- 232 -
ومن كلام له عليه السلام في أنه منهاج العلم والعمل
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنبأنا أبو بكر الشامي، أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنبأنا يوسف بن أحمد بن الدخيل، أنبأنا محمد ابن عمرو العقيلي، أنبأنا الحسين بن محمد بن مصعب (1)، أنبأنا عباد بن يعقوب، أنبأنا حسين بن حماد، أنبأنا فطر بن خليفة: عن أبي وائل قال: قال [أمير المؤمنين] علي عليه السلام:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في النسخة وفي ترجمة فطر بن خليفة من الجزء (9) من كتاب الضعفاء، الورق 181: (حدثنا الحسن بن محمد بن مصعب)...
[617]
والله ما ضللت ولا ضل بي، ولا نسيت الذي قيل لي، وإني لعلى بينة من ربي تبعني من تبعني وتركني من تركني (2).
الحديث (1339) من ترجمة عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3 ص 264 ط 1، وفي المخطوطة: ج 38 ص 97 س 18.
ورواه أيضا في كنز العمال: ج 6 ص 405 وقال: أخرجه العقيلي وابن عساكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وروى المزي في ترجمة أبي عثمان الخراساني من تذهيب الكمال: ج 12 - الورق 67 عن النسائي في مسند علي عليه السلام أنه قال: ما كذبت ولا كذبت، وإني لعلى ملة ما أبالي من يتبعني ممن لم يتبعني [كذا].
[618]
- 333 -
ومن كلام له عليه السلام في حث الناس على السوآل عنه وبيان إحاطة علمه بالقرآن الكريم
قال الحسكاني: أخبرني أبو عثمان الحيري [ظ] بقراءتي عليه من أصله [قال: أخبرنا] أبو الفضل جعفر بن الفضل الوزير بمكة) قال: [أخبرنا] علي بن محمد بن الجهم، [قال: أخبرنا] أحمد بن منصور الرمادي [قال: أخبرنا] أحمد بن عبد الله بن يونس [قال: أخبرنا] أبو بكر بن عياش [قال: أخبرنا] عاصم بن بهدلة: عن أبي عبد الرحمان السلمي قال: ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب، وكان يقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شئ من كتاب الله إلا أخبرتكم به (1) بليل نزلت أم بنهار، أو في سهل أو [في] جبل.
الحديث (32) - أو الفصل الرابع - من كتاب شواهد التنزيل ص 6 وفي المطبوع: ج 1، ص 31.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (أخذتكم به).
[619]
- 334 -
ومن كلام له عليه السلام في بيان شمول علمه بما أراد الله تعالى من آيات الذكر الحكيم وأنها فيما أنزلت وأين نزلت
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو محمد ابن طاوس، أنبأنا أبو الغنائم ابن أبي عثمان، أنبأنا محمد بن أحمد بن محمد بن رزقويه إملاءا.
أنبأنا محمد ابن عبد الله بن إبراهيم البزار، أنبأنا محمد بن غالب بن حرب الضبي أنبأنا أبو سلمة، أنبأنا ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة، حدثني سيف بن وهب، قال: دخلت على رجل بمكة يكنى أبا الطفيل، فقال (1):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال السيد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية: ج 2 ص 337: كان علي رضي الله عنه أعطاه الله علما كثيرا وكشفا غزيزرا، قال أبو الطفيل: شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني من كتاب الله فو الله ما من آية إلا وإنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل، ولو شئت أو قرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب كذا نقله عنه العلامة الأميني رفع الله مقامه في الغدير: ج 2 ص 44 ورواه أيضا في الهامش عن الإصابة: ج 2 ص 509، وقريبا منه أو ما في معناه رواه في ج 6 ص 193، ط 2 عن مصادر.
[620]
أقبل [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب [عليه السلام] ذات يوم حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فو الله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيما أنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها.
الحديث: (1036) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق ج 38 ص 58، وفي ط 1: ج 3 ص 20.
- 335 -
ومن كلام له عليه السلام في انه على محجة الشريعة علماً وعملاً وانه اقتبس الحقائق عن النبي صلى الله عليه وآله كالتقاط الفرخ من أبويه
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم الإسماعيلي، أنبأنا أبو عمرو عبد الرحمان بن محمد الفارسي، أنبأنا أبو أحمد ابن عدي، أنبأنا أبو أحمد ابن الحسن الكوفي، أنبأنا أحمد بن بذيل [كذا] أنبأنا مفضل - يعني ابن صالح - أنبأنا جابر بن يزيد الجعفي،
[621]
عن عبد الله بن نجي (1) قال: سمعت عليا على المنبر يقول: والله ما كذبت و [لا] كذبت، ولا ضللت ولا ضل بي، ولا نسيت ما عهد إلي، وإني لعلى بينة من ربي بينها لنبيه عليه السلام فبينها [النبي] لي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا (2).
الحديث: (1033) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 58، وفي ط 1: ج 3 ظ 20.
ورواه أيضا بسندين في الحديث 378 من شواهد التنزيل: ج 1، ص 278 في تفسير الآية: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (17 / هود) وما رواه يشترك مع ما هنا في بعض الوسائط، ويستقل بسند آخر.
ورواه أيضا السيد أبو طالب كما في الحديث (42) من الباب الثالث من تيسير المطالب ص 44، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بندار، قال: حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا القاسم بن خليفة، قال: حدثنا علي بن وازع [كذا] عن أسباط بن نصر، عن جابر [الجعفي] عن عبد الله بن نجي، عن أبيه...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو الظاهر، ومثله في ظاهر رسم الخط من الحديث: (378) من شواهد التنزيل الورق 68 / ب: (عبد الله بن نجي) والظاهر أنه هو الصواب وهو نجي الحضرمي صاحب مطهرة أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي نسخة تاريخ دمشق ها هنا: (عبد الله بن يحي).
(2) أي أخذه أخذا غير تارك له.
والفعل من باب نصر.
[622]
- 336 -
ومن كلام له عليه السلام في الحث على استكشاف حقائق القرآن عنه وانهم إن لم يسألوا عنه لم يجدوا أحدا يكشفها لهم
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم ابن مسعدة، أنبأنا أبو القاسم السهمي، أنبأنا عبد الله بن عدي، أنبأنا محمد ابن علي بن مهدي أنبأنا الحسن بن سعيد بن عثمان، أنبأنا أبي، أنبأنا أبو مريم - يعني عبد الغفار بن القاسم - أنبأنا حمران بن أعين، أنبأنا أبو الطفيل عامر بن واثلة، قال: خطب [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب [عليه السلام] في عامه (1) فقال: يا أيها الناس إن العلم يقبض قبضا سريعا، وإني أوشك أن تفقدوني فاسألوني، فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها وفيما أنزلت، وإنكم لن تجدوا أحدا من بعدي يحدثكم.
الحديث: (1035) من ترجمه أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 3 ص 20 ط 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في الأصل، والظاهر أنه أراد عام وفاته عليه السلام.
[623]
- 337 -
ومن كلام له عليه السلام في بيان شمول علمه بنزول الذكر الحكيم
قال الحسكاني رحمه الله: حدثني أبو المعلى الحسين بن أحمد القاضي، قال: أخبرنا أبو محمد التميمي، قال: حدثنا أبو عمرو اسماعيل بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن حرب الزاهد، [حدثنا] صالح بن عبد الله الترمذي [حدثنا] الحسين بن محمد [حدثنا] سليمان بن قرم، عن سعيد بن حنظلة: عن علقمة بن قيس قال: قال علي [عليه السلام]: سلوني يا أهل الكوفة قبل أن لا تسألوني فو الذي نفسي بيده ما نزلت آية إلا وأنا أعلم بها [ظ] أين نزلت وفيمن نزلت في سهل أم في جبل، أو في مسير أو في مقام.
الفصل الرابع من مقدمات شواهد التنزيل ص 6، وفي المطبوع: ج 1، ص 30
[624]
- 338 -
ومن كلام له عليه السلام في حث الناس على السؤال عنه وأنه عالم بالحوادث إلى يوم القيامة!!!
قال الحسكاني رحمه الله: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد التميمي، [قال: حدثنا] أبو محمد عبد الله بن محمد الإصفهاني [حدثنا] محمد بن الحسن بن علي بن بحر، [حدثنا] محمد بن عبد الأعلى الصنعاني [حدثنا] محمد بن ثور عن معمر، عن وهب بن عبد الله: عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا [عليه السلام] وهو يخطب ويقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم [به ! ! !] وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما منه آية إلا وأنا أعلم أين نزلت بليل أو بنهار أو بسهل نزلت أو في جبل.
الحديث (31) - أو الفصل الرابع - من كتاب شواهد التنزيل: ج 1، ص 30 ط 1، وفي المخطوط الورق 6، وقريبا منه جدا بسند آخر ينتهي إلى أبي عبد الرحمان السلمي ذكره في تاليه.
ورواه أيضا في أوائل ترجمته عليه السلام من الإستيعاب بهامش الإصابة: ج 3 ص 43 قال: وروى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل...
[625]
- 339 -
ومن كلام له عليه السلام في معنى ما تقدم عن طريق آخر
قال ابن أبي حاتم: أنبأنا عبد الرحمان، أنبأنا أحمد بن سلمة النيسابوري أنبأنا إسحاق - يعني ابن راهويه - قال: أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن وهب بن عبد الله: عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا - رضي الله عنه - يخطب وهو يقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم [به] ! ! ! وسلوني عن كتاب الله عز وجل فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.
رواه في ترجمة أمير المؤمنين من كتاب الجرح والتعديل: ج 6 ص 192.
(نهج السعادة ج 2) (م 40)
[626]
- 340 -
ومن كلام له عليه السلام في جواب أسئلة ابن الكواء وأن ذا القرنين كان عبدا صالحا
قال أبو الفرج: حدثني أبو عبيد الله الصيرفي، قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري، قال: حدثنا أبو نعيم، عن بسام الصيرفي، عن أبي الطفيل، قال: سمعت عليا عليه السلام يخطب فقال: سلوني قبل أن تفقدوني.
فقام إليه ابن الكواء فقال: ما (الذاريات ذروا) ؟ قال: الرياح.
قال: (فالجاريات يسرا) ؟ قال: السفن.
قال: (فالحاملات وقرا) ؟ قال: السحاب.
قال: (فالمقسمات أمرا) ؟ قال الملائكة.
قال: فمن (الذين بدلوا نعمة الله كفرا) [28 / إبراهيم] قال الأفجران من قريش: بنو أمية وبنو مخزوم (1) قال: فما كان - ذو القرنين - أنبيا أم ملكا ؟ قال: كان عبدا مؤمنا - أو قال: صالحا - أحب الله وأحبه، ضرب ضربة على قرنة الأيمن فمات، ثم بعث وضرب ضربة على قرنة الأيسر فمات، وفيكم مثله.
[ثم قال أبو الفرج]: وكتب إلي إسماعيل بن محمد المري الكوفي يذكر أن أبا نعيم حدثه بذلك عن بسام وذكر مثله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لهذه القطعة مصادر كثيرة ذكر بعضها في فضائل الخمسة ج 3 ص 306.
[627]
وقريبا منه رواه في الجزء (12) في مسند عبد الله بن مسعود أو أبي الطفيل.
من كتاب مسند الصحابة - للهيثم بن كليب - الورق 68، قال: حدثنا عيسى، حدثنا أبو معاوية، حدثنا بسام، حدثنا أبو الطفيل... ورواه أيضا الطحاوي في مشكل الآثار: ج 2 ص 350 كما في فضائل الخمسة: ج 3 ص 62، ثم قال: وذكره أيضا في كنز العمال: ج 1، ص 254 ط 1، وقال: أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن أبي عاصم في السنة وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه وابن المنذر، وابن أبي عاصم.
وذكره أيضا في الرياض النضرة: ج 2 ص 210.
- 341 -
ومن كلام له عليه السلام في الحث على السؤال عنه وانهم لا يجدون غيره يخبرهم عن سبب نزول الآيات وزمانه وما أراد الله بها حتى يلقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك، أنبأنا أحمد بن الحسن بن أحمد، أنبأنا أبو علي بن شاذان، أنبأنا أبو سهل ابن زياد القطان، أنبأنا أبو الحسين علي بن إبراهيم الواسطي إملاءا، أنبأنا محمد بن أبي نعيم، أنبأنا ربعي بن عبد الله بن الجارود: أنبأنا سيف بن وهب مولى لبني ثتيم قال: دخلت شعب بني عامر على أبي الطفيل عامر بن واثلة - قال: فإذا [هو] شيخ كبير قد وقع حاجبه
[628]
على عينه، قال: - فقلت له أحب أن تحدثني بحديث سمعته من علي، ليس بينك وبينه أحد.
قال: أحدثك به إن شاء الله وتجدنى له حافظا، [ثم قال]: أقبل علي يتخطى رقاب الناس بالكوفة حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فو الله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت، ولا أين نزلت ولا ما عنى [الله] بها، والله لا تلقوا أحدا يحدثكم ذاكم (1) بعدي حتى تلقوا نبيكم صلى الله عليه وسلم.
قال: فقام رجل يتخى رقاب الناس فنادى: أنا [سائلك] يا أمير المؤمنين.
فقال علي: ما أراك بمسترشد - أو ما أنت بمسترشد ! ! ! - قال: [بلى] يا أمير المؤمنين حدثني عن قول الله عز وجل: (والذاريات ذروا) ؟ قال: الرياح ويلك.
قال: (فالحاملات وقرا) ؟ قال: السحاب ويلك.
قال: (فالجاريات يسرا).
قال: السفن ويلك.
قال: (فالمدبرات أمرا) (2).
قال: الملائكة ويلك.
قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عز وجل: (والبيت المعمور، والسقف المرفوع)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا.
(2) كذا في النسخة، وعلى هذا فهي الآية (5) من سورة النازعات 79 ويحتمل رسم الخط أيضا أن يقرأ: (فما المدبرات أمرا).
والظاهر على كلا التقديرين أنه سهو من الرواوي وأن الصواب (فالمقسمات أمرا) وهي مرتبة على الآيات السابقة من سورة الذاريات.
[629]
[4 - 5 / الطور] ؟ قال: ويلك بيت في ست سماوات [كذا] يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وهو الضراح وهو حذاء الكعبة من السماء.
قال يا أمير المؤمنين حدثني عن قول الله عز وجل: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) [28 / إبراهيم: 14] قال: ويلك ظلمة قريب.
قال: يا أمير المؤمنين حدثني عن قول الله عز وجل: (قل هل أنبأكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا) [103 / الكهف] ؟ قال: ويلك منهم أهل حروراء.
قال: يا أمير المؤمنين حدثني عن ذي القرنين أنبي كان أو رسول ؟ قال: لم يكن نبيا ولا رسولا، ولكنه عبد ناصح الله عز وجل فناصحه الله عز وجل فأحبه الله وانه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فغيب [كذا] زمانا، ثم بعثه الله عز وجل إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل فضربوه على قرنه الآخر فهلك بذلك قرناه.
ترجمة ذي القرنين من تاريخ دمشق: ج 17، ص 9 ورواه أيضا تحت الرقم (407) في باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال: ج 15، ص 140، ط 2 نقلا عن ابن منيع والمقدسي في المختارة ورواه أيضا ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم: ج 1، ص 100، ورواه عنه - وعن ابن الأنباري في المصاحف - في الفصل الأول من لواحق كتاب القرآن من تلخيص كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 2 ص 42.
وفي كنز العمال: ج 1 ص 228، وعنه في فضائل الخمسة: ج 2 ص 238 قال ورواه أيضا ابن حجر في فتح الباري: ج 10، ص 221 عن عبد الرزاق.
[630]
- 342 -
ومن كلام له عليه السلام أجاب به من سأله عن أصحابه
وفيه أيضا مباحث أخر تقدم بعضها: عن زاذان قال: بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفسا طيبة (1) فقالوا: حدثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين.
قال: عن أي أصحابي ؟ قالوا: عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي فأيهم تريدون ؟ قالوا: النفر الذين رأيناك تلفظهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم.
قال: أيهم ؟ قالوا: عبد الله بن مسعود.
قال: علم السنة، وقرأ القرآن وكفى به علما، ثم ختم به عنده.
فلم يدروا ما يريد بقوله: (كفى به علما).
كفى بعبد الله أم كفى بالقرآن ؟ قالوا: فحذيفة ؟ قال: علم - أو علم - أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حتى عقل عنها فإن سألتموه عنها تجدوه بها عالما.
قالوا، فأبوذر ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقريبا منه عدا ما في الذيل من سوال ابن الكواء - رواه مسندا في الحديث (65) من الباب الثالث من تيسير المطالب - في ترتيب أمالي السيد أبي طالب - ص 49 وفي ط بيروت ص 76.
[631]
قال: وعى علما، وكان شحيحا حريصا، شحيحا على دينه حريصا على العلم، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع ! ! ! أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
قالوا: فسلمان ؟ قال: [هو] امرؤ منا وإلينا أهل البيت من لكم بمثل لقمان الحكيم ؟ علم العلم الأول وأدرك العلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول وقرء الكتاب الآخر وكان بحرا لا ينزف ! ! ! قالوا: فعمار بن ياسر ؟ قال: ذاك امرؤ خلط الله الايمان بلحمه ودمه وعظمه وشعره وبشره لا يفارق الحق ساعة، حيث زال زال معه، ولا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا.
قالوا: فحدثنا عنك يا أمير المؤمنين ! قال: مهلا نهى الله عن التزكية.
فقال قائل: فإن الله عز وجل يقول (وأما بنعمة ربك فحدث) [11 / الضحى 93].
قال: فإني أحدثكم بنعمة ربي، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، فبين الجوانح مني ملئ علما جما (2).
فقام عبد الله بن الكواء الأعور من بني بكر بن وائل فقال: يا أمير المؤمنين ما (الذاريات ذروا) ؟ قال: الرياح.
قال: فما (الحاملات وقرا) ؟ قال: السحاب.
قال: فما (الجاريات يسرا) ؟ قال: السفن.
قال: فما (المقسمات أمرا) ؟ قال: الملائكة، ولا تعد لمثل هذا ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) أي علما غزيرا كثيرا.
ولهذه القطعة شواهد كثيرة بعضها مذكورة في الحديث: (974) وتواليه وتعليقاته من الجزء الثاني من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ص 453 ط 1.
[632]
تسألني عن مثل هذا (3) قال: فما (السماء ذات الحبك) [8 / الذاريات] ؟ قال: ذات الخلق الحسن.
قال: فما السواد الذي في جوف القمر ؟ قال: أعمى سأل عن عمياء ما العلم أردت بهذا، ويحك سل تفقها ولا تسأل تعبثا - أو قال: تعنتا - سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك.
قال: فو الله إن هذا ليعنيني ! ! ! قال.
فإن الله تعالى يقول: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل) [12 / الإسراء] السواد الذي في جوف القمر، قال: فما المجرة ؟ قال: شرج السماء ومنها فتحت أبواب السماء بماء منهمر زمن الغرق على قوم نوح (4).
قال: فما قوس قزح ؟ قال: لا تقل قوس قزح فإن قزح هو الشيطان ولكنه القوس وهي أمان من الغرق.
قال: فكم بين السماء إلى الأرض ؟ قال: قدر دعوة عبد دعا الله لا أقول غير ذلك (5).
قال: فكم بين المشرق والمغرب ؟ قال: مسيرة يوم للشمس من حدثك غير هذا فقد كذب.
قال: فمن الذين قال الله تعالى: (وأحلوا قومهم دار البوار) [28 / إبراهيم: 14] ؟ قال: دعهم فقد كفيتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) كذا في الأصل.
(4) إشارة إلى قوله تعالى في الآية: (11) من سورة القمر: (54): ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر).
(5) ولهذه القطعة أيضا مصادر، ولكن ليس فيها قوله: لا أقول غير ذلك
[633]
قال: فما ذو القرنين ؟ قال: رجل بعثه الله إلى قوم عمالا كفرة أهل الكتاب [كذا] كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينهم وأحدثوا على أنفسهم فهم الذين يجتهدون في الباطل ويحسبون أنهم على حق، ويجتهدون في الضلالة ويحسبون أنهم على هدى فضل سعيهم في الحيات الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا - ورفع صوته وقال: (وما أهل النهروان منهم ببعيد.
فقال ابن الكواء: لا أسأل سواك ولا أتبع غيرك.
قال: إن كان الأمر إليك فافعل (6).
الحديث: (407) من باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال ج 15 ص 141، ط 2 نقلا عن ابن منيع، والضياء المقدسي في المختارة، وقريب منه جدا في ترجمة ذي القرنين من تاريخ دمشق ج 17 ص 9 وقد تقدم هاهنا في المختار السالف ص 627.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) أي ان الإختيار مخول إليك فاعمل على طبق ما خوله الله لك.
[634]
- 343 -
ومن كلام له عليه السلام في بث الشكوى عن أهل الكوفة
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أنبأنا أبو بكر ابن الطبري، أنبأنا أبو الحسين ابن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، أنبأنا إبراهيم بن سعد، عن شعبة، عن أبي عون محمد بن عبد الله الثقفي: عن أبي صالح الحنفي قال: رأيت علي بن أبي طالب آخذا بمصحف فوضعه على رأسه حتى إني لأرى ورقه تتقعقع ثم قال: اللهم إنهم منعوني ما فيه فأعطني ما فيه.
ثم قال: اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي فأبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني.
[635]
اللهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء (1).
الحديث (1342) من ترجمته عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 38 ص 97 وفي ط 1: ج 3 ص 265.
ورواه أيضا البلاذري في آخر ترجمته عليه السلام في الحديث (455) من كتاب أنساب الأشراف: ج 1 - الورق 200، وفي المطبوع: ج 2 ص 383، عن يحيى بن معين، عن سليمان أبي داود الطيالسي، عن شعبة ابن الحجاج، عن محمد بن عبيد الله [كذا] الثقفي، قال: سمعت أبا صالح يقول: شهدت عليا ووضع المصحف على رأسه حتى سمعت تقعقع الورق فقال: (اللهم إني سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك...).
ورواه أيضا في كتاب الغارات ج 1، ص 100 عن أبي صالح الحنفي قال: رأيت عليا وقد وضع المصحف على رأسه حتى رأيت الورق تقعقع على رأسه فقال: اللهم قد منعوني... ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 675.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذه القطعة ذكرها في مادة: ميث) من كتاب النهايبة قال: ومنه حديث علي: (اللهم مث قلوبكم كما يماث الملح في الماء).
وقال في مادة: (ميث) من كتاب الفائق ج 3 ص 397: علي - عليه السلام - أمر الناس بشئ وهو على المنبر فقام رجال فقالوا: لا نفعله.
فقال: اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء، اللهم سلط عليهم غلام ثقيف.
اعلموا أن من فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب ! ! ! يقال: ماثه يموثه - من باب قال - أذابه.
والقدح الأخيب من سهام الميسر: السهم الذي لا نصيب له.
[636]
- 344 - ومن خطبة له عليه السلام في نعت المخلصين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري رحمه الله: حدثنا أحمد ابن محمد، عن أبيه محمد بن الحسين بن الوليد القمي رحمه الله عن محمد بن [الحسن] الصفار عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن أبي سنان، عن أبي معاذ السدي، عن [أبي] أراكة (1) قال: صليت خلف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، الفجر في مسجدكم هذا فانفتل عن يمينه وكان عليه كآبة ومكث حتى طلعت الشمس على حائط مسجدكم هذا قيد رمح (2) وليس هو على ما هو اليوم، ثم أقبل على الناس فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورواه أيضا رحمه الله في الفصل العاشر، من مختار كلامه عليه السلام من كتاب الإرشاد ص 126، مرسلا عن صعصعة بن صوحان رحمه الله قال: صلى بنا أمير المؤمنين عليه السلام يوما صلاة الصبح، فلما سلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر الله لا يلتفت يمينا ولا شمالا حتى صارت الشمس على حائط... (2) المشار إليه في (هذا) هو مسجد الكوفة كما هو المصرح به في رواية الإرشاد وغيره.
(فانتفل): فانصرف.
و (قيد رمح) - بكسر القاف -: مقدار رمح.
[637]
أما والله لقد كان أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] (3) وهم يكابدون هذا الليل يراوحون بين جباههم وركبهم (4) كأن زفير النار في آذانهم، فإذا أصبحوا أصبحوا غبرا صفرا بين أعينهم شبه ركب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) كذا في الحديث (11) من الجزء الرابع من أمالي الشيخ رحمه الله ص 62، وذيل المختار: (95) من خطب نهج البالغة، والحديث: (21) من الباب: (99) من كتاب الإيمان والكفر من الكافي ج 2 ص 236، وفي نسخة الأمالي هكذا: (ص).
(4) يقال: (كابد الأمر مكابدة): قاساه وتحمل المشاق في فعله.
وكابد المسافر الليل: ركب هوله وصعوبته.
والجباه: جمع الجبهة.
والركب - كصرد -: جمع الركة بالضم فالسكون، يقال: (راوح بين رجليه) أي قام على كل منهما مرة.
وراوح بين العملين: اشتغل بهذا مرة، وبهذا مرة أخرى.
وفي ذيل المختار: (95) من نهج البلاغة: (لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحدا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم...).
[638]
المعزى (5) فإذا ذكر الله تعالى (6) مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وانهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم.
قال [أبو أراكة]: ثم نهض [عليه السلام] وهو يقول: والله لكأنما بات القوم غافلين.
[قال]: ثم لم ير [عليه السلام] مفترا حتى كان من أمر ابن ملحم لعنه الله ما كان.
الحديث: (29) من الجزء: (23) من أمالي لاشيخ المفيد، ص 123، ط 1 النجف.
ورواه أيضا عن السدي عن أمير المؤمنين عليه السلام مرسلا في الباب: (48) من كتاب جواهر المطالب ص 48.
ورواه في باب علامات المؤمن من كتاب الإيمان والكفر من أصول الكافي: ج 2 ص 235 في الحديث: (21 و 22) من الباب بسندين عن الإمام السجاد والإمام الباقر عليهما السلام، كما رواه أيضا في الحديث: (10) من الجزء الرابع من أمالي الطوسي ص 62 عن الإمام الباقر عليه السلام.
ورواه أيضا في الفصل (10) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد ص 126، وله طرق وأسانيد أخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) المعزى - بكسر الميم وسكون العين ثم الزاء بألف مقصورة -: المعز، وهو خلاف الضأن معروف، ويعبر عنه في لسان الفرس ب (بز) بضم فسكون وفي النهج: (كأن بين أعينهم ركب معز من طول سجوده.
(6) وتقدم قريب منه في المختار: (65) في ج 1، ص 225 بسند آخر.
وفي النهج: (إذ ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب ورجاء للثواب).
[639]
- 345 -
ومن كلام له عليه السلام في الإخيار عن سيطرة الأشرار على الأخيار واهتضام الأخيار بيد الأشرار!!
قال: أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام محزونا يتنفس فقال: كيف أنتم وزمان قد أظلكم ؟ تعطل فيه الحدود ويتخذ المال فيه دولا، ويعادي [فيه] أولياء الله ويوالى فيه أعداء الله ! ! ! (1) قلنا: [يا أمير المؤمنين] فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع ؟ قال: كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام نشروا بالمناشير وصلبوا على الخشب (2).
موت في طاعة الله عز وجل خير من حياة في معصية الله.
أواخر الباب (5) من دستور معالم الحكم، ص 113، ط مصر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد وقع الخبر على وفق ما أخبر به عليه السلام فاستولى بعده عليه السلام بستة أشر معاوية على الأقطار الإسلامية فقرب المبطلين وأنالهم من مال الله عطاء جما، وشرد المحقين وقتلهم تحت كل حجر ومدر وأكل أموالهم وحقوقهم أكلا لما.
(2) المناشير: جمع المنشار: ما ينحت به الخسشبة، ويعبر عنه في لسان الفرس ب (أره).
[640]
- 346 -
ومن خطبة له عليه السلام في تحريض أهل الكوفة على الجهاد
يا أهل الكوفة خذوا أهبتكم لجهاد عدوكم معاوية وأشياعه (1).
فقالوا: يا أمير المؤمنين أمهلنا يذهب عنا القر (2) فقال [عليه السلام]: أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ليس بأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لطاعتهم معاوية ومعصيتكم لي، والله لقد أصبحت الأمم كله اتخاف ظلم رعاتها وأصبحت أنا وأخاف ظلم رعيتي ! ! ! لقد استعملت منكم رجالا فخانوا وغدروا، ولقد جمع بعضهم ما ائتمنته عليه من فئ المسلمين فحمله إلى معاوية، وآخر حمله إلى منزله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأهبة - بالضم فالسكون فالفتح -: العدة والتهيؤ والإستعداد.
(2) القر - بضم القاف كحر -: البرد.
شدته.
[641]
تهاونا بالقرآن، وجرأة على الرحمان ! ! ! حتى أني لو ائتمنت أحدكم على علاقة سوط لخان ! ! ! ولقد أعييتموني.
ثم رفع [عليه السلام] يده إلى السماء وقال: اللهم إني سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم (3) وتبرمت الأمل، فأتح لي صاحبي (4) حتى استريح منهم ويستريحوا مني ولن يفلحوا بعدي.
الفصل: (45) من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الإرشاد ص 148، وللكلام شواهد تقدم بعضها ويأتي بعض آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) قال الفيروز آبادي: ولا تكسر النون.
يقال: هو بين ظهريهم وظهرانيكم وبين أظهرهم أي في وسطهم وعظمهم.
(4) تبرمت الأمل: انثلم أملي منهم وقطعت رجائي عنهم ويئست منهم.
وقوله: (فأتح): فحرك وهيئ.
وهو طلب من باب قال وباع.
(نهج السعادة ج 2) (م 41)
[642]
- 347 -
ومن كلام له عليه السلام في بث الشكوى عن أهل الكوفة والدعاء عليهم وفيه صفة الحجاج ابن يوسف ضاعف الله عذابه
قال ابن عساكر: أخبرنا أحمد بن عبدان بن رزين المقرئ، قال: أنبأنا الفقيه أبو الفتح [نصر (خ)] بقية بن ابراهيم (1) أنبأنا عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان، أنبأنا أبو عبد الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبى شيبة، أنبأنا سعد بن وهب السلمي أنبأنا جعفر بن سليمان، أنبأنا مالك بن دينار، عن بسطام بن سلم [ظ] عن الحسن أن عليا كان على المنبر فقال: اللهم إني ائتمنتهم فخانوني ونصحتهم فغشوني ! ! ! اللهم فسلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم ويحكم فيهم بحكم الجاهلية.
[قال]: فوصفه وهو يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر من كيفية كتابتي أن في النسخة المخطوطة كان لفظ (بقية) وفي المطبوعة: لفظ (نصر).
ولا يحضرني النسختان حين تحقيق هذا الموضع.
[643]
[الشاب] الذيال يفجر الأنهار (2) يأكل خضرتها ويلبس فروتها (3) قال [بسطام]: فقال الحسن [البصري]: هذه والله صفة الحجاج.
ترجمة الحجاج من تاريخ دمشق: ج 10 ص 116، وتهذيب تاريخ دمشق: ج 4 ص 72، وقريبا منه ذكره بثلاثة متون وأسانيد أخر تنتهي إلى حبيب بن أبي ثابت، ومالك بن أوس بن الحدثان، والحسن البصري.
وقال في آخر الطريق الثاني: قال الحسن: قال علي رضي الله عنه ذلك، وما خلق الله الحجاج يومئذ ! ! ! أقول: وأشار أيضا إلى هذا الكلام ابن عبد ربه في عنوان: (تفاضل البلدان) من كتاب الزبر جدة الثانية من العقد الفريد ج 4 ص 265 ط 2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الذيال: طويل الذيل.
كثير التبختر.
(3) قال في مادة (خضر) من كتاب النهاية: وفي حديث علي: (اللهم سلط عليهم فتى ثقيف الذيال، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها) أي هنيئها، فشبهه بالخضر الغض الناعم.
ورواه أيضا عن الهروي في مادة: (فرا) بزيادات وشرح أوضح مما مر، وذكره أيضا عن جار الله الزمحشري.
ورواه أيضا في لسان الميزان: ج 1 ص 485، وفي تاريخ الإسلام ج 3 ص 352، وفي البداية والنهاية: ج 6 ص 237 وفي منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 5 ص 454 ط 1 كما رواه عنهما في إحقاق الحق: ج 8 ص 178.
[644]
- 348 -
قال في جواهر المطالب: وخطب عليه السلام عند استنفاره الناس لحرب معاوية وقال: الحمد لله رب العالمين، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أول كل شئ وآخره، ومبدئ كل شئ ومعيده، كل شئ خاشع له، وكل شئ قائم به، وكل شئ ضارع إليه، وكل شئ مشفق منه، خشعت له الأصوات وقامت [بأمره الأرض و] السماوات (1) وضلت دونه الأعلام (2)، وكلت دونه الأبصار،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما بين المعقوفين مما يقتضيه السياق.
(2) الأعلام: جمع العلم، العلامة تنصب للاهتداء.
المنارة.
الجبل الطويل.
أي ضلت العلامات المنصوبة للوصول إليه قبل الوصول إلى كنه ذاته واضمحلت دونه.
أو فقدت وانعدمت في جنب عظمته وعلو ارتفاعه الجبال الشوامخ والشواهق التي قد بلغت غاية الإرتفاع.
[645]
سبحانه ما أعظمم شأنه وأجل سلطانه، أمره قضاء وكلامه نور، ورضاه رحمة وسخطه عذاب، واسع المغفرة شديد النقمة، قريب الرحمة، غنى كل فقير وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، يعلم ما تكن الصدور وما تخون العيون، وما في قعر البحور، وما ترخى عليه الستور، الرحيم بخلقه، الرؤف بعباده على غناه عنهم وفقرهم إليه، من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش منهم فعليه رزقه، ومن مات منهم فإليه مصيره (3).
أحمده على ما يأخذ ويعطي وعلى ما يبلي ويولي (4) وعلى ما يميت ويحيي، حمدا يكون أرضى الحمد له،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفي المختار: (105) من نهج البلاغة: (من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه)... (4) على ما يبلي أي علي ما يختبرهم بصنعه الجميل من إفضاله عليهم وإكرامه لهم.
وعلى ما يولي أي على ما يصنعه.
[646]
وأحب الحمد إليه وأفضل الحمد عنده حمدا يفضل حمد من مضى، ويعرف حمد من بقي (5).
سبحانك أللهم ما أعظم ما يرى من خلقك، وما أصغر عظمه في قدرتك، وما أعظم ما نرى من ملكوت، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من ملك (6) وما أسبغ أنعمك في الدنيا، وما أحقرها (7) في جنب ما ينعم به في الآخرة، وما عسى أن يرى من قدرتك وسلطانك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) كذا في الأصل، ولعل الصواب (يغرق) - من باب أفعل وفعل - أي حمدا يغلب حمد من بقي ويستوعبه كما يغلب الماء الغريق ويستوعبه.
أو حمدا يحلي ويزين حمد الباقين من المخلوقين، يقال: (غرق اللجام - من باب التفعيل بالفضة): حلاه بها.
(6) وفى النهج: (سبحانك ما أعظم نرى من خلقك، وما أصغر عظمه في جنب قدرتك وما أهول ما نرى من ملكوتك، وما أحقر ذلك فيما غاب عنا من سلطانك، وما أسبغ نعمك في الدنيا، وما أصغرها في نعم الآخرة...).
أقول: الملك والملكوت بمعنى واحد، وقيل: الملكوت: الملك العظيم.
ويطلقان أيضا على العظمة والسلطة.
(7) هذا هو الظاهر، وفى الأصل: (وما أخفرها) بالخاء المعجمة ثم الفاء.
[647]
في قدر ما غاب عنا من ذلك وقصرت أبصارنا عنه، ووقفت عقولنا دونه، فمن أعمل طرفه وقرع سمعه وأعمل فكره كيف خلقت خلقك وكيف أقمت عرشك، وكيف علقت سماواتك في الهوا [ء] وكيف مددت أرضك، رجع طرفه حسيرا وعقله والها، وسمعه مبهورا (8) وكيف يطلب علم ما قبل ذلك [من] عز شأنك (9) إذا أنت في الغيوب ولم يكن فيها غيرك ولم يكن لها سواك، لم يشهدك أحد حيث فطرت الخلق وذرأت النفوس (10) [و] كيف لا يعظم شأنك عند من عرفك، وهو يرى من عظم خلقك ما يملأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) الطرف: البصر.
و (حسيرا): كليلا.
و (والها): متحيرا.
و (مبهورا) أي منقطعا معييا لا يسمع شيئا.
(9) رسم الخط غير واضح ولكن لا يحتمل غير هذا، وفي الخطبة الغراء الآتية في القسم الثاني من هذا الكتاب ج 3 ص 62: (كيف يطلب علم ما قبل ذلك من سلطانك إذا أنت وحدك في الغيوب).
(10) وفي النسخة هنا تصحيف.
[648]
قلبه ويذهل عقله من رعد يقرع القلوب، وبرق يخطف العيون.
سبحانك خالقا معبودا، وسبحانك بحسن بلائك عند خلقك محمودا (11) وسبحانك جعلت دارا وجعلت [فيها] مائدة: مطعما وشرابا، وأزواجا وخدما، وقصورا وعيونا، ثم أرسلت داعيا يدعو إليها، فلا الداعي أجابوا، ولا فيما رغبت رغبوا، ولا إلى ما شوقت اشتاقوا ! ! ! أقبلوا على جيفة يأكلون ولا يشبعون ! ! ! [قد] افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبها، وأعمت أبصار صالحي زمانها [و] في قلوب فقهائهم من عشقها [ما] أغشى حبها بصره وأمرض غلبه وأمات لبه، فهو عبد لها، وعبد لمن في يده شئ منها، حيثما زالت الدنيا زال إليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها، لا ينزجر من الله بزاجر ولا يتعظ بموعظة، فسبحان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) كذا في الأصل.
[649]
الله كيف [بهم] إذا فجأهم الأمور، ونزل بهم المقدور، ففارقوا الدور (12) وصاروا إلى القبور، وحشروا إلى دار دانت لهم فيها دواهي الأمور (13)، فعلم كل عبد منهم أنه كان مغرورا مخدوعا، اجتمعت عليهم خلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت، فاغبرت لها وجوههم وتغيرت لها ألوانهم وفترت لها أطرافهم (14) وحركوا لمخرج أرواحهم أيديهم، وعرقت لها جباههم ثم ازداد الموت فيهم فحيل بينهم وبين منطقهم وإنهم يديرون (15) أبصارهم في أهليهم بنظر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) هذا هو الظاهر، وفي النسخة: (ونزل به المقدور، ففارقوا الدار).
(13) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (واحسروا دار دانت دواهي الأمور).
يحتمل أيضا أن يكون الأصل: (واخسروا دارا [و] دانت [لهم] دواهي الأمور).
(14) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (وقرت...).
(15) وفي النسخة: (فجعل بينهم وبين منطقهم فإنهم يسيرون).
وفي النهج: (فحيل بين أحدهم وبين منطقه وإنه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه على صحة من عقله وبقاء من لبه يفكر فيم أفنى عمره =
[650]
يبصرونه وسمع يسمعونه على صحة من عقولهم، قد منعوا من الكلام، وغابت منهم الأحلام، وقد أجالوا الأفكار فيما أفنوه من الأعمار، وتحسروا على أموال جمعوها (16) وحقوق منعوها [وقد] أغمضوا في طلبها فلزمهم وبالها حين أشرفوا على فراقها، وخلفوها لوراثها فكان المهنأ (17) لغيرهم وحسابها عليهم، قد علقت [بها] رهونهم فهم يعضون الأيدي حسرة وندامة على [ما] جمعوا (18) وأسفوا على ما فرطوا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وفيم أذهب دهره، ويتذكر أموالا جمعها أغمض في مطالبها وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتعون بها فيكون المهنأ لغيره والعبء على ظهره...).
(16) هذا هو الظاهر من سياق الكلام، وفي النسخة: (ويحشروا)... (17) ويساعد رسم الخط على أن يقرئ: (وخلفوها لورائها فكان الهنئ لغيرهم).
(18) رسم الخط غير واضح، وما بين المعقوفين زدناه لتنسيق الكلام.
وفي النهج: (والمرء قد غلقت رهونه بها، فهو يعض يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه).
[651]
وزهدوا فيما كانوا فيه راغبين [فتمنو أن] الذي كانوا يغبطون به ويحسدون [عليها] لم يكن (19).
ثم لم يزل الموت بالمرء يزيده ويبالغ في جسده حتى خالط سمعه فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه، يردد طرفه في النظر في وجوه أهله وأحبابه، يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع كلامهم، وما زال الموت يزيده حتى خالط عقله وصار لا يعقل بعقله ولا يسمع بسمعه ولا ينطق بلسانه، ثم زاده الموت حتى خالط بصره فذهبت من الدنيا معرفته، وهملت عند ذلك حجته (20) فاجتمعت عليهم خلتان: سكرة الموت وحسرة الفوت، فما زال لذلك حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) رسم الخط هاهنا سقيم، والظاهر بقرينة ما في نهج البلاغة - أن ما صوبناه ووضعناه بين المعقوفات هو الصحيح وفي الأصل هكذا: (وزهدوا فيما كانوا راغبين فيه، فعموا الذي كانوا يغبطون به ويحسدون عاما لم يكن).
(20) لعل هذا هو الصواب يقال: (هملت الإبل - من باب ضرب - هملا): تركت سدى وأهملت.
وفي الأصل: (وهمكت عن ذلك حجته).
[652]
بلغت الروح الحلقوم، ثم زاده الموت حتى خرج الروح من جسده (21) فصار جيفة بين أهله، قد أوحشوا من جانبه [وتباعدوا من قربه] لا يسعد باكيا ولا يجيب داعيا (22).
ثم أخذوا في غسله فنزعوا عنه ثياب أهل الدنيا ! ! ثم كفنوه فلم يوزروه (23) ثم ألبسوه قميصا لم يكفؤا عليه أسفله (24) ولم يزروه (25) ثم حملوه حتى أتوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) هذا هو الظاهر، وفي النسخة (حتى أخرج الروح من جسده...).
(22) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة، وبعده فيه هكذا: (ثم حملوه إلى مخط في الأرض وأسلموه فيه إلى عمله وانقطعوا عن زورته حتى إذا بلغ الكتاب أجله والأمر مقاديره وألحق آخر الخلق بأوله وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه...).
(23) أي لم يلبسوه الوزرة.
(24) لعلها من قولهم أكفأه إكفاءا: أماله.
والإناء قلبه ليصب ما فيه وقال في مادة كفئ من لسان العرب: الكفاء - بالكسر: سترة في البيت.
من اعلاه ألى أسفله من مؤخره.
وقيل: هو كساء يلقى على الخباء كالإزار حتى يبلغ الأرض.
(25) أي لم يجعلوا له زرا يجمعه عليه ويحفظه.
[653]
به قبره فأدخلوه ثم انصرفوا عنه، وخلوه بمفظعات الأمور (26) مع ظلمه القبر، وضيقه ووحشته، فذلك مثواه حتى يبلى جسده ويصير رفاتا ورميما، حتى إذا بلغ الأمر إلى مقاديره وألحق آخر الخلق بأوله، وجاء من الله وأمره ما يريد [ه] من إعادته وتجديد خلقه (27) أمر بصوت من سماواته، أما السماوات ففتقها (28) وفطرها وأفزع من فيها وبقي ملائكتها قائمة على أرجائها (29) ثم وصل الأمر إلى الأرضين، والخلق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
26 - الباء بمعنى اللام أي إلى مفظعات الأمور.
(27) كذا في الأصل، والأظهر أن يكون اللفظ هكذا: (من تجديد خلقه وإعادته).
وكلمة: (إعادته) غير موجودة في نهج البلاغة.
(28) فتقها - من باب ضرب ونصر وفعل -: شقها وفصل بعضها عن بعض.
وفطر الشئ - من باب نصر وضرب - شقه.
وفي النهج: (أماد السماء وفطرها، وأرج الأرض وأرجفها وقلع جبالها ونسفها ودك بعضها بعضا من هيبة جلالته ومخوف سطوته)... وقوله: (أماد السماء): حركها على غير انتظام، وهذا جواب لقوله.
- المتقدم تحت الرقم: (22) في تعليق ص 652 -: (حتى إذا بلغ الكتاب أجله).
(29) أي على أطرافها.
[654]
لا يشعرون، فرج أرضهم وأرجفها بهم وزلزلها عليهم وقلع أجبالها من أصولها ونسفها وسيرها، ودك بعضها بعضا من هيبته وجلاله (30) ثم كانت كالعهن المنفوش قد دكت هي وأرضها دكة واحدة، وأخرج من فيها وجددهم بعد إبلائهم وجمعهم بعد تفرقهم لما يريد من توقيفهم ومسألتهم عن الأعمال (31) فمن أحسن منهم يجزيه بأعماله وإحسانه، ومن أساء منهم يجزيه بإساءته (32) ثم ميزهم فجعلهم فريقين فريقا في ثوابه وفريقا في عقابه، ثم خلد الأمر لأبده، دائم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) وزاد بعده في النهج: (ومخوف سطوته) وأخرج من فيها فجددهم بعد أخلاقهم).
أي بعد كونهم بالين وخلقين.
(31) وفي النهج: (ثم ميزهم لما يريد من مسألتهم عن خفايا الأعمال وخبايا الأفعال.
وجعلهم فريقين أنعم على هؤلاء وانتقم من هؤلاء، فأما أهل طاعته فأثابهم بجواره وخلدهم في داره حيث لا يظعن النزال ولا تتغير بهم الحال...).
(32) لعل هذا هو الصواب، ولفظة: (يجزيه) من الأصل رسم خطها غير واضح.
[655]
خيره مع المطيعين وشره مع العاصين (33) وأثاب أهل الطاعة بجواره والخلود في داره، وعيش رغد وخلود دائم، ومجاورة رب كريم، ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلم حيث لا يظعن النازل، ولا يتغير بهم الحال، ولا يصيبهم الأفزاع، ولا تنوبهم الفجائع ولا يمسهم الأسقام والأحزان.
فأما أهل المعصية فخلدهم في النار، وقد غلت منهم الأيدي إلى الأعناق (34) وقرن منهم النواصي بالأقدام، وألبست الأبدان سرابيل القطران، وقطعت لهم مقطعات النيران، في عذاب حديد يزيد ولا يبيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(33) المراد من الشر هنا ما يجزي الله به العاصين من جزاء عصيانهم وتمردهم.
(34) وفي النهج: (وأما أهل المعصية فأنزلهم شر دار وغل الأيدي إلى الأعناق وقرن النواصي بالأقدام وألبسهم سرابيل القطران ومقطعات النيران، في عذاب قد اشتد حره، وباب قد أطبق على أهله، في نار لها كلب ولجب ولهب ساطع وقصيف هائل لا يظعن مقيمها ولا يفادى أسيرها ولا تفصم كبولها، لا مدة للدار فتفنى ولا أجل للقوم فيقضى).
[656]
ولا مدة للدار فتفنى، ولا أجل للقوم فيقضى (35) فهل سمعتم بمثل هذا الثواب العقاب ؟ ما للناس من هول نام طالبه وأدركه هاربه، أو تشاغل عنه بغيره، تشاغل أهل الدنيا بدنياهم وتشاغل أهل الآخرة بأخراهم، فأما أهل الدنيا فأتعبوا أبدانهم ودنسوا أعراضهم وخرجوا [عن] ديارهم في طاعة مخلوق مثلهم، تعبدوا له وطلبوا ما في يديه وأذعنوا له ووطئوا عقبه، فصار أحدهم يرجو عبدا مثله، لا يرجو الله وحده،.
وأما صاحب الطاعة (36) فاتبع أثر نبيه صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(35) أي ينقضى وينتهى.
وهذا مأخوذ من قوله تعالى في الآية (36) من سورة قاطر: (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها).
(36) أي الذي يملك الطاعة ويجب على الناس الانقياد لأوامره، كما يجب على المماليك الانقياد لمولاهم وصاحبهم ومالك رقبتهم، وهذا مقابل لقوله: (فأما أهل الدنيا...).
ومقتضى السياق أن يقول: (وأما أهل الآخرة...).
وإنما عدل عنه إلى هذا ليبين أن المراد من أهل الدنيا - هنا - هو معاوية وأتباعه، وأن المراد من أهل الآخرة هو عليه السلام وأتباعه الذين يسلكون مسالكه ولا يجاوزون عنها.
[657]
الله عليه وسلم، وسلك مناهجه، وكان له فيه أسوة حسنة استن بسنته حين حقر الدنيا وصغرها، فقد كان يركب الحمار ويردف خلفه، ويأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، ويجيب المملوك ويخصف نعله يرقع ثوبه، ويكره الستر على بابه فيه التصاوير، ويقول: يا عائشة أخرجيه عني ! ! ! فمن استن بسنته واقتص أثره (37) وإلا فلا يأمنن هلكته.
والحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم أرسله رحمة وحجة، فجلت ووصلت إلينا نعمه بنعمة أسبغها علينا، قبلغ رسالات ربه وناصح لأمته منذرا وداعيا، فما أعظم النعمة علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبه هدانا الله من الضلالة، واستنقذنا به من جمر [ا] ت النار (38) وبصرنا به من العمى، وعلمنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(37) الجزاء محذوف أي من اقتص واتبع أثر النبي فهو من الناجين الذين ينعم الله عليهم بمرافقة الشهداء والصديقين.
(38) وفي النسخة هكذا: (واستعذنا به من حيرب النار، وبصرنا به = (نهج السعادة ج 2) (م 42)
[658]
به بعد الجهالة، وأعزنا به في خلتنا (39) وكثرنا به في قلتنا (40) ورفع به خسيسنا ونحن بعد نرجو شفاعته والله أوجب حقه علينا، فأمرنا بالصلاة عليه، فصلوا عليه صلى الله عليه وسلم.
فلما فرغ من الصلوات قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين فد عظمت [الله] فلم تأل في تعظيمه، وحمدته فلم تأل في تحميده، وحثثت (41) الأمة وزهدت ورغبت.
فقال علي (عليه السلام): نحن أصحاب رايات بدر، لا ينصرنا إلا مؤمن، ولا يخذلنا إلا منافق، من نصرنا نصره الله، ومن خذلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= من العمى وعملنا به بعد الجهالة، وأعرنا به في حلسا...).
والجمرات - محركة -: جمع الجمرة - بفتح الجيم وسكون الراء -: النار المتقدة.
(39) أي في حالة كنا فقيرا وذا حاجة، والحلة - بفتح الحاء المعجمة -: الفقر والفاقة، والجمع: خلال وخلل - كجبال وجبل - وبضم أولها: الصديق.
الصداقة، وبكسر الأول: المصادقة والأخوة.
(40) هذا هو الظاهر، وفي الأصل،: (وكبرنا) بالباء الموحدة.
(41) وفى النسخة هكذا: (ومحسنا لأمة).
[659]
خذله الله في الدنيا والآخرة، وقد عرفت أن أقواما بايعوني وفي قلوبهم الغدر ! ! ! ألا وإني لست أقاتل إلا مارقا يمرق من دينه، وناكثا ببيعته يريد الملك لنفسه، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وإنما يقاتل معنا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها.
ألا إن ولينا وناصرنا ينتظر في كل صباح ومساء النعمة من الله، وإن عدونا وبغيضنا ينتظر السطوة من الله كل صباح ومساء فليبشر (42) ولينا بالأرباح الوافرة والجنة العالية، ولينتظر عدونا النقمة في الدنيا والآخرة.
[قال الراوي] فدخل يومئذ في طاعته بخطبته [هذه] اثنا عشر ألفا، مستبصرين في قتال من خالفه، ودخل عليه الاشعث بن قيس فخوفه بالموت، فقال له - رضي الله عنه -: يا ماص أتخوفني بالموت ؟ والله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت علي ! ! ! [ثم] قال: يا جارية هاتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: (فلينشر).
[660]
الجامع (43) - يريد سيفه وما ضامه وعمرها أي لا تأتي به [كذا] - فولى الأشعث وسمعت له قعقعة على الدرجة وهو ينزل.
أواسط الباب: (49) - وهو باب خطبه عليه السلام - من كتاب جواهر المطالب، ص 56، والخطبة تشترك مع المختار: (105) من نهج البلاغة في جل الألفاظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) ومما يناسب هذا المقام جدا، ما رواه ابن عساكر - في ترجمة الأشعث من تاريخ دمشق: ج 6 ص 106، أو ص 1140، وفي تهذيبه: ج 1 ص 100 - قال: أخبرنا أبو طالب بن عبد الرحمان بن أبي عقيل، أنبأنا أبو الحسن، أنبأنا عبد الرحمان بن عمر بن النحاس، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي، أنبأنا أبو رفاعة عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب العدوي، أنبأنا إبراهيم ابن بشار، أنبأنا سفيان، عن إسماعيل: عن قيس قال: دخل الأشعث بن قيس على علي في شئ فتهدده بالموت فقال علي: ([أ] بالموت تهددني ؟) ما أبا لي سقط علي أو سقطت عليه ! ! ! هاتوا له جامعة وقيدا.
ثم أومأ إلى أصحابه [أن اشفعوا له] فطلبوا إليه فيه - قال: - فتركه.
قال سفيان: فحدثني ابن جعفر بن محمد [كذا] عن أبيه قال: فسمعوا لصوت رجليه حفيفا، قال علي [عليه السلام]: فرقناه ففرق.
ورواه عنه مرسلا تحت الرقم (327) من كنز العمال: ج 15، ص 114، ط 2.
[661]
- 349 -
خروج معه إلى قتال معاوية وتهديده لهم بأنهم إن لم يخرجوا معه لخرج بنفسه إليهم ولو لم يكن معه إلا عشرة أنفس ثم ليدعون الله عليهمقال البلاذري - في عنوان: (غارة زياد بن خصفة بن ثقيف التميمي على نواحي الشام واستشارة علي أهل الكوفة لقتال معاوية) -: قالوا: لما استنفر علي أهل الكوفة فتثاقلوا وتباطؤا عاتبهم ووبخهم، فلما تبين منهم العجز وخشي منهم التمام على الخذلان (1) جمع أشرف أهل الكوفة، ودعا شيعته الذين يثق بمناصحتهم وطاعتهم [فخطبهم] فقال: الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد أيها الناس فإنكم دعوتموني إلى هذه البيعة فلم أردكم عنها، ثم بايعتموني على الإمارة ولم أسألكم إياها، فتوثب علي متوثبون كفى الله مؤنتهم وصرعهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اي الاستمرار والمداومة على الخذلان
[662]
لخدودهم وأتعس جدودهم وجعل دائرة السوء عليهم، وبقيت طائفة تحدث في الإسلام أحداثا، تعمل بالهوى وتحكم بغير الحق، ليست بأهل لما ادعت، وهم إذا قيل لهم تقدموا قدما تقدموا، وإذا قيل لهم أقبلوا [أقبلوا] (1) لا يعرفون الحق كمعرفتهم الباطل، ولا يبطلون الباطل كإبطالهم الحق، أما إني قد سئمت من عتابكم وخطابكم فبينوا لي ما أنتم فاعلون، فإن كنتم شاخصين معي إلى عدوي فهو ما أطلب وأحب، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا لي عن أمركم أرى رأيي، فو الله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إلى عدوكم فتقاتلوهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين لأدعون الله عليكم ثم لأسيرن إلى عدوكم ولو لم يكن معي إلا عشرة ! ! ! أأجلاف أهل الشام وأعرابها أصبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) يقال: (قدم علي قرنه - من باب نصر ومنع - قدما - كقفلا وفلسا - وقدوما): اجترء عليه.
وعلى الأمر: شجع.
والقدم - كعنق -: المضي في الأمر جريئا يقال: (مضى قدما) أي لم يعرج على شئ ولم ينثن.
ويوسف به المذكر والمؤنث.
[663]
على نصره الضلال ؟ وأشد اجتماعا على الباطل منكم على هداكم وحقكم ؟ ! ! ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ إن القوم أمثالكم لا ينشرون إن قتلوا إلى يوم القيامة.
فقام إليه سعيد بن قيس الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين أؤمرنا بأمرك والله ما يكبر جزعنا على عشائرنا إن هلكت، ولا على أموالنا إن نفدت في طاعتك ومؤازرتك.
وقام إليه زياد بن خصفة فقال: يا أمير المؤمنين أنت والله أحق من استقامت له طاعتنا وحسنت مناصحتنا وهل ندخر طاعتنا بعدك لأحد مثلك ؟ مرني بما أحببت مما تمتحن به طاعتي.
وقام إليه سويد بن الحرث التيمي من تيم الرباب، فقال: يا أمير المؤمنين مر الرؤساء من شيعتك فليجمع كل امرئ منهم أصحابه فيحثهم على الخروج معك، وليقرأ عليهم القرآن ويخوفهم عواقب الغد والعصيان، ويضم إليه من أطاعه وليأخذهم بالشخوص.
فلقي الناس بعضهم بعضا وتعاذلوا وتلاوموا وذكروا ما يخافون من استجابة دعائه عليهم إن دعا، فأجمع رأي الناس على الخروج، وبايع حجر ابن عدي أربعة الآف من الشيعة على الموت، وبايع زياد بن خصفة البكري نحو من ألفي رجل، وبايع معقل بن قيس نحو من ألفي رجل وبايع عبد الله بن وهب السمني [كذا] نحو من ألف رجل، وأتي زياد بن خصفة عليا فقال له: أرى الناس مجتمعين على المسير معك فاحمد الله يا أمير المؤمنين.
فحممد الله ثم قال: ألا تدلوني على رجل حسيب صليت يحشر الناس علينا من السواد
[664]
ونواحية ؟ فقال سعيد بن قيس: أنا والله أدلك عليه [هو] معقل بن قيس الحنظلي فهو الحسيب الصليب الذي قد جربته وبلوته وعرفناه وعرفته.
فدعاه علي وأمره بتعجيل الخروج لحشر الناس، فإن الناس قد انقادوا للخروج.
ثم قال زياد بن خصفة: يا أمير المؤمنين قد اجتمع لي من قد اجتمع.
فأذن لي أن أخرج بأهل القوة منهم ثم ألزم شاطئ الفرات حتى أغير على جانب من الشام وأرضها ثم أعجل الإنصراف قبل وقت الشخوص واجتماع من بعث أمير المؤمنين في حشره، فإن ذلك مما يرهبهم ويهدهم.
قال: فامض على بركة الله فلا تظلمن أحدا، ولا تقاتلن إلا من قاتلك ولا تعرضن للأعراب (3).
فأخذ [زياد] على شاطئ الفرات فأغار على نواحي الشام ثم انصرف، ووجه معاوية عبد الرحمان من خالد بن الوليد في طلبه ففاته، وقدم [زياد] هيت فأقام بها ينتظر قدوم علي.
وخرج معقل لما وجه له، فلما صار بالدسكرة بلغه أن الأكراد قد أغارت على شهرزور، فخرج في آثارهم فلحقهم حتى دخل الجبل فانصرف عنهم ثم لما فرغ من حشر الناس وأقبل راجعا فصار إلى المدائن بلغه نعي علي، فسار حتى دخل الكوفة ورجع زياد من هيت.
الحديث (510) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1 ص 434، وفي ط 1: ج 2 ص 477.
وقريبا منه رواه في كتاب الغارات: ج 2 ص 100، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 672 ط الكمباني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وقريبا من هذا ذكره عليه السلام في وصيته لجارية بن قدامة كما ذكرناه في المختار: (10) من باب الوصايا من كتابنا هذا ج 8 ص 100.