[531]
- 309 -
ومن كلام له عليه السلام أجاب به أبا مريم القرشي
قال ابن أبي الحديد: وروى ابن ديزيل، عن عقبة بن مكرم، عن يونس بن بكير، عن الأعمش قال: كان أبو مريم صديقا لعلي عليه السلام، فسمع بما كان فيه علي عليه السلام من اختلاف أصحابه عليه، فجاءه فلم يرع عليا عليه السلام إلا وهو قائم على رأسه بالعراق، فقال له: [يا] أبا مريم ما جاء بك نحوي ؟ قال: ما جاء بي غيرك ! ! ! عهدي بك لو وليت أمر الأمة كفيتهم ثم سمعت بما أنت فيه من الاختلاف ! ! ! فقال [عليه السلام]: يا أبا مريم إني منيت بشرار خلق الله (1) أريدهم على الأمر الذي هو الرأي فلا يتبعوني ! ! ! شرح المختار: (43) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 96.
وقريبا منه رواه اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 194، ط الغري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منيت - على بناء المجهول -: ابتليت.
[532]
- 310 -
ومن كلام له عليه السلام في بث الشكوى والضجر من أهل الكوفة والدعاء عليهم
قال البلاذري: وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن لوط بن يحي أبي مخنف: أن عمارة بن عقبة بن أبي معيط كتب إلى معاوية من كوفة يعلمه أنه خرج على علي قراء أصحابه ونساكهم فسار إليهم فقتلهم فقد فسد عليه جنده وأهل مصره، ووقعت بينهم العداوة، وتفرقوا أشد الفرقة.
فضحك معاوية وقال للوليد: أترضى أخوك بأن يكون لنا عينا ؟ (1).
قال البلاذري: وحدثني هشام بن عمار الدمشقي أبو الوليد [قال]: حدثني صدقة بن خالد، عن زيد بن واقد، عن أبيه، عن أشياخهم أن معاوية لما بويع وبلغه قتال علي أهل النهروان، كاتب وجوه من معه مثل الأشعث ابن قيس وغيره ووعدهم ومناهم وبذل لهم حتى مالوا إليه وتثاقلوا عن المسير مع علي عليه السلام، فكان يقول فلا يلتفت إلى قوله، ويدعو فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا كان في أنساب الأشراف مؤخرا عن التوالي، وقد مناه لأنه أوفق، ثم إن هذه القصة ذكرها ابن أبي الحديد، في شرح المختار: (29) من خطب النهج: ج 2 ص 114، عن الغارات - تفصيلا.
وتأتي أيضا ها هنا عن الطبري إشارة.
[533]
يسمع لدعوته ! ! ! فكان معاوية يقول: لقد حاربت عليا بعد صفين بغير جيش ولا عناء - أو قال: ولا عتاة.
وحدثني يحي بن معين، حدثنا سليمان أبو داود الطيالسي أنبأنا شعبة ابن الحجاج، أنبأنا محمد بن عبيد الله الثقفي، قال: سمعت أبا صالح يقول: شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق ! ! فقال: أللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك ! ! ! أللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني وحملوني على غير خلقي وعلى أخلاق لم تكن تعرف لي ! ! ! فأبدلني بهم خيرا لي منهم، وأبدلهم بي شرا مني، ومث قلوبهم ميث الملح في الماء.
الحديث: (452) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف ج 1 / الورق 200، أو ص 400، وفي المطبوع: ج 2 ط 1، ص 383 وللكلام مصادر أخر.
[534]
- 311 - ومن خطبة له عليه السلام لما بلغه إغارة الضحاك بن قيس من قبل معاوية على الثعلبية ونهبه أموال الحجاج وقتله عمرو بن عميس ابن أخي عبد الله بن مسعود قال ابن أبي الحديد: روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي، في كتاب الغارات، قال: كانت غارة الضحاك بن قيس، بعد [حكومة] الحكمين، وقتال النهروان (1) وذلك ان معاوية لما بلغه أن عليا عليه السلام بعد واقعة الحكمين، تحمل إليه مقبلا هاله ذلك، فخرج من دمشق معسكرا وبعث إلى كور الشام فصاح بها [فيها (خ)] إن عليا قد سار إليكم، وكتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس: أما بعد فإنا كنا كتبنا كتابا بيننا وبين علي، وشرطنا فيه شروطا، وحكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدو انه، وجعلنا عهد الله وميثاقه على من نكث العهد ولم يمض الحكم، وإن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني، وإن حكمه خلعه، وقد أقبل إليكم ظالما (ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الظاهر الموافق لما يأتي في هذه الرواية، ولما أطبق عليه جل المؤرخين من ان إغارة الضحاك كانت بعد وقعة النهروان، وفي النسخة (وقبل قتال النهروان).
[535]
نكث فإنما ينكث على نفسه) [10 / الفتح] تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز، وأعدوا آلة القتال، وأقبلوا خفافا وثقالا، يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال ! فاجتمع إليه الناس من كل كورة (2) وأرادوا المسير إلى صفين، فاستشارهم وقال: إن عليا قد خرج من الكوفة، وعهد العاهد به أنه فارق النخيلة.
فقال حبيب بن مسلمة: فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا فيه، فإنه منزل مبارك، وقد متعنا الله به وأعطانا من عدونا فيه النصف.
وقال عمرو بن العاص: إني أرى لك أن تسير بالجنود، حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة (3) فإن ذلك أقوى لجندك وأذل لأهل حربك فقال معاوية: والله إني لأعرف أن الذي تقول كما تقول، ولكن الناس لا يطيعون ذلك.
قال عمرو: إنها أرض رفيقة.
فقال معاوية: إن جهد الناس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به - يعني صفين.
فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم: ان عليا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة، وانه قد رجع عنكم إليهم، فكبر الناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الكورة - والجمع كور، كسورة وسور -: الناحية التي تشتمل على المساكن والقرى، وقال في معجم البلدان: ج 1 ص 36: هي كل صقع يشتمل على عدة قرى.
(3) يقال: (وغل في البلاد وغولا - من باب وعد - وأوغل فيه إيغالا): ذهب فيه وأبعد.
[536]
سرورا لانصرافه عنهم، وما ألقى الله عز وجل من الخلاف بينهم، فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي وأصحابه، وهل يقبل بالناس أم لا ؟ فما برح حتى جاء الخبر: أن عليا قد قتل أولئك الخوارج، وأنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس، وأنهم استنظروه ودافعوه.
فسر بذلك [معاوية وأصحابه].
قال الثقفي: وروى ابن أبي سيف، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمان بن مسعدة الفزاري، قال: جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط - وكان مقيما بالكوفة - ونحن معسكرون مع معاوية، نتخوف أن يفرغ علي من الخوارج، ثم يقبل إلينا، ونحن نقول: إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به، المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي.
فكان في كتاب عمارة بن عقبة: أما بعد فإن عليا خرج عليه قراء أصحابه ونساكهم، فخرج إليهم فقتلهم، وقد فسد عليه جنده وأهل مصره، ووقعت بينهم العداوة، وتفرقوا أشد الفرقة، وأحببت إعلامك لتحمد الله، والسلام.
فقرأه معاوية على وجه أخيه عتبة، وعلى الوليد بن عقبة وعلى أبي الأعور السلمي، ثم نظر إلى أخيه عتبة، وإلى الوليد بن عقبة وقال للوليد: لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا.
فضحك الوليد، وقال: إن في ذلك أيضا لنفعا.
قال الثقفي: فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري، وقال له: سر حتى تمر بناحية الكوفة، وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه، وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى، ولا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها.
فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف.
[537]
فأقبل الضحاك فنهب الأموال، وقتل من لقي من الأعراب، حتى مر بالثعلبية، فأغار على الحاج، فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس ابن مسعود الذهلي - وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله - فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة، وقتل معه ناسا من أصحابه.
قال الثقفي: فروي إبراهيم بن مبارك البجلي، عن أبيه، عن بكر بن عيسى، عن أبي روق، قال: حدثني أبي قال: سمعت عليا عليه السلام وقد خرج إلى الناس [لما أخبر بفجائع الضحاك] وهو يقول على المنبر: يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس، وإلى جيوش لكم قد أصيب منه طرف (4) أخرجوا فقاتلوا عدوكم وامنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين ! ! ! فردوا عليه ردا ضعيفا، ورأى منهم عجزا وفشلا ! ! ! فقال: والله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم ! ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني ما بدا لكم ! ! ! فو الله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي، وفي ذلك روح لي عظيم، وفرج من مناجاتكم ومقاساتكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الطرف - كشرف وهدف -: قسم من الشئ وطائفة منه، والجمع: أطراف.
[538]
ثم نزل [عليه السلام] فخرج يمشي حتى بلغ الغريين ! ! ! ثم دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له على أربعة آلاف [وسرحه للقاء الضحاك].
فخرج حجر (5) حتى مر بالسماوة - وهي أرض كلب - فلقي بها إمرأ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي - وهم أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام - فكانوا أدلاؤه في الطريق: وعلى المياه، فلم يزل مغذا في أثر الضحاك (6) حتى لقيه بناحية تدمر، فواقعه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا، وقتل من أصحاب حجر رجلان، وحجز الليل بينهم، فمضى الضحاك فلما أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثرا.
وكان الضحاك يقول بعد [ذلك] (7) أنا ابن قيس، أنا أبو أنيس أنا قاتل عمرو بن عميس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) وها هنا روى ابن أبي الحديد في الشرح: ج 2 ص 117، أن المختار (29) من نهج البلاغة رواه الكليني رحمه الله فليتثبت.
(6) يقال: (أغذ السير - وفي السير - إغذاذا): أسرع وبالغ فيه.
(7) يعني في أيام معاوية لما أمره على الكوفة، كان يقول ذلك تهديدا لأهل الكوفة وافتخارا بالذنب كما هو الشأن لجميع رؤس أهل الضلالة في جميع الأعصار عند خلو جوهم عن المحق المقتدر.
[539]
شرح المختار: (29) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 117: نقلا عن كتاب الغارات.
وكلام أمير المؤمنين عليه السلام - هذا بوحده - رواه في الفصل: (39) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد، ص 145، ونقله عنه وعن الغارات - بزيادة جمل في آخره - في بحار الأنوار: ج 8 ص 674، السطره عكسا، وص 700 / السطر 3 عكسا، وقريب منه في تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 171، ومثله في الحديث: (489) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1 ص 417 من المخطوطة، وفي المطبوعة: ج 2 ص 437.
[540]
- 312 - ومن خطبة له عليه السلام في استنفار أهل الكوفة إلى حرب معاوية بعد انقضاء مدة الهدنة بينه وبين معاوية، وقد شن جنود معاوية الإغارة على سكنة العراق، والأبرياء من المؤمنين قال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ره): أخبرنا جماعة عن أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني، قال حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن سهل، قال: أخبرنا هشام، قال: حدثني أبو مخنف، قال: حدثني الحرث بن الحصيرة، عن أبي صادق عن جندب ابن عبد الله الأزدي، قال: قام علي بن أبي طالب في الناس ليستنفرهم إلى أهل الشام، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت بينه وبينهم، وقد شن معاوية على بلاد المسلمين الغارات، فاستنفرهم [علي] عليه السلام، بالرغبة في الجهاد والرهبة، فلم ينفروا، فأضجره ذلك فقال: أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم !
[541]
كلامكم يوهن الصم الصلاب (1) وتثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوكم (2) إذا أمرتكم قلتم كيت وكيت وعسا (3) أعاليل أباطيل وتسألوني التأخير دفاع ذي الدين المطول (4) هيهات هيهات لا يدفع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصبر، أي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي المختار (29) من نهج البلاغة: (كلامكم يوهي الصم الصلاب) يقال: (وهنه توهينا وأوهنه ايهانا): ضعفه.
و (أوهاه إيهاء): أضعفه.
و (الصم) جمع الأصم وهو من الحجارة الصلب المصمت.
والصلاب: جمع الصليب وهو الشديد أي انكم تقولون من القول ما يكاد يفلق الحجر القوي المستحكم ويضعضعه ويفتته ثم تناقضون القول بأعمال تطمع عدوكم فيكم.
(2) وفي النهج: (وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت كيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد ! ! !).
(3) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (كيف وكيت وعسا).
(4) أي إن أقوالكم هذه علل أي تعلل وأباطيل لا حقيقة لها، وإنكم تتعللون بالأباطيل التي لا جدوى لها.
وفي النهج: (أعاليل بأضاليل دفاع ذي الدين المطول) والمطول: المماطل بأداء الدين ومسوفه من وقت إلى وقت.
(*)
[542]
ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ! ! ! (5) أصبحت لا أطمع في نصرتكم ولا أصدق قولكم ! ! ! فرق الله بيني وبينكم وأعقبني بكم من هو خير لي منكم (6).
أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، وسيفا قاطعا وأثره يتخذها الظالمون فيكم سنة (7) تفرق جماعتكم وتبكي عيونكم [و] تمنون عما قليل أنكم رأيتموني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) وبعده في النهج هكذا: (ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل) أي من ظفر بكم وكنتم حظه وسهمه فقد ظفر وفاز بالسهم الأخيب.
والأخيب من سهام القمار: الذي لا نصيب له.
والأفوق من السهام هو الذي كسر فوقه أي موضع الوتر منه.
والناصل: العاري عن النصل أي الحديدة المثبتة فيه التي تجرح وتقتل المرمي.
أي من رمى بكم العدو فكأنه رماه بسهم لا يثبت في الوتر حتى يرمى وإن ثبت ورمى به لا يقتل العدو ولا يجرحه إذ لا نصل له.
(6) أعقبني بكم أي يأتيني بدلكم ويخلفكم من هو خير منكم ممن يسارع إلى الخيرات ويسابق إلى مرضاة الله وإعلاء المجد والعظمة.
(7) والأثرة - كشجرة وبسكون الثاء وتثليث الهمزة -: الإختيار وتخصيص الفئ والحقوق المشتركة بالنفس أو بمن تهواه وعدم توزيعها على أربابها، قال في لسان العرب: وفي الحديث [أنه صلى الله عليه =
[543]
فنصرتموني وستعرفون ما أقول لكم عما قليل ! ! ! ولا يبعد الله إلا من ظلم.
قال: فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلا بكي (8) وقال: صدق والله أمير المؤمنين، قد شملنا الذل، ورأينا الأثرة، ولا يبعد الله إلا من ظلم.
الحديث الرابع من الجزء السابع من أمالي شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله ص 113، ط طهران.
وقطعة منها ذكرها في أواسط الباب الأخير، من كتاب المسترشد، ص 162، ط 1، وقد تقدم قريب منها برواية أخرى في المختار: (297) ص 517.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وآله] قال للأنصار: انكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا.
الأثرة - بفتح الهمزة والثاء - الإسم من (آثر يؤثر إيثارا (إذا أعطى أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل في نصيبه من الفئ، والإستئثار: الإنفراد بالشئ والإستبداد به.
(8) إذ قد وقع الخبر على وفق ما أخبر به عليه السلام فإنه بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام تسيطر على الكوفة أذناب آل أمية فحملوا عنهم فيئهم وقتلوا الصالحين منهم والقائلين بالحق تحت كل حجر ومدر، بل قتلوا كل من خالف آل أمية ولو لم يكن من الصلحاء.
[544]
- 313 -
ومن كلام له عليه السلام لما أخبر بنزول النعمان بن بشير في ألفي رجل على عين التمر (1)
قال اليعقوبي (ره): ووجه معاوية النعمان بن بشير، فأغار على مالك ابن كعب الأرحبي، وكان عامل علي عليه السلام على مسلحة عين التمر، فندب علي (2) عليه السلام الناس فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وإليك تلخيص القصة من كتاب الغارات قال: لما انصرف الضحاك ابن قيس من العراق أرسل معاوية النعمان بن بشير في ألفي رجل وأوصاه أن يتجنب المدن والجماعات وأن لا يغير إلى على مسلحة وأن يعجل الرجوع.
فأقبل النعمان حتى دنا من عين التمر وبها مالك بن كعب الأرحبي وكان في ألف رجل ولكن قد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلا مأة أو نحوها فكتب مالك إلى علي عليه السلام: أما بعد فإن النعمان بن بشير قد نزل بي في جمع كثيف فرأيك سددك الله تعالى وثبتك والسلام.
فوصل الكتاب إلى علي عليه السلام فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اخرجوا هداكم الله إلى مالك بن كعب أخيكم... (2) يقال: (ندب فلانا للأمر - من باب نصر - وانتدبه لأمر انتدابا): دعاه.
فانتدب هو أي أجاب.
[545]
يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير [فانهضوا إليهم] لعل الله أن يقطع [بكم] من الظالمين طرفا.
فأبطأوا ولم يخرجوا ! ! ! فصعد عليه السلام المنبر [فخطبهم بالخطبة التالية].
تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 184، ومثله في الحديث: (100) من كتاب الغارات ص 10، ورواه أيضا في شرح المختار: (39) من خطب نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2 ص 304 نقلا عن كتاب الغارات، ورواه عنه أيضا في البحار: ج 8 ص 675 ط الكمباني.
(نهج السعادة ج 2) (م 35) (*)
[546]
- 314 - ومن خطبة له عليه السلام في ر تقريع أهل الكوفة على التقاعد عنه والتخلف عن أمره قال اليعقوبي: [لما خطب أمير المؤمنين عليه السلام، أهل الكوفة بالخطبة السابقة فلم ير منهم الإجابة] فصعد عليه السلام المنبر، فتكلم كلاما خفيا لا يسمع، فظن الناس أنه يدعو الله [عليهم] ثم رفع صوته فقال: أما بعد يا أهل الكوفة، أكلما أقبل منسر من مناسر أهل الشام (1) أغلق كل امرئ [منكم] بابه ؟ ! وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع ؟ ! (2) الذليل [والله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المنسر - كمجلس ومنبر -: القطعة من الجيش تمر أمام الجيش العظيم، وفي أنساب الأشراف: ([أ] كلما أطلت عليكم سرية وأتاكم منسر).
(2) وفي النهچ: (وانجحر انجحار الضبة في جحرها والضبع في وجارها ؟ الذليل والله من نصرتموه، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل)...
[547]
من نصرتموه، ومن رمى بكم، فقد رمى بأفوق ناصل] (3) أف لكم لقد لقيت منكم [ب رما] (4) يوما أناجيكم ويوما أن اديكم فلا إخوان عند النجاء (5) ولا أحرار عند النداء ! ! ! [ثم نزل عليه السلام عن المنبر ودخل منزله] فلما دخل بيته قام عدي ابن حاتم فقال: هذا والله الخذلان القبيح ؟ ! ثم دخل إليه فقال: يا أمير المؤمنين معي ألف رجل من طئ لا يعصونني وإن شئت أن أسير بهم سرت.
فقال علي عليه السلام: جزاك الله خيرا يا أبا طريف ما كنت لأعرض قبيلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) ما بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة ولا بد منه.
والأفوق من السهام: الذي كسر فوقه أي موضع الوتر منه.
والناصل: العاري من النصل.
والسهم إذا كان مكسور الفوق عاريا عن النصل لم يؤثر في الرمية، فأصحابه عليه السلام عند تخاذلهم وعدم انقيادهم لأوامره كالسهم الذي لا فوق له ولا نصل لا يترتب على وجودهم أثر مرغوب فيه.
(4) البرم - كفرس -: الضجر والملل.
وفي أنساب الأشراف: (فقبحا لكم وترحا، قد ناديتكم وناجيتكم فلا أحرار عند النداء، ولا اخوان عند النجاء، قد منيت منكم بصم لا يسمعون وبكم لا يعقلون، وكمه لا يبصرون).
(5) الناء - بفتح النون -: حالة التنعم والمسرة، والخلاص عن المكروه.
[548]
واحدة لحد أهل الشام، ولكن اخرج إلى النخيلة.
فخرج وأتبعه الناس فسار عدي على شاطئ الفرات على أدنى الشام (6).
تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 184، وقريب منها في الحديث: (100) من كتاب الغارات ص 100، وأنساب الأشراف ج 1 ص 420 وقريب منها أيضا في المختار: (66) من النهج، وقريبا منها وما تقدمها ذكره في البحار: ج 8 ص 675 من النهج، وقريبا منها وما تقدمها ذكره في البحار: ج 8 ص 675 عن كتاب الغارات.
ومثله في شرح ابن أبي الحديد: ج 2 ص 304 و 306.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) قال في الغارات: قال عبد الله بن حوزة الأزدي: كنت مع مالك ابن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير وهو في ألفين وما نحن إلا مأة فقال لنا [مالك]: قاتلوهم في القرية واجعلوا الجدر في ظهوركم ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المأة والمأة على الألف والقليل على الكثير.
ثم قال: إن أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم فاركض إليهما فأعلمهما حالنا وقل لهما: فلينصرانا ما استطاعا.
[قال ابن حوزة]: فأقبلت أركض وقد تركته وأصحابه يرامون أصحاب ابن بشير بالنبل فمررت بقرظة فاستصرخته فقال: إنما أنا صاحب خراج وليس عندي من أعينه به ! ! ! فمضيت إلى مخنف بن سليم فأخبرته الخبر فسرح معي عبد الرحمن ابنه في خمسين رجلا، وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون سيوفهم واستقبلوا الموت فلو أبطأنا عنهم هلكوا فما هو إلا أن رآنا أهل الشام وقد أقبلنا عليهم فأذوا ينكصون عنهم ويرتفعون، ورآنا مالك وأصحابه فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية.
فاستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنا وظنوا أن وراءنا مددا، ولو ظنوا أنه ليس =
[549]
[...]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= غيرنا لأقبلوا علينا ولأهلكونا وحال الليل بيننا وبينهم فانصرفوا إلى أرضهم وكتب مالك بن كعب إلى علي عليه السلام: أما بعد فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا وكان عظم أصحابي متفرقين وكنا للذي كان منهم آمنين، فخرجنا إليهم رجالا مصلتين فقاتلناهم حتى المساء واستصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير المؤمنين وولده فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره وهزم عدوه وأعز جنده والحمد لله رب العالمين والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
[550]
- 315 -
ومن كلام له عليه السلام وهو من غرر مواعظه عليه السلام
عن عبد الملك بن قريب، قال: سمعت العلاء بن زياد الأعرابي يقول: سمعت أبي يقول: صعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب منبر الكوفة، بعد الفتنة وفراغه من النهروان، فحمد الله وخنقته العبرة - فبكى حتى إخضلت لحيته بدموعه وجرت، ثم نفض لحيته فوقع رشاشها على ناس من أناس [كذا] فكنا نقول: إن من أصابه من دموعه فقد حرمه الله على النار.
- ثم قال: يا أيها الناس لا تكونوا ممن يرجو الآخرة بغير عمل (1) ويؤخر التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من هنا إلى قوله: (ويبتلي فلا يصبر) ذكره باختلاف لفظي طفيف في المختار: (70) من قصار نهج البلاغة، وذكره أيضا تحت الرقم: (375) من جمهرة الأمثال: ج 1 ص 272.
[551]
قول الزاهدين (2) ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ويأمر ولا يأتي (3).
وينهى ولا ينتهي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض الظالمين وهو منهم (4) تغلبه نفسه على ما يظن (5) ولا يبلغها على ما يستيقن (6) إن استغنى فتن، وإن مرض حزن، وإن افتقر قنط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وفي النهج: (يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين).
(3) وفي النهج: (ويأمر بما لا يأتي).
(4) وفي النهج: (يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ويبغض المذنبين وهو أحدهم).
(5) من شمول صفح الله له على ما ارتكبه من المآثم.
وفي النهج: (على ما تظن).
(6) من استحقاق العقوبة على ما اقترفه من الذنوب.
أو أنه يتيقن أن النجاة في اطاعة الله.
والإتيان بلوازم العبودية، ومع ذلك تغلبه نفسه بما تظن وتحتمل من رجاء شمول رحمة الله لمن لا عمل له ولم يستقم على منهاج العبودية.
[552]
ووهن، فهو بين الذنب والنعمة يرتع (7) يعافي فلا يشكر، ويبتلي فلا يصبر، كأن المحذر من الموت سواه، وكأن من وعد وزجر غيره.
يا أغراض المنايا، يا رهائن الموت، يا وعاء الأسقام، يا نهبة الأيام، ويا نقل الدهر (8) ويا فاكهة الزمان، ويا نور الحدثان، ويا خرس عند الحجج، ويا [من] غمرته الفتن وحيل بينه وبين معرفة العبر، بحق أقول: ما نجا من نجا إلا بمعرفة نفسه، وما هلك من هلك إلا من تحت يده، قال الله تعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) وهو على يقين من أن النعمة توجب الشكر، والذنب يبعد العبد عن رحمة الله، ومع ذلك لا يأخذ باليقين فيشكر ويترك الذنب، ويأخذ بالظن ويترك الشكر ويذنب بأمل الإفصال عليه والتجاوز عن خطيأته.
(8) كذا في الأصل، والنقل - بالضم والفتح -: ما يتنقل به وهو معروف.
ونهبة الأيام: ما تنتهبه وتغلب عليه وتقهره.
والنور - بفتح النون -: زهر الشجر والنبات.
ثم إن هذا الذيل من: (قوله يا أعراض المنايا) - إلى آخره - لم أجده في غير كنز العمال من المصادر.
[553]
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) [6 التحريم: 66] (9).
جعلنا الله وإياكم ممن سمع الوعظ فقبل، ودعي إلى العمل فعمل.
الحديث 3542، من كنز العمال: ج 8 ص 220، نقلا عن ابن النجار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) والظاهر أن في الكلام حذفا وسقطا، إذ الآية الكريمة غير مرتبطة بحسب المفاد بما ذكر قبلها.
[554]
- 316 -
ومن كلام له عليه السلام قاله في بعض خطبه
عن أبي وائل قال: خطب علي الناس بالكوفة، فسمعته يقول في خطبته: أيها الناس إنه من يتفقر إفتقر، ومن يعمر يبتلى، ومن لا يستعد للبلاء إذا ابتلي لا يصبر، ومن ملك إستأثر، ومن لا يستشر يندم.
وكان يقول: ألا لا يستحيي الرجل أن يتعلم، و [لا يستحي] من يسأل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم.
وكان يقول من وراء هذا الكلام: يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا إسمه، ولا من القرآن إلا رسمه ! ! !
[555]
مساجدكم يومئذ عامرة (1) وقلوبكم وأبدانكم خربة من الهدى، شر من تحت ظل السماء فقهاؤكم، منهم تبدو الفتنة، وفيهم تعود ! ! ! فقام رجل فقال: ففيم يا أمير المؤمنين ؟ قال (2): إذا كان الفقه في رذالكم، والفاحشة في خياركم، والملك في صغاركم، فعند ذلك يقوم الساعة.
الحديث 3530، من كنز العمال: ج 8 ص 218 نقلا عن (هب).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يحضرني الآن موارد اخباراته عليه السلام عن الملاحم والأمور الغيبية التي أخبر بها عليه السلام قبل وقوعها حتى نشرح ونبين مقصوده عليه السلام من اليوم المشار إليه.
(2) ما بعد هذا الكلام غير مرتبط بالسؤال والظاهر أن في الكلام حذفا.
[556]
- 317 - ومن خطبة له عليه السلام لما بلغه إغارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار، وقتله أشرس بن حسان البكري رحمه الله (1) وجماعة من المؤمنين إبراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله بإسناده عن محمد بن مخنف، ان سفيان بن عوف، لما أغار على الأنبار قدم علج من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا ورد في هذه الرواية ومثله في رواية أنساب الأشراف، وفي أكثر الروايات: (حسان بن حسان البكري).
وهما مثبتان لا تنافي بينهما، ولعله في أول الأمر بلغه عليه السلام قتل أشرس ثم بلغه قتل حسان، أو قتلهما.
وإجمال القصة على ما رواه كتاب في الغارات وغيره: قال أبو الكنود: حدثني سفيان بن عوف قال: دعاني معاوية فقال: إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة فالزم جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة واعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة =
[557]
أهلها (2) على علي [أمير المؤمنين عليه السلام] فأخبره الخبر، فصعد [أمير المؤمنين عليه السلام] المنبر فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= إن هذه الغارات على أهل العراق ترعب قلوبهم وتفرح كل من له فينا هوى منهم وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر ! ! ! فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك واخرب كل ما مررت به من القرى واحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب ! ! ! قال سفيان: فخرجت من عنده فعسكرت فما مرت ثالثة حتى خرجت في ستة آلاف ثم لزمت شاطئ الفرات حتى مررت بهيت ثم بصندوداء ثم هجمت على ابن البكري صاحب مسلحة الأنبار... قال في الغارات: عن عبد الله بن قيس عن حبيب بن عفيف قال: كنت مع أشرس بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها إذ صبحنا سفيان ابن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا والله وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا بهم طاقة ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا ! ! وأيم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا وهو يتلو قوله تعالى: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) ثم قال لنا: من لا يريد لقاء الله ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج من القرية ما دمنا نقاتلهم فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب ومن أراد ما عند الله فإن ما عند الله خير للأبرار ! ! ! ثم نزل في ثلاثين فهممت بالنزول معه ثم أبت نفسي واستقدم هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا وانصرفنا نحن منهزمين.
(2) العلج - كحبر -: الرجل الضخم من كفار العجم وبعض العرب يطلق العلج على الكافر مطلقا والجمع: علوج وأعلاج.
كذا ذكره في المصباح.
[558]
أيها الناس إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار وهو مغتر (3) لا يظن ما كان، فاختار ما عند الله على الدنيا، فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم (4) عن العراق أبدا ما بقوا.
ثم سكت عليه السلام عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلم متكلم منهم بخير، فلما رأى صمتهم على ما في أنفسهم خرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة [والناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم] فقالوا له: ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك.
فقال عليه السلام: ما تكفوني ولا تكفون أنفسكم ! ! ! فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي كان مغترا بالهدنة والأمنية ولأجله لم يحتط بإذكاء العيون والمراقبة عن تهاجم العدو.
(4) فانتدبوا إليهم: فتوجهوا وسيروا إليهم.
وطرفا أي قسما وطائفة منهم.
وأنكلتموهم عن العراق: دفعتموهم وصرفتموهم عنها إي لأجل إصابتكم وقتلكم طائفة منهم.
[559]
- 318 - ومن خطيبة له عليه السلام في الحث على الجهاد وهي من غرر خطبه عليه السلام خطبها بعد الخطبة المتقدمة قال أبو الفرج: أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس، قال: حدثنا أحمد بن الحارث الحراز، قال: حدثنا علي بن محمد المدائني، عن أبي مخنف، عن جويرية بن أسماء، والصقعب ابن زهير، وأبي بكر الهذلي عن أبي عمرو الوقاصي [قال]: إن معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن أرطأة أحد بني عامر بن لوي - بعد تحكيم الحكمين، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ حي - وبعث معه جيشا - ووجه [أيضا] برجل من غامد ضم إليه جيشا آخر، ووجه [أيضا] الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر (1) وأمرهم أن يسيروا في البلاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بعث بسر - لعنه الله - كان في آخر حياة أمير المؤمنين عليه السلام ولم يرجع المأمور لدفع غائلته - وهو جارية بن قدامة رحمه الله - إلا بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام ويجئ كلامه عليه السلام في قصة بسر، وأما الرجل الغامدي فهو سفيان بن عوف وقد تقدم في المختار المتقدم خطبته =
[560]
فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه، وأن يغيروا على سائر أعماله ويقتلوا أصحابه ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان، فمضى بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة، فقتل بها ناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه، وهدم بها دورا من دور القوم، ومضى إلى مكة فقتل نفرا من آل أبي لهب، ثم أتى السراة فقتل من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدائن الحارثي وابنه - وكانا من أصهار بني العباس - ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عاملا لعلي بن أبي طالب، وكان غائبا.
وقيل: بل هرب لما بلغه خبر بسر، فلم يصادفه بسر، ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه ! ! ! ثم انكفأ راجعا إلى معاوية - وفعل مثل ذلك سائر من بعث به ! ! ! فقصد الغامدي إلى الأنبار، فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا ونساء من الشيعة ! ! ! [قال أبو الفرج:] فحدثني العباس بن علي بن العباس النسائي، قال: حدثنا محمد بن حسان الأزرق، قال: حدثنا شبابة بن سوار،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= عليه السلام حول إغارة الغامدي على الأنبار، وأما الضحاك بن قيس الفهري فهو كان أول من بعثه معاوية في سنة (39) لتنكيل مؤمني العراق واستيصالهم وتقدم أيضا في المختار: (302) كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند ما سمع بإغارة الضحاك على الحاج ونهبه أمتعتهم وقتله ابن أخي عبد الله بن مسعود، مع جماعة آخرين.
(*)
[561]
قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عمرو بن قيس، عن أبي صادق (2) قال: أغارت خيل لمعاوية على الأنبار، فقتلوا عاملا لعلي عليه السلام يقال له حسان بن حسان، وقتلوا رجالا كثيرا ونساءا، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فخرج حتى أتى المنبر، فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلة، وشمله البلاء وديث بالصغار، وسيم الخسف ! ! ! (3) وقد قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزو بكم، فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ! ! ! فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) ورواه أيضا السيد أبو طالب في أماليه - كما في الباب (14) من ترتيبه تيسير المطالب ص 186 - عن أبي عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال: حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الكوفي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن يحي، قال: حدثنا أحمد بن الوليد، عن سيابة [كذا] عن قيس ابن الربيع، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي صادق... (3) ديث: ذلل - والصغار - بفتح الصاد: الذل والضيم.
وسيم الخسف: أولي الهوان والكلفة وحمل عليه الذل والمشقة.
والخسف - بفتح الخاء وضمها كفلس وقفل -: الا ذلال وتحميل ما يكره.
(نهج السعادة ج 2) (م 36)
[562]
ظهريا (4) حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو غامد قد جاء الأنبار فقتل عاملي عليها حسان بن حسان، وقتل رجالا كثيرا ونساء، والله لقد بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعاثها (5) ثم ينصرفون موفورين (6) لم يكلم أحد منهم كلما (7) فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا لم يكن عليه ملوما، بل كان به جديرا ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) قال في مادة (ظهر) من لسان العرب: والظهري: الذي تجعله بظهر أي تنساه وتغفل عنه، ومنه قوله [تعالى في الآية: (92) من سورة هود: 11] (واتخذتموه وراءكم ظهريا) أي لم تلتفتوا إليه.
[قال] ابن سيدة: واتخذ حاجته ظهريا [يعني] استهان به، كأنه نسبها إلى الظهر على غير قياس كما قالوا في النسب إلى البصرة: بصري.
وفي حديث علي عليه السلام: (اتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات) أي جعلتموه وراء ظهوركم.
قال: وكسر الظاء من تغييرات النسب.
(5) الحجل - كفلس وحبر، وبكسرتين -: الخلخال.
والرعاث: جمع الرعثة - بفتح الراء والعين وبسكون العين -: القرط.
(6) كذا في الأصل، وفي أكثر المصادر: (ثم انصرفوا موفورين).
أي موفوري العدد والماء لم ينقص عددهم ولا شئ من مالهم.
(7) والكلم - كفلس -: الجرح.
وفي النهج: (ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق لهم دم...) وهو أظهر.
[563]
يا عجبا - عجبا يميت القلب ويشعل الأحزان ؟ ! - من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم وفشلكم عن حقكم ! ! ! حتى صرتم غرضا، ترمون ولا ترمون وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون ! ! ! إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم: هذه حمارة القيظ فأمهلنا (8) وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم: هذا أوان قر وصر فأمهلنا (9) فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أشد فرارا ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) قال في مادة حمر من لسان العرب: (حمارة القيظ - بتشديد الراء، وحمارته بالتخفيف عن اللحياني -: شدة حره.
وفي حديث علي: (في حمارة القيظ) أي في شدة الحر.
وقد تخفف الراء.
أقول: والقيظ - ها هنا -: الصيف.
(9) قال في لسان العرب: القر - بالضم [كمر] - البرد عامة.
وقال بعضهم القر في الشتاء، والبرد في الشتاء والصيف يقال: هذا يوم ذو قر أي ذو برد.
وقال في مادة: (صرر): الصر - والصرة [بكسر أولهما] -: شدة البرد.
وقيل: هو البرد عامة حكيت الأخيرة عن ثعلب.
وصرة القيظ: شدته وشدة حره.
[564]
يا أشباه الرجال - ولا رجال - ويا طغام الأحلام وعقول ربات الحجال (10) وددت والله أني لم أعرفكم، بل وددت أني لم أركم ! ! ! معرفة والله جرعت بلاء وندما ؟ ! وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان (11) حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ! ! ! ويحهم ! هل فيهم [أحد] أشد مراسا لها مني (12) والله لقد دخلت فيها وأنا ابن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) أي النساء، والحجال: جمع الحجلة - محركة -: بيت يزين للعروس.
ويحتمل أيضا أن يكون جمعا للحجل - بكسر الحاء والجيم وكحبر وفلس -: الخلخال.
(11) كذا في الأصل، وفيه حذف جلي وسقط ظاهر تبين مما نذكره عن النهج.
وفي النهج: (لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان...).
(12) أي ممارسة ومباشرة.
وفي النهج: (لله أبوهم، وهل أحد منهم أشد لها مراسا).
[565]
عشرين، وأنا الآن قد نيفت على الستين (12) ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا كما قال الله تعالى (لا أملك إلا نفسي وأخي) [25 / المائدة] فمرنا بأمرك فو الله لنطيعنك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى وشوك القتاد (14) قال: وأين تبلغان مما أريد ؟ - [قال لهما]: هذا أو نحوه - ثم نزل [عليه السلام].
عنوان: (أخبار أم حكيم ومقتل ابني عبيد الله بن العباس) من كتاب الأغاني: ج 15، ص 266 ط تراثنا.
وذكرها أيضا السيد الرضي (ره) في المختار: (27) من خطب النهج، وذكرها قبله المبرد، في كتاب الكامل: ج 1، ص 19، وذكرها جماعة آخرون كقاضي النعمان في دعائم الإسلام: ج 1، ص 390 وغيره، وذكره أيضا في الحديث: (490) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 1 ص 418، وفي الطبعة الأولى: ج 2 ص 442 ورواه أيضا في العقد الفريد: ج 2 ص 353 وفي ط: ج 4 ص 136، وذكره أيضا قبيل مقتله عليه السلام من كتاب الأخبار الطوال ص 211 وله مصادر أخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) قال القاضي عبد الجبار في بحث أفضلية أمير المؤمنين من كتاب المغني: ج 20 ص 139، ط 1: وقد روي عن أمير المؤمنين في خطبته المشهورة أنه قال: (وها أنا قد نيفت على الستين).
(14) الجمر - كخمر -: النار المتقدة واحدته جمرة، فإذا برد فهو فحم - ويعبر عنه في لسان أهل بلدنا ب (خرنك) -.
والغضى: شجر صلب الخشب.
والقتاد - بفتح أوله -: شجر صلب العود له شوك كالإبرة.
[566]
- 319 - ومن خطبة له عليه السلام في تثريب أهل الكوفة على تقاعدهم عن نصرته، وتثاقلهم في حياطة بلادهم أيها الناس إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا ! ! ! شهودا كالمغيب ؟ ! ! أتلو عليكم المواعظ فتعرضون عنها وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون [منها] كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة ! ! ! ! (1) وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا ! ! ! (2) ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اقتباس من الآية (49) من سورة المدثر: 74.
(2) هذا مثل معروف، ومن الأمثال السائرة بين العرب.
[567]
تضربون الأمثال، وتنشدون الأشعار، وتجسسون الأخبار حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأشعار (3) جهلة من غير علم وغفلة من غير ورع، وتتبعا من غير خوف ؟ ونسيتم الحرب والاستعداد لها فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل والأضاليل ! ! ! فالعجب كل العجب من اجتماع [هؤلاء] القوم على باطلهم، وتخاذلكم عن حقكم ! ! ! يا أهل الكوفة أنتم كأم مجالد حملت فأملصت فمات قيمها وطال تأيمها (4) وورثها أبعدها ! والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن من ورائكم الأعور الأدبر، جهنم الدنيا لا يبقى ولا يذر ! ! ! ومن بعده النهاس الفراس الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ما الآخر [منهم]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) كذا في الأصل، ولعل الصواب: (الأسعار) بالسين المهملة.
(4) يقال: أملصت الحامل أي أسقطت ولدها.
والتأيم: فقدان المرأة زوجها وبقاؤها بلا زوج.
(*)
[568]
بأرأف من الأول - ما خلا رجلا واحدا (4) بلاء قضاه الله على هذه الأمة لا محالة كائن ! ! ! يقتلون خياركم ويستعبدون أراذلكم (5) ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم (6) نقمة بما ضيعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم ! ! ! يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر، ولتنذروا به من اتعظ واعتبر، كأني بكم تقولون: إن عليا يكذب ! ! ! - كما قالت قريش لنبيها نبي الرحمة محمد بن عبد الله، حبيب الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (7) - فياويلكم على من أكذب ؟ أعلى الله وأنا أول من عبد الله ووحده ؟ !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وهو عمر بن عبد العزيز.
(5) أي يستعملونها عليكم ويطلبون منهم العبودية ومن شأن الأراذل أن يأتوا بكل شئ يهوون ويشتهون بلا أي مبالات.
(6) الحجال: جمع الحجلة - بالتحريك -: بيت العروس.
(7) كانت في النسخة هكذا: (ص) وكذا ما جعلناه بين المعقوفين فيما بعد.
[569]
أم على رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم ؟] فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره، كلا ولكن لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء (8).
والذي فلق الحبة وبرأ النسبة لتعلمن نبأها بعد حين، وذلك إذا صيركم إليها جهلكم ولا ينفعها عندها علمكم ! ! ! فقبحا لكم يا أشباه الرجال - ولا رجال - حلوم الأطفار وعقول ربات الحجال، أما والله - أيها الشهادة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم - ما أعز الله نصر من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، ولا قرت عين من آواكم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب ! ! (9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) أي الذي قلتم ونسبتم إلى من أني أكذب على الله ورسوله لهجة خدعة لكم لأجل الفرار عن بعض ما آمركم به، وكنتم غنيا عن إبداء هذه اللهجة.
(9) ومثله في المختار: (29) من نهج البلاغة، وفي أمالي الشيخ: (كلامكم يوهن الصم الصلاب).
[570]
يا ويحكم أي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه ! ! ! ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ! ! (10) أصبحت لا أطمع في نصركم ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم وأعقبني من هو خير لي منكم وأعقبكم بي من هو شر لكم مني ! ! إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه ! ! ! وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه ! ! ! والله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني واحدا منهم ! ! ! والله لوددت أني لم أعرفكم ولم تعرفوني فإنها معرفة جرت ندما ! ! ! لقد وريتم صدري غيظا (11) وأفسدتم علي أمري بالخذلان والعصيان حتى لقد قالت قريش: إن عليا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) الأخيب من سهام الميسر هو الذي لا نصيب له.
(11) وريتم - من باب وعى ووقى -: اتقدتم وأشعلتم.
[571]
رجل شجاع لكن لا علم له بالحرب ! ! ! لله درهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني وأشد لها مقاساة ؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ثم ها أنا ذا قد ذرقت على الستين، ولكن لا أمر لمن لا يطاع ! ! ! (11).
أما والله لوددت أن ربي أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها ؟ ! ! ونزل [عليه السلام] يده على رأسه ولحيته.
عهد عهده إلى النبي الأمي [صلى الله عليه وآله وسلم] وقد خاب من افترى، ونجى من اتقى وصدق بالحسنى.
يا أهل الكوفة قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم ! ! وثقل عليكم قولي واستصعب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) هذا أيضا الأمثله السائرة بين العرب يضرب لمن لم ينل مطلوبه من أجل عدم الإصغاء إلى قوله ورأيه.
[572]
عليكم أمري واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات (12) وظهرت فيكم الفواحش والمنكرات تمسيكم وتصبحكم ! ! ! كما فعل بأهل المثلات من قبلكم (13) حيث أخبر الله عز وجل عن الجبابرة العتاة الطغات المستضعفين الغواة، في قوله تعالى: (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم.
[49 / البقرة، و 141 / الأعراف.
و 6 / ابراهيم].
أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لقد حل بكم الذي توعدون.
يا أهل الكوفة عاتبتكم بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم ! ! ! وأدبتكم بالدرة فلم تستقيموا لي، وعاقبتكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) شنت: فرقت أي أغاروا عليكم غارة بعد غارة.
(13) المثلات: جمع المثلة - بفتح الميم وضم الثاء وفتح اللام -: العقوبة والتنكيل: وأهل المثلاث هم الذين أهلكهم الله بالطوفان والصاعقة والخسف وغيرها كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم.
ثم انه قد وقع في الأصل حذف بعد قوله (تصبحكم) كما يدل عليه ما بعده.
[573]
بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا (14) ولقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف ! ! ! وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ! ! ! ولكن سيسلط عليكم سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفئ بالسوية بينكم، وليضربنكم وليذلنكم وليجرينكم في المغازي وليقطعن سبيلكم وليحجبنكم على بابه حتى يأكل قويكم ضعيفكم ! ! ! ثم لا يبعد الله إلا من ظلم، وما أدبر شئ فأقبل إني لأظنكم على فترة وما على إلا النصح لكم.
يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو ألسن، وعمي ذوو أبصار، لا إخوان صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) أي لم تكفوا أنفسكم عن العصيان ولم تر تدعدوا عنها.
[574]
أللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني.
أللهم لا ترض عنهم أميرا، ولا ترضهم عن أمير، وأمث قلوبهم كإيماث الملح في الماء ! ! ! (14).
والله لو أجد بدا من كلامكم ومراسلتكم ما فعلت، ولقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحيات ! ! ! [وأنتم في] كل ذلك ترجعون بالهزء من القول فرارا من الحق وإخلادا (15) إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين، وإني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير تخسير، كلما أمرتكم بجهاد عدوكم إثاقلتم إلى الأرض، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، إن قلت لكم في القيظ سيروا.
قلتم الحر شديد، وإن قلت لكم سيروا في البرد قلتم القر شديد (16) كل ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) أي أمث قلوبهم وأذبها كذوبان الملح في الماء.
(15) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وإلحادا)... وما بين المعقوفين أيضا زيادة منا يقتضيها السياق.
(16) القيظ: شدة حر الصيف.
والقر - كمر -: شدة برد الشتاء.
[575]
فرارا عن الحرب ! ! ! إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون فأنتم عن حرارة السيف أعجز وأعجز، فإنا لله وإنا إليه راجعون ! ! ! يا أهل الكوفة قد أتاني الصريخ يخبرني أن ابن غامد قد نزل بالأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر ! ! فقتل بها عاملي ابن حسان، وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة، بوء الله لهم جنات النعيم، وإنه أباحها [لهم].
ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة فينهتكون سترها، ويأخذون القناع من رأسها والخرص من أذنها والأوضاح من يديها ورجليها (17) والخلخال والمئزر من سوقها ! ! ! فما تمتنع إلا بالاسترجاع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) الأوضاح: جمع الوضح - كسبب -: وهو حلي من الفضة.
[576]
والنداء يا للمسلمين ! ! ! فلا يغيثها مغيث، ولا ينصرها ناصر ! ! ! فلو أن مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما، بل كان عندي بارا محسنا ! ! ! واعجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم ؟ ! قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون، ويعصون الله وترضون فتربت أيديكم (18) يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب ! ! ! الفصل (40) مما اختار من كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 148، ونقله عنه وعن المجالس في البحار: ج 8 ص 697 / السطر 6 عكسا ط الكمباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) أي لصقت أيديكم بالتراب وافتقرتم بعد الغنى والثروة.