[289]
ومن كلام له عليه السلام مع الخوارج حين رجع الى الكوفة وهو بظاهرها قبل دخوله إياها
فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة، ومن نطف فيه أو عنت فهو في الآخرة أعمى وأظل سبيلا (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فلج فيه - من باب ضرب ونصر -: فاز فيه وظفر ببرهانه.
ونطف - من باب علم -: تلطخ فيه بعيب أو أتهم بريبة وفجور.
و (عنت) - أيضا من باب علم -: إنكسر.
فسد.
والخطبة رواها ايضا السيد أبو طالب في أماليه - كما في أواخر الباب: (14) من ترتيبه تيسير المطالب - بسنده عن محمد بن علي العبدكي، قال: حدثنا محمد بن يزداد، قال: حدثني يعقوب بن إسحاق بن محمد بن سهل، قالا (كذا) حدثنا محمد بن عمرو، قال: أخبرنا أبو أحمد الزبيري، عن عبد الجبار بن عياش =
[290]
نشدتكم بالله أتعلمون إنهم حين رفعوا المصاحف، فقلتم: نجيبهم الى كتاب الله.
قلت: لكم: أني أعلم بالقوم منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا وكانوا شر رجال وشر أطفال، أمضوا على حقكم وصدقكم إنما رفع القوم لكم هذه المصاحف خديعة ووهنا ومكيدة، فرددتم علي رأيي، وقلتم: لابل نقبل منهم.
فقلت: لكم إذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب أشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحياه القرآن وأن يميتا ما أماته القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عن سلمة بن كهيل، عن ابن حجر بن عدي قال: لما قفل علي أمير المؤمنين عليه السلام من صفين وأكثر كثير من أصحابه والمحكمة القول في الحكمين، أمر فنودي بالصلاة جامعة ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: اللهم هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة... أقول: وهذا الصدر يجئ ايضا برواية المبرد في كتاب الكامل.
[291]
فقال له بعض الخوارج: فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء ؟ فقال عليه السلام: إنا لم نحكم الرجال، إنما حكمنا القرآن ! ! ! وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق (1) وإنما يتكلم به الرجال.
قالوا له: فخبرنا عن الأجل الذي (قررت) بما بينك وبينه.
قال عليه السلام: ليتعلم الجاهل، ويتثبت العالم، ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة، إدخلوا مصركم رحمكم الله.
فرحلوا من عند آخرهم.
الفصل (38) مما إختار من كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد ص 144، وقريب منه رواه تحت الرقم (64) من كتاب العلم من العقد الفريد: ج 1، ص 341، ط 2 في باب أخبار الخوارج.
* (هامش) (1) الدفتين: الجلدين.
[292]
ومن كلام له عليه السلام لما وصل الكوفة ولقي بعض أهلها وبالسند المتقدم
عن نصر، عن عمر بن سعد الأسدي قال عبد الرحمن بن جندب: وأقبلنا معه (يعني مع أمير المؤمنين) حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة، فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه علي ونحن معه حتى سلم عليه وسلمنا عليه، قال: فرد ردا حسنا ظننا إنه قد عرفه.
فقال له علي: ما لي أرى وجهك منكفتا (1) أمن المرض ؟.
قال: نعم.
قال: فلعلك كرهته ؟ فقال: ما أحب إنه بغيري (2) قال: أليس إحتسابا للخير (3) فيما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منقبضا، من قولهم: كفت الشئ - من باب ضرب - كفتا): قبضه.
وإن كفت الشئ: إنقبض (2) هذا مقام رضا وإنقياد لله تعالى، فطوبى للراضين بقضاء الله المنقادين له.
(3) أي الثواب لله تعالى وأجره أي أليس حبك للبقاء مرضك فيه وكراهتك إنتقاله منك لأجل تسليمك لأمر الله وصبرك على بلائه طلبا لرضاه وثوابه الموعود ؟ وإعداد صبرك من موجبات القرب الى الله تعالى ؟ !.
[293]
أصابك منه ؟.
قال: بلا.
قال: فأبشر برحمة ربك وغفران ذنبك، من أنت يا عبد الله ؟ قال: أنا صالح بن سليم.
قال: ممن أنت ؟.
قال: أما الأصل فمن سلامان من طئ، وأما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور.
قال: سبحان الله ما أحسن إسمك وإسم أبيك وإسم أدعيائك وإسم من إعتزيت إليه (4) هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال لا والله ما شهدتها، ولقد اردتها ولكن ما ترى بي من لحب الحمى (5) خذلتني عنها.
فقال علي (عليه السلام): (ليس على الضعفاء، ولا على المرضى، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) (91 / التوبة: 9).
(ثم قال له:) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام ؟ قال: منهم المسرور فيما كان بينك وبينهم - وأولئك أغشاء الناس - ومنهم المكبوت الأسف (6) لما كان من ذلك - وأولئك نصحاء الناس لك - فذهب لينصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الادعياء - هنا - من ادعى جوارهم ودعوتهم وهم بنو سليم بن منصور.
ويقال: (عزا فلانا - من باب دعا - الى فلان عزوا): نسبه إليه ومثله (عزى عزيا) من باب رمى.
واعتزى اعتزاءا لفلان والى فلان، وتعزى تعزيا إليه: انتسب إليه.
(5) أي من أثر الحمى يقال: (لحب الشئ - من باب منع - لحبا): أثر فيه، ومثله لحب الشئ تلحيبا.
(6) المكبوت: المملوء غيظا وغما غير مفوه بها.
[294]
فقال: صدقت (ثم قال له): جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك، فإن المرض لا أجر فيه (7) ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه، إنما الأجر في القول باللسان، والعمل باليد والرجل، وإن الله عز وجل يدخل بصدق النية السريرة الصالحه (عالما جما) من عباده الجنة.
ثم مضى (عليه السلام) غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري، فدنا منه وسأله فقال: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا ؟.
قال: منهم المعجب به ومنهم الكاره له، والناس كما قال الله تعالى: (ولا يزالون مختلفين) (118) / هود: 11) فقال له: يا قوم فما يقول ذو الرأي ؟.
قال: يقولون: إن عليا كان له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) قاتل السيد الرضي رحمه الله - في ذيل المختار: (30) من قصار النهج ما ملخصه: إن المرض لا أجر فيه لأنه (أي المرض) من قبيل ما يسحق عليه العوض لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام والأمراض وما يجري مجرى ذلك، والأجر والثواب يستحقان على ماكان في مقابلة فعل العبد.
وقال محمد عبده في تعليقه: إن المرض ليس من أفعال العبد لله حتى يجوز عليها، وإنما هو من أفعال الله بالعبد التي ينبغي إن الله يعوضه عن آلامها.
[295]
جمع عظيم ففرقه، وحصن حصين فهدمه، فحتى متى يبني مثل ما قد هدم، وحتى متى يجمع مثل ما قد فرق ! ! ! فلو إنه كان مضى بمن أطاعه - إذ عصاه من عصاه - فقاتل حتى يظهره الله، أو يهلك إذن كان ذلك هو الحزم.
! ! ! فقال علي (عليه السلام): أنا هدمت أم هم هدموا ؟ أم أنا فرقت أم هم فرقوا ؟ وأما قولهم: لو أنه مضى بم أطاعه - إذ عصاه من عصاه - فقاتل حتى يظفر، أو يهلك أذا كان ذلك هو الحزم.
فوالله ما غبى عني ذلك الرأي، وإن كنت لسخي النفس بالدنيا (8) طيب النفس بالموت، ولقد هممت بالأقدام (على القوم) فنظرت الى هذين قد إستقدماني، فعلمت إن هذين إن هلكا، أنقطع نسل محمد من هذه الأمة، فكرهت ذلك وأشفقت على هذين أن يهلكا، وقد علمت إن لولا مكاني لم يستقدما - يعني بذلك أبنيه الحسن والحسين - وأيم الله لئن لقيتهم بعد يومي (هذا) لألقينهم وليس هما معي في عسكر ولا دار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) ماغبى - من باب علم -: ما خفي علي ولم أجهله، وكلمة: (إن)) مخففه من المثقلة أي وأني كنت لسخيا ببذل نفسي... وفي تاريخ الطبري: (وإن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا).
وهو أظهر.
[296]
قال: ثم مضى حتى جزنا دور بن عوف، فإذا نحن عن إيمايننا بقبور سبعة أو ثمانية (9) ققال أمير المؤمنين ما هذه القبور ؟.
فقال له قدامة بن عجلان الأزدي: يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر (10) وكان الناس يدفنون في دورهم وأفنيتهم (ولما أوصى الخباب بالدفن بالظهر فدفن) فدفن الناس الى جنبه - فقال علي (عليه السلام): رحم الله خبابا قد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا وإبتلى في جسده أحوالا (11) ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
فجاء (عليه السلام) حتى وقف عليهم ثم قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) ورواه الطبراني بسنده عن زيد بن وهب وقال بقبور سبعة - وساق الكلام الى قوله: (ورضي عن الله) - كما في مجمع الزوائد ج 9 ص 299 قال: وفيه معلى بن عبد الرحمان الواسطي وهو كذاب.
أقول وهو سند آخر غير سندنا فلا يضرنا.
(10) الظهر من الأرض: ما غلظ وأرتفع، والمراد من هنا هو ظهر الكوفة في ذلك اليوم.
(11) وقريب منه في المختار (43) من قصار النهج، والأحوال: جمع الحول: السنة.
[297]
عليكم السلام (12) يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أنتم لنا سلف وفرط، ونحن لكم تبع وبكم عما قليل لاحقون.
اللهم أغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم.
ثم قال (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا (13) أحياءا وأمواتا الحمد لله الذي جعل منها خلقنا وفيه يعيدنا، وعليها يحشرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) وفي تاريخ الطبري وغير واحد من المصادر: السلام عليكم.
وقريب منه في المختار: (130) من قصار نهج البلاغة، ولكن جملة: (السلام عليكم) غير موجودة فيه.
(13) الكفات - بالكسر -: الموضع الذي يضم فيه الشئ، ومنه قوله تعالى في الآية: (25) من سورة المرسلات: 77: (ألم نجعل الأرض) كفاتا، أحياء وأموتا).
[298]
طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله ذلك (14).
ثم أقبل (عليه السلام) حتى دخل سكة الثوريين فقال: خشوا بين هذه الأبيات (15).
قال نصر، عن عمر (بن سعد الأسدي) قال: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي، قال: لما مر علي بالثوريين - يعني ثور همدان - سمع البكاء، فقال ما هذه الأصوات ؟ قيل: هذا البكاء على من قتل بصفين.
فقال: أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة.
ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال: مثل ذلك، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا، فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي (16)، فقال علي: أيغلبكم نساؤكم ألا تنهوهن عن هذا الصياح والرنين ؟ قال: يا أمير المؤمنين، لو كانت دار أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك، ولكن من هذا الحي ثمانون ومأة قتيل، فليس من دار إلا وفيها بكاء، أما نحن معشر الرجال فإنا لا نبكي، ولكن نفرح لهم بالشهادة.
فقال علي: رحم الله قتلاكم وموتاكم، وأقبل (حرب) يمشي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) وهذا الذيل ذكره في المختار: (44) من قصار نهج البلاغة.
(15) يقال: (خش زيد بين القوم وفيهم) - من باب مد - خشن وانخش فيهم): دخل وغاب ومضى فيهم.
(16) الشبامي منسوب الى شبام - كعصام بالكسر -: حي من همدان.
[299]
معه وعلي راكب، فقال له علي: إرجع.
ووقف ثم قال له: إرجع، فإن مشي مثلك (مع مثلي) فتنة للوالي، ومذلة للمؤمن (17).
ثم مضى (عليه السلام حتى مر بالناعطيين (18) فسمع رجلا منهم يقال له: عبد الرحمن بن مرثد، فقال: ما صنع علي والله شيئا، ذهب ثم إنصرف في غير شئ.
فلما نظر (إلى) أمير المؤمنين أبلس (19) فقال علي عليه السلام: وجوه قوم ما رأوا الشام العام.
ثم قال لأصحابه: قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) أي إن مشي مثلك معي وأنت من وجوه قومك، وأنا وال وراكب مما يوجب افتتان الوالي بنفخ روح الكبر فيه ؟ ! ! ومذلة للمؤمن بإسراعه - كالعبيد بين يدي الوالي.
وهذا منه عليه السلام إعدام للعادة المألوفة لما فيها من المفسدة.
ثم إن مابين المعقوفين مأخوذ من المختار: (322) من قصار النهج وتاريخ الطبري والكامل، وهنا في كتاب صفين تصحيف.
(18) وهم حي من همدان، نسبة الى جبل لهم يسمى (ناعط) كما في الإشقاق ص 251، ومعجم البلدان.
(19) أبلس: إنقطع عن الحجة.
سكت.
تحير،.
[300]
أخوك الذي إن أحرضتك ملمة (20) من الدهر لم يفرح لبثك واجما (21) وليس أخوك بالذي إن تمنعت (22) عليك أمور ظل يلحاك لائما (23) ثم مضى (عليه السلام) فلم يذكر الله حتى دخل (قصر) الكوفة (24) كتاب صفين ص 528 - 532، ومثله في تاريخ الطبري: ج 4 ص 45 وتاريخ الكامل: ج 3 ص 164، وكثيرا مما تقدم هنا ذكره السيد الرضي رحمه الله في المختار: (42 و 43 و 44 و 130 و 322) من قصار نهج البلاغة ورواه ايضا في البحار: ج 8 ص 506 نقلا عن نصر إبن مزاحم، كما إن العياشي أيضا روى قطعة منه في تفسيره: ج 2 ص 130، ورواها عنه في البحار: ج 8 ص 531.
وايضا روى قطعة منه في الحديث الثاني من المجلس: (26) من أمالي الشيخ ج 2 ص 30.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) أحرضتك: أفسدتك وأشفت بك على الهلاك.
وفي تاريخ الطبري، (أجرضتك): أغصتك.
(21) البث: الشتات.
الحال.
أشد الحزن.
والواجم: العابس الوجه وطرق الرأس لشدة الحزن.
(22) تمنعت: أمتنعت وتعذرت.
(23) يلحاك: يذمك ويعيبك.
(24) كذا في النسخة عدا ما بين المعقوفين، والأظهر ما في تاريخ الطبري: (حتى دخل القصر).
[301]
ومن خطبة له عليه السلام لما نزل الكوفة منصرفا من صفين (1) ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء.
وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن (الحسن بن علي) إبن فضال جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، عن (الإمام محمد الباقر) أبي جعفر عليه السلام، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى فيها رجال رجالا (2) * (هامش) (1) ومما يدل على إنه عليه السلام خطب بهذه الخطبة بعد إنصرافه من صفين الى الكوفة ما ذكره اليعقوبي، قال: وإنصرف علي عليه السلام، (من صفين) الى الكوفة، فلما قدمها قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال... (2) وفي تاريخ اليعقوبي: (إيها الناس إن أول وقوع الفتن هوى يتبع.
وأحكام تبتدع يعظم فيها رجال رجالا يخالف فيها حكم الله)... وفي نهج البلاغة: (ويتولى عليها رجال رجالا على غير دين الله) أي يستعين عليها رجال برجال.
[302]
فلو إن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى (3) ولو إن الحق خلص لم يكن إختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك إستحوذ الشيطان (4) على أوليائه، ونجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفي روضة الكافي: (إلا إن الحق لو خلص لم يكن إختلاف، ولو إن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجللان (فيجتمعان (خ)) (فيجلبان (خ)) معا، فهنالك يستولي الشيطان...).
ويجللان: يغطيان.
وفي تاريخ اليعقوبي: (ولو إن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجى، ولكن يؤخذ ضغث من ذا، وضغث من ذا فيخلط فيعمل به، فعند ذلك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجوا الذين سبقت لهم منا الحسنى).
أقول: الحجى - كرضا -: العقل.
والضغث: - كحبر -: القبضة المختلطة من الرطب واليابس من الحشيش.
(4) كذا في أصول الكافي، والأظهر: (يستحوذ) أي يتسلط ويستولي.
كما في روض الكافي وتاريخ اليعقوبي ونهج البلاغة.
وفي النهج: (فلو إن الباطل خلص من مزاح الحق لم يخف على المرتادين، ولو إن الحق خلص من الباطل إنقطعت عنه السن المعاندين،، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيخرجا، وهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى).
[303]
الحديث الأول من باب البدع والرأي من كتاب فضل العلم من الكافي ج 1، ص 54.
ورواه ايضا مع صدر وذيل طويل في الحديث (21) من روضة الكافي: ج 8 ص 58 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد إبن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم إبن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام ورواه عنه في بحار الأنوار: ج 8 ص 705، كما رواه ايضا في آخر باب البدع والرأي من ج 1، ص 159، وص 166.
ورواه ايضا البرقي رحمه الله في الحديث (114) من كتاب مصابيح الظلم، من كتاب (المحاسن ص 218، كما إن اليعقوبي رحمه الله ايضا رواه قبل قصة الخوارج من تاريخه: ج 2 ص 180، وفي ط ص 167.
ورواه ايضا في المختار الخامس من الباب السابع من دستور معالم الحكم ص 132، وكذلك رواه في المختار: (50) من نهج البلاغة.
[304]
ومن كلام له عليه السلام في تفسير القضاء والقدر، وإن أفعال العباد معلولة بإرادتهم وأعمال قدرتهم وإنهم مختارون فيها غير مقهورين عليها!!!
قال إبن عساكر: أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله إذنا ومناولة.
وقرأ علي إسناده: أنبأنا محمد بن الحسن، أنبأنا أبو الفرج القاضي أنبأنا الحسن إبن أحمد بن محمد الكلبي (ظ) أنبأنا محمد بن زكريا الغلابي أنبأنا العباس إبن بكار، أنبأنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة (1) قال: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين إخبرني عن مسيرنا الى أهل الشام (أ) بقضاء وقدر ؟ فقال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما قطعنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر.
فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي ؟ ! ! فقال علي: * (هامش) (1) والظاهر إن عكرمة يرويه عن إبن عباس كما في السند الرابع من رواية الصدوق رحمه الله تعالى من كتاب التوحيد.
[305]
ولم ؟ بل عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم مصعدون، وفي منحدركم وأنتم منحدرون، وما كنت في شئ من أموركم مكرهين، ولا إليها مضطرين.
فقال الشيخ: كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقانا (ساقنا (خ)) إليها ؟ قال (أمير المؤمنين عليه السلام): ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما ؟ لو كان ذلك (2) لسقط الوعد والوعيد ! ! ! ولبطل الثواب والعقاب ! ! ! ولا أتت لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة من الله لمحسن ! ! ! ولا كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المذنب ! ! ! (3) ذلك مقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) أي لو كان سائق الخلق وحاملهم على أعمالهم هو القضاء اللازم والقدر الحاتم لسقط الوعد والوعيد من الله، إذ لا معنى للوعيد أو الوعد على عمل لا يكون إختياريا للشخص بل القضاء والقدر هما العلة لتحققه ووجوده والشخص يكون محلا صرفا غير دخيل في تكونه وتحققه.
(3) إذ المحسن والمذنب على هذا التقدير غير مؤثران في شئ من العمل، والمؤثر التام هو القضاء والقدر، والشخص لاحظ له من الفعل =
[306]
إخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمان، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها ! ! ! ولكن الله تعالى أمر بالخير تخييرا، ونهى عن الشر تحذيرا (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= إلا كونه محلا له، ككون الجوهر محلا للعرض وكون الجسم محلا للإبعاد وكون الماء باردا مرطوبا وكون النار مضيئا محرقا، وعليه فلا يصح إطلاق المحسن والمسئ أيضا على المحل إذ المحسن هو فاعل الإحسان، والمذنب هو الأتي بالذنب والفرض إنهما غير فاعلان، والفاعل هو القضاء والقدر فإذا القدر هو المحسن والمسئ أيضا على المحل إذ المحسن هو فاعل الإحسان، والمذنب هو الآتي بالذنب والفرض إنهم غير فاعلان، والفاعل هو القضاء والقدر فإذا القدر هو المحسن والمسئ لاغير.
وهذا عين بطلان الثواب والعقاب، وإجتثاث الشرائع من أسها ! ! ! وهو مقال إخوان عبدة الأوثان وهم الدهريين المنكرين لشرائع.
ولكن عمل العقلاء قاطبة وفطرتهم - حتى الدهريين - على خلاف هذا المقال فأتصل في عصرنا هذا بأي جيل تشاء فأنك تراهم يجرون أحكام الإجراء على المفسد وإحكام الإنعام والإفضال على المصلح بلا تريث منهم وإن نطق أحد الفريقين بأن الفعل من القضاء والقدر يضحكون منه بل يغضبون عليه أشد غضب ! ! ! (4) أي إنما أمر الله تعالى بالخير ونهى عن الشر لأجل تفضيل المأمورين على غيرهم وإخراجهم عن مرتبة البهيمية المهملة الى مرتبة التقيد بالمصالح والتخلق بالفضائل ولأجل تحذيرهم عن الوقوع في الشرور ومضارها.
يقال: خير الشئ على غيره فضله عليه.
أو إنه تعالى أمرهم بالخير أمر تخيير أي لا أمر قسر وإلجاء ونهاهم عن الشر نهي تحذير وإحتراز لا نهي إجبار ورافع للأختيار، أو إنه أمرهم بالخير لأن يختاروه ويكون أمره داعيا له الى إختياره ونهاهم عن الشر كي يحذروه ويكون نهيه من بواعث تجنبهم عن الشرور،
[307]
ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها (5) ولم يملك تفويضا (6) ولا خلق السماوات والأرض وما نرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) أي إنه تعالى لا يكون في حال عصيان العصاة مغلوبا لهم، ولا في حين إطاعة المطيعين مكرها وقاسرا لهم على الإطاعة، إذ لم تتعلق إرادته تعالى على إطاعة المطيعين وعدم عصيان الخلق بنحو الحتم والتعين وبنحو القهر والغلبة - وإلا خرجا من كونهما إطاعة ومعصية - بل إنه تعالى أراد منهم أن يطيعوه بإختيارهم ولا يعصوه بإختيارهم، ومثل إرادته تعالى لأعمال خلقه مثل طبيب ناصح لحبيبه في الحفاظ على جهات الصحة، والتجنب عن مضان المرض وموارده.
ومما يلائم هنا جدا ما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام في المختار (8) من الباب: (9) من دستور معالم الحكم ص 110، قال و: سأله رجل عن تفسير (لاحول ولاقوة إلا بالله).
فقال: تفسيرها: إنا لانملك مع الله شيئا، ولا نملك من دونه شيئا، ولا نملك إلا ما ملكنا مما هو أملك به فمتى ملكنا ما هو أملك به كلفنا، ومتى أخذ منا وضع عنا ما كلفنا، إن الله عز إسمه أمرنا تخييرا (مختبرا (خ)) ونهانا تحذيرا، وأعطانا على قليل كثيرا (كذا) لن يطاع ربنا مكرها ولن يعصى مغلوبا.
(6) أي إنه تعالى لم يملك التخيير والقدرة المأمورين بنحو التفويض والتسريح المطلق وإيكال الأمر إليهم وأهمالهم كي يعملوا ما يشاؤن ويأتون بما يريدون بحيث لا يكون لهم ثواب ولا عقاب ولا تحسين ولا توبيخ، بل بين لهم الرشد من الغي ورغبهم في الرشد ونفرهم عن الغي وأعطاهم القدرة تفضلا فمن أطاعه رفع له مقاما كريما، ومن عصاه يصله عذابا أليما.
[308]
فيهما من عجائب آياتهما (7) باطلا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) (27 / الصاد).
قال الشيخ: يا أمير المؤمنين فما كان القضاء والقدر الذي فيه مسيرنا ومنصرفنا ؟ قال (أمير المؤمنين عليه السلام): ذلك أمر الله وحكمه (8) ثم قرأ علي (عليه السلام): (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (23 / الإسراء: 17) (قال:) فقام الشيخ تلقاء وجهه (عليه السلام) فقال: أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النشور من الرحمان غفرانا أوضحت من ديننا ماكان ملتبسا جزاء ربك عنا فيه إحسانا الحديث (1291) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 3 ص 231 ط 1، وفي المخطوطة: ج 38 ص 84، وفي النسخة المحذوفة الأسانيد، ص 137، ورواه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) هذا هو الظاهر الموافق لغير واحد من المصارد، وفي الأصل: (وما أرى فيهما من عجائب آياتهما) ويتحمل رسم خط الأصل أيضا إن يقرأ (من عجائب أنبائهما...) (8) والأمر أمر تشريح وحكمة وإرشاد ودلالة وحث على الصلاح وتنفير عن الفساد والمضار، كل ذلك لأجل سعادة المأمورين وتطهير ساحتهم عن لوث الشقاء والعناء، ومن أجلها رتب الله تعالى الثواب على إطاعته والعقاب على معصيته كي لا يتساهل المأمورون فيما أمروا به ونهوا عنه فيهلكون أنفسهم وبني نوعهم.
[309]
عنه في فصل الإيمان بالقدر من كتاب منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل ج 1، ص 77 ط 1، بحذف الأشعار وتعقيبه بما هو مقتضى العقل الهندي ! ! ! وللكلام مصادر، وأسانيد كثيرة، وذكره أيضا في باب العدل من كتاب غنيمة النزوع لإبن زهرة كما في المترجم منه ص 34، وذكره أيضا أحمد بن أعثم في ختام قصة صفين من كتاب الفتوح ج 4 ص 34 ط 1، وكذلك ذكره في ترجمة كتاب الفتوح.
وذكره أيضا مختصرا في المختار (70) من قصار نهج البلاغة.
ورواه أيضا في الكافي: ج 1، ص 55، وله مصادر أخر كثيرة.
ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين الخوارج
في أوائل أمرهم البلاذري: عن المدائني في إسناده: لما دخل المحكمة الكوفة وذهب عنهم كلال السفر (1) مشت عصبة منهم الى علي فقالوا: علام كنا نقاتل يوم الجمل ؟ قال: على الحق.
قالوا: فهل أهل البصرة (كذا). قال: على النكث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كلال السفر: تعبه وأعياؤه.
وهو بفتح الكاف كالكل والكلالة بمعنى واحد.
[310]
والبغي.
قالوا: فأهل الشام ؟ قال: هم وأهل البصرة سواء.
قالوا: فلم أجبت معاوية على وضع الحرب ؟ قال: خالفتموني وخفت الفتنة.
قالوا: فعد الى أمرك.
قال: قد أعطيتهم ميثاقا الى مدة فلا يحل (لنا) قتالهم حتى تنقضي المدة، وقد أخذنا على الحكمين أن يحكما بكتاب الله فإن حكما به فأنا أولى الخلق بالأمر.
قالوا: إن معاوية يدعي مثل الذي تدعي ! ! ! ففارقوه.
الحديث: (429) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ص 357 ط 1، وفي المخطوطة القسم الأول من ج 1 / الورق 195 / أو ص 390.
[311]
ومن كلام له عليه السلام قاله لما سمع قول الخوارج: لا حكم إلا الله
قال البلاذري: حدثني عباس بن هاشم، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن إبن أبي حرة الحنفي إن عليا (عليه السلام) خرج ذات يوم فخطب فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد (1) فقال علي (عليه السلام): كلمة حق يعزى بها - أو قال: يراد بها - باطل (2) (نعم) إنه لا حكم إلا الله، ولكنهم يقولون: لا إمرة.
ولا بد من أمير يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع (ويتمتع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المحكمة: الخوارج.
وحكمت: قالوا: لا حكم ألا الله.
(2) والثاني هو الظاهر الشائع، وأما الاول فلعله بمعنى: يسند إليها باطل، بأن تكون الباء بمعنى إلى أو أن الياء المثناة التحتانية المقلوبة بالألف زائدة والصواب: (يعز بها باطل) أي يقوي ويصلب بها باطل.
أو أن الياء بدل عن حرف التضعيف قال في مادة (عزز) من اللسان: وتعزيت عنه: تصبرت، أصلها تعززت أي تشددت به، مثل تظنيت في تظننت، ولها الظاهر.
[312]
(خ)) (فيها) الفاجر (3) فإن سكتوا تركناهم - أو قال: عذرناهم - وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم.
الحديث: (423) من ترجمة أمير المؤمنين من كتاب أنساب الأشراف القسم الأول من ج 1، من المخطوطة الورق 194 / أو ص 389، وفي ط 1: ج 2 ص 352.
ومن كلام له عليه السلام في بيان ما من الله تعالى عليه ومنحه من علم القرآن وما يقع في غابر الزمان
فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، عن علي بن محمد بن عمر الزهري عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن حفص بن عاصم ونصر بن مزاحم، وعبد الله بن المغيرة، عن محمد بن هارون السندي عن أبان بن (أبي) عياش، عن سليم بن قيس، قال: خرج (علينا أمير المؤمنين) علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن قعود في المسجد - بعد رجوعهم من صفين، وقبل يوم النهروان (1) - ثم أقبل علينا أمير المؤمنين عليه السلام وقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفي المختار: (40) من نهج البلاغة: (ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفئ ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر).
(1) وبعده كان في الأصل قصة طويلة حذفناها.
[313]
سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وأني لأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل، وأني لأعلم بالقرآن من أهل القرآن (2).
والذي فقل الحبة وبرأ النسمة مامن فئة تبلغ مأة رجل الى يوم القيامة إلا وأنا عارف بقائدها وسائقها.
وسلوني عن القرآن، فإن في القرآن بيان كل شئ فيه عليم الأولين والآخرين وإن القرآن لم يدع لأحد مقالا (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) وليسوا بواحد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان واحدا منهم (3) علمه الله (سبحانه) إياه فعلمنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لا يزال في عقبنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) أي من جميع أهل القران، (3) كذا في البحار، وفي تفسير فرات: (ليس بواحد، رسول الله (ص) منهم)...
[314]
الى يوم القيامة.
ثم قرأ أمير المؤمنين: (بقية مما ترك آل موسى وآل هارون (4).
وأنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام) والعلم في عقبنا الى أن تقوم الساعة.
الحديث: (30) من تفسير فرات بن إبراهيم ص 9 ط النجف وقريبا منه جدا رواه في باب (إنهم كلمات الله) من البحار،: ج 7 ص 127، عن محمد بن العباس عن علي بن محمد الجعفي، عن أحمد بن القاسم الأكفاني عن علي بن محمد بن مروان.
عن أبيه، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس.
ومن كلام له عليه السلام في الإحتجاج على الخوارج، وجواب من قال له: هلا ملت إليهم فأفنيتهم؟!
قال إبن أبي الحديد: وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل المحدث، في كتاب صفين، عن عبد الرحمان بن زياد، عن خالد بن حميد المصري:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) إقتباس من الآية: (248 من سورة البقرة واليك أول الآية الكريمة: (وقال لهم نبيهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية...) وكلمة (سبحان) وما بعدها من ما وضعناه بين المعقوفات مأخوذة من البحار، والأخير في النسخة كان هكذا: (ع) والبقية كانت هكذا: (ص).
[315]
عن عمر مولى غفرة، قال: لما رجع علي عليه السلام من صفين الى الكوفة، أقام الخوارج حتى جموا (1) ثم خرجوا الى الصحراء بالكوفة تسمى حروراء فنادوا: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون، إلا إن عليا ومعاوية أشركا في حكم الله ! ! ! فأرسل علي عليه السلام إليهم عبد الله بن عباس فنظر في أمرهم وكلمهم ثم رجع الى علي عليه السلام فقال له: ما رأيت ؟ فقال إبن عباس: والله ما أدري ماهم ! فقال له علي عليه السلام: رأيتهم منافقين ؟ ! فقال: والله ماسيماهم بسيما المنافقين، إن بين أعينهم لأثر السجود، وهم يتأولون القرآن (2) فقال علي عليه السلام: دعوهم ما لم يسفكوا دما أو يغصبوا مالا.
وأرسل إليهم: ماهذا الذي أحدثتم وما تريدون ؟ قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب الى الله من أمر الحكمين، ثم نسير الى معاوية فنقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه.
فقال على عليه السلام: فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين (3) وأخذنا منهم العهد.
وأعطيناهموه، إلا قلتم هذا حين إذ ؟ ! قالوا: كنا قد طالت الحرب علينا وأشتد البأس، وكثر الجراح وخلا الكراع (4) والسلاح ! ! فقال له:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقال: (جم القوم - من باب مد - وفر - جموما) كفلوسا -: أستراحوا وكثروا.
(2) والمحكي عن بعض النسخ: (ويتأولون القرآن) ولعل الصواب: (ويتلون القرآن).
(3) أي حين أردنا بعث الحكمين قبل كتابة كتاب العهد وإمضائه.
(4) الكراع - كغراب -: إسم يطلع على الخيل والبغال والحمير.
[316]
أفحين إشتد البأس عليكم عاهدتم، فلما وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد ؟ ! ! إن رسول الله كان يفي للمشركين أفتأمرونني بنقضه ؟ ! ! فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام ولا يزال الآخر يخرج من عند علي عليه السلام، فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله، فصاح: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون.
فتلفت الناس، فنادى: لا حكم إلا لله ولو كره المتلفتون.
فرفع علي عليه السلام رأسه إليه، فقال: لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن.
فقال علي عليه السلام: إن أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم لله (5) ثم قال: حكم الله إنتظر فيكم.
فقال له الناس: هلا ملت يا أمير المؤمنين على هؤلاء فأفنيتهم ؟ فقال (عليه السلام): إنهم لا يفنون، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء الى يوم القيامة ! ! ! (6).
ختام شرح المختار: (40) من نهج البلاغة لإبن أبي الحديد (ج 2) ص 310.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) وفي نسخة: (إن أبا الحسن لا يكره أن (لا) يكون الحكم إلا لله).
(6) ويجئ أيضا ما يعاضده في المختار: (260 ص 350، ومثله أيضا في المختار: (59) من نهج البلاغة، وهذا من الأخبار الغيبية التي أظهر الله نبيه عليها، فأظهر النبي عليها وصيه عليه السلام برهانا لدعواه، وحجة له على مانواه.
[317]
ومن كلام له عليه السلام قاله في بعض خطبه
ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن إسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن أبي الحسن العبدي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على منبر الكوفة: يا أيها الناس لولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس إلا إن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة (1) إلا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار ! ! ! الحديث الأخير، من الباب 138 - وهو باب المكر والغدر - من كتاب الإيمان والكفر، من أصول الكافي: ج 2 ص 338، وقريبا منه رواه في الحديث الأول من الباب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن هشام بن سالم رفعه قال: قال أمير المؤمنين...
والكلام قريب جدا مما في المختار: (197) من خطب نهج البلاغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي النهج: (ولكن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة، والله ما استغفل بالمكيدة ولا إستغمز بالشديدة).
[318]
ومن كلام له عليه السلام في التحذير عن المكر والخدعة
أما بعد فإن المكر والخديعة في النار، فكونوا من الله عز وجل ومن صولته على حذر، إن الله لا يرضى لعباده - بعد إعذاره وإنذاره - إستطرادا وإستدراجا من حيث لا يعلمون (1) ولهذا يظل سعي العبد حتى ينسى الوفاء بالعهد، ويظن إنه قد أحسن صنعا، ولا يزال كذلك في ظن ورجاء وغفلة عما جاءه من النبإ يعقد على نفسه العقد ويهلكها بكل جهد، وهو في مهلة من الله على عهد (2) يهوي مع الغافلين، ويغدوا مع المذنبين ويجادل في طاعة الله المؤمنين، ويستحسن * (هامش) (1) كذا في الأصل.
(2) وفي المختار: (153) من نهج البلاغة: (وهو في مهلة من الله يهوي مع الغافلين، ويغدوا مع المذنبين بل سبيل قاصدا ولا إما قاصدا
[319]
تمويه المترفين، فهؤلاء قوم شرحت (صدورهم) بالشبهة، وتطاولوا على غيرهم بالفرية، وحسبوا إنها لله قربة، وذلك لأنهم عملوا بالهوى، وغيروا كلام الحكماء، وحرفوه بجهل وعمى، وطلبوا به السمعة والرياء، بلا سبل قاصدة ولا أعلام جارية، ولا منار معلوم الى أمدهم، وإلى منهل هم واردوه، حتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم (3) وأستخرجهم من جلابيب غفلتهم، استقبلوا مدبرا وإستدبروا مقبلا، فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم ولا بما نالوا من طلبتهم، ولا ما قضوا من وطرهم وصار ذلك عليهم وبالا، فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون.
وإني أحذركم هذه المزلة (4) وآمركم بتقوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) المراد من الثواب مطلق الجزاء ويراد من - هاهنا - الخزي والوبال، ولعله عبر به تهكما.
وفي النهج: (حتى إذا كشف الله لهم عن جزاء معصيتهم).
(4) وفي النهج: (إني أحذركم ونفسي هذه المنزلة).
[320]
الله الذي لا ينفع غيره، فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على مايجن ضميره، فإنما البصير من سمع وتفكر، ونظر وأبصر، وأنفع بالعبر، وسلك جددا واضحا (5) يتجنب فيه الصرعة في الهوى ويتنكب طريق العمى، ولا يعين على فساد نفسه الغواة، بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق، ولا قوة إلا بالله (6).
قولوا ما قيل لكم، وسلموا لما روي لكم ولا تكلفوا ما لم تكلفوا، فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألنتيكم أو سبقت إليه غايتكم.
وإحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة، وإقصدوا السهولة وإعملو فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل وإستعملوا الخضوع وإستشعروا الخوف والإستكانة لله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) الجدد - كسب -: الأرض الغليظة المستوية.
(6) وفي النهج: (يتجنب فيه الصرعة في المهاوي والضلال في المغاوي، ولا يعين على نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق، أو تخويف من صدق).
[321]
وإعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتبادل وكظم الغيظ فإنها وصية الله، وإياكم والتحاسد والأحقاد فإنهما من فعل الجاهلية (ولتنظر نفس ما قدمت لغد وإتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها الناس إعلموا علما يقينا (7) إن الله لم يجعل للعبد - وإن أشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته - أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلة حيلته وبينما كتب له في الذكر الحكيم.
إيها الناس إنه لن يزداد إمرؤ نقيرا بحذقه، ولن ينتقص نقيرا بحمقه، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة، والتارك له أكثر الناس شغلا في مضرة.
رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالإحسان إليه.
ورب مبتلى عند الناس مصنوع له.
فأفق إيها المستمتع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) ومن قوله: (إعلموا - الى قوله: - قصر من عجلتك) رواه في المختار: (265) من الباب (3) من نهج البلاغة.
[322]
من سكرتك (7) وإنتبه من غفلتك وقصر من عجلتك (8) وتفكر فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لاخلف ولا محيص عنه ولا بد منه، ثم ضع فخرك ودع كبرك وأحضر ذهنك وإذكر قبرك ومنزلك، فإن عليه ممرك وإليه مصيرك، وكما تدين تدان، وكما تزرع تحصد، وكما تصنع يصنع بك، وما قدمت اليوم تقدم عليه غدا لا محال (9) (فامهد لقدمك وقدم ليومك) (10)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) هذا هو الظاهر من السياق الموافق لما في النهج، وفي النسخة (من سكرك).
(8) وفي النهج: (وإختصر من عجلتك، وإنعم الفكر فيما جاءك على لسان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مما لابد منه ولا محيص عنه، وخالف من خالف ذلك الى غيره، ودعه وما رضي لنفسه، وضع فخرك وأحطط كبرك...).
(9) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (وما قدمت إليه).
وتقدم عليه - من باب منع -: ترد عليه.
ولا محالة: لابد ومن غير شك.
(10) مابين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وما بعده الى قوله: (تقوم لها بما علمت).
غير موجود في النهج.
[323]
فلينفعك النظر فيما وعظت به، وع ما سمعت ووعدت به، فقد إكتنفك بذل خصلتان - ولا بد أن تقوم بأحدهما -: إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت، وإما حجة الله تقوم لها بما عملت.
فالحذر الحذر والجد الجد، فإنه لا ينبئك مثل خبير.
إن من عزائم الله في الذكر الحكيم (11) التي لها يرضى، ولها يسخط ولها يثيب، وعليها يعاقب إنه ليس بمؤمن - وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله غيره - (من) إذا خرج من الدنيا فلق الله بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها: الشرك بالله فيما أفترض (الله) عليه من عبادته، أو شفاء غيضه بهلاك نفس (12) أو يقر بعمل فعمل بغيره (كذا) أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه، أو سره أن يحمده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) عزائم الله: ما عزمه الله وأراده من عباده من فعل الواجبات وترك المحرمات.
(12) هذا هو الصواب الموافق لما في نهج البلاغة، وفي الأصل: (أو شفاء غيض بهلاك نفسه).
[324]
الناس بما لم يفعل من خير أو مشى في الناس بوجهين ولسانين والتجبر والأبهة (13).
وإعلم واعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه، إن البهائم همها بطونها وإن السباع همها التعدي والظلم، وإن النساء همهن زينة (الحياة) الدنيا والفساد فيها، وإن المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون.
المختار الثامن من كلمه عليه السلام من كتاب تحف العقول ص 103، والكلام لم أره محفوظا كما ينبغي ورواه أيضا في المختار: (153) من نهج البلاغة وهو أجود مما ذكره صاحب تحف العقول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) وفي النهج: (إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي عليه يثيب ويعاقب ولها يرضى ويسخط إنه لا ينفع عبدا - وإن أجهد نفسه وأخلص فعله - أن يخرج من الدنيا لاقيا ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها: أن يشرك بالله فيما إفترض عليه من عبادته، أو يشفي غيضه بهلاك نفس أو يعر بأمر فعله غيره، أو يستنجح حاجة الى الناس بإظهار بدعة في دينه، أو يلقى الناس بوجهين، أو يمشي فيهم بلسانين، أعقل ذلك فإن المثل...).
[325]
ومن كلام له عليه السلام لما وعظ الخوارج فنقموا منه بأنك جعلت أبا موسى الأشعري حكما في دين الله
الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي رحمه الله قال: حدثنا علي إبن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الجعفري، قال: حدثنا أبي، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن سعد الخفاف، عن الأصبغ بن نباته، قال: لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على الخوارج ووعظهم وذكرهم وحذرهم عن القتال، قال لهم: ما تنقمون مني إلا أني أول من آمن بالله وبرسوله.
فقالوا: أنت كذلك، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الأشعري.
فقال: والله ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرآن، ولولا إني غلبت على أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب
[326]
الله حتى أعلي كلمة الله (1) وأنصر دين الله ولو كره الجاهلون والكافرون.
الحديث السادس من الباب: (30 - وهو باب القران ما هو - من كتاب التوحيد للصدوق رضوان الله تعالى عليه.
ونقله عنه، في البحار: ج 8 ص 609 في السطر 9 عكسا.
وذكر الطبري في قصة الخوارج من تاريخه: ج 4 ص 47 ما يوافق صدر الكلام، وأيضا قريبا من صدره رواه في أول الفصل (35) في عنوان: (تفصيل الإسلام والإيمان) من كتاب قوت القلوب: ج 2 ص 251.
ومن كلام له عليه السلام في الإحتجاج على الخوارج
أيضا قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، وعن عوانة في إسنادهما، قالو: لما قدم علي الكوفة وقد فارقته المحكمة وهم الخوارج، وثب إليه شيعته فقالوا: بيعتك في أعناقنا فنحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت.
فقال الخوارج: تسابق هؤلاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي إجعلها عليا، وفوق بواطن المبطلين.
[327]
وأهل الشام الى الكفر كفرسي رهان (1) بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا وكرهو، وبايع هؤلاء عليا على إنهم أولياء من والا (ه) وأعداء من عادا (ه).
وبعث علي عبد الله بن عباس الى الخوارج - وهم معتزلون بحرورا (ء) وبها سموا الحرورية - فقال: إخبروني ماذا نقمتم من الحكمين ؟ وقد قال الله في الشقاق (يحدث بين المرء وزوجه): (وإن خفتم شقاق بيننا) فابعثوا حكما من أهله (وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) (2) وقال في كفارة الصيد يصيبه المحرم: (يحكم به ذوا عدل منكم (95 / المائدة: 5) قالوا: ما جعل الله حكمه الى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليه، وأما ماحكم به وأمضاه في الشرائع والسنن والعزائم فليس للعباد أن ينظروا فيه، إلا ترى إن الحكم (حكمه (خ ل)) في الزاني والسارق والمرتد وأهل البغي مما لا ينظر العباد فيه ولا يتعقبونه ؟ وقالوا: إن الله يقول: (يحكم به ذوا عدل منكم).
(أ) فعمرو بن العاص عدل ؟ ! وحكم الله في معاوية وأتباعه أن يقاتلوا ببغيهم حتى يفيئوا الى أمر الله.
فلم يجبه أحد منهم، ويقال:: بل) أجابه الفا رجل.
ويقال: اربعة آلاف رجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا من أمثلة العرب يضربون به مثلا لرجلين يتسابقان الى هدف واحد.
و (رهان) مصدر باب مفاعلة.
(2) مابين المعقوفات زيادة توضيحية منا.
وفي النسخة: (وقد قال الله في الشقاق (فابعثوا حكما من أهله) الآية.
وهي الآية (40) من سورة النساء: 4.
[328]
(قال:) ثم أن عليا سئل عن يزيد بن قيس الأرحبي فقيل: إنهم يطيفون به ويعظمونه (3) فخرج علي حتى أتى فسطاطه فصلى فيه ركعتين ثم خاطبهم فقال: نشدتكم الله هل تعلمون أني كنت أكرهكم للحكومة فيما بيننا وبين القوم ولوضع الحرب ؟ وأعلمتكم إنهم إنما رفعوا المصاحف خدعة ومكيدة، فرد علي رأيي وأمري ؟ ! ! فشرطت في الكتاب على الحكمين أن يحييا ما أحيا (ه) الكتاب ويميتا ما أمات، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف ما حكما به وإن أبيا وزاغا فنحن من حكمهما براء (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) قال المبرد في كتاب الكامل 558 - 559 طبع أوربا: إن عليا في أول خروج القوم عليه دعا صعصة بن صوجان العبدي - وقد كان وجهه إليهم وزياد بن النظر الحارثي مع عبد الله بن عباس فقال لصعصة: بأي القوم رأيتم أشد إطافة ؟ قال: بيزيد بن قيس الأرحبي.
فركب علي عليه السلام الى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار الى مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فإتكأ على قوسه وأقبل على الناس وقال... وسيأتي تمام الحديث تحت الرقم 249 في ص 330.
(4) أي برئ.
وهو لفظا مصدر لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث.
[329]
وإنما حكمنا القرآن ولم نحكم الرجال، لأن الرجال إنما ينطقون بما بين اللوحين.
قالوا: فلم كتبت إسمك ولم تنسب نفسك الى أمرة المؤمنين ؟ أكنت مرتابا في حقك ؟ ! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما كتب القضية بينه وبين قريش، قال: أكتب هذا ما أصطلح عليه محمد سول الله وسهيل بن عمرو.
فقال أهل مكة: لو كنا نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك.
فكتب محمد بن عبد الله.
قالوا: إنما قلت لنا ما قلت، وقد تاب الى الله من كان منا مائلا الى الحكومة، وعادلهم الى المنابذة ونصب حرب، فإن تبت وإلا أعتزلناك ! ! ! قال: فأني أتوب الى الله وأستغفره من كل ذنب، وقال لهم: إدخلوا رحمكم الله مصركم.
فدخلو من عند آخرهم وبايعوه على إعادة حرب القوم وقالوا: نجبي الخراج ونسمن الكراع (5) ثم نسير إليهم.
الحديث: (422) من ترجمة أمير المؤمنين من القسم الأول من أنساب الأشراف ج 1، من المخطوطة الورق 193، أو ص 387 وفي ط 1 ج 2 ص 448.
ورواه أيضا بن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم: ج 2 ص 126
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) وهو بضم الكاف إسم لدواب من الخيل والحمير والبغال
[330]
ومن كلام له عليه السلام في المعنى المتقدم
قال المبرد: إن (أمير المؤمنين) عليا عليه السلام في أول خروج القوم (يعني الخوارج) عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي - وقد كان وجهه إليهم وزياد بن النظر الحارثي مع عبد الله بن عباس - فقال لصعصة بأي القوم رأيتم أشد إطافة ؟ قال: بيزيد بن قيس الأرحبي.
فركب علي عليه السلام الى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار الى مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فإتكأ على قوسه فأقبل على الناس فقال: هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة (1)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفلج - محركة -: الظفر.
والمراد من الفلج في الدنيا هو إستناد الشخص في عقيدته وعمله الى الحجة القاطعة من حكم عقل أو كتاب إلهي أو قول قطعي من معصوم
[331]
أنشدكم الله أعلمتم أحدا منكم كان أكره للحكومة مني ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: أفعلتم إنكم أكرهتموني حتى قبلتها ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فعلام خالفتموني ونابذتموني ؟ قالوا: إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب الى الله منه وإستغفره كما تبنا نعد لك ! ! ! فقال علي عليه السلام: أنا أستغفر الله من كل ذنب.
فرجعوا ومعه وهم ستة آلاف، فلما إستقروا بالكوفة أشاعو أن عليا عليه السلام رجع عن التحكيم ورآه ضلالا ! ! ! وقالو: إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع وتجبى الأموال ثم ينهض بنا الى الشام.
فأتى الأشعث (بن قيس) عليا عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا إنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا.
فقام علي عليه السلام فخطب الناس فقال: من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رآها ضلالة فقد ضل.
فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت.
أقول: هكذا رواه المبرد في كتابه الكامل، ص 558 طبع أوربا، كما رواه عنه إبن أبي الحديد في شرح المختار: (36) من نهج البلاغة: ج 2 ص 279 بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وبعض الألفاظ مأخوذ من تعليق الكتاب نقلا عن طبعة أوربا من كتاب الكامل.