[201]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية
قال الحافظ ابن شهر آشوب: وجاء ابو مسلم الخولاني بكتاب من عند معاوية، إلى أمير المؤمنين (ع) يذكر فيه: وكان انصحهم لله الخليفة، ثم خليفة الخليفة (ظ) ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما، فكلهم حسدت وعلى كلهم بغيت الخ، فأجابه (ع) (1).
أما بعد فإني رأيتك قد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ثم حاكم القوم إلي أحملكم على كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله.
وأما الذي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك لعلمت أني أبرأ الناس من دم عثمان، وقد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة.
البحار: ج 8 ص 511، س 6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا تلخيص ما سرده من القضية، وليس بنص كلامه.
[202]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.
أما بعد فإن الدنيا دار تجارة، وربحها أو خسرها الآخرة، فالسعيد من كانت بضاعته فيها الاعمال الصالحة، ومن رآى الدنيا بعينها، وقدرها بقدرها (1) وإني لاعظك مع علمي بسابق العلم فيك مما لا مردله دون نفاذه، ولكن الله تعالى أخذ على العلماء أن يؤدوا الامانة، وأن ينصحوا الغوي والرشيد، فاتق الله، ولا تكن ممن لا يرجو لله وقارا، ومن حقت عليه كلمة العذاب، فإن الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قوله (ع): (ومن رأى الدنيا) الخ عطف على قوله: (من كانت بضاعته) أي فالسعيد من كانت الصالحات بضاعته، ومن رأى الدنيا بعينها - أي على ماهي عليها - وقدرها بمالها من الشأن، لا أزيد منه.
ويحتمل أن يكون الكلام مستأنفا، والواو في قوله: (وقدرها) زائدة.
[203]
بالمرصاد وإن دنياك ستدبر عنك، وستعود حسرة عليك فاقلع عما أنت عليه من الغي والضلال على كبر سنك وفناء عمرك (2) فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر (3).
وقد أرديت جيلا من الناس كثيرا (4)، خدعتهم بغيك، وألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجاروا عن وجهتهم ونكصوا على أعقابهم وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم (5) إلا من فاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وفى نسخة البحراني (ره): (فانتبه من الغي والضلال) الخ.
(3) الثوب المهيل: (المتداعي في التمزق، ومنه (رمل مهيل): ينهال ويسيل.
(4) الجيل - على زنة الفيل -: الصنف من الناس، والجمع: أجيال وجيلان. وروي: (وقد أرديت جبلا من الناس) أي خلقا منهم. والغي: الضلال. ومن قوله: (وقد أرديت جيلا) - إلى اخره - رواه في المختار (35) من كتب النهج.
(5) فجاروا عن وجهتهم: مالوا وانحرفوا. وروي: (فجازوا) - بالزاء المعجمة -: بعدوا عنها. و (وجهتهم) - بضم الواو وكسرها -: الناحية والجهة. و (نكصوا على اعقابهم): رجعوا إلى اعقابهم، إلى الجاهلية التي كانوا عليها. و (عولوا على أحسابهم): اتكلوا واعتمدوا على ما يعجبهم من الافتخار بالقبائل والاحساب دون الايمان والتقوى فجعلوا يحمونك حمية الجاهلية، ونبذوا نصرة الحق والتمسك به وراء ظهورهم.
[204]
من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلى الله من موازرتك، إذ حملتهم على الصعب، وعدلت بهم عن القصد (6).
فاتق الله يا معاوية في نفسك، وجاذب الشيطان قيادك (7)، فإن الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك، والسلام.
قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: فكتب إليه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان، إلى علي بن أبي طالب.
أما بعد فقد وقفت على كتابك، وقد أبيت على الفتن إلا تماديا، واني لعالم أن الذي يدعوك إلى ذلك مصرعك الذي لابد لك منه، وان كنت موائلا (7) فأزدد غيا إلى غيك، فطالما خف عقلك، ومنيت نفسك ما ليس لك، والتويت على من هو خير منك، ثم كانت العاقبة لغيرك (8) واحتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك، والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الا من فاء الخ: الا من رجع إلى الحق من اهل البصيرة والعلم. والموازرة: المعاضدة. والقصد: استقامة الطريق وكون السالك على رشد.
(7) القياد: ما تقاد به الدابة أي إذا قادك الشيطان إليه بقياد الهوى فجاذب قيادك منه، وامنع نفسك من انقيادها له.
(8) لعله بمعنى: ناجيا.
من قولهم: (وال يئل وإلا ووئيلا ووؤلا - كوعد يعد وعدا ووعيدا ووعودا - وواءل وئالا ومواءلة) من كذا: طلب النجاة منه.
(9) يقال: (التوى عليه الامسر التواء): اعوج. اعتاص. والكلام اشارة إلى قضية سقيفة بني ساعدة ونجاح الشيخين في أملهما وتغلبهما على منصب امير المؤمنين عليه السلام وندلهما حقه وحرمانه منه.
[205]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا
ولما بلغ كتاب معاوية - المتقدم - إلى امير المؤمين عليه السلام: كتب عليه السلام إليه مجيبا له.
أما بعد فإن ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد شبه مما أتى به أهلك وقومك الذين حملهم الكفر وتمني الاباطيل على حسد محمد صلى الله عليه وسلم (كذا) حتى صرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يمنعوا حريما ولم يدفعوا عظيما، وأنا صاحبهم في تلك المواطن، الصالي بحربهم والفال لحدهم (1) والقاتل لرؤوسهم ورؤوس الضلالة، والمتبع - إن شاء الله - خلفهم بسلفهم، فبئس الخلف خلف أتبع سلفا محله ومحطه النار، والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الصالي بحربهم - لعله بمعنى -: الموقد لحربهم. و (الفال لحدهم) مأخوذ من قولهم: (فل - فلا - من باب مد - وفلل السيف تفليلا: ثلمه. القوم: كسرهم وهزمهم.
[206]
قال المدائني: فكتب إليه معاوية [لما وصله كتابه]: أما بعد فقد طالب في الغي ما أستمررت ادراجك، كما طالما تمادى عن الحرب نكوصك وابطاؤك، فتوعد وعيد الاسد، وتروغ روغان الثعلب، فحتام تحيد عن لقاء مباشرة الليوث الضارية، والافاعي القاتلة، ولا تستبعدنها فكل ما آت قريب ان شاء الله، والسلام.
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا (1)
قال المدائني: ولما وصل كتاب معاوية السابق إلى امير المؤمنين عليه السلام أجابه بما لفظه: أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك، وما أعلمني بما أنت إليه صائر وليس إبطائي عنك إلا ترقبا لما أنت له مكذب وأنا به مصدق، وكأني بك غدا وأنت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الاثقال، وستدعوني أنت وأصحابك إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم وتجحدونه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقريب منه جدا ذكره ابن أبي الحديد، في شرح المختار العاشر، من كتب النهج: ج 15 / 83 من دون ذكر مصدر له.
[207]
بقلوبكم (2) والسلام.
قال المدائني فكتب إليه معاوية: أما بعد فدعني من أساطيرك، واكفف عني من أحاديثك، واقصر عن تقولك على رسول الله (ص) وافترائك من الكذب ما لم يقل، وغرور من معك والخداع لهم، فقد استغويتهم ويوشك أمرك ان ينكشف لهم فيعتزلوك، ويعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل والسلام.
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا
قال المدائني: وحين وقف أمير المؤمنين عليه السلام على كتاب معاوية، كتب إليه: أما بعد فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وفى المختار العاشر من كتب نهج البلاغة: (فكأني قد رأيتك تضج من الحرب إذا عضتك ضجيج الجمال بالاثقال، وكأني بجماعتك تدعوني - جزعا من الضرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع - إلى كتاب الله وهي كافرة جاحدة، أو مبايعة حائدة).
وهذا من العلوم الغيبية التي أظهر الله تعالى نبيه المصطفى عليها، واودعها النبي (ص) عند وصيه المرتضى دلالة على امامته.
[208]
الشيطان الرجيم، الحق أساطير الاولين (1) ونبذتموه وراء ظهوركم، وجهدتم بإطفاء نور الله بأيديكم وأفواهكم، والله متم نوره ولو كره الكافرين (2) ولعمري ليتمن النور على كرهك، ولينفذن العلم بصغارك، ولتجازين بعملك، فعث في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك (3) فكأنك بباطلك وقد انقضى وبعملك وقد هوى ثم تصير إلى لظى، لم يظلمك الله شيئا، وما ربك بظلام للعبيد.
قال المدائني: فأجابه معاوية وكتب إليه: أما بعد، فما أعظم الرين على قلبك، والغطاء على بصرك، الشره من شيمتك والحسد من خليقتك، فشمر للحرب، واصبر للضرب فوالله ليرجعن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ومن هذا وأمثاله مما لا يحصى يعلم قطيعا ان الجمع بين ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واوليائه، وبين ولاية معاوية وأوليائه والقول بحقانيتهما معا، كالجمع بين حقانية موسى وفرعون، وكالقول بحقانية نبينا محمد (ص) وأبي جهل، فليتنبه المنصفون من اخواننا، وليرجعوا عن رويتهم قبل ان تقول نفس: يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله.
(2) اقتباس من الآية الثامنة من سورة الحشر: 61، أو اشارة إليها.
(3) كذا في النسخة، يقال: (عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا) الشئ: أفسده، وعاث في ماله: بذره وأسرع في انفاقه، ويحتمل غلط النسخة، وان الصواب: (وعش في دنياك) الخ.
[209]
الامر إلى ما علمت، والعاقبة للمتقين.
هيهات هيهات أخطأك ما تمني، وهوى قلبك مع من هوى، فأربع على ظلعك، وقس شبرك بفترك لتعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه، ويفصل بين أهل الشك علمه، والسلام.
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية لما بلغه (ع) كتابه المتقدم
أما بعد فإن مساويك مع علم الله تعالى فيك حالت بينك وبين أن يصلح لك أمرك، وأن يرعوي قلبك (1).
يابن الصخر اللعين زعمت أن يزن الجبال حلمك ويفصل بين أهل الشك علمك، وأنت الجلف المنافق الاغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل (2) فإن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقال: (ارعوى عن الجهل يرعوي ارعواء) كف عنه، فهو مرعو.
(2) وفى رواية أبي العباس: يعقوب بن أبي احمد الصيمري: (يابن صخر، يابن اللعين، يزن الجبال فيما زعمت حلمك، ويفصل بين أهل الشك علمك، وانت الجاهل القليل الفقه، المتفاوت العقل، الشارد عن الدين.
وقلت: (فشمر للحرب واصبر) فان كنت صادقا فيما تزعم، ويعينك عليه ابن النابغة، فدع الناس جانبا، وأعف الفريقين من القتال، وابرز الي لتعلم أينا المرين على قلبه) الخ.
وفى المختار العاشر من كتب نهج البلاغة: (وقد دعوت إلى الحرب، فدع الناس جانبا وأخرج الي، وأعف الفريقين من القتال لتعلم اينا المرين على قلبه والمغطى علي بصره ! فأنا ابو حسن) الخ.
[210]
كنت صادقا فيما تسطر، ويعينك عليه أخو بني سهم (3) فدع الناس جانبا، وتيسر لما دعوتني إليه من الحرب (4) والصبر على الضرب، وأعف الفريقين من القتال، ليعلم أينا المرين على قلبه (5) المغطى على بصره، فأنا أبو الحسن (6) قاتل جدك وأخيك وخالك، وما أنت منهم ببعيد، والسلام.
أقول: هذه الكتب الخمسة، وما أجابها به معاوية، رواها ابن أبي الحديد، في شرح المختار (32) من كتب نهج البلاغة: ج 16 / 133 / عن المدائني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي، وابن النابغة كما في رواية الصيمري المتقدمة.
(4) تيسر: تهيأ وكن معدا.
يقال: تيسر فلان للخير: تهيأ له.
(5) المرين - بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء -: من غلب على قلبه دنس الذنوب، وغطت عين بصيرته الملكات الرديئة.
ومنه قوله تعالى في الآية (14) من سورة المطففين: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
(6) أي انا أبو الحسن المعروف بالسطوة والصولة وقمع المتمردين كما في قول الشاعر: أنا ابو النجم وشعري شعري.
[211]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا
قال ابن أبي الحديد في شرح المختار العاشر من كتب نهج البلاغة: ووقفت له عليه السلام على كتاب آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى أوله (1): أما بعد فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير (2) ونبذتموه وراء ظهوركم وحاولتم إطفاءه بأفواهكم، ويأبي الله إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المشار إليه بقوله: (هذا المعنى) هو ما اشتمل عليه المختار العاشر من كتب نهج البلاغة، وهو قريب ومشابه لما تضمنه المختار السالف من كتابنا هذا.
(2) الاساطير - جمع الاسطورة والاسطيرة - بضم الهمزة وسكون السين فيهما - أو جمع الاسطار - بكسر الهمزة - أو جمع الاسطار أو الاسطورة أو الاسطير - بضم الهمزة في الثلاثة الاخيرة - مع الهاء وبدونها في الاربعة -: الاباطيل والحديث الذي لا أصل له.
(3) اقتباس من الآية (32) من سورة التوبة: 9.
[212]
ولعمري لينفذن العلم فيك، وليتمن النور بصغرك وقماءتك (4) ولتخسأن طريدا مدحورا، أو قتيلا مثبورا (5) ولتجزين بعملك حيث لا ناصر لك ولا مصرخ عندك وقد أسهبت في ذكر عثمان، ولعمري ما قتله غيرك، ولا خذله سواك، ولقد تربصت به الدوائر، و تمنيت له الاماني (6) طمعا فيما ظهر منك ودل عليه فعلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) يقال: (قمأ - من باب (منع) - وقمؤ - من باب شرف - قمأة - بتثليث القاف وسكون الميم - وقماءة - كسحابة -: ذل وصغر، فهو قمئ، والجمع: قماء وقماء - بضم القاف وكسرها -.
(5) يقال: (خسأ - من باب منع - خسأ الكلب): طرده. ويقال: (ثبره - من باب نصر - ثبرا): لعنه. طرده. خيبه. أهلكه. ومنه قوله تعالى في الآية (102) من سورة بني اسرائيل: (واني لا ظنك يا فرعون مثبورا) أي مهلكا. أو ملعونا مطرودا.
(6) أسهبت في ذكر عثمان: اطنبت كلامك في ذكره، وطولت رسائلك في قتله. وتربصت به: انتظرت به. والدوائر: النوائب والحوادث التي يكرهها الانسان، وهو جمع الدائرة. والاماني جمع الامنية - بضم الهمزة وسكون الميم وكسر النون -: وهو: ما يتمنى. والبغية.
قال اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 165: كتب عثمان إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجه إليه في اثنى عشر ألف، ثم قال: كونوا بمكانكم في أوائل الشام حتى آتي أمير المؤمنين لا عرف صحة أمره، فأتى عثمان فسأله عن العدة، فقال: قد قدمت لاعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم. فقال: لا والله ولكنك أردت ان أقتل فتقول: انا ولي الثار، ارجع فجئني بالناس. فرجع فلم يعد إليه حتى قتل.
[213]
وإني لارجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه، وأكبر من خطيئته (7) فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف وإن قائمه لفي يدي، وقد علمت من قتلت من صناديد بني عبد شمس، وفراعنة بني سهم وجمح وبني مخزوم، وأيتمت أبناءهم وأيمت نساءهم وأذكرك ما لست له ناسيا، يوم قتلت أخاك حنظلة، وجررت برجله إلى القليب، وأسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين ساقيه رباطا وطلبتك ففررت ولك حصاص (8) فلولا أني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما، وإني أولي لك (7) هذا هو القول الفصل الذي أتى به وصي نبي لا ينطق بالهزل، وقد تقدم مثله في رواية ابن عبد ربه في المختار (38) من هذا الباب، وشواهد صدقه كثيرة فليتنبه المهتمون بنجاتهم.
(8) أيمت نساءهم: صيرت نساءهم بلا زوج بقتل أزواجهم.
و (القليب) هو بئر (بدر) الذي القى النبي (ص) قتلى المشركين فيها.
و (رباطا): مربوطا ومشدودا.
و (الحصاص) - بضم الحاء المهملة -: شدة العدو في سرعة.
[214]
بالله ألية برة غير فاجرة، لئن جمعتني وإياك جوامع الاقدار، لاتركنك مثلا يتمثل به الناس أبدا، ولاجعجعن بك في مناخك (9) حتى يحكم الله بيني وبينك وهو خير الحاكمين.
ولئن أنسأ الله في أجلي لاغزينك سرايا المسلمين ولانهدن إليك في جحفل من المهاجرين والانصار، ثم لا أقبل لك معذرة ولا شفاعة، ولا أجيبك إلى طلب وسؤال، ولترجعن إلى تحيرك وترددك وتلددك (10) فقد شاهدت وأبصرت، ورأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت وأبوك أول من كفر وكذب بنزوله ولقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) أولي لك: احلف وأقسم لك. (ولا جعجعن): لاضيقن عليك، ولا حركنك من مكانك. و (المناخ) - بضم الميم -: محل الاقامة، والموضع الذي يعيش فيه الشخص.
(10) أنسأالله في أجلي: أخر فيه. و (لاغزينك) أرسل إلى حربك. و (السرايا): جمع السرية - كبرايا وبرية -: قطعة من الجيش. ويقال: (نهد إلى العدو وللعدو - من باب منع ونصر - نهدا ونهودا ونهدا - كفلسا وفلوسا وفرسا -: أسرع في قتالهم وبرز. وأنهد فلانا - من باب افعل -: اشخصه. و (الجحفل): الجيش العظيم. و (التلدد): التحير.
[215]
كنت تفرستها وآذنتك أنك فاعلها (11) وقد مضى ما مضى، وانقضى من كيدك فبها ما انقضى، وأنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب، فاختر لنفسك وانظر لها وتداركها، فإنك إن فرطت واستمررت على غيك وغلوائك حتى ينهد إليك عباد الله، أرتجت عليك الامور (12) ومنعت أمرا هو اليوم منك مقبول.
يابن حرب، إن لجاجك في منازعة الامر أهله من سفاه الرأي، فلا يطمعنك أهل الضلال، ولا يوبقنك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) السحب: جمع السحاب وهو الغيم. وهطل المطر - من باب ضرب - هطلا وهطلانا وتهطالا: نزل متتابعا عظيم القطر، فهو هاطل وهي هاطلة، والجمع هطل. و (الصيب): السحاب ذو المطر، وهو فيعل من قولهم (صاب المطر صوبا - من باب قال -: انصب ونزل.
أقول: هذه الفقرات من هذا الكتاب الشريف ظاهر في أنه (ع) كتبه إلى معاوية بعد انقضاء وقعة صفين في النفر الثاني إلى حرب معاوية.
(12) الغلواء - بضم الغين وسكون اللام المعجمة، كالغلوان على زنة ثعبان، والغلواء كأمراء -: الغلو هو المبالغة في الشئ متجاوزا عن حده، أول الشباب ونشاطه. و (ينهد اليك - من باب منع ونصر - نهدا ونهودا ونهدا): برز وأسرع. و (أرتجت عليك الامور): استغلق عليك باب المفر من امورك وما قدمت يداك. يقال: (أرتج الباب ارتاجا - كرتجه رتجا من باب نصر -: أغلقه اغلاقا وثيقا.
[216]
سفه رأي الجهال، فو الذي نفس علي بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذى الفقار، لتصعقن صعقة لا تفيق منها حتى ينفخ في الصور، النفخة التي يئست منها، كما يئس الكفار من أصحاب القبور (13).
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية لما أراد المسير إلى الشام (1)
شيخ الطائفة: محمد بن الحسن الطوسي (ره) عن الشيخ المفيد محمد ابن محمد بن النعمان (ره) عن أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني، عن محمد بن موسى، عن هشام، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، قال حدثنا عبد الله بن عاصم، قال حدثنا جير بن نوف، قال: لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى الشام، اجتمع إليه وجوه أصحابه، فقالوا: يا امير المؤمنين لو كتبت إلى معاوية واصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم [فيه] إلى الحق، وتأمرهم بما لهم فيها الحظ، كانت الحجة تزداد علهيم قوة.
فقال امير المؤمنين عليه السلام لكاتبه عبيد الله بن ابي رافع اكتب: -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) اقتباس من الآية (12) من سورة الممتحنة.
(1) بناء على رواية شيخ الطائفة (ره) وأما بناء على رواية نصر بن مزاحم في كتاب صفين 149، فلا يستفاد من سنده تاريخ الكتاب.
[217]
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المومنين إلى معاوية بن أبي سفيان ومن قبله من الناس سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو (2).
أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعروفا التأويل وفقهوا في الدين، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم، وأنت يا معاوية وأبوك وأهلك في ذلك الزمان أعداء الرسول، مكذبون بالكتاب، مجمعون على حرب المسلمين من لقيتم منهم حبستموه وعذبتموه وقتلتموه حتى إذا أراد الله تعالى إعزاز دينه وإظهار رسوله (3) دخلت العرب في دينه أفواجا، وأسلمت هذه الامة طوعا وكرها، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة، [على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وفاز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وفى كتاب صفين هكذا: (والى من قبله من قريش، سلام عليكم، فاني احمد الله اليكم الله الذي لا اله الا هو).
(3) أي ابراز أمره بعد خفائه، وغلبته على اعدائه بعد ضعفه ومقاساته اذاهم وشديد بطشهم.
[218]
المهاجرون الاولون بفضلهم] (4) فليس ينبغي لكم أن تنازعوا أهل السبق ومن فاز بالفضل، فإنه من نازعه منكم فبحوب وظلم (5) فلا ينبغي لمن كان له قلب أن يجهل قدره، ولا [أن] يعد وطوره ولا [أن] يشقى نفسه بالتماس ما ليس له (6).
إن أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا أقربهم برسول الله صلى الله عليه وآله (7) وأعلمهم بالكتاب وأفقههم في الدين وأفضلهم جهادا وأولهم إيمانا وأشدهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) بين المعقوفين مأخود من كتاب صفين، وفيه (فلا ينبغي) بدل (فليس ينبغي).
(5) وفى كتاب صفين: (فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين. ولا فضائلهم في الاسلام أن ينازعهم الامر الذي هم أهله وأولى به فيحوب بظلم) الخ. والحوب - بضم الحاء وفتحه وسكون الواو - والحوبة - بالتاء مثلهما - والحاب والحابة: الاثم، يقال: (حاب - من باب قال - حوبا وحوبا وحوبة وحوبة وحابا وحيابة بكذا): أثم واذنب.
(6) الطور - كقول -: القدر. الحد، والجمع أطوار. و (يشقى): ضد (يسعد) وبابه (علم).
(7) والاولوية تعيينية كما في قوله تعالى: (وأولو الارحام يعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فلاحظ لمعاوية ومن وطد أساسه في الخلافة.
[219]
اضطلاعا بما تجهله الرعية من أمرها (8) فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا به الحق (9) واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون، وأن شرارهم الجهلاء الذين ينازعون بالجهل أهل العلم، ألا وإني أدعوك إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وحقن دماء هذه الامة، فإن قبلتم أصبتم رشدكم وهديتم لحظكم وأن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الامة، لم تزدادوا من الله إلا بعدا، ولم يزدد [الله] عليكم إلا سخطا (11) والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) وكل من يتأمل في السير أدنى تأمل، ويراجع إلى ما تفوه به المشايخ الثلاثة طيلة حياتهم يعلم قطعيا ويتبين له ان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) كان متفردا بالاعلمية والافقهية وأفضلية الجهاد، وأولية الايمان، وأشدية الاضطلاع - اي القوة والنهوض - بما تجهله الرعية، فهو الامام دون الجهال الجبناء الضعفاء.
(9) يقال: دحض الحجة وادحضها - من باب منع وأفعل - دحضا ودحوضا - كفلسا وفلوسا -: أبطلها.
ودحضت الحجة: بطلت.
(10) وفى كتاب صفين: (واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل اهل العلم، فان للعالم بعلمه فضلا، وان الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم الا جهلا) الخ.
(11) حقن الدماء - على زنة الفلس -: حفظها وعدم اراقتها.
والشق - بفتح الشين - مصدر قولهم: (شق - شقا الشئ): صدعه وفرقه.
ومنه (شق عصا القوم): فرق جمعهم وكلمتهم.
[220]
قال [الراوي] فكتب إليه معاوية: اما بعد فانه: ليس بيني وبين قيس [عمرو خ] عتاب غير طعن الكلى وحر الرقاب فلما وقف امير المؤمنين عليه السلام على جوابه بذلك، قال: انك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (12).
الحديث العاشر من الجزء السابع من امالي شيخ الطائفة، ص 115، ورواه عنه في البحار: ج 8 / 481 س 13 / ط الكمباني.
ورواه قبله بأختلاف طفيف في بعض الالفاظ نصر بن مزاحم (ره) في كتاب صفين ص 150 ط مصر (13)، عن عمر بن سعد [الاسدي] عن رجل عن ابي الوداك، ان طائفة من اصحاب علي قالوا له: اكتب إلى معاوية والى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه اليك، وتأمرهم بما لهم فيه من الحظ (ظ) فان الحجة لن تزداد عليهم الا عظما.
فكتب (ع) إليهم: - إلى آخر ما تقدم من الكتاب - وانت ترى انه لا دلالة فيها على زمان التماسهم عنه (ع) ارسال الكتاب إلى معاوية، نعم مقتضى ذكره الكتاب بعد ما ذكر قصة وروده (ع) في ذهابه إلى الشام (الرقة) انه (ع) أرسل الكتاب بعد ما قارب دخول الشام في أثناء ذهابه إليه، ولكن هذا اشعار لا يقاوم ما صرح به في رواية شيخ الطائفة (ره) من انه (ع) كتب قبل مسيره بالتماس من أصحابه إلى معاوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) اقتباس من الآية (55) من سورة القصص: 28.
(13) ورواه عنه في شرح المختار (48) من خطب نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد: ج 3 ص 309 ط مصر، بتحقيق أبي الفضل محمد ابراهيم.
[221]
ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن عامر (1)
من عبد الله علي أمير المؤمين إلى عبد الله ابن عامر.
أما بعد فإن خير الناس عند الله عزوجل أقومهم لله بالطاعة فيما له وعليه، وأقولهم بالحق ولو كان مرا، فإن الحق به قامت السماوات والارض، ولتكن سريرتك كعلانيتك، وليكن حكمك واحدا وطريقتك مستقيمة، فإن البصرة مهبط الشيطان، فلا نفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سده نحن ولا أنت والسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في النسخة المطبوعة بمصر من كتاب صفين، والظاهر انه من خطأ النساخ أو من سهو الرواة، والصواب: (إلى عبد الله بن عباس) إذ لم يول امير المؤمنين عليه السلام عبد الله بن عامر ساعة بل ولا آنا على البصرة، بل عزله وجميع عمال عثمان - الا أفراد خاصة معينة كانوا من اهل التقوى أو استشفع لهم المتقون متكفلا لاستقامتهم - في اليوم الذى بويع بالخلافة بعد قتل عثمان.
[222]
كتاب صفين ص 106 / ط مصر، ورواه عنه في البحار: ج 8 / 475 س 11، عكسا، ط الكمباني.
ومن كتاب له عليه السلام إلى ابن عباس (ره) كتبه إليه لما استنفر المسلمين إلى المسير إلى الشام لقطع المتمردين وأيدي الظالمين
نصر بن مزاحم المنقري (ره) عن عمر بن سعد [الا سعدي] عن يوسف ابن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الاحمر، ان عليا (ع) لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة، وكان علي (ع) قد كتب إلى ابن عباس وأهل البصرة: أما بعد فأشخص إلي من قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم (1) وعفوي عنهم واستبقائي لهم، ورقبهم في الجهاد وأعلمهم الذي في ذلك من الفضل.
كتاب صفين ط مصر: 2، ص 116.
ورواه عنه في البحار: ج 8 / 471 س 8 عكسا ورواه عنه أيضا ابن ابي الحديد، في شرح المختار (46) من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البلاء - هنا - اما بمعنى الابتلاء والمصيبة والغم، واما بمعنى الاحسان والانعام، وعلى المعنى الثاني يكون (عفوي) و (استبقائي) بدلا عنه.
[223]
خطب النهج: ج 3 / 187، وفي ط: ج 1، ص 283 كما في المختار (429) من جمهرة الرسائل: ج 1 / 459.
وقريب منه في الامامة والسياسة ص 144.
ومن كتاب له عليه السلام إلى مخنف بن سليم (1)
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي حديث عمر بن سعد [الا سعدي]: قال: وكتب علي (ع) إلى عماله [مستنفرا اياهم إلى حرب معاوية] فكتب إلى مخنف بن سليم [وهو عامله على اصبهان ونواحيها]: سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو.
أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه - وهب في نعاس العمى والضلال إختيارا له (2) - فريضة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال ابن ابي الحديد: قال نصر: وكتب عليه السلام إلى أمراء أعماله كلهم بنحو ما كتب به إلى مخنف بن سليم، واقام ينتظرهم.
(2) يقال: (صدف - من باب ضرب ونصر - صدفا وصدوفا - كفلسا وفلوسا -: انصرف ومال. وصدف عنه صدفا - من باب ضرب -: أعرض وصد. و (هب - من باب فر - هبا وهبوبا وهبيبا هبابا الرجل): نشط وأسرع. و (هب السيف هبا وهبوبا): اهتز ومضى.
[224]
على العارفين، إن الله يرضى عمن أرضا، ويسخط على من عصاه، وإنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله واستأثروا بالفئ، وعطلوا الحدود، وأماتوا الحق وأظهروا في الارض الفساد، واتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين (2) فأذا ولي الله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه (3) وإذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه وأدنوه وبروه، فقد أصروا على الظلم وأجمعوا على الخلاف، وقديما ما صدوا عن الحق وتعاونوا على الاثم وكانوا ظالمين، فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك، وأقبل إلينا لعلك تلقى هذا العدو المحل (4) فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجامع الحق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الوليجة: بطانة الانسان وخاصته.
أو من يتخذه معتمدا عليه من غير أهله (3) يقال: (حر مه - من باب ضرب - وحرمه - من باب علم حرما وحريما وحرمانا وحرما وحرمة وحريمة الشئ): منعه اياه.
(4) اي المنتهك للحرم المستحل لها. الذي لاعهد له.
[225]
وتباين الباطل، فإنه لا غناء بنا ولابك عن أجر الجهاد وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكتبه عبيد الله بن ابي رافع في سنة سبع وثلاثين.
[قال الراوي] فأستعمل مخنف [بن سليم] على اصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الربيع، واستعمل على همدان سعيد بن وهب - وكلاهما من قومه - واقبل حتى شهد مع علي (ع) صفين.
كتاب صفين، ط مصر، ص 104 / ط 2، وفي ط ص 117.
ونقله عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3 / 182، وفي ط ج 1، ص 282، ونقله عنه في المختار (427) من جمهرة رسائل العرب: ج 1 / 456.
[226]
ومن كتاب له عليه السلام إلى الاسود بن قطنة (1)
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الاسود ابن قطنة.
أما بعد فإنه من لم ينتفع بما ذوعظ، لم يحذر ما هو غابر (2) ومن أعجبته الدنيا رضي بها وليست بثقة (3) فاعتبر بما مضى تحذر ما بقي، واطبخ للمسلمين قبلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ولعله ما ذكره السيد الرضي في المختار (59) من كتب نهج البلاغة بعنوان: الاسود بن قطبة (أو القطيبة) صاحب جند حلوان.
(2) الغابر - هنا - بمعنى الباقي والآتي اي من لم ينتفع بما سمع من المواعظ ولم يتنبه بما رأى وجرى عليه من العبر، لم يحذر ما بقي منها، ولم يتعظ مما يأتي ويجري عليه أو يتوقع حصوله، فان الامور اشباه، وما مضى نموذج مما يأتي.
(3) كذا في النسخة، ولعل الاصل كان هكذا: (ومن أعجبته الدنيا ورضي بها ليس بثقة).
ويحتمل كون الواو في (وليست) حالية، والضمير فيها راجع إلى الدنيا أي من أعجبته الدنيا رضي بها والحال انه لا ينبغي أن يرضى بها لانها ليست بثقة.
[227]
من الطلاء ما يذهب ثلثاه (1) وأكثر لنا من لطف الجند، واجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند [كذا] فإن للولدان علينا حقا، وفى الذرية من يخاف دعاؤه وهو لهم صالح والسلام.
كتاب صفين ط مصر، ص 106، ط 2، ورواه عنه في البحار: ج 8 / 475 / س 14، عكسا.
ومن كتاب له عليه السلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي وهو عامله على البحرين، فعزله لينفر معه إلى جهاد طغاة الشام، واستعمل مكانه نعمان بن عجلان الزرقي الانصاري
أما بعد فإني قدوليت نعمان بن عجلان الزرقي على البحرين، ونزعت يدك بلا ذم [لك] ولا تثريب عليك (2) فلقد أحسنت الولاية وأديت الامانة، فأقبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطلاء - بكسر الطاء على زنة الولاء والكساء -: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه. ويسمى با (لمثلث) أيضا، قال الطريحي (ره): وفى الحديث (إذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام).
(2) التثريب: اللوم، ومنه قوله تعالى: (لا تثريب عليكم اليوم)
[228]
غير ظنين ولا ملوم، ولا متهم ولا مأثوم (2) فلقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي فإنك ممن أستظهر به (3) على جهاد العدو وإقامة عمود الدين، إن شاء الله.
المختار (42 / أو 45) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى أمراء الجنود لما أراد النفر إلى الشام
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين [إلى أصحاب المسالح] (1).
أما بعد فإن حق الوالي ألا يغيره على رعيته أمر ناله ولا أمر خص به (2) وأن يزيده ما قسم الله له دنوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الظنين: المتهم، ومنه قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين).
(3) الظلمة - بالتحريك - جمع ظالم. واستظهر به: أستعين به.
(1) بين المعقوفين مما قد سقط من كتاب صفين ط 2 بمصر، وهو مذكور في أمالي الشيخ ونهج البلاغة، وسياق الكلام أيضا يستدعيه، و (المسالح): جمع المسلحة: موضع السلاح، المرقب. القوم ذوو السلاح.
(2) وفى أمالي الشيخ (ره): (أما بعد فان حقا على المولى الا يغير عن رعيته فضل ناله، ولا مرتبة اختص بها) الخ.
[229]
من عباده وعطفا عليهم (3).
ألا وإن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سرا إلا في حرب، ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم، ولا أؤخر حقا لكم عن محله (4)، ولا أرزأكم شيئا (5) وأن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفى نهج البلاغة: (أما بعد فان حقا على الوالي ان لا يغيره على رعيته فضل ناله، ولا طول خص به، وأن يزيده ما قسم الله له من نعمة دنوا من عباده وعطفا على اخوانه) اقول: الطول - بفتح الطاء -: النعمة وعظيم الفضل، اي ان مما يحق ويجب على الوالي إذا خص بفضل كرئاسة أو قيادة أو فتح على يديه ونحوها - أن يزيد فضله قربا على العباد، وعطفا وحنانا على الاخوان، وليس من حقه ان يغيره بأن يتكبر ويترفع عليهم، أو يجانبهم ويجفوهم.
(4) ومثله في نهج البلاغة وزاد بعده: (ولا أقف به دون مقطعه) وفى أمالي الشيخ: (ألا وان لكم عندي الا احتجبن دونكم سرا الا في حرب) الخ اي لااكتم عنكم سرا الا في حرب، فانها لا ينبغي اذاعتها، وكان النبي (ص) إذا اراد حربا ورى بغيره.
قوله (ع): (ولم اطو دونكم) هو من باب (رمى) ومعنى الكلام: ان لكم علي ان لا اكتم - ولا اجمع اطراف أمر ولا استبد بانقاذ شئ الا ان يكون حكما من احكام الله فان انفاذه لا يؤخر لمشورة احد أو رضائه أو كراهته.
(5) هذه الجملة غير موجودة في أمالي الشيخ ونهج البلاغة، وهو من باب (منع) يقال: (رزأ الرجل ماله رزأ ورزأ ومرزئة) - كفلسا وقفلا ومغفرة -: أصاب منه شيئا مهما كان اي نقصه.
[230]
عليكم النصيحة والطاعة فلا تنكصوا عن دعوتي، ولا تفرطوا في صلاح دينكم من دنياكم، وأن تنفذوا لما هو لله طاعة ولمعيشتكم صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق (6)، ولا يأخذكم في الله لومة لائم، فإن أبيتم أن تستقيموا لي على ذلك، لم يكن أحد أهون علي ممن فعل ذلك منكم، ثم أعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة (7) فخذوا هذا من أمرائكم وأعطوهم من أنفسكم يصلح الله أمركم والسلام (8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) وفى أمالي الشيخ: (فإذا فعلت ذلك، وجبت لي عليكم البيعة، ولزمتكم الطاعة، وألا تنكصوا عن دعوة ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق) الخ وفى نهج البلاغة: (فإذا فعلت ذلك، وجبت لله عليكم النعمة، ولي عليكم الطاعة، وان تخوضوا الغمرات إلى الحق).
(7) الهوادة - على زنة السعادة والشهادة -: اللين والرفق. ما يرجى به الصلاح بين القوم. الرخصة. المحاباة، ومنه: (لابعثنك إلى رجل لا تأخذه فيك هوادة) أي إلى رجل لا يحابيك. وفى أمالي الشيخ:: (فان انتم لم تسمعوا لي على ذلك (كذا) لم يكن أحد اهون علي ممن خالفني فيه، ثم أحل بكم فيه عقوبته، ولا تجدوا عندي فيها رخصة). وفى نهج البلاغة: (فان أنتم لم تستقيموا على ذلك لم يكن أحد اهون علي ممن اعوج منكم ثم اعظم له العقوبة ولا يجد عندي فيها رخصة).
(8) وفى أمالي الشيخ: (واعطوا من انفسكم هذا يصلح أمركم والسلام) وفى نهج البلاغة: (واعطوهم من أنفسكم ما يصلح الله به امركم) وهو اظهر.
[231]
كتاب صفين الطبعة الثانية بمصر، ص 107 / ورواه أيضا الشيخ الطوسي (ره) في الحديث (33) من الجزء الثامن من الامالي ص 136 / ط طهران.
عن الشيخ المفيد، عن أبي الحسن: علي بن محمد الكاتب، عن الاجلح، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: كتب امير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية: اما بعد فان الله تعالى انزل الينا كتابه الخ إلى ان قال: وكتب إلى أمراء الاجناد: من عبد الله امير المؤمنين إلى اصحاب المسالح الخ.
ورواه أيضا السيد الرضي (ره) في المختار (50) أو (53) من الباب الثاني من نهج البلاغة.