[488]
ومن كلام له عليه السلام في علة وراثته لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون عمه العباس
قال الطبري: حدثنى زكرياء بن يحي الضرير، قال: حدثنا عفنان بن مسلم قال: حدثنا أبو عوانة، عن عثمان ابن المغيرة، عن ربيعة بن ناجد (قال): إن رجلا " قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمك العباس ؟ فقال علي (عليه السلام): هاؤم ! - ثلاث مرات حتى اشرأب الناس (1) ونشروا آذانهم - ثم قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أودعا رسول الله (2) - بني عبد المطلب - منهم رهطه كلهم (كان) يأكل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هاؤم - اسم فعل بمعنى -: خذ.
واشرأب الناس: مدواعنقهم.
قال في لسان العرب: واشرأب الرجل للشئ وإلى الشئ اشرثبابا ": مد عنقه إليه.
وقيل: هو إذا ارتفع وعلا.
والإسم الشرأبينة كطمأنينة.
(2) ومثله في خصائص النسائي.
[489]
الجذعة ويشرب الفرق (3) - فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر (4) فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس ولم يشربوا (منه) ! ! ! ثم قال: يا بني المطلب إني بعثت إليكم بخاصة ولى الناس بعامة وقد رأيتم من هذا الأمر ما قدراأيتم ! ! ! فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ؟ (5) فلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الجدع - كسب -: صغير البهائم والجمع جذاع وجذعان كفراق وفرقان: والفرق - كقفل - قيل: هو إناء يكتال به.
(4) الغمر - كعمر -: قدح صغير، والجمع: غمار - كحمار - وأغمار.
(5) وأيضا " ذكر الطبري قبله رواية أخرى بسند آخر، ورواها أيضا " في تفسير الآية (214) من سورة الشعراء من تفسيرع: ج 19 ص 75 وفي ط: ج 18، ص 121، وفيه: (فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم ؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا "، وقلت - وإني لأحدثهم سنا... -: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاصمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولن: لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! !).
[490]
يقم إليه أحد ! ! ! فقمت إليه - وكنت أصغر القوم - فقال: اجلس.
قال: ثم قال ثلاث مرات (6) كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس، حتى (إذا) كان في الثالثة فضرب بيده على يدي (وقال: أنت) قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي.
ترجمة رسول الله وسرته من تاريخ الطبري: ج 2 ص 320 وفي ط ص 63 وفي ط: ج 1 ص 1173، ورواه أيضا " تحت الرقم (435) من باب الفصائل في باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15 ص 154، ط 2 وقال: رواه أحمد، وابن جرير، وسعيد بن منصور في سنته، أو الضياء المقدسي في المختارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) أي ثلاث مرات قال: فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي.
[491]
- 301 - ومن كلامه له عليه السلام له المعني المتقدم أيضا أجاب به من سأله عن اختصاصه وراثة رسول الله وخلافته صلى الله عليه وآله وسلم به دون عمه العباس وسائر بني عبد المطلب ! ! ! أحمد بن شعيب النسائي قال: أخبرنا الفضل بن سهل، قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق: عن ربيعة بن ناجد (1) أن رجلا قال لعي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون أعمامك ؟ (2) فقال (على عليه السلام).
(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كذا في الاصل، وذكره في تهذيب التهذيب: ج 3 ص 263 بالدال المهملة، وقال: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة.
(2) كذا في الاصل، وفي تاريخ الطبري: " بم ورثت ابن عمك دون عمك "، وهو أظهر بالنظر إلى ذيل الكلام.
(3) كذا في تاريخ الطبري - غير أن كلمة: " عليه السلام " زيادة منا - وهو أظهر مما في نسخة الخصائص: " قال: جمع رسول الله... ".
[492]
جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام (4) فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ! ! ! ثم دعا بغمر (5) فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب ! ! ! فقال: يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذه الاية ما قد رأيتم فأيكم (6) يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في المصباح: المد - بالضم -: كيل وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، فهو ربع صاع لان الصاع خمسة أرطال وثلث والمد رطلان عند أهل العراق، والجمع أمداد ومداد، وقيل: هو يساوي تقريبا (18) ليترا افرنجيا.
(5) الغمر - كعمر -: القدح الصغير، وقيل: هو القعب الصغير.
وقال ابن شميل: الغمر يأخذ كيلجتين أو ثلاثا والقعب أعظم منه وهو يروي الرجل، وقال ابن الاعرابي: أول الاقداح الغمر - وهو الذي لا يبلغ الري - ثم القعب وهو قد يروي الرجل وقد يروي الاثنين والثلاثة، ثم العسس.
وقيل: القعب - كفلس -: القدح الضخم الغليظ الجافي (6) هذا هو الظاهر الموافق لما في تاريخ الطبري، وفي المطبوع من الخصائص: " وأيكم ".
[493]
ووارثي ووزيري ؟ (7) فلم يقم إليه أحد ! ! فقمت إليه وكنت أصغر القوم سنا (8) فقال: اجلس، ثم قال (ذلك) ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول: اجلس حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي ثم قال: (أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري) فبذلك (9) ورثت ابن عمي دون عمي.
الحديث: (65) من كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام - للنسائي - ص 86 ط 2.
ورواه بعينه الطبري في عنوان: " أول من آمن برسول الله " من تاريخه: ج 2 ص 321 كما تقدم في المختار المتقدم.
وهذا المعني كما رواه الطبري في العنوان المتقدم الذكر من تاريخه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كلمة: " وزيري " مأخوذة من مخطوطة الخصائص وقد سقطت من النسخة المطبوعة.
(8) كلمة: " سنا " مأخوذة من النسخة المخطوطة.
(9) ما بين المعقوفين قد أخذناه من النسخة المخطوطة من الخصائص.
[494]
كذلك رواه في تفسير الاية: (214) من سورة الشعراء: ج 19 ص 74 بسند آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام يبين ويوضح ما في هذا الخبر وكذلك رواه تحت الرقم: (334) من بابا فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15، ص 117، ط 2 عن ابن إسحاق وابن جرير، وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم، وعن البيهقي في كتاب السنن الكبري ودلائل النبوة معا، أقول: ورواه أيضا في الحديث: (514) من شواهد التنزيل الورق (89) ب، وكذلك رواه فيه بسند آخر في الحديث (580) الورق: 100 / ب / وكذلك رواه بأسانيد في الحديث: (135) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه لاسلام من تاريخ دمشق ج 1، ص 83 - 90 وبما أن ما ذكره الطبري قد أنجاه الله من تلعب النواصب بالانتشار بين الملل ومراجعته ميسور في أغلب الاقطار والاماكن فلا نذكره هنا بل نذكر نموذجا مما ذكره ابن عساكر وصاحب شواهد التنزيل - وإن كنا قد حققنا كل واحد منهما وهيئنا هما للنشر، وجعلهما في متناول العموم ولكن لا نأمن من الحوادث ولذا نستبقها بذكر ما هو أتم فائدة منهما، وأما تفصيلها فنوكل إلى توفيق الله تعالى إيانا لنشرهما (10) فنقول: قال ابن عساكر في الحديث: (143) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) وقد وفقنا الله لنشرهما في سنة 1394 - 1396، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.
[495]
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر، أنبأنا أبو الفضل أحمد ابن عبد المنعم بن أحمد بن بندار، أنبأنا أبو الحسن العيقي، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني، أنبانا أحمد بن محمد بن سعيد، أنبأنا جعفر بن عبد الله بن جعفر المحدي، أنبأنا عمر بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن الحسين: عن أبي رافع قال: كنت قاعدا بعدما بايع الناس أبا بكر فسمعت أبا بكر يقول للعباس: أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم وجمعكم دون قريش فقال: يا بني عبد المطلب إنه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووزيرا وصيا وخليفة في أهله فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي ؟ فلم يقم منكم أحد، فقال: يا بني عبد المطلب كونوا في الاسلام رؤسا ولا تكونوا أذنابا، والله ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن ! ! فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرطه له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم.
وأيضا روش في الحديث: (1025) وتاليه من ترجمة علي عليه السلام ج 3 ص 12 ط 1، قال: أخبرنا أبو القاسم أيضا أنبانا أبو الفضل ابن البقال، أنبأنا أبو الحسين ابن بشران، أنبأنا أبو عمرو بن السماك، أنبأ حنبل بن اسحاق أنبأنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، أنبأنا زهير أنبأنا أبو إسحاق قال:
[496]
سأل عبد الرحمان بن خاد قثم بن العباس بأي شئ ورث علي رسول الله صلى الله عليه وسلم دونكم ؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقا " وأشدنا به لزوقا.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك، أنأنا أبو عثمان سعيد بن أحمد بن محمد، أنأنا أبو محمد عبد الله بن حامد بن محمد الإصبهاني أنبأنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك، أنبأنا أبي قال: قلت ليحي بن معين: أبو إسحاق السبيعي لقي قثم ؟ قال: نعم في طريق خراسان.
فقلت له: إن النفقيلي حدثنا عن زهير عن أبي إسحاق قال قيل لقثم: بأي شئ علي النبي صل يا لله عليه ولسم ؟ قال: كان أولنا به لحوقا " وأشدنا به لزوقا ! ! فقلت: (ليحي): فأيش معنى ورث علي ؟ قال: لا أدري إلا أن عيسى بن يونس حدثنا وذكر حديث مجال بن سعيد.
ورواه أيضا " الحاكم في الحديث: (65) من باب منافب أمير المؤمنين من المستدرك: ج 3 ص 125 قال: أخبرنا أبو النضر محمد بن يوسف الفقيه، حدثنا غثمان بن سعيد الدامي، حدثنا النقيلي، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق.
قال عثمان: وحدثنا علي بن حكيم الأئدي وعمرو بن عون الواسطي، قالا: حدثنا شريك بن عبد الله: عن أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دونكم ؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقا " وأشدنا به لزوقا ".
قال احاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وقال الذهبي: صحيح.
[497]
ورواه أيضا " النسائي في الحديث: (103) من كتاب الخصائص ص 107 ط 3 قال: أخبرني هلال بن العلاء بن هلال، قال: حدثنا حسين، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: سأل أبو عبد الرحمان بن خالد بن قثم (11) بن العباس من أين ورث علي رسول الله صلى عليه وسلم ؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقا " وأشدنا به لزومقا ".
قال أبو عبد الرحمان (النسائي): خالقه زيد بن أبي أنيسة فقال: عن خالد بن قثم.
أخبرنا هلال بن اعلاء، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبيدالله عن زيد، عن أبي إسحاق، عن خالد بن قثم أنه قيل له.
ما لعلي (12) ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ دون جدك وهو عمه ؟ قال: إن عليا " كان أولنا به لحوقا " وأشد نا به لزوقا.
ورواه أيضا " ابن أبي شيبة، عن أبي إسحاق قال: قيل لقثم: كيف ورث علي النبي صل يا لله عليم وسلم دونكم ؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقا، وأشدنا به لزوقا.
هكذا رواه عنه في باب فضائل علي تحت الرقم (362) من كنز العمال: ج 15، ص 126، ط 2.
وفي ط 1: ج 6 ص 400.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) كذا في النسخة، والظاهر ان لفظة (ابن) بين (خال - و - قثم) زائدة، أوان الصواب: سئل، كما في بعض ما صحح من النسخ.
(12) كذا في المصححة، وفي المطبوعة: (كيف علي ورث رسول..).
[498]
ومن خطبة له عليه السلام المعروفة بالمقصمة والشقشقية (1) قال الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي (ره): حدثنا محمد ابن علي ما جيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (2) عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وإنما سميت بهما لقوله عليه السلام في أولها: (لقد تقمصها).
ولقوله في آخرها: (تلك شقشقة هدرت ثم قرت).
وهذه الخطبة من مشاهير هطبه عليه السلام وقد رواها جماعة كثيرة من اعلام الفريقين بطرق مختلفة عن ابن عباس وعن الإمام الحسين عليه السلام، عن أمر المؤمنين عليه السلام وسنشير في الختام إلى بعض ما عثرنا عليه من مصادرها.
(2) وأيضا " روي الخطبة عنه الأستاذ الشيخ علي عرشي مدير مكتبة راميور، نقلا " عن كتابه المحاسن والآداب، في مجلة ثقافة الهند (8) عدد (دسيمبر) 1957، م، كما انه نقلها أيضا " عن كتاب الغارات للثقفي (ره).
[499]
وحدثنا محمد بن إبراهيم بن اسحاق الطالقاني رحمة الله (3) قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيي الجلودي، قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيي بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثني عيسى بن راشد، عن علي بن حذيفة (4) عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ذكرت الخلاقة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (5) فقال: (أما) والله لقد تقمصها (ابن أبي قحافة) أخوتيم (6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وهذا السند ذكره الصدوق (ره) في كتاب علل الشرائع بعد ختام الخطبة بالسند الأوال، وقدمه في الباب (221) من معاني الأخبار، ص 360 والظاهر ان متن الخطبه في كتاب معاني الأخبار مروي بهذا السند، وفي علل الشرائع بالسند الذي ذكر أولا "، ولذا ترى بين الكتابين اختلافا " في بعض ألفاظ المتن.
(4) كذا في غير واحد من النسخ المطبوعة والمخطوطة، وهكذا نقله المجلسي (ره) في الحديث الأول من الباب (15) من البحارج 8 ص 159، ط الكمباني عن علل الشرائع، ومعاني الأخبار، ولكن في نسخة معاني الأخبار التي صححها الشيخ الغفاري وفقه الله: (عن علي بن خزيمة).
ولعل الصواب: بذيمة.
(5) مابين المعقوفين في بعض النسخ هكذا: (ص).
وهومن باب الرمز والإختصار.
(6) كذا في النسخة المطبوعة من علل الشرائع ببلدة (قم).
وفي معاني الأخبار: (والله لقد نقمصها أخوتيم).
ومثله في بعض النسخ من كتاب علل الشرائع.
قال الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري - المتوفى عام (382) -: معنى (تقمصها)): لبسها مثل القميص، يقال: تقمص الرجل وتدرع وتردى وتمندل.
(أي لبس القميص والدرع والرداء والمنديل).
[500]
وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى (7) ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير (8) فسدلت دونها ثوبا " (9) وطويت عنها كشحا ! ! ! (10) وطفقت أرتئي بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) أي تدور الخلاقة علي كما تدور الرحى على قطبها.
كذا فسره العسكري.
أقول: الضمير في قوله: (منها) راجع إلى الخلاقة، ولقطب - كقفل وعنق.
وقيل بتثليث أوله -: حديدة فائمة تدور عليها الرحى.
ملاك الشئ ومداره، يقار: هو قطب بني فلان أط سيدهم الذي يدور عليه أمرهم.
(8) وفي النسخة المطبوعة من معاني الأخبار: (ينحدر عنه السيل، ولا يرتقي إليه الطير).
وعلى هذا فالضمير في (عنه - وإليه) راجع إلى القطب، والمال واحد، قال العسكري في شرح هذه الفقرة: يريد (أمير المؤمنين عليه السلام من هذا) أنها (أي الخلافة) ممتنعة على غيري، لا يتمكن منها ولا يصلح لها (أحد سواي).
(9) قال العسكري: (ومعناه) أي أعرضت عنها ولم أكشف وجوبها لي.
أقول: سدلت - من باب ضرب ونصر -: أرخيت وأرسلت.
(10) قال العسكري: الكشح (كفلس): الجنب والخاصرة، فمعنى قوله: (طويت عنها) أي أعرضت عنها، والكاشح: الذي يوليك كشحه أي جنبه.
[501]
أن أصول بيد جداء (11) أو أصبر على طخية عمياء (12) يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير (13) ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ! ! ! (14) فرأيت أن الصبر على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) قال العسكري: (طفقت): أقبلت وأنخذت.
و (اد (أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: (بيد جذاء) بيد جذاء): قلة الناصر.
وقال في مادة (جذذ) من النهاية ولسان العرب وتارج العروس: وفي حديث علي: (أصول بيد جذاء) أي مقطوعة، كنى به عن قصور إصحابه وتفاعدهم عن الغزو، فإن الجند للأمير كاليد.
وقال في مادة: (حذذ) من لسان العرب - وكذلك في النهاية -: وفي حديث علط رضوان الله عليه: (أصول بيد حذاء) أي قصيرة لا تمت إلى ما أريد.
(12) الطخية - بتثليث الطاء وسكون الخاء -: الظلمة.
وقال العسكري: فللطخية موضعان: أحدهما الظلمة، والآخر: الغم والحزن، يقال: (أجد علي قلبي طخيا ") أي حزنا " وغما ".
وهو هنا يجمع الظلمة والغم والحزن.
(13) يقال: (هرم فلان - من باب علم - هرما " - كفرحا " - ومهرما " ومهرمة): ضعف وبلغ وأقصى الكبر.
(14) يقال: (كدح في العمل - من باب منع - كدحا "): جهد نفسه فيه وكد حتى أثر فيها.
وقال العسكري: أي يدأب (أي يجد ويتعب) ويكسب لنفسه ولا يعطى حقه.
[502]
هاتى أحجى (15) فصبرت وفي العين قذى ! ! ! وفي الحق شجى ! ! ! (16) أرى تراثي نهبا ! ! ! (17) حتى إذا مضى (الأول) لسبيله عقدها لأخي عدي بعده ! ! ! (18).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) هاتا بمعنى هذه، والهاء فيها للتنبيه، و (تا) إشارة إلى المؤنث، وهي - هنا - الطخية الموصوفة بالعمياء.
قال العسكري: و (أحجى): أولى، يقال: عذا أحجى من هذا وأخلق وأحرى وأوحب، كله قريب المعنى.
أي بعد ما تفكرت ودققت النظر رأيت أن الصبر على هذه الحالة وتجرع الغصص أولى من المصاولة بلا نصير.
(16) وفي بعض المصادر: (فصبرت وفي العين فذى وفي القلب صلى وفي الحلق شجى ! ! !) و (القذى): ما يقع في العين من تبن أو تراب أو وسخ.
و (الصلى) - على زنة عصى، والصلاء كرضاء -: النار أو العظيمة منها.
وقودها.
و (الشجى): ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.
(17) التراث كالوراث: الميراث: ما يبقى بعد وفاة الإنسان من تركته.
(18) كذا في معاني الأخبار، وفي كتاب الجمل ص 92: (حتى إذا حضر أجله جعلها في صاحبه عمر).
وفي غير واحد من النسخ المطبوعة والمخطوطة من علل الشرائع هكذا: (حتى إذا مضى لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده عقدها لأخي عدي بعده...).
ولا ريب أن جملة: (فأدلى بها إلى فلان بعده) إما كانت في الاصل مؤخرة عما بعدها وبدلا عنها - أو العكس - فأخل الجهال من الكتبة أن يشيروا إلى علامة البدلية، أو أنها كانت في الهامش مأخوذة من نهج البلاغة، أو رآها الكاتب في نهج البلاغة أو غيره من مصادر الخطبة فظن أنها لا بأن تكون جزءا " للكلام في جميع الطرق والاصول فأدرجها في المتن.
[503]
فيا عجبا ! ! بينا هو يستقيلها في حياته إذا عقدها لآخر بعد وفاته ! ! ! (19) فصيرها في حوزة خشناء يخشن مسها، ويغلظ كلمها، وكيثر العاثر (في 9 ا) والإعتذار منها ! ! ! (20) فصاحبها كراكب الصعبة، إن عنف بها حرن، وإن أسلس بها غسق ! ! ! (21) فمني الناس بتلون واعتراض وبلوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) إن استقالة أبي بكر عن بيعته - إذا ارتطم في مشكلة أو ضاق به الخناق - وطلبه من المسلمين فسخ بيعته روته جماعة من أهل السنة وأقرته آخرون كما نذكر نبذا " منها فيما بعد، ولو لم يكن في الموضوع إلا هذا الكلام لكان فيه الكفاية.
(20) قال العسكري: (في حوزة): في نايحة، يقال: حزت الشئ - من باب قال - أخوزه حوزا ": جمعته.
والحوزة: ناحية الدار وغيرها.
الطبيعة.
والكلم - كفلس -: الجرخ.
وفي أمالي الشيخ: (فعقدها - والله - في ناحية خشناء يخشن (يخشى (خ)) مسها ويغلظ كلمها، ويكثر العثار والإعتذار فيها).
وفي الإرشاد: (فصيرها - والله - في ناحية خشناء يحفو مسها، ويغلظ كلمها (ف) صاحبها گراگب الصعبة، إن اشنق لها خرم، وان أسلس لها عسف، يكثر فيها العثار، ويقل منها الإعتذار).
(21) وفي النهج: (فصيرها في حوزه خشناء يغلظ كلامها (كلمها (خ)) ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها والإعتذار منها، فصاحبها كراكب =
[504]
مع هن وهني (22) فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني منهم ! ! ! فيا لله وللشورى (23) متى اعترض الريب في مع الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تفحم، فمني الناس - لعمر والله بخرط وشماس وتلون واعتراض).
قال العسكري: قوله: (كراكب الصعبة) يعني النافة التي لم ترض إن عنف بها - والعنف: ضد الرفق - (حرن) أئ وقف ولم يمش) وان أسلس بها) أي أرخى زمامها وخلاها باختيارها (عسق) أي أدخله في الظلمة.
(22) ومثله في معاني الأخبار، وفي الإرشاد: (مع هن وهن) ومثله في النهج وأمالي الشيخ ولكن ذكروها بعد قوله عليه السلام - الآني -: (وأصفى آخر إلى صهره).
أقول: (فمني).
على بناء المجهول: ابتلي.
و (التلون): التبدل وعدم الاستقامة على رأي وعقيدة.
و (الاعتراض): السير على غير خط مستقيم.
و (بلوى): البلية والمصيبة.
و (هن) يكنى به عما يقبح ذكره ويستهجن التصريح به.
و (هني) مصغر (هن) قال العسكري: يعني الأدنياء من الناس تقول العرب: (فلان هني) وهو تصغير (هن) أي هو دون من الناس.
يريدون بذلك تصغير أمره.
(23) ومثله في جل المصادر، وفي معاني الأخبار - وبعض نسخ علل الشرائع على ما قيل -: (فيا لله لهم وللشورى) واللم في (لله) مفتوحة لأنه مستغاث به، وفي (للشورى) مكسورة لأنه مستغاث.
وفي كتاب الجمل ص 62: (فجعلني عمر سادس ستة زعم اني أحدهم، فيا لله وللشوري...).
[505]
منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر (24) فمال رجل لضغنه وأصغى آخر لصهره ! ! ! (25) وقام ثالث القوم نافجا "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) ومثله في النهج، وفي معاني الأخبار: (بهذه النظائر).
وفي أمالي الشيخ: (متى اعتراض الريب في مع الأولين (منهم) فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر).
وفي الإرشاد: (متى اعتراض الريب في مع الأولين منهم حتى صرت الآن أقرن بهذة النظائر).
وفي كتاب الجمل ص 92: (متى اختلج الريب في مع الأولين حتى صرت أقرن إلى هذة النظائر).
(25) وفي معاني الأخبار: (فمال رجل بضبعه (بضلعه (خ)) وأصغى آخر لصهره).
وفي الإرشاد: (فمال رجل لضغنه وصغى آخر لصهره).
وفي كتاب الجمل ص 92: (فنهض واحد لضغنه، ومال الآخر لصهره).
وفي النهج: (فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هن وهن).
قال العسكري: (فمال رجل بضبعه) ويروى (بضلعه) وهما قريب وهو أن يميل بهواه ونفسه إلى رجل بعينه.
أقول: (اضغن): الحقد، والذي مال عنه عليه السلام لحقده هو سعد بن أبي وقاصي لقتل أخواله بيد علي عليه السلام في غزوة بدر وأحد، وأو المقصود منه طلحة بن عبيدالله، وحقده على علي من أجل معارضته عليه السلام مع أبي بكر وشكواه عنه، وطلحة من رهط أبي بكر فيحقد على من هو حاقد عليه.
والذي أصغى ألى صعره هو عبد الرحمن ابن عوف وامرأته كانت أختا " لعثمان من أمه.
[506]
حضنيه بين نثيله ومعتلفه ! ! ! (26) وقام معه بنو أمية يهضمون مال الله هضم الإبل نبت الربيع (27) ! ! ! حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) هذا هو الظاهر الموافق لنهج البلاغة، وفي معاني الأخبار، وعلل الشرائع: (بين ثيله ومعتلفه) قال في مادة: (ثول) من تاج العروس: والثول - بالضم - لغة في الثيل لوعاء قضيب الجمل.
أقول.
وهذه القطعة رواها أيضا " في مادة (حضن) و (نفج) من لسان العرب.
(27) ومثله في معاني الأخبار، وفي أمالي الشيخ: (وأسرع معه بنو أبيه في مال الله يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع).
ومثله في نهج البلاغة غير أن فيه (وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله).
وفي الإرشاد: (وأسرع معه بنو أبيه يخصمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع إلى أن ثوت به بطنته وأجهز عليه عمله).
وقال في مادة (خضم) من النهاية: وفي حديث علي رضي الله عنه: (فقام إليه بنو أمية يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع) والخضم (كفلس): الأكل يأقصى الأضراس.
والقضم (على زنة الخضم) الأكل بأدناها.
وما أحسن وألطف تشبيهه عليه السلام صنيع بني أمية في مال الله بخضم الإبل أو هضمه نبت الربيع، حيث يستفاد من الخضم أنهم كانوا يأكلون مال الله بملئ أفواههم فيفرغون في بطونهم بلا مهلة، إذا نبت الربيع لرقته ولينة لا فصل بين وضعه في القم وبلعه.
وهكذا التعبير بالهضم من قولهم: (هضمت المعدة الطعام - من باب ضرب ومنع - هضما ").
أحالته إلى صورة غذائية، حيث أن تأثير المعدة في نبت الربيع واحالته وجعله جزا " للبدن أسرع وأقوي من تأثيرها في غيره.
[507]
أجهز عليه عمله وكبت به مطيته (بطنته (خ)) (28) فما راعني إلا والناس إلى كعرف الضبع قد انثالوا إلى من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطا في ! ! (29)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(28) قال العسكري: (أجهز عليه): أتي عليه وقتله، يقال أجهزت على الجريح أي كانت به جراحة فقتلته (وأتممت قتله).
أقول: وفي النهج: (إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته)، وفي أمالي الشيخ: (حتى انتكثت به بطانته وأجهز عليه عمله).
وفي الإحتجاج: (إلى أن كبت به بطنته وأجهز عليه عمله).
انتكث: انتقض.
و (الفتل) كفلس -: لي الشئ ونسج الشعرو الوبر والقطن وما أشبهها - ويعبر عنه بالفارسية: ب (تابيدن وريسيدن) - وكبت به: أسقطه،، من قولهم: (كبا الجواد): سقط لوجهه و (البطنة) - كفتنة -: البطر والأشر.
الإسراف
[508]
حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة وقسطت أخرى، ومرق آخرون (30) كأنهم لم يسمعوا الله تبارك وتعالى يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) [83 / القصص: 28] بلى والله لقد سمعوها ووعوها [و] لكن إحلولت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها (31).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) هذا الصواب الموافق لما في النهج: (فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون).
وفي المطبوع من كتاب علل الشرائع: (وفسقت أخرى) والظاهر انها من تصحيف الناسخين إذ لا تقابل بين نكثت ومرقت وفسقت، لأن النكث والمروق داخلان تحت الفسق ومن أقسامه فلا ينبغي أن يجعل قسما لهما، فالصحيح هو ما ذكرناه، والطوائف الثلاث - وهم طلحة والزبير ومعاوية وأصحابه وإن اشتركت في الانحراف وعدم الاستقامة على جادة الشريعة ولكن أخص أوصاف كل واحد منهم وميزها عن الآخر هو ما ذكره عليه السلام وهذا البيان مأخوذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دلائل صدقه في دعواه حيث أخبر عن صفة القوم قبل وقته بما يقرب أربعين سنة في قوله المتواتر بين المسلمين: (يا علي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين).
(31) وفي النهج: (ولكن حليت الدنيا...).
وهما بمعنى واحد أي صارت الدنيا حلوا لذيذا في مذاقهم ورأوها محلاة بحلية تشتهيه أنفسهم فرغبوا فيها وركنوا إليها.
و (راقهم) من باب قال -: أعجبهم.
و (الزبرج) الزينة.
وقيل: الزبرج: الذهب.
[509]
(أما) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أ [ن] لا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم (32) لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها (33) ولألفيتم دنيا كم هذه عندي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) الحبة: بذر النبات والأشجار.
والنسمة: كل ذي روح.
أو هي البشر خاصة.
وحضور الحاضر: حضور الأنصار ووجود الأعوان على إقامة دين الله.
و (أن لا يقروا) أي أن لا يعترفوا ولا يسكتوا وفي النهج: (أن لا يقاروا).
أي لا يسكنوا ولا يسكتوا.
و (كظة ظالم) أي بطنته أي امتلاؤه المفرط من الأكل وشبعه التام من مال الضعفاء والمساكين.
وقيل: هي ما يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام.
و (سغب مظلوم) أي شدة جوعه وحرمانه من تناول ماله وحقوقه.
والضمير في (حبلها - و - غاربها) راجع إلى الخلافة، والكلام مبني على الاستعارة والتشبيه، حيث شبه الخلافة ببعير مقوده بيده وزمامه باختياره.
وغارب البعير: كاهله وقدام سنامه أي لولا قيام الحجة علي على وجوب الدفاع عن حريم الشريعة مع المكنة لأهملت أمر الخلافة وألقيت زمامها على كاهلها تتوجه أينما تريد وتشتهي.
والكلام من الكنايات الشائعة لتخلية الشخص سبيل ماله السلطة عليه، حتى انه قد يكنى به عن الطلاق والعتق.
(33) الضمير في (آخرها - و - أولها) راجع إلى الأمة.
[510]
أزهد من عفطة [حبقة (خ)] عنز (34).
قال [ابن عباس] وناوله رجل من أهل السواد (35) [عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته] كتابا فقطع كلامه، وتناول [أمير المؤمنين] الكتاب [فأقبل ينظر فيه] فقلت: يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت.
فقال: (هيهات هيهات، يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرت) (36).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) (ألفيتم): وجدتم وعلمتم.
و (أزهد): أهون.
و (عفطة عنز) أي ما يخرج من أنفه من فضلات ويعبر عنه في لسان المر ودشتيين ب (چرم) بضم فسكون.
والعفطة أيضا: الضرطة.
وهذا المعنى أيضا يصح إرادته هنا لا سيما بمعونة ما ورد في بعض النسخ والمقصود شدة كراهته للدنيا ونهاية هوانها لديه وكمال اشمئزازه منها كاشمئزاز الإنسان من چرم العنز وعفطته أو من (جس) المعز أي من ضرطته، وهذا المعنى إلى الآن مستعمل دائر في محاورات العرب والإيرانيين في التعبير عن هوان الشئ واحتقاره.
(35) ما بين المعقوفين زدناه وأخرجنا الكلام من الاضمار توضيحا، والمراد من السواد العراق.
(36) قال في هامش الجزء الثالث من كتاب تحرير التحبير، ص 383 ط مصر - عند ذكر الخطبة الشقشقية في متنه -: الخطبة الشقشقية خطبة للإمام علي، وهي خطبة بديعة مشتملة على حكم وأنواع بلاغية، قيل لها ذلك لأنها لما قال له ابن عباس رضي الله عنهما: (لو أطردت مقالتك من حيث اقتضيت [كذا]).
قال له: يا ابن عباس: هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت).
والشقشقة: لهاة البعير.
وقيل: [هي] شئ يخرجه البعير من فيه إذا هاج.
[511]
قال ابن عباس: فما أسفت على كلام قط كأسفي على كلام أمير المؤمنين عليه السلام إذ لم يبلغ [منه] حيث أراد (37).
الحديث الثاني عشر من الباب: (122) من كتاب علل الشرائع، ص 144، ط (قم) وفي ط الغري ص 150، وفي الطبعة القديمة بإيران ص 61.
ورواه أيضا في الباب (221) من كتاب معاني الأخبار، ص 360، ط طهران بتحقيق الشيخ علي أكبر الغفاري وفقه الله، وبين الكتابين اختلاف لفظي في بعض ألفاظ المتن وقد وضعنا مورد الإختلاف بين المعقوفات ونصبنا القرينة المعينة في التعاليق المتقدمة على ما به الإختلاف بين الكتابين، وقد قلنا سابقا: يحتمل قويا أن المتن الذي ذكره في كتاب معاني الأخبار مروي بالسند الأخير - الذي ذكره هنا في أول الخطبة متصلا بها - والمتن الذي ذكره في علل الشرائع رواه بالسند الأول، كما قد يستأنس بهذا اتصال الخطبة في علل الشرئع بالسند الأول، - وإنما ذكر السند الثاني فيه بعد ختام الخطبة - واتصالها بالسند الثاني في كتاب معاني الأخبار، وكيفما كان الإختلاف اللفظي غير مضر بعد وحدة المعنى، ولو كان مرويا بطريق واحد، فضلا عما إذ كان لكل لفظ طريق كما هو الشأن في هذه الخطبة، فإنك دريت مما تقدم من التعاليق أن مورد الخلاف بين الكتابين موافق لغير واحد من المصادر التي لا تتحد مع الكتابين.
(37) ولابن أبي الحديد ها هنا كلام لطيف نقله عن أستاذه النقيب، جدير فالمراجعة جدا، فراجعه في شرح الخطبة من شرحه على نهج البلاغة.
[512]
ثم ليعلم أن الخطبة الشريفة قد رواها جماعة كثيرة من علماء السنة والإمامية ومن عجائب الدهر أنه مع كثرة الدواعي على إخفاء أمثال هذا الكلام، واستقرار ديدنهم على تغطيته وستره، وتمزيق أصله وإحراق مصادره، ومع ذلك كله قد تجلى في أفق كتب كثير من أهل الإنصاف من علماء أهل السنة، وتلألأ بدره التم بحيث ينفذ شعاعه في حاسة العميان فضلا عن أهل البصائر والضمائر، فرواها الحافظان ابن مردويه، والطبراني - كما يأتي - ورواها ابن الخشاب عبد الله بن أحمد واعترف بأنها من كلام أمير المؤمنين عليه السلام وأنه وجدها في كتب العلماء وأهل الأدب بخطوطهم قبل أن يخلق الرضي بمأتي سنة، كما ذكره عنه ابن أبي الحديد في شرح الخطبة، وكذلك ذكر ابن أبي الحديد في الشرح: ج 1 ص 69: أنه وجد كثيرا من ألفاظ الخطبة في تصانيف إمام البغداديين من المعتزلة الشيخ أبي القاسم البلخي، وأيضا رواها سبط ابن الجوزي يوسف بن قزغلي الحنفي في أول الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 133، عن شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري، ثم ذكر الخطبة بما يستفاد منه تعدد الطرق لها.
ورواها أيضا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري المتوفي عام 382، كما رواها عنه الشيخ الصدوق في علل الشرائع ومعاني الأخبار، وكذلك العلامة الحلي في المطلب الخامس من كتاب كشف الحق: ج 2 ص 40، وكذلك نقلها عنه في المقدمة الثالثة من كتاب الدرجات الرفيعة، ص 37.
ورواها أيضا أبو علي الجبائي وأبو هلال العسكري الحسن بن عبد الله بن سهل المتوفي بعد سنة 395.
في كتاب الأوائل كما نقل عنه في إحقاق الحق نقلا عن هدية الأحباب.
وكثيرا منها ذكره الأدباء واللغويون، فذكر قطعا منها في مادة: جذ وحذ وحضن ونفج ونفخ وشقشق من القاموس ولسان العرب وتاج العروس، ومجمع الأمثال: ص 169.
[513]
وقطعا كثيرة منها ذكرها ابن الأثير في النهاية، فانظر منه المواد التالية: جذ.
وحذ.
وحضن.
ونفج ونفخ.
ونثل.
وخضم.
وشقشق، وعفط.
وحلأ.
وسفف وشنق.
وقال الفيروز آبادي في مادة: (شقق) من كتاب القاموس: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس - لما قال له: لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت -: يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت ! ! ! وقال في باب الاستعانة من الجزء الثالث من كتاب تحرير التحبير، ص 383: وأما الناثر فإن أتى في أثناء نثره ببيت لنفسه سمى ذلك تشهيرا، وإن كان البيت لغيره سمي استعانة كقول علي - عليه السلام - في خطبته المعروفة بالشقشقية: [فيا عجبا] بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته [ثم قال]: شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر فهذا البيت للأعشى استعان به علي عليه السلام كما ترى.
أقول: وللعلامة الأميني رحمه الله في الغدير: ج 7 ص 80 كلام وفيه فوائد.
(نهج السعادة ج 2) (م 33)
[514]
- 303 - ومن خطبة له عليه السلام في حث الناس إلى حرب معاوية قال البلاذري: قالوا: [لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من بلوى الخوارج] (1) أمر الناس بالرحيل من النهروان [الى الشام] فقال لهم: إن الله قد أعزكم، وأذهب عنكم ما كنتم تخافون فامضوا من وجهكم هذا إلى الشام.
فقال الأشعث بن قيس: يا أمير المؤمنين نفدت سهامنا وكلت سيوفنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما بين المعقوفين زيادة منا لحصول الارتباط بين الكلام، كما أن أصل إيراد الخطبة أيضا هاهنا - مع أنها قد تقدمت برواية المسعودي - لهذا الغرض، ثم الضمير في لفظة (قالوا) في كلام البلاذري كأنه راجع إلى الجماعة المذكورة في سند المختار.
(258) المتقدم في ص 360، أو ما بعده مما ذكره البلاذري في الحديث: (437) من ترجمة أمير المؤمنين.
، والكلام إلى قوله: (فركن الناس إلى ذلك) ذكره أيضا، في ترجمة الأشعث من تاريخ بغداد: ج 1 ص 197.
[515]
ونصلت رماحنا فلو أتينا مصرنا حتى نريح ونستعد ثم نسير إلى عدونا.
فركن الناس إلى ذلك وكان الأشعث طنينا وسماه علي عرف النار (2).
وقال الثقفي رحمه الله: وسمعت أصحابنا [ينقلون] عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، قال قال علي [عليه السلام لما سمع منهم ما قالوا]: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (2).
فاعتلوا عليه، فقال: أف لكم إنها سنة جرت.
وعن محمد بن اسماعيل، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد [الأسدي] عن نمير بن وعلة، عن أبي وداك، قال: لما أكره علي الناس على المسير إلى الشام [فاعتلوا وطلبوا منه أن يعود بهم إلى الكوفة كي يداووا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وبعده في الحديث (450) من أنساب الأشراف هكذا (قالوا: فسار علي حتى أتى المدائن، ثم مضى حتى نزل النخيلة وجعل أصحابه يدخلون الكوفة، حتى بقي في أقل من ثلاثمأة، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وقد بطل عليه ما دبر من إتيان الشام، قاصدا إليها من النهروان، فخطب الناس [بالخطبة التالية].
ولما كان ما ذكره البلاذري غير واف للواقع في تلك القصة، أتممناه برواية الثقفي في الحديث: (100) من كتاب الغارات: ج 1 ص 100، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 678.
(3) اقتباس من الآية (21) من سورة المائدة: 5.
[516]
الجرحى ويستعدوا بأحسن الجهاز والعدة ثم يذهب بهم إلى الشام] أقبل بهم حتى نزل النخيلة، وأمر الناس أن ينزلوا معسكرهم ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتى يسيروا إلى عدوهم، فأقاموا معه بالنخيلة أياما ثم أخذوا يتسللون ويدخلون المصر، فبقي [عليه السلام] وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل ! ! ! وترك المعسكر خاليا، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه صبر ! ! ! فلما رأى [عليه السلام] ذلك، دخل الكوفة في استنفار الناس.
وعن محمد بن إسماعيل، عن يزيد بن معدل، عن ابن وعلة، عن أبي وداك، قال: لما تفرق الناس عن علي بالنخيلة، ودخل الكوفة، جعل يستنفرهم إلى جهاد أهل الشام [وهم يتعللون] حتى بطلت الحرب تلك السنة ! ! !.
[517]
- 304 - ومن خطبة له عليه السلام في توبيخ أصحابه وتقريعهم على التفرق عنه والتقاعد منه قال ابن دأب: لما رأى أمير المؤمنين عليه السلام - وهو في معسكره بالنخيلة - أن الذين بقوا معه لم يثبتوا ولم يستقيموا، وأن الذين انصرفوا لم يرجعوا إليه (1) دخل الكوفة فصعد المنبر وقال: لله أنتم ؟ ما أنتم إلا أسد الشرى في الدعة، وثعالب رواغة [عند البأس ! ! !] (2) ما أنتم بركن يصال به ولا زوافر عز يفتقر إليها (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا معنى كلامه وليس بصريح لفظه ونصه.
(2) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق ومذكورة في مصادر أخر.
والأسد - كقفل -: جمع الأسد - كسبب -.
والشرى - كعصى -: أجمة الأسد.
وقيل: هي مأسدة الفرات يضرب بها المثل.
(3) زوافر: جمع الزافرة: عشيرة الرجل وأنصاره.
عماد الشي.
الكاهل.
[518]
أيها المجتمعة أبدانهم والمختلفة أهواؤهم ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم (4) مع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ وأي دار بعد داركم تمنعون ؟ ! ! هكذا رواه الشيخ المفيد - رحمه الله - في كتاب الإرشاد ص 154، نقلا عن كتاب ابن دأب.
وهذا تلخيص الخطبة، ورواها بأطول مما هنا الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وكذا رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد كما رواها أيضا في المختار: (28) من نهج البلاغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) قاساكم: تحمل تعب تقويمكم وألم تأديبكم وتربيتكم.
[519]
ومن خطبة له عليه السلام لما دخل الكوفة بعد ما تفرق جنده وتركوا معسكرهم خاليا ! ! ! أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدوكم ففي جهاده القربة إلى الله ودرك الوسيلة عنده (1) (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) (2) وتوكلوا على الله، وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا.
فتركهم أياما [منتظرا لجهازهم وإعدادهم] فلم يصنعوا شيئا حتى إذا يئس منهم خطبهم بالخطبة التالية.
الحديث: (145) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1 / الورق 199 / أو ص 399 من المخطوطة، ومثله في الإمامة والسياسة - ص 150، وغيرهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ويل للذين يروون عن أمير المؤمنين أمثال هذا ثم يجمعون بين ولايته وولاية معاوية.
(2) ما بين القوسين اقتباس من الآية: (60) من سورة الأنفال: 8.
[520]
- 306 - ومن خطبة له عليه السلام خطبها بعد ما يئس من إجابة أصحابه إياه في المسير إلى الشام فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: يا عباد الله ما بالكم إذا أمر تكم أن تنفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ؟ (1) أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلا ؟ وبالذل والهوان من العز والكرامة خلفا ؟ ! ! أكلما دعوتكم إلى الجهاد دارت أعينكم في رؤسكم ؟ ! كأنكم من الموت في سكرة، وكأن قلوبكم قاسية (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي الآية (38) من سورة التوبة: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم: انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل).
(2) كذا.
[521]
فأنتم أسود الشرى عند الدعة (3) وحين تنادون للبأس ثعالب رواعة ! ! ! (4) تنتقص أطرافكم فلا تتحاشون (5) ولا ينام عنكم عدوكم وأنتم في غفلة ساهون ! ! ! إن لكم علي حقا، وإن لي عليكم حقا، فأما حقكم فالنصيحة لكم ما نصحتم (6) وتوفير فيئكم عليكم، وأن أعلمكم كيلا تجهلوا، وأؤدبكم كيما تعلموا (7) وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح في المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الشرى - كعسى -: أجمة الأسد.
كناية عن سرعة التوثب وشدة الإباء.
(4) كذا في الأصل، وفي النهج: (الرواغة).
(5) أي فلا تنهضون ولا تتحركون.
(6) كذا في النسخة، والصواب ما في البحار: ج 8 ص 679: (النصيحة لكم ما صحبتكم).
(7) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (كيلا تعملوا): وفي المحكي عن الغارات: (وتأديبكم كي تعلموا).
[522]
ذيل الحديث: (451) من ترجمة أمير المؤمنين - عليه السلام - من كتاب أنساب الأشراف، القسم الأول من ج 1 / الورق 199 / أو ص 399، وفي ط 1: ج 2 ص 380.
وذكرها مع زيادة كثيرة سليم بن قيس الهلالي في كتابه ص 110، كما ذكرها أيضا في الإمامة والسياسة.
- 307 - ومن خطبة له عليه السلام في سياق الناس إلى حرب معاوية أيضا قال ابن أبي الحديد: وروى الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن قيس بن حازم (1) قال: سمعت عليا عليه السلام على منبر الكوفة وهو يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وأيضا قال ابن أبي الحديد - بعد رواية ما في المتن -: هذا قيس ابن أبي حازم وهو الذي روى حديث: (إنكم لترون ربكم يوم القيامة.
، كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته).
وقد طعن مشايخنا المتكلمون فيه وقالوا: إنه فاسق، ولا تقبل روايته لأنه قال: إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة و [هو] يقول: (انفروا إلى بقية الأحزاب) فأبغضته ودخل بغضه في قلبي.
=
[523]
يا أبناء المهاجرين انفروا إلى أئمة الكفر وبقية الأحزاب، وأولياء الشيطان.
انفروا إلى من يقاتل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= قال ابن أبي الحديد: ومن يبغض عليا عليه السلام لا تقبل روايته.
قال المحمودي: وأراد ابن أبي الحديد انه لا يصدق في حديث الرؤية لأنه فاسق - ببغضه عليا عليه السلام - غير مبال بالدين، والفاسق وغير المبالي بالدين لا يستبعد كذبه وافتراؤه على الله ورسوله فلا اطمئنان بقوله، والاعتماد عليه ونسبة روايته إلى الله ورسوله - والحال هذه - داخل في عنوان الكذب والافتراء على الله المحرمين بالكتاب والسنة، فليسقط ما اعتقده ابن حنبل وجهال الحشوية.
نعم لو دلت قرينة خارجية على صدق الفاسق في قوله سواء كانت حالية أو مقالية أو عقلية يقبل قول الفاسق لأنه بها يخرج عن عنوان الكذب والإفتراء، ويدخل تحت عنوان العلم وحجية العلم ذاتية، ولذا نصدق ابن أبي حازم في روايته كلام أمير المؤمنين هذا، لأنه من أعداء أمير المؤمنين وشهادة العدو فيما يرجع إلى الضرر إلى نفسه تقبل بإطباق جميع الملل والأديان.
ثم إن في رواية الرؤية شخص آخر ممن فر من العدل وركن إلى القوم الظالمين وهو جرير بن عبد الله البجلى كما ذكره في ترجمة علي المديني من تاريخ بغداد: ج 11 ص 466 كما انه روى فيه ص 467 عن علي المديني ان قيس بن أبي حازم كان عثمانيا وانه لم يشهد الجمل، وانه كان أعرابيا بوالا على عقبيه.
[524]
على دم حمال الخطايا (2) فو الله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا ! ! !.
شرح المختار: (34) من خطب نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 194، وللخطبة مصدر آخر يأتي، ولها شواهد تقدم بعضها ويجئ أيضا بعض آخر، ورواها أيضا الثقفي بإسناده عن [ابن] أبي حازم، ثم قال: وحدثنا بهذا الكلام من قول أمير المؤمنين عليه السلام غير واحد من العلماء.
كما في البحار: ج 8 ص 629.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وتقدم في المختار: (40) في ج 1، ص 164 - ويجئ أيضا في المختار: (29) من باب الكتب - ما يدل عليه.
[525]
- 308 - ومن خطبة له عليه السلام في حث أهل الكوفة على الجهاد قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان (ره): أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن حبيش الكاتب، قال: حدثنا الحسن بن علي الزعفراني، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، عن زيد بن المعدل عن يحيى بن صالح، عن الحرث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبد الله الأزدي قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه وقد استنفرهم أياما إلى الجهاد فلم ينفروا، فصعد المنبر وقال: أيها الناس إني قد استنفرتكم فلم تنفروا، ونصحت لكم فلم تقبلوا ! ! ! فأنتم شهود كأغياب، وصم ذوو أسماع ! ! ! (1) أتلوا عليكم الحكمة [فتنفرون منها] وأعظكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ومثله في الإمامة والسياسة: ج 1 ص 151.
[526]
بالموعظة الحسنة [فتتفرقون عنها] وأحثكم على جهاد عدوكم الباغين (2) فما آتي على آخر منطقي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا (3) ! ! ! فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين (4) تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ما بين المعقوفات مأخوذ من المختار: (96) من نهج البلاغة.
وفي الإمامة والسياسة: (وأحثكم على جهاد المحلين الظلمة الباغين فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين، إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم)... (3) الكلام من الأمثلة السائرة بين العرب، قال في مادة) (سبأ) من اللسان: [قال في] التهذيب: وقولهم: (ذهبوا أيدي سبا) أي متفرقين، شبهوا بأهل سبأ لما مزقهم الله في الأرض كل ممزق فأخذ كل طائفة منهم طريقا على حدة، واليد: الطريق يقال: أخذ القوم يد بحر [أي طريقه] فقيل للقوم إذا تفرقوا في جهات مختلفة: ذهبوا أيدي سبا أي فرقتهم طرقهم التي سلكوها كما تفرق أهل سبا في مذاهب شتى.
والعرب لا تهمز سبا في هذا الموضع لأنه كثر في كلامهم فاستثقلوا فيه الهمزة وإن كان أصله مهموزا.
(4) أي حلقا حلقا متفرقين، وعزين: جمع عزة - على وزن عدة -: الطائفة من الناس، والهاء عوض عن اللام المحذوفة وهي الواو.
(5) وهذه العادة إلى الآن جارية في العرب - والظاهر ان المراد من الأخبار، هو السؤال عن سعر الأجناس.
[527]
وتسألون عن الأخبار، وقد نسيتم الاستعداد للحرب، وشغلتم قلوبكم بالأباطيل (6) تربت أيديكم، أغزوا القوم قبل أن يغزوكم (7) فو الله ما غزي قوم قط في عقر ديارهم إلا ذلوا، وأيم الله ما أراكم تفعلون حتى يفعلوا، ولوددت أني لقيتهم على نيتي وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم (8) فما أنتم إلا كإبل جمة ضل راعيها (9) فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر، والله لكأني بكم لو حمي الوغى وحم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) المراد من الأباطيل هو ما تقدم من ذكر الأمثال ومناشدة الأشعار وتفقد الأسعار.
(7) (تربت أيديكم) دعاء عليهم أي لا تصيبون خيرا وافتقرتم حتى لصقتم بالتراب.
(8) أي من تعب حملكم على جهات العزة والمنعة والسيادة والسعادة.
(9) الجمة: الكثيرة أي كقطيع إبل لا راعي لها فإنها لو اجتمعت من جانب على سبيل المصادفة، تفرقت من جانب آخر.
[528]
البأس قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج المرأة عن قلبها (10).
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل ابن عفان.
فقال [أمير المؤمنين عليه السلام]: يا عرف النار ويلك (11) إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له ولا حجة معه، فكيف وأنا على بينة من ربي [و] الحق في يدي، والله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يخدع لحمه (12) ويهشم عظمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) الكلام كناية عن حصول انفعال طبيعي لهم عند الحرب من الجبن وحب الحياة بحيث يمكنون عدوهم على أنفسهم كتمكين المرأة لطاعنها.
(11) قال السيد الرضي رحمه الله في ذيل المختار (18) من النهج في قصة ذكرها: وكان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار، وهو اسم للغادر عندهم.
(12) كذا في الأصل ولعله من قولهم: (خدع الرجل - من باب منع - خدعا): قطع أخدعه، والأخدع عرقان في صفحتي العنق قد خفيا وبطنا.
قوله (ويهشم عظمه): يكسره، والفعل من باب ضرب، و (يفري) - من باب رمى -: يقطع ويشق.
[529]
ويفري جلده ويسفك دمه، لضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره (13) أنت فكن كذلك إن أحببت، أما أنا فدون أن أعطي ذلك، ضربا بالمشرفي يطير منه فراش الهام، وتطيح منه الأكف والمعاصم ويفعل الله بعد [ذلك] ما يشاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد، صاحب منزل رسول الله فقال: أيها الناس إن أمير المؤمنين [أكرمه الله قد أسمع] من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ، إن الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها، إنه ترك بين أظهركم ابن عم نبيكم وسيد المسلمين من بعده يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جهاد الملحدين، فكأنكم صم لا تسمعون، أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها فلا تعقلون، أفلا تستحون عباد الله ؟ أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس ؟ قد شمل البلاء، وشاع في البلاد [الفساد] فذو حق محروم وملطوم وجهه وموطوء بطنه، وملقى بالعراء يسفي عليه الأعاصير، لا يكنه من الحر والقر، وصهر الشمس وضح إلا الأثواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) هذا هو الظاهر وفي الأصل: (جوارح صدره...).
والجوانح: الأضلاع تحت الترائب مما يلي الصدر، والمفرد: الجانحة، سميت بذلك لانحنائها وميلها.
(نهج السعادة ج 2) (م 34)
[530]
الهامدة (14) وبيوت الشعر البالية، حتى جاءكم الله بأمير المؤمنين عليه السلام، فصدع بالحق، ونشر العدل، وعمل بما في الكتاب، يا قوم فاشكروا نعمة الله عليكم ولا تولوا مدبرين، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون.
اشحذوا السيوف واستعدوا لجهاد عدوكم، وإذا دعيتم فأجيبوا وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا، وما قلتم فليكن، وما أمرتم فكونوا بذلك من الصادقين.
الحديث الخامس من المجلس: (18) من أمالي الشيخ المفيد، ص 95، ومثله في الإمامة والسياسة ص 151، إلا أنه جعله ذيل خطبة طويلة، وصدر الكلام قريب جدا من المختار: (96) من نهج البلاغة، ورواه أيضا في أواسط كتاب سليم بن قيس (ره) ص 110، مع زيادات في الذيل، ورواه في البحار: ج 8 ص 702 عن الشيخ المفيد، في الأمالي والثقفي في كتاب الغارات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) يسفي عليه - من باب أفعل -: تهب عليه.
والأعاصير: جمع الإعصار: الزوبعة، ويعبر عنها في الفارسية ب (كردباد).
والقر - بضم أوله كحر -: البرد.
وصهر الشمس - على زنة بحر -: حرارتها.
والوضح - هنا إن صحت ولم تكن مصحفة -: الساتر.
ولعل الصواب: (صهر الشمس ووضحها) أي ضوئها وإمتداد أشعتها، والأثواب الهامدة: البالية.