[144]

ومن كلام له عليه السلام قاله للأشتر رحمه الله لما أمره على مقدمة جيشه عندما أرسل إليه قائد مقدمة جيشه بأنا لقينا أبو الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فأمرنا بأمرك

قال نصر (ره): وقال خالد بن قطن (1) فلما (سار علي عليه السلام من الإنبار الى الرقة، ونصب العثمانية له جسرا على الفرات خوفا من الأشتر و) قطع على الفرات، دعا زياد بن النظر، وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في أثني عشر ألفا.

وقد كان حين سرحهما من الكوفة (مقدمة له) أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة، وبلغهما إن معاوية أقبل في جنود أهل الشام من دمشق لأستقبال علي، فقالا: لا ولله ماهذا لنا برأي أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر، مالنا خير أن نلقى جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين عن العدد والمدد، فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات، وحبسوا عنهم السفن فأقبلوا راجعين حتى عبروا من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي تاريخ الطبري: (قال أبو مخنف: فحدثني خالد بن قطن الحارثي)...

 

[145]

(هيت) ثم لحقوا عليا بقرية دون (قرقيسيا) وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا منهم (2).

فلما لحقت المقدمة عليا قال: مقدمتي تأتي من ورائي ؟ فتقدم إليه زياد وشريح فأخبراه بالرأي الذي رأياه.

فقال: قد أصبتما رشدكما، فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية فلما انتهوا الى معاوية (3) لقيهم أبو الأعور (السلمى عمرو بن سفيان) في جند أهل الشام، فدعوهم الى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا فبعثو الى علي: إنا لقينا أبو الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه واصحابه الى الدخول في طاعتك فأبوا علينا فمرنا بأمرك.

فأرسل علي (عليه السلام) الى الأشتر (4) فقال (له): يا مالك (5) إن زيادا وشريحا أرسلا إلي يعلماني إنهما لقيا أبا * (هامش) (2) وفي الطبري: وقد أرادو أهل عانات فتحصنوا وفروا... (3) فيه تسامح ولعل الصواب: فلما إنتهوا الى ما في إمارة معاوية من أرض الشام.

أو فلما أنتهوا الى جنود معاوية... (4) من هذا التعبير، ومن قول الراوي عند ختام كلامه (ع): (وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي).

يستفاد إن الأشتر (ره) لم يكن في هذا الأوان بحضرته عليه السلام.

وذكر الطبري في سند 36 من تاريخه: ج 3 ص 557: إنه محمد بن بن أبي بكر أرسله الى أهل خربتا فقتلوه.

(5) كذا في تاريخ الطبري، وفي كتاب صفين: (يا مال...).

 

[146]

الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم، فنبأني الرسول إنه تركهم متواقفين، فالنجاء الى اصحابك النجاء (6) فإذا أتيتهم فأنت عليهم.

(ثم أوصاه عليه السلام بما ينبغي أن يصنع فقال:) وإياك وأن تبدأ القوم بقتال إلا أن يبدؤوك، حتى تلقاهم وتسمع منهم، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم (7) قبل دعائهم والأعذار إليهم مرة بعد مرة.

وأجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا، وقف بين أصحابك وسطا، ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب (8) ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) أي أسرع الى اصحابك اسرع.والكلام من باب الأغراء، وهو منصوب بفعل محذوف تخديره: إلزم النجاء... (7) لا يجرمنك: لا يجعلنك.

والشنآن: البغض والعداوة.

(8) أي يثيرها ويهيجها.والفعل من باب فرح.

 

[147]

عليك فإني حثيث السير اليك أنشاء الله.

كتاب صفين ص 153، ط 2 بمصر، وتاريخ الطبري: ج 2 ص 165، وقطعة منه رواها أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: ج 2 ص 490.

 

[148]

ومن كلام له عليه السلام لما ورد صفين، ونظر الى رايات معاوية

نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن أبي عبد الرحمان المسعودي، عن يونس بن الأرقم، عن عوف بن عبد الله، عن عمر بن هند البجلي، عن أبيه، قال: لما نظر علي عليه السلام الى رايات معاوية وأهل الشام وقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلم ولكن إستسلموا وأسروا الكفر ! ! ! فلما وجدو عليه أعوانا رجعوا الى عداوتهم لنا إلا إنهم لم يتركوا الصلاة.

كتاب صفين ص 241، وفي ط ص ورواه عنه في آخر شرح المختار: (54) من النهج لإبن أبي الحديد: ج 4 ص 31، وللكلام شواهد كثيرة.

 

[149]

ومن خطبة له عليه السلام لما ورد بجيشه صفين ليومين بقيا من ذي الحجة ست وثلاثين (1) وحال معاوية بينه وبين الماء، وذلك لأن معاوية لما بايعه عمرو بن العاص على أن يكون مصر طعمة له أن غلب معاوية على الأمر، وكذلك بايعه رئيس قحطان بالشام بشرط أن يكون لهم الأمر والنهي وصدر المجلس، وكلما ما كان من حل وعقد فعن رأي منهم ومشورة، وعلى أن يفرض معاوية لألفي رجل منهم الفين الفين وإن مات قام إبنه أو إبن عمه مقامه، وكذلك إشترط معه إبن هبيرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال في مروج الذهب ج 2 ص 377: ولما كان أول يوم من ذي الحجة - بعد نزول علي على هذا الموضع بيومين - بعث الى معاوية يدعو الى إتحاد الكلمة والدخول في جماعة المسلمين... أقول: إن كان المراد من قوله: (هذا الموضع) أرض صفين، فالأمر على ما ذكر من إنه عليه السلام نزل بصفين قبل يومين من أول ذي الحجة (36).

وأن كان مراده منه، الموضع الذي كان فيه معاوية أول الأمر فأزيل عنه في المحاربة على الماء وجاء علي عليه السلام فنزل فيه، فيكون بدء وروده عليه السلام صفين لثلاث - أو أربع - بقين من ذي الحجة، إذ مكثوا يوما وليلة بلا ماء، ثم حابروا عليه فأنقلب معاوية صاغرا.

 

[150]

اليشكري (2) وغيره من الرؤساء فتبايعوا ما يتظاهرون به من الدين بالدنيا، وتجهزوا منتظرين ما يكون من أمير المؤمنين عليه السلام، ولما بلغهم إنه عسكر بالنخيلة متوجها الى الشام، أجلب معاويه خيله ورجله وسار بقضه وقضيضه نحو علي عليه السلام، وأستعمل على مقدمته أبا الأعور عمرو بن سفيان، وعلى ساقته بسر بن أرطاة العامري فوافى (صفين) قبل مجئ علي عليه السلام، فعسكر في موضع سهل على شريعة لم يكن على الفرات في ذلك الموضع أسهل منها للورود على الماء، وما عداها أخراق عالية ومواضع الى الماء وعرة، ووكل أبا الأعور السلمي بالشريعة مع اربعين الفا (3).

قال نصر بن مزاحم (ره) عن الأسدي عمر بن سعد، عن يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، قال: لما قدمنا (تحت لواء علي عليه السلام) على معاوية وأهل الشام بصفين، وجدناهم قد نزلوا منزلا إختاروه مستويا بساطا واسعا، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبو الأعور عليها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) كما ذكره في أول بيعة مروان بالخلافة من كتاب مروج الذهب ج 3 ص 86، ط بيروت، ويشهد له ما ذكره في أوائل الجزء السابع من كتاب صفين ص 433 ط 2 بمصر.

(3) وقال الطبري في عنوان: (القتال على الماء) من تاريخه: ج 3 ص 566: قال أبو مخنف.

وحدثني تميم بن الحارث الأزدي، عن جندب بن عبد الله، قال: إنا لما إنتهينا الى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل أفيح قد أختاره قبل قدومنا الى جانب شريعة في الفرات ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها وجعلها في حيزه وبعث عليها أبا الأعور يمنعها ويحميها، فأرتفعنا على الفرات رجاء أن نجد شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها، فأتينا عليا فأخبرناه بعطش الناس وإنا لانجد غير شريعة القوم.

قال: فقاتلوهم عليها.

 

[151]

الخيل والرجالة، وقدم المرامية، ومعهم أصحاب الرماح والدرق، وعلى رؤوسهم البيض وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء، ففزعنا الى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال: أئت معاوية فقل إنا سرنا مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الأعذار اليكم، وأنك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل إن نقاتلك، وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها، حتى حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيم بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له وقدمتم، وإن كان أحب اليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا (4) فأجابه معاوية - بعد مشورة من أصحابه وخلاف بينهما -: لا سقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن شربتم منه أبدا حتى تقتلوا بأجمعكم عليه.

قال نصر، عن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: فبقي أصحاب علي يوما وليلة - يوم الفرات - بلا ماء.

قال نصر (ره): فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر، قال: خطب علي عليه السلام يوم الماء فقال: أما بعد فإن القوم قد بدؤوكم بالظلم، وفاتحوكم بالبغي، وأستقبلوكم بالعدوان، وقد أستطعموكم * (هامش) (4) الى هنا ذكرنا رواية كتاب صفين بالسند المتقدم حرفية وبلا تصرف فيها ومن قوله: (فأجابه معاوية - الى قوله: - حتى تقتلوا بأجمعكم عليه) مأخوذة من روايات شتى في الكتاب ومحصل منها.

 

[152]

القتال (5) حيث منعوكم الماء، فأقروا على مذلة وتأخير محلة، أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين.

إلا وإن معاوية قاد لملمة من الغواة وعمس عليهم الخبر (6) حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية.

كتاب صفين، كما رواه عنه في أول وقعة صفين من بحار الأنوار: ج 8 ص 484 س 5 ط الكمباني، نقلا عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين، - ونقلها عنه إبن أبي الحديد أيضا في شرح المختار: (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3 ص 325 ط مصر، بتحقيق محمد إبراهيم، وهذه الخطبة قد سقطت من كتاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) أي طلبوا منكم القتال ودعوكم إليه أن تطعموهم أياه بمنع الماء عنكم.

كما يقال: أستطعمه أي طلب منه الطعام.

وأستطعمه الحديث أي سأله إن يذيقه طعم الحديث.

(6) قال في مادة عمس من النهاية: في حديث علي: (إلا وإن معاوية قاد لمة من الغواة، وعمس عليهم الخبر).

العمس: أن تري إنك لا تعرف الأمر وأنت به عارف.

ويروي بالغين المعجمة.

ورواه أيضا في مادة: (لمم) وقال: (اللمة): الجماعة.

 

[153]

صفين المطبوع بإيران ومصر، وكذلك مطالب وكلم أخر، ولا تعارض المطبوع ما رواه إبن أبي الحديد، والعلامة المجلسي (ره) وذلك لأجل تصريح طابع النسخة الإيرانية - التي هي الأصل - بوقوع السقط في نسخه.

وقريب منه جدا في المختار: (46) من نهج البلاغة.

 

[154]

ومن كلام له عليه السلام لما ملك الشريعة قسرا

وقال له جنده إمنع الماء عن معاوية وجنده كما منعوك منه ! فقال عليه السلام (1): لا أفعل ما فعله الجاهلون!!! سنعرض عليهم كتاب الله وندعوهم الى الهدى فإن أجابوا (2) وإلا ففي حد السيف ما يغني إنشاء الله.

شرح المختار (46) أو (51) من خطب نهج البلاغة من كتاب منهاج البراعة: ج 4 ص 310، ط 2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقال أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح (لما غلب أهل العراق على معسكرهم الذي حازه معاوية مكرا وخديعة وأزالوه عنه) قال الأشعث يا أمير المؤمنين إنه قد غلب الله لك على الماء مرة، وهذه ثانية وقد علمت ماكان من غدر معاوية فإن شئت منعناهم الماء ؟ ! فقال علي عليه السلام: إن الخطب أعظم من منعهم الماء فلا تمنعوهم الماء ولا تكافوهم بصنيعهم.

(2) جواب الشرط محذوف أي فإن أجابوا فهو المطلوب.

 

[155]

ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين عبد الله وعبد الرحمن أبني بديل بن ورقاء رحمهما الله

قال البلاذري: حدثني أبو خثيمة زهير بن حرب، وأحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا وهب بن جرير، عن إبن جعدية: عن صالح بن كيسان قال: سار علي الى معاوية بن أبي سفيان، وسار معاوية الى علي حتى نزلا بصفين - وخلف علي على الكوفة أبا مسعود الأنصاري - فمكثوا بصفين ما شاء الله، ثم إن عبد الله وعبد الرحمن إبني بديل بن ورقاء دخلا على علي فقالا: حتى متى لا تقاتل القوم ؟ فقال على: لا تعجلا.

فقال عبد الله بن بديل: ما تنظر بهم ومعك أهل البصائر والقرآن ؟ فقال (عليه السلام): أهدأ أبا علقمة.

قال: أني أرى أن تقاتل القوم وتتركنا نبيتهم.

فقال (علي عليه السلام): يا (أ) با علقمة لا تبيت القوم ولا تدفف على جريحهم (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال: (دف الشئ - من باب فر - دفا): أستأصله.

ودف الجريح ودف عليه: أجهز عليه وأتم قتله.

 

[156]

ولا تطلب هاربهم.

الحديث (401) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف ج 1، ص 190 أو 381.

 

[157]

ومن كلام له عليه السلام لما قال له قائل من أصحابه: إنك لم تؤخر الحرب إلا كراهية الموت أو لأجل الشك في قتال أهل الشام ومعاوية!!

قال نصر بن مزاحم (ره) لما ملك علي عليه السلام بصفين ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه والمساهمة، أستمالت قلوبهم مكث أياما لا يرسل الى معاوية ولا يأتيه من عند معاوية أحد، وأستبطأ أهل العراق أذنه لهم في القتال وقالو: يا أمير المؤمنين خلفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة، وجئنا الى أطراف الشام لنتخذها وطنا ؟ ائذن لنا في القتال فإن الناس قد قالوا.

فقال لهم عليه السلام: ماقلوا ؟.

فقال منهم قائل: إن الناس يظنون إنك تكره الحرب كراهية للموت، وإن من الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام ! ! ! فقال عليه السلام: ومتى كنت كارها للحرب ؟ ! (1) إن من العجب حبي لها غلاما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (ومتى كنت كارها للحرب قط ؟).

والظاهر إنه كان بعنوان البدلية من بعض النسخ أو بعض طرق الرواية فخلط الكاتب أحداهما بالآخر أي في رواية أو نسخة: وما كنت كارها للحرب قط ! ! (*)

 

[158]

ويفعا (2) وكراهيتي لها شيخا بعد نفاذ العمر وقرب الوقت ؟ ! وأما شكي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة (3) والله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا وبطنا فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله ورسوله ! ! ! ولكني أستأني بالقوم عسى أن يهتدوا أو تهتدى منهم طائفة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوم خيبر: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس ! ! ! أول باب: (جمل ما وقع بصفين من المحاربات) من بحار الأنوار: ج 8 ص 484 ط الكمباني، قال قال إبن أبي الحديد موافقا لما وجدته في كتاب صفين لنصر بن مزاحم... وقريب منه في المختار: (54) من النهج، والكلام رواه إبن أبي الحديد، في شرح المختار المذكور: ج 4 ص 13.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) يقال: غلام يفع - كفرس -: مترعرع، والجمع: أيفاع.

وغلام يافع: ترعرع وناهز البلوغ، وجمع يافع: يفعة ويفعان.

(3) وفي المختار: (54) من نهج البلاغة: (وأما قولكم: شكا في أهل الشام.

فو الله ما دفعت الحرب يوما إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو الى ضوئي وذلك أحب الي من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها) ! ! !

 

[159]

ومن كلام له عليه السلام في تحضيض اصحابه على الجهاد في يوم صفين (1)

عباد الله إتقوا الله وغضوا الأبصار، وأخفضوا الأصوات وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمبارزة، والمباطلة والمبالدة والمعانقة والمكادمة (2) وإثبتوا وإذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعو الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وأصبروا إن الله مع الصابرين.

اللهم ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الشيخ المفيد (ره): (قال عليه السلام) بعد حمد الله والثناء عليه: (عباد الله)... (2) وطنوا: أعزموا.

والمبالطة: المحاربة بالسيف.

والمكادمة: المعاضة.

 

[160]

الفصل (32) من مختار كلامه عليه السلام في الإرشاد، ص 141، ط الغري.

ورواه أيضا في كتاب صفين ص 204 مسندا ورواه عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (54) من النهج ج 4 ص 26 وأشار إليه وذكر بعض فقراته في الحديث (374) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الأشراف ج 1 الورق 186 أو صفحة 374.

 

[161]

ومن كلام له عليه السلام في المعنى المتقدم

معاشر المسلمين إن الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، وتشفي بكم على الخير العظيم (1) الإيمان بالله وبرسوله والجهاد في سبيله (2) وجعل ثوبه مغفرة الذنب ومساكن * (هامش) (1) و (تشفي بكم) - من باب الأفعال - تشرف بكم.

(2) هذا بيان التجارة المنجية من العذاب، والمشفية على الخير، والكلام إشارة الى قوله تعالى - في الآية (10) وما بعدها من سورة الصف -: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم) (،).

 

[162]

طيبة في جنات عدن، ثم أخبركم (3) إنه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فقدموا الدارع وأخروا الحاسر (4) وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف على (عن (خ)) إلهام، والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة، وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش (5) وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار، وراياتكم فلا تميلوها ولا تخلوها إلا في أيدي شجعانكم فإن المانعين للذمار، والصابرين على نزول الحقائق (هم) أهل الحفاظ الذين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) وفي كتاب صفين: فأخبرهم بالذي يحب فقال: (إن الله يحب الذين) (4 / الصف).

وهو أظهر.

(4) والمرصوص: المحكم اللاصق بعضه ببعض.

والدارع: لابس الدرع.

والحاسر - بالمهملات -: الذي لا مغفر له ولا درع.

(5) وعضوا: إمسكوا والأضراس: جمع ضرس: الطاحن من الأسنان وأنبى: أبعد وأشد دفاعا.

والهام: جمع الهامة وهي الرأس.

والتووا: أنعطفوا وأعوجوا.

والرماح جمع الرمح.

وأمور: أشد ترددا وإنتشابا.

والأسنة جمع السنان: نصل الرمح.

وأربط: أقوى.

والجأش - كفلس -: القلب.

 

[163]

يحفون براياتهم ويكتنفونها (6).

رحم الله إمرأ منكم آسا أخاه بنفسه ولم يكل قرنه الى أخيه (7) فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك لائمة ويأتي به دناءة، ولا تعرضوا لمقت الله (8) ولا تفروا من الموت فإن الله سبحانه (و) تعالى يقول: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لاتمتعون إلا قليلا) (16) الأحزاب).

وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) ورايات - كآيات - جمع راية - كآية -: العلم الكبير للجيش، وهي أكبر من اللواء.

فلا تميلوها: فلا تزيلوها عن أماكنها.

والذمار - على زنة الثمار -: ما يجب التذمر له أي الغضب لأجله من جهات كرامة الشخص.

والحقائق - هنا -: النوازل والشدائد، وكأنها جمع الحاقة: النازلة.

ويحفون ويكتنفون: يلصقون أنفسهم بها ويحيطون ويدورون عليها.

ثم أن في غير واحد من المصادر: (والصابر عند نزول الحقائق) وكأنه أظهر (7) القرن - كحبر - من يقاومك ويبارزك: الكفؤ.

(8) وفي كتاب صفين والكافي: (فلا تعرضوا) وهو أظهر.

 

[164]

لا تسلمون من سيف الآجلة (9) فأستعينوا بالصبر والصلاة (10) والصدق في النية، فإن الله تعالى بعد الصبر ينزل النصر.

الفصل (33) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد، ص 141، ونقله عنه في البحار ج 8 ص 510 س 11، ط الكمباني، وقريبا منه مع ذيل طويل نقله ثقة الأسلام الكليني (ره) في الحديث الرابع من الباب (15) من كتاب الجهاد من الكافي: ج 5 ص 39 عن مالك بن أعين عنه عليه السلام، وللكلام مصادر وأسانيد أخر يأتي ذكرها إنشاء الله تعالى في المختار (207).

، (هامش)، (9) وفي بعض النسخ منه وكذلك في كتاب صفين: (من سيف الآخرة).

والمراد من سيف الآجلة أي الآخرة هو عذاب الله تعالى للفار من الجهاد، وإنما عبر بالسيف ليتشاكل ما قبله.

(10) كلمة: (الصلاة) غير موجودة في كتاب صفين والكافي وتاريخ الطبري.

 

[165]

من خطبة له عليه السلام لما جاء رسل معاوية وذلك بعد وضع الحرب لحلول شهر محرم الحرام من سنة سبع وثلاثين قال نصر: حدثنا سليمان بن أبي راشد (1) عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود، إن معاوية بعث الى حبيب بن مسلمة الفهري، وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس السلمي، فدخلوا على علي عليه السلام وأنا عنده، فحمد الله حبيب بن مسلمة وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا، يعمل بكتاب الله وينيب الى أمر الله، فاستثقلتم حياته وأستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه، فأدفع الينا قتلة عثمان نقتلهم به، فإن قلت: إنك لم تقتله فأعتزل أمر الناس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم، يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم.

فقال له علي عليه السلام: وما أنت - لا أم لك - والولاية والعزل، والدخول في هذا الأمر ؟ أسكت فإنك لست هناك ولا بأهل لذاك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي الطبري: (سليمان بن راشد الأزدي)...

 

[166]

فقام إبن مسلمة فقال: أما والله لتريني حيث تكره.

فقال علي عليه السلام وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك ؟ ! إذهب فصوب وصعد مابدا لك، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت.

فقال شرحبيل: (إني) إن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك إلا كنحو من كلام صاحبي قبلي، فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به ؟.

فقال علي عليه السلام: (نعم) عندي جواب غير - الذي أجبته به، لك ولصاحبك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنقذ به من الضلالة، ونعش به من الهلكة (1) وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، فأستخلف الناس أبا بكر ثم إستخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة (2) وقد وجدنا عليهما (3) أن توليا الأمر دوننا ونحن آل الرسول وأحق بالأمر، فغفرنا ذلك لهما، ثم ولي أمر الناس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي وأنجى الناس به من الهلكة وتداركهم به من الشقاء والبوار.

(2) يعني لم يعملا مثلما عمل عثمان من الأنحراف الجلي عن جادة الشريعة بشتى النواحي، فالأمر أضافي.

(3) أي غضبنا عليهما.

والفعل من باب وعد.

 

[167]

عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي: بايع فأبيت عليهم، فقالوا لي بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس.

فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية أياي (4) الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الأسلام، طليق بن طليق.

وحزب من الأحزاب (5) لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الأسلام كارهين مكرهين ! ! ! فعجبا لكم ولأجلابكم معه (6) وإنقيادكم له، وتدعو أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم، ولا أن تعدلوا بهم أحدا من * (هامش (* (4) فلم يرعني - من باب قال -: فلم يفزعني.

والشقاق: النزاع والخصام والرجلان: هما طلحة والزبير.

(5) إي من أحزاب الكفر والشرك.

(6) إي لتجمعكم معه لنصرته وقتال من خالفه وأختلاط أصواتكم بصوته في الدعاوي الباطلة.

 

[168]

الناس ! ! ! إني أدعوكم الى كتاب الله عز وجل، وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، وأماتة الباطل، وأحياء معالم الدين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لنا ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.

فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد: أتشهد إن عثمان قتل مظلوما ؟ فقال (علي عليه السلام) لهما إني لا أقول ذلك.

قالا: فمن لم يشهد إن عثمان قتل مظلوما فنحن براء منه ! ! ! ثم قاما فأنصرفا، فقال (علي) عليه السلام: (إنك لا تسمع الموتى، ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) (80 / النحل).

ثم أقبل على أصحابه فقال: لا يكون هؤلاء بأولى في الجد في ضلالتهم منكم في حقهم وطاعة إمامكم.

كتاب صفين ط 2 بمصر، س 200 وفي ط ص 225، ورواها عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (54) من خطب النهج: ج 4، ص 23، ورواها عنهما

 

[169]

في البحار: ج 8 ص 486 س 30.

ورواها أيضا الطبري في حوادث سنة (37) من تاريخه: ج 4 ص 4، وفي ط ج 6 ص 14، وقريبا منه ذكره أحمد بن أعثم الكوفي - الكتوفى نحو 314 - في كتاب الفتوح: ج 3 ص 28

 

[170]

ومن خطبة له عليه السلام بعد اليوم الخامس من شهر صفر سنة (37) لما لحق به شمر بن إبرهة في ناس من قراء أهل الشام ففت ذلك في عضد معاوية وإبن العاص فخطبا أهل الشام لأستدراك ما فات.

قال نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد (الأسدي) عن أبي يحيى، عن محمد إبن طلحة، عن أبي سنان الأسلمي، قال: لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو، وتحريضهما الناس عليه، أمر الناس فجمعوا قال (أبو سنان): وكاني أنظر الى علي متوكئا على قوسه وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه عنده فهم يلونه (وكأنه) أحب أن يعلم الناس أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متوافرون عليه (معه (خ)) فحمد الله ثم قال: أيها الناس إسمعو مقالتي وعوا كلامي (1) فإن الخيلاء من التجبر، وإن النخوة من التكبر (2) وإن الشيطان عدو حاضر * (هامش) (1) (عوا) أي احفظوا كلامي والمفرد (عه) بهاء السكت.

(2) الخيلاء - بضم الخاء المعجمة وكسرها -: العجب والكبر والنخوة.

- بفتح النون - الافتخار والتعظم.

 

[171]

يعدكم الباطل.

إلا إن المسلم أخو المسلم (ف‍) لا تنابذوا (3) ولا تخاذلوا، فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق، ومن تركها مرق ومن فارقها محق (4) ليس المؤمن بالخائن إذا أتمن، ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالكذاب إذا نطق.

نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الصدق، وفعلنا القصد (5) ومنا خاتم النبيين وفينا قادة الأسلام ومنا قرأ الكتاب (6) ندعوكم الى الله والى رسوله و (الى) جهاد عدوه والشدة في أمره وأبتغاء رضوانه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) أي لاتخلفوا ولا تفترقوا معاداة، يقال: تنابذ القوم تنابذا اختلفوا وافترقوا عن عداوة (4) أي مات وهلك.

(5) أي الاستقامة على جادة الشريعة من غير أفراط ولا تفريط.

(6) المراد من الكتاب القرآن الكريم كلام الله تعالى.

 

[172]

البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفئ لأهله (على أهله (خ)).

ألا وإن من أعجب العجائب إن معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص السهمي أصحاب يحرضان الناس على الدين بزعمهما، وقد علمت أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قط، ولم أعصه في أمر قط (7) (كنت) أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيه الأبطال، وترعد فيها الفرائص، نجدة أكرمني بها (8) فله الحمد.

ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لفي حجري ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة * (هامش) (7) وفي المختار: (192) من النهج: (ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال وتتأخر فيها الأقدام نجدة أكرمني الله بها.

(8) أي ترعد وتضطرب فيها الفرائص من الخوف.

والفرائص: جمع الفريصة: اللحمة بين الجنب والكتف أو بين الثدي والكتف ترعد عند الفزع والنجدة - بفتح النون: الشجاعة والبسالة.

 

[173]

المربون معي (9) وأيم الله ما أختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على (أهل) حقها إلا ما شاء الله.

قال: فقال أبو سنان الأسلمي: فسمعت عمار بن ياسر يقول: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه (أولا وإنه لتستقيم عليه آخرا) ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم (فتأهبوا وأستعدوا).

كتاب صفين ص 223 ومثله في الحديث (5) في المجلس 27 من أمالي الشيخ المفيد، ص 145، ورواه أيضا عن الشيخ المفيد، في الحديث (13) من أجزاء الأول من أمالي الطوسي ص 7 وفي ط ص 10، وذيل الكلام قريب جدا مما في المختار: (192) من خطب النهج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) وفي النهج (ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة اعواني فضجت الدار والافنية، ملأ يهبط وملا يعرج وما فارقت سمعي هنيمة منهم يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا ؟ فأنفذوا على بصائركم والتصدق نياتكم في جهاد عدوكم فوالله الذي لا إله إلا هو أني لعلى جادة الحق وأنهم على مزلة الباطل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم) أقول: وفي الحديث: (1028) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق وفي الباب: (76) من البحار: ج 9 ص 336 ط الكمباني شواهد لهذا الصدر من كلامه عليه السلام المنقول عن نهج البلاغة.

 

[174]

ومن كلام له عليه السلام في إن لكل إنسان حفظة يحفظونه

قال إبن عساكر: أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن، أنبأنا أبو الحسن محمد بن علي بن أحمد، أنبأنا أحمد بن أسحاق النهاوندي أنبأنا إبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب التوني، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث، أنبأنا عبدة بن عبد الله، عن إسرائيل بن أبي إسحاق: عن عمرو بن أبي جندب، قال كنا جلوسا عند سيدنا سعيد بن قيس بصفين إذ جاء أمير المؤمنين متوكئا على عنزة (1) وإن الصفين ليتراءيان، بعدما أختلط الظلام (2) فقال له سعيد: (أأنت) أمير المؤمنين ؟ قال نعم.

قال: سبحان الله أما يخاف أن يقتلك أحد ؟ قال: لا.

(ثم قال عليه السلام): إنه ليس من عبد إلا ومعه حفظة (يحفظونه) من أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العنزة - بالفتحات -: عصا شبه العكازة لها زج في أسفلها، والجمع عنز وعنزات.

(2) أي لم يستولي الظلمة على العالم بحيث لا يري الشخص ما يواجهه من مكان قريب، بل كان أختلط الظلام بالضياء.

 

[175]

يصيبه حجر، أو يخره من جبل أو يقع (منه) أو يصيبه دابة، حتى إذا جاة القدر خلو بينه وبينه.

قال إبن عساكر: وأظن عمرا هذا (الواقع في السند) هو أبو بصير، بهذا أخبرنا أبو غالب أيضا، أنبأنا محمد بن علي، أنبأنا أحمد بن إسحاق، أنبأنا محمد إبن أحمد بن يعقوب، أنبأنا أبو داود، أنبأنا داود بن أمية (ظ) أنبأنا مالك إبن سعيد (ظ) أنبأنا الأعمش، عن أبي إسحاق: عن أبي بصير، قال: كنا جلوسا حول سيدنا الأشعث بن قيس إذ جاء رجلا بيدة عنزة، فلم يعرفه وعرفه (كذا) قال: إذا أمير المؤمنين ؟ قال: نعم قال: (أ) تخرج هذه الساعة وأنت رجل محارب ؟ قال: إن علي من الله جنة حصينة، فإذا جاء القدر لم يغن شيئا، إنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملك، ولا تريده دابة ولا شئ إلا قال (له): اتقه اتقه، فإذا جاء القدر خلا عنه (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقريب منه جدا في المختار (60) من خطب نهج البلاغة.

وهذا المعنى قد ذكر في منظوم كلامه أيضا في مواضع، قال نصر بن مزاحم - في أواسط الجزء السادس من كتاب صفين ص 395 -: وكان علي (عليه السلام) إذا أراد القتال هلل وكبر ثم قال: =

 

[176]

الحديث (1382) وتاليه، من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 102، وفي التوالي أيضا شواهد لهذا المعنى.

والحديث الأول رواه ثقة الإسلام الكليني (ره) بسند آخر، وفي الحديث (8) من باب فضل اليقين من أصول الكافي: ج 2 ص 59، ويجئ إيضا بسند آخر في تعليق المختار: (208) ورواه عنه وعن أبي داود، في القدر، في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد: ج 1 ص 78.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= من أي يومي من الموت أفر أيوم ما قدر أم يوم قدر وزاد عليه في رواية الصدوق وغيره: ويوم ما قدر لا أخشى الردى وإذا قدر لم يغن الحذر

 

[177]

ومن خطبة له عليه السلام في بيان حقوق الوالي على الرعية، وحقوق الرعية على الوالي وإنتظام صلاح المسلمين برعايتهما، وإختلال نظامهم بتركهما.

محمد بن يعقوب الكليني - رفع الله مقامه - عن علي بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن محمد بن خالد، وأحمد بن محمد (1)، عن علي بن الحسن التميمي جميعا، عن إسماعيل بن مهران، قال: حدثني عبد الله بن الحارث، عن جابر: عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: أما بعد فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم ولكم علي من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال المجلسي رحمه الله: أحمد بن محمد، عطف على علي بن الحسن وهو العاصمي.

والتميمي هو إبن فضال.

 

[178]

الحق مثل الذي لي عليكم، والحق أجمل الإشياء في التواصل، وأوسعها في التناصف (2) لا يجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري ذلك له ولا يجري عليه، لكان ذلك لله عز وجل خالصا دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه (3) ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل كفارتهم (4) عليه بحسن الثواب تفضلا منه، وتطولا بكرمه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) التواصف: أن يصف الشئ بعضهم لبعض، والتناصف: أن ينصف بعضهم بعضا، وإنما كان الحق أجمل الأشياء في التواصف، لأنه يوصف بالحسن وكل جميل، وإنما كان أوسعها في التناصف، لأن الناس لو تناصفوا في الحكم لما ضاق عليهم أمر من الأمور.

وفي نهج البلاغة: (فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف) أي يتسع قول الناس كلهم في وصف الحق، ولكن لا ينصف بعضهم بعضا.

(3) أي انواع قضائه، وفي النهج وبعض نسخ الكافي - على ما قيل -: (صروف قضائه).

(4) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (وجعلت كفارتهم عليه).

قيل: إنما سمي جزاءه تعالى على الطاعة كفارة، لأنه يكفر ما يزعمونه من إن طاعتهم له تعالى حق لهم عليه يستوجبون به الثواب، مع إنه ليس كذلك لأن الحق له عليهم حيق أقدرهم على الطاعة والهمهم إياها ولهذا سماه التفضل والتطول والتوسع بالأنعام الذي هو المزيد منه أهل، لأنه الكريم الذي لا تنفذ خزائنه بالأعطاء والجود

 

[179]

وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا (5).

ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافئ في وجوهها (6) ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها إلا ببعض، فأعظم ما أفترض الله (7) تبارك وتعلى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عز وجل لكل على كل، فجعلها نظام ألفتهم (8) وعزا لدينهم، وقواما لسنن الحق فيهم (9) فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا بأستقامة الرعية، فإذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) وفي النهج (ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاؤهم عليه مضاعفة الثواب، تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله).

(6) أي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحق الوالي - وهو الطاعة من الرعية - مقابل بمثله: وهو العدل فيهم وحسن السيرة.

(7) وفي النهج: (وأعظم ما أفترض الله).

(8) وفي النهج: (فجعلها نظاما لألفتهم) وهو أظهر.

(9) وإنما هي عز لدينهم لأنها سبب إجتماعهم وبه يقهرون أعداءهم فيعز دينهم.

وقوله: (قواما) أي به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم.

 

[180]

أدت الرعية الى الوالي حقه، وأدى إليها الوالي كذلك، عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين، وأعتدل معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن (10) فصلح بذلك الزمان، وطاب به العيش، وطمع في بقاء الدولة ويأست مطامع الأعداء.

وإذا غلبت الرعية واليهم، وعلى الوالي الرعية (11) إختلفت هنالك الكلمة، وظهرت مطامع الجور، وكثر الإدغال في الدين، وتركت معالم السنن (12) فعمل بالهوى، وعطلت الآثار، * (هامش) (10) الإذلال: جمع الذل - بالكسر -: محجة الطريق، يقال: أمور الله جارية إذلالها، وعلى إذلالها، أي على مجاريها ووجوهها.

والسنن: جمع السنة.

(11) يقال: (على زيد عمرا - من باب دعا - علوا) وعليه علاءا - من باب علم - وأعتلاه: قهره وغلبه.

وفي النهج: (وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته)... (12) الإدغال - بكسر الهمزة - هو أن يدخل في الشئ ما ليس منه وهو الإبداع والتلبيس.

وبفتح الهمزة: جمع الدغل - كجبل - وهو الفساد.

والمعالم جمع المعلم - كمخزن -: ما يستدل به على الطريق.

وفي النهج: (وتركت محاج السنن) أي أوساط طرقها.

 

[181]

وكثرت علل النفوس (13) ولا يستوحش لجسيم حد عطل، ولا لعظيم باطل أثل (14) فهنالك تذل الابرار، وتعز الاشرار، وتخرب البلاد، وتعظم تبعات الله (15) - عز وجل - عند العباد.

فلهم ايها الناس الى التعاون على طاعة الله عز وجل، والقيام بعدله والوفاء بعهده والانصاف له في جميع حقه (16) فإنه ليس العباد الى شئ أحوج منهم الى التناصح في ذلك وحسن التعاون عليه، وليس احد - وإن أشتد على رضى الله حرصه وطال في العمل اجتهاده - - ببالغ حقيقة ما اعطى الله من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) علل النفوس: تسويلاتها وتزينها المعاصي لديها من الملكات الفاسدة من حب الشهوات (14) أي اصل وأسس، ومجد مؤثل: مجموع ذو أصل واساس، وفي النهج: فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل).

(15) التبعات: ما يتبع الاعمال السيئة من العقاب وسوء العاقبة.

(16) الإنصاف لله تعالى في جميع حقه وهو ان يعمل العبد بوظائف العبودية في جميع ما كلفه الله تعالى.

 

[182]

الحق اهله (17) ولكن من واجب حقوق الله عز وجل على العباد، النصيحة له بمبلغ جهدهم، والتعاون على إقامة الحق فيهم (18) ثم ليس أمرؤ (19) - وان عظمة في الحق منزلته، وجسمت في الحق فضيلته (20) - بمستغن ان يعان على ما حمله الله عز وجل من حقه (21) ولا امرؤ - وإن خسأت به الامور، واقتحمته العيون - بدون ان يعين على ذلك (أ) و يعان عليه (22) وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) وفي النهج: (فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه، فليس أحد - وإن أشتد على رضا الله حرصه وطال في العمل إجتهاده - ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة).

(18) وفي نهج البلاغة (بينه).

(19) وفي النهج: (وليس أمرؤ).

وهو أظهر.

(20) وفي النهج: (وتقدمت في الدين فضيلته) وهو أظهر.

(21) وفي النهج: (بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه).

(22) كذا في نهج البلاغة - عدا قوله: (وان خسأت به الأمور) فإن بدله فيه: (وإن صعرته النفوس) - وهو الظاهر، وفي الروضة هكذا: (ولا لأمرئ مع ذلك خسأت به الأمور، وأقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه)

 

[183]

في ذلك حاجة، وكل في الحاجة الى الله عز وجل شرع سواء (23).

(قال:) فأجابه رجل من عسكره - لا يدري من هو، ويقال: إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده - فقال وأحسن الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه (24) عليهم، والأقرار (له) بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم.

ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك، بك أخرجنا الله عز وجل من الذل، وبأعزازك أطلق عباده من الغل (25) فأختر علينا فأمض إختيارك، وائتمر فمض ائتمارك (26) فأنك القائل المصدق، والحاكم الموفق والملك المخول (27)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) سواء: بينن لقوله: (شرع) وتأكيد له، وإنما ذكر عليه السلام ذلك، لئلا يتوهم إنهم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى بل هو الموفق والمعين لهم في جميع أمورهم ولا يستغنون بشئ عن الله تعالى.

(24) أبلاهم: أنعمهم.

والضمير في (حقه) يصلح للرجوع الى الله، والى أمير المؤمنين عليه السلام.

(25) أي من التكاليف الشاقة التي كانت طوق رقابهم، وكأنه إشارة الى قوله تعالى: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

(26) الائتمار: المشاورة، كما في قوله تعالى: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك).

(27) يقال: (خوله الشئ): أعطاه إياه وملكه متفضلا.

أي أنت الملك الذي خولك الله أمرتنا وجعلنا من خدمك وتابعيك.

 

[184]

لا نستحل في شئ معصيتك، ولا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك (28) ويحل عنه في أنفسنا فضلك.

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إن من حق عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه، إن يصغر عنده - لعظم ذلك - كل ما سواه (29) وأن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه، ولطف إحسانه إليه (30) فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا إزداد حق الله عليه عظما، وإن من إسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر (31) ويوضع أمرهم على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) الخطر: القدر والمنزلة.

(29) كلمة (كل) فاعل لقوله: (يصغر) أي يصغر عنده كلما سوى الله لعظم الجلال الألهي.

(30) إي إن أحق المعظمين لله بتصغير ما عداه، هو الذي عظمت عليه نعمة الله، ولطف إحسانه إليه.

(31) السخف - كفرس -: رقة العقل وضعفه، أي أن أحوال الولاة عند رعيتهم أن يظن بهم إنهم يحبون الفخر، ويبنون أمورهم على أساس الكبر.

 

[185]

الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الأطراء وإستماع الثناء (32) ولست - بحمد الله - كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك (لي) لتركته إنحطاطا لله سبحانه (33) عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما أستحلى الناس الثناء بعد البلاء (34) فلا تثنوا علي بجميل ثناء لأخراجي نفسي الى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها (35) وفرائض لابد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة (36) ولا تظنوا بي إستثقالا في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) (جال) مأخوذ من الجولان.

و (الإطراء): مجاوزة الحد في الثناء.

أي إني أكره أن يخطر ببالكم - كذبا وعدولا عن الحق - أني أحب ان تثنوا علي، وتبالغوا في مدحي وتقريظي فإني لست ممن يتوقع المدح والإطراء.

(33) أي تواضعا لله تعالى.

(34) يقال: (أحلولا وتحلى وأستحلى الشئ): وجده حلوا.

والمراد من البلاء - هنا - هو إجهاد النفس في إحسان العمل.

(35) وفي بعض النسخ.

ومثله أيضا في نهج البلاغة -: (من التقية).

(26) البادرة: الحدة.

الكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب، =

 

[186]

حق قيل لي، ولا إلتماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فإنه من أستثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني (37) فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لارب غيره، يملك منا ما لانملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه (38) فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= والظاهر إن الثاني من لوازم المعنى الأول.

واهل البادرة: الملوك والسلاطين وارباب القبض والبسط، أي لا تثنوا عليه كما يثنى على أهل الحدة من الملوك ومن يضاهيهم خوفا من سطوتهم، أو لا تحتشموا مني كما يحتشم من السلاطين والأمراء - كترك المساورة والحديث - إجلالا وخوفا منهم وترك مشاورتهم أو إعلامهم ببعض الأمور.

والمصانعة: المداراة.

الرشوة.

(37) وهذا نظير قوله تعالى في الآية: (54) من سورة يوسف: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي).

أي أني لا آمن الخطأ في نفسي وعملي إلا أن يكفيني الله وييسر لي فأكون على أمن من الخطأ.

وأدلة عصمته عليه السلام تدل على إن الله يسر له وكفاه الأمن من الخطأ والخطل والعثرة والزلل.

(38) هذا بيان لقاهريته تعالى وإنه إذا اراد شيئا فإرادة غيره وقدرته =

 

[187]

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال: أنت أهل ما قلت والله، والله فوق ما قلته، فبلاؤه عندما لا يكفر (39) وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا، وولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، وإمامنا الذي نقتدي به وأمرك كله رشد، وقولك كله أدب، قد قرت بك في الحياة أعيننا، وأمتلأت من سرور بك قلوبنا، وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، ولسنا نقول لك أيها الإمام الصالح تزكية لك، ولا نجاوز القصد في الثناء عليك، ولم يكن في أنفسنا طعن على يقينك (40) أو غش في دينك فنتخوف أن يكون أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر، ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا الى الله عز وجل بتوقيرك، وتوسعا بتفضيلك وشكرا بإعظام أمرك، فأنظر لنفسك ولنا، وآثر أمرا لله على نفسك وعلينا، فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا ! ! ! * (هامش) مقهورتان مغلوبتان في جنب إرادة الله، فإذا أراد أن يكون سفراؤه وأوصياؤهم الحافظون لدينهم معصومين مأمومين من الخظأ، كي لا يكون للناس على الله حجة، وليهلك من هلك عن بينة، فلا بد إذا من مقهورية قواهم البشرية الداعية الى ما تلائمها من الشهوات، والمقتضية في ذاتها لصدور الخطأ، تحت إرادة الله جلت قدرته فلا محيص إذا عن عصمتهم.

(39) المراد من البلاء - هنا -: النعمة، أي إن نعمته تعالى عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها أي ستره.

أو المعنى إن النعم المذكورة لا يجوز كفرانها وترك شكرها (40) قال المجلسي العظيم (ره): وفي النسخة القديمة: (ولن يكون).

 

[188]

فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: وأنا استشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليتم به من أموركم، وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه، والسؤال عما كنا فيه، ثم يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية، ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.

الحديث (550) من كتاب الروضة من الكافي ص 352 ط طهران، ورواه عنه في الحديث الأول من باب: (نوادر ما وقع في أيام خلافته) من البحار: ج 8 ص 707 ط الكمباني، وكذلك في باب خطبه عليه السلام من ج 17، ص 93.

ورواه ايضا السيد الرضي (ره) في المختار (213 من نهج البلاغة، وروى قريبا من صدره في ذيل المختار: (34).

وأيضا روى قريبا من الصدر، في الحديث (52) من كتاب القضاء من دعائم الإسلام: ج 2 ص 539 ط مصر.

 

[189]

ومن خطبة له عليه السلام في حث أصحابه بالصبر والصدق واستعدادهم لمناجزة أهل الشام إجتماعا، وأحياء ليلتهم بالقيام الى الصلاة والتضرع الى الله وتلاوة القرآن نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر (1) عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب (3) إن عليا (عليه السلام) قال في هذه الليلة (3): (حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا ؟).

قال: فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال: الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض، ولا ينقض ما أبرم، ولو شاء ما أختلف إثنان من هذه الأمة (4) ولا تنازعت الأمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة، وفى شرح إبن أبي الحديد: (عن عمر بن سعد).

(2) هذا هو الصواب الموافق لما في تاريخ الطبري، كما يدل عليه، ايضا ما يأتي من روايات نصر بن مزاحم.

وفي النسخة - هنا - يزيد بن وهب.

(3) أي في ليلة الأربعاء من شهر صفر.

(4) المراد من المشيئة - هنا - المشية الحتمية التكوينية القاهرة لجميع الممكنات، الغالبة على كل الأرادات.

 

[190]

(البشر (خ)) في شئ من أمره، ولا حجد المفضول ذا الفضل فضله، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت بيننا في هذا المكان (5) فنحن من ربنا بمرأى ومسمع (6) فلو شاء لعجل النقمة، ولكان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم المحق أين مصيره (7) ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الأخرة عنده دار (الجزاء) والقرار (ليجزي الذين أساؤا بما عملو ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) (8).

إلا إنكم ملاقوا القوم غدا - إنشاء الله - فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، وأسألوا الله الصبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) أي جمعت بيننا وضمت بعضنا الى بعض متحاربين.

(6) إي أنه تعالى يرى أشخاصنا وأعمالنا ويسمع أقوالنا، والرؤية والسمع من الله تعالى مأولان بالأدلة القاطعة بعلمه تعالى بالمرئيات والمسموعات.

(7) أي يعلم الله ويبين للمحق مصيره الدنيوي ومآل أمره في الحياة الدنيا، وأما مصيره الأخروي فقد بينه الله تعالى في القران الكريم والمأثور المقطوع لكل من المحق والمبطل.

(8) الآية: (31) من سورة النجم: 53.

 

[191]

والنصر، والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين.

ثم إنصرف (عليه السلام) ووثب الناس الى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها.

كتاب صفين ص 225، وقريب منه ذكره سليم بن قيس في كتابه ص 65 و 171، وإنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام.

وذكرها - مع المختار: (216) الآتي - في كتاب الفتوح: ج 3 ص 288.

 

[192]

ومن كلام له عليه السلام كان يدعو به الله تبارك وتعالى إذا سار الى القتال

نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن تميم، قال: كان علي (عليه السلام) إذا سار الى القتال ذكر أسم الله حين يركب: ثم يقول: الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا الى ربنا لمنقلبون) (1).

ثم (كان عليه السلام) يستقبل القبلة ويرفع يديه الى الله ويقول: اللهم إليك نقلت الأقدام، وأتعبت الأبدان، وأفضت القلوب (2) ورفعت الأيدي وشخصت الأبصار (ربنا إفتح بيننا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الآية: (13) من سورة الزخرف 330.

(2) أي إتصلت القللوب بك وأفضى بسره اليك وصارت في فضائك وفناء باب لطفك وعنايتك.

=

 

[193]

وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (3).

(ثم يقول للجند:) سيروا على بركة الله، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، يا الله يا أحد يا صمد، يا رب محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم، لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= وقال في الباب (19) وهو باب الدعاء من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي السيد أبي طالب - ص 161: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن سلام، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن هذيل، حدثنا يوسف إبن يعقوب الصفار، حدثنا عبيد الله بن سعيد، عن كامل، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة قال: سمعت عليا يدعو في خطبة فيقول: اللهم اليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي وأفضت القلوب ودعيت (ظ) بالأسنة، وحوكم اليك في الأعمال.

(قال) وفي رواية أخرى: اللهم إفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وأشكو اليك غيبة نبينا وقلة عددنا وكثرة عدونا، اللهم أعنا على ذلك بفتح تعجله ونصر تعز به (ظ) وسلطان حق تظهره.

(3) الآية (89) من سورة الأعراف: 7.

 

[194]

يوم الدين) أياك نعبد وإياك نستعين، اللهم كف عنا بأس الظالمين.

(قال:) فكان هذا شعاره بصفين (إذا سار الى الحرب) (4).

كتاب صفين ص 230، ط مصر، ورواه عنه إبن أبي الحديد، في شرح المختار: (65) من نهج البلاغة: ج 5 ص 176.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) وفي المقام روايات أخر في دعائه عليه السلام هذا.

 

[195]

ومن كلام له عليه السلام كان يدعو به الله تعالى على سبيل الإنقطاع إليه في ساحة الحرب عندما كان يزحف بجيشه الى أهل الشام

نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه قال: لما كان غداة الخميس (لسبع خلون من صفر، من سنة سبع وثلاثين) صلى علي فغلس بالغداة (1) ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ، ثم خرج بالناس الى أهل الشام، فزحف إليهم، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم فإذا رأوه وقد زحق استقبلوه بزحفهم.

قال نصر: فحدثني (عمر بن سعد، عن) مالك بن أعين، عن زيد بن وهب، إن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال: اللهم رب (هذا) السقف المحفوظ (والجور المكفوف) * (هامش) (1) أي صلاه وأتى به بالغلس - كفرس -: ظلمة آخر الليل، والجمع أغلاس كأفراس.

 

[196]

الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (2) وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر، ومنازل الكواكب والنجوم، وجعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة (3)، ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام (4) والأنعام، وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم، ورب الفلك التي تجرى في البحري بما ينفع الناس ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض، ورب البحر المسجور (المحيط) بالعالمين، ورب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وفي النهج: (الهم رب السقف المرفوع، والجو المكفوف...).

والمراد من السقف المحفوظ والجو المكفوف هو ما أحاط بالأرض من جوانبها فإنه محفوظ بقدرة الله تعالى من الإنهدام وإنهيار النظام مكفوف بإرادة الله عن السقوط على الأرض وتصادمهما.

والمغيض: محل الذهاب والمجئ والظهور والغروب والطلوع والأفول.

(3) لا يسأمون: لا يملون.

ومثله في قوله تعالى في الآية (38) من سورة فصلت: 41: (يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون).

(4) الهوام - كعوام -: جمع الهامة - كعامة: الحشرات.

وقد تطلق على خصوص ماكان له منها سم كالعقرب والحية.

 

[197]

الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا (5) إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي، وسددنا للحق، وإن أظهرتهم علينا فأرزقنا الشهادة (6) وأعصم بقية أصحابي من الفتنة.

كتاب صفين ص 232 ط 2 بمصر ورواه عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار (65) من خطب النهج: ج 5 ص 177، ط مصر، ورواه ايضا الطبري في حوادث سنة 37، من تاريخه: ج 4 ص 10، ورواه ايضا السيد الرضى (ره) في المختار (169) من خطب النهج، كما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي (ره) في كتاب الدعاء والذكر بسند آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) ومثله في تاريخ الطبري وفي النهج: (وللخلق إعتمادا) أي ملجأ ومعتمدا يعتمدون إليها ويعتصمون بها إذا هجم عليهم العدو وخافوا الأجتياح والأسرة.

(6) وفي تاريخ الطبري: (فأرزقني الشهادة) وهو أظهر.

وفي النهج: (وإن أظهرتهم علينا فأرزقنا الشهادة وأعصمنا من الفتنة.

أين المانع للذمار والغائر عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ ؟ العار وراءكم والجنة أمامكم).