[242]
ومن كلام له عليه السلام قاله في ساحة الحرب متضرعا الى الله تعالى
نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر بن عمير الأنصاري، قال: والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير - حين سار (الى) أهل الشام - وذلك بعدما طحن رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخ وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين أستقلت الشمس (1) حتى قام قائم الظهيرة - قال (3): حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم، أما تخافون مقت الله ثم أنفتل الى القبلة (3) ورفع يديه الى الله ثم نادى: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا واحدا يا أحد يا صمد، يا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كلمة: (الى) الموضوعة بين المعقوفين زيادة منا، و (النواصي): جمع الناصية: الشعر النابت على مقدم الرأس. و (أستقلت): إرتفعت في السماء.
(2) هذا مفعول لقوله: (لكأني أسمع عليا). وفي النسخة هكذا: (ثم إن عليا قال: حتى متى)...
(3) أي توجه إليها صارفا وجهه عن الناس
[243]
الله يا اله محمد.
اللهم اليك نقلت الأقدام، وأفضت القلوب (4) ورفعت الأيدي وأمتدت الأعناق، وشخصت الأبصار (5) وطلبت الحوائج.
(اللهم) إنا نشكو اليك غيبة نبينا صلى الله عليه وكثرة عدونا، وتشتت أهوائنا،) ربنا إفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (6).
ثم قال (عليه السلام للجيش): سيروا على بركة الله، ثم نادى: لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى.
قال (جابر بن عمير الأنصاري روى الكلام): لا والله الذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق نبيا، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والإرض أصاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) أي أدت اليك ما فيها من الأسرار ومراتب الإخلاص والافتقار وتعلقت بذيل لطفك وعنايتك.
(5) أي رفعت اليك ناظرة الى باب رحمتك وجو فضلك وكرمك.
(6) إقتباس من الآية: (89) من سورة الأعراف.
[244]
بيد في يوم واحد ما أصاب (علي عليه السلام) إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمأة من اعلام العرب (7) (كان) يخرج بسيفه منحنيا فيقول: معذرة الى الله عز وجل واليكم من هذا، لقد هممت أن أصقله (8) ولكن حجزني عنه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كثيرا: (لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي).
وأنا أقاتل دونه.
قال (جابر): فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف، فلا والله ما ليث بأشد نكاية في عدوه منه، رحمة الله عليه رحمة واسعة.
كتاب صفين ص 477، وقريبا منه ذكره في ص 23 مع أدعية أخرى.
وذكره أيضا - بأختصار أحمد بن أعثم في كتاب الفتوح: ج 3 ص 304.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) يعني المعروف بالشخصية والبطولة.
(8) كذا في الأصل، يقال: (صقل السيف - من باب نصر - صقلا وصقالا): حلاه وملسه وكشف صدأه.
[245]
ومن كلا م له عليه السلام لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح ودعوا إليها مكرا وحيلة نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: سمعت تميم بن حذيم، يقول: لما أصبحنا من ليلة الهرير، نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح، وهي عظام مصاحف العسكر، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعا وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط.
وقال أبو جعفر، وأبو الطفيل: أستقبلوا عليا بمئة مصحف، ووضعوا في كل مجنبة مأتي مصحف (1).
قال أبو جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي، وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة، وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا: يا معشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم، فمن للروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم ؟ ! ! الله الله في دينكم، هذا كتاب الله بيننا وبينكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المجنبة - بكسر النون المشددة -: ميمنة الجيش وميسرته.
وبفتح النون مقدمة الجيش.
[246]
فقال علي (عليه السلام): اللهم إنك تعلم إنهم ما الكتاب يريدون (2) فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحكم الحق المبين.
فأختلف أصحاب علي في الرأي، فطائفة قالت: القتال، وطائفة قالت: المحاكمة الى الكتاب ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا الى حكم القرآن.
فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها.
قال محمد بن علي (بن الحسين عليهم السلام): فعند ذلك حكم الحكمان: (3).
كتاب صفين 478 ط مصر، ورواه عنه مع جل ما تقدم وما يأتي في شرح المختار: (35) من نهج البلاغة من شرح إبن أبي الحديد: ج 2 ص 212 وما حولها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وفي الأخبار الطوال ص 189: فقال علي رضي الله عنه: (ما الكتاب تريدون، ولكن المكر تحاولون).
(3) وذكر نصر حديثا آخر، ثم قال: قال جابر: فبكى أبو جعفر وهو يحدثنا بهذا الحديث.
أقول: إن بكاءه عليه السلام لمظلومية جده حيث غلب على أمره بمكر المبطلين ولجاج الجهال.
[247]
ومن كلام له عليه لسلام لما ضاق الخناق بأهل الشام، فأحتالوا برفع المصاحف على الرماح
وقالوا: يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء والبنات الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا وبينكم قال نصر بن مزاحم (ره): وفي حديث عمر بن سعد (الأسدي) قال: لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون الى حكم القرآن، قال علي عليه السلام: عباد الله أني أحق من أجاب الى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص، وإبن أبي معيط، وإبن أبي سرح، وإبن مسلمة، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أني أعرف بهم منكم، صحبتهم اطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي نسخة إبن أبي الحديد - على ما في الهامش -.
(صحبتهم صغارا ورجالا فكانوا شر رجال).
[248]
ويحكم) إنها كلمة حق يراد بها باطل (2) إنهم والله ما رفعوها إنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والمكيدة (3) أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه (4) ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا.
فجاءه زهاء عشرين الفا مقنعين في الحديد، شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم - وقد أسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي، وزيد بن حصين، وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بأمرة المؤمنين - (قالوا:) يا علي أجب القوم الى كتاب الله إذا دعيت إليه، وإلا قتلناك كما قتلنا إبن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم.
(هامش) * (2) أما كونها حقا فلأنها دعوة الى جعل القرآن أماما ونورا يرفع به الإختلاف والإنحراف، وهذا هو الغرض الباعث لإنزال القرآن.
وأما إرادة الباطل منها فلاجل إنهم ما أرادوا من هذا الكلام إلا إيقاع الإختلاف بينهم ليفرقوا جماعتهم ويحطم بعضهم بعضا فيستريحوا منهم.
(3) قال في الهامش: وفي الأصل: ((إنهم والله يعرفونها) ولا يعملون بها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ومكيدة)... (4) مقطع الحق: ما يقطع به الباطل ويستأصله.
[249]
ومن كلام له عليه السلام وبالسند المتقدم إنه لما سمع أمير المؤمنين عليه السلام عشرين الف من أصحابه يقولون: يا علي أجب القوم الى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا إبن عفان
قال لهم: ويحكم أنا أول من دعا الى كتاب الله، وأول من أجاب إليه، وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعى الى كتاب الله فلا أقبله، أني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه، ولكني أعلمتكم إنهم قد كادوكم، وأنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون ! ! ! قالوا: فأبعث الى الأشتر ليأتيك.
وقد كان الأشتر صبيحة ليل الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.
قال نصر: فحدثني فضيل بن خديج، عن رجل من النخع، إن إبراهيم بن
[250]
الأشتر قال: كنت عند علي حين بعث الى الأشتر أن يأتيه وقد كان أشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأرسل إليه علي يزيد بن هانئ أن ائتني فأتاه فبلغه فقال الأشتر: ائته فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي، أني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني.
فرجع يزيد بن هانئ الى علي فأخبره، فما هو إلا أن إنتهى الينا حتى ارتفع الرهج (1) وعلت الأصوات من قبل الأشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام، فقال له القوم: والله ما نراك إلا أمرته بقتال القوم ! ! قال: (من أين ينبغي لكم أن تروا ذلك) أرأيتموني ساررت رسولي إليه ؟ ! اليس إنما كلمته على رؤسكم علانية وأنتم تسمعون ؟ ! قالوا: فأبعث إليه فليأتك، وإلا فوالله أعتزلناك.
قال (علي: ويحك يا يزيد قل له: إقبل إلي فان الفتنة قد وقعت.
فأتاه (يزيد) فأخبره فقال له الأشتر: الرفع هذه المصاحف ؟ قال: نعم.
قال: أما والله لقد ظننت إنها حين رفعت ستوقع إختلافا وفرقة إنها من مشورة إبن النابغة ! ! ! - يعني عمرو بن العاص - ثم قال ليزيد: ويحك ألا ترى الى ما يلقون ؟ ألا ترى الى الذي يصنع الله لنا (2) أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه ؟ !.
فقال له يزيد: أتحب إنك ظفرت هاهنا وإن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه ؟ !.
قال: سبحان الله لا والله ؟ ! ! ما أحب ذلك.
قال: فإنهم قالوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرهج - كفلس وفرس -: ما أثير من الغبار.
الشغب.
والحديث رواه في ترجمة الأشتر من تاريخ دمشق: ج 3، ص 160، بما ينتهي الى هذا السند.
(2) الضمير في (ما يلقون) راجع الى أهل الشام، وما لاقوا هو قتلهم ودمارهم بيد أصحاب الأشتر، والذي صنع الله له هو ظهور الفتح لهم وإنهزام أهل الشام كما يدل عليه ما بعده.
ثم إن ما نقله من كلام الأشتر في كتاب الأخبار الطوال ص 190، أحسن مما في غيره.
[251]
لترسلن الى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان، أو لنسلمنك الى عدوك.
فأقبل الأشتر حتى إنتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم القوم فظنوا إنكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها ؟ ! وقد تركوا ما أمر الله به فيها، وسنة من أنزلت عليه، فلا تجيبوهم، أمهلوني فواقا فاني قد أحسست بالفتح.
قالوا: لا.
قال: فأمهلوني عدوة الفرس (3) فأني قد طمعت في النصر قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك ! ! قال: فحدثوني عنكم - وقد قتل أمثالكم وبقي أراذلكم - متى كنتم محقين، أحين كنتم تققتلون أهل الشام، فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون، أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النار.
قالوا: دعنا عنك يا أشتر قاتلناهم في الله، وندع قتالهم في الله، إنا لسنا نطيعك فأجتنبنا.
قال: خدعتم والله فإن خدعتم، ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن إن صلاتكم زاهدة في الدنيا وشوق الى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا الى الدنيا من الموت ! ! ! ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة (4) ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فأبعدوا كما بعد القوم الظالمون.
فسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه دابته، وضرب بسوطه وجوه دوابهم فصاح بهم علي فكفوا.
فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين أحمل الصف على الصف يصرع القوم.
فتصايحوا إن عليا أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ورضي بحكم القرآن ولم يسعه إلا ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفواق - كبراق وسحاب -: مابين الحلبتين من الوقت.
وقيل: ما بين فتح يد الحالب وقبضها.
و (عدوة الفرس): المرة الواحدة من ركضه.
(4) النيب - بكسر النون وسكون الياء -: جمع الناب: الناقة المسنة والجلالة: آكل الجيف.
[252]
قال الأشتر: إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضي بحكم القرآن (5) فقد رضيت بما رضي أمير المؤمنين.
فأقبل الناس يقولون: (قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينكم حكما (6) و) قد رضي أمير المؤمنين، قد قبل أمير المؤمنين وهو ساكت لايبض بكلمة (7) مطرق الى الأرض.
وقال نصر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي، عن صعصة بن صوحان - في قصة طويلة - إنه أقبل عدي بن حاتم فقال: يا أمير المؤمنين إن أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق، فأنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منه وكل مقروح ولكنا أمثل بقية منهم، وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب (ما نحب (خ)) فناجز القوم (8).
فقام الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين إن معاوية لاخلف له من رجاله ولك بحمد الله الخلف، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك، فأقرع الحديد بالحديد، وإستعن بالله الحميد.
ثم قام عمرو بن الحمق فقال: يا أمير المؤمنين انا والله ما أجبناك ولا نصرناك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) أي يجعل القرآن حكما.
(6) بين المعقوفين كان مؤخرا، وإنما قدمناه لكونه شاهدا، ولم نذكر تمام الكلام لطوله وإشتماله على غير ما نحن في مقام بيانه.
(7) يقال: (فلان ماتبض - من باب فر - عينه) إي إنه صبور على المصيبة لا تدمع عينه.
والمراد هنا إنه تصبر ولم يفتح فمه بالشكاية والصياح.
(8) وقريبا منه ومن كلام الأشتر ذكره عنهما في الإمامة والسياسة ص 124، وفي ص 121، ذكر لعدي بن حاتم كلاما أخر في الموضع أطول وأحسن.
[253]
عصبية على الباطل، ولا أجبنا إلا الله عز وجل، ولا طلبنا إلا الحق، ولو دعونا غيرك الى ما دعوت إليه، لاستشري فيه اللجاج (9) وطالت فيه النجوى، فقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي.
فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال: يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس، وليس آخر أمرنا كأوله، وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام مني، فأجب القوم الى كتاب الله فأنك احق به منهم وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.
فقال علي عليه السلام: إن هذا أمر ينظر فيه.
وقام الناس الى علي فقالوا: أجب القوم الى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا (10)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) إسشترى: أشتد وقوي.
وقريبا منه ومن التالي ذكره في الإمامة والسياسة ص 124.
(10) هذا كان مؤخرا عن جوابه عليه السلام للأشعث وبينهما كلم حذفناها روما للأختصار.
[254]
ومن خطبة له عليه السلام وبالسند المتقدم - في ذيل الكلام السابق - قال نصر: وذكروا إن الناس ماجوا وقالوا: أكلتنا الحرب، وقتلت الرجال.
وقال قوم: نقاتل القوم على ما قتلناهم عليه أمس.
ولم يقل هذا إلا قليل من الناس، ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة وثارت الجماعة بالموادعة.
فقام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب الى أن أخذت منكم الحرب (1) وقد والله أخذت منكم وتركتم وأخذت من عدوكم ولم تترك، وانها فيهم أنكى وانهك.
ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين (2) فأصبحت اليوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي الامامة والسياسة: ج 1 ص 118: (أيها الناس انه لم أزل من أمري على ما أحب حتى قدحتكم الحرب).
(2) وفي كتاب الفتوح: ج 1 ص 313 وجل المصادر: (وقد كنت بالأمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا).
[255]
مأمورا ! ! ! وكنت ناهيا فأصبحت منهيا ! ! ! وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ! ! ! ثم قعد (عليه السلام).
ثم تكلم رؤساء القبائل فأما من ربيعة وهي الجبهة العظمي فقام كردوس بن هانئ البكري فقال: أيها الناس إنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه، ولا تبرأنا من علي منذ توليناه، وإن قتلانا لشهداء، وإن أحياءنا لأبرار، وإن عليا لعلى بينة من ربه، ما أحدث إلا الانصاف، وكل محق منصف، فمن سلم له نجا ومن خلفه هلك (3) ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال: أيها الناس انا دعونا أهل الشام الى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه، وإنهم دعونا الى كتاب الله، فإن رددنا عليهم حل لهم منا ماحل لنا منهم، ولسنا نخاف أن يحيف الله علينا ولا رسوله (4) وإن عليا ليس بالراجع الناكص، ولا الشاك الواقف، وهو اليوم على ماكان عليه أمس، وقد أكلتنا هذه الحرب، ولا نرى البقاء إلا في الموادعة ! ! ! ثم قام حريث بن جابر البكري فقال: أيها الناس ان عليا لو كان خلفا من هذا الأمر (5) لكان المفزع إليه، فكيف وهو قائده وسائقه، وإنه والله ما قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وقريب منه ومن التالي في الأمامة والسياسة: ج 1، ص 119، غير إنه ذكر بدل (شقيق بن ثور) سفيان بن ثور.
(4) يقال: (حاف عليه - من باب باع - حيفا): جار عليه وظلمه.
(5) أي متخلفا عنه غائبا غير حاضر.
[256]
من القوم اليوم الا ما دعاهم إليه أمس، ولو رده عليهم كنتم له أعنت، ولا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور (6) فما بيننا وبين من طغى علينا إلا السيف.
ثم قام خالب بن المعمر فقال: يا أمير المؤمنين، إنا والله ما أخترنا هذا المقام أن يكون أحد أولى به منا، غير أنا جعلناه ذخرا وقلنا: أحب الأمور الينا ما كفينا مؤنته فأما إذ سبقنا في المقام فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم ان رأيت ذلك، فإن لم تره فرأيك أفضل.
ثم إن الحضين الربعي - وهو أصغر القوم سنا - قام فقال: أيها الناس إنما بني هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس ولا تهدموه بالشفقة، فأنا والله لو أنا لا نقبل الا ما نعرف لأصبح الحق في أيدينا قليلا، ولو تركنا ما لا نهوي لكان الباطل في أيدينا كثيرا، وإن لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره (7) وهو المصدق على ما قال المأمون على ما فعل، فإن قال: لا.
قلنا: لا.
وإن قال: نعم.
قلنا: نعم ! ! ! فلما ظهر قول حضين رمته بكر بن وائل بالعداوة ! ! وقال رفاعة بن شداد البجلي: أيها الناس إنه لا يفوتنا شئ من حقنا، وقد دعونا في آخر أمرنا الى ما دعوناهم إليه في أوله، وقد قبلوه من حيث لا يعقلون فإن يتم الأمر على ما نريد فبعد بلاء وقتل، وإلا أثرناها جذعة وقد رجع إليه جدنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) لا يلحد: لا يطعن ولا يجادل ولا يماري.
و (راجع الى عقيبه) كناية عن الرجوع الى الآراء الجاهلية سريعا.
و (مستدرج بغرور) أي من يؤخذ درجة بعد درجة، وشيئا بعد شئ في غروره ولعله إشارة الى قوله تعالى: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون).
(7) كناية عن كونه مصيبا في جميع ما يأتي ويذر، وفي كل حالاته.
[257]
ومن كلام له عليه السلام حين أتفقت كلمة أصحابه - إلا اليسير منهم - على التحكيم وإجابة ما يلتمسه معاوية وأقرانه
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن إسحاق بن يزيد، عن الشعبي، إن عليا (عليه السلام) قال يوم صفين، حين أقر الناس بالصلح: إن هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا الى الحق، ولا ليجيبوا الى كلمة سواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر، وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب (1) وحتى تجر ببلادهم * (هامش) (1) المناسر: جمع المنسر - على زنة المجلس والمنبر -: قطعة من الجيش تمر قدام الجيش الكبير.
و (يرجموا): يرموا.
و (الكتائب): جمع الكتيبة: القطعة من الجيش أو الجماعة من أهل الخيل.
و (تقفوها): تتبعها.
و (الجلائب): جمع (الجليبة) أو الجلوبة): الإبل التي تجلب لحمل الأثقال أو مطلق الدواب التي تساق إحتياطا لحمل الأثقال والأدوات والرحال إذا أعيث صاحبتها.
[258]
الخميس يتلوه الخميس، وحتى تدعق (تدعوا (خ ل)) الخيول في نواحي أرضهم وبأعنان (وبأحناء (خ ل)) مساربهم ومسارحهم (2)، وحتى تشنوا عليهم الغارات، وحتى تتلقاهم قوم صدق صبر (3) لا يزيدهم هلاك من هلك من قتالهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله وحرصا على لقاء الله.
ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وأخوالنا وأعمامنا، لا يزيدنا (ذلك) إلا إيمانا وتسليما،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) يقال: (دعق زيد الغارة - من باب منع - دعقا): بثها.
وأدعق الخيل إدعاقا: أركضها ونفرها.
وأدعق عليهم الخيل: دفعها عليهم في الغارة.
وخيل مداعيق: تدوس القوم في الغارات.
والدعقة كحملة لفظا ومعنى.
وأعنان الشئ: أطرافه وجوانبه.
والمسارب: جمع المسربة - بفتح الباء -: مرعى الدواب.
والمسارح: المراعي، جمع المسرح بفتح اليم.
(3) يقال: (أشن عليهم الغارة): وجهها عليهم من كل جهة.
وقوله عليه السلام: (قوم صدق صبر) أي صادقوا النية في الجهاد في سبيل الله صابرون لما يلاقون من الأذي في جنب الله.
وحمل المصدر على الذات لأجل المبالغة.
[259]
ومضيا على أمض (على مضض (خ ل)) الألم (4) وجدا على جهاد العدو، والاستقلال بمبارزة الأقران.
ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، ويتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون (5) فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رآنا الله صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر (6).
ولعمري لو كنا نأتي مثل هذا الذي أتيتم (به) ما قام الدين ولا عز الإسلام، وأيم الله لتحلبنها دما، فأحفظوا ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وفي المختار: (53) من النهج: (ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على اللقم، وصبرا على مضض الألم، وجدا في جهاد العدو).
اللقم - كسبب -: الجادة.
والمضض: حرقة الألم ووجعه.
(5) يتصاولان: يحمل كل واحد على الآخر.
ويتخالسان: يريد كل واحد منهما أن يختلس روح الآخر ويسلبه.
والمنون: الموت.
(6 *) وفي النهج: (فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت حتى إستقر الإسلام ملقيا جرانه ومتبوئا أوطانه...) والكبت - كسبت - الذل والهوان.
[260]
أقول لكم (7).
كتاب صفين ص 520 وفي ط 597 ونقله عن إبن أبي الحديد، في شرح المختار (35) من خطب نهج البلاغة: ج 2 ص 239.
ونقله أيضا عنه في البحار: ج 8 ص 505 س 3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) وفي النهج: (ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا أخضر للايمان عود، وأيم الله لتحتلبنها دما ولتتبعنها ندما).
لتحلبنها - مثل قوله في رواية النهج: لتحتلبنها -: لتستفيدن ولتستنتجن من مخالفتكم لي في قتال القوم عوض الحليب دما، وبدل المسرة مساء وندما، والكلام مبني على التشبيه والاستعارة.
وهذه من الأخبار الغيبية التي أخبرنا بها عليه السلام قبل وقوعها، ووقوع الخبر على وفق ما أخبر به، فإنه بعد كتابة كتاب الصلح وإمضاء أكابر الفريقين له ندم نوكى القراء وهم الذين قالوا لأمير المؤمنين عند رفع المصاحف: يا علي أجب القوم وإلا لنقتلنك كما قتلنا عثمان أو لندفعنك الى معاوية.
ولم يبرحوا من صفين إلا وهم أعداء متباغضون يتبرأ بعضهم من بعض ولم يصلوا الى الكوفة حتى تفرقوا وكفر بعضهم بعضا، وبعد قليل وقع بينهم القتال ووقعوا عرضة للهلاك والدمار وقتل بعضهم بعضا، وتوغل القراء الذين صاروا خوارج في لجاجهم فقتلوا الأبرياء من النساء والولدان وسعوا في الأرض بإهلاك الحرث والنسل الى أن أهلكهم الله وأصلاهم السعير، ولكن بعدهم لم ير غيرهم أيضا مسرة بل أبتلوا ببقية الخوارج والنواصب بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وخسروا حظهم في الدنيا والآخرة
[261]
ومن كلام له عليه السلام لما أصر الأشعث وقومه في إختيار أبي موسى الأشعري للحكم
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن رجل عن شقيق بن سلمة - وساق كلاما طويلا وقصصا الى أن قال -: وجاء الأشعث بن قيس الى علي فقال: (يا أمير المؤمنين) ما أرى الناس إلا وقد رضوا وسرهم أن يجيبوا القوم الى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ونظرت مالذي يسأل.
قال أئته إن شئت.
فأتاه فسأله فقال: يا معاوية لأي شئ رفعتم هذه المصاحف.
قال: لنرجع نحن وأنتم الى ما أمر الله به في كتابه فأبعثوا منكم رجلا ترضون به، ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع ما أتفقا عليه، فقال الأشعث: هذا هو الحق.
فانصرف الى علي فأخبره بالذي قال (معاوية) فقال الناس: قد رضينا وقبلنا.
فبعث علي قراءا من أهل العراق، وبعث معاوية قراءا من أهل الشام، فأجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف، فنظروا فيه وتدارسوه، وأجمعو على أن يحيوا ما أحيا (ه) القرآن، وأن يميتوا ما أمات القرآن، ثم رجع كل فريق الى أصحابه، وقال الناس قد رضينا بحكم القرآن، فقال أهل الشام فإنا قد رضينا وأخترنا عمرو بن العاص.
وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد: فإنا قد رضينا وأخترنا أبو موسى الأشعري فقال لهم علي: أني لا أرضى بأبي
[262]
موسى، ولا أرى أن أوليه.
فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة من القراء: إنا لا نرضى إلا به فإنه قد حذرنا ما وقعنا فيه ! ! ! قال علي (عليه السلام): فإنه ليس لي برضا (1) وقد فارقني وخذل الناس عني (2) ثم هرب حتى آمنته بعد أشهر، ولكن هذا إبن عباس أوليه ذلك.
قالوا: والله لا نبالي أكنت أنت أو إبن عباس ولا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء، وليس الى واحد منكما بأدنى من الآخر.
(فقال عليه السلام: فلم ترضون لأهل الشام بإبن العاص وليس كذلك ؟.
قالو: أولائك أعلم (كذا) إنما علينا أنفسنا (3).
) وقال نصر بن مزاحم (ره) عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي بمرضي ومحمود عندي.
وهو مصدر بمعنى المفعول.
(2) أي أمرهم بترك القتال معي والتخلف عني، يقال: (خذل عن اصحابه تخذيلا) حملهم على خذلانه وترك القتال.
وخذل زيد فلانا - من باب نصر - وعن فلانا وخذلانا - بفتح الخاء في الأخير، وبالكسر أيضا في الأول -: ترك نصرته وأعانته.
(3) بين المعقوفين مأخوذ من كتاب الأخبار الطوال ص 192.
[263]
محمد بن على (عليهما السلام) (4) قال: لما أراد الناس عليا على أن يضع حكمين قال لهم علي (عليه السلام): إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا وهو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وإنه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم بعبدالله بن عباس فأرموه به فأن عمر لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله، ولا يحل عقدة إلا عقدها ولا يبرم أمرا إلا أبرمه.
فقال الأشعث: لا والله لا يحكم فيها مغريان حتى تقوم الساعة ولكن أجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر.
فقال علي: أني أخاف أن يخدع يمينكم، فإن عمرا ليس من الله في شئ إذا كان له في أمر هوى.
فقال الأسعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب الينا من أن يكون (بعض ما نحب في حكمها وهما مضريان ! ! ! وفي حديث عمر (5) قال: قال علي (عليه السلام): قد أبيتم إلا أبا موسى ؟.
قالوا: نعم.
قال: فاصنعوا ما أردتم.
فبعثوا الى أبي موسى وقد إعتزل القتال (6) فجاء حتى دخل عسكر علي، (* (هامش) (4) وقال في ختام الحديث: (وذكر الشعبي مثل ذلك).
(5) فقط دون حديث الشعبي، ولما كان ما تقدم مرويا عنهما، وهذا مرويا عن عمر بوحده قيده، وهذا من إعطاء حق العلم.
ثم إنه لم يذكر في صدر الحديث عمرا في السند، فاما سقط من قلم الناسخ ويراد منه الأسدي أو أراد منه عمرو بن شمر، وسقط الواو من النسخة.
(6) من قوله: (فبعثوا) الى هنا تلخيص للعبارة وليس بتمامها.
[264]
وجاء الأشتر حتى أتى عليا فقال: يا أمير المؤمنين ألزني بعمرو بن العاص (7) فوالله الذي لا إله غيره لئن ملئت عيني منه لأقتلنه.
وجاء أحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين إنك رميت بحجر الأرض ومن حارب الله ورسوله أنف الإسلام (8) وأني قد عجمت أبا موسى وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب العقر، وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منه حتى يكون في أكفهم، ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم، فإن تجعلني حكما فاجعلني، وإن أبيت أن تجعلني حكما فأجعلني ثانيا أو ثالثا فأنه لا يعقد عقدة إلا حللتها ولن يحل عقدة إلا عقدتها وعقدت لك أخرى أشد منها، فعرض (علي عليه السلام) ذلك على الناس فأبوه وقالوا: لا يكون إلا أبا موسى (9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) ألزني به: الزمني أياه وأجعلنا قرينين.
(8) أنف الأسلام: أوله.
وقال في مادة: (حجر) من لسان العرب: يقال: رمى فلان بحجر الأرض.
أي بداهية من الرجال.
وفي حديث الأحنف إنه قال لعلي حين سمى معاوية أحد الحكمين عمرو بن العاص: إنك قد رميت بحجر الأرض فأجعل معه إبن عباس فإنه لا يعقد عقدة إلا حلها، أي بداهية عظيمة تثبت ثبوت الحجر في الأرض.
(9) وأيضا روى نصر كلام الأحنف برواية عمر بن سعد (الأسدي) فساق كلامه قريبا مما مر في رواية عمرو بن شمر - الى أن قال: قال الأحنف: - فابعثني ووالله لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها، فإن قلت: أني لست من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فابعث رجلا من أصحاب رسول الله غير عبد الله بن قيس وابعثني معه، فقال على (عليه السلام): إن القوم أتوني بعبدالله بن قيس مبرنسا فقال: إبعث هذا فقد رضينا به.
والله بالغ أمره.
ورواه ايضا العسكري في جمهرة الأمثال ج 2 ص 480 وساق كلام الأحنف الى أن قال: فقال علي: والله ما أردت التحكيم ولا رضيت به، وقد أبي الانس إلا أبا موسى وغلبوني.
[265]
وقام إبن الكوا الى علي فقال: هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن الى رسول الله، وصاحب مقاسم أبي بكر، وعامل عمر، وقد (رضي به القوم) وعرضنا على القوم عبد الله بن عباس فزعموا إنه قريب القرابة منك ظنون في أمرك (10).
قال علي: فإني أجعل الأشتر.
قال نصر، قال عمرو: فحدثني أبو جناب، قال: قال الأشعث: وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر.
قال له علي: وما حكمه ؟.
حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد.
وفي حديث عمر (بن سعد الأسدي) قال: قال علي: قد أبيتم إلا أبا موسى ؟ قالوا: نعم.
قال فاصنعوا ما شئتم.
فبلغ ذلك (أي تحكيم أبي موسى) أهل الشام، فبعث أيمن بن خريم الأسدي - وهو معتزل لمعاوية - هذه الأبيات وكان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل العراق، فقال: لو كان للقوم رأي يعصمون به (11) من الضلال رموكم بإبن عباس لله در أبيه أيما رجل ما مثله لفصال الخطب في الناس لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) الظنون - كالظنين -: المتهم.
(11) والأشعار رواها في جمهرة الأمثال: ج 2 ص 4.
ورواها أيضا في مروج الذهب: ج 2 ص 410.
[266]
أن يخل عمرو به يقذفه في لجج يهوي به النجم تيسا بين أتياس أبلغ لديك عليا غير عاتبة قول أمرئ لا يرى بالحق من باس ما الأشعري بمأمون أبا حسن فاعلم هديت وليست العجز كالرأس فاصدم بصاحبك الأدني زعيمهم إن إبن عمك عباس هو الآسي فلما بلغ الناس قول أيمن، طالت أهواء قوم من أولياء علي عليه السلام وشيعته الى عبد الله بن عباس، وأبت القراء إلا أبا موسى.
كتاب صفين ص 500 ط مصر، ورواه أيضا عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (35) من نهج البلاغة: ج 2 ص 229.
[267]
ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين طائفة قليلة من عباد أصحابه الذين كانوا غير راضين بالحكومة والصلح
قال البلاذري: حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم، حدثنا إبن كناسة الأسدي (1) عن إساعيل بن مجالد، عن أبيه: عن الشعبي قال: لما إجتمع علي ومعاوية على أن يحكما رجلين، إختلف الناس على علي فكان عظمهم وجمهورهم مقرين بالتحكيم راضين به، وكانت فرقة منهم - وهم زهاء اربعة الآف من ذوي بصائرهم والعباد منهم - منكرة للحكومة، وكانت فرقة منهم وهم قليل متوقفين، فأتت الفرقة المنكرة عليا فقالوا: عد الى الحرب - وكان علي يحب ذلك -.
فقال الذين رضوا بالتحكيم: والله ما دعانا القوم إلا الى حق وإنصاف وعدل.
وكان الأشعث بن قيس وأهل اليمن أشدهم مخالفة لمن دعا الى الحرب، فقال علي (عليه السلام) للذين دعوا الى الحرب:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كذا)
[268]
يا قوم قد ترون خلاف أصحابكم وأنتم قليل في كثير، ولئن عدتم الى الحرب ليكونن (هؤلاء) أشد عليكم من أهل الشام (2) فإذا أجتمعوا وأهل الشام عليكم أفنوكم، والله ما رضيت ما كان ولا هويته ولكني ملت الى الجمهور منكم خوفا عليكم.
ثم أنشد (عليه السلام): وما أنا إلا من غزية أن غوت غويت وأن ترشد غزية أرشد ففارقوه ومضى بعضهم الى الكوفة قبل كتاب القضية، وأقام الباقون معه على إنكارهم التحكيم ناقمين عليه، يقولون: لعله يتوب ويراجع ! ! ! فلما كتبت القضية خرج بها الأشعث، فقال عروة إبن جدير: يا أشعث ما هذه الدنية ؟ أشرط أوثق من شرط الله ؟ وأعترضه بسيف فضرب عجز بغلته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وهذا يكاد أن يكون أمرا بديهيا لمن له أدنى إلمام بسيرة الخوارج، ويكون له أنس والتفات لنزعتهم فإنهم أخلوا بأمر أمير المؤمنين ما لا يبلغ إخلال معاوية وأصحابه معشار منه ! ! ! ولولاهم لعجلت النقمة لمعاوية أو كان يعطي صفقة يمينه وهو صاغر ! ! !.
[269]
وحكم.
فغضب الأشعث وأهل اليمن، حتى مشى الأحنف، وجارية بن قدامة، ومعقل بن قيس، وشبث بن ربعي ووجوه تميم إليهم فرضوا وصفحوا.
الحديث: (409) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1 ص 384 وفي المطبوع: ج 2 ص 338.
[270]
ومن كلام له عليه السلام لما أكره على التحكيم، وبعث الحكمين
قال البلاذري: (روي) المدائني، عن عيسى بن عبد الرحمان، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس، قال: قلت لعلي: أتقاضي معاوية على أن يحكم حكمان ؟ فقال (عليه السلام): ما أصنع أنا مضطهد.
الحديث: (405) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الأشراف: القسم الأول من ج 1، ص 191، وفي ط 1: ج 2 ص 337.
[271]
ومن كلام له عليه السلام لما أرادوا أن يكتبوا وثيقة التحكيم بينه وبين معاوية
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) قال: حدثني أبو إسحاق الشيباني، قال: فقيل لعلي - حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام -: أتقر إنهم مؤمنون مسلمون ؟ فقال علي (عليه السلام): ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه إنهم مؤمنون ولا مسلمون، ولكن يكتب معاوية ما شاء، ويقر بما شاء لنفسه وأصحابه، ويسمي نفسه وأصحابه بما شاء.
كتاب صفين ص 509 ط 2 بمصر.
[272]
ومن كلام له عليه السلام أجاب به الأحنف بن قيس
وقال العسكري -: قال الأحنف لعلي كرم الله وجهه حيث بعث معاوية (عمرو بن العاص) حكما: إنك يا أمير المؤمنين قد رميت بحجر الأرض ومن كاد الإسلام وأهله عصرا، وهو سن قريش وداهية العرب وقد رضيت بأبي موسى ؟ وهو رجل يمان، ولا أدري ما قدر نصيحته ! ! ! فضم معه رجلا من قريش أو إجعلني ثانيا فليس صاحب عمرو إلا من دنا حتى يظن إنه قد تابعه وهو منه بمنزلة النجم.
فقال علي (عليه السلام): والله ما أردت التحكيم ولا رضيت به، وقد أبا الناس إلا أبا موسى وغلبوني.
هكذا ذكره في كتاب جمهرة الأمثال ص 480 تحت المثل المعروف (رمي فلان بحجره).
[273]
ومن كلام له عليه السلام أجاب به الأشعث بن قيس وعمرو بن العاص عند كتابة وثيقة التحكيم
قال نصر: وفي كتاب عمر بن سعد (الأسدي، أن كتاب الوثيقة كتب هكذا (1)): هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين.
فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته.
وقال عمرو: اكتب أسمه وأسم أبيه، إنما هو أميركم، وأما أميرنا فلا (2) فقال الأحنف: لا تمح أسم أمرة المؤمنين عنك، فإنى أتخوف إن محوتها أ (ن) لا ترجع اليك ابدا، لا تمحها وان قتل الناس بعضهم بعضا.
فأبى (علي عليه السلام) مليا من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بين المعقوفين زيادة توضيحية منا.
(2) وبعده هكذا: (فلما أعيد الكتاب إليه أمر بمحوه، فقال)... وهذا إما زائد كما يدل عليه عدم وجوده في رواية الطبري، وإما أنه قدم عن موضعه الأصلي وهو كونه بعد كلام الأحنف.
[274]
النهار أن يمحوها ثم أن الأشعث بن قيس جاء فقال: أمح هذا الإسم.
فقال (علي عليه السلام): لا إله إلا الله والله أكبر، سنة بسنة، أما والله لعلى يدي دار هذا يوم الحديبية، حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه: (هذا ما تصالحا عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسهيل بن عمرو).
فقال سهيل: لا أجيبك الى كتاب تسمى (فيه) رسول الله صلى الله، ولو أعلم إنك رسول الله لم أقاتلك، أني إذا ظلمتك إن منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله، ولكن اكتب: (محمد بن عبد الله) أجيبك ! ! ! فقال محمد صلى الله عليه وآله: يا علي أني لرسول الله، وأني لمحمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي إليهم: من محمد بن عبد الله، فأكتب محمد بن عبد الله.
فراجعني المشركون في هذا الى مدة، فاليوم أكتبها الى أبنائهم كما كتبها رسول الله صلى الله عليه وآله الى آبائهم سنة ومثلة.
[275]
فقال عمرو بن العاص: سبحان الله ومثل هذا شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون ؟.
فقال علي (عليه السلام): يا إبن النابغة، ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا ؟ ! وهل تشبه الى أمك التي وضعت بك ! ! ! فقام عمرو فقال: والله لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم.
فقال علي: والله أني لأرجو أن يطهر الله عز وجل مجلسي منك ومن أشباهك (1).
وجاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فقال: يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت.
فقال لهم إبن حنيف: أيها الناس أتهمو رأيكم فوالله لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية: ولو نرى قتالا لقاتلنا وذلك في الصلح الذي صالح عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
كتاب صفين ص 508.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الصواب الموافق لما في تاريخ الطبري: ج 4 ص 37، وهنا في كتاب صفين تصحيف.
[276]
ومن كلام له عليه السلام لما فرغوا من كتابة صحيفة التحكيم وأمضاها الشهود من الفريقين وعرضت على العسكرين فندمت الخوارج فقالت: ارجع عن التحكيم
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر (الأسدي) عن أبي جناب عن إسماعيل بن سمير (شفيع (خ)) عن شقيق بن سلمة وغيره - وساق كلاما طويلا في عرض الأشعث صحيفة التحكيم على العسكرين وكلام خطيب أهل الشام مع العراقيين الى أن قال: - فنادت الخوارج أيضا (1) في كل ناحية: لا حكم إلا الله، لا نرضى بأن نحكم الرجال في دين الله، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم، وقد كانت منا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين، وقد تبنا الى ربنا ورجعنا عن ذلك، فارجع كما رجعنا وإلا فنحن منك براء.
فقال علي (عليه السلام): ويحكم (أ) بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع ؟ أو ليس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إنما قال: (أيضا).
من أجل إن هذه المخاطبة بينهم وبين علي عليه السلام قد جرت قبل ذلك بعد عرض الأشعث، وقبل كلام خطيب الشام وقد ذكرها بهذا السند قبل ورقة، وإنما ذكرنا الثاني دون الأول مع وحدة السند والمتن، لأنه أوفق بملاحظة ما حذفناه.
[277]
الله يقول: (وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا، إن الله يعلم ما تفعلون) (91 / النحل: 16).
(قال:) فبرئوا من علي وشهدوا عليه بالشرك، وبرأ علي منهم.
كتاب صفين ص 514 و 518.
[278]
ومن كلام له عليه السلام مع سليمان بن صرد الخزاعي، ومحرز بن جريش
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر بن سعد (الأسدي) عن الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة (1) قال: أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين بعد الصحيفة ووجهه مضروب بالسيف، فلما نظر إليه علي (عليه السلام) قال: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا).
(23 / الأحزاب: 32) فأنت ممن ينتظر وممن لم يبدل.
فقال (سليمان): يا أمير المؤمنين أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا، أما والله لقد مشيت في الناس ليعودوا الى أمرهم الأول فما وجدت أحدا عنده خير إلا قليلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في تقريب التهذيب: عون بن أبي جحيفة - بتقديم الجيم وهيئة التصغير - السوائي - بضم السين - الكوفي ثقة من الرابعة، مات سنة 116.
كذا في هامش الأصل.
[279]
وقام الى علي محرز (محمد (خ)) بن جريش بن ضليع، فقال: يا أمير المؤمنين (أ) ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل، فوالله أني لأخاف أن يورث ذلا.
فقال علي (عليه السلام): أبعد إن كتبناه ننقضه، إن هذا لا يحل (2).
كتاب صفين ص 519.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وبعده في كتاب صفين هكذا: وكان محرز يدعى (مخضخضا) وذاك إنه أخذ عنزة (وهي رميح صغير) بصفين وأخذ معه إداوة من ماء، فإذا وجد رجلا من أصحاب علي جريحا سقاه من الماء، وإذا وجد رجلا من أصحاب معاوية خضخضه بالعنزة حتى يقتله.
[280]
ومن كلام له عليه السلام في تقريض الأشتر (ره) لما قيل له: إنه لم ير إلا قتال القوم ولم يرض بما في صحيفة التحكيم
نصر بن مزاحم (ره) عن عمر (بن سعد الأسدي) عن فضيل بن خديج قال: قيل لعلي - لما كتبت الصحيفة -: إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة ولا يرى إلا قتال القوم (1) فقال علي (عليه السلام): بلا إن الأشتر ليرضى إذا رضيت (2)، وقد رضيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقال في الحديث: (404) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف: وقيل لعلي: إن الأشتر لم يرض بالصحيفة ولم ير إلا قتال القوم.
فقال: ولا أنا والله رضيت ! ! ! (ولكن) لم يصلح الرجوع بعد الكتاب.
(2) قال الأشتر (ره) - عندما عرض الأشعث صحيفة العهد عليه ليوقعها - لاصحبتني يميني، ولا نفعتني بعدها الشمال إن كتب لي في هذا الصحيفة إسم على صلح ولا موادعة، أو لست على بينة من ربي، ويقين من ضلال عدوي ؟ ! أو لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور ؟ !.
فقال الأشعث: هلم فأشهد على نفسك فإنه لارغبة بك عن الناس.
قال بلا والله أن بي لرغبة عنك في الدنيا =
[281]
ورضيتم، ولن يصلح الرجوع بعد الرضا، ولا التبديل بعد الإقرار، إلا أن يعصى الله ويتعدى ما في كتابه.
وأما الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه، فليس (هو) من أولائك، وليس أتخوفه على ذلك (ولا أعرفه على ذلك (خ)) وليت فيكم مثله أثنين، بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوه مثل رأيه، إذن لخفت علي مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم (3) وأما القضية فقد أستوثقنا لكم فيها (4) وقد طمعت أ (ن) لا تظلوا إنشاء الله رب العالمين.
(قال:) وكان الكتاب في صفر (5) والأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر، (هامش) * = للدنيا، وفي الآخرة للآخرة، ولقد سفك الله بسيفه هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا أحرم دما.
ثم قال: ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين، ودخلت فيما دخل فيه، وخرجت مما خرج منه، فإنه لايدخل إلا في هدى وصواب.
إنتهى ملخصا.
(3) الأود - كفرس -: الإعوجاج.
الكد.
التعب.
(4) أي أخذنا بالوثاقة والإحكام فيها، وبالغني بالتحفظ عليها.
(5) المراد من الكتاب كتاب العهد والوثيقة بينه وبين معاوية، وهذا العهد =
[282]
يلتقي الحكمان.
الجزء الأخير من كتاب صفين ص 521 ط 2 بمصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رواه نصر بصورتين في كتاب صفين ص 507 وص 510 وفي ختامهما: وكتب عميرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين.
غير أن في الأولى: وكتب عمر يوم الأربعاء لثلاث عشر ليلة بقيت من صفر... وهكذا أرخ كتاب العهد في الأخبار الطوال ص 154، ولكن البلاذري أرخ تعطيل الحرب برفع المصاحف في أنساب الأشراف ج 1، ص 189، بصبيحة ليلة الجمعة - وهي ليلة الهرير - لأثنتي عشرة ليلة خلت من صفر، سنة سبع وثلاثين.
وعلى هذا فيكون كتابة العهد والوثيقة أما في نفس اليوم أو في اليوم التالي وهو الثالث عشر من شهر صفر، وهذا ذكره غير واحد من المتأخرين بلا ذكر سند ومدرك له.
وكذلك ذكره الطبري في تاريخه: ج 4 ص 40 قال: فكتب كتاب القضية بين علي ومعاوية - فيما قيل -: يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة (37) من الهجرة، على أن يوافي علي موضع الحكمين بدومة الجندل في شهر رمضان، ومعاوية ومع كل واحد منهما أربعمأة من أصحابه وأتباعه.
ولكن البلاذري أيضا روى - في الحديث: (407) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف - عن الأثرم: علي بن المغيرة، عن أبي عبيدة، عن عمرو بن العلاء قال: كتبت القضية بين علي ومعاوية يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين.
وعلى هذا - وما ذكره في كتاب صفين - فالفصل بين تعطيل الحرب وكتابة وثيقة العهد إنما هو لأجل التفاهم ورفع الإختلاف الحادث بين جند أمير المؤمنين عليه السلام.
[283]
ومن كلام له عليه السلام عند رجوعه من صفين
قال نصر بن مزاحم (ره) عن عمر (بن سعد الأسدي) عن عبد الرحمان بن جندب، قال: لما أقبل علي من صفين وأقبلنا معه، فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه (1)، فقال علي (عليه السلام): آئبون عائدون، لربنا حاملون.
اللهم أني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل.
قال: ثم أخذ بنا طريق البر، على شاطئ الفرات، حتى إنتهينا الى (هيت) وأخذنا على (صندودا) فخرج الأنماريون بنو سعيد بن حزيم، وأستقبلوا عليا فعرضوا عليه النزل فلم يقبل فبات بها ثم غدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في كتاب صفين، وفي الحديث (406) من أنساب الأشراف: ج 2 ص 200 وأرتحلوا بعد يومين من القضية فسلك علي طريقه التي بدأ فيها حتى أتى هيت وصندودا، فسار الى الكوفة في شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين.
[284]
ومن كلام له عليه السلام لما نزل في رجوعه من صفين كربلا وصلى الغداة بها
قال الشيخ الصدوق رفع الله مقامه: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا الحسن بن علي السكري، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا قيس بن حفص الدارمي، قال: حدثني حسين الأشقر، قال: حدثنا منصور بن الأسود، عن أبي حسان التيمي عن نشيط بن عبيد، عن رجل منهم: عن جرداء بنت سمير، عن زوجها هرثمة بن أبي مسلم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) صفين، فلما إنصرفنا، نزل كربلا فصلى بها الغداة، ثم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب.
فرجع هرثمة الى زوجته - وكانت شيعة لعلي - فقال ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن، نزل بكربلا (ء) فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال: (واها لك أيتها التربة، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب).
قالت: (إيها) أيها الرجل فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا...
[285]
الحديث (6) من المجلس (28) من أمالي الصدوق ص 120، وللحديث تتمة قد ذكرناه في مقتل الحسين عليه السلام.
وليعلم إن للحديث طرقا كثيرة ومصادر، وذكره إبن عساكر - في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 13، ص 63 - 77 بخمس طرق، وفي طريقين منها تصريح بإنه عليه السلام قال في كربلاء، عند رجوعه من صفين.
[286]
ومن كلام له عليه السلام كتبه لما تصدق في سبيل الله ما كان له من العيون والبساتين
قال أبو خالد الواسطي: حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده عن علي عليهم السلام إنه كتب في صدقته: هذا ما أمر به علي بن أبي طالب وقضى في ماله: إني تصدقت بينبع ووادي القرى والأذنية وراعة (1) في سبيل الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الشارح: ينبع - كينصر - قرية مشهورة غربي المدينة المنورة بينهم خمسون فرسخا.
ووادي القرى: موضع بين الكوفة وواسط ؟.
وأذينة - كجهينة - تصغير أذن.
وأذينة (كذا) وراعة - مشددة العين - إسم موضع على ليلة من فدك ضيعة كانت لأمير المؤمنين.
وقال القاضي عبد الجبار في وجوه أفضلية أمير المؤمنين من كتاب المغني: ج 20 ص 141 وتصدق (عليه السلام) بأملاكه أجمع ولم يخلف إلا ثلاث مأة درهم أو سبعمأة أراد أن يشتري بها مملوكا ليكفيه بعض المحن.
[287]
ووجهه أبتغي بها مرضاة الله، ينفق منها في كل نفقة في سبيل الله ووجهه في الحرب والسلم والجنود، وذوي الرحم القريب والبعيد، لا يباع ولا يورث، حيا أنا أو ميتا، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، ولا أبتغي إلا الله عز وجل، فإنه يقبلها وهو يرثها وهو خير الوارثين فذلك الذي قضيت فيها - فيما بيني وبين الله عز وجل - الغد منذ قدمت مسكن (2) واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا ليولجني الله عز وجل بذلك الجنة ويصرفني عن النار ويصرف النار عن وجهي يوم تبيض وجوها وتسود وجوه.
وقضيت إن رباحا وأبا نيزر وجببرا (3) إن حدث بي حدث محررون لوجه الله عز وجل لا سبيل عليهم.
وقضيت إن ذلك الى الأكبر من ولد علي المرضيين هديهم وأمانتهم وصلاحهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) قال في الشرح: والمعنى: غد اليوم الذي قدمت فيه مسكنا.
(3) هذا هو الصواب، وفي الأصل تصحيف.
[288]
آخر كتاب الفرائض من سند زيد وشرحه الروض النظير: ج 5 ص 180.
وقال في الشرح: هذه الوصية قد رويت من غير طريق بألفاظ فرواها في الأمالي عن محمد بن منصور، عن طريق عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي عليه السلام.
وأخرجها إبن جرير، عن أبي جعفر محمد بن علي مرسلا.
أقول: ورواه أيضا بزيادات جيدة في مقتل أمير المؤمنين عليه السلام لإبن أبي الدنيا، الورق 237 ب في الحديث (35) منه عن على بن الجعد، عن أبي يوسف القاضي عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده، وذكرناه في المقالة العلوية الغراء.