[332]
ومن كلام له عليه السلام في جواب قول الخوارج: لا حكم إلا الله
قال البلاذري حدثني عبد الله بن صالح، عن يحيى بن آدم عن رجل، عن مجالد، عن الشعبي، قال: بعث علي عبد الله بن العباس الى الحرورية، فقال (لهم): يا قوم ماذا نقمتم على أمير المؤمنين ؟ قالو: (1) ثلاثا: حكم الرجال في دين الله، وقاتل فلم يسب ولم يغنم، ومحى من إسمه - حين كتبوا القضية - أمير المؤمنين وإقتصر على إسمه.
فقال عبد الله بن العباس: أما قولكم: حكم الرجال.
فإن الله قد صير حكمه الى الرجال في أرنب ثمنه ربع درهم وما أشبه ذلك يصيبه المحرم، وفي المرأة وزوجها، فنشدتكم الله أحكم الرجال في بضع المرأة وأرنب بربع درهم أفضل أم حكمه في صلاح المسلمين وحق دمائهم ؟ قالوا: بل هذا.
قال: وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم.
أفتسبون أمكم عائشة بنت أبي بكر الصديق ؟ قالوا: لا.
قال: وأما قولكم: محا من إسمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه ايضا الى قوله: (فرجع منهم الفان) في ترجمة عبد الله بن العباس من أنساب الأشراف: ج 2 ص 272 من النسخة المخطوطة.
[333]
إمرة المؤمنين.
فإن المشركين يوم الحديبية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو علمنا إنك رسول الله لم نقاتلك ! ! ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إمح يا علي وأكتب محمد بن عبد الله.
ورسول الله خير من علي فرجع منهم الفان وبقي الآخرون على حالهم.
فلما أراد علي (عليه السلام) توجيه الأشعري الى الشام لإمضاء القضية أتاه حرقوص بن زهير السعدي، وزيد بن حصين، وزرعة بن البرج الطائيان في جماعة فسألوه أن لا يوجه أبا موسى، وأن يسير بهم الى الشام، فيقاتلوا معاوية وعمرو بن العاص، فأبى ذلك (علي عليه السلام) وسار أبو موسى في شهر رمضان، فأرجع المحكمة في شهر رمضان في منزل زيد بن حصين الطائي فبايعوا عبد الله بن وهب - وكان يدعى ذا الثفنات، شبه أثر السجود بجبهته ويديه وركبتيه بثفنات البعير - وكانت بيعتهم له لعشر خلون من شوال (سنة سبع وثلاثين) ثم خرجوا فتوافوا بالنهروان، وأقبلوا يحكمون، وقال علي (عليه السلام: إن هؤلاء يقولون: لا إمرة ! ! ! ولا بد من أمير يعمل في أمرته المؤمن، ويستمتع (فيها) الفاجر، ويبلغ الكتاب الأجل (2) وإنها كلمة حق يعتزون (3) بها الباطل، فإن تكلموا حججناهم وإن سكتوا عممناهم (4).
الحديث: (433) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ص 360 ط 1، وفي المخطوطة الورق 195 / أو ص 392.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) كذا هنا.
(3) أي يعززون ويقوون ويعظمون ويكبرون بها الباطل.
(4) أي عممانهم في الفئ ودخول المساجد وحضور الجماعات ولا نخص بها غيرهم من المؤمنين.
وللرواية تتمتة من غير كلامه عليه السلام نذكرها فيما بعد.
(*)
[334]
ومن كلام له عليه السلام في المعنى المتقدم
قال البلاذري: وحدثني روح بن عبد المؤمن، حدثنا أبو الوليد الطيالسي (ظ) إنبأنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، قال: سمعت عاصما يقول: إن الحرورية على عهد علي قالو: لاحكم إلا الله.
فقال علي (عليه السلام): إنه كذلك ولكنهم يقولون: لا أمرة ولا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع (فيها) الكافر، ويبلغ الكتاب أجله.
الحديث: (449) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف: ج 2 ص 377 ط 1، وفي المخطوطة القسم الأول من ج 1 / الورق 199 / أو ص 399.
[335]
ومن خطبة له عليه السلام في المحاجة مع المارقين (1) قال البلاذري: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن النعمان بن راشد (ظ) عن الزهري، قال: لما قدم (أمير المؤمنين) علي بن أبي طالب الى الكوفة من صفين، خاصمته الحرورية ستة أشهر، وقالوا: شككت في أمرك وحكمت عدوك ووهنت في الجهاد، وتأولوا عليه القرآن فقالوا: قال الله: (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين).
(57 / الأنعام) (2) وطالت خصومتهم لعلي، ثم زالوا براياتهم وهم خمسة آلاف عليهم إبن الكواء، فأرسل إليهم علي عبد الله بن عباس، وصعصة بن صوحان فدعوهم الى الجماعة وناشداهم فأبوا عليهما، فلما رأي ذلك علي أرسل إليهم: إنا نوادعكم الى مدة نتدارس فيها كتاب الله لعلنا نصطلح، وقال لهم: إبرزوا منكم إثني عشر نقيبا وأبعث منا مثلهم، ونجتمع في مكان كذا فيقوم خطباؤنا بحججنا وخطباؤكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذه الخطبة رواها أيضا إبن عساكر، وسنذكرها بلفظه.
(2) هذا هو الظاهر الموافق لما يأتي عن إبن عساكر، وفي نسخة أنساب الأشراف هكذا: قال الله: (والله يقضي الحق) الآية.
أقول: ولعل هذا نقل بالمعنى عن الآية: (20) من سورة المؤمن: 40: (والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ...).
وإن القوم إستدلوا بالآيتين معا كما في رواية إبن عساكر.
[336]
بحججكم.
ففعلوا ورجعوا فقام علي (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني لم أكن أحرصكم على هذه القضية وعلى التحكيم (3) ولكنكم وهنتم وتفرقتم علي، وخاصمني القوم بالقرآن ودعونا إليه، فخشيت أن أبيت الذي دعوا إليه من القرآن والحكم أن تتأولوا علي قول الله: (الم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم (ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) (4) وتتأولوا (علي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الظاهر إن المراد والمشار إليه من قوله: (هذه القضية) هو تعطيل الحرب، أي إن التحريص على وضع الحرب وجعل الحكمين لم يكن مني.
(4) الآية (23) من سورة آل عمران، ثم إن جميع ما وضعناه بين المعقوفات لم يكن في النسخة، بل ذكر من الآية بعضها ثم قال (الآية).
كما إن لفظة (أن تتأولوا) كانت في النسخة بلفظ الغيبة، والصواب ما ذكرناه وفقا لرواية إبن عساكر، لأنه عليه السلام لم يخف من معاوية وجنده لظهور جورهم وإنحرافهم عن الدين، وإنما كان خوفه عليه السلام من الخوارج لظهور صلاحهم ونسكهم، ومن خلافهم كان يقع القلوب الساذجة في ريبة وتزلزل.
[337]
قوله: (يا أيها الذين آمنوا) لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم (5) (من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) (95 / المائدة).
و (أن) تتأولوا (علي) قوله: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا (حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) (6) فلم آب عليهم التحاكم، وخشيت أن تقولوا: فرض الله في كتابه الحكومة في أصغر الأمور فكيف (با) لأمر الذي فيه سفك الدماء وقطع الأرحام، وإنهتاك الحريم.
وخفت وهنكم وتفريقكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) وفي النسخة كذا: (لتقتلوا الصيد وأنتم حرم - إلى قوله: ذوا عدل منكم).
(6) وفي النسخة كذا: فإن خفتم شقاق بينهما بإبعثوا) الآية.
[338]
ثم قامت خطباء الحرورية فقالوا: دعوتنا الى كتاب الله والعمل به فأجبناك وبايعناك، وقد قتلت في طاعتك قتلانا يوم الجمل وصفين، ثم شككت في أمر الله وحكمت عدوك، ونحن على الأمر الذي تركت، وأنت اليوم على غيره، فلسنا منه منك إلا أن تتوب منه وتشهد على نفسك بالضلالة.
فلما فرغوا من قولهم قال (لهم) علي (عليه السلام): أما أن أشهد على نفسي بالضلالة، فمعاذ الله أن أكون أرتبت منذ أسلمت، أو ضللت منذ أهتديت، بل بنا هداكم الله من الضلالة، وإستنقذكم من الكفر، وعصمكم من الجهالة، وإنما حكمت الحكيمن بكتاب الله والسنة الجامعة غير المفرقة، فإن حكما بكتاب الله كنت أولى بالأمر من حكمهما، وإن حكما بغير ذلك لم يكن لهما علي وعليكم حكم.
الحديث: (424) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ص 353 ط 1، وفي المخطوطة القسم الأول من ج 1 / الورق 194 / أو ص 389.
[339]
ومن كلام له عليه السلام كان يقوله إذا بلغه عن الخوارج قولهم: لا حكم إلا لله
قال البلاذري: حدثني عبداله بن صالح بن مسلم العجلي، حدثني يحيى بن آدم أنبأنا سفيان، عن الأعمش وغيره، قالوا: خرج علي الى أهل حروراء فكلمهم وحاجهم، وذلك بعد بعثته إبن عباس إليهم فدخلوا جميعا الى الكوفة، وكان الرجل منهم يذكر القضية، فيخرج فيحكم (1) وكان علي (عليه السلام) يقول: إنا لا نمنعهم الفئ، ولا نحول بينهم وبين دخول مساجد الله، ولا نهيجهم ما لم يسفكوا دما وما لم ينالوا حرما.
الحديث: 431 من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2، ص 359 ط 1، وفي المخطوطة: القسم الأول من ج 1 / الورق 195 / أو ص 391.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي يقول: لا حكم إلا الله.
والمراد من القضية: تحكيم عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري.
[340]
ومن كلام له عليه السلام مع جماعة من الخوارج حين أراد أن يبعث أبا موسى حكما الى دومة الجندل
قال البلاذري حدثني بكر بن الهيثم حدثنا أبو الحكم العبدي، عن معمر، عن الزهري، قال: أنكرت الحكومة على علي طائفة من أصحابه قدمت الى بلدانها من صفين، وإنحاز منهم أثنى عشر الفا - ويقال: ستة آلاف - الى موضع يقال له: حروراء من ناحية الكوفة، فبعث إليهم علي إبن عباس وصعصعة، فوعظهم صعصعة وحاجهم إبن عباس، فرجع منهم الفان، وبقي الآخرون على حالهم حينا ثم دخلوا الكوفة، فلما إنقضت مدة في القضية.
وأراد علي توجيه أبي موسى (الى دومة الجندل للحكم بما في القرآن أو بما في السنة المجمع عليها) أتاه حرقوص بن زهير التميمي، وزيد إبن حصين الطائي، وزرعة بن البرج الطائي في جماعة من الحرورية فقالوا: أتق الله وسر الى عدوك وعدونا، وتب الى الله من الخطيئة، وإرجع عن القضية ! ! ! وقال علي عليه السلام): أما عدوكم فإني أرددتكم على قتالهم وأنتم في دارهم فتواكلتم ووهنتم، وأصابكم ألم الجراح فجزعتم، وعصيتموني ! ! !
[341]
وأما القضية فليست بذنب ولكنها تقصير وعجز أتيتموه وأنا له كاره، وأنا أستغفر الله من كل ذنب.
فقال له زرعة: والله لئن لم تدع التحكيم في أمر الله لأجاهدنك ! ! ! فقال له علي (عليه السلام): بؤسا لك ما أشقاك ؟ كأني أنظر اليك غدا صريعا تسفي عليك الرياح (1).
قال (زرعة): وددت ذلك قد كان.
(قال على عليه السلام): (لو كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا) (2).
الحديث: (426) ومن ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ص 355 ط 1، وفي المخطوطة ص 390، أو الورق 195، ورواه أيضا بزيادة في متن الرواية الطبري فز تاريخه: ج 4 ص 52 عن أبي مخنف، عن أبي المغفل عن عون بن أبي جحيفة.
وقريبا منه رواه أيضا في أخبار الخوارج من مناقب آل أبي طالب: ج 1، ص 100، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 611 ط الكمباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقال: (سفة الريح التراب سفيا - من باب رمى - وأسفته إسفاءا): ذرته أو حملته.
فهي سافية، والجمع سافيات وسواف.
و (أسفت الريح): هبت.
(2) مابين المعقوفين مأخوذ من رواية أبي مخنف الآتية بسند آخر.
[342]
ومن كلام له عليه السلام أجاب به الخوارج أخزاهم الله تعالى وخطب عليه السلام (يوما) بالكوفة قام إليه رجل من الخوارج فقال لا حكم إلا لله
فسكت عليه السلام ثم قام آخر وآخر فلما أكثروا عليه قال: كلمة حق يراد بها باطل، لكم عندنا ثلاث خصال: لا نمنعكم مساجد الله أن تصلوا فيها، ولا نمنعكم الفئ ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بحرب حتى تبدأونا به ! ! ! وأشهد لقد أخبرني النبي الصادق عن الروح الأمين، عن رب العالمين إنه لا يخرج علينا منكم فرقة (فئة (خ)) قلت أو كثرت الى يوم القيامة إلا جعل الله حتفها على أيدينا، وإن أفضل الجهاد جهادكم، وأفضل الشهداء من قتلتموه وأفضل المجاهدين من قتلكم ! ! ! فأعملوا ما أنتم عاملون، فيوم
[343]
القيامة يخسر المبطلون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون.
الحديث (12) من باب: قتال أهل البغي من كتاب الجهاد، من دعائم الإسلام: ج 1 ص 393، وقريبا من صدر الكلام رواه الطبراني في الأوسط كما في باب الحكم في البغاة والخوارج من مجمع الزوائد: ج 6 ص 242.
ومن خطبة له عليه السلام لما بلغه ماكان من أمر أبي موسى وعمرو بن العاص إني كنت (1) تقدمت اليكم في هذه الحكومة، ونهيتكم عنها فأبيتم إلا عصياني ! ! ! فكيف رأيتم عاقبة أمركم إذ أبيتم ؟ ! والله إني لأعرف من حملكم على خلافي والترك لأمري (2) ولو أشاء أخذه لفعلت، * (هامش) (1) كذا في النسخة، والسياق في حاجة الى حرف التنبيه: (ألا).
(2) قال المسعودي - أو بعض الروايات -: يريد بذلك أشعث بن قيس.
[344]
ولكن الله من ورائه، وكنت فيما أمرت به كما قال أخو بني خثعم (3).
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا الرشد إلا ضحى الغد (إلا) من دعا الى هذه الحكومة فإقتلوه - قتله الله - ولو كان تحت عمامتي هذه ! ! ! * (هامش) (3) وهو دريد بن الصمة، قال في أخبار دريد، من الأغاني: ج 10، ص 10 وفي ط ساسي: ج 9 ص 5: حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا عمر بن سعيد (كذا) عن أبي مخنف عن رجاله: إن عليا عليه السلام لما إختلفت كلمة أصحابه في أمر الحكمين، وتفرقت الخوارج وقالوا له: إرجع عن أمر الحكمين وتب وأعترف بأنك كفرت إذ حكمت.
ولم يقبل ذلك منهم وخالفوه وفارقوه، تمثل بقول دريد: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد أقول: ومنعجرج اللوى إسم مكان، واللوى - كإلى -: مال التوى وانعطف من الرمل، ومنعرجه: منعطفه يمنة ويسرة.
والقصيدة مذكورة في الحماسة وأولها: نصحت لعارض وأصحاب عارض ورهط بني السوداء والقوم سهد فقلت لهم: ظنوا بألف مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
[345]
إلا إن هذين الرجلين الخاطئين الذين إخترتموها حكمين قد تركا حكم الله، وحكما بهوى إنفسهما بغير حجة ولا حق معروف فأماتا ما أحيا (ه) القرآن وأحييا ما أماته، وأختلف في حكمهما كلامهما، ولم يرشدهما (الله) ولم يوفقهما، فبرئ الله منهما ورسول وصالح المؤمنين، فتأهبوا وأستعدوا للمسير، وأصبحوا في معسكركم (4) إنشاء الله تعالى.
مروج الذهب ج 2 قبيل قصة النهروان، ص 412 ط مصر، وفي ط بيروت ص 402.
وقريبا منها ذكره سبط إبن الجوزي في تذكرة الخواص ص 110، نقلا عن الشعبي وقال: لما فصل الحكمان عن دومة الجندل عزم علي على قتالهم فقام خطيبا فقال... ورواها ايضا في الحديث: 446 من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ط 1، ص 365، وفي المخطوطة: ج 1، ص 394.
وقريب منها في مناقب محمد بن يوسف بن محمد البلخي كما في تلخيصه ص 121.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) هذا هو الظاهر، وفي مروج الذهب: (وأصبحوا في عساكركم).
[346]
ومن خطبة له عليه السلام خطبها لما إستنهض الناس الى حرب معاوية وأهل الشام في المرة الثانية ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني قدس الله نفسه، عن محمد بن أبي عبد الله، وعن محمد بن يحيى جميعا رفعاه (1) الى أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام، إن أمير المؤمنين عليه السلام إستنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية، فلما حشد (حشر (خ ل)) الناس (2) قام خطيبا فقال: الحمد لله الواحد الأحد الصمد، المتفرد الذي لامن شئ كان، ولا من شئ خلق ماكان، قدرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وللخطبة شواهد عقلية ونقلية، وأسانيد نشير إليها عند ختام الخطبة.
(2) وفي بعض النسخ من كتاب التوحيد: (فلما إحتشد الناس).
يقال: (حشر الناس - من باب نصر - حشرا): جمعهم.
ومثله حشدهم حشدا.
ويقال: (حشد لقوم - من باب نصر وضرب - حشدا): دعوا فأجابوا مسرعين.
(حشدهم تحشيدا): جمعهم.
(أحشد القوم وتحشدوا وإحتشدوا وتحاشدوا): إجتمعوا لأمر واحد.
[347]
بان بها من الأشياء، وبانت الأشياء منه (3) فليست له صفة تنال، ولا حد يضرب له (فيه) الأمثال (4) كل دون صفاته تحبير اللغات (5) وضل هنالك تصاريف الصفات (6) وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير (7) وإنقطع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) قدرة المبتدء حذف خبره، أي قوله قدرة بأن بها من الأشياء.
أو خبر حذف مبتدوه أي هو قدرة بأن بها أي بنفسها من الأشياء، إذ صفات الثبوتية من العلم والقدرة عين الذات لله تعالى.
وقيل: (قدرة) منصوب على التمييز أو بنزع الخافض وحذفه أي ولكن خلق الأشياء قدرة أو بقدرة.
وفي كتاب التوحيد: (قدرته بأن بها من الأشياء ولعله أظهر، وعلى هذا (قدرته مبتدء (بان بها) خبره.
(4) أي ليس لمعرفة ذاته وصفاته تعالى حد ونهاية حتى يضرب له فيه الأمثال، إذ الأمثال إنما تصح إذا كان له مشابهة بالممكنات بإحدى هذه الوجوه والفرض إنه تعالى ليس كمثله شئ.
(5) كل: عجز وإعياء.
وتحبير: التزيين والتحسين.
والحبرة: المبالغة فيما وصف بن جميل.
(6) ظل: (ظ).
وهنالك أي في ذاته تعالى، أو في توصيفه بصفاته، أي لم يهتد إليه وصف الواصفين بأنحاء تصاريفهم وتعابيرهم عن الصفات.
(7) ملكوت: عالم الملك، وقد يخص بعالم الغيب والمجردات.
والملك بعالم الشهادة والماديات.
وأفكر وفكر وتفكر بمعنى واحد، أي تحير في إدراك حقائق ملكوته وخواصها وآثارها وكيفية نظامها وصدورها عنه تعالى الأفكار العميقة.
[348]
دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير (8) وحال دون غيبه المكنون حجب الغيوب (و) تاهت في أدنى أدانيها طامعات العقول في لطيفات الأمور (9).
فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم (10) ولا يناله غوص الفطن (11) وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود (12).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) الرسوخ: الثبوت، أي إنقطع جوامع تفسيرات المفسرين قبل الثبوت في علمه.
(9) دون غيبه: قبل الوصول الى غيبه: وتاهت: تحيرت.
والضمير في (أدانيها) راجع الى الحجب.
وطامحات العقول: الراقية المرتفعة منها.
(10) أي الهمم البعيدة المبغى عريضة المنتأ، والهمة: العزم الراسخ وبعدها: تعلقها بالأمور العلية دون محقراتها أي لا تبلغه النفوس ذوات الهمم البعيدة وإن أمنعت في الطلب، وإنما قدم الصفة للعناية بها.
(11) أي الفطن الغداصة، والفظن: جمع الفطنة - كحكم وحكمة -: الحذافة في الفهم والإدراك.
وإستعار وصف الغوص لتعمق الإفهام الثاقبة في مجاري صفات جلاله التي لاقرار لها ولا غاية، وفي إعتبار نعوت كماله التي لاحد لها ولا نهاية.
(12) وقت معدود أي الذي يدخل تحت العد والإحصاء.
والممدود أي الذي تمتد المدة إليه ولا تجاوزه.
ونعت محدود أي النعت الذي يقف عند حد وقدر، وإنما لم يكن نعته تعالى محدودا لأن منعوته غير محدود والنعت تابع للمنعوت.
[349]
وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفني، سبحانه هو كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، حد الأشياء كلها عن خلقه إياها أبانة لها من شبهها وإبانة من شبهها، فلم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن (13) ولم يخل منها فيقال له أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه، وإتقنها صنعه وأحصاها حفظه، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهواء، ولا غوامض مكنون ظلم الدجى (41) ولا ما في السماوات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) لم ينأ - من باب منع - لم يبعد.
وبائن: منقطع مفارق، يقال: (بان عنه - من باب باع - بينا وبيونا - كبيعا وبيوعا - وبينونة): إنقطع عنه وفارقه.
(14) لم يعزب عنه: لم يخف ولم يغب عنه.
والهواء: الفضاء والجو المحيط بالكسرات الذي لم يعلم منتهاه.
وخفيات غيوبه: ما خلق الله وأودعه فيه من الأسرار والحكم والمخلوقات الغير محصورة التي لوامع النجوم جزء منها، وما علم منها بالنسبة الى ما لم يعلم كالقطرة الى البحر.
وغوامض: جمع غامض ما أبهم وصعب إدراكه.
ومكنون: مستور.
وظلم: جمع ظلمة: ما لا نور له ليعرفه.
والدجى: جمع الدجية: الظلمة أو شدتها.
[350]
العلى، والأرضين السفلى، لكل شئ منها حافظ ورقيب، وكل شئ منها بشئ محيط، والمحيط بما أحاط منها (كذا) (هو الله) الواحد الأحد الصمد الذي لا تغيره صروف الأزمان، ولا يتكأده صنع شئ كان (15) إنما قال لما شاء أن يكون: كن فكان، إبتدأ ما خلق بلا مثال سبقوا ولا تعب ولا نصب، وككل صانع شئ فمن شئ صنع، والله لا من شئ صنع ما خلق، وكل عالم فمن بعد جهل تعلم والله لم يجهل ولم يتعلم.
أحاط بالأشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه (بها) بعد تكوينها (16).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) أي لم يشق عليه ولا يثقله صنع شئ وخلقه، والفعل من باب التفعيل، وكان الكلام على تقدير مضاف أي صنع أي شئ كان.
(16) وبهذا وأمثاله مما لا يحصى من الأخبار يرد ما فصله بعض الجهلة من إنه علمه تعالى بذات قديم وأما علمه بحوادث فغير قديم وإنما هو مقترن بحدوث الحادث ! ! !
[351]
لم يكونها لشدة سلطان (17)، ولا خوف من زوال ولا نقصان، ولا إستعانة على ضد مثاور (18)، ولا ند مكاثر، ولا شريك مكابر (مكائد (خ))، لكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون، (19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) وفي المختار: (60) من النهج: (لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان، ولا إستعانة على ند مثاور، ولا شريك مكاثر، ولاضد منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعبدا داخرون، لم يحلل في الأشياء فيقال: هو فيها كائن ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن لم يؤده خلق ما إبتدأ ولا تدبير ماذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيا قضى وقدر، بل قضاء متقن، وعلم محكم وأمر مبرم، المأمون مع النقم والمرهوب مع (النعم).
(18) وفي بعض نسخ الكافي: (على ضد منا و) وهو مخفف مناوئ - بالهمزة -: المعادي الذي يقوم بالعداء.
والمثاور: الذي يهيج ويتحرك ويثور على مخالفه.
(19) خلائق.
جمع خليقة: ما خلق الله.
ومربوبون: مملوكون تحت تربية سيد، مدبرون بتدبير مالك.
وداخرون: صاغرون ذليلون.
من قولهم: (دخر زيد - من باب منع وعلم - دحرا ودخورا): ذل وصغر.
وقد جاء بهذا المعنى في القرآن الكريم في الآية: (48) من سورة النحل، و (87) من النمل، و (18) من الصافات، و (60) من سورة غافر
[352]
فسبحان الذي لا يؤده خلق ما إبتدأ ولا تدبير ما برأ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق إكتفى (20) علم ما خلق، وخلق ما علم (21) لا بالتفكر، ولا بعلم حادث أصاب مما خلق (22)، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق، لكن قضاء مبرم، وعلم محكم وأمر متقن.
توحد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية، وإستخلص المجد والثناء فتمجد بالتمجيد، وتحمد بالتحميد، وعلا عن إتخاذ الأبناء،، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء، وعز وجل عن مجاورة الشركاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) لا يؤده - من باب قال - لا يثقله ولا يتعبه ولا يوقعه في كد، ومنه قوله تعالى في الآية: (255) من سورة البقرة: (ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم).
والفترة كقطرة - الضعف بعد القوة أو اللين بعد الشدة.
(21) أي إن علمه بمخلوقاته سيان قبل خلقهم وبعده.
وفي نسخة من الكافي (خلق ما علم، وعلم ما خلق (خ ل)).
(22) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (أصاب ما خلق).
[353]
فليس له فيما خلق ضد، ولا فيما ملك ند، ولم يشرك في ملكه أحد (هو) الواحد الأحد الصمد، المبيد الأبد، والوارث الأمد (23) الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور وبعد صرفالأمور الذي لا يبيد ولا يفقد (24) بذلك أصف ربي فلا إله إلا هو (لا إله إلا الله (خ ل)) من عظيم ما أعظمه وجليل ما أجله، وعزيز ما أعزه، وتعالى عما (مما خ ل) يقول الظالمون علوا كبيرا.
الحديث الأول من باب جوامع التوحيد - وهو الباب - (22) من كتاب التوحيد، من أصول الكافي: ج 1 ص 134، والخطبة مروية بطرق وأسانيد أخر يأتي بعضها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) وفي رواية الصدوق: (المبيد للأبد، والوارث للأمد).
أي المهلك المفني للدهر والزمان والزمانيات، والباقي بعد فناء الأمد أي الغاية والنهاية.
أو إمتداد الزمان.
(24) أي لا يفي ولا يغيب عن خلقه، يقال: (باد زيد من باب باع - بيدا): هلك، وباد الشمس بيودا: غابت.
ويقال:) فقد زيد - من باب ضرب - فقدا وفقودا): غاب.
[354]
قال الكليني رفع الله درجاته: هذه الخطبة من مشاهير خطبه عليه السلام حتى لقد إبتذله العامة (25) وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم ما فيها، فلو إجتمع السنة الجن والأنس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به - بأبي وأمي - ما قدروا عليه، ولولا إبانته عليه السلام ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد، ألا ترون الى قوله: (لا من شئ كان ولا من شئ خلق ماكان) فنفى بقوله: (لا من شئ كان) معنى الحدوث، وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والإختراع بال أصل ولا مثال نفيا لقول من قال: إن الأشياء محدثة بعضها من بعض.
وابطالا لقول الثنوية الذين زعموا إنه لا يحدث شيئا إلا من أصل ولا يدبر إلا بإحتذاء مثال ! ! فدفع عليه السلام بقوله: (لا من شئ خلق ماكان) جميع حجج الثنوية وشبههم لأن أكثر ما يعتمد (ه) الثنوية (26) في حدوث العالم أن يقولوا: لا يخلوا من أن يكون الخالق خلق الأشياء من شئ أو من لا شئ، فقولهم: (من شئ) خطأ، وقولهم (من لا شئ) مناقضة وإحالة لأن (من) توجب شيئا، و (لا شئ) تنفيه فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام هذه اللفظة على أبلغ الألفاظ وأصحها فقال: (لا من شئ خلق ماكان) فنفى (من) إذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(25) أي إشتهرت بينهم فأنها صارت مبتذلة لهم.
هكذا فسرها بعضهم.
(26) قال في المرآة: لعل المراد بالثنوية غير المصطلح من القائلين بالنور والظلمة، بل المراد القائلين بالقدم وإنه لا يوجد شئ إلا عن مادة، لأن قولهم بمادة قديمة إثبات لإله آخر إذ لا يعقل التأثير في التقديم.
[355]
كانت توجب شيئا، ونفى الشئ إذ كان كل شئ مخلوقا محدثا لا من أصل احدثه الخالق كما قالت الثنوية: إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبير إلا بإحتذاء مثال، ثم قوله عليه السلام: (ليست له صفة تنال، ولا حد له تضرب فيه الأمثال، كل دون صفاته تحبير اللغات)، فنفى عليه السلام أقاويل المشبهة حين شبهوه بالسبيكة والبلورة وغير ذلك من أقاويلهم من الطول والإستواء وقولهم: (متى ما لم تعقد القلوب منه على كيفية ولم ترجع الى إثبات هيئة لم تعقل شيئا، فلم تثبت صانعا).
ففسر أمير المؤمنين عليه السلام إنه واحد بلا كيفية وإن القلوب تعرفه بلا تصوير ولا إحاطة.
ثم قوله عليه السلام: (الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفتن، وتعالى الذي ليس له وقت معدود، ولا أجل ممدود، ولا نعت محدود).
ثم قوله عليه السلام: (لم يحلل في الأشياء فيقال: هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن) فنفى عليه السلام بهاتين الكلمتين صفة الإعراب والأجسام، لأن من صفة الأجسام التباعد والمباينة، ومن صفة الأعراب الكون في الأجسام بالحلول على غير مماسة، ومباينة الأجسام على تراخي المسافة.
ثم قوله عليه السلام: (ولكن أحاط بها علمه وأتقنها صنعه) أي هو في الأشياء بالإحاطة والتدبير وعلى غير ملامسة.
[356]
ومن خطبة له عليه السلام في إنباء الناس بخيانة الحكمين، وإعلامهم بإستعداد الحرب والمسير الى الشام قال البلاذري: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن أبي روى الهعمداني، عن عامر الشعبي.
وعن المعلى بن كليب، عن أبي الوداك جبر بن نوف.
و (عن) غيرهما قال لما هرب أبو موسى الى مكة، ورجع إبن عباس واليا على البصرة، وأتت الخوارج النهروان، خطب علي الناس بالكوفة فقال: الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل (1) وأشهد أن لا إله إلا الله، وإن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق المجرب تورث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ومثله في المختار: (33) من نهج البلاغة، والخطب - كضرب - الأمر المكروه.
والفادح: المثقل الذي يصعب تحمله.
والحدث - كفرس -: الأمر الحادث.
[357]
الحسرة وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين، وهذه الحكومة بأمري، ونخلت لكم رأيي (2) لو يطاع لقصير رأي (3) ولكنكم أبيتم إلا ما أردتم، فكنت (أنا) وأنتم كما قال أخو هوازن (4): أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) أي بذلت وإخترت لكم رأيي صافيا غير مشوب بكدر وخطأ وزلة، وفي الكلام تشبيه بديع حيث شبه عليه السلام نفسه القديسة بمنخل أو غير بال ينخل الدقيق أو الحبوب فيصفيهما عما إختلط بهما، من النخالة أو الحبوب الضارة أو الرمل والتراب.
يقال: (نخل الدقيق - من باب نصر - نخلا): غربله وأزال نخالته.
ونخل الشئ: إختاره وصفاه.
ونخل الود لفلان: أخلصه له.
(3) وهذا من أمثلة العرب الشائعة يضرب لمن يبذل غاية جهده في نصح غيره وهو لا يقبل منه و (قصير) هذا هو صاحب جذيمة الأبرش وكان قتل أبا الزباء ملكة الجزيرة ثم إنها كاتبته بعد ذلك ودعته الى زواجها فإستشار أهل نصحه في المسير إليها فنهاه عنه قصير فخالفه وقصدها إجابة لدعوتها الى زواجه فلما ورد عليها قتله فقال قصير: (لا يطاع لقصير أمر) فذهب مثلا.
(4) وهو دريد بن الصمة، وأبياته هذه مذكورة في الحماسة وبعدها: فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم أو أنني غير مهتد وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
[358]
إلا إن الرجلين الذين أخترتموهما حكمين قد نبذ حكم الكتاب وراء ظهورهما، وارتأيا الرأي قبل أنفسهما (5) فأماتا ما أحيا (ه) القرآن، وأحييا ما أمات القرآن، ثم إختلفا في حكمهما فكلاهما لا يرشد ولا يسدد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، فأستعدوا للجهاد، وتأهبوا للمسير، وأصبحوا في معسكركم يوم الإثنين إنشاء الله.
(ثم نزل عليه السلام عن المنبر وكتب الى الخوارج) قال البلاذري: حدثني وهب بن بقية، عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز (قال: لما) أجمع علي على إتيان صفين (في المرة الثانية) كتب الى الخوارج: أما بعد فقد جاءكم ما كنتم تريدون، قد تفرق الحكمان على غير حكومة ولا إتفاق فإرجعوا الى ما كنتم عليه، فإني أريد المسير الى الشام.
فأجابوه - (أخزاهم الله) -: إنه لا يجوز لنا أن نتخذك إماما وقد كفرت حتى تشهد على نفسك بالكفر، وتتوب كما تبنا، فإنك لم تغضب لله إنما غضبت لنفسك، * (هامش) (5) إرتأيا الأمر: دبراه ونظرا فيه من قبل أنفسهما لا بحكومة القرآن.
[359]
ثم كتب عليه السلام إلى بن عباس وسائر الولاة لحشر الناس إليه ووفودهم عليه ليذهب بهم إلى حرب معاوية ! الحديث (436) من أنساب الأشراف: ج 1 - الورق 197 - أو ص 394، وفي المطبوع: ج 2 ص 365 وللخطبة مصادر كثيرة ومن خطبة له عليه السلام لما وقف على جواب الخوارج ويأس منهم قال إبن قتيبة: (1) فلما رأى علي كتاب الخوارج أيس منهم، ورأى أن يدعوهم وعظي بالناس الى معاوية وأهل الشام فيناجزهم، فقام خطيبا فحمد الله أثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن من ترك الجهاد وأدهن في أمر الله كان على شفا هلكة إلا أن يتداركه الله برحمته (2) فاتقوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورواها أيضا الطبري مسندة وقال إنه عليه السلام خطب بها بالخيلة.
(2) أي بأن يتوب ويتدارك ما فرط به، أو بأن يصفح الله عن جرمه ويغفر له.
وقوله عليه السلام: (على شفا هلكة) أي على شرف الهلاكة وشفيرها، و (شفا) على زنة عصى -: حد الشئ وطرفه.
[360]
الله عباد الله، (و) قاتلوا من حاد الله وحاول أن يطفئ نور الله ! ! ! قاتلوا الخاطئين القاتلين لأولياء الله، المحرفين لدين الله ! ! ! الذين ليسوا بقراء الكتاب، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء بالتأويل، ولا لهذا الأمر بأهل في دين ولا سابقة في الإسلام، ووالله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بعمل كسرى وقيصر (3) فسيروا وتأهبوا للقتال، وقد بعثت لإخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم، فإذا قدموا وإجتمعتم شخصنا إنشاء الله.
الإمامة والسياسة: ج 1 ص 144، ورواها ايضا الطبري في تاريخه: ج 4 ص 57 عن أبي مخنف عن المعلى بن كليب عن جبر بن نوف أبي الوداك... وسنذكرها بلفظه إنشاء الله تعالى.
وقريب منها ايضا ذكرها الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي في مناقبه كما في تلخيصه ص 122.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي من الذين لا يدينون بدين الحق ولا يرجعون لله وقارا، ويأسوا من المعاد كما يأس الكفار من أصحاب القبور، ويتحكمون على العباد بالشهوات، ويتسيطرون على البلاد بالجبروت ويحكمون فيها بحكم الطاغوت.
وكسرى كان لقبا لكل من يملك ملوكية إيران، كما إن قيصر كان لقبا لكل من يحوز سلطنته الروم
[361]
قال البلاذري - في الحديث (371) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف ج 1 / الورق 186 أو ص 372 ومن المطبوع ج 2 ص 300 -: حدثني أبو مسعود الكوفي عن إبن عوانة بن الحكم، عن أبيه قال: وكتب علي (عليه السلام) الى عماله في القدوم عليه وإستخلاف من يثقون (به) وكتب الى سهل بن حنيف في القدوم (عليه وولى مكانه قثم بن العباس بن عبد المطلب الى ماكن يلي من مكة.
وقريب منه رواه ايضا في كتاب الأخبار الطوال ص 165.
ومن خطبة له عليه السلام لما قدم عليه بالنخيلة ثلاثة آلاف ومأتا رجل (1) من جيش البصرة مع الأحنف إبن قيس وجارية بن قيامة أو أبي الأسود الدؤلي رحمهم الله قال ابن قتيبة: فلما رأي علي إنه إنما قدم عليه من أهل البصرة ثلاثة آلاف ومأتا رجل، جمع إليه رؤساء الناس وأمراء الأجناد ووجوه القبائل، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على الحق، ومجيبي الى جهاد المحلين، بكم أضرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي مروج الذهب: إنه أتاه من البصرة عشرة آلاف
[362]
المدبر، وأرجو إتمام طاعة المقبل، وقد بعثت الى اهل البصرة فإستنفرتهم، فلم يأتني غير ثلاثة آلاف ومأتين، فأعينوني بمناصحة سمحة خلية من الغش (2) وإني آمركم أن يكتب إلي رئيس كل قوم منكم ما في عشيرته من المقاتلة وأبنائهم الذين أدركوا القتال، والعبدان والموالي وأرفعوا ذلك إلي ننظر فيه إنشاء الله.
فقام سعيد بن قيس الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة، وودا ونصيحة، أنا أول الناس، وأول من أجابك بما سألت وطلبت.
ثم قام عدي ابن حاتم، وحجر بن عدي، وأشراف القبائل فقالوا: نحن كذلك، ثم كتبوا ورفعوا الى علي، فكان جميع ما رفعوا إليه اربعين الف مقاتل وسبعة عشر الفا من الأبناء، وثمانية آلاف من عبيدهم ومواليهم وكانت العرب يومئذ سبعة وخمسين الفا من أهل الكوفة ومن مماليكهم ومواليهم ثمانية آلاف، ومن أهل البصرة ثلاثة آلاف ومأتا رجل.
الإمامة والسياسة: ج 1 ص 145، وقريبا منه جدا ذكره الطبري في تاريخه: ج 4 ص 587 مسندا، ولكن في متنه سقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) أي بمناصحة تجودون بها، وتسخوا أنفسكم ببذلها خالية عن الغش وهي - بكسر الغين -: الخيانة
[363]
ومن خطبة له عليه السلام لما سمع الناس يقولون: لو سار بنا أمير المؤمنين الى الخوارج فإذا فرغنا منهم ذهب بنا الى الشام واتلفئة الباغية.
أما بعد فقد بلغني قولكم: لو إن أمير المؤمنين سار بنا الى هذه الخارجة التي خرجت علينا فبدأنا بهم.
إلا إن غير هذه الخارجة أهم على أمير المؤمنين، سيروا الى قوم يقاتلونكم كيما ما يكونون في الأرض جبارين ملوكا، ويتخذهم المؤمنون اربابا، ويتخذون عباد الله خولا، ودعوا ذكر الخوارج (1).
* هامش) * (1) ومثل هذا يجئ ايضا في المختار التالي وهو المستفاد من قرائن الأحوال، دون ما يأتي عن أبي داود، وعبد الله بن أحمد من إنه عليه السلام قال: إن الخوارج أقرب العدو اليكم وإن تسيروا الى عدوكم (معاوية وأهل الشام) أخاف أن يخلفكم هؤلاء في أعقابكم... اللهم إلا أن يحمل كلامه =
[364]
فنادى الناس من كل جانب: سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت، فنحن حزبك وأنصارك، نعادي من عاداك ونشايع من أناب اليك والى طاعتك فسر بنا الى عدوك كائنا من كان (2) فبايعوه الى التسليم والرضاء، وشرط عليهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه رجل من خثعم (3) فقال له علي: بايع على كتاب الله وسنة نبيه.
قال: لا ولكن أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسنة أبي بكر وعمر، فقال علي: وما يدخل سنة أبي بكر وعمر مع كتاب الله وسنة نبيه ؟ ! إنما كانا عاملين بالحق حيث عملا (4) فأبا الخثعمي إلا سنة أبي بكر وعمر، وأبى علي أن يبايعه إلا على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال له حيث الح عليه: تبايع ؟ قال: لا إلا على ما ذكرت لك فقال له علي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عليه السلام المروي بهذا النمط على إنه عليه السلام قاله في آخر الأمر بعدما أبدا هذا المعنى بعض أصحابه وأصر آخرون على ذكر، فما هنا كان عليه السلام قاله في أول الأمر وكان مصرا عليه أولا، وما رواه أبو داود وغيره كان في آخر الأمر.
(2) من هنا خذفنا تتمة ماقاله أصحابه: قريبا من خمسة أسطر.
(3) وفي الطبري: فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي، وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم... (4) أي في المورد الذي عملا بالحق لا مطلقا، فلا يصح أخذ المسير على سيرتهما بنحو الإطلاق في البيعة، وأما المورد الذي عملا بالحق فيغني البيعة على كتاب الله وسنة نبيه عن سيرتهما، فإشتراط المسير على سنتهما باطل أو لغو.
[365]
أما والله لكأني بك قد نفرت في هذه الفتنة، وكأني بحوافر خيلي قد شدخت وجهك ! ! ! فلحق بالخوارج فقتل يوم النهروان، قال قبيصة: فرأيته يوم النهروان قتيلا قد وطأت الخيل وجهه وشدخت رأسه ومثلت به فذكرت قول علي وقلت: لله در أبي الحسن ! ما حرك شفتيه قط بشئ إلا كان كذلك ! ! ! الإمامة والسياسة: ج 1 ص 145، وقريبا منه جدا ذكره الطبري مسندا فز تاريخه: ج 4 ص 54، وقريبا من صدر الكلام رواه أيضا الحافظ محمد ابن يوسف بن محمد البلخي في مناقبه كما في تلخيصه ص 123.
ومن خطبة له عليه السلام لما نزل الأنبار والتأمت إليه العساكر قال المسعودي: إنفصل علي (عليه السلام) من الكوفة في خمسة وثلاثين الفا، وأتاه من البصرة من قبل ابن عباس - وكان عامله عليها - عشرة آلاف فيهم الأحنف بن قيس، وجارية بن قدامة السعدي (1) وذلك في سنة ثمان وثلاثين فنزل علي الأنبار، والتأمت إليه العساكر، فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (حارثة بن قدامة...)
[366]
سيروا الى قتلة المهاجرين والأنصار قدما (2) فإنهم طالما سعوا في إطفاء نور الله وحرضوا على قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه ! ! ! إلا أن رسول الله أمرني بقتال القاسطين وهم هؤلاء الذين سيرنا إليهم (3) والناكثين وهم هؤلاء الذين فرغنا منهم، والمارقين ولم نلقهم بعد، فسيروا الى القاسطين فهم أهم علينا من الخوارج، سيروا الى قوم يقاتلونكم كيما يكونو جبارين يتخذهم الناس اربابا ! ! ! ويتخذون عباد الله خولا، وما لهم دولا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) أي في قديم الأيام وما سلف من أوائل أيامهم.
(3) هذا هو الظاهر.
وفي الأصل: (وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم...).
وهذا المضمون قد تواتر عنه عليه السلام، والمراد من القاسطين هم معاوية وأتباعه الفئة الباغية، من قولهم: (قسط قسطا - من باب ضرب - وقسوطا): جار وعدل عن الحق، ومنه قوله تعالى في سورة الجن: (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا).
وأما الناكثون فهم أصحاب الجمل، وأما المارقون فهم الخوارج، وقد وردت أخبار متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله بأن عليا يقاتل الفرق الثلاث وفسرهم ايضا بما تقدم.
(4) دول - بضم الدال وكسرها - جمع الدولة: يتداول ما فيكون مرة لهذا ومرة لذاك فتطلق على المال والمقام من الرئاسة والقيادة وغيرهما والخول -: جمع الخولي -: العبيد والإماء.
[367]
ومن كلام له عليه السلام دار بينه وبين بعض المنجمين من العرب
قال البلاذري حدثني وهب بن بقية، عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن مجلز إن عليا (عليه السلام) نهى أصحابه أن يسطوا على الخوارج حتى يحدثوا حدثا (1) وبعث الى الخوارج أن سيروا الى حيث شئتم ولا تفسدوا في الأرض فإني غير هائجكم ما لم تحدثو حدثا.
فساروا حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وبعده في النسخة هكذا: (فمرو بعبد لله بن خباب فأخذوه، فمر بعضعهم بتمرة ساقطة من نخلة فأخذها واحد (منهم) فأدخلها فمه، فقال بعضهم بما إستحللت هذه التمرة ؟ فالقاها من فيه، ثم مروا بخنزير فقتله بعضهم فقالوا له: بما إستحللت قتل هذا الخنزير وهو (لشخص) معاهد ؟ ! فقال: لهم إبن خباب إلا أدلكم على من هو أعظم حرمة من الخنزير ؟ قالوا: من هو ؟ قال: أنا.
فقتلوه فبعث علي إليهم: إبعثوا الي قاتل ابن خباب.
فقالوا: كلنا قتلته.
فأمر بقتالهم.
[368]
أتوا النهروان وأجمع علي علي إتيان صفين (2) وبلغ معاوية فسار حتى أتى صفين، وكتب علي الى الخوارج بالنهروان: أما بعد فقد جاءكم ما كنتم تريدون، قد تفرق الحكمان على غير حكومة ولا إتفاق، فأرجعو الى ما كنتم عليه فإني أريد المسير الى الشام.
فأجابوه: إنه لا يجوز لنا أن نتخذك إماما وقد كفرت حتى تشهد على نفسك بالكفر وتتوب كما تبنا، فإنك لم تغضب لله إنما غضبت لنفسك ! ! ! (3).
فلما قرأ جواب كتابه إليهم يأس منهم فرأى أن يمضي من معسكره بالنخيلة (الى الشام) وقد كان عسكر حين جاء (ه) خبر الحكمين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) يعني به الشام، إذ لم يكن لأمير المؤمنين عليه السلام أرب في صفين.
وفي الرواية المتقدمة عن البلاذري، عن عبد الله بن صالح، عن يحيى بن آدم، عن رجل عن مجالد، عن الشعبي: (فأرسل إليهم علي أن إبعثوا الي بقاتل ابن الحرث، وإبن خباب حتى أترككم وأمضي الى الشام فأبوا وقالوا: كلنا قتلته.
(3) وفي رواية المتقدمة عن البلاذري عن رجاله عن الشعبي: قال: فلما تفرق الحكمان كتب علي (عليه السلام) إليهم وهم مجتمعون بالنهروان: (إن الحكمين تفرقا على غير رضا، فإرجعوا الى ما كنتم عليه وسيروا بنا الى الشام للقتال).
فأبوا ذلك عليه وقالوا: لا حتى تتوب وتشهد على نفسك بالكفر ! ! ! فأبى (عليه السلام) ذلك.
[369]
وكتب إلى أهل بصرة في النهوض معه، فأتاه الأحنف بن قيس في ألف و خمسمأة، وأتاه جارية بن قدامة في ثلاثة آلاف - ويقال: إن ابن قدامة جاء في خمسة آلاف.
ويقال: في أكثر من ذلك - فوافوه (ظ) بالنخيلة، فسار بهم على إلى الأنبار، وأخذ على قرية شاهى ثم على دباها من الفلوجة، ثم إلى دمما.
وكان الخوارج الذين قدموا من البصرة مع مسعر بن فدكي استعرضوا الناس في طريقهم (4) فإذاهم برجل يوسق بامرأاته على حمار له.
فذعروه وانتهروه ورعبوه وقالوا له: من أنت ؟ فقال: رجل مؤمن.
قالوا: فما اسمك.
قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكفوا عنه ثم قالوا له: ما تقول في علي ؟ قال: أقول: إنه أمير المؤمنين وإمام المسلمين.
وقد حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل، فيصبح مؤمنا " ويمشي كافرا "، ويمشي مؤمنا " ويصبح كافرا ".
فقالواله: والله لنقتلنك قتلة ما قتل بها (ظ) أحد ! ! ! وأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وفي الرواية المتقدمة عن البلاذري بإسناده المتقدم عن الشعبي قال: (وكان مسعر بن فدكي توجه إلى النهروان في ثلاث مأة من المحكمة - وساق قصة إلى أن قال -: ولقوا عبد الله بن خباب بن الأرت ومعه أم ولدله يسوق بها، فأخذوه وذبحوه وأم ولده...)
[370]
متم حتى نزلوا تحت مواقير (5) فسقطت رطبة منها فقذفها بعضهم في فيه، فقال له رجل منهم: أبغير حلها ولاثمن لها ؟ ! فألقاها من فيه واخترط سفيه وجعل يهزه فمر به خنزير لذمي فقتله بسيفه، فقال له بعض أصحابه: إن هذا لمن الفساد في الأرض ! ! ! فطلب صاحب الخنزير حتى أرضاه ! ! ! فقال ابن خباب: لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع إني لأمن من شركم.
فجاؤا به فأضجعوه على شفير نهر وألقوه على الخنزير المقتول فذبحوه عليه فصار دمه مثل الشراك قدامذ في الماء (6) وأخذوا امرأته فبقروا بطنها وهي تقول: أما تتقون الله ؟ ! وقتلوا ثلاث نسوة كن معها ! ! ! فبلغ عليا " خبر ابن خباب وامرأته والنسوة، وخبر سوادي لقوه بنفر (7)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) أي كثير الحمل من قولهم: (أوقرت النخلة): كثر حملها، فهي موقرة بفتح القاف وكسرها.
(6) قال في مادة: (ذمقر) من لسان العرب: اذمقر اللبن وامذقر: تقطع.
والأول أعرف، وكذلك الدم.
ورواه أيضا " في شرح المختار (36) من نهج البلاغة: ج 2 ص 269 عن كتاب صفين لابن ديزيل وفيه: (ما أمذقر) (أي ما اختلط بالماء) وكأنه أظهر.
(7) نفر - على زنة قنب - اسم قرية، وروى المسعودي في سيرة عمربن عبد العزيز من مروج الدهب: ج 3 ص 191، عن عباد بن عبد الله المهلبي، عن محمد بن الزبير الحنظلي، أن عمر بن عبد العزيز قال في محاجته مع الخوارج: فهل علمتم أن أهل البصرة خرجوا إليهم (أي إلى الخوارج من أهل الكوفة) مع الشيابفي، وعبد الله بن وهب الراسبي وأصحابه -
[371]
فقتلوه، فبعث علي إليهم الحارث بن مزة العبدى يتعرف حقيقة ما بلغه عنهم، فلما أتى النهروان وقرب منهم خرجوا إليه فقتلوه، وبلغ ذلك عليا " ومن معه، فقالوا له: ما تركنا هولاء يخلفونا في أموالنا وعيالاتنا ما نكره ؟ ! سربنا إليهم، فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل المغرب فإن هولاء أحصر عداوة وأنكى حدا " (8).
وقام الأشعث بن قيس فكلمه بمثل ذلك، فنادى علي بالرحيل (إلى النهروان لتنكيل الخوارج) فأتاه مسافرين عفيف الأزدي فقال، يا أمير المؤمنين لا تسرفي هذه الساعة (فإني حشيت أنلا تظفر بمرادك) فقال له (علي عليه السلام) ولم ؟ أتري ما في بطن هذه الفرس /.
قال: إن نظرت علمت.
فقال (له) علي (عليه السلام): إن من صدقك في هذا القول يكذب بكتاب الله، لأن الله يقول في كتابه: (إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- استعرضوا الناس يقتلونهم ؟ ولقوا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه وقتلوا جاريته، ثم صجبوا حيا " من أحياء العرب فاستعرضوهم فقتلوا الرجال والنساء والأطفال ! ! ! حتى جعلوا يلقون الصبيان في قدور الأقط وهي تفور ؟ ! ! (8) يقال: (نكى العدو - من باب رمى - وفي العدو نكاية، ونكأه - من باب منع - ومهموزا " - نكاءا "): قتل فيهم وجرح وأثخن.
[372]
ماذا تكتسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت) (34 لقمان: 31) وتكلم في ذلك بكلام كثير وقال: لئن بلغني أنك تنظر في النجوم لأخلدنك في الحبس مادام لي سلطان، فوالله ماكان محمد منجما ولا گاهنا.
أو كما قال (كذا).
(ثم قال لأصحابه: سيروا على اسم الله) (9).
الحديث (437) من ترجمة أمير المؤمنين من كتاب أنساب الأشراف ج 1 الورق 197 / أو ص 395 وقريبا " منه رواه في المختار (76) من نهج البلاغة ورواه أيضا " في شرح المختار: (36) من النهج: ج 2 ص 269، عن كتاب صفين لا بن ديزيل، ورواه أيضا " الطبري في تاريخه: ج 4 ص 60 بسند آخر، ولكن لم يذكر كلامه عيه السلام في الذيل.
ورواه أيضا " في الحديث الأخير، من المجلس: (64) من أمالي الصدوق ص 197، وأشار إليه أيضا " في مادة: (حيق) من النهاية ورواه أايضا " الحافظ محمد بن يوسف بن محمد البلخي في مناقبه كما في تلخيصه ص 124
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) مابين المعقوفين مأخوذ من مصادر أخر غير أانساب الأ شراف.
[373]
وقال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن عبد الملك ابن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل قال: أخير في زيد بن وهب الجهني انه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه السلام، الذين ساروا إلى الخوارج (قال) فقال علي (عليه السلام): أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن ليست قراءتكم إلى قراء تهم شيئا "، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا "، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا "، يقرؤن القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لاتجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) ! ! ! لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك ان فيهم رچلا له عضد وليست له دراع على عضده مثل جلمة الثدي عليه شعرات بيض ! ! ! أفتدهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هولاء يخلفونكم في ذرايكم وأموالكم ؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا في شرح الناس (10) فسيروا على اسم الله (11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) قد تقدم أن هذا الكلام مما أبداه أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
(11) وبعده في سنن أبي داوود السجستاني هكذا.
قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا حتى مر بنا على قنطرة، قال فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسي فقال لهم: القوا الرماح وسلوا السيوف من حفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروواء.
قال: فوحشوا برماحهم واستلوا السيوف وشجرهم الناس =
[374]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= برماحهم - قال - وقتلوا بعضهم على بعض.
قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان فقال علي (عليه السام): التمسوما فيهم المخدج، (فالتمسوه) فلم يجدوا قال: فقام علي رضي الله عنه بنفسه تى أتى ناسا " قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخر جوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر (علي) وقال صدق الله وبلغ رسوله.
فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين والله الذي لاااله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إي والله الذي لا اله إلا هو.
حتى استحلفه ثلاثا " وهو يحلف.
آخر كتاب السنة من سنن أبي داود: ج 2 ص 545 وفيه في الموضوع أخبار أخر هذا أطولها.
ورواه مثله في الباب (39) من كفاية الطالب ص 176، قال: أخبرنا محمد ابن سعيد بن الحازن ببغداد، أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر، عن أحمد بن علي، عن الحافظ أبي عبد الله، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي عبد الرزاق... ورواه أيضا " مسلم في صحيحه والحاكم في مستدر كه كما في الحديث: (225) من فرائد المسي ين، ورواه أيضا " في الحديث: (706) في مسند أأمير المؤمنين من مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 91 ط 1، وفي ط 2 ج 2 ص، 9 عن أحمد بن جميل عن يحى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن عبد الملك ابن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب...
[375]
ومن كلام عليه السلام في الاحتاج على الخوارج قال البلاذري (1) حدثنا شريح بن يونس، حدثنا اسماعيل بن علئ، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس - كان مع الخوارج ثم فارقهم - انهم دخلوا قرئ فخرج عبد الله بن خباب مذعورا "، فقالوا: ءأنت ابن صاحب رسول الله ؟ فهل سمعت عن أبيك عن رسول الله حديثا " ؟ قال: نعم سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والماشي خير من الساعي، فإذا أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.
قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك عن رسول الله ؟ قال: نعم.
فقدموه فقتلوه فسال دمه حتى كانه شراك نعل امدقر في الماء (2) وبقروا بطن أم ولده ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورواه ايضا " ابن سعد في ترجمة عبد الله بن خباب من الطبقات الكبرى: ج 5 ص 245 قال: أخبرنا اسماعيل ابن ابراهيم، عن أيوب بن حميد بن هلال... ورواه أيضا " - إلى قوله: وبقروا بطن أم وولده - الطبري في تاريخه: ج 4 ص 60 قال: حدثني يعقوب. قال حدثني اسماعيل، قال: أخبرنا أيوب.
(2) تقدم أن الحديث رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار: (36) من النهج ج 2 ص 269 نقلا عن كتاب صفين لا بن ديزيل وفيه: ما أمدقر (أي ما احتلط بالماء).
[376]
وأنى علي المدائن وقد قدمها قيس بن سعد بن عبادة وكان علي قدمه إليها، ثم أنى عليي النهروان فيعث إلى الخوارج أن أسلموا لنا قتلة ابن خباب ورسولي والنسوة (3) لأقتلم ثم أنا تارككم إلى فراغي من أهل المغرب فلعل الله يقبل بقلوبكم ويردكم إلى ما هو خير لكم وأملك بكم فبعثوا إليه أنه ليس بيننا وبينك إلا اليسف إلا أن تقر بالكفر وتتوب كما تبنا ! ! ! فقال علي (عليه السلام): أبعد جهادي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيماني أشهد على نفسي بالكفر ؟ لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ! ! ! ثم قال (عليه السلام) (4): يا شاهد الله علي فاشهد آمنت باللله ولي أحمد من شمك في الله فإني معتد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) ولم يذكر قبل في هذه الرواية إلا ام ولده، فهذه الكلمة إما زائدة أو محرفة أو أن قتل النسوة بيد الخوارج قد سقط قبل ذلك.
ويحتمل قويا " أن يكون من قوله: (وقد أنى على المدي ن) إنى آخره من تتمة الروايات السابقة.
(4) وقريبا " منه جدا " ذكرناه في باب الدال من ديوانه عليه السلام نقلا " عن كامل المبرد ج 3 ص 189
[377]
وكتب (عليه السلام) إليهم (5).
أما بعد فإني أذكركم الله أن تكونوا من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا " بعد أن أخذ الله ميثاقكم على الجماعة، وألف بين قلوبكم على الطاعة وأن تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات.
وذعاهم إلى تقوى الله والبر ومراجعة الحق (6).
قالوا: وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال: يا عباد الله أخرجوا إلينا طلبيتنا وانهضو إلى عدوكم وعدونا معا ".
فقال له عبد الله بن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابيعكم أبدا " أو تأتونا بمثل عمر ! ! ! فقال: والله ما نعلم على الأرض مثل عمر إلا أن يكون صاحبنا!!! وقال لهم علي: يا قوم إنه قد غلب...
إلى آخر ما يأتي من كلامه عليه السلام.
ذنابة فيها كرامة واخبار عيبية لأمير المؤمنين عليه السلام.
قال الخطيب - في ترجمة جندب بن عبد الله الأزدي تحت الرقم: (3740) من تاريخ بغداد: ج 7 ص 249 -: أخبرنا ولادبن علي الكوفى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) منه يعلم چن ما ذكر قبله لم يكن عن مشافهة منهم في هذه المرة.
(6) وقد أسقطنا بعده ما أجابه ابن وهب في جواب كتابه عليه السلام.
[378]
أخبرنا محمد بن علي بن دحيم الشيبافي، حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا أحمد ابن عبد الرحمان - يعني ابن أبي ليلى - حدثنا سعيد بن خيثم، عن القعقاع ابن عمارة، عن أبي الخليل، عن أبي السابغة، عن جندب الأزدي قال: لما عدلنا إلى الخوارج - ونحن مع علي بن أبي طالب - فانتهينا إلى معسكرهم فإذا " لهم دوي كدوي النحل، من قراءة القرآن - وفيهم ذو الثفنات وأصحاب البرانس (7) وساق الحديث إلى أن قال (8): - ثم قام علي فأمسكت له بالركاب ثم عدلت إلى درعي فلبستها، وإلي فرسي فركبته وأخذت رمحي وسرت معه حتى إذا نظر إلى رابية قال: يا جندب ترى تلك الرابية ؟ قال: قلت نعم يا أمير المؤمنين.
قال: بإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أنهم يقتلون عندها.
وذكربفية الحديث.
أقول: ورواه ايضا " الطيراني في كتاب الأوسط بإسناده عن أبي السابغة.
عن جندب قال: لما فارقت الخوارج عليا " (عليه السلام) خرج في طلبهم وخرجنا معه فانتهينا إلى عسكر القوم وإذا " لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن.
وإذا " فيهم أصحاب الثفنات وأصحباب البرانس فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة (كذا) فتنحيت فركزت رمحي ونزلت عن فرسي ووضعيت برنسي فنثرت عليه درعي وأخذت بمقود فرسي فقمت أصلي إلى رمحي وأنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) ذوالثقنات هو عبد الله بن وهب الراسبي، أو أعم منه لأن كثيرا " منهم - أخزاهم الله - كان في جباههم مثل ثفنة البعير من أثر السجود.
(8) ياليت أنه ذكرتمام الحديث ولم يبخل بذكر الحقائق.
[379]
أقول في صلاتي: اللهم إن كان قتال هولاء القوم لك طاعة فائذن لي فيه وإن كان معصية فأرني براءتك.
قال: فأنا كذلك إذا أقبل علي بن أبي طالب على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاذا ني قال: تعوذ بالله يا جندب من شر الشك ! ! ! (قال جندب:) فجئت أسعى إليه، ونزل فقام يصلي إذ أقبل رجل على برذون يقرب به فقال: يا أمير المؤمنين.
قال: ما تشاء ؟ قال: ألك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذلك ؟ قال: قد قطعوا النهر فذهبوا.
قال علي: ما قطعوه ! ! ! قلت: الله أكبر.
ثم جاء آخر يستحضر بفرسه فقال: يا أمير المؤمنين.
قال: ما تشاء ؟ قال: ألك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذالك ؟ قال: قد قطعوا النهر.
قال: ما قطعوه ولا يثطعوه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله ! ! ! قلت ألله أكبر، ثم قمت فأمسكت له بالركاب فركب فرسه ثم رجعت إلى درعي فلبستها وإلى قوسي فعلقتها وخرجت أسايره فقال لي: يا جندب.
قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أما أنا فأبعث إليهم رجلا " يقرأ المصحف (و) يدعو (هم) ألى كتاب ربهم وسنة نبيهم فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل ! ! ! يا جندب چما چنه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرء ! ! ! (قال جندب:) فانتهينا إلى القوم وهم في معسكرهم الذي كانوا فيه لم يبرحوا.
فنادي علي في أصحابه فصفهم ثم أتى الصف من رأسه ذا إلى رأسه ذا مرتين وهو يقول: من يإخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هولاء القوم فيدعوهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم وهو مقتول وله الجنة ؟ ! فلم يجبه
[380]
إلا شاب من بني عامر بن صعصعة ! ! ! فلما رأي علي حداثة سنة قال له: إرجع إلى موقفك ! ! ! ثم نادي الثانية فلم يخرج إليه إلا ذلك الشاب ! ! ! ثم نادي الثالثة فلم يخرج إليه إلا ذلك الشاب ! ! ! فقال له علي: خذ (المصحف) فأخذ المصحف فقال له: أما إنك مقتول ولست مقبلا علينا بوجهك حتى يرشقوك بالنبل ! ! ! فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم فلما دنا منهم حيث يسمعون قاموا ونشبوا الفتي قبل أن يرجع، فرماه إنسان فأقبل علينا بوجه ه فتعد فقال علي: دونكم القوم، قال جندب: فقتلت بكفي هذه بعد ما دخلني ما كان دخلني ثمانية قبل أن أصلي الظهر، وما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة كما قال (علي عليه السلام) ! ! ! هكذا رواه عنه مجمع الزوائد ج 6 ص 242 وقال: رواه الطبراني في الاوسط من طريق أبي السابغة عن جندب، ولم أعرب أبا السابغة وبقية رجاله ثقات.