[98]

ومن كلام له عليه السلام كلم به بعض أهل الكوفة ممن يهوي هوى معاوية واصحابه

نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) قال: حدثني أبو زهير العبسي، عن النضر بن صالح إن عبد الله بن المعتصم العبسي، وحنظلة بن الربيع التميمي، لما أمر علي عليه السلام الناس بالمسير الى الشام، دخلا في رجال كثير من غطفان وبني تميم، على أمير المؤمنين، فقال له التميمي يا أمير المؤمنين إنا قد مشينا اليك بنصيحة فأقبلها منا، ورأينا لك رأيا فلا ترده علينا فإنا نظرنا لك ولمن معك، أقم وكاتب هذا الرجل، ولا تعجل الى قتال أهل الشام، فأني والله ما أدري ولا تدري لمن تكون الغلبة إذا التقيتم، وعلى من تكون الدبرة (1) وقام إبن المعتصم، وتكلم القوم الذين دخلو معهما بمثل ما تكلم به (التميمي).

فحمد علي الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد، ورب السماوات السبع والأرضين السبع، واليه ترجعون، يؤتي الملك من * (هامش) (1) الدبرة - كضربة -: العاقبة.

الهزيمة في القتال.

 

[99]

يشاء، وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء، أما الدبرة فإنها على الضالين العاصين، ظفروا أو ظفر بهم.

وأيم الله أني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفو معروفا ولا ينكرو منكرا.

فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال: يا أمير المؤمنين إن هؤلاء والله ما أتوك بنصح، ولا دخلوا عليك إلا بغش، فأحذرهم فإنهم أدنى العدو.

فقال مالك بن حبيب: يا أمير المؤمنين إنه بلغني إن حنظلة هذا يكاتب معاوية فأدفعه الينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف.

وقام عياش بن ربيعة، وقائد بن بكير العبسيان فقالا: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتصم قد بلغنا إنه يكاتب معاوية فأحبسه أو مكنا منه نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف.

فقالا: هذا جزاء من نظر لكم وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم.

فقال علي (عليه السلام) لهما: الله بيني وبينكم وإليه أكلكم، وبه أستظهر عليكم اذهبو حيث شئتم.

الجزء الثاني من كتاب صفين ص 95 بتلخيص طفيف فيما عدا كلامه عليه السلام ورواه أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوج ج 2 ص 443 - مع إختصار، ونسبة كلامه عليه السلام الى غيره، والظاهر إن فيه سقطاً.

[100]

ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين بعض أصحابه لما عزم على لقاء معاوية وقد سأله: ألسنا على الحق ومعاوية على الباطل ؟

قال نصر، عن عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، قال: دخل أبو زبيب بن عوف (1) على علي فقال: يا أمير المؤمنين لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا، وأعظمنا في الخير نصيبا، ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا وأعظمنا وزرا، أمرتنا بالمسير الى هذا العدو، وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية وأظهرنا لهم العداوة نريد بذلك ما يعلم الله من طاعتك، وفي أنفسنا من ذلك ما فيها، اليس الذي نحن عليه الحق المبين، والذي عليه عدونا الغي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا بالمطبوع بمصر، من كتاب صفين ص 100، ط 2، وفي شرح إبن أبي الحديد: ج 3 ص 171، نقلا عن كتاب صفين: (دخل أبو زينب)...

والرجل ذكره الطبري في وقعة صفين سنة 37 من تاريخه ج 4 ص 19، وقال: (وقتل يومئذ) أيضا أبو زينب بن عوف بن الحارث (الأزدي)...

أقول: الظاهر إن هذا غير أبو زين إبن عوف الأنصاري المترجم في الأصابة والأستيعاب بهامشها: ج 4 ص 80 و 81 وإن أحتمل إنه هو.

 

[101]

والحوب الكبير (2).

فقال علي عليه السلام: بلى شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح النية في نصرتنا، قد قطعت منهم الولاية وأظهرت لهم العداوة كما زعمت، فإنك ولي الله تسيح في رضوانه وتركض في طاعته (3) فأبشر أبا زبيب.

فقال له عمار.

اثبت أبا زينب، ولا تشك في الأحزاب، عدو الله ورسوله (4) فقال أبو زبيب: ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة فيشهدا لي على ما سألت عنه من هذا الأمر الذي اهمني مكانكما.

وخرج عمار بن ياسر وهو يقول: سيروا الى الأحزاب أعداء النبي سيروا فخير الناس أتباع علي هذا أوان طاب سل المشرفي وقودنا الخيل وهز السمهري ودخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين نحن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) الحوب - بضم الحاء وسكون الواو -: الإثم والذنب.

(3) يقال: (ساح زيد - من باب باع - سيحا وسيحانا وسيوحا - كفيضا وفيضانا وفيوضا - وسياحة): جال في البلاد تفرجا وتنزها.

(4) كذا في الأصل.

 

[102]

على جهاز وعدة، وأكثر الناس أهل قوة، ومن ليس بمضعف وليس به علة، فمر مناديك فلينادي الناس يخرجوا الى معسكركم بالنخيلة، فإن أخا الحرب ليس بالسؤوم ولا النؤوم ولا من إذا أمكنه الفرص أجلها وأستشار فيها، ولا من يوخر الحرب في اليوم الى غد وبعد غد.

فقال زياد بن النظر: يا أمير المؤمنين لقد نصح لك يزيد بن قيس وقال: ما يعرف، فتوكل على الله وثق به، وأشخص بنا الى هذا العدو راشدا معانا، فإن يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك الى من ليس مثلك في السابقة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والقدم في الأسلام والقرابة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وا (ن) لا ينيب ويقبلوا ويابوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا، ورجونا أن يصرعهم الله مصارع أخوانهم بالأمس.

ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال: يا أمير المؤمنين إن القوم لو كانوا الله يريدون، أو لله يعملون، ما خالفونا، ولكن القوم إنما يقاتلون فرارا من الأسوة، وحبا للأثره، وضنا بسلطانهم، وكرها بفراق دنياهم التي في أيديهم وعلى أحن في أنفسهم وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آبائهم وأخوانهم.

ثم التفت الى الناس فقال: فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد، وجده عتبة في موقف واحد (5) والله ما أظن أن يفعل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) وهو يوم بدر، وكتب أمير المؤمنين عليه السلام الى معاوية: (وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد...).

 

[103]

ولن يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المران (6) وتقطع على هامهم السيوف، وتنثر حواجبهم بعمد الحديد، وتكون أمور جمة بين الفريقين.

كتاب صفين ص 96 ورواه عنه في شرح المختار: (46) من شرح إبن أبي الحديد ج 3 ص 171 وقريبا منه ذكر في كتاب الفتوح: ج 2 ص 446 لأحمد بن أعثم الكوفي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) يقال: (قصد الشئ - من باب ضرب - قصدا، وقصده تقصيدا): كسره.

وتقصد وإن قصد الرمح: إنكسر.

ورمح قصيد وأقصاد: متكسر.

والمران - بضم الميم - الرماح للدنة - أي اللينة - التي لها صلابة، والواحدة مرانة.

 

[104]

ومن كلام له عليه السلام في حث أصحابه على التخلق بالأخلاق الحسنة والتجنب عن التعود بالشتم واللعن

نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن عبد الرحمن، عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الله بن شريك، قال: خرج حجر بن عدي وعمرو إبن الحمق يظهر أن البراءة واللعن من أهل الشام، فأرسل اليهما علي إن كفا عما يبلغني عنكما.

فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين السنا محقين ؟ قال: بلا.

قالا: أو ليسوا مبطلين ؟: قال بلا.

قالا: فلم منعتنا من شتمهم ؟.

قال (عليه السلام): كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتتبرؤن، ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم (1) فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، و (لو) قلتم مكان لعنكم أياهم وبراءتكم منهم: اللهم أحقن دماءنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي المختار: (204) من خطب النهج: (أني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول.

وقريبا مما هنا ذكره في الأخبار الطوال ص 165، مرسلا.

 

[105]

ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به (2) كان هذا أحب إلي وخيرا لكم.

فقالا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.

وقال عمرو بن الحمق: أني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا أرادة مال تؤتينيه ولا إلتماس سلطان يرفع ذكري به، ولكن أجبتك لخصال خمس: إنك إبن عم رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم، وأول من آمن به، وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد، فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي (3) حتى يأتي علي يومي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك، ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك.

فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): اللهم نور قلبه بالتقى، وأهده الى سراط مستقيم ليت أن في جندي مأة مثلك.

فقال حجر: إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغيثك، ثم قال (ره): يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها، قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) يرعوي - من الإرعواء -: يكف عن غيه، ويرجع عن عدوانه.

و (لهج به) - من باب فرح -: أولع به فواضب عليه وداومه.

(3) الرواسي: جمع راسية: الراسخة الثابتة.

والطوامي: جمع طامية: المملوءة المرتفعة.

 

[106]

ضارستنا وضارسناها (4) ولنا أعوان ذو صلاح، وعشيرة ذات عدد، ورأي مجرب وبأس محمود، وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة، فإن شرقت شرقنا وإن غربت غربنا، وما أمرتنا به من أمر فعلناه.

فقال علي (عليه السلام): أكل قومك يرى مثل رأيك ؟.

قال ما رأيت منهم إلا حسنا، وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة، وبحسن الأجابة.

فقال له علي خيرا.

كتاب صفين ص 102، ومثله في المختار: (204) من النهج، غير أنه ذكر إن هذ ا الحوار كان بصفين وقريب منه في كتاب الفتوح: ج 2 ص 448.

أقول: ولما أجابه عليه السلام الأشراف بالسمع والطاعة ورأى إن جل الناس - عدا شرذمة قليلة - راغبون الى جهاد المحلين، ويأتمرون بأوامره، وينتهون عند نواهيه، كتب الى عظماء عماله على البلاد، وأمراء جنوده، وولاة الخراج يستحثهم على الوفود عليه كي يظاهروه على الباغين، ويجاهدوا معه القاسطين ويحق الحق ويبطل الباطل، ثم كتب أيضا الى معاوية إتماما للحجة وتأكيدا للبينة، وقد ذكرناه منها ما عثرنا عليه في المختار: (8) وتواليه من باب الكتب من كتابنا هذا فلاحظ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نلقحها: نجعلها حاملا ذات ولد.

وضارستنا: جربتنا وعرفتنا.

 

[107]

ومن خطبة له عليه السلام في حث الناس على قتال معاوية وأصحابه الفئة الباغية نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن أبي روق، قال: قال زياد بن النضر الحارثي لعبدالله بن بديل بن ورقاء (رضوان الله عليهما): إن يومنا ويومهم ليوم عصيب، ما يصبر عليه إلا كل مشيع القلب (1) صادق النية، رابط الجأش، وأيم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم إلا الرذال (2) قال عبد الله بن بديل: (وأنا) والله أظن ذلك فقال (لهما) علي (عليه السلام): ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تضهراه، ولا يسمعه منكما سامع.

إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل آتيه منيته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيل الله، * (هامش) (1) المشيع القلب: الشجاع، ومثله رابط الجأش، وهو كفلس: القلب والصدر، والجمع جؤوش كفلوس.

(2) وهو بضم الراء - كالرذيل والرذل كفلس -: الردئ والخسيس.

(*)

 

[108]

والمقتولين في طاعته.

فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين سر بنا الى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملو في عباد الله بغير رضاء الله فأحلوا حرامه وحرمو حلاله، وأستهواهم الشيطان (3) ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربنا، وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحما وأفضل الناس سابقة وقدما، وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء وكانوا ضالمين، فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك جذلة على من خالفك (4) وتولى الأمر دونك، والله ما أحب أن لي ما في الأرض مما أقلت، وما تحت السماء مما أظلت، وأني واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك.

فقال علي: اللهم أرزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيك صلى الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) هذا هو الظاهر، يقال: (أستهواه أستهواء): ذهب بهواه وسلب عقله وحيره.

زين هواه.

وفي النسخة: وأستولاهم الشيطان.

وفي نسخة إبن أبي الحديد: وأستهوى بهم الشيطان.

(4) جذلة: فرحة، وهي حال عن فاعل تنصرك.

 

[109]

عليه وآله وسلم.

ثم إن عليا (أمير المؤمنين عليه السلام) صعد المنبر فخطب الناس ودعاهم الى الجهاد، فبدأ بالحمد لله والثناء عليه ثم قال: إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته (5) فأنصبوا أنفسكم في أداء حقه (6) وتنجزوا موعده.

وأعلموا إن الله جعل أمراس الأسلام متينا (7) وعراه وثيقة، ثم جعل الطاعة حظ الأنفس برضا الرب، وغنيمة الأكياس عن تفريط الفجرة (8) وقد حملت أمر أسودها وأحمرها ولا قوة إلا بالله، ونحن سائرون - إنشاء الله - الى من سفه نفسه وتناول ما ليس له وما لا يدركه، معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية * (هامش) (5) قال الله تعالى في الآية: (56) من السورة (51): الذاريات: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون).

(6) يقال: (نصب في الأمر - من باب فرح - نصبا): جد وأجتهد.

(7) أمراس الأسلام: أطنابه وأحباله.

والكلام على الأستعارة.

(8) وفي نسخة إبن أبي الحديد في شرح النهج: ج 3 ص 185: (ثم جعل الطاعة حظ الأنفس ورضا الرب، وغنيمة الأكياس عند تفريط العجزة).

 

[110]

يقودهم إبليس ويبرق لهم ببارق تسويفه ويدليهم بغروره (9) وأنتم أعلم الناس بحلاله وحرامه، فأستغنوا بما علمتم، وأحذرو ما حذركم الله من الشيطان، وأرغبوا فيم أنالكم من الأجر والكرامة (10) وأعلموا إن المسلوب من سلب دينه، وأمانته، والمغرور من آثر الضلالة على الهدي، فلا أعرف أحدا منكم تقاعس عني وقال في غيري كفاية، فإن الذود الى الذود إبل (11).

ثم تمثل عليه السلام: ومن لم يذد عن حوضه يتهدم.

ثم أني آمركم بالشدة في الأمر، والجهاد في سبيل الله، * (هامش) (9) لعل العدول من التعبير بلفظ الماضي - مع إنه مقتضى السياق - الى المضارع، للدلالة على إن الشيطان يعمل فيهم هذه الأعمال مستمرا.

(10) وفي شرح النهج: (وأرغبو فيما عنده من الأجر والكرامة).

(11) تقاعس: تقاعد وتأخر، يقال: (تقاعس عن الأمر): تأخر.

و (تقاعس الفرس تقاعسا): لم ينقد لقائده.

والذود - بفتح الذال وسكون الواو -: الإبل.

 

[111]

وإن لا تغتابوا مسلما (12) وأنتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله.

كتاب صفين ص 111، ورواه عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (46) من النهج: ج 3 ص 184، ورواه أيضا عنه في البحار: ج 8 ص 476، وقريب منه في المختار: (81) من مستدرك النهج ص 98.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) إنما خص الغيبة بالذكر لأنها عند الشدة وأختلاف الناس في المقدرة والاقدام والاحجام أكثر، وهم بها أشد إبتلاء.

 

[112]

ومن كلام له عليه السلام في نعت خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال أبو خالد الواسطي: حدثني زيد بن علي، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: بينما علي عليه السلام بين أظهركم بالكوفة في صحن مسجدكم هذا محتبيا بحمائل سيفه وهو (يريد أن) يحارب معاوية بن أبي سفيان، وحوله الناس محدقون به، وأقرب الناس منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعون يلونهم إذ قال له رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين صف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانا ننظر إليه، فأنك أحفظ لذلك منا.

فصوب (1) (أمير المؤمنين عليه السلام) رأسه، ورق لذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وأغرورقت عيناه ثم رفع رأسه وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض اللون مشربا بحمرة (2) أدعج العينين سبط الشعر دقيق العرنين (3) سهد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهو ضد رفعه أي خفضه.

وليعلم إن هذا الصدر هذبناه بعض التهذيب.

(2) وفي الطبقات وأنساب الأشراف وتاريخ الطبري: (مشربا حمرة).

(3) أدعج العينين أي إن سواد عينيه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان شديدا.

والسبط =

 

[113]

الخدين، دقيق المسربة (4) كث اللحية (5) كان شعره مع شحمة أذنيه، إذا طال كأنما عنق إبريق فضة (6) له شعر من لبته الى سرته يجري كالقضيب، لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره إلا نبذة في صدره (7) شثن الكف والقدم إذا مشى كأنما ينقلع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= - كفلس -: الشعر السهل المسترسل.

والعرنين - كقنديل -: الأنف، أو ما صلب منه.

وفي الطبقات: (أدعج العينين سبط الشعر، كث اللحية سهل الخد، ذا وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة)... وفي انساب الأشراف: (أدعج العينين سبط الشعر ذا وفرة، كث اللحية، كأن عنقه إبريق فضة).. وفي الطبري: (أدعج سبط الشعر، دقيق المسربة، سهل الخدين كث اللحية ذا وفرة).

والوفرة: الشعر المجتمع على الرأس أو ماسال على الأذنين منه.

(4) المسربة: الشعر مابين وسط الصدر الى البطن.

(5) يقال: (كث اللحية - من باب منع - كثثا): أجتمع شعرها وكثف وجعد من غير طول.

وأكث الرجل: كانت لحيته كثة فهو كث والجمع كثاث.

ويقال: كثأت اللحية كثأ - من باب منع مهموزا - وكثأت تكثئة وأكثأت إكثاء) كثرة وطالت.

(6) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (كأنما عنقه إبريق فضة).

وفي الطبقات وأنساب الأشراف والطبري: (كأن عنقه إبريق فضة).

(7) هذه القطعة غير موجودة في غيره.

من الطبقات والأنساب والطبري.

 

[114]

من صخر أو ينحدر من صبب (8) (و) إذا التفت التفت جميعا (9) لم يكن بالطويل ولا بالقصير ولا العاجز (10) كأنما عرقه اللؤلؤ (11) ريح عرقه أطيب من المسك (12) لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) وفي الطبري: (إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر).

وفي انساب الأشراف: (إذا مشى فكأنما ينقطع من صخرة وكأنما ينحدر من صبب).

وفي الطبقات: (إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا قام كأنما ينقلع من صخر).

والصبب - كالسبب -: ما أنحدر من الطريق أو الأرض.

(9) ومثله في الطبقات والطبري، وفي المطبوع من الأنساب: (وإذا التفت التفت معا).

(10) وفي الطبري: (ليس بالقصير ولا بالطويل ولا العاجر ولا اللئيم).

ومثله في الطبقات إلا إنه قال: (ولا بالعاجز) وفي أنساب الأشراف: (ليس بالطويل ولا قصير، ولا عاجز ولا لئيم).

(11) وفي الطبري: (كأن العرق في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك، لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله وسلم).

(12) وفي الطبقات: (كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر) وفي أنساب الأشراف المطبوع: (كان عرقه اللؤلؤ أطيب من المسك الأظفر).

والظاهر إن فيه حذفا.

 

[115]

متن الروض النضير - المعروف عند الزيدية بمسند زيد رضوان الله عليه - ج 5 ص 457، ورواه أيضا إبن سعد في الطبقات: ج 1 ص 410 ط بيروت قال: أخربنا يعلى ومحمد أبنا عبيد الطنافسيان، وعبيد الله بن موسى العبسي ومحمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، عن مجمع بن يحيى الأنصاري، عن عبد الله إبن عمران، عن رجل من الأنصار إنه سأل عليا وهو محتب بحمائل سيفه في مسجد الكوفة، عن نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفته فقال (علي عليه السلام).. ورواه في الشرح عن مصادر.

وقال الطبري في الحديث الثاني من عنوان: (ذكر صفة النبي صلى الله عليه وآله)) من تاريخه ج 1 ص 1789، وفي ط الحديث بمصر: ج 3 ص 179 - حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا مجمع بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن عمران، عن رجل من الأنصار - لم يسمه - إنه سأل علي بن أبي طالب وهو في مسجد الكوفة محتب بحمالة سيفه فقال: إنعت لي نعت رسول الله صلى الله عليه وآله... وقال البلاذري - في الحديث: (848) من أنساب الأشراف: ج 1 ص 191 من المخطوط ومن المطبوع ج 1 ص 394 -: حدثني أبو عمران المقرئ، حدثنا أبو يوسف يعلى الطنافسي، عن مجمع بن يحيى، عن عبد الله بن عمران عن بعض الأنصار إن عليا عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبيض اللون...

 

[116]

ومن كلام له عليه السلام أوصى به زياد بن النضر حين أمره على مقدمته وسرحه الى الشام

نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي): حدثني يزيد بن خالد إبن قطن، إن عليا (أمير المؤمنين عليه السلام) حين أراد المسير الى النخيلة، دعا زياد بن النظر، وشريح بن هانئ - وكان على مذحج والأشعريين - (وبعثهما في أثنى عشر الفا مقدمة له إلى الشام، ثم أوصى زيادا و) قال: يا زياد إتق الله في كل ممسا ومصبح (1) وخف على نفسك الدنيا الغرور، ولا تأمنها على حال من البلاء (2) وإعلم إنك إن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إي في كل صباح ومساء كما رواه في المختار: (56) من كتب نهج البلاغة بهذين اللفظين، وكل منهما شائع، قال أمية بن الصلت: الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا (2) أي لا تجعل نفسك مأمونة من البلاء فتضل ساهيا لاهيا، بل وطنها على حلول النوائب وخذ حذرك منها كي لا تستأصل في أول وهلة تنزل بك.

 

[117]

لم تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه (3) سمت بك الأهواء الى كثير من الضر (4) فكن لنفسك مانعا وازعا من البغي والظلم والعدوان (5) فإني قد وليتك هذا الجند، فلا تستطيلن عليهم فإن خيركم عند الله أتقاكم (6) وتعلم من عالمهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) هذا هو الظاهر من السياق، المؤيد بوفاق نهج البلاغة وتحف العقول، وفي نسخة من كتاب صفين: (مما يجب).

وفي نسخة (مما يحب).

و (مخافة مكروهه).

مفعول لأجله لقوله: (إن لم تزع).

وقوله: (سمت بك الأهواء) جواب الشرط.

و (سمت بك): أرتفعت وشخصت بك.

أي أن لم تمنع وتردع نفسك عن كثير مما تهواه وتشتهيه خوفا من حلول لوازمه المكروهة المؤلمة، تجرك نفسك الأمارة الى أضرار كثيرة.

(4) وفي النهج: (وأعلم إنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه (كذا) سمت بك الأهواء الى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعا رادعا ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا).

أقول: (النزوة) - كضربة -: الوثبة على الشئ، ونزوع النفس وأشتياقها الى ما تهواه.

و (الحفيظة): الذي ينبغي أن يحمى ويحافظ عليها.

و (واقما): قاهرا.

و (قامعا): كاسرا ورادا.

(5) وفي تحف العقول: (عن الظلم والبغي والعدوان)... (6) وفي تحف العقول: (قد وليتك هذا الجند فلا تستذلنهم ولا تستطل عليهم فإن خيركم أتقاكم)... قوله: (فلا تستطيلن عليهم): فلا تظلمنهم.

ولا تكبرن عليهم.

 

[118]

وعلم جاهلهم وأحلم عن سفيههم، فإنك إنما تدرك الخير بالعلم وكف الأذى والجهل (7).

فقال زياد: أوصيت يا أمير المؤمنين (بالبر والتقوى وأنا ممن يكون) حافطا لوصيتك، مؤدبا بأدبك (8) يرى الرشد في نفاذ أمرك والغي في تضييع أمرك.

وقريب منه في المختار: (25) من كتب نهج البلاغة إلا أن فيه أنه عليه السلام وصى بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته الى الشام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) كذا في تحف العقول، وهو أظهر مما في كتاب صفين: (فإنك إنما تدرك الخير بالحلم)... (8) وفي شرح المختار: (46) من النهج لإبن أبي الحديد: ج 3 ص 191، نقلا عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم: (مؤديا لأربك)... والأرب - كسبب -: الحاجة.

الغاية، والجمع آراب كأسباب.

 

[119]

ومن كلام له عليه السلام بين فيه عن عوار بني باهلة وإنهم موسومون بأم المهالك

نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن ليث بن سليم، قال: دعا علي (عليه السلام) باهلة فقال لهم: يا معشر باهلة إشهدوا الله إنكم تبغضوني وأبغضكم، فخذوا عطاءكم وأخرجو الى الديلم.

(قال:) وكانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه الى صفين.

قال (1) وأمر علي الحارث الأعور (أن) ينادي في الناس أن أخرجوا الى معسكركم بالنخيلة، فنادى أيها الناس أخرجوا الى معسكركم بالنخيلة وبعث علي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بين السند الأول وهذا وقع قضايا مروية عن نصر، عن عمر، عن يوسف إبن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر.

ويمكن أن يكون هذا مرويا بالسند الأول، أو بالثاني ولعله أقرب.

 

[120]

الى مالك بن حبيب اليربوعي فأمره أن يحشر الناس الى المعسكر، ودعا عقبة إبن عمرو الأنصاري فأستخلفه على الكوفة - وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين - ثم خرج علي وخرج الناس معه.

 

[121]

ومن خطبة له عليه السلام لما أرادا أن يظعن من النخيلة قاصدا نحو الشام أبو الفضل نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن عمرو بن شمر، وعمر بن سعد (الأسدي) ومحمد بن عبد الله، قال عمر (كذا): حدثني رجل من الأنصار، عن الحارث بن كعب الوالبي، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود، قال: لما أراد علي الشخوص من النخيلة (1)، قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء (سنة 36) فقال: الحمد لله غير مفقود الإنعام ولا مكافئ الأفضال، وأشهد أ (ن) لا إله إلا الله، ونحن على ذلكم من الشاهدين، وأشهد إن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي يشخص منها ذاهبا الى الشام.

 

[122]

اما بعد فأني قد بعثت مقدمتي (2) وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط (3) حتى يأتيهم أمري، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة الى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة (4) فأنهضهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) كذا في نهج البلاغة وهو الظاهر، وفي نسختي من كتاب صفين: (أما بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي)... والمراد من المقدمة - بفتح الدال وكسرها - مقدمة جيشه (ع)، ومقدمة الشئ في قبل مؤخرته.

والمراد منها بنى طائفة من أولي النجدة يقدمهم رئيس الجيش - أو هم يقدمون أنفسهم - أمام الجند حفظا للمصالح ودفعا للمفاسد.

(3) الملطاط: شفير الوادي.

طريق على ساحل البحر، قال في التاج: وفي حديث إبن مسعود: (وهذا الملطاط طريق بقية المؤمنين هرابا من الدجال).

يعني به شاطئ الفرات أي جانبه وساحله.. الطريق والمنهج الموطوء: الذي ضربته السيارة كثيرا.

(4) قال الرضي (ره): ويعني (أمير المؤمنين) بالنطفة: ماء الفرات وهو من غريب العبارات وأعجبها.

أقول: ومثله قوله عليه السلام في الخوارج: (مصارعهم دون النطفة).

كما في المختار: (59) من النهج.

ومنه قول كعب بن سور لصبرة بن شيمان لما أستشاره يوم البصرة في نصرة طلحة والزبير: (كنا وراء هذه النطفة، ودع هذين الفارين من مضر وربيعة) كما في الطبري: ج 3 ص 515 ط 1357، وأنساب الأشراف ولكن يراد من الثاني ماء دجلة، ومن الثالث هما معا لأمتزاجهما قرب البصرة.

والشرذمة الجماعة القليلة.

والموطنين: الذين جعلوا أطراف دجلة وطنا وسكنوا أكنافها: جوانبها.

وفي النهج: (موطنين أكناف دجلة).

يقال: =

 

[123]

معكم الى أعداء الله (وأجعلهم من أمداد القوة لكم) (5) إن شاء الله، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ولم الكم ولا نفسي (6) فإياكم والتخلف والتربص، فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته أن لا يترك متخلفا إلا الحقه بكم (كذا) إنشاء الله.

فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أمير المؤمنين والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ولا يتربص بك إلا منافق، فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين.

قال علي (عليه السلام): قد أمرته بأمري وليس مقصرا في عمري إنشاء الله.

وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال: (بسم الله.

فلما جلس على ظهرها قال: (سبحان الذي سخر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= (وطن بالمكان وطنا - من باب وعد - وأوطن به إيطانا) أقام به وأتخذه وطنا ومثله: أوطن المكان وتوطنه وأستوطنه.

(5) بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه أيضا: (فأنهضهم معكم الى عدوكم).

والأمداد: جمع المدد: ما يقوى به.

(6) أي لم أقصر في حقكم وحقي، ولم أترك ما بلغه جهدي ووسعه طاقتي.

يقال: (إلا في الأمر - من باب دعا - ألوا).

قصر.

 

[124]

لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا الى ربنا لمنقلبون) (7).

ثم قال (عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكابة المنقلب (8) والحيرة بعد اليقين، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.

اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك، لأن المستخلف لا يكون مستصحبا (9)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) إقتباس من الآية، (13 و 14) من سورة الزخرف: 43.

وقريبا منه رواه أبو داود في كتاب الجهاد من سننه: ج 2 ص 33 قال: حدثنا مسدد، حدثنا الأحوص حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن علي بن ربيعة قال: شهدت عليا وأتى بدابة يركبها.

فلما وضع رجله في الركاب قال... ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه - كما في الباب (19) من تيسير المطالب ص 164 - قال: أخبرنا محمد بن بندار، قال: حدثنا الحسن بن سفيان (حدثنا محمد بن أبان الواسطي حدثنا الأحوص (ظ) عن أبي إسحاق عن علي بن ربيعة....

ورواه أيضا في الأمالي الطوسي ص 128.

(8) (الوعثاء): المشقة.

(كابة وكآبة.

كأبة) - على وزن ساحة وسحابة وكعبة -: الحزن.

و (المنقلب) مصدر ميمي بمعنى الرجوع.

(9) هذا تعليل لقوله: (ولا يجمعهما غيره).

وهذا أيضا من أدلة تنزهه =

 

[125]

والمستصحب لا يكون مستخلفا.

ثم خرج (عليه السلام) وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي (ربيعة تميم) (10) وهو يقول: يا فرسي سيري وأمي الشاما وقطعي الحزون والأعلاما ونابذي من خالف الأماما إني لأرجو إن لقينا العاما جمع بني أمية الطغاما أن نقتل العاصي والهماما وأن نزيل من رجال هاما وقال مالك بن حبيب - صاحب شرطته - وهو آخذ بعنان دابته عليه السلام يا أمير المؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيب أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال ؟.

فقال (عليه السلام): إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= تعالى من صفات الأجسام ولوازمها، إذ من البديهي إستحالة كون جسم واحد في آن واحد في أكثر من مكان.

وهذا الدعاء رواه عنه عليه السلام الزمخشري في الباب: (33) من ربيع الأبرار بمثل ما في المختار: (49) من نهج البلاغة.

وقريبا منه رواه أبو داوود في سننه كتاب الجهاد: ج 2 ص 32 قال: حدثنا مسدد، عن يحيى عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كان رسول الله إذا سافر قال: اللهم أنت الصاحب في السفر.. (10) ورواه أيضا أبو الفرج في ترجمة الأسود بن يعفر من كتاب الأغاني: ج 13، ص 18، ط تراثنا غير أن فيه: جرير بن سهم التميمي.

 

[126]

فيه، وأنت هاهنا أعظم غناءا منك عنه لو كنت معهم.

فقال سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين.

فخرج عليه السلام حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين قال نصر بن مزاحم عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الرحمن بن يزيد، إن عليا (عليه السلام) صلى بين القنطرة والجسر ركعتين

 

[127]

ومن كلام له عليه السلام في بيان وجوب الأفطار وتقصير الرباعيات من الصلوات على المسافر إذا لم ينو الأقامة في محل

نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن خالد، عن أبي الحسين زيد بن علي (بن الحسين عليهم السلام) عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: خرج علي وهو يريد صفين - حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين (1) حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال: يا أيها الناس إلا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم سفر ومن صحبنا فلا يصوم المفروض والصلاة المفروضة ركعتان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر إن هذه الصلاة التي صلاها عليه السلام أولا كانت غير الفريضة، وقوله: (حتى إذا قضى الصلاة) بيان وتفصيل لما تقدمه، وإنه عليه السلام أراد أن يصلي بهم بعد ذلك جماعة ولذا أعلمهم كي يعمل كل من المقيم والمسافر على ما هو المفروض عليه.

 

[128]

ومن كلام له عليه السلام لما صلى بأصحابه العصر، ثم المغرب في ذهابه الى الشام

وبالسند الأول قال: ثم خرج (أمير المؤمنين عليه السلام) حتى أتى دير أبي موسى وهو من الكوفة على فرسخين فصلى بها العصر، فلما أنصرف من الصلاة قال: سبحان ذي الطول والنعم، سبحان ذي القدرة والإفضال، أسأل الله الرضا بقضائه والعمل بطاعته، والإنابة الى أمره فإنه سميع الدعاء.

ثم خرج حتى نزل على شاطئ (نهر) نرس بين موضع حمام أبي بردة، وحمام عمر فصلى بالناس المغرب، فلما إنصرف قال: الحمد لله الذي يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، (و) الحمد لله كلما وقب ليل وغسق، والحمد لله كلما

 

[129]

لاح نجم وخفق (1).

ثم أقام (عليه السلام في ذلك المكان) حتى صلى الغداة، ثم شخص حتى بلغ قبة قبين وفيها نخل طوال الى جانب البيعة من وراء النهر، فلما رآها قال: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) ثم أقحم دابته النهر فعبر الى تلك البيعة فنزل لها فمكث بها قدر الغداة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقب الليل: دخل.

وغسق الليل: أشتدت ظلمته.

ولا النجم: ظهر.

وخفق: غاب.

 

[130]

ومن كلام له عليه السلام لما مر في مسيره الى صفين بكربلاء (1)

نصر بن مزاحم (ره) عن مصعب بن سلام، قال: حدثنا الأجلح بن عبد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) والظاهر إنه عليه السلام في الذهاب الى صفين قد عدل عن وجهته هو وجماعة من خواصه فمر بكربلاء ثم رجع الى المعسكر وتوجهوا نحو صفين، ويؤيده ما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده: ج 1، ص 85 عن عبد الله بن نجي (الحضرمي) عن أبيه إنه سار مع علي عليه السلام - وكان صاحب مطهرته - فلما حاذى نينوى وهو منطلق الى صفين فنادى علي: أصبر أبا عبد الله أصبر أبا عبد الله... وقال في كنز العمال: أخرجه إبن أبي شيبة وأبو يعلي وسعيد بن منصور.

وقال أيضا في الزوائد: ج 9 ص 87، وقال: أخرجه البزار والطبراني ورجاله ثقات.

وما في ترجمة غرفة الأزدي من أسد الغابة: ج 4 ص 169: قال غرفة: دخلني شك في شأن علي، فخرجت معه على شاطئ الفرات، فعدل عن الطريق (فسرنا الى أن) وقف ووقفنا حوله فقال بيده: (هذا موضع رواحلهم ومناخ ركابهم ومهراق دمائهم، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلا الله).

قال (غرفة) فلما قتل الحسين خرجت حتى أتيت المكان الذي قتلوا فيه، فإذا هو كما قال ما أخطأ شيئا، فأستغفرت الله مما كان مني من الشك، وعلمت إن عليا رضي الله عنه لم يقم إلا بما عهد إليه فيه.

 

[131]

الله الكندي، عن أبي جحيفة، قال: جاء عروة البارقي الى سعيد بن وهم فسأله وأنا أسمع، فقال حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب.

قا: نعم بعثني مخنث بن سليم الى على، فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده ويقول: ها هنا، ها هنا ! ! ! فقال له رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟.

قال: ثقل لآل محمد ينزل ها هنا (2) فويل لهم منكم وويل لكم منهم.

فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟.

قال (عليه السلام): ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم الى النار (3).

وفي رواية القندوزي عن مودة القربى عن الأصبغ بن نباته، قال: أتينا مع علي (أمير المؤمنين عليه السلام) كربلاء فنزل وبكى وقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) الثقل - كجبل -: الشئ النفيس.

حشم الشخص من أهل وقرابة وخدم وجيرة، والمراد هنا: الفئة والرهط كما في الرواية التالية.

(3) قال نصر: وقد روي هذا الكلام على وجه آخر: إنه عليه السلام قال: (فويل لكم منهم، وويل لكم عليهم).

قال الرجل: أما ويل لنا منهم فقد عرفت (فقد عرفناه (خ)) وويل لنا عليهم ما هو ؟ قال (عليه السلام): ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم.

 

[132]

ههنا مناخ ركابهم (4) ههنا موضع رحالهم وها هنا مهراق دمائهم، فئة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.

كتاب صفين ص 141 وينابيع المودة ص 216 ط 1.

ومثل ما في ينابيع المودة رواه البغوي وعبد العزيز الجنابذي كما في تلخيص كفاية الطالب ص 196.

أقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد أجتاز بكربلاء في ذهابه الى صفين ورجوعه معا، وقد روى كل واحد من الأجتيازين وما قاله عليه السلام فيهما جماعة كثيرة من الخاصة والعامة بطرق مختلفة، وقد ذكرنا كثيرا منها في كتاب عبرات المصطفين وزفرات الثقلين في مقتل الحسين عليه السلام، وسنذكر بعضا منه عند مرجعه عليه السلام عن صفين ومروره بكربلاء، ورواه أيضا السيد الرضي في كتاب الخصائص ص 14، عن الحميري.

قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن عمر بن سلم حدثنا علي بن العباس، حدثنا جعفر إبن محمد بن حسين، حدثنا حسين العربي عن إبن سلام، عن سعد بن طريف.

عن أصبغ بن نباته عن علي رضي الله عنه قال: أتينا معه قبر الحسين رضي الله عنه فقال: ههنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم وههنا مهراق دمائهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) المناخ: مبرك الإبل أي الموضع الذي تنام وتناخ فيه.

والركاب - بكسرالراء -: الإبل، والجمع ركب - كقفل - وركائب وركابات.

 

[133]

فتية من آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - يقتلون بهذه العرصة تبكي عليه السماء والأرض.

دلائل النبوة - لأبي نعيم الأصبهاني - ص 509 ورواه مع زيادات كثيرة أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 2 ص 462.

وفي ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تهذيب التهذيب ج 2 ص 347 - 348 شواهد لما هنا - وكذا في فضائل الخمسة ج 3 ص 322 و 279.

 

[134]

ومن كلام له عليه السلام في وجوب شكر النعمة والتحذير عن كفرانها

وبالسند المتقدم عن عمر بن سعد الأسدي: قال: ثم مضى (أمير المؤمنين عليه السلام بالجيش) نحو ساباط حتى إنتهى الى مدينة بهر سير (1) وإذا رجل من اصحابه يقال له: حر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك ينظر الى آثار كسرى ويتمثل قول إبن يعفر التميمي: جرت الرياح على مكان ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الخطيب - في تاريخ بغداد: ج 1 ص 128، عند ذكر خبر المدائن -: قيل: إنما سميت المدائن لكثرة ما بنى بها الملوك والأكاسرة وأثرو فيها من الآثار، وهي على جانبي دجلة شرقا وغربا، ودجلة تشق بينهما، وتسمى المدينة الشرقية العتيقة وفيها قصر الأبيض القديم الذي لا يدري من بناه، ويتصل بها المدينة التي كانت الملوك تنزلها - وفيها الإيوان - وتعرف ب‍ (أسبانبر).

وأما المدينة الغربية فتسمى (بهر سير) وكان الأسكندر أجل ملوك الأرض نزلها... (2) قال في أواسط الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 146: =

 

[135]

فقال على (أمير المؤمنين عليه السلام): أفلا قلت: كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانو منظرين).

(الدخان / 24 / الى 29).

(ثم قال عليه السلام:) إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موريثين، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم باالمعصية، أياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم (3).

كتاب صفين ص 140، ورواه أيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 2 ص 467.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= قال كميل بن زياد: سمع أمير المؤمنين عليه السلام منشدا ينشد أبيات الأسود إبن يعفر: ماذا أؤمل بعد آل محرق تركوا منازلهم وبعد أيادي فقال: هلا قلت: (كم تركو من جنات وعيون) الآية.

(3) وفي المستدرك: إن هؤلاء كفروا النعم فحلت بهم النقم، أياكم وكفر النعم فتحل بكم النقم.

 

[136]

ورواه أيضا في كنز العمال: ج 8 ص 220 ط الهند، كما رواه أيضا في أخبار الأسود بن يعفر من كتاب الأغاني: ج 13 ص 18، ط تراثنا.

وفي ط ساسي: ج 11، ص 130.

وقريبا منه رواه قبيل ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ بغداد: ج 1 ص 132، قال أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل، قال: أنبأنا الحسين بن صفوان البرذعي، قال: نبأنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، قال نبأنا عبد الرحمن بن صالح، قال: نبأنا أبو بكر بن عياش، قال: لما خرج علي بن أبي طالب الى صفين، مر بخراب المدائن فتمثل رجل من اصحابه... ورواه أيضا الحاكم بسند آخر في تفسير الآية الكريمة من كتاب التفسير من المستدرك ج 2 ص 449.

 

[137]

ومن كلام له عليه السلام قاله لمعقل بن قيس الرياحي (ره) حين أنفذه من المدائن الى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له

نصر بن مزاحم، عن عمر (بن سعد الأسدي) عن رجل - وهو أبو مخنف - عن نمير بن وعلة، عن أبي الوداك (جبر بن نوف البكالي) إن عليا (أمير المؤمنين عليه السلام) بعث من المدائن (لما نزلها) معقل بن قيس (الرياحي) في ثلاثة آلاف رجل وقال له: خذ على الموصل، ثم نصيبين، ثم القني بالرقة فاني موافيها (ثم انه عليه السلام أوصاه وقال له): (أتق الله الذي لابد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه (1)) وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك، وسر البردين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بين المعكوفين مأخوذ من نهج البلاغة المختار: (13) من باب الكتب، والحديث العاشر من الفصل (24) مناقب الخوارزمي ص 265، والقصة ذكرها الطبري في تاريخ: ج 3 ص 563 من غير إشارة الى كلامه ووصيته عليه السلام.

 

[138]

وغور بالناس (2) وأقم الليل ورفه في السير، ولا تسر في أول الليل (3) فإن الله جعله سكنا، (وقدره مقاما لا ظعنا) (4).

أرح فيه بدنك وجندك وظهرك، فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر (5) فسر (على بركة الله، فإذا لقيت العدو فقف من اصحابك وسطا، ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب (6) ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) البردين - كالأبردين - الصبح والعصر.

و (غور): إنزل بهم في الغائرة: وقت شدة الحر: نصف النهار.

(3) وفي النهج: (وسر البردين، وغور بالناس، ورفه في السير، ولا تسر أول الليل)... و (رفه): هون ولا تتعب نفسك وأصحابك ودوابك.

(4) بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وفيه: (فأرح فيه بدنك وروح ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السحر أو حين ينفجر الفجر فسر)... والضعن - كفلس وفرس -: السير والسفر.

(5) أي ينبسط.

وفي نسخة إبن أبي الحديد: (ينبلج الفجر) أي أشرق وأضاء.

ومن قوله: (على بركة الله) الى آخره مأخوذ من نهج البلاغة.

(6) أي يسعر نار الحرب وينفذ فيها مخالبه كالبازي بالنسبة الى صيده والفعل من باب فرح وأفعل.

 

[139]

أمري، ولا يحملنكم شنآنهم (7) على قتالهم قبل دعائهم والأعذار إليهم).

كتاب صفين ص 148، والمختار: (13) من الباب الثاني من نهج البلاغة، ورواه الخوارزمي في الحديث العاشر من الفصل (24) من مناقبه ص 265 عن علي بن أحمد العاصمي، من إسماعيل بن أحمد، عن أبيه أحمد بن الحسين البيهقي عن أبي الحسين بن بشران، عن الحسين بن صفوان، عن عبد الله بن أبي الدنيا عن عفان بن مخلد، عن إياس بن أبي تميمة، عن عطاء، إلا إنه ذكر صدر الكلام فقط.

ورواه الزمخشري في الباب: (33) من ربيع الأبرار كالنهج الى قوله: فسر على بركة الله.

وقريبا من صدر الكلام رواه أبو يوسف في كتاب الخراج، ص 16، و 128، عن أبي حنيفة عن بعض مشايخه عن عطاء عنه عليه السلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) وهي على زنة رمضان: البغضاء.

والأعذار: إقامة الحجة وقطع العلة.

 

[140]

ومن خطبة له عليه السلام خطبها في أهل المدائن لما حثهم على النهوض معه الى الفئة الباغية نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي قال): حدثني مسلم الأعور، عن (أبي قدامة) حبة (بن جوين) العربي - رجل من عرينة - قال: أمر علي بن أبي طالب (عليه السلام لما ورد مدائن) الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن: من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر.

فوافوه في تلك الساعة، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم وإنقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المسافة الظالم أهلها، والهالك أكثر سكانها، لا معروفا تأمرون به ولا منكرا تنهون عنه.

قالو: يا أمير المؤمنين إنا ننتظر أمرك ورأيك، مرنا بما أحببت.

فسار (عليه السلام) وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمأة وخلف إبنه يزيد (كذا) فلحقه في أربعمأة رجل منهم ثم لحق عليا.

 

[141]

وجاء على (عليه السلام من المدائن) حتى مر بالأنبار فأستقبله بنو خشنو شك دهاقينها (1) فلما إستقبلوه نزلوا ثم جاؤا يشتدون معه (2) فقال (لهم): ما هذه الدواب التي معكم، وما أردتم بهذا الذي صنعتم.

قالوا: أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء، وأما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا.

فقال (عليه السلام): أما هذا الذي زعمتم إنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فو الله ما ينفع هذا الأمراء، وإنكم لتشقون به على أنفسكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مش (بمعنى، طيب، و (نوشك) بمعنى الراضي.

يعني (من الكلمة) بني الطيب الراضي (بالفارسية).

كذا في المتن نقلا عن أبي محمد سليمان إبن الربيع بن هشام الهندي أحد رواة كتاب صفين.

و (دهاقين): جمع دهقان: معرب (دهبان): رئيس القرية.

(2) وفي المختار (37): من قصار النهج: (فترجلوا له وأشتدوا بين يديه)... و (يشتدون): يركضون ويسعون بثوران وهيجان.

أقول: وهذه العادة الى الآن باقية في أقطارنا الأسلامية، فإن لم يأت بها الرعايا إختيارا عند مرور السلاطين والقواد عليهم، يكرهونهم عليها لما يزعمون إن فيها تعظيما لهم وتقوية لأمرهم ومن تركها يرصدون له بالغوائل.

 

[142]

وأبدانكم (3) فلا تعودوا له، وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم، وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن (4).

قالوا: يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه.

قال: إذا لا تقومون قيمته (و) نحن نكتفي بما دونه.

قالوا: يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا ؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) وفي المختار: (37) من قصار النهج: (والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم وإنكم لتشقون على أنفسكم في دنياكم وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار).

أقول: لله دره من خلق الأهية وسجية ربانية لو تقدر بقدرها، ولم يضيعها المسلمون، ولكن أنى يقدر القوانين الربانية من أعتاد التخنيث، وآنس بالمغنيات والمغنين، وسلك طريق أعداء الدين.

(4) ما أعظمه من إرفاق وإحسان لو تمسك به أولو الأمر والسلطان، وما أجمعه لشمل الرعية والأمراء وتوكيد الوصية بينهم لو طبقوا عملهم عليه وساروا على منهاجه وأستضاؤا بنوره، ولكنهم نبذوه - كغيره - من الآداب الآلهية وراء ظهورهم وخسروا الدنيا والآخرة، وأحدق بهم البلاء من كل جانب، فإنا لله وإنا إليه راجعون

 

[143]

قال: كل العرب لكم موال (5) وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم، وأن غصبكم أحد فأعلمونا.

قالوا: يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا.

قال لهم: ويحكم نحن أغنى منكم (وأحق بأن نفيض عليكم (6)) فتركهم ثم سار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) كأنه إشارة الى قوله تعالى: (المؤمنون بعضهم أولياء بعض...).

(6) لله درها من عظمة مولوية وعناية ملكوية لو طبقها الأمراء وملوك المسلمين.