[44]
ومن كلام له عليه السلام أوصاه لرجل بعثه على عكبرا
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، قال حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثني عمى، عن الفضل بن نعيم، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر الجبلي عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من ثقيف (قال): إن عليا (أمير المؤمنين) أستعملني على عكبرا (1) - قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون - فقال لي بين أيديهم: أستوف منهم خراجهم ولا يجدو (ن) منك رخصة، ولا يجدو (ن) فيك ضعفا.
ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلي.
(2) قال فرحت إليه (بعد الظهر) فلم أجد عنده حاجبا يحجبني دونه، ووجودته جالسا وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بطيبة (3) قال: فقلت في نفسي لقد آمنني حتى يخرج لدي جوهرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي الأصل - ومثله في تاريخ دمشق -: (أستعمله على عكبرا.. (2) أي أقبل إلي، من قولهم: (راح - من باب قال - رواحا): جاء أو ذهب.
(3) كذا في الأصل - بالطاء المهملة - ومثله في تاريخ دمشق وحلية الأولياء، وذكره في هامشه عن بعض النسخ بالمعجمة وقال: هي جراب صغير.
أقول: وذكره بعض المتأخرين بالظاء المعجمة ثم الباء الموحدة، ثم الياء المثناة التحتانية: (الظبية) وقال: هي جريب من جلد ظبي عليه شعره.
[45]
- ولا أدري ما فيه (4) - قال: فإذا عليها ختم، فكسر الختم فإذا فيه سويق فأخرج منه فصب في القدح وصب عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر (أن) قلت: يا أمير المؤمنين بالعراق تصنع هذا ؟ (إن) طعام العراق أكثر من ذلك ! ! ! قال: أما والله ما أختم عليه بخلا له (5) ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفتح فيوضع فيه من غيره فإنما حفظي لذلك وأكره أن يدخل في جوفي إلا طيب (ثم قال:) وأني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت بين أيديهم لأنهم قوم خدعة (6) ولكني آمرك الأن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت (ما امرتك به فهو) وإلا أخذك الله به دوني ! ! ! وإن بلغني عنك خلاف ما أمرك به عزلتك (7) (ثم قال): لا تبغين (8) لهم رزقا يأكلونه ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلا منهم سوطا في طلب درهم (9) ولا تبغين لهم دابة يعملون عليها، فإنا لم نؤمر بذلك (10) إنما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وإنما قال: (فيه) لأن (طيبة) ظرف فذكر الضمير بلحاظ المعنى وفي تاريخ دمشق: (فيها).
وهو أظهر.
(5) وفي تاريخ دمشق: (بخلا عليه) وهو أظهر.
(6) الخدعة - كصردة - والخداع: كثير المكر والحيلة.
(7) وفي تاريخ دمشق: (خلاف ما أمرتك به).
(8) وفي الأصل: (لا تبغن) وفي تاريخ دمشق: (لا تبيعن).
واللام في قوله (لهم) بمعنى (من).
(9) وزاد في تاريخ دمشق: (ولا تهيجه في طلب درهم).
(10) جملة: (فإنا لم نؤمر بذلك) كانت في الأصل بعد قوله: (في طلب درهم) وتأخيرها - كما صنعناه - أحرى لأتساق الكلام.
[46]
أمرنا أن نأخذ منهم العفو (11).
(قال) قلت: (يا أمير المؤمنين) إذن أجيئك كما ذهبت ! ! ! قال: وإن (تجيئني كما ذهبت) ! ! ! (قال:) فتتبعت ما أمرني (به فرجعت) والله ما بقي (علي) درهم (واحد) إلا (و) فيته.
الحديث (21) من الباب الثالث من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي السيد أبي طالب - ص 25، ورواه أيضا في الحديث: (1248) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق، وبعض ما وضعناه بين المعقوفات مأخوذ منه.
ورواه أيضا في ترجمته عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1، ص 82 وله أيضا مصادر أخر أشرنا الى بعضه في تعليق الحديث من تاريخ دمشق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) أي الفضل من المال مما يزيد عن نفقات الرجل بحيث لا يقع في العسر من بذله، ولعله المراد من قوله تعالى في الآية: (219) من سورة البقرة: (ويسألونك ماذا ينفقون، قل العفو) وفيه أقوال أخر.
[47]
ومن كلام له عليه السلام عزى به الأشعث بن قيس في ابن مات له فجزع عليه
قال إبن عساكر: أخبرنا أبو القاسم إبن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسن إبن النقور، وأبو منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب، قالا: أنبأنا أبو طاهر المخلص، أنبأنا أبو محمد عبيدالله بن عبد الرحمن، أنبأنا زكريا بن يحيى المقرئ أنبأنا الأصمعي: أنبأنا سفيان قال: عزا علي بن أبي طالب الأشعث بن قيس على إبنه فقال (له): إن تحزن فقد أستحقت منك الرحم، وإن تصبر ففي الله خلف من إبنك، إنك إن صبرت جرى عليك القدر وانت مأجور، وأن جزعت جرى عليك (القدر) وانت مأثوم.
ترجمة الأشعث بن قيس الگندي من تاريخ دمشق: ج 6 ص 106، أو 1140، ورواه أيضا في تهذيبه: ج 3 ص 74 ط سنة 1331 بالشام، وللكلام مصادر كثيرة.
[48]
ومن خطبة له عليه السلام في وظائف أئمة الحق في حال سيطرتهم على الناس قال السبط إبن الجوزي: أخبرنا أبو طاهر الخزيني، أخبرنا المبارك، عن عبد الجبار الصيرفي، قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حدثنا أبو بكر بن نجيب، حدثنا أبو جعفر بن علي، حدثنا هناد، عن وكيع: عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على أمير المؤمنين - عليه السلام - ليلة عند أفطاره (1) فقال لي: قم فتعش مع الحسن والحسين.
ثم قام الى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج شعيرا مطحونا ثم ختمه، فقلت: يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير ؟ ! فقال: لم أختمه بخلا ولكن خفت أن يبسه الحسن والحسين بسمن أو أهالة (2) فقلت: أحرام هو ؟ قال: لا ولكن:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي الأصل هكذا: عن الأحنف بن قيس قال: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذاك اللون.
فقدموا لونا ما أدري ما هو.
فقلت: ماهذا ؟ فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر.
قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك ؟ فقلت: لله در إبنأبي طالب لقد جاد بنفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك ! ! فقال: وكيف ؟ فقلت: دخلت عليه ليلة عند أفطاره فقال لي: قم فتعش الخ.
(2) يقال: (بس السويق - من باب مد - بسا): خلطه بسمن أو زيت.
وقال في المجتمع: وعن أبي السكيت: (بسست السويق أو الدقيق): بللته بشئ من الماء.
وأيضا قال في مجمع البحرين الأهالة: بكسر الهكزة -: الشحم المذاب.
وقيل: دهن يؤتدم به.
وقيل: الدسم الجامد.
ومنه الحديث: (إدهن بسمن أو إهالة).
وفي الخبر: (كان (عليه السلام) يدعى إلي خبز الشعير والأهالة فيجيب).
[49]
على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشئ لا يقدرون (عليه) ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا.
أوائل الباب الخامس من كتاب تذكرة الخواص، ص 118.
[50]
ومن كلام له عليه السلام في ملاك أمر المجتمع وما يعصمهم عن الزلل ويحصن أعراضهم
قال إبن دريد: أخبرنا الجرموزي، عن إبن المهلبي، عن إبن الكلبي، عن شدار بن إبراهيم، عن عبيد الله بن الحسن العنبري (1) عن إبن عرادة، قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشي الناس في شهر رمضان باللحم (2) ولا يتعشى معهم، فإذا فرغوا خطبهم ووعظهم، فأفاضوا ليلة في الشعراء وهم على عشائهم، فلما فرغوا خطبهم عليه السلام، وقال وفي خطبيته: إعلموا إن ملاك أمركم الدين (3) وعصمتكم التقوى، وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم.
ثم قال: يا أبا الأسود: فيما كنتم تفيضون فيه أي الشعراء أشعر ؟ فقال: يا أمير المؤمنين الذي يقول: ولقد أغتذي يدافع ركني أعوجي ذو ميعة إضريج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في الاصل الحاكي، وفي ترجمة أبي داود، من الأغاني: حدثنا شداد بن عبيد الله، قال: حدثنى عبد الله بن الحر العنزي القاضي، عن أبي عرادة الخ.
(2) يقال: (عشى الرجل تعشية وأعشاه أعشاء): أطعمه العشاء - على زنة سماء -: طعام العشي.
(3) ملاك الأمر - بفتح الميم وكسرها -: قوام الأمر الذي يملك به.
[51]
خلط مزيل معن مفن منفح مطرح سبوح خروج (4) يعني أبا داود الأيادي.
فقال عليه السلام: ليس به.
قالوا: فمن يا أمير المؤمنين ؟ فقال: لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علما من السابق منهم، ولكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة ولا رهبة.
قيل: من هو يا أمير المؤمنين ؟ قال: هو الملك الضليل ذو القروح.
قيل: أمرؤ القيس يا أمير المؤمنين قال: هو.
قيل: فأخبرنا عن ليلة القدر.
قال: ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها، وليست أشك إن الله إنما يسترها عنكم نظرا لكم، لأنه لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم غيرها وأرجو أن لاتخطأكم إنشاء الله، * (هامش) (4) دايون أبي داود، ص 299، وقال إبن دريد لما فرغ من الخبر: (أضريج): ينبثق في عدوه، وقيل: واسع الصدر.
و (منفح): يخرج الصيد من مواضعه.
و (مطرح): يطرح بصره.
و (خروج): سابق.
و (الغاية): الراية، قال الشاعر: وإذا غاية مجد رفعت نهض الصلت إليها فحواها ويروى قول الشماخ (كما في ديوانه ص 97): إذا ماراية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين بالغين والراء أكثر، فأما البيت الأول فبالغين لا غير، أنشده الخليل في عروضه، وفي حديث طويل في الصحيح: (فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية أثنى عشر الفا).
والميعة: أول جري الفرس.
وقيل: الجري بعد الجري.
[52]
إنهضوا رحمكم الله.
شرح المختار (461) من قصار النهج - لأبن أبي الحديد -: ج 20 ص 153، ورواه عنه في الحديث (51) من باب النوادر، من البحار: ج 8 ص 738، وقريبا منه رواه في ترجمة أبي داود الأيادي من الأغاني: ج 16، ص 376 ط بيروت.
* * *
[53]
ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين سويد بن غفلة
قال سبط إبن الجوزي: قال القرشي (يعني عبد الله بن محمد المعروف بإبن أبي الدنيا): حدثنا محمد بن عمران، أخبرنا إبراهيم بن سعيد، عن إبن الخطاب، عن العمري: عن سويد بن غفلة قال: دخلت على (أمير المؤمنين) علي عليه السلام يوما وليس في داره سوى حصير رث وهو جالس عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين أنت ملك المسلمين والحاكم عليهم وعلى بيت المال وتأتيك الوفود وليس في بيتكم سوى هذا الحصير ؟ فبكى (عليه السلام) وقال: ياسويد إن اللبيب لايتأثث في دار النقلة (1) وأمامنا دار المقامة، قد نقلنا إليها متاعنا ونحن منقلبون إليها عن قريب.
قال (سويد): فأبكاني والله كلامه (2).
أواسط الباب الخامس من كتاب تذكرة الخواص، ص 123.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النقلة - كغرفة -: الأنتقال.
(2) ومما يناسب هنا جدا ما رواه أيضا في الباب المذكور، ص 120: قال: أخبرنا عبد الملك بن مظفر بن غالب الحري أخبرنا محمد بن ناصر،
[54]
أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، وعبد القادر بن محمد، قالا: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا أبو بكر بن نجيب، حدثنا أبو جعفر بن علي، حدثنا هناد، عن وكيع، عن أبن ثعلبة: عن سويد بن غفلة قال: دخلت على علي عليه السلام في هذا القصر - يعني قصر الأمارة بالكوفة - وبين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن، والرغيف يابس تارة يكسره بيده وتارة بركبتيه فشق علي ذلك، فقلت لجارية له يقال لها: فضة: ألا ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير ؟ أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه ؟ فقالت: لأي شئ يوجر هو ونأثم نحن ؟ إنه عهد الينا أن لاننخل له طعاما قط ! ! (قال:) فألتفت إلي وقال: ما تقول لها يا أبن غفلة ؟.
فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين إرفق بنفسك.
فقال لي: ويحك ياسويد ما شبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهله من خبز بر ثلاثا تباعا حتى لقى الله، ولا نخل له طعاما قط ! ! ولقد جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل، فأذا بأمرأة قد جمعت مدرا تريد أن تبله فقاطعتها على دلو بتمرة فمددت ستة عشر دلوا حتى مجلت يداي - وفي رواية فتحت (كذا) - ثم أخذت التمر وأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته فأكل منه.
وقد أخرجه أحمد ايضا في الفضائل فقال: أخبرنا علي بن حكيم الأودي، حدثنا شريك عن موسى الطحان عن مجاهد، عن علي عليه السلام وذكر نحوه.
وأخرجه أيضا في مسند علي من كتاب المسند: ج 1، ص 90 و 135، عن مجاهد، عن علي عليه السلام.
أقول: وقريبا من الذيل ذكره إبن عساكر في الحديث: (966) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 53.
[55]
ومن كلام له عليه السلام رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسويد بن غفلة
قال الحافظ الكبير: إبن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل، أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد بن الصفار، أنبأنا إسماعيل بن الفضل، أنبأنا قتيبة بن سعيد، عن جرير، عن زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن يزيد، وحبيب بن يسار: عن سويد بن غفلة، قال: أني (كنت) لأمشي مع علي (عليه السلام) بشط الفرات، فقال (لي) (1): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل أختلفوا فلم يزل إختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا، وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال أختلافهم بينهم حتى يبعث حكمين ضلا وضل من أتبعهما (2).
ترجمة عمرو بن العاص من تاريخ دمشق: ج 42 ص 100.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقال في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 106: وعن البيهقي عن يحيى بن جعدة، عن أبي هريرة إن بني إسرائيل أختلفوا فلم يزل إختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا، وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال إختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين ضلا وضل من تبعهما.
(2) ورواه بالسند المذكور عن إبن عساكر، في ختام أمر صفين من كتاب
[56]
البداية والنهاية: ج 7 ص 283 نقلا عن البيهقي في كتاب دلائل النبوة، وفيه: (فيضلان ويضلان).
ثم قال صاحب البداية والنهاية: إنه حديث منكر، ورفعه موضوع، والله أعلم (كذا) إذ لو كان هذا معلوما عند علي لم يوافق على تحكيم الحكمين، حتى لا يكون سببا لأضلال الناس كما نطق به هذا الحديث.
وآفة هذا الحديث هو زكريا بن يحيى - وهو الكندي الحميري الأعمى - قال إبن معين: ليس بشئ.
أقول: الحديث لا آفة فيه وشواهد كثيرة وإنما الآفة في الذي يريد تبرير أعداء أهل البيت معاوية وعمرو بن العاص شانئ محمد وأهل بيته في الجاهلية والأسلام آكلي الرشا، وباعة الخمر، وقاتلي النفوس المحترمة ولا بسي الحرير والذهب ولا عني أمير المؤمنين والسيدين الحسن والحسين ووو.
وكيف يستدل إبن الكثير على موضوعية الحديث بأنه لو كان هذا معلوما لم يوافق علي على تحكيم الحكمين.
وبين يديه ما كتبه قومه من إنه عليه السلام أكره على تحكيم الحكمين، حتى إنه بنفسه كتب في ص 275 من ج 7: إن عليا أراد أن يوكل إبن عباس ولكن منعه القراء وقالوا: لا نرضى إلا بأبي موسى.
فهو - أي إبن كثير - بصنيعه هذا من أشهر مصاديق قولهم: لاحافظة لكذوب.
ثم إنما ما ذكره من إنه عليه السلام لو أقدم مع هذا على التحكيم لكان سببا لأضلال الناس.
أيضا قول باطل فأنك إذا راجعت الي كيفية التحكيم وما أخذه عليه السلام على الحكمين تعلم قطعيا إنه لا يترتب على ما صنعه اضلال ولا شبهة إلا لضلال يريدون تشويه الحقائق ورفض المحكمات والتمسك بالمتشابهات لأضلال الناس كالخوارج وأبناء كثير، وتيمية، بل الصواب عكس ماقاله وهو إنه عليه السلام لما أكره على التحكيم قبله وأقدم عليه، ليميز الخبيث من الطيب ويعرف الناس الضلال والذين يحكمون بالهوى ويخافون ما أخذ عليهم من العهد والايمان من الحكم بالقرآن، كأبي موسي وإبن النابغة ومبرري أعمالهما.
ثم إن حديث سويد هذا، ذكره أيضا في مجمع الزوائد: ج 7 ص 345 في شرح المختار (242) من النهج: ج 13 / 315 وفي لسان الميزان: ج 3 ص 119.
نقلا عن أبي موسى.
[57]
ومن كلام له عليه السلام لما بلغه مبايعة عمرو بن العاص معاوية بطعمة مصر (1)
قال إبن عساكر: أخبرنا أبو بكر الحاسب، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا محمد بن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف، حدثنا الحسين بن فهم، حدثنا إبن سعد، أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي عون مولى المسور.
قال: وحدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه.
قال: وحدثنا أسامة بن زيد الليثي، عن يزيد بن أبي حبيب، قالوا (2):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مهمات التاريخ - بل من مهمات تشخسص الحق من الباطل، وتبيين الرشد من الغي - عرفان علة أتصال عمرو بمعاوية وتظاهرها على مشاقة أمير المؤمنين، وزادت هذه المهمة علل أخر - تعرفها بعد قراءة هذا المبحث بدقة وأمعان نظر، ومن أجلها طولنا الكلام وخرجنا عن موضوعنا بعض الخروج.
(2) وقال الطبري - في حوادث أواخر سنة (27) من تاريخه: ج 3 ص 314 -: قال إبن عمر: وحدثني أسامة بن زيد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: نزع عثمان عمرو بن العاص (كذا) عن خراج مصر، وأستعمل عبد الله بن سعد على الخراج فتباغيا، فكتب عبد الله بن سعد الى عثمان يقول: إن عمرا قد كسر علي الخراج.
وكتب عمرو: إن عبد الله كسر علي حيلة الحرب.. أقول: ومثله في تاريخ الكامل: ج 3 ص 45 غير إنه ذكره في حوادث سنة 26.
[58]
عز عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن خراج مصر، وأقره على الجند والصلاة، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح الخراج فتباغيا (3) فكتب عبد الله بن سعد الي عثمان: إن عمرا قد كسر علي الخراج.
وكتب عمرو بن العاص الى عثمان إن عبد الله بن سعد، قد كسر علي مكيدة الحرب.
فعزل عثمان عمرو بن العاص عن الجند والصلاة، وولى ذلك عبد الله بن سعد، مع الخراج، فانصرف عمرو مغضبا فقدم المدينة فجعل يطعن على عثمان ويعيبه، ودخل عليه يوما وعليه جبة له يمانية محشوة قطن (كذا) فقال له عثمان: ماحشو جبتك يا عمرو ؟ قال: حشوها عمرو.
(قال عثمان:) لم أرد هذا (4) يابن النابغة ما أسرع ماقمل جربان جبتك (5) وإنما عهدك بالعمل عام أول، أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بآخر ؟ فقال عمرو: أن كثيرا مما ينقل الناس الى ولاتهم باطل.
فقال عثمان: قد أستعملتك على ضلعك (6) فقال عمرو: وقد كنت عاملا لعمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي بغى وظلم كل واحد منهما الآخر.
ثم إن رسم خط المصدر غير واضح ويحتمل أيضا: (فتباهيا.
والتباهي: التفاخر.
(4) هذا هو الصواب، وفي الأصل: (لم اردت هذا) وفي ذيل الرواية المتقدمة عن الطبري: قال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد هذا، إنما سألت أقطن هو أم غيره.
أقول: إن عمرا قد تفطن لمراد عثمان، ولكن بغض التكلم مع عثمان حمله على التجاهل ولذ أستطار عثمان غضبا وقال ما قال.
(5) جربان - بضم الجيم والراء وكسرهما وتشديد الباء -: الجيب.
(6) أي على أعوجاجك خلقة وأنحرافك طبيعة.
و (الضلع) كحبل: الميل والعوج.
وكجبل: الأعوجاج خلقة.
[59]
إبن الخطاب، ففارقني وهو عني راض.
(قال:) فخرج من عند عثمان وهو محتفز عليه (7) فجعل يؤلب عليه الناس ويحرضهم عليه (8)، فلما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) كذا في النسخة، قال في مادة (حفز) من اللسان: الحفز (كفلس): حثك الشئ من خلفه سوقا وغير سوق.
وأحتفز فلان في جلوسه: أراد القيام والبطش بشئ.
وأحتفز في مشيه: أحتث وأجتهد.
وفي الرواية الآتية عن الطبري: (فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه).
وهو أظهر.
(8) وأظهر من هذه الرواية في تذبذب عمرو، وأجلابه الناس على عثمان وتشاتمهما ما رواه الطبري في حوادث سنة 35 من تاريخه ج 4 ص 391 قال: وأما الواقدي فأنه ذكر في سبب مسير المصريين الى عثمان أمورا كثيرة، منها ما تقدم ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة مني ذكره لبشاعته، ومنها ما ذكر (من) إن عبد الله بن جعفر حدثه عن أبي عون مولى المسور، قال: كان عمرو بن العاص على مصر، عاملا لعثمان، فعزله عن الخراج وأستعمله على الصلاة، وأستعمل عبد الله بن سعد، على الخراج، ثم جمعهما لعبدالله بن سعد، فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل إليه عثمان يوما خاليا به، فقال (له): يا أبن النابغة ما أسرع قمل جربان جبتك، إنما عهدك بالعمل عاما أول (كذا) أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بآخر، والله لولا أكلة ما فعلت ذلك.
فقال عمرو: إن كثيرا مما يقول الناس وينقولون إلى ولاتهم باطل، فأتق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك.
فقال عثمان: والله لقد أستعملتك على ضلعك وكثرة القالة فيك ! ! فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض.
فقال عثمان: وأنا والله لو أخذتك بما أخذك به عمر لأستقمت، ولكني لنت عليك فأجترأت علي، أما والله لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية، وقبل أن ألي هذا السلطان.
فقال عمرو: دع عنك
[60]
حصر عثمان الحصر الأول، خرج عمرو من المدينة حتى أنتهى الى أرض له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدانا به، قد رأيت العاضي (كذا) بن وائل، ورأيت أباك عفان، فولله العاص كان من أبيك.
فانكسر عثمان وقال: مالنا ولذكر الجاهلية.
وخرج عمرو، ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين وقد بلغت مبلغا يذكر عمرو إبن العاص أباك ؟ فقال عثمان: دع هذا عنك، من ذكر آباء الرجال ذكروا أباه.
قال: فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه (فكان) يأتي عليا مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان ويأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان ! ! ! ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان ! ! ! فلما كان حصر عثمان الأول خرج من المدينة حتى أنتهى الى أرض له بفلسطين يقال لها السبع، فنزل في قصر له يقال له: العجلان وهو يقول: العجب ما يأتينا عن إبن عفان (خبر) ؟ ! ! فبينما هو جالس في قصره ذلك، ومعه أبناه محمد وعبد الله وسلامة بن روح الجذامي، إذ مر بهم راكب فناداه عمرو: من أين قدم الرجل ؟ فقال: من المدينة.
قال: ما فعل الرجل ؟ - يعني عثمان - قال: تركته محصورا شديد الحصار.
قال عمرو: أنا أبو عبد الله، قد يضرط الغير والمكواة في النار فلم يبرح مجلسه ذلك حتى مر به راكب آخر، فناداه عمرو: ما فعل الرجل ؟ - يعني عثمان - قال: قتل.
قال: أنا أبو عبد الله أذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرض عليه، حتي أني لأحرض عليه الراعي في غنمه في الجبل ! ! ! فقال له: سلامة بن روح: يا معشر قريش إنه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حملكم على ذلك ؟ فقال (عمرو): أردنا أن نخرج الحق من خاصرة الباطل ! ! ! (ظ) وأن يكون الناس في الحق شرعا سواء.
[61]
بفلسطين يقال لها السبع (9) فنزل (10) في قصر يقال له: العجلان فلما أتاه قتل عثمان قال: أنا أبو عبد الله أذا أحك قرحة نكأتها (11) يعني: أني قتلته بتحريضي عليه وأنا بالسبع ! ! ! وقال: أتربص أياما وأنظر مايصنع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قال:) وكانت عند عمرو، أخت عثمان لأمه: أم كلثوم بنت عقل إبن أبي معيط ففارقها حين عزله.
ورواه ايضا في تاريخ الكامل: ج 3 ص 82.
وأيضا روى الطبري - بعد ما تقدم بورق في ص 395 - إن عمرو بن العاص نادى عثمان - وهو يخطب على المنبر -: أتق الله يا عثمان، فأنك قد ركبت نهابير، وركبناها معك فتب الى الله نتب.
فناداه عثمان: وأنك هناك يا أبن النابغة، قملت والله جبتك منذ تركناك من العمل.
- وساق الكلام الى أن قال: - وخرج عمرو بن العاص حتى نزل منزله بفلسطين فكان يقول: والله إن كنت لألقي الراعي فأحرضه عليه.
أقول: قال في مادة (النهابر) من التاج، ما ملخصه: النهابر والنهابير: المهالك - وكذلك الهنابير - وما أشرف من الأرض.
وقيل: ما أشرف من جبال الرمل، ومنه قول عمرو بن العاص لعثمان: إنك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمور فركبوها منك، وملت بهم فمالوا بك، أعدل - أو أعتزل -.
يعني بالنهابير: أمورا شدادا صعبة، شبهها بنهابير الرمل لأن المشي يصعب على من ركبها.
أو النهابير: الحفر بين الآكام، الواحدة نهبرة ونهبورة - بضمهما -.
وقيل النهابر: جهنم.
(9) قال في حرف العين من معجم البلدان: ج 3 ص 185: السبع (كفلس وقيل: كفرس): ناحية من فلسطين بين بيت المقدس والكرك، فيه سبع آبار، سمي الموضع بذلك، وكان ملكا لعمرو بن العاص أقام به لما أعتزل الناس.
(10) هذا هو الظاهر من السياق الموافق لما في تاريخ الطبري، وفي تاريخ دمشق: (فتولى في قصر...).
(11) وفي رواية إبن عساكر - في ترجمة عثمان من تاريخ دمشق: ج 25 ص 147 -: قال عمرو: قد علمت العرب أني أذا حككت قرحة أدميتها ! ! !
[62]
الناس فبلغه، إن عليا قد بويع له، فأشتد عليه ذلك، ثم بلغ إن عائشة وطلحة والزبير، ساروا الى الجمل فقال: أستأني وأنظر ما يصنعون، فلم يشهد الجمل ولا شيئا من أمره، ثم أتاه الخبر بأن طلحة والزبير قد قتلا، فأرتج عليه أمره، فقال له قائل: إن معاوية لا يريد أن يبايع لعلي فلو قاربت معاوية.
فقال (عمرو): أرحل ياوردان.
فدعى أبنيه عبد الله ومحمدا فقال: ماتريان ؟ فقال عبد الله: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنك راض (12) وتوفي أبو بكر وهو عنك راض، وتوفي عمر وهو عنك راض، أني أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على أمام فتبايعه.
وقال إبنه محمد بن عمرو: أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر.
فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي وأسلم لي في ديني، وأما أنت يا محمد أمرتني بالذي أنبه لي في دنياي وأشر لي في آخر ! ! ! وإن عليا قد بويع له، وهو يدل بسابقته (13) وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) هذا أما إستعطاف منه لأبيه كي لا يختار الضلالة على الهدى أو إنه من باب أن (كل فتاة بأبيها معجبة) من أين له إن رسول الله توفي وهو عنه راض ؟ وقد أستفاض عن عمرو - كما في ترجمته من تاريخ إبن عساكر وغيره - إن عمرا قال عند شرافه على الهلاك: ما أدري والله أحبا كان ذلك، أم تألفا يتألفني.
وهكذا الكلام في رضاية العمرين عنه.
(13): (دل الرجل = من باب ضرب ومنع - دللا، ودلاودلالا): تغنج وتلوى.
إفتخر.
[63]
غير مشركي في شئ من أمره ! ! ! إرحل ياوردان.
ثم خرج ومعه إبناه حتى قدما على معاوية بن أبي سفيان (14).
ثم قال (عمرو لمحمد: ما ترى ؟ فقال: بادر هذا الأمر تكن فيه رأسا قبل أن تكون ذنبا.
فروى (عمرو) في ذلك وقال: رأيت إبن هند سائلي أن أزوره وتلك التي فيها أنثياب البوائق أتاه جرير من علي بخطة أمرت عليه العيش مع كل ذائق فوالله ما أدري الى أي جانب أميل ومهما قادني فهو سائقي أأخدعه والخدع فيه دناءة (ظ) أم عطية من نفسي نصيحة وامق وقد قال عبد الله قولا تعلقت به النفس إن لم تعتلقني غلائقي وخالفه فيه أخوه محمد وأنى لصلت العود عند الحقائق فلما سمع عبد الله بن عمرو هذا الشعر، قال: بال الشيخ على عقبيه وباع دينه ! ! ! فلما أصبح عمرو، دعا مولاه وردان فقال: أرحل ياوردان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) وللرواية تتمة تأتي في ص 82، ثم إن ما في هذه الرواية من إن عمرا ذهب الي معاوية بلا إستدعاء منه وكتاب منه إليه، أما سهو من الراوي أو جهل أو ستر منه للحقائق، وقريبا يمر عليك شواهد، إنه لم يذهب الى معاوية إلا بعدما وصله كتاب معاوية بأن يأتيه.
[64]
فرحل، ثم قال: حط فحط، ففعل ذلك مرارا، فقال له وردان: أنا أخبرك بما في نفسك، أعترضت الدنيا والآخرة في قلبك فلست تدري أيتها تختار ! ! ! قال: لله درك من أخطأت فما الرأي ؟ قال: تقيم في منزلك، فأن ظهر أهل الدين عشت في دينهم.
وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا (ظ) عنك ! ! ! فقال: إرحل ياوردان على عزم.
وأنشأ يقول: يا قاتل الله أبدي لعمرك ما في النفس وردان ثم قدم على معاوية فذاكره أمره، فقال: أما علي فلا تستوي العرب بينك وبينه في شئ من الأشياء وأن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش.
قال: صدقت، وإنما نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه دم عثمان ! ! ! فقال عمرو: إن أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا وأنت ! ! أما أنا فترگته عيانا وهربت الى فلسطين وأما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، حتى أستغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه ! ! ! فقال معاوية: دع ذا وهات فبايعني.
قال: لا لعمرو الله لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك ! ! ! فقال معاوية: سل.
قال (عمرو): مصر تطعمني أياها.
فغضب مروان بن الحكم وقال: ما لي لا أستشار ؟ فقال معاوية: أسكت، فما يستشار إلا لك.
فقام عمرو مغضبا، فقال له معاوية: يا (أ) با عبد الله أقسمت عليك أن تبيت الليلة عندنا.
وكره أن
[65]
يخرج فيفسد عليه الناس، فبات (عمرو) عنده وقال: معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع فأن تعطني مصرا فأربح بصفقة أخذت بها (15) شيخا يضر وينفع وما الدين والدنيا سواء وأنني لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع ولكنني أعطيك هذا وأنني (16) لأخدع نفسي والمخادع يخدع فلما أصبح معاوية دخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال له: يا معاوية ما تصنع ؟ أما ترضى أن تشتري من عمرو دينه بمصر ؟ ! ! ! فأعطاه (معاوية) أياها وكتب له كتابا: (أن) لا ينقض شرط طاعة.
فمحا عمرو ذلك وقال: أكتب: لا ينقض الطاعة شرطا ! ! ! فقال عتبة بن أبي سفيان: أيها المانع سيفا لم يهز إنما ملت الى خز وقز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) هذا هو الظاهر الموافق لما في كتاب صفين وتاريخ اليعقوبي، وفي النسخة هكذا.
فإن تعطني مصرا فأربح صفقة وأخذت بها شيخا يضر وينفع (16) كذا في النسخة، وفي كتاب صفين ص 39 ط مصر، هكذا: ولكنني أغضي الجفون وأنني لأخدع نفسي والمخادع يخدع وأعطيك أمرا فيه للملك قوة وأني به إن زلت النعل أضرع وتمنعني مصرا وليست برغبة وأني بذا الممنوع قدما لمولع
[66]
إنما أنت خروف وافقت (كذا) بين ضرعين (17) وصوف لم يجز إعط عمرا إن عمرا باذل دينه اليوم لدنيا لم تحز اعطه مصرا وزده مثلها إنما مصر لمن عز فبز إن مصر لعلي أو لنا يغلب اليوم عليها من عجز وقال معاوية فيما جاء به جرير بن عبد الله: تطاول ليلي وأعترتني وساوسي لآت أتى بالترهات البسابس (18)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) كذا في النسخة عدا أن الشطر الثاني مصحف فيها، وفي كتاب صفين هكذا: إنما أنت خروف ماثل بين ضرعين وصوف لم يجز إعط عمرا إن عمرا تارك دينه اليوم لدينا لم تحز يالك الخير فخذ من دره شخبه الأولى وأبعد ما غرز وأسحب الذيل وبادر فوقها وأنتهزها إن عمرا ينتهز أعطه مصرا... وبعده هكذا: وأترك الحرص عليها ضلة وأشبب النار لمقرور يكز إن مصرا لعلي أو لنا... ومثله في كتاب الفتوح - لأبن أعثم -: ج 2 ص 388 ووردت أيضا في الأخبار الطوال ص 159.
وقولة: لمن عز فبز أي لمن غلب فسلب.
(18) الترهات البسابس - برفع الأول والثاني، وفي أضافة الأول الى الثاني -: الأباطيل.
الأكاذيب.
[67]
أتانا جرير من علي بحمقة (19) وتلك التى فيها أجتداع المعاطس يكاتبني والسيف بيني وبينه ولست لأثواب الذليل بلابس وقد منحتني الشام أفضل طاعة تواصي بها أشياخنا في المجالس وأني لأرجو خير ما نال طالب وما أنا من ملك العراق بيائس وقال البلاذري - في الحديث: (360) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1، ص 265 وفي المطبوع: ج 2 ص 282: وحدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم: عن عبد الوارث بن محرر، قال: بلغني إن عمرو بن العاص لما عزله عثمان إبن عفان، عن مصر، قال له: (يا) أبا عبد الله أعلمت إن اللقاح بمصر درت بعدك البانها ؟ فقال (عمرو: نعم) لأنكم أعجمتم أولادها ! ! فكان (هذا) كلاما غليظا، فلما تكلم الناس في أمره أتاه فقال: لقد ركبت بالناس النهابير، فأخلص التوبة وراجع الحق.
فقال له (عثمان): وأنت أيضا يا أبن النويبغة توثب علي لأن عزلتك عن مصر، (و) لا ترى (لي) طاعتك.
فخرج (عمرو الى فلسطين، فنزل ضيعة له بها يقال لها عجلان وبها له قصر، وكان يحرض الناس على عثمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) كذا في النسخة، وهو المناسب لسيرة معاوية، وفي كتاب صفين: أتانا جرير والحوادث جمة بتلك التي فيها أجتداع المعاطس أكابده والسيف بيني وبينه ولست لأثواب الدنئ بلابس إن الشام أعطت طاعة يمنية تواصفها أشياخها في المجالس فإن يجمع أصدم عليا بجبهة تفت عليه كل رطب ويابس وإني لأرجو خير ما نال نائل وما أنا من ملك العراق بآيس وإلا يكون عند ظني بنصرهم وإن يخلفوا ظني (أكف) كف عابس (*)
[68]
حتى الرعاة، فلما بلغه إنه محصور قال: (العير يضرط والمكواة في النار) (20) ثم بلغه قتله فقال: أنا أبو عبد الله أني إذا حككت قرحة أدميتها - أو قال: نكأتها -.
ثم دعا أبنيه عبد الله ومحمدا فقال: ماتريان ؟ فقال له عبد الله: قد سلم (لك) دينك وعرضك الى اليوم، فأقعد بمكانك.
وقال له محمد بن عمرو أخملت نفسك وأمط ذكرك فأنهض مع الناس في أمرهم هذا، ولا ترض بالدنية في العرب، فدعا (عمرو وردان مولاه فأمره بأعداد ما يحتاج إليه، وشخص الى معاوية، فكان معه (وهو) لا يشركه في أمره، فقال له (عمرو:) أني قصدت اليك وأنا أعرف موضع الحق، لتجعل لي في أمرك هذا حظا أذا بلغت ارادتك، ولأن تشركني في الرأي والتدبير.
فقال له (معاوية): نعم ونعمت عين قد جعلت لك ولاية مصر (21) فلما خرج من عند معاوية قال لأبنيه: قد جعل لي ولاية مصر.
فقال له محمد إبنه: وما مصر في سلطان العرب ؟ فقال: لا أشبع الله بطن من لم تشبعه مصر.
* (هامش) هذه من الأمثلة الشائعة بين العرب تضرب لمن يجزع ويضطرب قبل وقوع ما يتوقعه من المكاره والشدائد، ومثله في اللغة الفارسية قولهم: (بيش أز مرگ واويلاه ميكند) وهذا مذموم ومورد أستعجاب صدوره من الأكابر، وذلك لأن العير - وهو الأبل أو الحمار - إذا يداوي جرحه بالكي فبمجرد وصول المكواة الى الجراجة وإحساس شدة حرارة المكواة تختل ما سكته فيضرط ويخرج ما في جوفه من الأرياح وأما قبل الكي وفي حال كون المكواة في النار فأنه يضبط نفسه، بخلاف الأنسان الجزوع الجبان فأنه يجود بنفسه وتختل قواه وحسه بمجرد وضع المكواة في النار كي يكوى بها.
(21) قد عرفت وستعرف أيضا إنه لم يجبه الى أعطاء مسؤوله إلا بعد تشاح ومكايدة كل منهما لصاحبه، ففي العبارة تسامح.
[69]
البلاذري - في ذيل الرواية المتقدمة ص 498 وفي المطبوع: ج 1، ص 434 عن المدائني -: فلما أتاه الكتاب دعا أبنيه عبد الله ومحمدا فأستشارهم فقال له عبد الله: أيها الشيخ إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو راض عنك، ومات أبو بكر وعمر، وهما عنك راضيان، فأياك أن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها من معاوية فتكب كبا في النار ! ! ! وأيضا قال البلاذري - في الحديث: (361) من الترجمة -: حدثني أحمد إبن ابراهيم الدورقي، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا بشير بن عقبة أبو عقيل: عن الحسن قال: لما كان من أمر علي ومعاوية ماكان، دعا معاوية عمرو بن العاص الى قتال علي، فقال (له عمر): لا والله لا أظاهرك على قتاله حتى تطعمني مصر.
فأبا عليه (معاوية) فخرج (عمرو) مغضبا، ثم أن معاوية ندم وقال: رجل طلب إلي في شئ (كذا) على هذه الحالة فرددته ؟ فأجابه الى ما سأل.
وأيضا قال إبن عساكر في ترجمة عمرو من تاريخ دمشق: ج 42 ص 97: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد، أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا أحمد بن أسحاق بن منجاب، أنبأنا أبراهيم بن الحسين بن علي، أنبأنا يحيى بن سليمان الجعفي.
قال: وحدثني زيد بن حباب العكلي أخبرني جويرية بن أسماء الضبعي حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير (قال): أنبأنا أشياخنا أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش نباهة أعمى منها من عمرو بن
[70]
العاص (2) قال: وما زال معتصما بمكة ليس في شئ مما فيه الناس (23) حتى كانت وقعة الجمل، فلما كانت وقعة الجمل بعث الى أبنيه عبد الله ومحمد فقال لهما: أني قد رأيت رأيا - ولست ما بالذين ترداني ولكن أشيرا علي - أني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان وأنا طارح نفسي بين حواري مكة (كذا) ولست أرضى بهذه المنزلة ! ! ! فألى أي الفريقين أعمد ؟ فقال عبد الله إبنه: إن كنت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) كذا في النسخة وحق الكلام أن يكون هكذا: (إن الفتنة وقعت وما رجل من قريش أعمى نباهة منها من عمرو بن العاص).
(23) وفيه سهو ظاهر من جهتين: والألى إنه لم يكن بمكة بل كان بفلسطين والثانية إنه كان له القدح المعلى في تحريض الناس على عثمان وأثارة الفتنة كما تحقق جليا مما مر، واليك بعض المزيد: قال - الطبري في حوادث أواخر سنة (36) من تاريخه ج 3 ص 555 ومثله في تاريخ الكامل ج 3 ص 141 -: وأما الواقدي فإنه - فيما حدثني (به) موسى بن يعقوب عن عمه (عنه) قال: لما بلغ عمرا قتل عثمان قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع ! ! ! من يلي هذا الأمر من بعده ؟ أن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا، وأن يله أبن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق وهو أكره من يليه إلي ! ! ! قال: فبلغه إن عليا قد بويع له، فأشتد عليه وتربص أياما ينظر مايصنع الناس، فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة، وقال: أستأني وأنظر ما يصنعون، فأتاه الخبر إن طلحة والزبير قد قتلا، فأرتج عليه أمره فقال له قائل: إن معاوية بالشام لا يريد يبايع لعلي فلو قارنت معاوية - فكان معاوية أحب إليه من علي بن أبي طالب ! ! ! - وقيل (له أيضا: إن معاوية يعظم شأن قتل عثمان بن عفان ويحرض على الطلب بدمه.
فقال عمرو: أدعو لي محمدا وعبد الله.
فدعيا له فقال (لهما): قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان وبيعة الناس = لعلي وما يرصد معاوية من مخالفة علي فيما تريان ؟ أما علي فلا خير عنده ! ! ! وهو رجل يدل بسابقته وهو غير مشركي في شئ من أمره.
فقال عبد الله: توفي النبي صلى الله عليه وآله وهو عنك راض وتوفي أبو بكر وهو عنك راض، وتوفي عمر وهو عنك راض أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه.
وقال محمد: أنت ناب من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر.
قال عمر: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي وأسلم في ديني وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي وأشر لي في آخرتي.
ثم خرج ومعه إبناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو: أنتم على الحق أطلبوا بدم الخليفة المظلوم.
و (كان) معاوية لا تلتفت الى قول عمرو، فقال له: إبناه: إلا ترى الى معاوية لا يلتفت الى قولك أنصرف الى غيره فدخل عمرو على معاوية فقال: والله لعجب لك أني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا ! ! ! فصالحه معاوية وعطف عليه.
[71]
لابد فاعلا فإلي على.
فقال له عمرو: تظنك أمك (24) أني أن أتيت عليا قال لي: إنما أنت رجل من المسلمين، وأن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره ! ! ! فأتى معاوية.
قال: وأنبأنا (ه ايضا) ابراهيم بن الحسين، أنبأنا يحيى بن سليمان أنبأنا إبراهيم بن الجراح.
* (هامش) (24) كذا في النسخة، وفي الحديث (362) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الأشراف: ج 1 ص 366، وفي المطبوع: ج 2 ص 283 قال حدثنا خلف بن سالم، وأحمد بن إبراهيم، قالا حدثنا وهب بن جرير عن جويرية إبن أسماء: عن عبد الوهاب الزبيري، عن أشياخه، قالوا: لما وقعت الفتنة، لم يكون أحد من قريش أعفى (كذا) فيها عن عمرو بن العاص، أتى مكة فأقام بها، فلم يزل كافا حتى كانت وقعة الجمل، فقال لأبنيه: أني قد القيت نفسي بين جزاري مكة، وما مثلي رضي بهذه المنزلة فإلى من تريان أن أصير ؟ فقال عبد الله: صر الى علي فقال: إن عليا يقول (لي إذا أتيته): أنت رجل من المسلمين، لك ما لهم وعليك ما عليهم، ومعاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره ! ! ! قالوا فأت معاوية.
فأتاه فما خير له.
[72]
قال: ثم رجع (الكلام الى حديث أبي يوسف (25) عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه - أو غيره - قال: لما بلغ عمرو بن العاص بيعة الناس عليا دعا أبنيه عبد الله ومحمدا، وأستشارهما فقال له عبد الله: صحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وتوفي وهو عنك راض، وصحبت أبا بكر وعمر، فتوفيا وهما عنك راضيان، ثم صحبت عثمان فقتل وهو عنك راض فأرى أن تلزم بيتك فهو أسلم لدينك.
فقال له محمد: أنت شريف من أشراف العرب، وناب من أنيابها لا أرى أن يختلف العرب في جسيم أمورها (و) لا يرى مكانك ! ! ! قال: فقال عمرو لعبدالله: أما أنت فأشرت ألي بما هو خير لي في آخرتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) كذا في النسخة، ولم يتبين لي فيم تقدم من ترجمة عمرو من تاريخ دمشق أشارة الى أبي يوسف وحديثه، ولعله قد سقط عن النسخة.
[73]
وأما أنت يا محمد فاشرت علي بما هو أنبة لذكري (26).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) وبعد ه هكذا (أرتحلا.
فارتحلا الى معاوة، فأتى رجلا قد عاد الرضى (كذا) ومشى بين الأعراض، يقص على أهل الشام غدوة وعشية: يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم خليفة قتل مظلوما، فمن عاش منكم فإلى خير، ومن مات منكم فإلى خير.
فقال عبد الله بن عمرو: ما أرى الرجل إلا قد أنقطع بالأمر دونك.
فقل له: دعني وأياه.
ثم أن عمرا قال لمعاوية ذات يوم: يا معاوية أحرقت كبدي بقصصك، أترى إنا خالفنا عليا لفضل منا عليه، لا والله إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها ! ! ! وأيم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك أو لأنابذنك.
قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطا (يا) هم وأرزاقهم وما بقي فله، فرجع عمرو الى عبد الله فقال له: قد أخذت مصر.
فقال: وما مصر في سلطان العرب ؟ فقال له (عمرو: لا أشبع الله بطنك إن لم تشبعك مصر.
(قال: وزاد الكلبي في حديثه: فجعل كل واحد منهما يكايد صاحبه و (قال عمرو) لمعاوية أعطني مصر (ظ) فتلكأ معاوية وقال: ألم تعلم إن (أهل) مصر بعثوا بطاعتهم الى علي.
وإن إبن أبي سفيان أتى معاوية (كذا) فدخل عليه فقال له: أما ترضى إن تشتري عمرا بمصر، إن هي صفت لك ؟ وأن معاوية جعل مصر لعمرو بن العاص.
قال المحمودي: وما في هذه الرواية من إستشارة عمرو أبنيه في الوقود على معاوية، ثم إرتحاله إليه من غير طلب من معاوية،، خلاف الواقع - كما إن في =
[74]
وقال البلاذري - في الحديث: (363) من ترجمة علي عليه السلام من أنساب الأشراف ج 1 ص 367 وفي المطبوع: ج 2 ص 284 -: (حدثني) المدائني، عن سلمة بن محارب، قال: كتب معاوية الى عمرو بن العاص - وهو بفلسطين - بخبر طلحة والزبير وإن جرير بن عبد الله قد أتاه يطلب بيعته لعلي.
فقدم عليه.
أقول: وتقدم في ذيل المختار: (105) صورة كتابه برواية أخرى عنه.
(وبالسند المتقدم في ترجمة عمرو قال إبن عساكر) قال: وأنبانا إبراهيم إبن الحسين، أنبانا عبد الله بن عمر، أنبانا عمرو بن محمد، قال: * (هامش) = الرواية السابقة أيضا كان الامر كذلك - بل ما برح عمرو من مكانه بفلسطين حتى جاءه كتاب من معاوية يستدعيه إليه، قال نصر - في اواخر الجزء الاول من كتاب صفين ص 23 ط مصر -: حدثن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني فال (لما بلغ كتاب أمير المؤمنين عله السلام الى معاوية) واستحثه جرير بالبيعة، فقال: يا جرير انها ليست بخلسة وانه امر له ما بعده فابلعني ريقي حتى أنظر.
ودعا (معاوية) ثقاته (فشاورهم) فقال له عتبة بن أبي سفيان - وكان نظيره -: اجتمعن (كذا) على هذا الامر بعمرو بن العاص واثمن له بدينه فانه من قد عرفت، وقد اعتزل عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا إن ير فرصه (وفي نسخة ابن أبي الحديد: إلا أن يثمن له دينه).
فال نصر: عن عمرو بن سعد، ومحمد بن عبيد الله، قالا: كتب معاوية الى عمرو - وهو بالسبع من فلسطين: أما بعد فانه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وفد سقط الينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة، وقدم علينا جرير في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أذاكرك أمرا.
أقول: سيتلى عليك شواهد أخر.
[75]
سمعت الوليد البلخي قال: فلما أنتهى كتاب معاوية الى عمرو بن العاص (27) استشار أبنيه عبد الله ومحمدا ابني عمرو فقال (لهما): انه قد كانت مني في عثمان هنات لم أسخطها (ظ) بعد، وقد كان مني ومن نفسي حيث ظننت أنه مقتول ما قد احتمله (28) وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلي، وقد كتب الي معاوية يسألني أن أقدم عليه فما تريان ؟ (29).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) صريح العبارة أن معاوية كتب إلى ابن العاص وانه بعد وصول كتابه إليه استشار ابنيه، فليت البلخي ذكر الكتاب ولم يبخل باشاعة سر معاوية الى خدينه ! فإن كان البلخي ذكره - ولم يطأ مواطئ البخاري في ستر الحقائق - فليت أخلافه لم يجن ا العالمين بحذف كتاب كتبه خالهم الى طبقه.
وهذه الرواية قريبة جدا مما رواه اليعقوبي في تاريخه ج 2 ص 174.
(28) كذا في النسخة عدا إن كلمة (أسخطها) ليست جلية كما هو حقها، نعم الظاهر ذلك - فالضمير في (أسخط) راجع الى معاوية، والهاء عائد الى (هنات) أي إن الهنات التي صدرت منى في عثمان لم تجعل معاوية ساخطا علي بعد، وقد أحتمل عني خذلاني عثمان وخمولي في ناحية فلسطين.
وهذا الكلام أيضا دال على أن لعمرو في عثمان هنات وأنه قتل غير راض عنه.
(29) قال اليعقوبي (لما نزل جرير بكتا علي الى معاوية وخطب وطلب منه أن يبايع عليا) لم ينطق معاوية وقال: أبلعني ريقي ياجرير وبعث من ليلته الى عمرو بن العاص أن يأتيه وكتب إليه: أما بعد فأنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك، وقد سقط الينا مروان في رافضة أهل البصرة، وقدم علي جرير بن عبد الله في بيعة = (*)
[76]
فقال عبد الله ابن عمرو يا أبة إن رسول الله قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده (وكذا) وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فأقم في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية.
فقال محمد: يا أبة أنت شيخ قريش وصاحب أمرها وإن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت ! ! ! فالحق بجماعة أهل الشام وأطلب بدم عثمان.
فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي فلما جن عليه الليل أرق في فراشه ذلك (كذا) وجعل يتفكر أي الأمرين يأتي ثم أنشأ يقول: تطاول ليلي للهموم الطوارق وخوف التي تجلو وجوه العوائق (30) معاوي بن هند يسألني أزره (31) وتلك التي فيها عظام البوائق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= علي، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة الله تعالى.
فلما أنتهى الكتاب إليه دعا أبنيه عبد الله ومحمد فاستشارهما، فقال عبد الله... ثم ساق الكلام بمثل ما في رواية إبن عساكر - هذه - غير إن رواية اليعقوبي أوسع، وفيها أشعار غير موجوده في رواية بن عساكر - هذه - فراجع.
وليعلم إن بين المعقوفات كلها زيادة منا.
(30) هذا الشطر في النسخة كان مصحفا، فصححناه على وفق تاريخ اليعقوبي، والغدير وفي كتاب صفين ص 35: وخول التي تجلو وجوه العوائق.
(31) وفي تاريخ اليعقوبي هكذا: فإن ابن هند سألني أن أزوره وتلك التي فيها بنات البوائق
[77]
أتاه جرير من علي بخطه (32) أمرت عليه العيش مع كل ذائق (فإن نال مني ما يؤمل رده وأن لم ينله ذل ذل المطابق فو الله ما أدري وما گنت هكذا أكون ومهما أن أرى فهو سائق (33) أخدعه ولخدع فيه دنية (34) أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق إم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة لشيخ يخاف الموت في كل شارق وقد قال عبد الله قولا تعلقت به النفس إن لم تعتقلني عوائقي (35) وخالفه فيه أخوه محمد وأني لصلت الرأي عبد الحقائق (36) فلما أصبح دعا غلامه وردان فقال: ارحل يا وردان، حط يا وردان - مرتين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) الشطر الثاني صححناه على طبق تاريخ اليعقوبي، وفي النسخة: اتاه جرير من علي بخطة سرت عليها العسس والمرء دانق إن بين المعقوفين أيضا مأخوذ من تاريخ اليعقوبي وكتاب صفين.
(33) ومثله في الغدير، غير إن فيه: (ومهما قادني فهو سائقي) وفي تاريخ العقوبي: فو الله ما أدري وأني لهكذا أكون ومهما قادني فهو سائقي (34) وفي تاريخ اليعقوبي: (أأغدعه فالخدع فيه دنية... (35) لفظ النسخة غير واضح، وما ذكرناه فهو على وفق تاريخ اليعقوبي وفي كتاب صفين والغدير (ان لم عوائقي).
(36) كذا في النسخة، وفي تاريخ اليعقوبي وكتاب صفين والغدير: (وإني لصلب العود عند الحقائق).
[78]
أو ثلاثا - فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، أما إنك إن شئت انباتك بما في نفسك ! ! ! قال: هات.
قال: أعترضت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة وفي الآخرة عوض من الدنيا ومعاوية معه الدنيا بلا آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فأنت متحير بينهما ! ! ! فقال له عمرو: قاتلك (الله) ياوردان والله ما أخطأت فما ترى ؟ قال: أرى أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم (37) وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك.
فقال له عمرو الآن حين شهرني الناس بمسيري أقيم (38) ؟ ! ! ! أقول: والقصة بتفاصيلها مذكورة بأختلاف طفيف في كتاب الفتوح: ج 2 ص 382.
* (هامش) (37) كذا في تاريخ اليعقوبي - وهو الظاهر - وفي النسخة هكذا: (فإن ظهر أهل الدين غب بي عقود منهم) وهو مصحف.
(38) هذا هو الظاهر من السياق، وفي النسخة هكذا: (الآن حين سهري الناس بمسيري أقيم، فأرتحل الى معاوية).
وفي تاريخ اليعقوبي هكذا: قال عمرو: الأن وقد شهرتني العرب بمسيري الى معاوية ؟ أرحل ياوردان ثم أنشأ يقول: يا قاتل الله وردانا وفطنته أبدي لعمرك ما في القلب وردان (فرحل) فقدم على معاوية، فذاكره أمره، فقال (له عمرو): أما علي فو الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شئ من الأشياء، وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش إلا أن تظلمه.
قال (معاوية: صدقت ولكنا نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه قتل عثمان ! ! ! قال عمرو: واسوأتاه إن أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا ولأنت.
قال
[79]
ولم ويحك ؟ قال: أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه، وأما أنا فتركته عيانا وهربيت الى فلطين.
فقال معاوية: دعني من هذا، مد يدك فبايعني ! ! ؟ قال (عمرو): لا لعمر الله لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك.
قال له معاوية: لك مصر طعمة.
(قال:) فغضب مروان بن الحكم وقال: مالي لا أستشار ؟ فقال معاوية: أسكت فإنما يستشار بك.
فقال له معاوية: يا أبا عبد الله بت عندنا الليلة، وكره أن يفسد عليه الناس فبات عمرو وهو يقول: معاوية لا أعطيك ديني ولم أنل به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة أخذت بها شيخا يضر وينفع وما الدين والدنيا سواء وأنني لآخذ ما أعطى ورأسي مقنع ولكنني أعطيك هذا وأنني لأخدع نفسي والمخادع يخدع أأعطيك أمرا فيه للملك قوة وأبقى له إن زلت النعل أصرع وتمنعني مصرا وليس برغبة وإن ثرى القنوع يوما لمولع (كذا) فكتب له بمصر شرطا وأشهد له شهودا، وختم الشرط وبايعه عمرو وتعاهدا على الوفاء.
هذا آخر ما ذكره اليعقوبي وما لم نذكره من صدر روايته مثل ما ذكرناه في المتن عن أبن عساكر في ترجمة عمرو، ولا تغاير بينهما إلا تغايرا لفظيا في موارد قليلة، وكذا ذكر بعض القصة في مادة: (قدح) من النهاية.
والقصة ذكرها في أواخر الجزء الأول من كتاب صفين ص 32 - 44، وما فيه أوسع من جميع من كتب الموضوع من القدماء، كما ذكرها أيضا الخوارزمي في أوائل الفصل الثالث من مناقبه ص 128، وذكر إنه كتب إليه معاوية فأجابه عمرو بكتاب طويل يعدد فيه مناقب علي عليه السلام فكتب إليه معاوية ثانيا فرحل =
[80]
وقال المسعودي - في أوائل خلافة أمر المؤمنين عليه السلام من كتاب مروج الذهب: ج 2 ص 354 ط بيروت -: وقد كان عمرو بن العاص أنحرف عن عثمان، لأنحرافه عنه وتوليته مصر غيره، فنزل الشام (يعني منطقة فلسطين منه) فلما أتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي كتب الى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة لدم عثمان، وكان فيما كتب به إليه (ما لفظه): ماكنت صانعا إذا قشرت من كل شئ تملكه، فاصنع ما أنت صانع.
فبعث إليه معاوية (39) فسار إليه، فقال له معاوية: بايعني قال: لا والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك ! ! ! قال: سل.
قال مصر طعمة.
فأجابه الى ذلك.
وكتب له به كتايا، وقال عمرو بن العاص في ذلك: معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل به منك دنيا فانظرن كيف تصنع فإن تعطني مصر فأربح بصفقة أخذت بها شيخا يضر وينفع وقال إبن عساكر - في ترجمة عمرو، من تاريخ دمشق: ج 42 ص 100 -: أخبرنا أبو عبد الله البلخي، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب، انبأنا أبو علي بن شاذان، أنبأنا أحمد بن أسحاق بن منجاب، أنبأنا إبراهيم بن الحسن بن علي، أنبأنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثني عبد الرحمن بن زياد، أنبأنا أبو الصباح الأنصاري الواسطي، أنبأنا أبو هشام الرماني عن من حدثه قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= إليه عمرو، ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرحه على ختام المختار (26) من النهج: ج 2 ص 61.
(39) لم أعثر على مصدر آخر يذكر إن عمرا كتب الى معاوية بعد قتل عثمان، كما إن كتاب معاوية الى عمرو، وبعثه إليه لم يكن متصلا على ما يتراءى من لفظ المسعودي، كما إن أعطاء مصر لم يقع من معاوية في أول وهلة بل بعد تلكئ ومكايدة كل واحد منهما صاحبه.
[81]
كتب علي بن أبي طالب، الى عمرو بن العاص (40)، فلما أتى عمرا الكتاب، أقرأه معاوية، وقال: قد ترى ماكتب الي عليه بن أبي طالب، فأما أن ترضيني وأما أن ألحق به.
فقال له معاوية: فما تريد ؟ قال: أريد مصر مأكلة.
فجعلها له معاوية كما أراد، فأتخذ عمرو بن العاص أربعة (41).
وقال إبن عبد ربه - في عنوان: (خبر عمرو بن العاص مع معاوية) تحت الرقم (13) من كتاب العسجدة الثانية من العقد الفريد: ج 3 ص 113، ط 2: قال سفيان بن عتيبة: أخبرني أبو موسى الأشعري، قال أخبرني الحسن (42) * (هامش) (40) والظاهر إنه أول كتاب منه عليه السلام الى إبن النابغة، وإنه كتب إليه بعدما بلغه إن عمرا لحق بمعاوية، لمظاهرته ومعاندة الحق، واليك نص كتابه عليه السلام برواية نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 110: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين الى عمرو بن العاص.
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، وصاحبها مقهور فيها، لم يصب منها شيئا قط إلا فتحت له حرصا، وأدخلت عليه مؤنة تزيده رغبة فيها، ولن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه، ومن وراء ذلك فراق ما جمع، والسعيد من وعظ بغيره، فلا تحبط أجرك أبا عبد الله، ولا تجارين معاوية في باطله، فان معاوية غمص الناس، وسفه الحق، والسلام.
(41) كذا في النسخة.
(42) كذا.
[82]
قال: علم معاوية والله (إنه) إن لم يبايعه عمرو لم يتم له أمر، فقال له: يا عمرو أتبعني.
قال لماذا للآخرة فو الله ما معك آخرة ! ! ! أم للدنيا فو الله لا كان حتى أكون شريكك فيها ؟ ! ! قال فأنت شريكي فيها.
قال فاكتب لي مصر وكورها.
فكتب له مصر، وكورها وكتب في آخر الكتاب: وعلى عمرو السمع والطاعة.
قال عمرو: وأكتب إن السمع والطاعة لا ينقصان من شرطه شيئا.
قال معاوية: لا ينظر الناس الى هذا قال: عمرو: حتى تكتب.
قال: فكتب والله ما يجد بدا من كتابتها.
(قال) ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا في مصر، وعمرو يقول له: إنما أبايعك بها ديني ! ! ! فقال عتبة: أثمن الرجل بدينه (43) فأنه صاحب من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله.
(قال) وكتب عمرو الى معاوية: معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل به منك دنيا فانظرن كيف تصنع وما الدين والدنيا سواء وأنني لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع فإن تعطني مصر فأربح صفقة أخذت بها شيخا يضر وينفع رجع الكلام الى ذكر تتمة الرواية الأولى (44) (قالو لما نزل عمرو بن العاص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) هذا هو الصواب وفي الأصل: (ائتمن الرجل بدينه).
وإن أردت أن تحيط خبرا بعظمة الرجلين فأقرأ ما ورد في الشريعة في شأن الراشي والمرتشي فأنظر الى أحكام القضاء من كنز العمال أو منتخبه وبهامش مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 200 وكذا ما ورد في ذم الخداع والغش والمكر والخيانة.
(44) المنقولة في ترجمة عمرو، من طبقات إبن سعد، وعن ترجمة محمد بن =
[83]
بمعاوية، حدثه معاوية بالأمر، ثم طلب منه البيعة والقيام معه للطلب بدم عثمان وعود الخلافة شورى، فأبى عليه عمرو، إلا أن يشركه في دنياه ويعطيه مصر طعمة، فأبى معاوية في بدء الأمر من أعطائه مصر، ثم لما رأي إن أمره لا يتم إن لم يبايعه عمرو، رضي بذلك وأعطاه مصر) فبايعه (عمرو) على الطلب بدم عثمان، وكتبا بينهما كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تعاهد عليه معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص ببيت المقدس من بعد قتل عثمان بن عفان، وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة، إن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والأسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشئ ولا يتخذ من دونه وليجة، ولا يحول بيننا ولد ولا والد أبدا ماحيينا فيما أستطعنا، فإذا فتحت مصر فإن عمرا على أرضها وأمارته التي أمره عليه أمير المؤمنين، وبيننا التناصح والتوازر والتعاون على ما نابنا من الأمور، ومعاوية أمير على عمرو بن العاص في الناس وفي عامة الأمر، حتى يجمع الله الأمة، فإذا أجتمعت الأمة فإنهما يدخلان في أحسن أمرها على أحسن الذي بينهما في أمر الله الذي بينهما من الشرط في هذه الصحيفة.
وكتب وردان سنة ثمان وثلاثين (45).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عمرو، من تاريخ دمشق ج 51 ص 165.
وليعلم إن مابين المعقوفين هنا - بل في جميع الموارد - زيادة منا لأنتظام الكلام سابقا ولاحقا، وعبارة الرواية تبتدأ من قوله (فبايعه) الخارج عن المعقوفين، وهذه الكلمة مرتبة ومتصلة بما مر في الصفحة 58 أو 610 من قوله (ثم خرج ومعه أبناه حتى قدما على معاوية بن أبي سفيان).
(44) كذا في هذه الرواية، وهذا أيضا سهو من الراوي، إذ نزول أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة كان في أوائل رجب من سنة (36) وفي أوائل أيام نزوله =
[84]
قال: فبلغ ذلك عليا (عليه السلام) فقام فخطب أهل الكوفة فقال: أما بعد فإنه قد بلغني إن عمرو بن العاص الأبتر إبن الأبتر، بايع معاوية على الطلب بدم عثمان وحضهم عليه، فالعضد الشلاء - والله - عمرو ونصرته (.).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الكوفة بعث جريرا الى معاوية لأخذ البيعة منه، فمكث أربعة أشهر يترادى الكتب بينه وبين معاوية، وفي تلك المدة أجتمع معاوية مع شياطينه - منهم عمرو بن العاص - وأحكم أمره ثم أعلن بالشقاق، وهذا يستدعي إن وفاقه مع إبن العاص يتم في أواخر سنة (36) في شهر رمضان أو شوال، فسار أمير المؤمنين إليه فالتقوا بصفين في أواخر تلك السنة شهر ذي القعدة أو ذي الحجة.
(.) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (فالعضد - والله - الشلاء عمرو ونصرته).
وقال في الباب (64) من جواهر المطالب ص 82 - في عنوان: (خبر عمرو بن العاص مع معاوية) بعد ذكر نبذ من منثور كلام عمرو ومنظومه اللذين صرح فيهما بأنه لا يبيع دينه مجانا وبلا جعل - ولما قدم عمرو على معاوية، وقام معه في شأن علي بعد أن جعل له مصر طعمة، قال له: إن بأرضك رجلا له شرف وأسم، وإنه إن قام معك أستهويت به قلوب الرجال وهو عبادة بن الصامت.
فأرسل إليه معاوية، فلما أتاه وسع له بينه وبين عمرو بن العاص، فجلس بينهما فحمد الله معاوية وأثنى عليه، وذكر فضائل عبادة وسابقته، وذكر عثمان وفضائله وما ناله، وحظه على القيام في نصرته.
فقال عبادة قد: سمعت ما قلت أتدريان لم جلست بينكما ؟.
قالا: نعم لفضلك وسابقتك وشرفك.
قال: لا
[85]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله ما جلست بينكما لذلك، وما كنت لأجلس بينكما في مكانكما، ولكن بينا نحن نسير مع رسول الله وآله في غزوة تبوك، إذ نظر اليكما تسيران وأنتما تتحديان فألتفت الينا وقال: إذا رأيتموهما جميعا ففرقوا بينهما فإنهما لا يجتمعان على خير أبدا.
فأنا أنهاكما عن أجتماعكما، وأما ما دعوتماني إليه من القيام معكما فإن لكما عدو هو أغلظ أعدائكم عليكم وأنا كائن من ورائكم وإذا أجتمعتم على شئ دخلنا فيه إنشاء الله تعالى.
ورواه أيضا في عنوان: (خبر عمرو بن العاص مع معاوية) من العقد الفريد ج 3 ص 114 ورواه أيضا في كتاب صفين ص 112، ولكن ذكر زيد بن أرقم بدل عبادة بن صامت كما في الغدير ج 2 ص 127.
وقال في ترجمة عمرو، من تاريخ دمشق: ج 42 ص 99 أو 676: أنبانا أبو علي الحداد - وحدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه - أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا سليمان بن أحمد، أنبأنا يحيى بن عمان بن صالح (كذا) أنبانا سفيان بن عفير، أنبأنا سعيد بن عبد الرحمن، وولد من ولد شداد بن آوس عن أبيه، عن يعلى بن شداد بن آوس، عن أبيه: إنه دخل على معاوية، وهو جالس وعمرو بن العاص على فراشه فجلس شداد بينهما وقال هل تدريان ما مجلسي (كذا) بينكما ؟ لأني سمعت (كذا) رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا رأيتموهما جميعا ففرقو بينهما فو الله ما أجتمعا إلا على غدرة (ظ) فأحببت أن أفرق بينكما ورواه أيضا في مجمع الزوائد: ج 7 ص 248 وقال رواه الطبراني وفيه عبد الرحمن بن يعلى بن شداد، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
ورواه ايضا في كنز العمال: ج 6 ص 88 وقال: أخرجه إبن عساكر، ورواه
[86]
ترجمة محمد بن عمرو بن العاص من تاريخ دمشق: ج 51، ص 165، وذكره ايضا في ترجمة عمرو من الطبقات الكبرى: ج 4 ص 254 ولكن المتأخرين حرفوا الكتاب وأسقطوا منه ما دار بين عثمان وبين إبن العاص من المشاجرات تكالبا على الدنيا، وكذلك ما يرجع الى اتباع عمرو بن العاص لمعاوية وتعللهما في مخالفة أمير المؤمنين عليه السلم بالطلب لدم عثمان، كل ذلك مخافة أن يتنبه الناس لمنويات أئمتهم وما دب ودرج في نفوسهم من حب الدنيا والمشاقة مع الحق وتسابقهم في ميدان الهوى وهضم آل بيت المصطفى، ولكن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وهو لهم بالمرصاد، يبين حق آل محمد، وبطلان مناوئهم باقلام المعاندين والسنة المخالفين كما ذكرنا نبذا وافيا في هذا الكتاب - مع كونه غير مسوق لذلك - منه ما علقنا على هذا الموضوع من تاريخ الطبري فإنه مع شدة أحتياطه وأمساكه عما يمس بكرامة أولياءه - حتى أنه في هذا الموضع لم يذكر جميع ما ورد، وعلله بأنه أكره ذكره كما صنعه ايضا فيما دار بين أبي ذر وعثمان، وبين محمد بن أبي بكر ومعاوية ولكن - أجرى الله قلمه هنا فذكر - ما أسقطوه من الطبقات الكبرى - في ج 3 ص 314 كما ذكره ايضا في تاريخ الكامل ج 3 ص 45 وذكره ايضا العلامة الأميني في الغدير: ج 2 ص 153 ط 2، وج 9 ص 136، ط 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنهما في فضائل الخمسة ج 2 ص 392.
وقريبا منه بسند آخر رواه في كتاب الفتوح ج 2 ص 390 ط 1، عن عبادة بن الصامت.
وإن أردت أن تطلع على نموذج من مخازي الرجلين الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرجع الى الغدير: ج 2 ص 127، وج 10، ص 148، وما حولها.
[87]
ومن خطبة له عليه السلام لما بلغه إن عمرو بن العاص ينتقصه عند أهل الشام ويرميه بالدعابة ! ! ! قال الثقفي رحمه الله: وبلغ (أمير المؤمنين) عليا (عليه السلام) إن إبن العاص ينتقصه عند أهل الشام، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: زعم إبن النابغة (1) أني تلعابة تمزاحة ذو دعابة (2) أعافس وأمارس (3) هيهات يمنعني من ذاك خوف الموت وذكر البعث والحساب ! ! ! ومن كان ذا قلب ففي هذا له واعظ وزاجر ! ! ! أما وشر القول الكذب (و) أنه ليحدث فيكذب، ويعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من قوله عليه السلام: (زعم إبن النابغة - الى قوله: - أن يمنح القوم إسته) مأخوذ مما ذكره البلاذري تحت الرقم (153) من ترجمته عليه السلام من أنساب الأشراف، إذ كتاب الغارات لم يكن عندي عند تحرير الكلام.
وإبن النابغة: عمرو بن العاص.
والنابغة: أمه.
(2) تلعابة وتمزاحة - بكسر التاء فيهما -: كثير اللعب والمزاح.
(3) أي أعالج الناس وأضاربهم وأغري بعضهم ببعض مزاحا ولعبا.
وقيل: المعافسة معالجة النساء بالمغازلة.
[88]
فيخلف، ويحلف فيحنث ! ! ! وإذا كان يوم البعث فأي آمر وزاجر ما لم تأخذ السيوف مآخذها من هام الرجال ! ! فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم إسته (1) ! ! !.
ورواها المجلسي العظيم في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام من بحار الأنوار: ج 8 ص 571 ط الكمباني نقلا عن كتاب الغارات للثقفي رحمه الله، وللكلام مصادر كثيرة وقد ذكره البلاذري تحت الرقم: (98) من ترجمته عليه السلام من إنساب الأشراف: ج 2 ص 127، ط 1، عن المدائني عن إبن جعدبة عنه عليه السلام، ورواه ايضا تحت الرقم: (153) منه، ورواه ايضا إبن قتيبة في عيون الأخبار: ج 1، ص 148، ورواه ايضا التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: ج 3 ص 183، كما رواه إبن عبد ربه في العقد الفريد: ج 2 ص 187، ط 1.
ورواه ايضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (81) من نهج البلاغة، كما رواه الشيخ الطوسي في الجزء الخامس من أماليه.
كما رواه أيضا في أواسط الباب (54) من جواهر المطالب الورق 81 ورواه ايضا في الغدير: ج 2 ص 128، وذكر قطعا منه في مادة: عفس ومرس ولعب من النهاية وغيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي ظهره، يعني يفر من ساحة الحرب وينهزم من قرنه.
ويحتمل أن يريد (ع) من الأست - بكسر أوله - معناه الحقيقي وهو الدبر ويريد (ع) الأشارة الى ما صنعه عمرو، في حرب صفين لما حمل عليه أمير المؤمنين ليقتله فسقط عمرو عن فرسه وشغر برجليه وأبدى عورته ليعرض عنه.
[89]
من كلام له عليه السلام كلم به بعض أكابر اصحابه لما أشاروا عليه بالتعجيل في الذهاب الى الشام لقطع جذوذ الفساد من بين المسلمين قال إبن عساكر: قال الكلبي: وكان علي أستشار الناس (في الذهاب الى الشام والقتال مع معاوية) فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة غير الأشتر، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ الحارثي، وهانئ بن عروة المرادي (1) فإنهم قالوا لعلي: إن الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنما خوفوك حرب الشام، وليس في حربهم شئ أخوف من الموت وأياه نريد ! ! ! فدعا علي الأشتر وعديا وشريحا وهانئا فقال: إن أستعدادي لحرب (أهل الشام) وجرير بن عبد الله عند القوم، صرف لهم عن خير إن أرادوه، ولكني قد أرسلت رسولا فوقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده (إلا أن يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي كتاب الفتوح: هانئ بن عروة المذحجي...
[90]
مخدوعا أو عاصيا) والرأي مع الأناة فاتئدوا (1) ولا أكره لكم الأعداد (2).
ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 62، وقريبا منه رواه في المختار (43) من نهج البلاغة، والأمامة والسياسة: ج 1، ص 94، وقطعة منه رواها نصر بن مزاحم (ره) في كتاب صفين ص 55 عن صالح بن صدقة.
ورواها أيضا بأختصار في كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي - المتوفى حدود 314 - ج 2 ص 381 ط الهند.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الفتوح: ج 2 ص 381 ومن الأمامة والسياسة، و (الأناة) - كقناة -: الأمهال والانتظار والحلم.
ويقال: (أتأد في الأمر اتآدا وتوأد فيه توأدا): تمهل وتأني.
(2) أي أعداد أجهزة الحرب من الخيل والسلاح والزاد والراحلة.
[91]
ومن خطبة له عليه السلام خطبها لما إستشار المهاجرين والأنصار في المسير الى الشام نصر بن المزاحم المنقري، عن عمر بن سعد (الأسدي) عن إسماعيل بن يزيد، والحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنوت، قال: لما أراد علي المسير الى أهل الشام، دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار (1) فحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الحاكم في أواخر ترجمة عثمان من المستدرك: ج 3 ص 104: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان الهاشمي حدثنا علي بن قادم حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال: شهد مع علي صفين ثمانون بدريا، وخمسون ومئتان ممن بايع تحت الشجرة.
(و) أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان الهاشمي حدثنا علي بن قادم، حدثنا أبو إسرائيل عن الحكم قال: شهد مع علي صفين... أقول: وقد ذكر الحاكم في النوع: (42) من كتاب معرفة علوم الحديث ص 236 ط 1، أسماء جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن سكنوا الكوفة وحضروا صفين فراجع والظاهر إن الحكم يروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى كما رواه عنه العقيلي في ترجمة أبي إبراهيم عثمان بن أبي شيبة من ضعفائه: ج 1 / الورق 12 قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا أمية بن =
[92]
الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإنكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم مقاويل بالحق، مبار كو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير الى عدونا وعدوكم فأشير علينا برأيكم (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= خالد، قال: قلت لشعبة: إن أبا إبراهيم عثمان بن شيبة حدثنا عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنه قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلا.
فقال: كذب والله لقد ذاكرت الحكم ذاك وذكرناه في بيت (كذا) فما وجدنا شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت ! ! ! وقال في الأصابة: ج 4 ص 149: وأسند إبن السكن من طريق جعفر إبن أبي المغيرة عن عبد الله بن عبد الرحمن الأبزي قال: شهدنا مع علي عليه السلام ممن بايع بيعة الرضوان، تحت الشجرة ثمان مأة نفس صفين فقتل منا ثلاثمائة وستون.
كذا في فضائل الخمسة: ج 3 ص 376.
وقال في الإستيعاب: ج 2 ص 413: قال عبد الرحمن بن أبزي: شهدنا مع علي صفين في ثمان مأة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر.
(2) كذا في كتاب صفين ص 92، وقريب منه جدا في المختار: (114) من خطب النهج.
[93]
فقام هاشم بن عتبة، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير (3) هم لك ولأشياعك أعداء، ولمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجاهدوك، لا يبقون جهدا، مشاحة على الدنيا، وظنا بما في أيديهم منها، وليس لهم أربعة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان، كذبوا ليسوا بدمه يثأرون، ولكن الدنيا يطلبون، فسر بنا إليهم فإن أجابوا الى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال، وإن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم، والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد يطاع إذا نهى، ويسمع إذا أمر).
(وبالسند الثاني قال: ثم) إن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله وحمده وقال: يا أمير المؤمنين إن أستطعت أن لا تقيم يوما واحدا فأفعل، أشخص بنا قبل أستعار نار الفجرة، وأجتماع رأيهم على الصدود والفرقة، وأدعهم الى رشدهم وحظهم فإن قبلوا سعدوا، وإن أبوا إلا حربنا فو الله إن سفك دمائهم، والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين أنكمش بنا الى عدونا ولا تعرد (4) فو الله لجهادهم أحب الي من جهاد الترك والروم، لأدهانهم في دين الله، وأستدلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، إذا غضبوا على رجل حبسوه أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي أنا متناه في الخبرة والعلم بحاله.
وليعلم أنا لخصنا القصة بعض التلخيص.
(4) الأنكماش: الأسراع والجد.
والتعريد: الكف والإحجام.
[94]
ضربوه أو سيروه (من بلده) وفيؤنا لهم في أنفسهم حلال، ونحن لهم - فيما يزعمون - قطين (5).
فقال مشايخ الأنصار - منهم خزيمة بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما -: يا قيس لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام (فأعتذر قيس منهم ثم قالوا): ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم، فقالوا: قم يا سهل بن حنيف.
فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك، وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة، فتأمرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل، فإنهم هم أهل البلد، وهم الناس، فإن أستقاموا لك أستقام الذي تريد وتطلب، وأما نحن فليس عليك منا خلاف، متى دعوتنا أجبناك، ومتى أمرتنا أطعناك).
كتاب صفين ط 2 بمصر، ص 92، وقد لخصنا ما ذكرناه من أصحابه بعض التلخيص، ورواه عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3 ص 171، وذكره عنه ايضا في البحار: ج 8 ص 474 ط الكمباني إلا إنه لم يذكر كلام أصحابه عليه السلام إختصارا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) القطين: الخدم والأتباع والحشم والمماليك، وفسره نصر - أو بعض الرواة - بالرقيق.
[95]
ومن خطبة له عليه السلام في حث أصحابه على المسير الى الشام نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن أبي مخنف، عن زكريا إبن الحارث، عن أبي حشيش (1) عن معبد، قال: قام علي خطيبا على منبره فكنت تحت المنبر حين حرض الناس وأمرهم بالمسير الى صفين لقتال أهل الشام، فبدأ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سيروا الى أعداء الله، سيرو الى أعداء السنن والقرآن، سيروا الى بقية الأحزاب، وقتلة المهاجرين والأنصار (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في الطبعة الثانية من كتاب صفين، وفي شرح إبن أبي الحديد: ج 3 ص 173: (خشيش) وضبطه أبو الفضل محمد إبراهيم مصغرا.
(2) وروى البزاز بأسنادين عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي: أنفروا الى بقية الأحزاب، إنفروا بنا الى ما قال الله ورسوله أنا نقول: صدق الله ورسوله ويقولون كذب الله ورسوله.
قال في مجمع الزوائد: ج 7 ص 239: رواه البزار بإسنادين في أحدهما يونس بن أرقم وهو لين، وفي الآخر السيد بن عيسى - قال الأزدي: ليس بذاك - وبقية رجالهما ثقات.
أقول: الحديث مستفيض وله طرق متعددة.
ورواه ايضا إبن أبي الحديد في شرح المختار () من نهج البلاغة: ج 2 ص 194، عن الأعمش عن الحكم إبن عتيبة عن قيس بن حازم عن أمير المؤمنين عليه السلام وروايته بنفسها كافية في أمثال المقام لأنه من مبغضي أمير المؤمنين ! ! !
[96]
فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال: أتريد أن تسيرنا الى أخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا الى أخواننا من أهل البصرة فقتلناهم، كلا ها الله إذا لانفعل ذلك (3) فقام الأشتر فقال: من لهذا أيها الناس ؟ فهرب الفزاري وأشتد الناس على أثره فلحقوه فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم حتى قتل (4) فحمد الله الأشتر وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين لا يهدنك ما رأيت (5) ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن، جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ولا يحبون بقاءا بعدك، فإن شئت فسر بنا الى عدوك، والله لا ينجو من الموت من خافه، ولا يعطي البقاء من أحبه، وما يعيش بالآمال إلا شقي، وأنا لعلى بينة من ربنا، إن نفس لن تموت حتى يأتي أجلها، فكيف لا نقاتل قوما وهم كما وصف أمير المؤمنين، وقد وثبت عصابة منهم بالأمس على طائفة من المسلمين، فأسخطوا الله وأظلمت بأعمالهم الأرض، وباعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير (6).
فقال علي عليه السلام:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) قال في الهامش: ها التنبيه قد يقسم بها - كما هنا - قال إبن منظور: إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء وإن شئت اثبت.
(4) فوداه عليه السلام من بيت المال لأن قاتله لم يعرف.
(5) يقال: (هده - من باب مد - حدا وحدودا): كسره وضعضعه.
(6) الخلاق - كسحاب -: الحظ والنصيب والمراد منه - عنا - حظهم الأخروي من ثواب أيمانهم وما يتظاهرون به من عمل الخير، فإنهم لو أستقاموا عليه وأدوا واجباتهم وأعمالهم الشرعية بما لها من القيود والشرائط كان لهم عند الله مقاما كريما وأجرا عظيما.
[97]
الطريق مشترك والناس في الحق سواء، ومن أجتهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى، وقد قضى ما عليه.
ثم نزل (عليه السلام عن المنبر) فدخل منزله.
كتاب صفين الطبعة الثانية بمصر، ص 93 وقد أختصرنا كلام الأشتر وقصة أربد، وذكره أيضا في كتاب الفتوح: ج 2 ص 460 وكلامه عليه السلام فيه أطول ما في كتاب صفين.
ونقله أيضا إبن أبي الحديد في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3 ص 173 عن كتاب صفين ونقله أيضا عنه في البحار: ج 8 ص 474 ط الكمباني لكنه لم يذكر كلام الأشتر (ره) بتمامه بل أختصره كما أختصر ما قبله، وروى قريبا منه جدا في الأخبار الطوال ص 164.