[78]

- 37 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية لما فرغ من وقعة الجمل

قال ابن قتيبة: وذكروا انه لما فرغ من وقعة الجمل بايع له القوم جميعا وبايع له أهل العراقب، واستقام له الامر بها فكتب إلى معاوية: أما بعد فإن القضاء السابق، والقدر النافذ ينزل من السماء كقطر المطر (1) فتمضي أحكامه عزوجل، وتنفذ مشيئته بغير تحاب المخلوقين ولا رضاء الآدميين، وقد بلغك ما كان من قتل عثمان (2) وبيعة الناس عامة إياي ومصارع الناكثين لي، فادخل في ما دخل الناس فيه، وإلا فأنا الذي عرفت، وحولي من تعلمه والسلام.

الامامة والسياسة: ج 1 / 82 ط مصر، والمختار (28) من كتب مستدرك النهج 129، والمحتار (377) من جمهرة رسائل العرب، ج 1، ص 385.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه الالفاظ كثيرة الدوران في كلمه عليه السلام.

(2) وكان في النسخة كلمة رحمه الله وهي من الحاقات اولياء عثمان.

 

[79]

- 38 -

ومن كتاب له عليه السلام أجاب به أيضا معاوية بن أبي سفيان

قال ابن عبد ربه: وكتب معاوية إلى (أمير المؤمنين) علي (ع): أما بعد فانك قتلت ناصرك واستنصرت واترك، فأيم الله لا رمينك بشهاب لا تذكيه الريح، ولا يطفيه الماء، فإذا وقع وقب، وإذا مس ثقب، ولا تحسبني كسحيم.

أو عبد القيس، أو حلوان الكاهن (1).

فأجابه علي (أمير المؤمنين عليه السلام): أما بعد فو الله ما قتل ابن عمك غيرك، وإني أرجوا أن ألحقك به على مثل ذنبه وأعظم من خطيئته، وإن السيف الذي ضربت به أباك وأهلك لمعي دائم، والله ما استحدثت دينا ولا استبدلت نبيا، وإني على المنهاج الذي تركتموه طائعين، وأدخلتم فيه كارهين.

كتاب العسجدة الثانية من العقد الفريد: ج 3 ص 107، ط 2 وفي ط ج 2 ص 223، وفي ط ج 5 ص 77 تحت عنوان: ما جرى بين علي ومعاوية من تاريخ الخلفاء، ورواه عنه تحت الرقم (429) من جمهرة الرسائل: ج 1 / 417.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال: - وقب الظلام - من باب وعد، والمصدر كالوعد - وقبا): انتشر.

 

[80]

- 39 -

ومن كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية

لما كتب إليه (ع) بما لفه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا علي لا ضربنك بشهاب قاطع لا يذكيه (لا يدكنه خ) الريح، ولا يطفئه الماء، إذا اهتز وقع، وإذا وقع نقب (1) والسلام.

فلما قرأ عليه السلام كتاب معاوية، دعا بدواة وقرطاس فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد - يا معاوية - فقد كذبت، أنا علي بن أبي طالب، وأنا أبو الحسن والحسين قاتل جدك وعمك وخالك (2) وأنا الذي أفنيت قومك في يوم بدر ويوم فتح ويوم أحد، وذلك السيف بيدي تحمله ساعدي بجرأة قلبي كما خلفه النبي صلى الله عليه وآله بكف الوصي، لم أستبدل بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا، وبالسيف بدلا، والسلام على من اتبع الهدى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال: (نقب الحائط - من باب نصر - نقبا:) خرقه.

(2) وفى النسخة زيادة قوله: (وأبيك) وكأنها من سهو النساخ أو الرواة.

 

[81]

ثم طوى (ع) الكتاب ودعا الطرماح بن عدي الطائي - وكان رجلا مفوها طوالا - فقال له: خذ كتابي هذا فانطلق به إلى معاوية، ورد جوابه.

الاختصاص للشيخ المفيد، ص 138، ط 2، وبحار الانوار: ج 8 ص 587 ط أمين الضرب، نقلا عن الاختصاص.

 

- 40 -

ومن كتاب له عليه السلام وهو أيضا جواب لما كتبه إليه معاوية

قال العلامة المجلسي أعلى الله مقامه: وجدت الروية (1) بخط بعض الافاضل بأختلاف ما، فأحببت ايرادها على هذا الوجه أيضا، قال: قال الشيخ الاديب أبو بكر بن عبد العزيز البستي، بالاسانيد الصحاح ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لما رجع من وقعة الجمل كتب إليه معاوية بن أبي سفيان: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله وابن عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب، أما بعد فقد اتبعت ما يضرك وتركت ما ينفعك، وخالفت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله (كذا) وسلم وقد انتهى الي ما فعلت بحواري رسول الله (ص) طلحة والزبير وأم المؤمنين عايشة، فو الله لارمينك بشهاب لا تطفيه المياه، ولا تزعزعه الرياح، إذا وقع وقب وإذا وقب ثقب، وإذا ثقب نقب، وإذا نقب التهب فلا تغرنك الجيوش وأستعد للحرب، فلني ملاقيك بجنود لا قبل لك بها والسلام.

فلما وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقرأه دعا بدواة وقرطاس وكتب إليه:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي رواية الكتاب المتقدم، والمختار السالف.

 

[82]

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله وابن عبده علي بن أبي طالب أخي رسول الله وابن عمه ووصيه ومغسله ومكفنه وقاضي دينه وزوج ابنته البتول وأبي سبطيه الحسن والحسين، إلى معاوية بن أبي سفيان.

أما بعد فإني أفنيت قومك يوم بدر، وقتلت عمك وخالك وجدك، والسيف الذي قتلتهم به معي، يحمله ساعدي بثبات من صدري وقوة من بدني، ونصرة من ربي كما جعله النبي [صلى الله عليه وآله] في كفي، فو الله ما اخترت على الله ربا ولا على الاسلام دينا، ولا على محمد [صلى الله عليه وآله (2)] نبيا، ولا على السيف بدلا، فبالغ من رأيك فاجتهد ولا تقصر، فقد استحوذ عليك الشيطان، واستفزك الجهل والطغيان (3) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام على من.

اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى.

باب نوادر الاحتجاج على معاوية من بحار الانوار: ج 8 / 588.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) بين المعقفين كان في الموردين هكذا: (ص).

(3) استحوذ عليه: أستولى. واستفزه: استخفه. اربعة أميال

 

[83]

- 41 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي

نصر بم مزاحم، عن محمد بن عبيد الله القرشي، عن الجرجاني، قال: لما بويع علي (ع) وكتب إلى العمال في الآفاق، كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي، وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان، فكتب إليه مع زحر بن قيس الجعفي (1): أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوء فلامرد له ومالهم من دونه من وال [11 الرعد 13] وإني أخبرك عن نبأ [عن أنباء خ] من سرنا إليه، من جموع طلحة والزبير عند نكثهم بيعتهم [بيعتي خ] وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف.

إني هبطت من المدينة بالمهاجرين والانصار حتى إذا كنت بالعذيب (2) بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفى الامامة والسياسة: (مع زفر بن قيس الجعفي)  الخ.

(2) العذيب: ماء عن يمين القادسية لبني تميم، وبينه وبين القادسية

 

[84]

علي و عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر وقيس بن سعد بن عبادة، فستنفروهم فأجابوا، فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة، فأعذرت في الدعاء وأقلت العثرة، وناشدتهم عقد بيعتهم [عهد بيعتهم خ] فأبوا إلا قتالي، فاستعنت بالله عليهم، فقتل من قتل وولوا مدبرين إلى مصرهم فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء، فقبلت العافية ورفعت السيف، واستعملت عليهم عبد الله بن عباس وسرت إلى الكوفة، وقد بعثت إليكم زحر بن قيس فاسأل عما بذالك (3).

كتاب صفين ص 15، ط مصر.

وقريب منه عن أعثم الكوفي كما في المترجم من تاريخه ص 189.

وقريب منه جدا في الامامة والسياسة: ج 1 / 78.

ورواه في شرح المختار (43) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن ابي الحديد: ج 3 ص 70 عن كتاب صفين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) وفى الامامة والسياسة 78 ج 1،: (فاسأله عنا وعنهم).

 

[85]

- 42 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى الاشعث بن قيس (1)

نصر بن مزاحم، عن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: لما بويع علي وكتب إلى العمال، كتب إلى الاشعث بن قيس، مع زياد بن مرحب الهمداني والاشعث على آذربيجان عامل لعثمان، وقد كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الاشعث بن قيس قبل ذلك، فكتب إليه علي: أما بعد فلولا هناة كن فبك كنت المقدم في هذا الامر قبل الناس (2) ولعل أمرك يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله (3).

ثم إنه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك، وكان طلحة والزبير ممن بايعاني ثم نقضا بيعتي على غير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ومقتضى ما ذكره في كتاب صفين من قوله - بعد ما ذكر كتابه (ع) إلى جرير -: (ثم بعث إلى الاشعث بن قيس الكندي) انه (ع) كتب إليه بعد جرير، ومثله في المترجم من تاريخ اعثم الكوفي.

(2) الهناة - كممات -: الداهية: ويجمع على هنيات وهنوات.

(3) كانه أشارة إلى قوله تعالى: (أن الحسنات يذهبن السيئات) أي أن تتق الله في بقية عمرك يصلح لك ما أفرطت فيه من سالف حياتك.

 

[86]

حدث، وأخرجا أم المؤمنين وسارا إلى البصرة، فسرت إليهما فالتقينا، فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه فأبوا، فأبلغت في الدعاء، وأحسنت في البقئ (4).

وإن عملك ليس لك بطعمة ولكنه أمانة، وفي يديك مال من مال الله وأنت من خزان الله عليه حتى تسلمه إلي، ولعلي ألا أكون شر ولاتك لك إن استقمت ولا قوة إلا بالله.

كتاب صفين ط مصر، ص 20.

والامامة والسياسة ج 1 ص 91 وقريب منه في المترجم من تاريخ اعثم الكوفي ص 190.

وقريب منه في العقد الفريد: ج 2 / 104 آخر وقعة الجمل من كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) كذا في النسخة، ولعل الصواب: (فأحسنت في التبقية) أي أتيت بما هو حسن من دعائهم إلى الرشاد والتبقية عليهم على سيرة المتقين.

 

[87]

- 43 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى أشعث أيضا وهو عامله على آذربيجان

أما بعد فإنما غرك من نفسك وجراك على أخرك إملاء الله لك (1) إذ مازلت قد بما تأكل رزقه وتلحد في آياته وتستمتع بخلاقك (2) وتذهب بحسناتك إلى يومك هذا، فإذا أتاك رسولي بكتابي هذا فأقبل واحمل ما قبلك من مال المسلمين إن شاء الله (3).

تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 176، س 7.

وفي ط ص 189.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة، فيتحمل أن تكون كلمة (آخرك) مفردا (الآخرين) بمعنى غير، أي انما جرأك على غيرك امهال الله وتأخير العقوبة عنك، فصرت مغرورا فتعديت عن طورك وتجرأت على غيرك فظلمته حقه.

ويحتمل أيضا أن تكون لفظة (أخرة) محركة - على زنة سفرة وبررة - بمعني البطوء، أي انما جرأت على بطوئك وتثاقلك عن اطاعة الله وخليفته واداء الحقوق املاء الله لك، أي أمهاله وعدم تعجيله في عقوبة المتمرد.

(2) يقال: (لحد في الدين - من باب منع - لحدا، وألحد فيه الحادا): هتك حرمته واستحلها.

والخلاق: النصيب.

(4) قال في عنوان: (ذكر الحكم في غنائم أهل البغي) من كتاب الجهاد من دعائم الاسلام: ج 1، ص 396 ط مصر، (وعن (أمير المؤمنين عليه السلام) أنه احضر الاشعث بن قيس وكان عثمان استعمله على آذبيجان (آذربايجان) فأصاب مأة ألف درهم، فبعض يقول: اقطعه عثمان اياها.

وبعض يقول: أصابها الاشعث في عمله - فأمره علي (ع) باحضار (الدارهم التي أصابها) فدافعه وقال: يا أمير المؤمنين لم أصبها في عملك.

قال له: والله لئن أنت لم تحضرها بيت مال المسلمين لا ضربنك بسيفي هذا أصاب منك ما أصاب.

فأحضرها وأخذها منه وصيرها في بيت مال المسلمين، وتتبع عمال عثمان، فأخذ منهم كل ما أصابه قائما في أيديهم وضمنهم ما أتلفوا.

 

[88]

- 44 -

ومن كتاب له عليه السلام كتبه مع جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية بن أبي سفيان

قال ابن عساكر: أخبرنا أبو عبد الله البلخي، أخبرنا أحمد بن الحسن ابن خيرون، أخبرنا الحسن بن احمد بن ابراهيم، أخبرنا أحمد بن اسحاق الطيبي، أخبرنا أبو إسحاق ابراهيم بن الحسين، أخبرنا ابو سعيد يحيى ابن سليمان الجعفي، أخبرنا نصر بن مزاحم، أخبرنا عمر بن سعد الاسدي عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي، أن عليا بعد قدومه الكوفة، نزع جرير بن عبد الله البجلي من همدان، فأقبل جرير حتى قدم الكوفة على علي ابن ابي طالب فبايعه، ثم ان عليا أراد ان يبعث إلى معاوية بالشام رسولا وكتابا، فقال له جرير: يا أمير المؤمنين ابعثني إليه، فانه لم يزل لي مستنصحا

 

[89]

وودا فآتية فأدعوه على أن يسلم هذا الامر لك، ويجامعك على الحق، وأن يكون أميرا من أمرائك وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله واتبع ما في كتاب الله، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وولايتك فان جلهم قومي وقد رجوت ألا يعصوني.

فقال له الاشتر: لا تبعثه ولا تصدقه فوالله اني لاظن ان هواه هواهم ونيته نيتهم.

فقال له: دعه حتى ننظر ما يرجع به الينا، قبعثه علي إلى معاوية، فقال له حين أراد أن يوجهه إلى (معاوية): حولي من قد علمت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الدين والرأي، وقد أخترتك علهيم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك: من خير ذي يمن فأت معاوية بكتابي، فان دخل فيما دخل فيه المسلمون، والا فانبذ إليه على سواء، واعلمه أني لا أرضى به أميرا، وأن العامة لا ترضى به خليفة، فانطلق جرير حتى نزل بمعاوية فدخل عليه، فقام جرير فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا معاوية فانه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز واليمن ومصر وعمان والبحرين واليمامة، فلم يبق الا هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها من أوديته سيل غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى متابعة أمير المؤمنين علي.

ودفع إليه كتابه، قال وكانت نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم [من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان (1)].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بين المعقوفين مأخوذ من تاريخ دمشق، وقد سقط من كتاب صفين ولا بد من اثباته.

 

[90]

أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، لانه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد (2) وإنما الشورى للمهاجرين والانصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضى (3) فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا (4).

وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي وكان نقضهما كردهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الامور إلي فيك العافية، إلا أن تتعرض للبلاء،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وفى تاريخ دمشق: (لانه بايعني لاقوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن لشاهد أن يختار، ولا لغائب أن يرد) الخ.

(3) وفي تاريخ دمشق: (فإذا اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك رضى).

(4) اقتباس من الآية (114) من سورة النساء: 4.

 

[91]

فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله [بالله خ] عليك.

وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسملون، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن (5)، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان.

واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم الشورى، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الايمان والهجرة، فبايع ولا قوة إلا بالله.

كتاب صفين ص 29 ط 2 بمصر وص 18، ط ايران.

وقريب منه في عنوان: (اخبار علي ومعاوية) من كتاب العسجدة الثانية في تواريخ الخلفاء من العقد الفريد: ج 3 / 106 / ط 2، والامامة والسياسة: ج 1 / 93 اقول: ورواه ايضا ابن ابي الحديد، عنه في شرح المختار (43) من خطب نهج البلاغة: ج 3 / 75.

ورواه ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 974 و 60 برواية الكلبي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) وفى تاريخ دمشق: (فاما تلك التي تريدها يا معاوية فهي خدعة الصبي عن اللبن).

 

[92]

ولما بلغ كتابه (ع) المتقدم إلى معاوية كتب إليه: سلام عليك، اما بعد فلعمري - لو بايعك الذين ذكرت وأنت برئ من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان، ولكنك أغريت بدم عثمان وخذلت الانصار، فأطاعك الجاهل، وقوي بك الضعيف، وقد أبي أهل الشام الا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان، فان فعلت كانت شورى بين المسلمين، وانما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم، فلما فارقوه كان الحكام على الناس أهل الشام، ولعمري ما حجتك على أهل الشام، كحجتك على اهل البصرة، ولا حجتك علي كحجتك على طلحة والزبير، كانا بايعاك ولم ابايعك انا.

فأما فضلك في الاسلام، وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أدفعه.

وحينما بلغ كتابه إلى امير المؤمنين (ع) أجابه بالكتاب التالي.

 

[93]

- 45 -

ومن كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية لما وصل رد كتابه المتقدم إليه (ع)

أما بعد فقد أتانا كتابك، كتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه وقاده فاتبعه (1) زعمت أنك انما أفسد عليك بيعتي خفري لعثمان (2) ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجمعهم على ضلالة، ولا ليضربهم بالعمى، وما أمرت فلزمتني خطيئة الامر (3) ولا قتلت فأخاف على نفسي قصاص القاتل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفى الامامة والسياسة: (وقاده فاستقاده). وفى نهج البلاغة (وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لا غطا، (وضل) خابطا). هجر: هذي ولغا. واللغط: الجلبة بلا معنى.

(2) وفى الامامة والسياسة: (زعمت انك أنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان). والخفر - كفلس -: الغدر نقض العهد.

(3) وفى الامامة والسياسة: (وما أمرت فيلزمني خطيئة عثمان).

 

[94]

وأما قولك: (إن أهل الشام هم حكام أهل الحجاز) فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة، فإن سميت كذبك المهاجرون والانصار ونحن نأتيك به من قريش الحجاز.

وأما قولك: إدفع إلي قتلة عثمان، فما أنت وذاك وههنا بنو عثمان وهم أولى بذلك منك، فإن زعمت أنك أقوى على طلب دم عثمان منهم فارجع إلى البيعة التي لزمتك (4) وحاكم القوم إلي.

وأما تمييزك بين أهل الشام والبصرة وبينك وبين طلحة والزبير، فلعمري فما الامر هناك إلا واحد، لانها بيعة عامة لا يتأتى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار (5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) ولزوم بيعته (ع) على معاوية وغيره، تارة من جهة نص الرسول صلى الله عليه وآله على خلافته، وأخرى من أجل انه (ع) كان مستجمعا للفضائل من العلم والعدالة والشجاعة وغيرها، وغيره كان محورا للرذائل من الجهل والجور والجبن وغيرها،، وثالثة من أجل اتفاق المهاجرين والانصار على بيعته بعد قتل عثمان.

(5) وفى نهج البلاغة: - لانها بيعة واحدة لا يثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن والمروي فيها مداهن.

 

[95]

وأما قرابتي من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقدمي في الاسلام فلو استطعت دفعه لدفعته (6).

عنوان: (أخبار علي ومعاوية) من كتاب العسجدة الثانية في تاريخ الخلفاء من العقد الفريد: ج 3 ص 106، ط 2.

ومثله الا في ألفاظ طفيفة في الامامة والسياسة ص 102، وقريب منه في المختار (7) من كتب نهج البلاغة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) القدم - كفرس وعنب -: السابقة في الامر والتقدم يقال: (لفلان قدم في هذا الامر): سابقة، ويقال أيضا: (لفلان عند فلان قدم) - كفرس - أي يد ومعروف وصنيعة.

 

[96]

- 46 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى جرير لما مكث عند معاوية وطال مكثه

روى ابن عساكر عن الكلبي انه لما أبطأ معاوية بالبيعة لعلي (ع) كلمه جرير في ذلك، فقال له معاوية: قد رأيت أن اكتب إلى صاحبك أن يجعل لي مصر والشام حياته فان حضرته الوفاة لم يجعل لاحد من بعده في عنقي بيعة وأسلم له هذا الامر واكتب إليه بالخلافة.

فقال جرير: أكتب ما شئت واكتب معه إليه، فكتب معاوية بذلك، فلما اتى عليا كتابه، عرف انما هي خديعة منه، وكتب علي إلى جرير: أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا تكون في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك حتى تذوق أهل الشام (1) وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمل معاوية على الشام فأبيت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يقال: راث ريثا وتريث من باب باع وتفعل -: ابطأ. وريث. تعب وأعيا. وريث الشئ: لينه. ويقال: ريت عما كان عليه، قصر وأراثه اراثة: جعله يبطي. وأستراثه استراثة: استبطأه. ويقال: ذاق ذوقا وذواقا ومذاقا - من باب قال - الشئ: اختبر طعمه. وذاق الرجل وما عند الرجل: خبره وجربه.

 

[97]

ذلك، ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضدا فإن تابعك وإلا فأقبل.

ترجمة معاوية من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 56 ص 974.

ورواه قبله في كتاب صفين ص 29، وفي ط ص 58 ورواه عنه في شرح المختار (43) من خطب النهج من ابن أبي الحديد: 3 / 84.

وفي الامامة والسياسة ص 95.

- 47 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله لما مكث عند معاوية وابطأ بأخذه البيعة من معاوية حتى اتهمه الناس وأيس منه امير المؤمنين عليه السلام

قال نصر بن مزاحم (ره): وفى حديث محمد وصالح بن صدقة: قالا: وكتب علي (أمير المؤمنين عليه السلام) إلى جرير بعد ذلك: أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالامر الجزم، ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية (1) فإن اختار الحرب فانبذ له وإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة، وهو أظهر مما في نهج البلاغة: (أو سلم مخزية) إذ لو انقاد معاوية وسالم أمير المؤمنين (ع) كان ذا حظ ونصيب من الراحة والدعة ولم يكن وزره في الاخرة وزر من حارب النبي (ص) لقوله: (يا علي حربك حربي) وان كان معاوية من الخاسرين على التقديرين، ولكن شتان ما بين الصورتين، ومعنى قوله (ع): (فاحمل معاوية على الفصل) أي على الوجه الذي يتيقن حاله من كونه مسالما أو محاربا.

 

[98]

اختار السلم فخذ بيعته [والسلام].

كتاب صفين ص 55، وفي ط ص 61، ورواه عنه ابن ابي الحديد في شرح المختار (43) من خطب النهج، ج 3 / 87.

ورواه ايضا في المختار الثامن من كتب النهج ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56، ص 65، أو 978.

كما رواه ايضا في العقد الفريد ج 3 / 106.

 

- 48 -

ومن عهد له عليه السلام كتبه لمحمد بن أبي بكر رضوان الله عليه لما ولاه مصر

الطبري، عن هشام بن محمد، عن ابي مخنف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم، قال: حدثني الحارث بن كعب الوالبي - من والبة الازد - عن أبيه، قال: كنت مع محمد بن أبي بكر حين قدم مصر فلما قدم قرأ عليهم عهده: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر،

 

[99]

أمره بتقوى الله في السر والعلانية، وخوف الله عزوجل في المغيب والمشهد، وأمره باللين على المسلم، والغلظة على الفاجر (1) وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم وبالشدة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالاحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذب المجرمين.

وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة، فإن لهم في ذلك من العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره، ولا يعرفون كنهه.

وأمره يجبي خراج الارض على ما كانت تجبى عليه من قبل، لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه، ثم يقسمه بين أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل.

وأن يلين لهم جناحه، وأن يواسى بينهم في مجلسه ووجهه، وليكن القريب والبعيد في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق، وأن يقوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما رواه ابن ابي الحديد عن كتاب الغارات، ولفظ الطبري هكذا: (وباللين على المسلمين والغلظة على الفاجر) الخ.

 

[100]

بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخف في الله عزوجل لومة لائم، فإن الله عزوجل ثناؤه مع من اتقاه، وآثر طاعته وأمره على ما سواه.

وكتب عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله [صلى الله عليه وآله] لغرة شهر رمضان سنة ست وثلاثين.

تاريخ الامم والملوك: ج 3 ص 556 ط 1357، بمصر، في حوادث سنة ست وثلاثين من الهجرة.

وقريب منه في تحف العقول ص 118، ط النجف.

ورواه قبلهما الثقفي (ره) في الغارات، كما في شرح المختار (67) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 6، ص 65.

 

[101]

 

- 49 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى اهل مصر ومحمد بن أبي بكر رضوان الله عليه

قال الثقفي عليه الرحمة والرضوان: وحدثني يحيى بن صالح، عن مالك بن خالد الاسدي، عن الحسن بن ابراهيم، عن عبد الله بن الحسن ابن الحسن قال: كتب علي عليه السلام إلى أهل مصر، لما بعث محمد بن ابي بكر إليهم، كتابا يخاطبهم به [فيه خ] ويخاطب محمدا ايضا فيه: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في سر أمركم وعلانيته، وعلى أي حال كنتم عليها وليعلم المرء منكم أن الدنيا دار بلاء وفناء، والآخرة دار جزاء وبقاء، فمن استطاع أن يؤثر ما يبقى (1) على ما يفنى فليفعل، فإن الآخرة تبقى، والدنيا تفنى، رزقنا الله وإياكم بصرا لما بصرنا، وفهما لما فهمنا حتى لا نقصر عما أمرنا ولا نتعدى إلى ما نهانا.

واعلم يا محمد أنك وإن كنت محتاجا إلى نصيبك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي يقدم ويختار ما هو الباقي الدائم على ما هو الفاني الزائل.

 

[102]

من الدنيا، إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن عرض لك أمران: أحدهما للآخرة، والآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة، ولتعظم رغبتك في الخير، ولتحسن فيه نيتك، فإن الله عزوجل يعطي العبد على قدر نيته، وإذا أحب الخير وأهله ولم يعمله كان - إن شاء الله - كمن عمله (2) فإن رسول الله صلى الله عليه [وآله] (3) وسلم قال حين رجع من تبوك،: (إن بالمدينة لاقواما ما سرتم من مسير ولا هبطتم من واد إلا كانوا معكم ما حبسهم إلا المرض) - يقول: كانت لهم نية - (4).

ثم اعلم يا محمد إني قد وليتك أعظم أجنادي أهل مصر، ووليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت محقوق أن تخاف فيه على نفسك، وتحذر فيه على دينك ولو كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وهذا المعنى قد تضافرت به الاخبار، وتكاثرت فيه الاثار، منها قوله (ع) في المختار الحادي عشر، من خطب نهج البلاغة: (ولقد شهدنا في عسكرنا هذا اقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الايمان).

(3) بين المعقوفين كان ساقطا من النسخة، أو أسقطت منها.

(4) يحتمل انه صلى الله عليه وآله صرح لامير المؤمنين (ع) بقوله: (كانت لهم نية) كما هو ظاهر اللفظ، ويحتمل أيضا أن يكون من باب العلم بالعلة وان اشتراك المرضى المتخلفين مع من نفر وحضر مع رسول الله (ص) في المسير إلى الجهاد، في الثواب انما هو لاجل نيتهم وعزيمتهم على امتثال امر رسول الله (ص) بالمسير معه إلى قتال الكفار.

 

[103]

ساعة من نهار، فإن استطعت أن لا تسخط ربك لرضا أحد من خلقه فافعل، فإن في الله خلفا من غيره، وليس في شئ خلف منه، فاشتد على الظالم، ولن لاهل الخير وقربهم إليك واجعلم بطانتك وإخوانك والسلام.

شرح المختار (67) من خطب نهج البلاغة، من شرح ابن أبى الحديد ج 6 ص 66.

 

- 50 -

ومن كتاب له عليه السلام أجاب به محمد بن أبي بكر، لما كتب إليه (ع) - وهو وال على مصر - ان يكتب له كتاب يتضمن شيئا من الفرائض وما يبتلي به من القضاء

قال ثقفي رحمه الله: وكتب محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو إذ ذاك بمصر، عاملا له، يسأله جوامع من الحلال والحرام، والسنن والمواعظ، فكتب إليه: لعبد الله أمير المؤمنين (ع) من محمد بن أبي بكر، سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي لا اله الا هو.

 

[104]

اما بعد فان رأى امير المؤمنين - ارانا الله وجماعة المسلمين افضل سرورنا واملنا فيه - ان يكتب لنا كتابا فيه فرائض واشياء مما يبتلي به مثلي من القضاء بين الناس فعل، فان الله يعظم لامير المؤمنين الاجر، ويحسن له الذخر.

فكتب أمير المؤمنين عليه السلام إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المومنين علي بن أبي طالب إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد فقد وصل إلي كتابك فقرأته وفهمت ما سألتني عنه، فأعجبني اهتمامك بما لا بد منه، وما لا يصلح المؤمنين غيره، وظننت أن الذي دعاك إليه، نية صالحة ورأي غير مدخول ولا خسيس (1) وقد بعثت إليك أبواب الاقضية جامعا لك، ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال الثقفي رحمه الله: فكتب (ع) إليه بما سأله من القضاء وذكر الموت والحساب، وصفة الجنة والنار، وكتب في الامامة، وكتب في الوضوء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ظننت: أيقنت. وغير مدخول: غير معيوب. والخسيس: الرذل الدني الحقير.

 

[105]

ومواقيت الصلاة، والركوع والسجود، وفي الادب، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الاعتكاف، وفي الزنادقة، وفي نصراني فجر بمسلمة وفي أشياء كثيرة لم يحفظ منها غير هذه الخصال، وحدثنا ببعض ما كتب إليه.

البحار: ج 8 ص 645 نقلا عن الغارات.

وقريب منه في تحف العقول ص 176، الا انه جعله بعضا من العهد الطويل الآتي.

 

- 51 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر ايضا

قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه،: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد ابن محمد بن حبيش الكاتب (1) قال: أخبرني الحسن بن علي الزعفراني، قال: أخبرني ابو اسحاق ابراهيم بن محمد الثقفي: قال: حدثنا عبد الله ابن محمد بن عثمان، قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سعيد، عن فضيل ابن الجعد، عن أبي اسحاق الهمداني، قال: ولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام محمد بن ابي بكر مصر وأعمالها، وكتب له كتابا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفى أمالي الشيخ هكذا: (محمد بن حبيش - الحسن خ - الكاتب) وليعلم أن كل ما جعلناه في المتن بين المعقفتين معقبا ب‍ (خ) فهو مأخوذ من أمالي الشيخ الطوسي وهو يرويه عن الشيخ المفيد، وكل ما وضعناه بينما غير معقب برمز (خ) فهو مما أدى إليه اجتهادنا ووثقنا بأنه لابد ان يكون كذلك، ولم نتعرض لبيان كثير من الاختلافات التي بين الاصلين إذ أغلبها لفظي غير مثمر.

 

[106]

وأمره ان يقرأ على أهل مصر، وليعمل بما اوصاه به فيه: فكان الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل مصر، ومحمد بن أبي بكر، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في ما أنتم عنه مسئولون وإليه تصيرون (2) فإن الله تعالى يقول: (كل نفس بما كسبت رهينة) (3) ويقول: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) (4) ويقول: (فو ربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) (5).

واعلموا عباد الله أن الله عزوجل سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير، فإن يعذب فنحن أظلم وإن يعف فهو أرحم الراحمين (6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وفى رواية الثقفي في الغارات: (فاني أوصيك بتقوى الله: والعمل بما انتم عنه مسئولون فأنتم به رهن واليه صائرون) الخ.

(3) الآية الثامنة والثلاثون من سورة المدثر: 74.

(4) الآية الثامنة والعشرون من سورة آل عمران: 3.

(5) الآية الثانية والتسعون والثالثة والتسعون من سورة الحجر: 15.

(6) وفى رواية الثقفي (ره) في الغارات فاعلموا عباد الله أن الله سائلكم عن الصغير من أعمالكم والكبير، فان يعذب فنحن الظالمون، وان يغفر فهو أرحم الراحمين) الخ.

وفى نهج البلاغة: (فان الله يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة: والظاهرة والمستورة، فأن يعذب فأنتم اظلم وان يعف فهو أكرم).

 

[107]

يا عباد الله إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة والرحمة حين يعمل لله بطاعته وينصحه بالتوبة (7) فعليكم بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها (8) ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة، قال الله عزوجل: (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين) (9).

إعلموا يا عباد الله أن المؤمن من يعمل لثلاث: إما لخير فإن الله يثيبه بعمله في دنياه (10) قال الله سبحانه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) وفي المحكي عن الغارات: (واعلموا أن أقرب ما يكون العبد إلى الرحمة والمغفرة حينما يعمل بطاعة الله ومناصحته في التوبة).

(8) كذا في المحكى عن الغارات، وهو الظاهر، وفى النسخة: (عليكم بتقوى الله فانها تجمع الخير، ولا خير غيرها).

(9) الآية الثلاثون: من سورة النحل: 16.

(10) كذا في النسخة، وفيه سقط بين، وفى المحكي عن الغارات هكذا (واعلموا عباد الله ان المؤمن يعمل لثلاث، أما لخير الدنيا فان الله يشبه بعمله في الدنيا، قال الله: (واتيناه أجره في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين) فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والآخرة، وكفاه المهم فيهما، وقد قال الله تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم، للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة، انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة، قال الله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) فالحسني: (الجنة.

والزيادة الدنيا، واما لخير الاخرة، فان الله يكفر عنه بكل حسنة سيئة: يقول (الله): (أن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم وأعطوا بكل واحدة عشر.

أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فهو (كذا) الذي يقول: (جزاء من ربك عطاء حسابا) الخ.

 

[108]

لابراهيم: (وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) (11) فمن عمل لله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والآخرة، وكفاه المهم فيهما وقد قال الله عزوجل: (يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (12) فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الاخرة، قال الله عزوجل: (للذين أحسنوا الحسنى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) الآية التاسعة والعشرون من سورة العنكبوت: 29.

(12) الآية العاشرة من سورة الزمر: 39.

 

[109]

وزيادة) (13) فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي الدنيا، وإن الله عزوجل يكفر بكل حسنة سيئة، قال الله عزوجل: (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (14) حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشرة أمثالها إلى سبع مأة ضعف، قال الله عزوجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا) (15) وقال: (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) (16).

فارغبوا في هذا رحمكم الله واعملوا له وتحاضوا عليه، واعلموا يا عباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به وأغناهم قال الله عز اسمه: (قل من حرم زينة الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) الآية السادسة والعشرون من سورة يونس: 10.

(14) الآية الرابعة عشرة بعد المائة من سورة هود: 11.

(15) الآية السادسة والثلاثون من سورة النبأ: 78.

(16) الآية السابعة والثلاثون من سورة السبأ: 34.

 

[110]

التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) (17).

سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا (18) وهم غدا جيران الله تعالى، يتمنون عليه فيعطيهم ما تمنوه (19)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) الآية (32) من سورة الاعراف: 7.

(18) وفى نهج البلاغة: (وأعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت: فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا ما أخذ (ه) الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح، أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم وتيقنوا انهم جيران الله غدا في آخرتهم، لا ترد لهم دعوة: ولا ينقص لهم نصيب من لذة).

(19) وفى أمالي الشيخ: (فيعطيهم ما يتمنون لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللذة) الخ.

يقال: (نقص الشئ من باب نصر - نقصا وتنقاصا ونقصانا): ذهب منه شئ بعد تمامه - ونقصت الشئ: صيرته ناقصا. ونقصت زيدا حقه: جعلت حظه ناقصا. ونقص الشئ وانقصه - من باب فعل وافعل -: صيره ناقصا. وهو لغة في نقصه اي الثلاثي المجرد.

 

[111]

ولا يرد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيبا من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله (كذا) ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا عباد الله إن اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد، وذكرتموه بأفضل ما ذكر، وشكرتموه بأفضل ما شكر، وأخذتم بأفضل الصبر والشكر، واجتهدتم بافضل الاجتهاد، وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما فأنتم أتقى لله عزوجل منهم وأنصح لاولى الامر.

[و] احذروا عباد الله الموت وسكراته وأعدوا له عدته، فإنه يفاجئكم بأمر عظيم (20) بخير لا يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) وفى نهج البلاغة: (فانه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل) الخ.

 

[112]

معه شر أبدا، أو بشر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها، ومن أقرب إلى النار من عاملها (21) إنه ليس أحد من الناس تفارق روحه [جسده] حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصل [يصير خ] إلى الجنة أم إلى النار، أو عدو لله أم هو ولي (22) فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة، وشرعت له طرقها، ونظر إلى ما أعد الله له فيها (23) ففرغ من كل شغل ووضع عنه كل ثقل، وإن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار وشرعت له طرقها، ونظر إلى ما أعد الله له فيها فاستقبل كل مكروه وترك كل سرور (كذا) كل هذا يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) استفهام بمعنى النفي، أي لا أقرب إلى الجنة ممن يعمل لها الخ.

(22) وفى أمالي الطوسي: (حتى يعلم إلى أي المنزلين يصير) الخ.

اما علم الميت حين تفارق الروح جسمه بكونه وليا لله أو عدوا، فاما يحصل برفع الجهل وكشف الغطاء ومعانية مقاماته، واما يستفيده من قرائن الاحوال من المعاملة معه معاملة الاحبة والاعزة، أو صغاره وهو انه كما هو الشأن مع الخصم الالد، والظاهر من ذيل الكلام هو الاول.

(23) وفى أمالي الشيخ: (وراى إلى ما أعد الله له فيها) الخ.

ولعله من سهو الكتاب، ويقال: شرع - من باب منع - شرعا) للقوم الطريق: أظهره لهم ونهجه.

 

[113]

عند الموت، وعنده يكون اليقين [بيقين خ] قال الله عز اسمه (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) (24) ويقول: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء، بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين) (25).

عباد الله إن الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل وقوعه وأعدوا له عدته، فإنكم طرداء الموت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم وهو ألزم لكم من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى [من] خلفكم (26) فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم أنفسكم إليه من الشهوات، فكفى بالموت واعظا، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول: (أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات، حائل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24 و 25) الآية (28 و 29) من سورة النحل: 16 (26) كذا في نهج البلاغة، وهو الظاهر من سياق الكلام.

 

[114]

بينكم وبين الشهوات).

يا عباد الله ما بعد الموت لمن لم يغفر له أشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، إن القبر يقول كل يوم: (أنا بيت الغربة، أنا بيت التربة [التراب خ] أنا بيت الوحشة، انا بيت الدود والهوام).

والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار [النيران خ] إن العبد المؤمن إذا دفن قالت الارض له: مرحبا [و] أهلا، قد كنت ممن أحب أن تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك (27) فتتسع له مد البصر، وإن الكافر إذا دفن قالت له: لا مرحبا ولا أهلا، قد كنت من أبغض من يمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك فتضمه حتى يلتقي أضلاعه، وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) وفى المحكي عن الغارات: (كيف صنعي بك) الخ وهما بمعنى واحد وهو العمل والمعاملة مع الاشخص. الاحسان.

 

[115]

عذاب القبر (28) إنه يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا فينهشن لحمه (29) ويكسرن عظمه، ويترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث، لو أن تنينا منها نفخ في الارض لم تنبت زرعا أبدا.

إعلموا يا عباد الله أن أنفسكم الضعبفة، وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا، فإن استطعتم أن تنزعوا (30) الاجساد وأنفسكم مما لا طاقة لكم [به ظ] ولا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله واتركوا ما كره [الله].

يا عباد الله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه [منه خ] الكبير، ويسقط

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) كما قال تعالى في الاية (124) من سورة طه: (ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك اياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).

(29) يقال: (نهشه - من باب ضرب ومنع - نهشا) نهشه. تناوله بفمه ليعضه. والمصدر منه على زنة الفلس لا غير.

(30) كذا في النسخة، وفى أمالي الشيخ (فان استطعتم أن تجزعوا لاجسادكم) الخ.

 

[116]

فيه الجنين، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، يوم عبوس قمطرير، يوم كان شره مستطيرا (31) إن فزع ذلك اليوم يرهب [ليرهب خ] الملائكة الذين لا ذنب لهم، وترعد [ترعب خ] منه السبع الشداد والجبال الاوتاد والارض المهاد، وتنشق السماء فهي يومئذ واهية، وتتغير كأنها وردة كالدهان، وتكون الجبال سرابا كثيبا مهيلا بعد ما كانت صما صلابا (32) وينفخ في الصور فيفزع من في السماوات ومن في الارض إلا من شاء الله (33) فكيف من عصى بالسمع والبصر واللسان واليد الرجل والفرج والبطن، إن لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(31) من قوله (ع): (يوم يشيب فيه الصغير) إلى قوله. (مستطيرا) مما قد ورد في القرآن الكريم: كما في الاية (17) من سورة المزمل، والآية الاولى والثانية من سورة الحج، والاية العاشرة من سورة الانسان ج 76.

(32) كذا في أمالي الشيخ الطوسي (ره) وفى المطبوع من أمالي الشيخ المفيد (وتصير وردة كالدخان، وتكون الجبال كثيبا مهيلا، بعد ما كان صما صلابا) الخ.

وفى نسخة ابن أبي الحديد: (كانت الجبال سرابا، بعد ما كانت صما صلابا) وهو أظهر.

(33) كذا في أمالي الطوسي وهو الظاهر وفى أمالي الشيخ المفيد: (الا ما شاء الله) الخ.

 

[117]

لانه يقضي ويصير (34) إلى غيره، إلى نار قعرها بعيد وحرها شديد، وشرابها صديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد لا يفتر عذابها ولا يموت ساكنها، دار ليس فيها رحمة ولا يسمع لاهلها دعوة (35).

واعلموا عباد الله أن مع هذه [هذا خ] رحمة الله [التي] لا تعجز عن العباد، جنة عرضها السماء والارص أعدت للمتقين، لا يكون معها شر أبدا (36) لذاتها لا تمل، ومجتمعها لا يتفرق، وسكانها قد جاوروا الرحمان، وقام بين أيديهم الغلمان، بصحاف من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) كذا في النسخة المطبوعة من أمالي الطوسي، ويساعد رسم الخط على قراءته (يمضي) ايضا، ولعل (يمضي) أظهر، وفى أمالي الشيخ المفيد هكذا: (ان لم يغفر الله له ويرحمه من ذلك اليوم لا يقضي ويصير) الخ.

(35) وفى النهج: (ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرج فيها كربة).

(36) كذا في أمالي الشيخ المفيد والطوسي، وفى البحار، وشرح ابن أبي الحديد، نقلا عن الغارات هكذا: (واعلموا عباد الله ان مع هذا رحمة الله التي وسعت كل شئ، ولا يعجز عن العباد جنة - وفى ابن أبي الحديد: وجنة - عرضها كعرض السماء والارض، خير لا يكون معه شر ابدا وشهوة لا تنفد ابدا ولذة لا تفنى أبدا: ومجمع لا يتفرق أبدا) الخ. ومعنى (لا تعجز) - من باب الافعال -: لا تفوت.

 

[118]

ذهب فيها الفاكهة والريحان.

ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر، فإذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك، وأن تحذر منه على دينك، فإن استطعت أن لا تسخط ربك عزوجل برضا أحد من خلقه فافعل.

فإن في الله عزوجل خلفا من غيره، وليس في شئ سواه خلف منه (37).

إشتد على الظالم وخذ عليه، ولن لاهل الخير وقربهم واجعلهم بطانتك وإخوانك [وأقرانك خ].

وانظر إلى صلاتك كيف هي فإنك إمام القوم أن تتمها ولا تخفها (38) فليس من إمام يصلي بقوم يكون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(37) وفى النهج: (واعلم يا محمد بن ابي بكر - إلى ان قال - فأنت محقوق أن تخالف على نفسك، وان تنافح عن دينك ولو لم يكن لك الا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه، فان في الله خلفا من غيره).

(38) وفى أمالي الطوسي: (وانظر إلى صلاتك كيف هي فانك امام لقومك ان تتمها ولا تخففها) الخ.

ولا يبعد ان يكون الاصل: (ولا تخفضها) وخفض الصلاة عبارة عن اسقاط بعض اجزائها أو شرائطها.

وان صح لفظ: (ولا تخففها) فيراد منه ايضا هذا المعنى.

ولا ينافى هذا ما ورد من ان رسول الله (ص) كان من اتم الناس واخفها صلاة.

فان اللعنيين مختلفان بالقرينة.

 

[119]

في صلاتهم نقصان إلا كان عليه، ولا ينقص من صلاتهم شئ، وتتمها [وتتممها خ] وتحفظ فيها يكن لك مثل أجورهم ولا ينقص ذلك من أجرهم شيئا.

ثم انظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات واستنشق ثلاثا واغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم يدك اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك فإني رأيت رسول الله [صلى الله عليه وآله خ] يصنع ذلك، واعلم أن الوضوء نصف الايمان، ثم ارتقب [وقت خ] الصلاة فصلها لوقتها، ولا تعجل بها قبله لفراغ، ولا تؤخرها عنه لشغل (39)، فإن رجلا سأل رسول الله [صلى الله عليه وآله خ] عن أوقات الصلاة، فقال رسول الله [صلى الله عليه وآله]: أتاني جبرئيل فأراني وقت الصلاة حين زالت الشمس وكانت على حاجبه الايمن (40) ثم أراني وقت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) وفى النهج: (صل الصلاة لوقتها الموقت لها، ولا تعجل وقتها لفراغ ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال، واعلم ان كل شئ من عملك تبع لصلاتك).

(40) اي عند استقبال القبلة أو نقطة الجنوب، فان القبلة قريبة منها.

 

[120]

العصر فكان ظل كل شئ مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس (41) ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فغلس بها والنجوم مشتبكة (42) فصل لهذه الاوقات، والزم السنة المعروفة، والطريق الواضح.

ثم انظر ركوعك وسجودك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله خ) كان أتم الناس صلاتا وأخفهم عملا فيها (بها خ).

واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك فمن ضيع الصلاة فهو لغيرها أضيع (43) أسأل الله الذي يرى ولا يرى وهو بالمنظر الاعلى، أن يجعلنا وإياك ممن يحب ويرضى حتى يعيننا وإياك على شكره وذكره وحسن عبادته وأداء حقه وعلى كل شئ اختار لنا في ديننا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(41) ويتيقن ذلك بذهاب الحمرة المشرقية عن رأس المصلي.

(42) وفى أمالي الشيخ: (فأغلس بها والنجوم مشبكة) الخ.

(43) وهذا مثل قولهم (ع): (الصلاة عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها) وأما كون الشخص أشد تضييعا لسائر الفروع الدينية إذا ضيع الصلاة: فهو من القضايا العرفية الكلية الصادقة إذ عدم الاعتناء بالاهم يلازم عدم الاعتناء بالمهم عرفا.

 

[121]

وآخرتنا (44).

وأنتم يا أهل مصر فليصدق قولكم فعلكم وسركم علانيتكم ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم واعلموا أنه لا يستوي إمام الهدى وإمام الردى، ووصي النبي وعدوه، [ولقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله] (45): (إني لا أخاف عليكم مؤمنا ولا مشركا، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه، ولكني أخاف عليكم المنافق يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون).

يا محمد بن أبي بكر اعلم أن أفضل الفقه الورع في دين الله والعمل بطاعته، وإني أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيتك، وعلى أي حال كنت عليه، (فإن ظ) الدنيا دار بلاء ودار فناء، والآخرة دار الجزاء ودار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(44) وفى أمالي الطوسي: (وعلى كل شئ اختار لنا في دنيانا وديننا وآخرتنا) الخ.

(45) بين المعقفين مأخوذ من نهج البلاغة، وقريب منه جد في المحكي عن الغارات، ولفظ رسول الله (ص) المنقول في النهج والغارات احسن مما هنا وان اتفقا في المعنى، وهذا الحديث رواه أيضا في منية المريد ورواه عنه في الحديث (21) من الباب (15) من البحار: ج 1، ص 99، ط الكمباني

 

[122]

البقاء، فاعمل لما يبقى، واعدل عما يفنى، ولا تنس نصيبك من الدنيا.

أوصيك بسبع هن جوامع الاسلام: تخش الله (46) عزوجل ولا تخش الناس في الله، وخير القول ما صدقه العمل، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيختلف أمرك وتزيغ عن الحق، وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك، فإن ذلك أوجب للحجة، وأصلح للرعية، وخض الغمرات إلى الحق، ولا تخف في الله لومة لائم، وانصح المرء إن (إذا) استشارك، واجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين (المؤمنين خ) وبعيدهم.

جعل الله عزوجل مودتنا في الدين، وخلتنا وإياكم خلة المتقين (47) وأبقى لكم طاعتكم حتى يجعلنا وإياكم بها إخوانا على سرر متقابلين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) وفى أمالي الطوسي: (أوصيكم بسبع هن من جوامع الاسلام).

(47) هذا هو الصواب: وفى النسخة: (وجعلنا واياكم حلية المتقين).

 

[123]

أحسنوا (يا) أهل مصر موازرة محمد أمير كم واثبتوا على طاعته تردوا حوض نبيكم [صلى الله عليه وآله خ] أعاننا الله وإياكم على ما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحديث الثالث من المجلس (31) من أمالي الشيخ المفيد (ره) ص 162 ورواه عنه شيخ الطائفة (ره) في الحديث الاخير، من المجلس الاول من أماليه ص 16 وكل ما جعلناه بين معقوفين معقبا ب‍ (خ) فهو من أمالي الشيخ، وكل ما وضعناه بينهما بلا تعقب، فهو مما اجتهدنا فيه، ووثقنا بأنه لابد منه، ورواه عنهما في الحديث العاشر من تفسير الاية (114) من سورة هود، من تفسير البرهان: 2، 237 ط 2.

وكذلك في البحار: 17، ص 101، وفرق جملاته في الابواب المناسبة لها في بقية مجلدات البحار، كالمجلد الثامن عشر، ص 49، والمجلد الخامس عشر، ص 40 والمجلد الثالث ص 128، إلى غير ذلك.

ورواه قبلهما السيد الرضي (ره) في المختار (29) من كتب النهج، الا انه (ره) ذكر اللمع منه - على عادته من ذكر الا بلغ فالا بلغ من كلامه (ع) من غير ملاحظة الاتصال والاتساق - ومثله في تحف العقول ص 119، ط النجف ورواه أيضا في الحديث (12) من الجزء الثاني من بشارة المصطفى ص 52، وقال: اوردناه بتمامه في كتاب الزهد والتقوى.

وبعض فقراته رواه في تنبيه الخواطر، ص 12، و 489.