[198]
ومن كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال
قال نصر بن مزاحم (ره): قال عمر بن سعد، عن عبد الرحيم بن عبد الرحمان (1) عن أبيه إن عليا أمير المؤمنين (عليه السلام) حرض الناس (في اليوم السابع من صفر سنة 37 (2)) فقال: إن الله عز وجل قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب، وتشفي بكم على الخير (3) إيمان بالله ورسوله وجهاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي المتوفي سنة 95، وعبد الرحيم إبنه هو أبو زياد المحاربي الكوفي وتوفي سنة 111، هذا تلخيص ما الهامش نقلا عن تهذيب التهذيب.
(2) بين المعقوفين زيادة منا للتوضيح.
(3) وفي كتاب الإرشاد: (معاشر المسلمين إن الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، وتشفي بكم على الخير العظيم).
وتشفي: تشرف.
[199]
في سبيله (4) وجعل ثوابه مغفرة الذنوب، ومساكن طيبة في جنات عدن، ورضوان من الله أكبر (5) فأخبركم بالذي يحب فقال: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنه بنيان مرصوص (4 الصف: 61) فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدموا الدارع وأخروا الحاسر: (6) وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام، وأربط للجأش (7) وأسكن للقلوب، وأميت الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار، والتووا في اطراف الرماح فإنه أمور للأسنة (8) وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا في أيدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وفي الطبري والكافي والإرشاد: (الإيمان بالله وبرسوله والجهاد في سبيله)... (5) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: (ورضوان من الله أكبر).
(6) الحاسر: الذي لم يكن لابسا للدرع بل يكون عاريا عنه.
(7) الجأش - كفلس -: القلب، والجمع: جؤوش كقلب وقلوب.
(8) التووا: إنعطفوا وأعوجوا.
وأمور: أشد زلة وخطأ.
قال: مار الشئ - من باب قال -: تحرك كثيرا وبسرعة من جهة الى أخرى.
والأسنة: جمع السنان: نصل الرمح...
[200]
شجعانكم المانعي الذمار، والصبر عند نزول الحقائق (9) (وهم) أهل الحفاظ الذين يحفون براياتكم ويكتنفونها (و) يضربون خلفها وامامها ولا يضيعونها.
أجزأ كل أمرئ منكم قرنه وواسى أخاه بنفسه (10) ولم يكل قرنه الى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، فيكتسب بذلك لائمة، ويأتي به دناءة، وأنى هذا وكيف يكون هكذا ؟ ! (و) هذا يقاتل إثنين وهذا ممسك يده قد خلا قرنه على أخيه هاربا منه وقائما ينظر إليه، من يفعل هذا يمقته الله، * (هامش)، (9) الذمار: ما يلزم حفظه والدفاع عنه وبتضييعه يلام الشخص ويوبخ.
والصبر - كعنق -: جمع الصبور: الحلم والحقائق: جمع: الحقيقة: ما يجب على الأنسان محاماته والدفاع عنه.
والحوادث النازلة التي لا تدفع إلا بالعزيمة الراسخة والأهتمام التام لإزالتها.
(10) هذا لفظه خبر ومعناه إنشاء أي فليجز كل واحد منكم من بإزائه من عدوه وليواسي أخاه في ساحة الحرب ولا يتأخر عن من يبارزه كي يجتمع على أخيه فيقتلوه بكثرتهم وأنفراده.
يقال: (جزا زيد عن قائده القتال - من باب رمى - وأجزاه عنه - من باب أفعل - أجزاءا): كفاه وأغناه عنه.
والقرن - بكسر القاف كحبر -: من يبارز الشخص ويحاربه.
[201]
فلا تعرضوا لمقت الله، فإنما مردكم الى الله، قال الله لقوم: (قل: لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمتعون إلا قليلا) (86 الأحزاب) وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة (1) إستعينوا بالصدق والصبر فإنه بعد الصبر ينزل النصر.
كتاب صفين، ط 7 بمصر، ص 235 ورواه عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (65) من نهج البلاغة: ج 5 ص 187.
ورواه إيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 72 بإختصار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) كذا في الأصل، والمراد منه عذاب الآخرة.
[202]
قال السبط إبن الجوزي: وقال إبن عباس: كان علي (عليه السلام) يخاف إنقطاع النسل (أي نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يوم صفين - وقد رأى الحسن والحسين يتسارعان الى القتال.
وقيل: إنما رأى الحسين (1) لاغير، فقال -: أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني (2) فإني أنفس به عن الموت (3) لئلا ينقطع نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ترجمة الإمام علي بن الحسين عليه السلام من كتاب تذكرة الخواص، ص 334 وقريب منه جدا في المختار: (205) من نهج البلاغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي نهج البلاغة: وقد رأى الحسن عليه السلام...
(2) أملكوا عني: أمسكوه وأحبسوه عن القتال بدلا عني لئلا يهدني أي يهدمني ويوهن ركبي، يقال: هد البناء - من باب مد - هدا وهدودا): هدمه شديدا وضعضعه وكسره بشدة. وهدته المصيبة: أوهنت ركنه.
(3) وفي النهج: (فإني أنفس بهذين - يعني الحسن والحسين عليهما السلام - على الموت لئلا ينقطع بهما...). وأنفس به - من باب فرح -: أظن وأبخل به.
[203]
ومن كلام له عليه السلام لما أنهزمت ميمنته فذهب عليه السلام الى الميسرة كي يستثيبهم ويحثهم على الجهاد
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد، عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال مر علي يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة (ومعه ربيعة وحدها) وأني لأرى النبل بين عاتقه ومنكبيه، وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه، فيكره على ذلك فيتقدم عليه فيحول بينه وبين أهل الشام، ويأخذ بيده أذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه أو من وراءه، فبصر به أحمر - مولى أبي سفيان أو عثمان أو بعض بني أمية - (فعرفه) فقال: (هذا) علي ورب الكعبة، قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني ! فأقبل نحوه، فخرج إليه كيسان مولى علي فأختلفا ضربتين فقتله مولى بني أمية وخالط عليا ليضربه بالسيف، فأنتهزه علي فتقع يده(1) في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه - فكأني أنظر الى رجليه تختلفان على عنق علي - ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضده، وشد عليه أبنا علي: الحسين ومحمد فضرباه بأسيافهما حتى برد، فكأني أنظر الى علي قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي ط إيران: فوقع يده في جيب درعه... ويقال..: (أنتهز الشئ إنتهازا): بادر إليه وأسرع الى تناوله.
و (إنتهز الفرصة): إغتنمها وأنتهض إليها مبادرا.
[204]
أتيا عليه أقبلا الى أبيهما والحسن معه قائم (ف) قال: يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك ؟ قال: كفياني يا أمير المؤمنين.
ثم إن أهل الشام دنوا منه - والله ما يزيده قربهم منه (ودنوهم إليه) سرعة في مشيه - فقال له الحسن: ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي الى هؤلاء الذين صبروا لعدوك من أصحابك ؟ - قال: يعني ربيعة الميسرة) - قال: يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه، ولا يبطئ به عنه السعي، ولا يعجل به إليه المشي، إن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه (2).
فبينا يسير عليه السلام نحو الميسرة إذ مر بالأشتر فقال له يا مالك.
قال: لبيك يا أمير المؤمنين.
قال: أئتي هؤلاء القوم فقل لهم: أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه الى الحياة التي لا تبقى لكم ؟ ! ! فمضى الأشتر رحمه الله ووبخ القوم على الفرار، ولامهم عليه وحثهم على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وبعده هكذا: (نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي إسحاق، قال: خرج علي يوم صفين وفي يده عنزة، فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد بن قيس: أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوك ؟.
فقال له علي: (إنه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو تصيبه آفة، فإذا جاء القدر خلو بينه وبينهم).
أقول: ولهذا الكلام مصادر كثيرة، وتقدم بسندين آخرين - ينتهيان الى أبي إسحاق ايضا - في المختار (152) ص 170، أو ص 721 - 722.
[205]
القتال وشجعهم على الكر، فكر معه جماعة من الفرسان فحملوا على أهل الشام وقتلوا منهم جماعة كثيرة وأزالوهم عن مواقفهم (3).
فقال نصر، عن عمر بن (سعد الأسدي (4)) عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب: إن عليا (عليه السلام لما رأى ميمنته قد عادت الى مواقفها ومصافيها وكشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم، اقبل حتى إنتهى إليهم فقال: أني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الجفات الطغام (5) وأعراب أهل الشام، وأنتم لهاميم العرب، والسنام الأعظم (6) وعمار الليل بتلاوة القرآن، وأهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) من قوله: فبينا يسير - الى قوله: - عن مواقفهم) تلخيص للقصة وليس بنصها حرفيا، إذ هي طويلة مشتملة على خطب للأشتر وكلام كثير له ولغيره.
(4) بين المعقوفين زيد للتوضيح، وفي شرح إبن أبي الحديد: (عمرو) يعني إبن شمر.
(5) يحوزكم: يكشفكم وينحيكم والجفاة: جمع الجافي: الغليظ الطبع خشن الأخلاق والطغام - كطعام -: أوغاد الناس، للواحد والجمع.
(6) لهاميم: جمع لهموم - كخرطوم -: أستخياء الناس وأشرافهم.
والسنام - كقطام -: حدبة في ظهر البعير، ويستعار للأكابر والأشراف من الناس فيقال: هو سنام قومه أي رفيعهم وكبيرهم.
[206]
دعوة الحق إذ ضل الخاطئون، فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد إنحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف دبره (7) وكنت فيما أرى من الهالكين، ولقد هون علي بعض وجدي وشفى بعض أحاح نفسي أني رأيتكم بأخرة (8) حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم كالإبل المطرودة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) إشارة الى قوله تعالى - في الآية: (16) من سورة الأنفال -: (ومن يولهم يوم إذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
(8) إالأحاح - بضم أوله كالأحيح والأحيحة بفتح أولهما -: العطش، الغيط.
والأخرة كالبقرة -: النهاية والمال وآخر الأمر، يقال: جاء أخرة وبأخرة أي أخيرا.
قال في مادة: (حسس) من النهاية: ومنه حديث علي رضي الله عنه: (لقد شفى وحاوح صدري حسكم إياهم بالنصال).
والوحاوح: جمع الوحوح: إنقضاض النفس وتخلصها من الغيض.
وقال ايضا: ومنه حديثه الآخر: (كما أزالوكم حسا بالنصال).
ورواه أيضا في مادة (حشحش) وقال: (كما أزالوكم حشا بالنصال) أي إسعارا وتهييجا بالرمي.
[207]
الهيم (9) فالآن فأصبروا إنزلت عليكم السكينة وثبتكم الله باليقين.
وليعلم المنهزم إنه مسقط لربه وموبق نفسه، وفي الفرار موجدة الله عليه (10) والذل اللازم (له، والعار الباقي وأعتصار الفئ من يده) وفساد العيش، وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره، ولا يرضي ربه، فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير (له) من الرضا بالتلبس بها والأقرار عليها.
كتاب صفين ص 249 - 256.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الهيم) الإبل التي لا تروي من الماء لأصابتها بداء الهيام - بضم الهاء - والمفرد الأهيم والمؤنث هيماء، ومنه قوله تعالى في الآية: (55) من سورة الواقعة: (فشاربون شرب الهيم).
(10) موبق: مهلك.
والموجودة - كموعظة -: الغضب.
[208]
ومن كلام له عليه السلام أجاب به بعض أصحابه وقد سأله: كيف دفع قومكم الخلافة عنكم وأنتم أحق بها وأحرى ؟!!
روى نقلة الآثار إن رجلا من بني أسد وقف على أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين العجب فيكم يا بني هاشم كيف عدل بهذا الأمر عنكم ؟ وأنتم الأعلون نسبا وسببا ونوطا بالرسول (1) صلى الله عليه وآله وسلم وفهما للكتاب ؟ ! ! فقال (له أمير المؤمنين) عليه السلام: يا أبن دودان إنك لقلق الوضين ضيق المخرم ترسل غير ذي مسد (2) (و) لك بعد ذمامة الصهر وحق المسألة وقد * (هامش) (1) كذا في الأصل.
والنوط - كقول -: التعلق والربط.
(2) وفي النهج: (يا أخا بني أسد أنك لقلق الوضين ترسل في غير سدد).
القلق: المتذبذب المضطرب.
والوضين: بطان يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج فإذا كان لينا غير متين يضطرب الرحل على الدابة وتتململ يمينا وشمالا تضرب بنفسها الشجر والحجر.
والمخرم - كمجلس -: منقطع أنف الجمل والجمع مخارم.
وترسل: تطلق.
والمسد: الحبل المحكم الفتل يقال: =
[209]
أستعلمت فأعلم (أما الأستبداد علينا بهذا المقام - ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نوطا - فإنها) (3) كانت أثرة سخت بها نفوس قوم وشحت عليها نفوس آخرين (والحكم الله والمعود إليه القيامة) (4).
ودع عنك نهبا صيح في حجراته (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= (مسد الحبل - من باب نصر - مسدا): فتله أو أجاد فتله.
والسدد - في رواية النهج -: السداد: الإستقامة والصواب، يقال: (سد الشئ من باب فر وبر - سددا وسدادا): كان سديدا ومستقيما.
(3) مابين المعقوفات جميعه مأخوذ من نهج البلاغة.
(4) الأثرة - كثمرة -: الإختصاص بالشئ والتفرد به.
وسخت بها: جادت بها وغضت النظر عنها.
وشحت عليها: حرصت عليها، والذين جادت نفوسهم أهل البيت.
والذين شحت عليها وكادت أنفسهم تموت حرصا، هم منازعوا أهل البيت.
وقوله: (والحكم الله...) رواه أيضا في النهاية.
(5) وبعده: (وهات حديثا ما حديث الرواحل) والشعر لأمرئ القيس قاله عندما إستجار لخالد بن سدوس فأغار عليه بنو جديلة فذهبوا بأهله وإبله، فشكى الى مجيره فقال له: أعطني رواحلك الحق بها القوم فأرد إبلك وأهلك.
فأعطاه فلحقهم فقال لهم: ردوا ما أخذتم من جاري فقالوا: ما هو لك بجار.
فقال: والله أنه جاري وهذه رواحله.
فقالوا: رواحله ؟ قال: نعم.
فرجعوا إليه وأنزلوه عنهن وذهبو بهن.
[210]
وهلم الخطب في أمر أبي سفيان فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه ؟ ! ولا غرو (والله فياله خطبا يستفرغ العجب ويكثر الأود ! ! ! (6) يأس القوم والله من خفضي ومنيتي ؟ ! وحاولوا الإدهان في ذات الله وهيهات ذلك مني وقد جدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا (7) فإن تنحسر عنا محن البلوى (8) أحملهم من الحق على محضه، وإن تكن الأخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات (إن الله عليم بما يصنعون) (9) ولا تأس على القوم الفاسقين.
الفصل: (53) من مختار كلامه عليه السلام من كتاب الإرشاد، ص 156، ورواه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) وبعده في النهج هكذا: (حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه، وسد فواره من ينبوعه، وجدحوا بيني وبينهم شربا وبيئا...).
والأود: العوج.
(7) جدحوا: خلطوا.
والشرب: النصيب من الماء والوبئ ما يوجب الوباء.
8) وفي النهج: (فإن ترتفع).
(9) الى هنا رواه في النهج، وهذا إقتباس من الآيد الثامنة من سورة فاطر: (35).
[211]
ايضا الصدوق مسندا في الحديث الثاني من الباب: 122 من علل الشرائع والحديث الخامس من المجلس: (90) من أماليه، ورواه أيضا في أوائل الباب الثالث من المسترشد ص 64، وكذلك في فصل حاسدي أمير المؤمنين من مناقب آل أبي طالب: ج 3 ص 15، وقريب منه في آخر الخطبة المعروفة باللؤلؤة، وذكره ايضا في المختار: (160) من نهج البلاغة.
[212]
ومن كلام له عليه السلام لما مر على الوليد بن عقبة وجماعة من أهل الشام وهم يشتمونه !!!
قال نصر بن مزاحم (ره) حدثني رجل عن مالك الجهني، عن زيد بن وهب إن عليا (عليه السلام مر على جماعة من أهل الشام بصفين، فيهم الوليد بن عقبة وهم يشتمونه ويقصبونه (1) فأخبروه بذلك، فوقف (عليه السلام) في ناس من أصحابه فقال: إنهدوا إليهم وعليكم السكينة وسيما الصالحين ووقار الإسلام (2) والله لأقرب قوم من الجهل بالله عز وجل، قوم قائدهم ومؤدبهم معاوية وإبن النابغة (3) وأبو الأعور السلمي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقال: (قصب الرجل قصبا - من باب ضرب - وقصبه تقصيبا): شتمه.
(2) إنهدوا: إشخصوا وإبرزوا.
قوموا، من قولهم: (نهد الى العدو - من باب نصر ومنع - نهدا ونهدا - كفلسا وفرسا -: أسرع الى قتالهم وشخص وبرز إليهم.
(3) هو عمرو بن العاص، والنابغة أسم أمه.
[213]
وإبن أبي معيط شارب الحرام، والمجلود حدا في الإسلام (4) وهم أولاء يقومون فيقصبونني وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني وأنا إذ ذاك أدعوهم الى الإسلام، وهم يدعونني الى عبادة الأصنام، فالحمد لله ولا إله ألا الله، وقديما ما عاداني الفاسقون.
إن هذا هو الخطب الجليل (5) إن فساقا كانوا عندنا غير مرضيين، وعلى الإسلانم وأهله متخوفين، أصبحوا وقد خدعوا شطر هذه الأمة (6) فأشربوا قلوبهم حب الفتنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وقصته معروفة، فلما يوجد كتاب تعرض لأيام عثمان وعماله ولم يذكرها، وملخصها إنه كان مولعا بشرب الخمر في أيام إمارته على الكوفة حتى إنه في بعض الأحيان كان يخرج الى الصلاة وهو سكران فصلى يوما بهم الصبح اربعا وبعدما سلم قال للناس: إن أحببتم أزيدكم عليه ! ! ! فشرب يوما فنزعوا خاتمه في حال سكره عن يده فرفعوا أمره الى عثمان فطلبه وبعدما تمت الحجة على إنه شربه ويجب إجراء الحد عليه تحاماه الناس رعاية لجانب عثمان فأمر أمير المؤمنين عليه السلام بأجراء الحد عليه.
(5) وفي بعض المصادر: (إن هذا لهو الخطب الجليل).
(6) الشطر - كسطر -: الجزء.
النصف.
[214]
فاستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان وقد نصبوا لنا الحرب، وجدوا في إطفاء نور الله، (والله متم نوره ولو كره الكافرون) (7).
اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم، وشتت كلمتهم وابسلهم بخطاياهم (8) فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت.
كتاب صفين لنصر بن مزاحم، ص 391 ط 2 بمصر، ومثله في تاريخ الطبري: ج 4 ص 31، ورواه قبلهما سليم بن قيس الهلالي (ره) في كتابه ص 195، ونقله عنه وعن كتاب صفين في البحار: ج 8 ص 497 و 520 ط الكمباني.
ورواه أيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 235 باختصار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) إقتباس من الآية الثامنة من سورة الصف:: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم...).
(8) فافضض جمعهم: فاكسره.
وابسلهم بخطاياهم: أي خذهم بخطاياهم وعرضهم للهلاك.
ومنه قوله تعالى في الآية (70) من سورة الأنعام: (ذكر به أن تبسل نفس بما كسبت... أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون).
[215]
ومن كلام له عليه السلام لما مر على راية غسان من أهل الشام
نصر بن مزاحم (ره) عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي، أن علي بن أبي طالب (أمير المؤمنين عليه لسلام) مر بأهل راية (من أهل الشام) فرآهم لا يزالون عن موقفهم، فحرص الناس على قتالهم - وذكر (له) أنهم غسان - فقال: إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم (1) وضرب يفلق الهام ويطيح العظام وتسقط منه المعاصم والأكف (2) (و) حتى تصدع جباههم، وتنثر حواجبهم على الصدور والأذقان، أين أهل الصبر وطلاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدراك - كسواك -: المتلاحق المتواصل.
والنسيم: الروح.
(2) يقال: (فلق الشئ - من باب ضرب - فلقا، وفلقه تفليقا،): شقة.
ويطيح العظام: يسقطها، والمعاصم: جمع المعصم: الزند من اليد أو موضع السوار منها.
[216]
الخير ؟ أين من يشري وجهه الله عز وجل.
فثابت إليه عصابة من المسلمين (3) فدعا إبنه محمدا فقال له: أمش نحو هذه الراية مشيا رويدا حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك حتى يأتيك أمري، فأعد عليه السلام مثلهم مع الأشتر فشدوا عليهم ونهض محمد في وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم وأصابوا منهم، وأقتتل الناس بعد المغرب شديدا فما صلى كثير منهم إلا إيماءا (4) كتاب صفين ص 391.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي أجتمعت عليه، يقال: (ثاب الناس - من باب قال - ثوبا وثؤبا): أجتمعوا.
(4) وقد إختصرنا هذا الذيل.
[217]
ومن خطبة له عليه السلام نصر بن مزاحم (ره) عن عمر (بن سعد الأسدي) وعمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر (الإمام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام) قال: قام علي (أمير المؤمنين عليه السلام) فخطب الناس بصفين يومئذ فقال: الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر والفاجر (1) وعلى حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم ومن عصاه، إن رحم فبضله ومنه وإن عذب فبما كسبت أيديهم، وإن الله ليس بظلام للعبيد (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفاضلة: - هنا - الجليلة الرفيعة من الحياة والصحة والعقل وتهيؤ الأسباب للوصول الى خير الدنيا والآخرة.
(2) وفي رواية الصدوق (ره): (أن يعف فبضل منه، وأن يعذب فبما قدمت أيديهم وما الله بظلام للعبيد).
[218]
أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء (3) وأستعينه على ما نابنا (4) من أمر دنيا أو آخرة، وأومن به وأتوكل عليه وكفا بالله وكيلا، وأشهد أ (ن) لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ارسله بالهدى ودين الحق (5) ارتضاه لذلك وكان أهله، واصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته (6) وجعله رحمة منه على خلقه (7) فكان كعلمه فيه رؤوفا رحيما (8) أكرم خلق الله حسبا، وأجمله منظرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) البلاء: الإختبار والإمتحان، وإختباره تعالى إنما هو لأجل إثابة المطيعين والإعذار الى المتمردين مع ما يلازمهما من الآثار.
وتظاهر النعماء: تواليها وتعاضد كل واحد منها بالآخر.
والنعماء: النعمة: ما من الله به على عباده، والجمع: أنعم.
(4) على ما نابنا: أي على ما نزل بنا وحدث فينا من أمور الدين والدنيا.
وفي رواية الصدوق: (وأستعينه على ما نابنا من أمر ديننا).
(5) وفي رواية الصدوق: (5) أرسله بالهدى ودينه الذي إرتضاه).
(6) وفي رواية الصدوق: (بتبليغ رسالته وحججه على خلقه).
(7) هذه القطعة غير موجودة في رواية الصدوق من نسختي من كتاب الأمالي.
(8) أي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم رؤوفا رحيما كما كان الله يعلمه كذلك.
[219]
وأسخاه نفسا، وأبره بوالد وأوصله لرحم، وأفضله علما وأثقله حلما، وأوفاه بعهد وآمنه على عقد (9) لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط، بل كان يظلم فيغفر، ويقدر فيصفح ويعفو (10) حتى مضى صلى الله عليه مطيعا لله، صابرا على ما أصابه، مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه و (آله) فكان ذهابه أعظم المصيبة عل جميع أهل الأرض، والبر والفاجر (11) ثم ترك كتاب الله فيكم يأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) وفي نسخة إبن أبي الحديد: (وأجملهم منظرا) بضمير الجمع في جميع الفقرات، وفي رواية الصدوق (ره): (وأجملهم منظرا وأشجعهم نفسا وأبرهم بوالد وآمنهم على عقد، لم يتعلق عليه مسلم)... (10) ومثله في رواية الصدوق (ره) وفي ط إيران من كتاب صفين: (ويغدر فيصفح ويعفوا).
وهذا هو الظاهر بقرينة المقابلة أي كانوا يغدرون به عليه السلام وينقضون عهده ثم كان يظفر بهم ويظهر عليهم ومع ذلك لا يعاقبهم على غدرهم بل كان يعفو ويتجاوز عنهم.
(11) أما على الأبرار فواضح، وأما على الفجار فلأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان مناعا وحاجزا لهم عن المهالك فبموته أرتفع المنع والخسر فأنهمكوا في شهواتهم فخسروا الدنيا والآخرة.
[220]
بطاعة الله وينهى عن معصيته (12) وقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه عهدا فلست أحيد عنه (13) وقد حضرتم عدوكم، وقد علمتم من رئيسهم منافق إبن منافق يدعوهم الى النار، وإبن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم الى (الجنة وإلى) طاعة ربكم ويعمل بسنة نبيكم صلى الله عليه.
فلا سواء من صلى قبل كل ذكر، لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله صلى الله عليه أحد (14) وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق إبن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) وفي رواية الصدوق: (ثم ترك فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله وينهاكم عن معصيته).
(13) أي لا أعدل ولا أميل عنه منصرفا الى غيره.
وفي رواية الصدوق (ره): (وقد عهد إلي رسول الله (ص) (كذا) عهدا لن أخرج عنه، وقد حضركم عدوكم وقد عرفتم من رئيسهم).
(14) وفي رواية الصدوق: (وإبن عم نبيكم بين أظهركم يدعوكم الى طاعة ربكم والعمل بسنة نبيكم، ولا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بالصلاة غير نبي الله).
ثم إن صلاته عليه السلام قبل كل ذكر وإيمانه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قبل كل أحد من الأخبار المتواترة بين المسلمين وقد ذكر إبن عساكر في الحديث: (91) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق أخبارا كثيرة في ذلك من طريق القوم فراجع إليه فإنه مغن عن سواه.
[221]
طليق (15) والله إنكم لعلى حق وإنهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه، وتفرقون عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم (16) قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) (17) فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم.
فأجابه أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين إنهض بنا الى عدونا وعدوك إذا شئت، فو الله ما نريد بك بدلا، نموت معك ونحيا معك.
فقال لهم علي (عليه السلام) مجيبا لهم، والذي نفسي بيده لنظر الي رسول الله صلى الله عليه (وآله) إضرب قدامه بسيفي (18) فقال: (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي) (19) وقال: (يا علي أنت مني بمنزلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) الطليق: من أطلق سراحه عن الأسر، وقد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة على الكفار - وفيهم معاوية ورهطه - فقال: إذهبوا فأنتم الطلقاء.
(16) وفي رواية الصدوق: (والله إنكم لعلى الحق، وإن القوم لعلى الباطل فلا يصبر القوم على باطلهم ويجتمعوا عليه وتتفرقوا عن حقكم).
وهو الظاهر.
(17) إقتباس من الآية: (14) من سورة التوبة: 9.
(18) وفي رواية الصدوق: (وأنا أضرب قدامه بسيفي).
(19) ولهذه الفقرة مصارد كثيرة من طريق أهل السنة وغيرهم.
[222]
هارون بن موسى غير إن لا نبي بعدي وموتك وحياتك يا علي معي) (20) والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ظل بي وما نسيت ما عهد إلي، وأني لعلى بينة من ربي وإني لعلى الطريق الواضح القطه لقطا (21).
ثم نهض (عليه السلام) الى قوم فأقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق وما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا.
كتاب صفين ص 313 ط 2 بمصر، وقريب منها جدا رواه الصدوق في أماله ورواه عن إبن أبي الحديد، عن نصر، في الحديث (96) من الباب (20) من غاية المرام ص 124.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) وصدر الحديث يعرف بحديث المنزلة وهو متواتر عنه عليه السلام وقد رواه الحافظ العبدوي بخمسة آلاف سند، ورواه ايضا إبن عساكر في الحديث (332 - 451) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق بمئة وعشرين طريقا، كما روى الذيل أيضا في الحديث: (940) وتواليه بثلاث أسانيد، وله مصادر أخر.
(21) من قوله: (والله ما كذبت) إلى آخره، مروي عنه عليه السلام بطرق مختلفة وفي أوقات وأماكن متشتتة، ورواه بسند آخر إبن عساكر، في الحديث (1033) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج: 38 ص 58.
[223]
حملة حيدرية وصولة علوية وفيها كلام وكلام نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي عن صعصعة إبن صوحان، ذكر إن علي بن أبي طالب صاف (أهل) الشام (1) حتى برز رجل من حمير، من آل ذي يزن، أسمه كريب بن الصباح - ليس في أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدة بالبأس منه - ثم نادى من يبارز ؟.
فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي فقتل المرتفع، ثم نادي من يبارز ؟.
فبرز إليه الحارث بن الجلاح (اللججاج (خ)) فقتل، ثم نادى من يبارز ؟.
فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمذاني فقتل عائذا (2) ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض، ثم قام عليها بغيا وأعتداء ثم نادى: هل بقي من مبارز ؟.
فبرز إليه علي (عليه السلام) ثم ناداه: ويحك ياكريب أني أحذرك (الله وبأسه ونقمته) وأدعوك الى سنة الله وسنة رسوله، ويحك لا يدخلنك إبن آكلة الأكباد النار.
فكان جوابه إن قال: ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة لنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقال: (صاف القوم مصافة في القتال): وقفوا مصطفين.
وتصاف القوم: إجتمعوا صفا.
(2) قال في الهامش: وفي نسخة إبن أبي الحديد: (عابد) بالموحدة في الموردين.
[224]
فيها ! ! ! إقدم إذا شئت، من يشتري سيفي فهذا أثره.
فقال عليه السلام: لاحول ولا قوة إلا بالله.
ثم مشى إليه فلم يمهله إن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه.
ثم نادى من يبارز ؟.
فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ثم نادى: من يبارز ؟.
فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني (العبسي (خ)) فقتل مطاعا ثم نادى: من يبرز ؟.
فلم يبرز إليه أحد.
ثم إن عليا نادى: يا معشر المسلمين (الشهر الحرام بالشهر الحرام، والحرمات قصاص، فمن إعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم وأتقوا الله وأعلموا إن الله مع المتقين) (194 / البقرة).
ويحك يا معاوية هلم إلي فبارزني ولا يقتتلن الناس فيما بيننا فقال عمرو (لمعاوية): أغتنمه منتهزا، قد قتل ثلاثة من أبطال العرب وإني أطمع أن يظفرك الله به ! ! ! فقال معاوية: ويحك يا عمرو والله ما تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي، إذهب إليك فليس مثلي يخدع.
ورواه أيضا أحمد بن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح: ج 3.
[225]
ومن كلام له عليه السلام أجاب به رجلا من أهل الشام
قال نصر: حدثنا عمرو بن شمر، قال: حدثنا أبو ضرار، قال: حدثني عمار بن ربيعة، قال: غلس (1) علي بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، وقيل: عاشر شهر صفر (من السنة المذكورة) ثم زحف الى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم، وزحف إليهم أهل الشام، وقد كانت الحرب أكلة الفريقين، ولكنها في أهل الشام أشد نكاية وأعظم وقعا، فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم.
فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب (2) عليه السلاح، لا يرى * (هامش) (1) يقال: (غلس زيد بالعمل تغليسا): عمله في الغلس - كفرس -: ظلمة آخر الليل.
وعمارة بن ربيعة هذا كان يجاهد بصفين والشاهد هذا الحديث وتاليه المذكور في كتاب صفين ص 476.
(2) كميت: ما كان من الخيل لونه بين الأسود والأحمر، وهو تصغير أكمت على غير القياس.
وذنوب - بفتح الأول -: وافر الذنب لا
[226]
منه إلا عيناه، وبيده الرمح، فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة ويقول: سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل الصفوف والرايات إستقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: الحمد لله الذي جعل فينا إبن عم نبيه، أقدمهم هجرة وأولهم إسلاما، سيف من سيوف الله صبه على أعدائه، فانظروا إذا حمي الوطيس وثار القتال وتكسر المران (3) وجالت الخيل بالأبطال، فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة فأتبعوني وكونوا في أثري، ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع إذا هو الأشتر.
وخرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي إبرز إلي.
فخرج إليه علي حتى إذا إختلف إعناق دابتيهما بين الصفين فقال: يا علي إن لك قدما في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك ؟.
فقال له علي وما ذاك ؟.
قال: ترجع الى عراقك فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع الى شامنا فتخلي بيننا وبين شامنا.
فقال له علي (عليه السلام): لقد عرفت إن ما عرضت هذا نصيحة وشفقة، ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني، وضربت أنه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه.
إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الوطيس: الحرب.
والقتام: الغبار.
والمران: جمع المرانة: الرمح الصلب في لدن ولين.
[227]
وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم.
فرجع الشامي وهو يسترجع.
كتاب صفين: 473 ورواه ايضا العلامة الأميني رفع الله درجاته في ثمرات الأسفار ج 1 ص 218 عن كتاب نزهة الأبرار.
وروى قريبا منه في آخر ترجمته عليه السلام من حلية الأولياء: ج 1 ص 85، وكذلك في الأخبار الطوال ص 188، ورواه ايضا في كتل نظم درر السمطين ص 118، ورواه عن أبي علي الحداد عن أبي نعيم في ترجمة عبد الواحد، من تاريخ دمشق: ج 35 ص 900، ورواه أيضا أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 264 وص 284 في قصة أخرى.
[228]
ومن خطبة له عليه السلام في حث أصحابه على القتال وتوصيته لهم بالصبر وخشية الله تعالى قال إبن عساكر: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل، أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون، أنبأنا أبو علي إبن شاذان، (أنبأنا) أبو جعفر أحمد بن يعقوب الأصبهاني (1) أنبأنا محمد بن علي بن دعبل بن علي الخزاعي، عن إبن هشام الكلبي (2) عن أبيه، عن إبن عباس، قال: عقم النساء إن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت ولا سمعت رئيسا يوزن به، لرأيته يوم صفين وعلى رأسه * (هامش) (1) مابين المعقوفين كان في الأصل بياضا مقدار كلمتين، وإنما وضعنا كلمة (أنبأنا) مكانه على الأحتمال.
(2) بين كلمة (عن) و (إبن هشام) كان بياض مقدار كلمتين، والظاهر عدم سقوط شئ من الكلام، لأنسجام العبارة وإلتئام السياق وإتساق اللفظ، ويحتمل أن يكون الصواب: (عن عباس بن هشام الكلبي) وعباس هذا معروف وقد أكثر النقل في أنساب الأشراف عنه.
[229]
عمامة قد أرخى طرفيها (و) كأن عينيه سراجا سليط (3) وهو يقف على شرذمة (شرذمة) يحضهم حتى إنتهي إلي وأنا في كنف من الناس (4) فقال: معاشر المسلمين إستشعروا الخشية، (وعنوا) الأصوات (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) قال إبن قتيبة في شرح الكلام: السليط الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم، قال الجعدي - وذكر أمرأة -: تضئ كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيها نحاسا وقال في مادة: (سلط) من النهاية - نقلا عن كتاب الهروي وأبي موسى الإصبهاني - قال: وفي حديث إبن عباس: (رأيت عليا وكأن عينيه سراجا سليط وفي رواية كضوء سراج السليط) السليط: دهن الزيت.
وعند أهل اليمن هو دهن السمسم.
(4) ومثله في تفسير فرات بن إبراهيم، غير إن فيه: (يحضهم ويحثهم الى ان انتهى الي وانا في كنف من المسلمين) وقال في مادة (كثف) من النهاية نقلا عن الهروي: وفي حديث إبن عباس: (إنه انتهى الى علي يوم صفين وهو في كثف) أي (في) حشد وجماعة وقال في مادة: (لأم) أيضا نقلا عن الهروي: ومنه حديث علي كان يحرض اصحابه ويقول: (تجلببوا السكينة واكملو اللأم) هو جمع لأمة (كرحمة) على غير قياس، فكان واحدة لؤمه (كحرمه).
(5) مابين المعقوفين كان بياضا في النسخة، وذكرناه على وفق الرواية التي ذكرها ابن عساكر عن إبن قتيبة - ومثلها في أول كتاب الحرب من عيون الاخبار - قال ابن قتيبة في شرحه: وعنوا الأصوات) ان كان المحفوظ هكذا بفتح العين وتشديد النون فانه اراد احبسوها وأخفوها (ظ).
نهاهم عن للغط والعينة: الحبس ومنه قيل للأسير: عان.
وفي تفسير فرات ابن إبراهيم: =
[230]
وتجلببوا السكينة، وأعلموا الأسنة (6) واقلقوا السيوف قبل السلة (والحظو الخزر) واطعنوا (الشزر (8)) ونافحوا (با) لظبا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- = وأميتوا الأصوات).
وفي مروج الذهب: (وعموا الأصوات)... وهو مأخوذ من التعمية بمعنى الاخفاء.
وقال في مادة (عنا) من النهاية نقلا عن الهروي: وفي حديث على،: انه كان يحرض اصحابه يوم صفين ويقول: (استشعروا الخشية،) وعنوا بالأصوات) اي احبسوها واخفوها (هي مأخوذة) من التعنية: الحبس والأسر، كأنه نهاهم عن اللغط ورفع الأصوات.
(6) تجلببوا السكينة: اجعلوها جلبابا لكم اي تزينوا بالوقار والسكينة كما تتزينون بالجلباب.
واعلموا الاسنة لعله من قولهم: اعلم نفسه: وسمها بسيماء الفقرة لم أرها الا في هذه الرواية.
(7) يقال: قلق الشئ - من باب نصر - قلقا، وأقلقه إقلاقا، وقلقة قلقالا): حركه تحريكا.
والسل والسلة - بفتح السين في الأول وكسرها في الثاني -: الأنتزاع والإخراج.
وفي مروج الذهب: (وأقلقوا السيوف في الأجفان قبل السلة)... وفي نهج البلاغة: (وقلقوا السيوف في أغمادها قبل سلها)... وهو أظهر.
وقال في مادة (قلق) من النهاية: ومنه حديث علي: (أقلقوا السيوف في الغمد) أي حركوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا الى سلها ليسهل عند الحاجة إليها.
(8) كذا في نهج البلاغة، وفي نسخة إبن عساكر هكذا: (وأطعنوا الرخر) والظاهر إنه مصحف والصواب: (وأطعنوا الزحر).
من قولها: (زحره بالرمح) - من باب ضرب ومنع -: شجه به، والخزر - محركة -: النظر من =
[231]
وصلوا السيوف بالخطا (9) والنبال بالرماح (10) فإنكم بعين الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أحد الشقين وهو علامة الغضب.
وفي تفسير فرات بن إبراهيم: (وألحظوا الشزر، وأطعنوا الخزر).
وفي مروج الذهب: (وألحظوا الشزر، وأطعنوا الهبر).
ومثله في عيون الأخبار غير إن فيه: (وأطعنوا النبر) أي مختلسا أي إنه ينتبر الرمح عنه أي يرفعه عنه بسرعة.
والنبر - كفلس - والهبر والهبير - كفلس وأمير -: اللحم أو بضع لحم لا عظم فيها، يقال: هبرناهم بالسيوف: قطعناهم بها ويقال: (شزر الرجل - من باب ضرب - وسزر إليه شزرا): نظر إليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب.
و (شزر فلانا): طعنه عن يمينه وشماله.
وقال في مادة (يسر) من كتاب النهاية: وفي حديث علي: (اطعنوا اليسر).
هو بفتح الياء وسكون السين: الطعن حذاء الوجه.
(9) نافحوا ضاربوا كافحوا.
و (الظبا) بالضم: جمع ضبة: طرف السيف وحده.
وقال في مادة: (ظبي) من النهاية: وفي حديث علي: (نافحوا بالضبا).
هي جمع ظبة السيف، وهو طرفه وحده، وأصل الظبة ظبو - بوزن حرد - فحذفت الواو، وعوض منها الهاء.
و (صلوا) أمر من الوصل.
و (الخطا): حمع الخطوة - بضم أوله وفتحه: مابين القدمين عند المشي، يقول عليه السلام: صلوا قصر سيوفكم عن العدو بالمشي إليه ثم ضربه.
ومنه قول قيس بن الحطيم: إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا الى أعدائنا فنضارب (10) إذا قصرت الرماح عن العدو، من أجل بعده صلوا قصرها بالرمي بالنبل.
ومثله في تفسير فرات بن إبراهيم وموروج الذهب، وفي عيون الأخبار، والرواية الثانية لإبن عساكر نقلا عن إبن قتيبة: (والرماح بالنبل) و
[232]
ومع إبن عم نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم (11) عادوا الكر، وأستحيوا من الفر (21) فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق، ونار يوم الحساب (13) وطيبوا عن أنفسكم أنفسا، وأمشوا الى الموت (مشيا) سجحا (14) وعليكم بهذا السواد الأعظم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة وفيه: (وأعلموا أنكم بعين الله ومع إبن عم رسول الله).
وفي مروج الذهب: (فإنكم بعين الله ومع إبن عم رسول الله).
أي إنكم ملحوظون بعين الله وعنايته، وكائنون مع إبن عم الرسول الذي يدور الحق معه حيث ما دار، فلا تهنوا ولا تفشلوا.
وفي رواية فرات بن إبراهيم: (ومع إبن عم نبيكم).
(12) هذا هو الصواب الموافق للنهج وتفسير فرات بن إبراهيم غير إن في الثاني: (وعاودوا).
وفي الأول: (فعاودوا) وهذا أظهر، وفي النسخة: (وأستحثو).
لاريب إنه تصحيف.
وفي مروج الذهب: (وأستقبحوا الكر).
(13) الأعقاب: الأولاد.
وقد جرت العادة بتعيير الأبناء وتبكيتهم بما فعل آباؤهم من سئ الأعمال.
(14) ومثله في مروج الذهب، وفي النهج: (وطيبوا عن أنفسكم نفسا، وأمشوا الى الموت مشيا سجحا).
وفي رواية فرات بن إبراهيم: (فطيبوا عن أنفسكم نفسا، وأطووا عن الحياة كشحا، وأمشوا الى الموت مشيا (سجحا).
وعليكم بهذا)... وهذا أظهر.
أي كونوا راضين وطيبوا القلوب بفداء نفوسكم في الحياة الدنيا عنها في الآخرة، وأمشوا الى الموت سهلا خفافا، وأعرضوا عن الحياة إعراضا.
يقال: (طوى كشحه عن فلان، أو طوى كشحا عنه): إعرض =
[233]
والرواق المطنب (15) فأضربوا ثبجه (16) فإن الشيطان راكب صعبه (17) ومفترش ذراعيه، قد قدم للوثبة يدا وأخر * (هامش) = عنه وقاطعه.
و (الكشح) على زنة فلس: مابين السرة ووسط الظهر.
و (السجح) كعنق -: السهل اللين.
ثم إن في نسخة إبن عساكر في هذه الرواية ذكره سححا - بالمهملتين - وفي الرواية الثانية ذكره بالمهملتين، ثم بالمعجمة بعد المهملة أيضا.
وهذا هو الشائع في المصارد التي رأيناها.
وقال في مادة (سجح) من النهاية: وفي حديث علي يحرض أصحابه على القتال: (وأمشوا الى الموت مشية سجحا - أو سجاء) - السجح: السهلة.
والسجحاء - تأنيث الأسجح -: وهو السهل.
(15) السواء الأعظم: جمهور المحدقين بمعاوية من أهل الشام، فإنه كان في فسطاط عظيم رفيع قد أحاط به جم غفير من فرسان أهل الشام، وأحدق به الجند من جميع الجهات.
والرواق - كغراب وكتاب -: الفسطاط.
والمطنب: المشدود بالأطناب: جمع طنب - بضمتين - وهو حبل يشد به سرادق البيت.
(16) الثبج - كفرس -: الوسط.
وفي مروج الذهب: (فأضربوا نهجهم فإن الشيطان راكب صعيد مفترش ذراعيه).
وقال في مادة ثبج من النهاية: ومنه حديث علي: (وعليكم الرواق المطنب فأضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره).
(17) كذا في النسخة، وفي النهج: (فإن الشيطان كامن في كسره قد قدم للوثبة يدا).
وقال في مادة: (وثب) من اللسان: وفي حديث علي عليه السلام يوم صفين: (قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا) أي أن أصاب فرسه نهض إليها، =
[234]
للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى يتجلى لكم عمود الدين وأنتم الأعلون (18) والله معكم ولن يتركم أعمالكم (19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وإلا رجع وترك.
وفي رواية فرات بن إبراهيم وعيون الأخبار: (فإن الشيطان راكد في كسره نافج حضنيه، ومفترش ذراعيه).
و (نافج): رافع.
و (حضنيه) مثنى الحضن: جانبي الأنسان فوق الكفل وتحت الإبط.
الجانب.
الناحية.
الضمير في (حضنيه) أما راجع الى الرواق المطنب، أو الى الشيطان الكامن تحته، والأول أوجه معنا، والثاني لفظا وسياقا، أي إن الشيطان الذي هو مصدر الإقدام والإحجام والأمر والنهي قد هيأ نفسه ورفه جانبيه، للوثبة عليكم إن جبنتم، وللهزيمة إن إستقمتم وثرتم عليه.
أو إنه رفع جانبي رواقه جنبا للوثبة إن رأي فرصة، وجانبا للفرار إن رأى صولة وغلبة للمهاجمين عليه، فصمدا صمدا أي فاقصدوا نحوه قصدا حتى تهلكوه وتزيل الشبهات بهلاكه فينجلي لكم عمود الدين بلا شوب ريبة ووسوسة.
(18) ولا يأبى رسم الخط على أن يقرأ (حتى ينجلي) وفي النسخة هنا تصحيف، وفي النهج ورواية فرات بن إبراهيم: (حتى ينجلي لكم عمود الحق).
ومثله في مادة: (صمد) من النهاية.
وفي مروج الذهب: (فصبرا جميلا حتى تنجلي عن وجه الحق وأنتم الأعلون)... (19) إقتباس من الآية: (35) من السورة: (47): سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقال: (وتر فلانا ماله أو حقه - من باب وعد - وترا): نقصه إياه.
أي إن الله لا ينقصكم جزاء اعمالكم ولن يضيع عمل عامل فلا تقصروا.
[235]
الحديث: (1191) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 8 ص 76، وفي النسخة المرسلة ص 120، وهذه الخطبة من مشاهير خطبة عليه السلام قال إبن أبي الحديد في شرح المختار: (64) من النهج: ج 5 ص 175: هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين عليه السلام في اليوم الذي كانت عشية ليلة الهرير، في كثير من اروايات، وفي رواية نصر بن مزاحم إنه خطب به في أول يوم اللقاء والحرب بصفين، وذلك في صفر من سنة سبع وثلاثين.
وأيضا قال في شرح المختار المتقدم الذكر، ص 187 قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد، قال: حدثني عبد الرحمن، عن أبي عمرو، عن أبيه إن عليا عليه السلام خطب في ليلة هذا اليوم (أي السابع من معارك صفين) فقال: معاشر المسلمين... أقول وفي رواية المسعودي إنه عليه السلام خطب به في المعركة الثامنة من معارك يوم صفين من سنة (37) قال في مروج الذهب: ج 2 ص 379 ط بيروت، قال وخرج في اليوم الثامن (من شهر صفر) وهو يوم الأربعاء علي رضي الله تعالى عنه بنفسه في الصحابة من البدريين وغيرهم من المهاجرين والأنصار وربيعة وهمدان.
قال إبن عباس: رأيت عليا في هذا اليوم وعليه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجا سليط، وهو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثهم ويحرضهم حتى إنتهى الي وأنا في كثيف من الناس فقال: يا معشر المسلمين عموا الأصوات... أقول: ورواها ايضا في أول كتاب الحرب من عيون الأخبار: ج 1، ص 110 و 133، مرسلة كما رواها ايضا إبن عساكر بسند آخر ينتهي الى ابن قتيبة بمغايرة في بعض الألفاظ.
ورواها الى قوله: (للنكوص رجلا) مشرحة في مادة (زنن) من الفائق.
وايضا رواها البيهقي في كتاب المحاسن والمساوئ ص 45 وفي ط ص 32 مرسلة وايضا أشار إليها في مادة: (حمس) من النهاية: ج 1 ص 441، ومادة (زنن)
[236]
ورواها ايضا في آخر الباب: (55) من جواهر المطالب ص 87 قال: قال أبو محمد بن عبد الله بن مسلم: (و) في حديث إبن عباس: ما رأيت والله رجلا من الناس يزن علي بن أبي طالب، وعقم النساء أن يأتين بمثله والله ما رأيت ولا سمعت بمن يوازنه لقد رأيته في يوم صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عيناه سراجا سليط... ورواها ايضا في كتاب مطالب السؤول ص 170، ط النجف.
ورواها ايضا السيد الرضي (ره) في كتاب خصائص الأئمة ص 46، ورواها الى قوله: (وآخر النكوص رجلا) مشروحة في أوائل الباب السادس من دستور معالم الحكم ص 124.
[237]
ومن كلام له عليه السلام كان يدعو الله تبارك وتعالى به في ساحة الحرب
قال ثعلب: وكان علي (عليه السلام) كثيرا ما يقول في حروبه (1): اللهم أنت أرضى للرضا، وأسخط للسخط (2) وأقدر أن تغير ما كرهت، وأعلم بما يقدر علي لاتغلب على باطل ولا تعجز عن حق، وما أنت بغافل عما يعمل الظالمون.
أوائل القسم الثاني من مجالس ثعلب ص 416.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولعل إطلاقه يشمل حتى الحروب التي باشرها عليه السلام في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(2) وهي كقفل وعنق وفرس: ضد الرضا.
والمصدر كالفرس فقط وهو هنا بمعنى إسم المفعول أي أنت أشد رضا للآمر المرضي المستحسن، وأشد سخطا لمه هو مسخوط عليه ومكروه.
[238]
ومن كلام له عليه السلام قرظ به عمار بن ياسر رضوان الله عليه لما استشهد بصفين
إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار - و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجوعة - لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا.
لقد رأيت عمارا ما يذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس.
وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد
[239]
وجب له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئا (لعمار) الجنة، عمار مع الحق أين (ما) دار، وقاتل عمار في النار.
الحديث (419) من ترجمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنساب الأشراف: ج 1، ص 174، ط مصر، وفي المخطوطة الورق 78، ورواه ايضا إبن سعد عن الواقدي وغيره، في ترجمة عمار من الطبقات الكبرى: ج 3 ص 262 ط بيروت.
[240]
ومن خطبه له عليه السلام في ليلة الهرير أو في صبيحتها نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) قال: حدثني إبو ضرار، عن عمار بن ربيعة، قال: (لما رأى الأشتر رحمه الله إن أكثر الناس ملوا عن الإقدام الى أهل الشام خرج يسير في الكتائب ويقول: (ألا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله) فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه كي يقاتل معه، قال إبن ربيعة: ف) مر بي والله الأشتر (وهو يقول تلك الكلمات (1) ف) أقبلت معه حتى رجع الى المكان الذي كان به، فقام في أصحابه فقال: شدوا فدى لكم عمى وخالي شدد ترضون بها الله، وتعزون بها الدين، فإذا شددتم فشدوا.
ثم نزل وضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته: إقدم.
فأقدم بها، ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى إنتهى بهم الى عسكرهم، ثم إنهم قاتلوا عند العسكر قتالا فقتل صاحب رايته.
وأخذ علي - لما رأى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بين المعقوفات مأخوذ من رواية تقدم بعضها في المختار المتقدم، وإنما أدرجناه في هذه الرواية ليستعلم منه حال عمار بن ربيعة.
[241]
الظفر قد جاء من قبله - يمده بالرجال.
قال (عمار): وإن عليا قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم، ولم يبق منهم إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت أعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم الى الله عز وجل.
فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى ؟ قال: إن رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء ! ! ! وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم، ولكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه أختلفوا، إدعهم الى كتاب الله حكما فيما بينك وبينه فإنك بالغ فيه حاجتك في القوم، فأني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه فعرف ذلك معاوية فقال: صدقت.
كتاب صفين ص 476 ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (35) من النهج: ج 2 ص 209.
وقال في الأخبار الطوال ص 188، إنه عليه السلام خطب بها صبيحة ليلة الهرير.