[419]

ومن كلام له عليه السلام لما أرد الرحيل عن النهروان

قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن ابن قبيس، أنبانا وأبو منصور ابن خيرون، أنبانا أبو بكر الخطيب (1)، أحبرني أبو القاسم الأزهري، أنبانا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، أنبانا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحرير، أنبانا أحمد بن الحرث الحرار، أنبانا أبو الحسن المداثني عن شيوخه الذي يروي عنهم خبر النهروان قال: (أمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الناس) (2) بالرحيل - يعني بعد فراغه من قتال الحروية - وقال لا صحباه: قد أعركم الله وأذهب ما كنتم تخافون، فامضوا من وجهكم هذا إلى الشام.

فقال الأشعث: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا ونصلت أسنة زماحنا، فلو أتينا مصرنا حتى نستعد ثم نسير إلى عدونا، فركن الناس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذكره في ترجمة الأشعث بن قيس من تاريخ بغداد: ج 1، ص 197.

(2) مابين المعقوفين قد سقط من نسختي من تاريخ دمشق ولا بد منه.

 

[420]

إلى ذلك، فسار علي يريد الكوفة فأخذ على المدائن حتى انتهى (إلى) النخيلة فنزلها.

وساق بقية الحديث.

ترجمة الأشعث بن قيس من تاريخ دمشق: ج 6 ص 104 / أو 1138.

ومن خطبة له عليه السلام بعد إخماد شوكة المارقين وقتلهم بيد المؤمنين قال المسعودي: وجمع علي (أمير المؤمنين عليه السلام) ما كان في عسكر الخوارج، قفسم السلاح والدواب بين المسلمين ورد التماع والعبيد والإماء إلى أهلهم ثم خطب الناس فقال إن الله قد أحسن إليكم وأعز نصر كم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم.

فقالوا: يا أمير المؤمنين قد كلت سيوفنا، ونقدت نبالنا ونصلت أسنة رماحنا (1) فدعنا نستعد بأحسن عدتنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال: (نصل من كذا - من باب نصر ومنع - نصلا " ونصولا "): خرج.

و (النصل): حديدة الرمح والسهم كالسنان، والجمع أسنة.

والرماح: جمع الرمح.

 

[421]

(قال): وكان الذي كلمه بهذا الأشعث بن قيس (فركن الناس إلى ذلك) (2).

(فكان جوابه عليه السلام (أن قال لهم): يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدبار كم فتنقلبوا خاسرين (3).

قتلكاوا عليه وقالوا (يا أمير المؤمنين): إن البرد شديد ؟ ! ! فقال (عليه السلام): إنهم يجدون البرد كما تجدون.

فتلكاوا ؟ ! وأبوا ! ! ! فقال: أف لكم إنها سنة جرت ! ثم ثلا قوله تعالى: (قالوا: يا موسى إن فيها قوما " جبارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) (4).

فقام منهم ناس فقالوا: يا أمير المؤمنين الجراح فاش في الناس - وكان أهل النهروان قد أكثروا الجراح في عسكره عليه السلام - فارجع إلى الكوفه فأقم بها أياما " (ثم اخرج خار الله لك).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) مابين المهقوفين مأخوذ من رواية البلاذري - وغيره - وسنذكرها بعد ختمام أمر مالك الأشتر ومحمد بن أبي بكر رحمة الله عليهما.

(3 - 4) اقتباس من الآية: (21 - 22) من سورة المائدة.

 

[422]

(قال المسعودي:) فعكسر علي (عليه السلام) بالنخيلة (1) فجعل أصحابه يتسللون ويحقون بأوطانهم فلم يبق معه إلا نفر يسير.

ختام قصة الخوارج من كتاب مروج الذهب: ج 2 ص 407، وفيه إختلال فاحش - كما يعلم من الروايات الآتية فيما بعد - ومن قوله: (فكان جوابه عليه السلام) - إلى آخره - مأخوذ من الحديث: (10) من كتاب الغارات ج 1، ص 100، ومن شرح المختار (34) من النهج لابن أبي الحديد: ج 2 ص 193، ومن بحار الأنوارج 8 ص 678 ط الكمباني، وله مصارد كثيرة.

ومن خطبة عليه السلام المعروفة بالديباج (2) في الحت على المكارم والاستقامة في مناهج العبودية قال في البداية والنهاية، ج 7 ص 306: قال الهيثم بن عبي - في كتابه الذي جمعه في الخوارج، وهو من أحسن ما صنف في ذلك.

قال -: وذكر عيسى بن دأب قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي فرجع عليه السلام إلى الكوفه وعسكر بالنخيلة.

(2) كما ذكره في المختار السابع من كلمه عليه السلام في تحف العقول ص 99 والمراد منها - هنا - هي الخطبة الثانية الطوايلة، دون القصيرة المذكورة في الصدر.

 

[423]

لما انصرف علي رضي الله عنه من انهروان (2) قام في الناس خطيبا " فقال - بعد حمدالله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله وسلم -: أما بعد فإن الله قد أعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام.

فقاموا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا ونصلت أسنتنا، فانصرف بنا إلى مصرنا حتى نستعد بأحسن عدتنا ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من فارقنا وهلك منا، فإنه أقوي لناعلى عدونا.

وكان الذي تلكم بهذا الأشعث بن قيس الكندي فبايعهم (كذا) وأقبل بالناس حتى نزل بالنخيلة، وأمرهم أن يلزموا معسكرهم ويطنوا أنفسهم على جهاد عدوهم ويقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم، فأقاموا معه أياما " متمكسين برأيه وقوله، ثم تسللوا حتى لم يبق منهم أحد إلا رؤس أصحابه ! ! ! فقام فيهم خطيبا " فقال: الحمدلله فاطر الخلق وفالق الإصباح، وناشر الموتى وباعث من في القبور.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) هذا سهو ظاهر من قائله، لأنه عليه السلام خطب بعذه الخطبة في النهروان، والدليل الظاهر على ذلك هو قول أصحابه عليه السلام: (فانصرف بنا إلى مصرنا.

)... والشواهد الخارجية أبضا " كثيرة ولكن مرا ابن دأب القائل بذلك هي الخطبة الثانية ففي كلامه تسامح.

 

[424]

وأشهدأن باإله الله، وأن محما " عبده ورسوله، وأوصيكم بتقوي الله، فإن أفضل ما توسل به العبد الإيمان (بالله) والجهاد في سيله (2) وكلمة الإ خلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة، فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فريضة (3)، وصوم شهر رمضان فإنه جنة من عذابه، وحج البيت فإنها منفاة للفقر، (و) مدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال (و) منساة في الاچل، (و) محبة في الأهل، وصدقة السر فإنها تكفر الحطيئة وتطفئ غضب الرب،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وإفي المختار: (109) من نهج البلاغة: إن أفضل ما توسل به التموسلون إلى الله سبحانه وتعالى الإيمان به وبرسولوه، والجهاد في سيبله فإنه ذروة الإسلام... (3) كذا في النسخة، وفي تحف العقول: (وايتاء الزكاة فإنها فريضة، وصوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة وحج البيت والعمرة فإنهما ينفيان الفقر، ويكفران الذنب، ويوجبان الجنة، وصلة الرحم، فإنها ثروة في المال، ومنسأة في الأجل، وتكثير للعدد)... وفى نهج البلاغة: (وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة)...

 

[425]

وصنع المعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع الهوان (4).

أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر، وارغبوا فيما وعد (الله به) المتقون، فإن وعد الله أصدق الوعد، واقتدوا بهدى نبيكم صلى الله عليه وسلم (كذا) فإنه أفضل الهدى واستسنوا بسنته فإنها أفضل النسن (5)، وتعلموا كتاب الله فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في الدين (6) فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص، وإذا قرئ عليكم فاستمعوا له وأنصتوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) هذا هو الطاهر الموافق للمختار: (108) من نهج البلاغة، وفي النسخة: (مصارع الهوال).

وفي تحف العقول: (والصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ، وتطفئ غضب الرب تبارك وتعالى، والصقة في العلانية فإنها تدفع ميتة السوء، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء)... (5) وفي النهج: (واستنوا بسنته فإنه أهدى النسن)... وفي تحف العقول: (واستنوا بسنته فإنها أشرف السنن)... (6) وفي النهج وتحف العقول: (وتفهوا فيه) وهو الظاهر.

 

[426]

لعكم ترجمون، وإذا هديتم لعلمه فا عملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون، فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الذي لا يستقيم عن جهله (7) بل قد رايت أن الحجة أعظم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه (منها) على هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما مضلل مثبور.

لا ترتابوا فتشكوا، والا تشكوا فتكفروا (8)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) وفي النهج، (فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله (ألوم).

وفي تحف العقول: (فاعلموا عباد الله أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، وهو عند الله ألوم، ولا حسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه، على مثل (ظ) هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلا هما حائر بائر، مضل مفتون، متبور ماهم فيه، وباطل ما كانوا يعملون).

(8) وفي تحف العقول: (عباد الله لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا، ولا تكفروا فتندموا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا، وتذهب بكم الرخص مذاهب الطلمة فتهلكوا، ولا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخمسروا خسرانا " مبينا ").

 

[427]

ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تدهلوا في الحق فتخسروا.

ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة أن لا تغتروا (9) وإن أنصحكم لنفسه أعصاكم لربه، ومن يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم.

ثم سلوا الله اليقين، وارغبوا إليه في العافية، وخير ما دام في القلب اليقين، إن عوازم الأمور أفضلها وإن محدثاتها شرارها (10) وكل مدث بدعة، وكل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) وفي تحف العقول: (عباد الله إن منالحزم أن تتقوا الله، وان من العصمة أ (ن) لا تغتروا بالله).

(10) وفي تحف العقول: (عباد الله سلوا الله اليقين، فإن اليقين رأس الدين، وارغبوا إليه في العافية، فإن أعظم النعمة العافية، فاغتموها للدنيا والآخرة، وارغبوا إليه في التوفيق فإنه أس وثيق، واعملوا أن خير ما لزم القلب اليقين، وأفضل اليقين التقى، وأفضل أمور الحق عزائمها وشرها محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وبالبدع هدم النسن).

 

[428]

محذث مبتدع، ومن ابتدع فقد ضيع، وما أحدث محدث بدعة إلا ترك بها سنة.

المغبون من غبن دينه، والغبون من خسر نقسه (11).

وإن الرياء من الشرك، وإن الإ الإخلاص من الهمل والإيمان، ومجالس اللهو تنسي القرآن ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كلى غي، ومجالسة النساء تزيغ القلوب، وتطمح إليهن الأبصار (12) وهي مصائد الشيطان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) المغبون: ضيعف الرأي، المغوب والمخدوع في المعاملة، يقال: (غنبه - من باب نصر، والمصدر كالنصر والفرس - غبنا " وغنبنا "): خدعه وغلبه.

و (غبن فلانا " في البيع): نقصه في الثمن وغيره، فهو غابن وذاك مغبون.

(12) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وتطمح إليه الأبصار).

وفي تحف العقول: (عباد الله اعلموا أن يسير الرياء شرك، وان اخلاص العمل اليقين، والهوي يقود إلى النار، ومجالسة أهل اللهوا ينسي القرآن ويحضر الشيطان، والنسئ زيادة في الكفر، وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمان (وهو) يدعو إلى النار ومحاثة النساء تدعو إلى البلاء، وتزيغ القلوب والرمق لهن يخطف نور أبصار القلوب (و) لمح العيون مصائد الشيطان، ومجالسء السلطان تهيج انيران.

 

[429]

فاصدقوا الله فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للإيمان.

ألا إن الصدق على شرف منجاة وكرامة، وإن الكذب على شفا ردى وهلكة (13).

ألا وقولوا الحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من اهله، وأدوا الأمنة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم وعودوا بالفضل على من حرمكم.

وإذا عاهدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا تفاخروا بالآباء، ولا تنابزوا بالألقاب، ولا تمازحوا ولا يغضب بعضكم بعضا " (14) وأعينوا الضعيف والمظلوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) وفي تحف العقول: (وان الصادق على شرف منجاة وكرامة والكاذب على شفا مهواة وهلكة...).

(14) ومن هنا إلى آخر الكلام يغاير ما في البداية والنهاية عما في تحف العقول بالتقديم والتأخير، والتعبير في بعض الكلمات ففيه: (وإذا عاقدتم فاوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، وإذا ظلمتم فاصبروا، وإذا اسئ إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم، ولا تفاخروا، بالآباء، ولا تنابذوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ولا تمازحوا ولا تغاضبوا و.

لا تباذخوا، ولا يغتب بعضكم بعضا "، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه مبتيا ")... وذيل الكلام اشارة إلى قوله تعالى - في الآية: (من سورة الحجرات: 49

 

[430]

والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، والسائلين وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم، وأفشوا السلام، ووردوا التحية على أهليها بمثلها أو بأحسن منها (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (15).

وأكرموا الضعيف، وأحسنوا إلى الجار، وعودوا المرضى، وشيعوا الجنائز وكونوا عباد الله إخوانا ".

أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع (16)، وإن الآخرة قد أظلت وأشرف باطلاع، (الا) وإن اليوم المضمار وغدا السباق، وإن السبقة الجنة والغاية النار (17).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) اقتباس من الآية الثانية من سورة المائدة: 5.

(16) ومن قوله: (أما بعد فإن الدنيا - إلى قوله: - طول الأمل واتباع اهوي) ذكره في المختار: (28) من خطب نهج البلاغة باختلاف طفيف في بعض الألفاظ، وجميع ما وضعناه بين المعقوفات فهو من نهج البلاغة، وفيه أيضا ": (ألا وانكم في أيام أمل من وراثه أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه أمله ولم يضرره أجله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أجله)... (17) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (28) من نهج البلاغة وفي الأصل: (وإن المضمار اليوم...).

 

[431]

ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل فمن أخلص لله عمله في أيام مهلم قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله، وضره أمله.

(ألا) فاعملوا في الرغبة والرهبة، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله وجمعوا رهبة، وإن نزلت بكم رهب ة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى (18) ولمن شكر بالزيادء.

(ألا) وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ولا أكثر مكتسبا من شئ كسبه (1) ليوم تدخر فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر، وتجتمع فيه الكبائر.

(ألا) وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى، يجر به الضلال (إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) ومثله في تخف العقول، وتأذن: أعلن.

والمسلمن: المنقادين.

(19) وفي تحف العقول: (ولا أكثر مكتسبا " ممن كسبه ليوم تذخر).

 

[432]

الردى) (20) ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور (21) وغائبه عنه أعجز.

(ألا) وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد.

ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان: طول الأمل واتباع الهوي (22) فأما طول الأمل قينسي الأخرة قد ترحلت مقبلة، ولها بنون فكونوا من أنباء الآخرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) مابين المعقوفين - كأخواته مما تقدم - مأخوذ من نهج البلاغة.

(21) وفي المختار: (118) من خطب نهج البلاغة: (اعملوا ليوم أعجز، وغاثبه أعوز...).

وعازبه: غاثبه.

وأعوز: أشد فقدانا " وتذرا ".

(22) وهذا الفصل إلى آخره قد تكرر في كلامه عليه السلام، وقريبا " نه جدا " رواه في المختار: (42) من نعج البلاغة.

 

[433]

- إن استطعتم - ولا تكونوا من بني الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل (23).

قال ابن كثير في البداية والنهاية: ج 7 ص 308 - عند انتهاء الخطبة -: وهذه خطبة بليغة نافعة، جامعة للخير، ناهية عن الشر، وقد روي لها شواهد من وجوعه آخر متصلة، ولله الحمد والمنة.

قال الحمودى: وللخطبة شواهد ومصادر، وحسبك ما مر عن تحف العقول ص 99 من أنها معروفة بالديباج، ونقلها عنه في البحار: ج 17.

ص 79 ط الكمباني.

وذكرها أيضا " في المختار: (108) من خطب نهج البلاغة، ولكن فيه وفي المصادر التالية تختصر الخطبة.

وأيضا " ذكرها باختصار في الحديث: (30) من الجزء الثامن من أمالي الطوسي ص 125، نقلا " عن الشيخ المفيد، عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي البطائني عن أبي بصير، عن أبي جعفر الإما الباقر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين... ورواها عنه علل الشرائع في القسم الثاني من المجلد الخامس عشر من البحار، ص 17، ط الكمباني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

/ (23) من قوله: أما فإن الدنيا قد أدبرت) إلى هنا ذكره في الفصل التاسع من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد - للشيخ لمفيد - ص 126، وجل ما وضعناه بين المعقوفات موجود فيه، كما ان كله مذكور في نهج البلاغة كما قدمنا ذكره.

 

[434]

ورواها أيضا " في كتاب مصابيح الظلام في الحديث 436، من محاسن البرقي ص 289، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني رفعه إلى على عليه السلام.

ورواها أيضا " في باب علل الشرائع وأصئل الإ سلام وهو الباب: (182) من كتاب علل الشرائع ص 247 عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن حمادبن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر... ورواها أيضا " في الحديث الرابع من الباب من كتاب الزهد للحسين ابن سعيد الأهوازي عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني مرفوعا ".

كما رواها مرسلة في كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 76.

ورواها أيضا " في الحديث: (30) من الباب الأول من أبواب مقدمات العبادات من كتاب وسائيل الشعية: ج 1، ص 16 عن كتاب الزهد والعلل والفقيه.

كما ورواها عن كتاب العلل في البحار: ج 16 ص 116، في السطر 3 عكسا "، ط الكمباني ورواها في ج 17، ص 105، عن الأمالي والمصابيح وعلل الشرائع، وقريبا " منها رواه في القسم الثاني من ج 15، ص 17، في السطر 16، عن الإما الباقر عليه السلام.

ولكن الذي يحب اتنبيه عليه انه بناء على رواية الهيثم بن عدى من أنه عليه السلام خطب بها في النهروان - بعد خطبته القصيرة الحاثة لهم للمسير إلى الشام وحرب معاوية - أن طبع الحال يقتضي تعقيب الخطبة بما يربطها بالغرض

 

[435]

المسوق له الكلام من الحث على المبادرة إلى حرب معاوية بلا رجوع إلى الكوفة ومن دئن الركون إلى الكسل والخلال، أو الرجوع لإ عداد آلات الحرب والخروج سريعا " من غير إخلاد إلى الأرض وبلا ايناس إلى الأهل والأقارب والأحبة، ورواية الهيثم لم تنعرض لشي، من ذلك، وعسى أن ينتهي بنا الفحص والنقيب إلى ما يتكفل لذلك فنذكره إن شاء الله تعالى.

 

ومن كلام له عليه السلام في الافتخار بقتل الناكثين والمارقين، وبيان ما أعد الله تعالى من عظيم الأجر لمن قاتلهم بصيرا "بضلالتهم عارف" لهداه

قال أحمد بن شعيب النسائي: أخبرنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا أبو مالك - وهو عمرو بن هاشم - عن إسامعيل - وهو ابن ابن أبي خالد - قال: أخبرني عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش انه سمع عليا " رضي الله عنه يقول: أنا فقات عين الفتنة، (و) لولا أنا ما قتل أهل النهروان وأهل الجميل (1) ولولا أن أخش أن تتركوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة، وفي جل المصادر: (ولولاي ما قوتل أهل النهوران...).

 

[436]

العمل لأخبر تكم باذي فضى الله على لسان نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) لمن قاتلهم مبصرا " ضلالتهم، عارفا " للهدى الذى نحن فيه.

الحديث (182) من كتاب خصائص أمير المؤمنين - عليه السلام - ص 146، ط النجف، تأليف أحمد بن شعيب النسائي المتوفي عام 303 وللكلام أساتيد ومصادر وصور تفصيلية.

ورواه أيضا " أبو نعيم ترجمة زر بن حبيش من حيلة الأولياء: ج 1، ص 186، قال: حدثنا أبو عمر بن حماد، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن عبيد النحاس، حدثنا أبو مالك عمر وبن هاشم... ورواه أيضا " في الباب (40) من كفاية الطالب ص 180، قال أخبرنا إبراهيم بن محمود المقرى وغيره ببغداد، عن محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أبو الفضل بن أحمد، أخبرنا أحمد بن عبد الله، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان (كذا).

حدثنا حسن بن سفيان...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) ما المعقوفين كان في النخة هكذا: (ص).

 

[437]

ومن خطبة له عليه السلام في المباهات بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين قال الحافظ أبو بكر ابن أبي شيبة - المتوفي سنة - 235: حدثنا مالك ابن اسماعيل، قال: حدثنا عبد الرحمان بن حميد الرواسي (1) قال: حدثنا عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو - قال عبد الرحمان: أظنه - عن قيس بن سكن (2) قال: قال علي (عليه السلام) على منبره (3): إنى فقات عين الفتنة (4) ولو لم أكن فيكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال في الطبقات الكبرى: ج 6 ص 383: عبد الرحمن بن حميد الرواسي كان ثقة وله احاديث.

(2) قال في الطبقات ج 6 ص 176: روي عن علي (عليه السلام) وكان ثقة، وله أحاديث، وتوفي بالكوفة في.

من مصعب.

(3) اي على منبره بالكوفة.

(4) هذا هو الصواب الموافق للروايات الواردة في المقام، وفي النسخة: (عينة الفتنة).

وفقأت - من باب منع -: قلعت.

عورت.

 

[438]

ما قوتل فلان وفلان وفلان وأهل النهر (5).

وأيم الله لولا أن تنكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) كذا في النسخة - على ما كتبه بيده الكريمة العلامة الأميني رفع الله درجاته - والمراد من (فلان) الأول: طلحة والزبير.

ومن الثاني معاوية.

والصواب زيادة الثالث - المراد به الخوارج - لذكر هم بالصراحة ها هنا.

ويكمن أن يكون المراد من فلان وفلان وفلان طلحة والزبير وعاتشة، وعليه فلا زيادة في الكلام ولكن لا تعرض فيه لذكر معاوية، لأن قتاله لم يكن مورد الشبهة لأ حد من المسلمين، والذى كان مظنة الشبهة هو قتال الناكثين لما كان لهم من السوابق واتصال بعضهم بالنبي، وكذا قتال المارقين لما كانوا عليه من ظواهر الخشوع.

ولكن ما ذكرناه أولا " أرجح لذكر هم بالصراحة في كثير من المصادر والروايات.

ما ذكره في مصنف ابن أبي شيبة من التعبير: (فلان وفلان) من عمل كتابهم أو من عمل رواتهم حيث استقر ديدينهم على ستر محاسن أهل البيت ومخازي أعدائهم ! ! ! ولكن الله من ورائهم، والخطبة الشريفة رواها جماعة كثيرة من قذماء المسلمين وفيها تصريح بچ‌سماآ الجماعة المذكورة، وقد أتم الله تعالى نوره وأقام حججه الباغة بحفظ جوامع المنصفين ونشرها بين العالمين اليحق الحق بكلماته ولو كره المبطلون، فترى في كتابنا هذا نصوصا " متواترة عنه عليه السلام بأنه أمره رسول الله بقتال الناكثين وهم أصحاب الجمل، والقاسطين وهم معاوية وأتباعه، والمارقين وهم أهل النهروان.

 

[439]

بما سبق لكم على لسان نبيكم لمن قاتلهم (6) مبصرا " لضلالتهم عارفا " بالذى نحن عليه ! ! ! قال (الرواي): ثم قال (عليه السلام سلواني ألا تسألوني ؟ فإنكم لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مأة " (أ) و تضل مأة إلا حدثتكم (بنا عقها وقائدها) وسائقها ؟ ! ! (7).

قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن البلاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) والصواب.

يادة كلمة (لكم) كما في غيره من المصادر، والضمير في قوله: (قاتلهم مبصرا " لضلالتهم) راجع إلى الطوائف الثلاث، ويحتمل عوده إلى خصوص أهل النهر.

وفي شرح المختار: (36) من النهج لابن أبي الحديد: ج 2 ص 267 قال: وفي كتاب صفين للواقدي عن علي عليه السلام لولا أن تبطروا فتدعوا العمل لحدثتكم بما سبق على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قتل هؤلاء.

(7) هكذا فليكن باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومهيمن الشرايعة الخالدة، وأما الجاهلون فغير جديرين بالخلافة على أهاليهم فضلا " عن الإمامة على جميع البراية.

وليعلم أن هذا المضمون أيضا " مما ثواتر عنه عليه السلام.

(*)

 

[440]

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا سأل سائيل، فليعقل وإذا سئل مسؤول فليثبت، إن من ورائكم أمورا " أتتكم جللا، مبلحا " مكلحا " (8).

والذي فلق الحبة، وبرئ النسمة، لو فقد تموني ونزلت (بكم) كراهية الأمور (9) وحقائق البلاء، لفشل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) هذا هو الموافق لما ذكره ابن قتبية في غريب كلامه عليه السلام، كما في ختام كلام السيد الرضي من غريب كلام أمير المؤمنين عليه السلام في شرح النهج لابن أبي الحديد: ج 19، ص 126، وقريب منه أيضا " في رواية الثقفي رحمة الله ورواية سليم بن قيس رحمة الله، وفي المحكي عن مصنف ابن أبي شيبة هكذا: (إن من ورائكم أمورا " تتم جللا "، وبلاء ملحا " مگلحا ").

أقول: الجلل 0 كالجبل -: العظيم.

ومبلحا: معجزا " معييا ".

ومكلحا ": مكسر الوجه معبسه.

(9) أي الأمور المكروهة.

وفي النهج: (لو قد فقد تموني ونزلت بكم كرائه الأمور، وحوازب الخطوب...).

وقال في مادة: (حزب) من النهاية: ومنه حديث علي: (نزلت كرائه الأمور، وحوازب الخطوب).

(هو): جمع حازب وهو الأمر الشديد.

الداهية.

 

[441]

كثير من السائلين، ولأطرق كثير من المسؤولين، وذلك إذا اتطلت حربكم وكشفت عن ساق لها، وصارت الدنيا بلاء علي أهلها حتى يفتح الله لبقية الأبرا.

قال: فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن الفتنة: فقال (عليه السلام): إن الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت أسفرت، وإنما افتن تحوم كحوم الرياح (10) يصبن بلدا " ويخلئن آخر، فانصروا أقوما " كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تنصروا وتوجروا (11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) لعل هدا هو الصواب، أو الصواب: (وإنما الفتن تحوم.

كما تحوم الرياح).

وفي النسخة: (وإنما الفتن نجوم كنجوم الرياح).

وفي رواية الثقفي: (إناالفتن تحوم كارلرياح).

وفي النهج: (إن الفتن... يحمن حوم الرياح).

وتحوم - من باب قال -: تدور.

(11) هذا هو الظاهر، وفي النخسة: (تنصروا وتوحدوا)... وفي رواية سليم بن قيس: (وإن الفتن لها موج كموج البحر، وإعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا " وتخصلئ الآخر، فانظرئا أقوما " كانوا أصحاب الريات يوم بدر فانصروهم تنصروا وتوجروا وتذروا، ألا إن أخوف الفتن عليكم عندي فتنة بني أمية، إنها فتنة عمياء وصماء مطبقة مظلمة عمت فتنها وخصت بليتها...).

 

[442]

ألا (و) إن أخوف الفتن عندي عليكم (فتنة بني أمية، فإنها فتنة) (12) عمياء مظلمة، خصت فتنتها (13) وعمت بليتها، أصاب ابلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها (14) يظهر أهل باطلها على أهل حقها حتى تملا الأرض عدوانا " وظلما "، وإن اول من يكسر عمدها ويضع جبروتها وينزع أوتادها الله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) مابين المعوفين مأخوذ من نهج البلاغة وقد حذفه الكاتب من النسخة كي يخفى مخاري بني أمية على الناس ! ! ! وفي رواية اثقفي: (ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، إنها فتنة عمياء مظلمة مطنبة، عمت فتنتها وخصت بليتها...).

وفي النسخة من مصنف ابن أبي شيبة هكذا: (ألا إن أخوف الفتنة عليكم عمياء مظلمة...) (13) وفي نهج البلاغة: (عمت خطتها، وخصت بليتها...).

قال محمعبده اديار المصرية في تعليقه على هذا الموضع: الخطة - بالضم -: الأمر أي شمل أمرها لأنهار ثاسة عامة.

وخصت بليتها آل البيت لأنها اغتصاب لحقهم.

(14) أي أصاب بلاء الفتنة من يكون بصيرا " بها مخالفا " لما أثارها، وأخطأ بلاء وبلواها من يكون في الفتنة أعمى أو يتعامى ويلبي أي ناعق نعق وتصدر ! ! !

 

[443]

ألا وچنكم ستجدون (بني أمية) أرباب سوء لكم من بعدي (15) كالناب الضروس تعض بفيها وتركض برجلها (كذا) وتخبط بيدها وتمنع درها (16).

ألا إنه لا يزال بلاؤهما بكم حتى لا يبقى (منكم في) مصر لكم (17) إلا نافع لهم أو غير ضار (بهم) وحتى لا تكون نصرة أحدكم منهم إلا كنصرة (العبد) من سيده (اذا رآه أطاعه وإذا توارى عنه شتمه) ! ! ! (18).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) مابين المعوفين كان محذوفا " من النسخة وأثبتناه على طبق بقية المصادر، وفي رواية الثقفي: (وأيم الله لتجدن بني أمية أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضرئس، تعض بفيها وتخبط بيديها، وتضرب برجليها، وتمنه درها...).

وفي النهج: (وأيم الله لتجدن بني أمي ة لكم أرباب سوء بعدي كالناب الضروس، تعدم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها وتمنع درها...).

(17) كذا في النسخة عدا مابين العقوفين.

(18) مابين المعوفين كان ساقطا " من المصدر، وأثبتناه على وفق رواية الثقفي رحمة الله.

 

[444]

وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم ! ! ! قال: فقام رجل فقال: هل بعد ذلك جماعة يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا جماعة شتى غير أن أعطياتكم وحجكم وأسفاركم واحد، والقلوب مختلفة هكذا: ثم شبك (عليه السلام) بين أصابعة ! ! ! قال (الرجل): مم ذلك يا أمير المؤمنين / قال: يقتل هذا هذا (ويقتل هذا هذا، قطعا) جاهلية ليس فيها إمام هدى ولا علم يرى (19) نحن أهل البيت منها بمنحاة، ولسنا (فيها) بدعاة.

قال (الرجل): وما بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال (7 علي عليه السلام): يفرج الله البلاء برجل منا أهل البيت تفريج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) مابين المعقوفين مأخوذ من رواية الثقفي.

(*)

 

[445]

الأديم (20) بأبي ابن خيرة الإماءلا يومهم إلا الخسف (21) ويسقيهم بكاس مصبرة (فعند ذلك) ودت قريش بالدنيا وما فيها لو يقدرون على (أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) أي كتفريج الأديم، والأديم: الجلدأي يرفع البلاء منكم ويزيله عنكم كما يسلخ الجلد من اللحم.

وفي النهج: (ثم يفرجها الله عنكم - كتفريج الأديم - بمن يسومهم خسفا "، ويسوقهم عنفا "، ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف، ولا يحلسهم إلا الخوف، فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يروني مقاما " واحدا " ولو قدر جزر جزور...).

أقول: وهذه القطعة - بخصوصها - رواها في الحديث (9) من الباب (13) من غيبة النعماني ص 121، ورواها أيضا " إلى آخرها في الحديث العاشر منه بسندين آخرين.

(21) كذا في رئاية الثقفي رحمة الله وفي المحكي عن نسخة المصنف لابن أبي شيبة (مالي ابن حرة الا يسومهم الخسف، ويسقيهم بكأس مصبرة...).

(ويسومهم) يلزمهم.

(والخسف) - كفلس -: الذل.

و (كأس مصبرة) أي ممزوجة بالصبر - ككتف - وهي عصارة شجرمر.

أو مملوءة إلى أصبارها.

وهو جمع اصبر - على زنة القفل والحبر -: ناحية الشئ وطرفه، يقال: (أخذ الشئ بأصباره) أي تاما " بأجمعه.

وملا (الكأس إلى أصبارها) أي إلى رأسها.

 

[446]

يورني ولو) مقام جزر جزور (22) لأقبل منهم بعض الذي أعترض عليهم اليوم فيرودونه، وما لي إلا قتلا " (23).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) كلمة: (فعند ذلك) مأخوذة من النهج البلاغة، ولذا وضعناها بين المعقوفين، وجملة (أن يروفي ولو) الموضعة أيضا " بين المعوفين مما يستدعيها السياق ويدل عليه معنى ما مر عن نهج البلاغة، وما عن كتاب سليم بن قيس - رحمة الله - ص 14، وما عن الثقفي - رحمة الله - في كتاب الغارات فقي الأخير هكذا: (فلا يعطيهم إلا السيف هرجا " هرجا "، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، ودت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها لو يروني مقاما " واحدا " قدر حلب شاة أو جزر جزرو الأقبل منهم بعض الذي يرد عليهم حتى تقول قريش: لو كان هذا من ولد فاطمة ارحمنا، فيغريه الله ببني أمية فجعلهم ملعونين، أينما ثقفوا (أخذوا) وقتلوا تقتيلا، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجدا لسنتة الله تبديلا).

وإنما ذكرته إلى آخره - مع أن الشاهد في قطعة منه - رجاء أن يستقيد القارئ منه ما حذف من رواية ابن أبي شيبة أو صحف.

(23) كذا في النسخة ولعل الصواب: (بعض الذي أعرض عليهم اليوم فيردونه، ويأبى إلا قتلا).

وفي رواية الثقفي (51): (لأقبل منهم بعض الذي يرد عليهم...).

وفي النهج البلاغة: فعند ذلك تود قريش بالدينا وما فيها لو يرونني مقاما " واحدا " ولو قدر جزروجزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه.

 

[447]

ثمرات الأسفار للعلامة اأميني - أعلى الله مقامه -: ج 1، ص 206 نقلا " عن كتاب المصنف لابن أبي شيبة المتوفى سنة: (235).

وللكلام أساتيد عديدة ومصادر جمة، ورواه باختصار أبو نعيم في أول ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب حلية الأولياء: ج 1، ص 68، قال: حدثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان المعدل، حدثنا محمد ابن الحسين بن حميد، حدثنا محمد بن تسنيم (24)، حدثنا علي بن الحسين بن عيسى بن زيد، عن جده عيسى بن زيد، عن أسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمر، عن زر (بن حبيش) (25) عن علي، قال: (أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان)، ورواه أيضا " بمغابرة سندية في ترجمة زر بن حبيش: ج 4 ص 168.

ورواه أيضا " السيد الرضي رخمة الله في المختار: (89) من النهج البلاغة، وسندكره إن شاء الله تعالى بروايات أخر فترقب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) وفي رواية ابن عساكر - في الحديث: (1219) من ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 80 - وفي الظاهرية: ج 11 / الورق 186 / أ / وفي ط 1: ج 3 ص 175 -: محمد بن نسيم الخضرمي.. (25) وفي رواية ابن عساكر: (عن المنهال بن عمرو، عن زادان عن أمير المؤمنين...).

 

[448]

ومن كلام له عليه السلام يبت فيه الشكوى عن أوائل وأواخر

قال السيد الرضي رضوان الله عليه،: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يحدث يوما " بحديث عن رسول الله عليه وآله، فنظر بعض القوم إلى بعض، فقال عليه السلام: ما زلت مذقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) مظلموما " ! ! ! وقد بلغني مع ذلك (أنكم) تقولون أني أكذب عليه ! ! ! ويلكم أتروني أكذب ؟ فعلى من أكذب ! ! ! (أ) على الله ؟ فأنا أول من آمن به ؟ ! أم على رسوله ؟ فأنا أول من صدقه (2) ولكن (حكمة)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مابين المعقوفين كان في الأصل هكذا: (ص).

(2) وفي المختار: (35) من النهج: (أتراني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ والله لأنا أول من صدقه فلا أكون أول من كذب عليه).

 

[449]

غبتم عنها (3) ولم تكونوا (من) أهلها وعلم عجزتم عن جمله ولم تكونوا من أهله إذ كيل بغير ثمن ! ! ! لو كان له وعاء ولتعلمن نباه بعد حين، كتاب خصائص الأثمة - للسيد الرضي - ص 75 ط النجف.

 

ومن كلام له عليه السلام لما أشار إليه جماعة من أصحابه بتفضيل الأكابر في العطاء كي يستقيم له أمر الناس وينفادوا له !!!

الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمة الله، قال: حدثني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي، قال: حدثنا علي بن عبد الله بن راشد الإصفهاني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) قال السيد الرضي (ره): أراد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخوله ويسر إليه.

 

[450]

عثمان، قال: حدثني علي بن سيف، عن علي بن أبي حباب (1) عن ربيعة وعمارة وغير هما أن طاثقة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشوا إليه - عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلبا " لما في يديه من الدنيا - فقالوا له: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب والقريش على الموالي والعجم، و (فضصل) من يخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلى معاويد (إلى أن يستقيم لك الأمر، وبعده عند إلى ما عودك الله عليه من الأسوة وإعطاء كل ذي حق حقه) (2) فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتاأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم ! ! ! (3) والله لو كانت أموالعم لي لواسيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة المطبوعة بالنجف من چ‌مالي الشيخ المفيد، وفي النسخة المطبوعة بطهران من چ‌مالي الطوسى ص 121،: (عن علي بن خباب...).

وفي الحديث الثالث من باب النوادر من البحار: ج ص 712: الثقفي في الغارات، عن محمد بن عبد الله بن عثمان، عن علي بن صيف، عن أبي حباب (كذا) عن ربيعة وعمارة، قال إن طائفة... (2) مابين المعقوفات زيادة منا مستفادة من السياق ورواية الكافي.

(3) وفي النهج: (أتاأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطو به ماسمر سمير، وما أم نجم في السماء نجما "...).

(4) كذا في أماني المفيد والطوسي، وفي الكافي: (والله لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم) وهو أظهر، وأظهر منه ما في النهج: (لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله...).

 

[451]

قال (الراوي): ثم أزم أمير المؤمنين عليه السلام طويلا سا كتا " (5) ثم قال (عليه السلام): من كان له مال فإياه والساد، فإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو وإن كان ذگرا " لصاحبه في الدنيا فهو يضعه عند الله عزوجل (6) ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله تعالى شكرهم وكان لغيره ودهم ! ! ! فإن بقي معه (منهم من يوده و) يظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب يريد التقرب به إليه لينال منه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل، بإن زلت بصاحبه النعل واحتاج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) يقال: (أزم عن الشئ - من باب ضرب - أزما "): أمسك.

(6) وفي الكافي: (من كان فيكم له ماله فإياه والفساد.

فإن إعطاءه في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله... وفي النعج: (ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله)...

 

[452]

إلى معونته أو مكافي ته فشر خليل وأالأخدين (7).

ومن صنع المعروف فيما آتاه (الله) (8) فليصل به القرابة، وليحسن به الضيافة، وليفك به الهاني وليعن به الغارم (9) وابن السبيل والفقراء والمجاهدين في سبيل الله، وليصبر نفسه على النوائب والخطوب (10) فإن افوز بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائيل الآخرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) فال في مادة: (خدن) من النهاية: (و) في حديث علي: (إن احتاج إلى معونتهم فشر خليل وألأم خدين) الخدن والخدين: الصديق والمكافئة: المدافعة، المجازاة.

(8) أي ومن أراد أن يصنع المعروف فيما أعطاه الله وأنعم عليه فليصل رحمه وقريبه... (9) الهاني: الأسير.

المصيب بالتعب والمثقة والعناء.

والغارم: الخاسر في رأس ماله الواقع في الضر.

والمراد - هنا - الضرر المحجف والخسارة التي يكر صاحب المال عن الكسب وإدارة معيشته، ويعبر عنه في لسان الفارسيي: (ورشكست).

(10) النوائب: جمر النائبة: المصيبة.

الحادثة المدهشتة.

والخطوب جمع الخطب: الأ المكروه.

 

[453]

الحديث السادس من المجلس: (22) أمالي الشيخ المفيد، ص 112.

ورواه عنه في الحديث، (34) من الجزء السابع من أمالي الشيخ الطوسي ص 197، ورواه عنهما في البحار: ج 20 ص 43، وكذلك في الحديث: (15) من الباب: (107) من ج 9 ص 100، وفي ط الحديثة: ج 41 ص 108، ورواه أيضا " في المختار: (124) من نهج البللاغة، ورواه قبلهم الثقفي رحمه الله في الغارات ج 1، ص 100 ورواه عنع في الحديث الثالث من باب نوادر ما وقع في أيام خلافته عليه السلام، من بحار الأنوار: ج 8 ص 712 في السطر 17، ورواه باختصار ابن أبي الحديد، في آخر شرح المختار: (34) من خطب النهج: ج " ص 203 عن علي بن أبي سيف المدائني، ورواه أيضا " كذلك، أبان بن تغلب، من أصحاب الإمان الباقر والصادق عليهما السلام، كما في الرابع من مستطرفات السرائر، ورواه أيضا " في الإمامة والسياسة، ص 153، ورواه أيضا " في في المختار: (18) من كلمه عليه السلام في تحف العقول ص 126، - ورواه عنه في البحار: ج 17، ص 143، في السطر 9 ط الكمباني - قال: لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يقعله معاوية بمن انقطع إليه، وذله لهم الأموال - والناس أصحاب دنيا - قالوا لأمير المؤمنين عليه السلام: أعط هذا المال وفضل الأشراف ومن تخوف خلافه وقرفه حتى إذا استتب (11) لك ما تريد، عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية، والقسم بالسوية ! ! ! فقال (عليه السلام)، أتأمروني أن أطلب انصر بالجور... * (هانش) * (11) استتب: ثم وكمل.

 

[454]

أقئل: وهذا المعنى وإن كان يستشعر أيضا " مما ذكره نصر بن مزاحم رحمة الله في أوائل الجزء السابع من كتاب صفين، ص 435، إلا انه لا استثعار فيه انه عليه السلام أجابهم في تلك الحال وذلك المرطن بذلك الكلام ؟ ! ! والأقرب بحسب قراقرائن الأحوال أن تلك المحاورة جرت بينه عليه السلام وبين بعض خواصه بعد النهروان.

 

ومن كلام له عليه السلام قاله لبطل الموحدين مالك بن الحارث الأشتر رفع الله مقامه لما أراد أن يرسله إلى مصر والياً عليها

قال إبراهيم بن محمد الثقفي رحمة الله: فحدثني عبد الله بن محمد، عن ابن أبي سيف المداثني، قال: (لما نزل محمد بن أبي بكر مصرا أميرا " عليها ورجع قيس بن سعد بن عبادء عنها) فلم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا " كاملا " حتى بعث إلى أولئك المعترلين الذين كان قيس بن سعد موا عالهم فقال: يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإما أن تخوجوا من بلادنا.

فبعثوا إليه: إنا لا نفعل فدعنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس فلا تعجل علينا.

فأبى عليهم فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم.

ثم كانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون، فلما أناهم خبر معاوية وأهل الشام، ثم (جاءهم

 

[455]

نبؤهم وانه) صار الأمر إلى الحكومة، وأن عليا " وأهل العراق قد قفلوا عن معاوية والشام (1) إلى عراقهم اجترؤا على محمد بن أبي بكر وأظهروا المنابذة له، فلما رأي محمد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البوي 32) ومعه يزيد بن الحارث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما، ثم بعث إليهم رجلا " من كلب (3) فقتلوه أيضا ".

وخرج معاوية بن حديح من السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان فأجابه القوم (4) وناس كثير آخرون، وقسدت مصر على محمدابن أبي بكر، فبلغ عليا " (أمير المؤمنين عليه السلام) توثبهم عليه، فقال: ما أري لمصر إلا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلنا (ه) بالأمس - يعني قيس بن سعد بن عبادة - أو مالك الأشتر، وكان (عليه السلام) حين رجع على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان، فكان قيس مقيما " على شرطته، فلما انقضى أمر الحكومة كتب علي إلى الأشتر وهو يومئذ بنصيبين:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال: (قفل عن السفر - من باب نصر وضرب - قفلا " وقفولا): رجع.

(2) وفي تاريخ الطبري: (ابن جمهان الجعفي).

(3) وفي تاريخ الطبري: (ابن مضاهم الكلبي)...

(4) أي الذين نابذوا محمد بن أبي بكر، وقتلوا ابن جمهان ويزيد ابن الحارث والكبي.

 

[456]

أما بعد فإناك ممن أستظهر به على إقامة الذين، وأقمع به نخوة الأثيم، وأسد به الثغر المخوف، وقد كنت وليت محمد بن أبي بكر مصر، فخرجت عليه خوارج وهو غلام حدث السن، ليس بذي تجربة للحروب، فاقدم علي لننظر فيما ينبغي واستخلف على عملك أهل اثقة والنصيحة من أصحابك والسلام (5).

فأقبل الأشتر إلى علي (عليه السلام) واستخلف على عمله شيب بن عامر الأزردي - وهو جد الكرمافي الذي كان بخراسان صاحب نصر بن سيار - فلما دخل الأشتر على علي حدثه حديث مصر، وخبره خبر أهلها، وقال له: ليس لها غير ك.

(ثم قال له:) فاخرجه إليها رحمك الله، فإني لا أوصيك اكتفاء برأيك (6) (ثم قال له): واستعن بالله على ما أهمك، واحلط الشدة باللين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) وهذا هو المختار: (46) من كتب نهج االبلاغة، وله مصارد كثيرة.

(6) وفي تاريخ الطبري: (فإني إن لم أوصك اكتفبت برأيك...).

 

[457]

وارفق ما كان الرفق أبلغ، واعتزام على الشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة.

فخرج الأشتر من عنده فأني برحل (متوجها " إلى مصر) وأتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية الأشتر مصر، فعظم ذلك عليه وقد كان طمع في مصر، فعلم أن الأشتر إن قذم عليها كان أشد عليه من محمد بن أبي بكر، فبعث إلى رجل من أهل الخراج يثق به، وقال له: إن الأشتر قد ولي مصر، فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا " ما بقيت وبقيت، فاحتل في هلاكه ما قدرت عليه / فخرج الأشتر حتى انتهى إلى القزم (7) حيث تركب السفن من مصر إلى الحجاز فأقام به، فقال له ذلك الرجل - وكان ذلك المكان مكانه -: أيها الأمير هذا منزل فيه طعام وعلف، وأنا رجل أهل الخراج فأقم وساترح، وأتاه بالطعام حتى إذا طعم سفاه شربة عسل قد جعل فيها سما "، فلما شربها مات.

(وذكر إبراهيم بسند آخر) انه لما أخبر الذي سم الأشتر معاوية بهلاكه، قام معاوية في الناس خطيبا " فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) قيل: هي مدينة بمصر على رأس الخليج المضاف إليها، وأطلالها الأن قرب مدينة سويس.

 

[458]

أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يمينان، فقطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر، وقد قطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر ! ! ! ولما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام استشهاد الأشتر قام في الناس خطيبا " فخطبهم بالخطبة الثالية: ومن خطبه له عليه السلام لما بلغه نعي الأشتر رفع الله درجاته قال الشيخ المفيد رحمه الله: حدثنا أحمد بنعلي، قال: حدثنا أبو القاسم حمزه بن القاسم العلوي، عن بكرين عبد الله بن حبيب، عن سمرة بن علي، قال: حدثني المنهال بن جبير الحميري، قال: حدثنا عوانة، قال: لما جاء هلاك الأشتر إلى (أمير المؤمنين) علي بن أبي طالب صوارت الله عليم صعد امنلر فخطب الناس ثم قال: ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه (1) وأوفى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النحب 0 كضرب -: النذر وما يوجبه الإنسان على نفسه، أي إن مالكا قد أتي وجاء بما أوجب على نفسه من القيام بحقوق الله.

 

[459]

بعهده ولقى ره، فرحم الله مالكا لو كان جبلا لكان فذا (2) ولو كان حجرا لكان صلدا (3) لله (در (خ)) مالك وما مالك ؟ ! ! وهل قامت النساء عن مثل مالك ؟ وهل موجود كما لك ؟ !.

قال: فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا: لشد ما جزعت عليه ولقد هلك، فقال: أما هلاكه فقد أعز - والله - أهل المغرب، وأذل أهل المشرق ! ! ! (4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) كذا في النسخة، فإن كان هذا صوراب " وصادرا " عنه عليه السلام - في قبال بقية الروايات - فمعنا: كان واحدا " ومتفردا " لا نظير له، وفي معناه أيضا " (فندا ") الوارد في ي جل الطرق والمصادر، كما فسره بذلك ابن أبي الحديد، وكذا في المادة المذكورة من النهاية واللسان والتاج، حيث قالوا: الفند: المنفرد من الجبال، والجمع أفناد، أقول: تفسير الفند - كحبر، وعن الصاغاني كفلس - بالجبل العظيم أوفق وأظهر مما ذكروه لاسيما بملاحظة رواية نهج البلاغة حيث رواه هكذا: (لو كان جبلا " لكان فندا " لا يرتقيه الحافر، ولا يوفي عليه الطائر) أي إنه رحمه الله كان قد بلغ قمة العظمة وغاية الرفعة بحيث لا يتيسر لحافرأن يرتقيه، ولا الطائر أن يوفي عليه أي يصل إلى قمة ارتفاعه ! ! ! (3) الصلد - كفلس -: الصلب الأملس.

(4) المراد من أهل المغرب: أهل الشام: ومن أهل المشرق: أهل العراق، لأن الشام في غرب اعراق، ثم إنفي النخسة كان هكذا: (أما والله هلاكه فقد أعز)) وإنما قدم عليه السلام اسم الله تجليلا لله تعالى، وإنما غير نا أسلوب الكلام توضيحا ".

 

[460]

قال: وبكي عليه أياما وحزن عليه حزنا " شديدا " وقال: لاأرى مثله بعده أبدا " ! ! ! كتاب الاختصاص ص 81 ط 2، ورواه عنه في المبحار: ج 8 ص 658 ط الكمباني، وقريب منه في المختار: (443) من الباب الثالث من نهج البلاغة، وكذلك في ترجمة مالك من رجال الكشي وتاريخ دمشق: ج 53 ص 443، أو ص 162 ورواه أيضا " في الغارات ج 1، ص 100، - ورواة عنع في المختار: ج 8 ص 648 - بطرق وألفاظ، ورواه كالنهج في الباب السادس من ربيع الأبرار، وروى قطعة منه في مادة (فند) من النهاية واللسان والتاج.