان بن سعيد، عن يحي التيمي، عن الاعمش، عن إسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة - وهو غلام يومئذ حدث - إلى علي عليه السلام، وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة ! فقال علي عليه السلام: إن كنت آثما فيما قلت يا غلام، فرماك الله بغلام ثقيف.

ثم سكت، فقام رجال فقالوا: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين ؟ قال: غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك لله حرمة الا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه ! ! ! فقالوا: كما يملك يا أمير المؤمنين ؟ قال: عشرين إن بلغها.

قالوا: فيقتل قتلا أم يموت موتا ؟ قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه.

قال إسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيت بعيني أعشى باهلة وقد أحضر - في جملة الاسرى الذين أسروا من جيش عبد الرحمان بن محمد بن الاشعث - بين يدي الحجاج، فقرعه ووبخه، واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمان على الحرب، ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس.

(7) كذا في نسخة كنز العمال، وفي الاحتجاج: " يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه " الخ.

وفي تلخيص الشافي: " يقصمه قاصم الجبارين، يخترق (كذا) سريره لكثرة ما يحدث من بطنه " الخ.

أقول: يقصمه: يهلكه.

يكسره.

ينزل به البلية.

يذهبه.

والفعل من باب ضرب، ومصدره كمصدره.

 

[362]

وتزوجوا على رشدة، وولدوا على فطرة (8) وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره، يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل مكة، قسم ما حوى العسكر، ولم يتعرض لما سوى ذلك (9) وإنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل، يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق، فمهلا مهلا رحمكم الله (10) فإن أنتم لم تصدقوني وأكثرتم علي - وذلك إنه تكلم في هذا غير واحد - فأيكم يأخذ أمه عائشة بسهمه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(8) كذا في الاحتجاج، وهو الظاهر، دون ما في نسخة كنز العمال: " تزوجوا على شدة، وولدوا على الفطرة " الخ.

والاظهر أن يكون الكلام هكذا: تزوجوا على الرشدة، وولدوا على الفطرة.

و " الرشدة " بفتح الراء - كالقطرة - وبكسرها - كالفطرة -: المولود عن نكاح، ضد الزنية: المولود عن السفاح.

والمراد من " الفطرة " هنا: الدين والشريعة.

وهذه القطعة رواها مسندة بمغايرة قليلة، في الباب الثالث من تيسير المطالب - ص 38 - في ترتيب امالي السيد أبي طالب.

(9) هذا هو الظاهر الموافق لنسخة الاحتجاج، وفي كنز العمال: " ولم يعرض لما سوى ذلك " الخ.

وقوله عليه السلام: " فإن عدا علينا أحد " من باب دعا يدعو، أي إن وثب علينا أحد منهم وظلمنا أخذناه بذنبه ونجازيه بعمله دون غيره.

(10) أي ارفقوا رفقا ولا تستعجلوا بإعمال ما يخطر ببالكم في بادي الرأي.

 

[363]

قالوا: لاأينا يا أمير المؤمنين، بل أصبت واخطأنا، وعلمت وجهلنا، ونحن نستغفر الله ! ! وتنادى الناس من كل جانب: أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد والسداد.

فقام عمار (11) فقال: يا أيها الناس إنكم إن اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيس شعرة، وكيف لا يكون ذلك، وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وآله [علم] المنايا والوصايا، وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران (12) إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي " فضلا خصه الله به إكراما منه لنبيه صلى الله عليه وآله حيث أعطاه ما لم يعطه أحدا من خلقه.

ثم قال علي [أمير المؤمنين عليه السلام]: أنظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي من الجاهل الخسيس الاخس (13) فإني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(11) كذا في كنز العمال، ويدل عليه ما ينقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وفي الاحتجاج: " فقام عباد " الخ والظاهر انه من خطأ النساخ.

(12) وفي الاحتجاج: " أيها الناس إنكم والله لو اتبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيس شعرة، وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلى الله عليه وآله علم علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون، وقال له: أنت مني بمنزلة الخ.

وهذا الحديث - أعني حديث المنزلة - رويناه عن ابن عساكر بأسانيده عنه صلى الله عليه وآله وسلم عن (119) طريقا، وفقنا الله تعالى لنشره وجعله في متناول العموم.

ورواه الحافظ أبو حازم العبدوي بخمسة آلاف اسناد، كما في الحديث: (205) من كتاب شواهد التنزيل، الورق 277 أو 36 ب، وفي ط 1: ج 1، ص 152.

(13) يحتمل أن يكون مراده عليه السلام من " العالم " شخصه الكريم وذاته الشريف، ويحتمل إرادة الجنس، ومثله في قوله: " الجاهل " فإنه يحتمل إرادة عباد منه بخصوصه، ويحتمل إرادة العموم ومطلق الجهال.

 

[364]

حاملكم إن شاء الله تعالى - إن أطعتموني - على سبيل الجنة وإن كان ذا مشقة شديدة، ومرارة عتيدة (14) وإن الدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها [بين] الشقوة والندامة عما قليل (15).

ثم إني مخبركم أن خيلا من بني إسرائيل (16) أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر، فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليلا منهم (17) فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم ولم يعصوا ربهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(14) وفي النهج: " وإن كان ذا مشقة شديدة، ومذاقة مريرة ".

وفي الاحتجاج: " فاني حاملكم إن شاء لله إن أطعتموني على سبيل النجاة، وإن كان فيه مشقة شديدة، ومرارة عديدة الخ.

ومن قوله عليه السلام: " فان أطعتموني - إلى قوله صلى الله عليه وآله: " بمنزلة فتنة ".

رواه في المختار (154) من خطب النهج بمغايرة طفيفة في بعض الالفاظ، وإسقاط بعض الفقرات.

(15) كذا في كنز العمال، وفي الاحتجاج: " والدنيا حلوة الحلاوة، لمن اغتر بها من الشقاوة والندامة عما قليل ".

وهذا أيضا فيه السقط، وما زدنا في المتن ووضعناه بين المعقوفين مظنون وليس بمقطوع، ولعلك تظفر بمصدر آخر أو نسخة أخرى فتصححه على القطع.

(16) وفي الاحتجاج: " ثم إني أخبركم أن جيلا من بني إسرائيل " الخ ولعله أظهر.

و " الخيل ": جماعة الافراس، وتستعمل كثيرا على المجاز لركاب الخيل والفرسان.

و " الجيل ": الصنف من الناس وطائفة منهم.

(17) إشارة منه عليه السلام إلى قصة طالوت المذكورة في الآية: (250) من سورة البقرة وهي: " فلما فصل طالوت بالجنود، قال: إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلا " الخ.

ثم إن قوله عليه السلام في الموضعين هنا: " نبيهم " له ظهور جلي في نبوة طالوت، وعلى

 

[365]

وأما عائشة فأدركها رأي النساء وشئ كان في نفسها علي يغلي في جوفها كالمرجل ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل، ولها بعد ذلك حرمتها الاولى، والحساب على الله، يعفوا عمن يشاء ويعذب من يشاء (18).

فرضي بذلك أصحابه وسلموا لامره بعد اختلاط شديد، فقالوا: يا أمير المؤمنين حكمت والله فينا بحكم الله، غير أنا جهلنا، ومع جهلنا لم نأت ما يكره أمير المؤمنين.

وقال ابن يساف الانصاري (19): إن رأيا رأيتموه سفاها * لخطا الايراد والاصدار ليس زوج النبي تقسم فينا * ذاك زيغ القلوب والابصار فاقبلوا اليوم ما يقول علي * لا تناجوا بالاثم في الاسرار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

هذا فما ينسب إليه من منافيات النبوة مطروح أو مأول، إلا أن يقال: إن إمارة طالوت لما كان بأمر نبي بني اسرائيل فيصح أن يقال: " أمرهم نبيهم، أو عصوا نبيهم " لان أمره أمره.

أقول: هذا الوجه مع قيام دليل على خلاف هذا الظاهر سديد، وإلا فلا.

(18) إلى هنا رواه في الاحتجاج.

وفي نهج البلاغة: " وأما فلانة فأدركها رأي وضغن غلا في صدرها كمرجل القين " الخ وهو أظهر في إفادة ما كان ضمير أم المؤمنين حاويا عليه.

والمرجل: القدر.

والقين - بالفتح -: الحداد.

ثم إن للكلام ظهور جلي في أنهم سألوه عن أمر عائشة معه، والظاهر ان عدم ذكره للتحفظ على كرامة أم المؤمنين.

(19) لم أطلع على ترجمته عدا ما ذكره في شرح مادة: " يسف " آخر باب الفاء من تاج العروس: الجزء (6) ص 277، حيث قال: " وقال الفراء في كتابه البهي: تقول: " هلال بن يساف بالكسر ".

قال غيره: " وقد يفتح تابعي كوفي، مولى أشجع، أدرك عليا رضي الله عنه، قال شيخنا: وصرح الامام النووي بأن الاشهر عند أهل اللغة اساف بالهمزة قلت: وذكره ابن حبان في الثقاة، وقال: كنيته أبو الحسن، وروى عن أبي مسعود الانصاري ووابصة بن معبد.

وروى عنه منصور بن المعتمر، وحصين.

ومما يستدرك عليه: يساف بن عتبة بن عمرو الخزرجي والد حبيب الصحابي ".

 

[366]

ليس ما ضمت البيوت بفئ * إنما الفئ ما تضم الاوار (20) من كراع في عسكر وسلاح * ومتاع يبيع أيدي التجار ليس في الحق قسم ذات نطاق * لا ولا أخذكم لذات خمار ذاك هو فيئكم خذوه وقولوا * قد رضينا لا خير في الاكثار إنها أمكم وإن عظم الخطب * وجاءت بزلة وعثار فلها حرمة النبي وحقاق * علينا من سترها ووقار فقام عباد بن قيس، وقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الايمان.

فقال (عليه السلام): نعم.

إن الله ابتدأ الامور فاصطفى لنفسه منها ما شاء (21) واستخلص ما أحب، فكان مما أحب أنه ارتضى الاسلام واشتقه من اسمه فنحله من أحب من خلقه (22) ثم شقه فسهل شرائعه لمن ورده، وعزز أركانه على من حاربه، هيهات من أن يصطلمه مصطلم (23) جعله سلما لم دخله، ونورا لمن استضاء به، وبرهانا لمن تمسك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(20) الاوار - كغراب -: اسم موضع، والظاهر انه أراد به هنا العسكر أي ما حواه معسكر الناكثين.

(21) وقريب منه جدا في المختار (11) مما اختار من كلمه عليه السلام في تحف العقول.

والمختار (104) من خطب نهج البلاغة، ومن قوله: " فقام عباد بن قيس " إلى آخر الخطبة ذكره أيضا في آخر الباب الخامس من دستور معالم الحكم ص 114، ط مصر.

(22) يقال: " نحل - من باب منع - نحلا " الرجل: أعطاه.

(23) يقال: " صلم - من باب نصر وضرب - صلما " وصلم الشئ: قطعه من أصله.

و " صلمه وصلمه ": قطع أنفه وأذنه من أصله.

" اصطلمه ": استأصله.

 

[367]

به، ودينا لمن انتحله (24) وشرفا لمن عرفه، وحجة لمن خاصم به، وعلما لمن رواه، وحكمة لمن نطق به، وحبلا وثيقا لمن تعلق به، ونجاة لمن آمن به.

فالايمان أصل الحق، والحق سبيل الهدى وسيفه، جامع الحلبة (25) قديم العدة، الدنيا مضماره، والغنيمة، حلبته، فهو أبلج منهاج (26) وأنور سراج، وأرفع غاية، وأفضل داعية، بشير لمن سلك قصد السالكين (27) و [هو] واضح البيان، عظيم الشان، الامن منهاجه، والصالحات منازه، والفقه مصابيحه، والمحسنون فرسانه، فعصم السعداء بالايمان، وخذل الاشقياء بالعصيان من بعد اتجاه الحجة عليهم بالبيان (28) إذ وضح لهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(24) انتحل وتنحل مذهب كذا: انتسب إليه واعتنقه.

(25) الحلبه - كضربة وحربة -: خيل تتجمع من كل ناحية للتناصر، والاسلام جامع لكرائم الخيل وعتاقها لنصر الحق ومحق الباطل.

(26) يقال: أبلج الصبح: أضاء وأشرق، فهو أي الاسلام أوضح منهاج وأبين طريق لسالكي سبل الهداية، وطالبي طرق السعادة والكرامة.

(27) أي الاسلام يبشر من يقصد قصد السالكين، وينحو نحوهم ويسلك مسلكهم بالنجاح والسعادة الابدية، والمراد من السالكين - هنا -: من كان سيره مقصورا على طريق الحق غير متخلف عنه، ولا مبدلا إياه بغيره.

(28) يقال: " - من باب ضرب - عصما " عصم الشئ: منعه.

وعصم الله فلانا من

 

[368]

منار الحق، وسبيل الهدى، فتارك الحق مشوه يوم التغابن، داحضة حجته عند فوز السعداء بالجنة (29) فالايمان يستدل به على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت يختم الدنيا، وبالدنيا، تحرز الاخرة (30) وفي القيامة حسرة أهل النار، وفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

المكروه: حفظه ووقاه.

وعصم إلى فلان: اعتصم به والتجأ إليه.

و " خذل - من باب نصر - خذلا وخذلانا وخذلانا " فلانا وعنه: ترك نصرته وإعانته.

و " اتجاه الحجة ": إقبالها وتوجهها، وأي إن حفظ السعداء عن الهلكات بالايمان بالله وما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وإن خذلان الاشقياء ومنع اللطف الخاص عنهم بعد إتمام الحجة عليهم بالبيان المحكم والدليل الواضح المبرم.

(29) أي من ترك الحق يشوه وجهه ويعلوه السواد وصفرة اليأس يوم يغبن بعض الناس بعضهم، فيقبح وجهه، وتكون حجته داحضة باطلة غير مقبولة منه، عند فوز السعداء ودخولهم الجنة.

والمراد من يوم التغابن: القيامة.

(30) هذا هو الصوب الموافق لما في نهج البلاغة، أي إذا رهب الموت وهو ختام الدنيا كانت الرهبة سببا لاحراز الآخرة بالدنيا بالعمل الصالح فيها، وفي نسخة كنز العمال: " وبالدنيا تخرج الآخرة " الخ وكأنه من سهو الرواة أو من الاخطاء المطبعية، ثم إن كلامه عليه السلام المنقول في نهج البلاغة هكذا: " سبيل أبلج المنهاج، أنور السراج، فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدل على الايمان، وبالايمان، يعمر العلم، وبالعلم يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تحرز الاخرة، وإن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة، مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى ".

و " المقصر " كمقعد ومجلس لفظا ومعنى أي لا مستقر للخلق في القيامة دون الوقوف بين يدي الله فهم ذاهبون إليه مرقلين أي مسرعين في مضمارها أي في ميدان القيامة.

و " القصوى ": الغاية البعيدة.

وقوله: " مرقلين " في مضمارها نحو القصبة العليا إلى الغاية القصوى " كأنه مبني على التشبيه أي تشبيه مسارعة الناس في القيامة للوقوف بين يدي الله وإلى الغاية القصوى، بالمتراهنين في دار الدنيا وتسابقهما إلى ما تراهنا عليه.

 

[369]

ذكر أهل النار موعظة أهل التقوى، والتقوى غاية لا يهلك من اتبعها، ولا يندم من عمل بها، لان بالتقوى فاز الفائزون، وبالمعصية خسر الخاسرون، فليزدجر أهل النهى، وليتذكر أهل التقوى، فإن الخلق لا مقصر لهم في القيامة دون الوقوف بين يدي الله، مرقلين في مضمارها نحو القصبة العليا إلى الغاية القصوى مهطعين بأعناقهم نحو داعيها، قد شخصوا من مستقر الاجداث والمقابر إلى الضرورة أبدا "، (31) لكل دار أهلها [لا يستبدلون بها، ولا ينقلون عنها] (32) قد انقطعت بالاشقياء الاسباب، وأفضوا إلى عدل الجبار - فلا كرة لهم إلى دار الدنيا، فتبرؤا من الذين آثروا طاعتهم على طاعة الله (33) - وفاز السعداء بولاية الايمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(31) كذا في النسخة، وفي النهج: " قد شخصوا من مستقر الاجداث، وصاروا إلى مصائر الغايات، لكل دار أهلها، لا يستبدلون بها ولا ينقلون عنها، وإن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله ".. و " مهطعين " أي ما دين أعناقهم إلى داعي القيامة رافعين رؤسهم إليه غير مقلعين عنه كالواله المدهوش ".

و " شخصوا ": ذهبوا.

و " الاجداث ": جمع الجدث - كفرس -: القبر.

(32) بين المعقوفين مأخوذ من المختار: (154) من نهج البلاغة والسياق أيضا يستدعيه.

(33) اشارة إلى قوله تعالى - في الآية (66 و 67) من سروة البقرة -: " إذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرء منهم كما تبرؤا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ".

 

[370]

فالايمان - يا ابن قيس - على أربع دعائم: [على] الصبر واليقين والعدل والجهاد.

فالصبر [كذا] من ذلك على أربع دعائم [على]: الشوق والشفق والزهد والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات (34) ومن أشفق من النار رجع عن.

المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات (35).

واليقين من ذلك على أربع دعائم: [على] تبصرة الفطنة، وموعظة العبرة، وتأويل الحكمة، وسنة الاولين، فمن أبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(34) من قوله عليه السلام: " فالايمان على أربع دعائم - إلى قوله -: فقام إليه رجل فقال: أخبرنا عن ميت الاحياء " له مصادر كثيرة من الفريقين، ورواه أيضا في المختار (30 و 31) من الباب الثالث من نهج البلاغة.

والشفق - على زنة الفرس -: الخوف.

و " سلا عن الشهوات " أي هجرها ونسيها وذهل عن ذكرها وطابت نفسه عنها.

والفعل من باب " دعا ".

(35) كذا في كنز العمال، وفي تحف العقول ونهج البلاغة: " سارع إلى الخيرات ".

ومثله في باب فضل الصبر، من كتاب قوت القلوب: ج 1 ص 407 فإنه رواه - عنه عليه السلام ووصفه بالطول - من قوله: " الصبر على أربع دعائم - إلى قوله: - سارع إلى الخيرات وقطعة منها رواها في ص 459.

 

[371]

العبرة، ومن عرف العبرة عرف السنة، ومن عرف السنة فكأنما كان في الاولين، فاهتدى إلى التي هي أقوم.

والعدل من ذلك على أربع دعائم: [على] غائص الفهم، وغمرة العلم، وزهرة الحكم، وروضة الحلم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن عرف شرائع الحكم لم يضل، ومن حلم لم يفرط أمره - وعاش في الناس حميدا (36).

والجهاد من ذلك على أربع دعائم: [على] الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين (37) فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق ومن صدق في المواطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(36) ومثله في تحف العقول، وفي نهج البلاغة: " والعدل منها على أربع شعب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزهرة الحكم، ورساخة الحلم " الخ.

وقوله: " ومن فهم فسر جميع العلم " رواه أيضا في كتاب قوة القلوب - قبيل الفصل السابع عشر منه -: ج 1، ص 103، غير أن فيه: " جمل العلم " وقوله: " لم يفرط أمره " من باب التفعيل -: لم يضيعه ولم يبدده، أو لم ينسه ولم يتركه، ومثله جاء من باب أفعل أيضا ".

(37) الشنان - بالتحريك -: البغض والحقد، ومنه قوله تعالى: " ولا يجر منكم شنآني ".

 

[372]

قضى الذي عليه ومن شنأ المنافقين غضب لله، وغضب الله له (38).

فقام إليه عمار، فقا ل: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الكفر على ما بني ؟ كما اخبرتنا عن الايمان (39).

قال: نعم يا أبا اليقظان، بني الكفر على أربع دعائم: على الجفاء والعمى والغفلة والشك، فمن جفا فقد احتقر الحق وجهر بالباطل، ومقت العلماء، وأصر على الحنث العظيم.

ومن عمي نسي الذكر واتبع الظن وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(38) وفي تحف العقول: " ومن شنأ الفاسقين غضب لله، ومن غضب لله غضب الله له ".

وفي النهج: " ومن شنئ الفاسقين وغضب لله، غضب الله له وأرضاه يوم القيامة ".

(39) وقال في أواخر المرتبة الاولى من مقامات اليقين من الفصل: (32) من كتاب قوت القلوب: ج 1 ص 382: وقد جعل علي كرم الله وجهه، الغفلة إحدى مقامات الكفر، وقرنها بالعمى والشك، فقال في الحديث الذي يروى من طريق أهل البيت: فقام عمار بن ياسر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الكفر على ما بني ؟ فقال: على أربع دعائم: على الجفاء والعمى والغفلة والشك، فمن جفا احتقر الحق وجهر بالباطل، ومقت العلماء، ومن عمى نسي الذكر، ومن غفل حاد عن الرشد، وغرته الاماني، فأخذته الحسرة والندامة، وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب، ومن شك تاه في الضلالة.

 

[373]

ومن غفل حاد عن الرشد، وغرته الاماني وأخذته الحسرة والندامة وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب.

ومن عتا في أمر الله شك (40)، ومن شك تعالى الله عليه فأذله بسلطانه، وصغره بجلاله، كما فرط في أمره، فاعتبر بربه الكريم [كذا] والله أوسع بما لديه من العفو (41) والتيسير، فمن عمل بطاعة الله اجتلب بذلك ثواب الله، ومن تمادى في معصية الله ذاق وبال نقمة الله فهنيئا لك يا أبا اليقظان عقبى لا عقبى غيرها، وجنات لا جنات بعدها.

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن ميت الاحياء.

قال: نعم إن الله بعث النبيين مبشرين ومنذرين فصدقهم مصدقون وكذبهم مكذبون، فيقاتلون (42) من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(40) " عتا يعتو، وعتى يعتي عتوا وعتيا وعتيا ": استكبر، والظاهر أن " في " بمعنى " عن " ولا شك أن العتو والتكبر عن قبول أمر الله يوجب بعد الانسان المتكبر عن الله ودستوراته، وهو يستلزم الشك.

(41) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: " والله أوسع بما لديه من الغفور، الخ.

(42) كذا في النسخة، ولعل الظاهر: " فقاتلوا " أو: فكانوا يقاتلون " الخ.

 

[374]

كذبهم بمن صدقهم فيظهرهم الله، ثم يموت الرسل فتخلف خلوف (43).

فمنهم منكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه (44) فذلك استكمل خصال الخير، ومنهم منكر للمنكر بلسانه وقلبه تارك له بيده، فذلك خصلتين من خصال الخير تمسك بهما، وضيع خصلة واحدة وهي أشرفها.

ومنهم منكر للمنكر بقلبه، تارك له بيده ولسانه، فذلك ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة.

ومنهم تارك له بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الاحياء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(43) فيظهرهم الله أي ينصرهم ويسلطهم على المكذبين.

وقوله عليه السلام: " فتخلف " بحذف المفعول، مأخوذ من قولهم: " خلفه - من باب نصر - خلافة وخليفي ": بقي بعده وصار مكانه وقام مقامه.

و " الخلوف " جمع الخلف - كفلس - وهو القرن اللاحق للقرن الاول، ومنه قوله تعالى في الآية: (59) من سورة مريم: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ".

(44) من قوله عليه السلام: " فمنهم منكر للمنكر، إلى قوله: " فذلك ميت الاحياء رواه بأبلغ مما هنا، في المختار (374) من قصار نهج البلاغة، وزاد عليه: " وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا كنفثة في بحر لجي، وإن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر ".

أقول: وهذه الزيادة سيجئ ههنا قريبا فانتظر.

 

[375]

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا على ما قاتلت طلحة والزبير ؟ قال: قاتلتهم على نقضهم بيعتي وقتلهم شيعتي من المؤمنين: حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس، والسبابجة والاساورة (45) بلا حق استوجبوه منهما، ولا كان ذلك لهما دون الامام (46) ولو أنهما فعلا ذلك بأبي بكر وعمر لقاتلاهما، ولقد علم من ههنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [كذا]، أن أبا بكر وعمر لم يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(45) السبابجة: قوم ذوو جلادة من السند والهند يكونون مع رئيس السفينة البحرية يبذرقونها - أي يحرسونها ويدلون الرئيس إلى الطريق -.

واحدها سبيجي، ودخلت في جمعه الهاء للعجمة والنسب كما قالوا: البرابرة.

وربما قالوا: السبابج.

والاساورة: الفرسان المقاتلون من أهل ايران أو الابطال الذين كانوا في الحرب ذوي جلادة وتقدم وفتح، والظاهر أن تسميتهم بهذا كان من أجل أنهم كانوا يعطونهم السوار ويلبسونهم مكافاة على عملهم وتمييزا لهم عن غيرهم، كما هو المتعارف في زماننا هذا من إعطاء الخطوط للقواد والضباط ولبسهم المخطط، وقد ذكر قصتهم البلاذري في فتوح البلدان ص 369.

وليعلم أني لم أجد إلى الآن في غير هذه الرواية أنهم قتلوا أساورة، فإما أن يراد من الاساورة - في الرواية - معنى أعم أي مطلق صاحب السوار وإن لم يكن فارسيا، أو أنهم أخفوه كما يخفى الجنايات على كل عدو مستضعف يخاف قوته وسطوته.

(46) كأن الكلام مبني على التنازل والمماشات أي ولو كان لطلحة والزبير حق على ابن جبلة والسبابجة والاساورة لم يجز لهما أن يقتلوهم لان ذلك من وظائف الامام فلا بد من أن يرجع إليه.

 

[376]

كره، ولم يكونوا بايعوه بعد الانصار (47) فما بالي وقد بايعاني طائعين غير مكرهين، ولكنهما طمعا مني في ولاية البصرة واليمن، فلما لم أولهما رجاءهما الذي غلب [عليهما] من حبهما للدنيا وحرصهما عليها، [لما] خفت أن يتخذا عباد الله خولا ومال المسلمين لانفسهما [دولا] (48) فلما زويت ذلك عنهما وذلك بعد أن جربتهما واحتججت عليهما (49).

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر أواجب هو ؟ قال: [نعم] سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(47) هذا يدل على أن بيعة أبي بكر لم تقع عن طيب نفس من المسلمين، بل وقعت عن كره منهم بإرهاب وإرعاب من جلا وزته ومن كان على خطته وما دبره في أمس الدابر ! ! ! (48) ما بين المعقوفات زيادة يستدعيها السياق، ويدل عليها أيضا القرائن المنفصلة، و " خولا ": عبيدا وإماء وحاشية، وهو جمع للخائل والخولي - بفتح الخاء ويستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث، والمفرد والجمع، وربما قيل للمفرد: خائل.

و " دولا " بضم ففتح كصرد -: جمع الدولة - بضم فسكون -: ما يتداول بين الاشخاص فيكون مرة لهذا، ومرة لذاك.

وفي المختار: (62 أو 66) من كتب النهج: " ولكنني آسي أن يلى أمر هذه الامة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا، والصالحين حربا والفاسقين حزبا " الخ.

(49) فلما زوبت " بدل عن قوله: " فلما لم أولهما ".

جواب " لما " محذوف أي فلما لم أعطهما ولاية البصرة واليمن وزويت أي صرفت الولاية عنهما، ومنعتهما عنها، بغيالي الغوائل وغدرا ونكثا بيعتي.

 

[377]

وسلم يقول: " إنما أهلك الله الامم السالفة قبلكم بتركهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (50)، يقول الله عز وجل: " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " [78 - المائدة: 5].

وإن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله عزوجل (51) فمن نصرهما نصره الله، ومن خذلهما خذله الله، وما أعمال البر والجهاد في سبيله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كبقعة في بحر لجي (52) فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، فإن الامر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(50) وهذا المضمون قد ورد عنه عليه السلام في خطبة أخرى - أو خطب أخر - قد رويت عنه بطرق كثيرة كما ستطلع عليها فيما بعد.

(51) الخلق - كقفل وعنق -: العادة والسجية.

(52) البقعة - بضم الباء وفتحها وسكون القاف -: القطعة من الارض.

مستنقع الماء، والجمع بقاع - كرماح - وبقع - كغرف -.

والاظهر ما في المختار: (374) من قصار النهج: " إلا كنفثة في بحر لجي ".

والنفثة: ما يمازج النفس من الريق عند النفخ.

وفي أواخر المقام الاول من مقامات اليقين من الفصل (32) من كتاب قوت القلوب: ج 1 ص 381: وقال علي كرم الله وجهه: " أعمال البر كلها إلى جنب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، إلى جنب الجهاد في سبيل الله تعالى (كذا) كتفلة في جنب بحر، والجهاد في سبيل الله تعالى إلى مجاهدة النفس عن هواها في اجتناب النهي كتفلة في جنب بحر لجي " والتفلة: واحدة التفل - كقفل - البصاق.

الزبد.

 

[378]

بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل، ولا ينقصان من رزق، وأفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر (53) وإن الامر لينزل من السماء إلى الارض - كما ينزل قطر المطر - إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة أو نقصان في نفس أو أهل أو مال، فإذا أصاب أحدكم نقصانا في شئ من ذلك، ورأى الآخر ذا يسار لا يكونن له فتنة فإن المرء المسلم البرئ من الخيانة، لينتظر من الله إحدى الحسنيين: إما [من داع] من عند الله فهو خير واقع، وإما من رزق من الله يأتيه عاجل (54) فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه، المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات حرث الدنيا (55) والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لاقوام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(53) ومن قوله: " وإن الامر لينزل من السماء - إلى قوله: - وقد يجمعهما الله لاقوام " له مصادر، وقد ذكره أيضا في المختار: (23) من نهج البلاغة مع زيادات في ذيله، ويجئ أيضا بسند آخر، عن مصدر آخر.

(54) بين المعقوفين كان قد سقط من النسخة، ولابد منه - أو ما هو في معناه - ففي رواية الثقفي (ره) في الغارات هكذا: " إما داعى الله، فما عند الله خير له، وإما رزق من الله - واسع - فإذا هو ذو أهل ومال " الخ.

وفي النهج: " إما داعي الله فما عند الله خير له، وإما رزق الله، فإذا هو ذو أهل ومال ومعه دينه وحسبه ".

(55) كذا في النسخة، والظاهر أن كلمتي: " حرث الدنيا " زائدتان، وأن الصواب

 

[379]

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أحاديث البدع.

قال [عليه السلام]: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: " إن ا [لا] حاديث ستظهر من بعدي حتى يقول قائلهم: قال رسول الله، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كل ذلك افتراء علي، والذي بعثني بالحق (56) لتفترقن أمتي على أصل دينها وجماعتها على ثنتين وسبعين فرقة، كلها ضالة مضلة تدعوا إلى النار (57) فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عزوجل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

" والباقيات الصالحات والعمل الصالح حرث الآخرة ".

وفي رواية اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 196، هكذا: " المرء البرئ من الخيانة والكذب، يترقب كل يوم وليلة إحدى الحسنيين: إما داعى الله فما عند الله خير له، وإما فتحا من الله فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه، المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة [ظ] الخ.

(56) من قوله: " والذي بعثني بالحق - إلى قوله: - ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ".

رواه قبيل الفصل السابع عشر، من كتاب قوت القلوب: ج 1 ص 103، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله.

وللكلام مصادر أخر تقف على بعضها فيما يأتي من التعليقات.

(57) لم يصرح في هذا الحديث بالفرقة الناجية، وقد ورد في كثير من طرقه التصريح بنعتهم، والحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وهو من مقطوعات الفريقين: الشيعة والسنة وقد رواه جمع غفير منهم، ويجئ تحت الرقم: (68) الاشارة إلى بعض ما يرويه أهل السنة من ذلك، وقد رواه من الشيعة الكليني رحمه الله في الحديث (283) من روضة الكافي، ورواه الصدوق بطريقين في الحديث (10 - 11) من باب السبعين من الخصال وفي

 

[380]

فإن فيه نباء ما كان قبلكم ونباء ما يأتي بعدكم والحكم فيه بين، من خالفه من الجبابرة قصمه الله (58) ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين ونوره المبين، وشفاؤه النافع، وعصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقام، ولا يزيغ فيتشعب (59) ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلقه كثرة الرد (60).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

الباب: (179) من الجزء الثاني من معاني الاخبار ص 323 ورواه جماعة آخرون يطول ذكرهم، وقد عقد المجلسي العظيم في أول ج 8 من بحار الانوار، بابآ في ذلك، ورواه عن جماعة كثيرة من الخاصة والعامة، وقد ألف بعض السادة المعاصرين كتابا سماه ب‍ " الفرقة الناجية " من بين الفرق الثلاث والسبعين، وتكلم حول مصادر الحديث ومتنه وأتى بما فوق المراد، فجزاه الله عن الاسلام خير الجزاء، والكتاب منتشر ومتداول فليراجع إليه فإنه كاف في بابه.

(58) يقال: " قصم الشئ - من باب ضرب - قصما ": كسره.

والرجل: أهلكه.

(59) كذا في النسخة، وفي المختار (154 أو 157) من نهج البلاغة: " فيستعتب " أي يطلب منه العتبى والرجوع.

وقال سبط ابن الجوزي في الفصل (10) من مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب تذكرة الخواص، ص 163: روى عكرمة عن ابن عباس قال: سمعت أمير المؤمنين وقد سأله رجل عن القرآن فقال: كتاب الله - أو عليكم بكتاب الله - فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والصراط المستقيم والشفاء النافع، والرى الناقع، والعصمة للمتمسك، والنجاة للمتعلق، يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب (كذا) ولا يخلق على كثرة الرد - أو الترداد - من قال به صدق، ومن عمل به لحق.

(60) الرد: التلاوة والترداد أي إن كثرة تلاوة القرآن لا تجعله باليا مملولا منه، بل كلما يرجع إليه القارئ ويستأنف قراءته يجده غضا طريا تشتهيه الانفس وتلذ به الاعين.

 

[381]

هو الذي سمعته الجن فلم تنأ أن ولوا إلى قومهم منذرين قالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا (61) من من قال به صدق، ومن عمل به آجر، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ".

(62).

فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين: أخبرنا عن الفتنة، هل سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم إنه لما نزلت هذه الآية من قول الله عز وجل: " آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " [1 - 2 - العنكبوت: 29]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(61) فلم تنأ - من باب منع -: فلم تتوقف ولم تمكث.

و " ولوا ": رجعوا، وما ذكره عليه السلام نقل بالمعنى للآية الاولى من سورة الجن: 73 وهي هكذا: " قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن، فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به " الخ.

(62) وقريبا منه - أي من حديث بروز الاحاديث وإفشاءها، وأمره عليه السلام بالرجوع إلى القرآن عند ذلك وعرضها عليه - رواه ابن عساكر في ترجمة خالد بن يزيد ابن أبي خالد، من تاريخ دمشق: ج 15، ص 174، وفيه ان ابن الكوا سأله عنه عليه السلام وهو يخطب بالكوفة.

وكذلك رواه المسعودي في حوادث سنة (66) في أيام عبد الملك من كتاب مروج الذهب: ج 3 ص 96 ط بيروت، عن الحارث الهمداني عنه عليه السلام.

ورواه أيضا الترمذي في أبواب فضائل القرآن: من صحيحه ج 11، ص 30 وفي ط ج 8 ص 112، ورواه بمثله ابن الانباري في كتاب أيضاح الوقف والابتداء: ج 1، ط دمشق ص 6 ورواه في هامشه عن فضائل القرآن لابن كثير، ص 14 - 15، وعن عيون الاخبار: ج 2 ص 133، وعن الطبري: ج 1 ص 172.

 

[382]

علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حي بين أظهرنا (63) فقلت: يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال: " يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي ".

قلت: يا رسول الله أو ليس قد قلت لي يوم أحد - حيث استشهد من اشتشهد من المسلمين، وحزنت على الشهادة (64) فشق ذلك علي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(63) هذا مفاد قوله تعالى - في الآية (33) من سورة الانفال -: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ".

وهذا الحديث عنه عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله رواه بجميع خصوصياته - باختلاف في بعض ألفاظه - في الحديث (5) من الجزء الثالث من أمالي الطوسي، وقريبا منه رواه في تلخيص كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 2 ص 38 نقلا عن ابن مردويه.

وقال ابن أبي الحديد - في شرح الكلام وهو المختار: (157 أو 154) من خطب النهج -: وهذا الخبر مروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قد رواه كثير من المحدثين عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين، كما كتب علي جهاد المشركين ! قال: فقلت: يا رسول الله: ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد " الخ.

فارجع إليه فإنه يستفاد منه ما لا يستفاد من هذه الرواية (64) أي صرت محزونا على فوت الشهادة عني في ذلك اليوم.

وفي نهج البلاغة: " وحيزت عني الشهادة " أي جعلت في حيز ومكان آخر غير حيزى.

وقال في ترجمته عليه السلام من أسد الغابة: ج 4 ص 34: أنبأنا أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب، أنبأنا أبو الخير المبارك بن الحسين بن أحمد العسال المقرئ الشافعي، حدثنا أبو محمد الخلال، حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين النحاس بالكوفة، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا عبد العزيز بن منيب المروزي، حدثنا إسحاق - يعني ابن عبد الملك بن كيسان - حدثني أبي عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال علي - يعني للنبي صلى الله عليه وسلم، إنك قلت لي يوم أحد - حين أخرت عني الشهادة، واستشهد من استشهد -: إن الشهادة من ورائك فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه ؟ - وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه - فقال علي: يا رسول الله الخ.

 

[383]

فقلت لي -: يا صديق أبشر فإن الشهادة من ورائك ؟ فقال لي: فإن ذلك لكذلك فيكف صبرك إذا خضبت هذه من هذا ؟ - وأهوى بيده إلى لحيتي ورأسي - فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ليس ذلك من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر ! ! ! (65) فقال لي: أجل.

ثم قال: " يا علي (66) إنك باق بعدي ومبتلى بأمتي ومخاصم يوم القيامة بين يدي الله تعالى فأعدد جوابا ".

فقلت: بأبي أنت وأمي بين لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها ؟ وعلى ما أجاهدهم بعدك ؟ فقال: " إنك ستقاتل بعدي الناكثة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(65) قال في مسند عبد الله بن عباس من المعجم الكبير: ج 3، الورق 145: حدثنا محمد بن علي ابن عبد الله المروزي، حدثنا ابو الدرد [أو أبو الورد] حدثنا عبد العزيز بن المنيب، حدثني إسحاق بن عبد الله بن كيسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال علي: يا رسول الله إنك قلت لي يوم أحد - حين أخرت عن الشهادة، واستشهد من استشهد -: إن الشهادة من ورائك.

قال: فكيف صبرك إذا خضب هذه من هذه ؟ - وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه -: فقال علي: أما (إذ) بليت ما بليت [ظ] فليس ذلك من مواطن الصبر ولكن هو من مواطن البشرى والكرامة ! ! ! وروى قبله أيضا بهذا السند ما يمر عليك بعد من قوله صلى الله عليه لعلي -: ولا رأي في الدين، إنما الدين من الرب أمره ونهيه.

وقريبا منهما رواه فرات بن ابن إبراهيم بسند آخر في تفسير سورة " الفتح " من تفسيره ص 232.

ورواه - أي الحديث الاول - عن الطبراني في مجمع الزوائد: ج 9 ص 138، وقال: وفية عبد الله بن كيسان وهو ضعيف.

أقول: ضعف ابن كيسان - إن صدق - لا يضره بعد اشتهاره واستفاضته من طريق غيره، ثم ان ما رواه الطبراني رواه أيضا في الجزء (7) من بشارة المصطفى ص 275 عن عكرمة، عن ابن عباس.. (66) من هنا إلى قوله: " والعاقبة للمتقين " رواه أيضا عنه عليه السلام في الاحتجاج: ج 1 ص 289 ط الغري.

 

[384]

والقاسطة والمارقة ".

وسماهم [لي] رجلا رجلا (67) ثم قال لي: " وتجاهد أمتي على كل من خالف القرآن (68) ممن يعمل في الدين بالرأي، ولا رأي في الدين، إنما هو أمر من الرب ونهيه ".

(69).

فقلت: يا رسول الله فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة (70).

فقال.

" نعم إذا كان ذلك فاقتصر على الهدى (71) [و] إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(67) وقريب منه في مادة قسط من النهاية، ومن هذا وأمثاله مما هو قطعي الصدور عنه عليه السلام، ومحفوف بقرائن خارجية، يعرف قيمة ما اختلقه بعض النواصب: من ان مقاتلة أمير المؤمنين عليه السلام مع أعدائه لم تكن بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وعهد منه إليه، وإنما هي رأي رآه عليه السلام، وسياسة وقتية ! ! ! فليتنبه.

(68) كذا في النسخة، والظاهر أن كلمة: " على " من زيادة الكتاب، أو من الاغلاط المطبعية.

(69) تقدم تحت الرقم (65) أن الطبراني أيضا " روى هذا الحديث، وهذا مما قامت عليه الادلة المتواترة من طريق أهل البيت عليهم السلام وهو من ضروريات فقه الامامية وشيعة آل البيت عليهم السلام، ولكن ما أدري بماذا يعتذر من يصيح بين الملا: " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما " ! ! ! وفي ترجمة نعيم بن حماد بن معاوية، من تاريخ دمشق: ج 59 ص 429 بطرق كثيرة: خمسة عشر أو أكثر، عن النبي صلى الله عليه وآله: " تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على امتي قوم يقيسون الامور برأيهم فيحلون الحرام، ويحرمون الحلال " (70) الفلج - كفلس وقفل وجبل -: الفوز والظفر.

(71) لعل المشار إليه في قوله: " ذلك " هو عمل القوم في الدين بالرأي عندما لا يجد الامام ناصرا لمجاهدتهم فحينئذ يجب عليه الاقتصار في عمل نفسه على الهدى وعدم متابعتهم في آرائهم الزائغة.

 

[385]

قومك عطفوا الهدى على العمى، وعطفوا القرآن على الرأي - فتأولوه برأيهم تتبع الحجج من القرآن بمشتبهات الاشياء الكاذبة (72) عند الطمأنينة إلى الدنيا، والتهالك [فيها] والتكاثر [منها] - فاعطف (73) أنت الرأي على القرآن [و] إذا قومك حرفوا الكلم عن مواضعه عند الاهواء الساهية (74) والامر الصالح، والهرج الآثم (75) والقادة الناكثة، والفرقة القاسطة والاخرى المارقة، أهل الافك المردي، والهوى المطغي، والشبهة الحالقة، فلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(72) العبارة - هنا - مضطربة جدا، واحتمال التقديم والتأخير والسقوط والتصحيف قائم، ولعل الاصل كان هكذا: " فتأولوه برأيهم كي تتبع الحجج من القرآن لمشتهيات أمنياتهم - أو الامنيات - الكاذبة، عند طمأنينتهم إلى الدنيا وتهالكهم فيها وتكاثرهم منها الخ أو ان الباء في قوله: " بمشتبهات " بمعنى اللام، و " الكاذبة " صفة " لمشتبهات " أي الامورات التي لا اشتباه فيها واقعا، بل تحملها أهل الهوى على الشبهة كي يجدوا سبيلا إلى تأويل القرآن، وحمله عليه ما يهوون أو ان اللام في قوله " الطمأنينة والتهالك والتكاثر " عوض عن الضمير المضاف إليه.

(73) هذا جواب لقوله: " إذا قومك عطفوا " الخ وجميع ما بين المعقوفات زيادة منا يستدعيها سياق الكلام.

(74) أي الاهواء التي تسهي الانسان ما يجب عليه وينسيه الدار الآخرة.

(75) اي عندما كان أمر الامة صالحا يحرفون الكلم عن مواضعه كي يفسدوا عليهم صالح أمرهم، وعندما كانوا في هرج آثم أي في فتنة اختلاط يوجبان الاثم والذنب يحرفون لهم الكلم كي يزيدوا فتنة على فتنتهم ويغرقوهم في بحر المعاصي والذنوب.

وقيل: الهرج - محركة -: الاغاني وفيه ترنم.

وعليه فوصفه بالآثم ظاهر أيضا.

 

[386]

تنكلن (76) عن فضل العاقبة، فإن العاقبة للمتقين، وإياك يا علي أن يكون خصمك أولى بالعدل والاحسان، والتواضع لله والاقتداء بسنتي والعمل بالقرآن منك، فإن من فلج الرب على العبد يوم القيامة أن يخالف فرض الله، أو سنة سنها نبي، أو يعدل عن الحق ويعمل بالباطل فعند ذلك يملي لهم فيزدادوا إثما، يقول الله: " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " [178 - آل عمران: 3] فلا يكونن الشاهدون بالحق والقوامون بالقسط عندك كغيرهم.

يا علي إن القوم سيفتنون ويفتخرون بأحسابهم وأموالهم ويزكون أنفسهم ويمنون بدينهم على ربهم، ويتمنون رحمته ويأمنون عقابه ويستحلون حرامه بالمشتبهات الكاذبة (77) فيستحلون الخمر بالنبيد، والسحت بالهدية،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(76) هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة: " لا تتكلن ".

يقال: " نكل عنه من باب نصر، وضرب وعلم - نكولا ": رجع.

جبن.

و " الشبهة الحالقة ": التي تحلق الدين وتستأصله من أصله كما تستأصل الموسى الشعر وتحلقه من أصله.

وذلك مثل البدعة في الدين، والافتراء على الله ورسوله وخليفته، وقذف المحصنات، والسعي في الافساد بين المؤمنين وأمثالها.

(77) وفي النهج: " ويأمنون سطوته ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والاهواء الساهية " الخ وهو أظهر.

 

[387]

والربا بالبيع، ويمنعون الزكاة، ويطلبون البر، ويتخذون فيما بين ذلك أشياء من الفسق لا توصف صفتها، ويلي أمرهم السفهاء، ويكثر تبعهم على الجور والخطاء، فيصير الحق عندهم باطلا، والباطل حقا، ويتعاونون عليه ويرمونه بألسنتهم، ويعيبون العلماء، ويتخذونهم سخريا ! ! قلت: يا رسول الله فبأية المنازل هم إذا فعلوا ذلك، بمنزلة فتنة أو بمنزلة ردة ؟ (78).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(78) وفي النهج: " فقلت: يا رسول الله بأي المنازل أنزلهم عند ذلك، أبمنزلة ردة أو بمنزلة فتنة، فقال: بمنزلة فتنة ".

أقول: الردة - بكسر الراء - اسم من الارتداد أي الرجوع عن الاسلام.

وقال الشيخ حسن بن سليمان الحلي (ره) - في مجموعته التي ألفها من منتخب بصائر الدرجات وغيره، ص 195 -: وقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس، ما صورته: " هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق عليه السلام فيمكن أن يكون تاريخ كتابته بعد المأتين من الهجرة، لانه عليه السلام انتقل بعد سنة مأة وأربعين من الهجرة، وقد روى بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة [كذا] عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، وبعض ما فيه عن غيرهما ".

ثم قال الشيخ حسن - بعد ذكر خطبة طويلة منه -: ومن الكتاب المذكور أيضا خطبة [أخرى] قال: وفيها بعد كلام طويل: يا رسول الله فبأي المنازل أنزلهم إذا فعلوا ذلك ؟ قال: بمنزلة فتنة، ينقذ الله بنا أهل البيت عند ظهورنا للسعداء من أولي الالباب، إلا أن يدعوا الصلاة (ظ) ويستحلوا الحرام في حرم الله، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر، يا علي بنا فتح الاسلام (ظ) وبنا يختمه [و] بنا أهلك الله الاوثان ومن يعبدها، وبنا يقصم كل جبار وكل منافق، حتى ليقتل في الحق من يقتل في الباطل [كذا] يا علي مثل هذه الامة مثل حديقة أطعم فوج عاما، ثم فوج عاما ثم فوج عاما، فلعل

 

[388]

قال: بمنزلة فتنة [إلى أن] ينقذهم الله بنا أهل البيت عند ظهورنا للسعداء من أولي الالباب، إلا أن يدعوا الصلاة ويستحلوا الحرام في حرم الله، فمن فعل ذلك منهم فهو كافر.

يا علي بنا فتح الله الاسلام وبنا يختمه [و] بنا أهلك الاوثان ومن يعبدها، وبنا يقصم كل جبار وكل منافق، حتى إنا لنقتل في الحق مثل من قتل في الباطل.

يا علي إنما مثل هذه الامة مثل حديقة أطعم منها فوجا عاما، ثم فوجا عاما [كذا] فلعل آخرها فوجا أن يكون أثبتها أصلا وأحسنها فرعا وأحلاها جنى (79) وأكثرها خيرا، وأوسعها عدلا، وأطولها ملكا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

آخرها فوجا أن يكون أثبتها أصلا وأحسنها فرعا وأمدها ظلا وأحلاها جنا وأكثرها خيرا وأوسعها عدلا وأطولها ملكا، إنما مثل هذه الامة كمثل الغيث لا يدرى أوله خير أم أخره، وبعد ذلك نتج الهرج [كذا] لست منه وليس مني ".

[قال:] إلى آخر الخطبة.

(79) الجنى - كعصى -: كل ما يجنى من ثمر أو ذهب أو عسل، والجمع: أجناء، وأجن، يقال: " جنى الثمرة - من باب رمى - جنيا وجنى " كرميا وعصى -: تناوله من شجرته.

 

[389]

يا علي كيف يهلك الله أمة أنا أولها ومهدينا أوسطها والمسيح بن مريم آخرها (80).

يا علي إنما مثل هذه الامة كمثل الغيث لا يدرى أوله خير أم آخره، وبين ذلك نهج أعوج لست منه وليس مني (81).

يا علي وفي تلك الامة يكون الغلول والخيلاء وأنواع المثلات (82) ثم تعود هذه الامة إلى ما كان عليه خيار أوائلها وذلك من بعد حاجة الرجل إلى قوت امرائه - يعني غزلها - حتى إن أهل البيت ليذبحون الشاة فيقنعون منها برأسها ويواسون ببقيتها من الرأفة والرحمة بينهم.

الحديث (3529) من كنز العمال: ج 8 ص 215 ط 1، بالهند، نقلا عن وكيع، ونقله أيضا في كتاب المواعظ من منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 6 ص 315 ط 1.

وقريب منه جدا في المختار (154) من خطب نهج البلاغة.

ورواه أيضا الطبرسي (ره) في الاحتجاج: ج 1 ص 246 ط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(80) ولعل أوسطية المهدي صلوات الله وسلامه عليه بلحاظ بقاء المسيح عليه السلام بعده فإنه عليه السلام يبقى بعد ظهوره وسيطرته على جميع العالم سبع - أو تسع - سنوات ثم يتوفاه الله ويأخذه إليه على ما هو المستفاد من الاخبار الكثيرة بين الفريقين.

(81) كذا.

(82) الغلول: الخيانة.

والخيلاء: العجب والكبر.

والمثلات: جمع المثلة - بفتح فضم ثم فتح -: العقوبة والتنكيل.

ما أصاب القرون الماضية من العذاب.

 

[390]

النجف، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بالبصرة، بعد دخوله بأيام فقام إليه رجل الخ.

ثم ساق كلامه إلى قوله: " ويعذب من يشاء ".

وقال شيخ الطائفة (ره) في تلخيص الشافي: ج 1 ص 274 ط النجف: والذي تظاهرت به الرواية، ونقلته أهل السيرة - من هذا الباب - من طرق مختلفة: أن أمير المؤمنين عليه السلام لما خطب بالبصرة، وأجاب عن مسائل شتى سئل عنها وأخبر بملاحم وأشياء تكون بالبصرة، قام إليه عمار بن ياسر رض الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يكثرون في أمر الفئ، ويقولون: من قاتلنا فهو وولده وماله لنا فئ.

وقام من بكر بن وائل رجل يقال له عباد الخ.

ثم ساق الكلام إلى قولهم له عليه السلام: أصاب الله بك الرشاد والسداد.

أقول: وأشار إليها أيضا في أواسط الباب الاخير من كتاب المسترشد، ص 162، وذكر قطعة منها كما تقدم، وقطعة من أولها رواها المجقق البحراني في شرح المختار (99) من خطب النهج: ج 3 ص 16، ورواها عنه في البحار: ج 8 ص 448 ط الكمباني في ذيل خطبة طويلة.

وأيضا أشار إلى الكلام - وذكر قسما منه مما مر تحت الرقم (63) - في الحديث (602) وتاليه من كتاب شواهد التنزيل الورق 104، وفي ط 1: ج 1، ص 438 بسندين آخرين.

وأشار إلى هذه القضية - قبلهم جميعا - ابن أعثم الكوفي في ختام قصة الجمل، كما في المترجم من تاريخه ص 183، س 14، و 3 عكسا، وفيه أن منذر بن الجارود العبدي سأله عن فتن آخر الزمان.

ومما تقدم تحت الرقم (78) من التعليقات يعلم أن للكلام سندا ومصدرا آخر، بل قد علم من التعليقات أن اكثر فصوله مروي بطرق وأسانيد.