[232]
ومن كتاب له عليه السلام إلى عماله على الخراج
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أمراء الخراج (1).
أما بعد فإنه من لم يحذر ما هو وصائر إليه، لم يقدم لنفسه ولم يحرزها (2) ومن اتبع هواه وانقاد له على ما يعرف نفع عاقبته عما قليل ليصبحن من النادمين (3).
ألا وإن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف ضره، وإن أشقاهم من اتبع هواه، فاعتبروا واعلموا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفى نهج البلاغة: (إلى اصحاب الخراج) الخ.
(2) كذا في النسخة، وفى نهج البلاغة: (أما بعد فان من لم يحذر ما هو صائر إليه، لم يقدم لنفسه ما يحرزها) وهو أظهر، اي من لم يحذر العاقبة التي تصير إليه بعدم مبالاته وبأنقياده لشهواته لم يعمل لنفسه عملا يحفظها من سوء المصير، ولم يحرز نفسها من نكال القيامة.
(3) كذا في النسخة، ولعل لفظة (على) بمعنى (مع).
[233]
أن لكم ما قدمتم من خير، وما صوى ذلك وددتم لو أن بينكم وبينه أمدا بعيدا، ويحذر كم الله نفسه والله رءوف ورحيم بالعباد (4) وأن عليكم ما فرطتم فيه، وأن الذي طلبتم ليسير وأن ثوابه لكثير (5)، ولو لم يكن فيما نهي عنه من الظلم والعدوان عقاب يخاف، كان في ثوابه مالا عذر لاحد بترك طلبته (6) فارحموا ترحموا ولا تعذبوا خلق الله، ولا تكلفوهم فوق طاقتهم وأنصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية (7) لا تتخذن حجابا ولا تحجبن أحدا عن حاجته حتى ينهيها إليكم (8) ولا تأخذوا أحدا بأحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) اقتباس من الآية (29) من سورة آل عمران: 2.
(5) وفى نهج البلاغة: (واعلموا ان ما كلفتم يسير، وان ثوابه كثير).
(6) وفى نهج البلاغة: (ولو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغي والعدوان عقاب يخاف، لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه، فأنصفوا الناس من انفسكم) اقول: الطلبة - بالكسر، وبفتح الطاء وكسر اللام -: المطلوب.
(7) وفى نهج البلاغة: زاد بعدها هكذا: (ووكلاء الامة، وسفراء الائمة، وا تحسموا أحدا عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته) إلى آخر ما فيه من الزوائد الجيدة غير الموجودة في اصلنا المأخوذ عنه هنا.
(8) اي حتى يتركها - يقال (طلب حاجة حتى انهى عنها)، اي تركها، ظفر بها أو لم يظفر.
[234]
إلا كفيلا عمن كفل عنه، واصبروا أنفسكم على ما فيه الاغتباط (9) وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير، فإن في ذلك الندم، والسلام.
كتاب صفين الطبعة الثانية بمصر، ص 108، وقريب منه مع زيادات في غاية الحسن والجودة، في المختار (51 / أو 54) من الباب الثاني من نهج البلاغة.
ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن النضر، وشريح بن هانئ لما بعثهما في اثنى عشر ألفا على مقدمة جيشه في الذهاب إلى الشام، وامرهما ان يأخذا في طريق واحد ولا يختلفا، فاختلفا وكتب كل واحد منهما إلى امير المؤمنين (ع) يظهر الكراهة من صاحبه
فكتب (ع) اليهما: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر، وشريح بن هانئ، سلام عليكما، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اي احملوا انفسكم على ما فيه الاغتباط.
[235]
أما بعد فإني قد وليت مقدمتي (1) زياد بن النضر وأمرته عليها، وشريح على طائفة منها أمير، فإن أنتما جمعكما بأس فزباد بن النضر على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير [على] الطائفة التي وليناه أمرها.
واعلما أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم (2) فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلا تسأما من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقدمة الجيش - بكسر الدال -: هم القوم الذين لهم نجدة وذكا ويقدمون انفسهم أمام الجيش للتحفظ على المصالح، والتجنب عن المضار.
وأما معنى مقدمة الجيش - بفتح الدال -: فهم الجماعة التي يقدمها امير الجيش قدام جيشه ليتوصلوا بحزمهم وبطولتهم وشدة محبتهم لقومهم إلى جلب المصالح، وطرد المكاره، وغير خفي ان الاوصاف المذكورة - من النجدة والذكاء والحزم والبطولة وفرط المحبة وغيرها مما يلازمها - غير مأخوذة في لفظة (المقدمة) وانما هي بحسب الغالب من اللوازم الخارجية للمقدمة، وليست بمدلول لفظي لها.
(2) المراد من (العيون) هنا اما السادة والشرفاء من الجيش، إذ يطلق العين على النفيس من كل شئ، أو المراد منها ما يقابل السمع والاذن، وعلى الثاني يصح أن يراد من (العيون) حقيقة العضو المخصوص ادعاء ومبالغة اي ان المقدمة عين الجيش وباصرته التي بها يرون الاشياء، ويتبين لهم الضار والنافع، ويصح أيضا ان يراد من (العيون) على المعنى الثاني المراقب والجاسوس، وهو اظهر بحسب المعنى والاستعمال، وعلى جميع التقادير فالكلام حث على التيقظ والتنبه في أمر مقدمة جيشه وجيش عدوه، بعدم الغفلة والمسامحة في حسن الانتخاب، واهمال الحزم والاحتياط عن كيد العدو.
وأما (الطلائع) فهي الجماعة المتقدمة على المقدمة، فهم الخيار من الخيار.
[236]
توجيه الطلائع، ومن نفض الشعاب والشجر والخمر في كل جانب كي لا يغتر كما عدو، ويكون لكم كمين (3) ولا تسبرن الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء إلا على تعبية، فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية (4).
وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم عدو، فليكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) يقال: (نفض - من باب نصر - نفضا المكان): نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه. الطريق: تتبعها. طهرها من اللصوص. ونفض فلان: نظر إلى كل جانب، ويقال: إذا تكلمت فأنفض أي التفت هل ترى من تكره. والشعاب - بكسر الشين - جمع الشعب والشعبة - كحبر وقفلة -: الطريق في الجبل. مسيل الماء في بطن الارض. ما انفرج بين الجبلين. الناحية. والخمر - على زنة الشجر -: ما يستتر به. وأغتره واستغره: اتاه على غرة اي غفلة. واغتره. طلب غفلته. والكمين: هو الداخل في الامر بحيث لا يفطن له، والمراد منه هنا: هم القوم الذين يخفون انفسهم في مكان خفي مراقبين غرة عدوهم للهجوم عليه.
(4) الكتائب جمع الكتيبة: القطعة من الجيش. ويقال: (عبأ يعيئ تعبية الجيش، وعبأه تعبئة وتعبيئا وعبأه - من باب منع - عبأ هيأه وجهزه. ودهمه - من باب منع - ودهمه - من باب علم - الامر دهما): غشيه أي حل به.
[237]
معسكركم في قبل الاشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الانهار، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، واجعلوا رقباء كم في صياصى الجبال وبأعالي الاشراف ومناكب الهضاب (5) يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن، وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعا، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا، وإذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والاترسة، ورماتكم يلون ترستكم ورماحكم وما أقمتم فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة ولا تلفى منكم غرة (6) فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) القبل من المكان - كقفل وعنق -: أسفله. والاشراف: الاماكن العالية، وهو جمع الشرف - كفرس -. وسفاح الجبال - بكسر السين -: أسفلها حيث يسفح - اي ينصب - فيه الماء. والرقباء: جمع الرقيب: العين والجاسوس. والصياصي: جمع الصيصة: والصيصية: الحصن وكل ما امتنع به. والمناكب: جمع المنكب - على زنة المجلس -: الموضع المرتفع. والهضاب - بكسر الهاء - جمع الهضبة - كضربة -: ما ارتفع من الارض. الجبل المنبسط على وجه الارض. وقيل: الجبل الطويل الممتنع المنفرد.
(6) الا ترسة والترسة - كأفعلة وفعلة -: جمع الترس - كقفل -: وهي صفحة من فولاذ يحملها المحارب للوقاية من السيف ونحوه. ولا تلفى: لا توجد. والغرة - بكسر الغين -: الغفلة.
[238]
كأنهم في حصون واحرسا عسكر كما بأنفسكما، وإياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة (7) ثم ليكن ذلك شأنكما ودابكما حتى تنتهيا إلى عدوكما وليكن عندي كل يوم خبر كما ورسول من قبلكما فإني - ولا شئ إلا ما شاء الله - حثيث السير في آثاركما.
[و] عليكما في حربكما بالتوأدة (8) وإياكم والعجلة إلا أن تمكنكم فرصة بعد الاعذار والحجة، وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدأ أو يأتيكما أمري إن شاء الله والسلام.
كتاب صفين ص 123 / الطبعة الثانية بمصر، ورواه عنه ابن ابي الحديد في شرح المختار (46) من خطب النهج: ج 3 ص 192.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) الغرار - بكسر الغين -: النوم القليل. ويقال: (تمضمض النعاس في عينيه): دب وسرى. وقال في مادة (مضمض) من لسان العرب: لما جعل للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه الا بألسنتهم ولا يسيغوه، فشبهه بالمضمضة بالماء والقائه من الفم من غير ابتلاع.
(8) فاني حثيث السير: سريع السير. والتوأدة - بضم التاء وسكون الواو وفتح الهمزة والدال - والتوآد - كتوراة -: التأني والرزانة.
[239]
ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد وشريح أيضا
فانهما لما قدمهما امير المؤمنين (ع) أمامه سارا بجيشهما حتى انتهيا بسور الروم إلى مقدمة معاوية، وعليهم ابو الاعور السلمي، فدعواهم إلى الدخول في طاعة امير المؤمنين (ع) فأبوا، فبعثا إلى امير المؤمنين: بأنا قد لقينا مقدمة جيش معاوية وعليهم ابو الاعور، فدعوناهم إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا، فمرنا بأمرك.
فأرسل امير المؤمنين (ع) إلى الاشتر وأحضره ووصاه ثم ارسله اليهما وكتب معه إلى زياد وشريح: أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا، فاسمعا له وأطيعا أمره، فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (1) ولا بطؤه عن ما الاسراع إليه أحزم، ولا الاسراع إلى ما البطؤ عنه أمثل، وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما: ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم [إن شاء الله].
كتاب صفين ص 154، الطبعة الثانية بمصر.
ورواه عنه ابن ابي الحديد في شرح المختار (47) من خطب نهج البلاغة ج 3 / 213.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الرهق - كفرس -: الاثم. التهمة. خفة العقل. الجهل. حمل المرء على مالا يطيقه. والسقاط - ككتاب - الزلة.
[240]
ومن كتاب له عليه السلام إلى العمال الذين كانوا في ممر الجيش ومعبرهم
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباة الخراج وعمال البلاد.
أما بعد فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن شاء الله، وقد أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الاذى وصرف الشذى (1) وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمتكم من معرة الجيش، إلا من جوعة المضطر لا يجد مذهبا إلى شبعه (2) فنكلوا من تناول منهم شيئا ظلما عن ظلمهم (3) وكفوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشذى: الشر، ويقال: أشذى فلانا): آذاه.
(2) معرة الجيش: أذاه ومساءته وجنايته على من مر به، من اكل زرعهم وثمارهم واخذ اموالهم وموا شيهم وتحميل العمل عليهم. وجوعة - بفتح الجيم -: الواحدة من مصدر جاع، ولا يبعد كونه مصدرا والتاء جزء للكلمة، لا انه جيئ به للدلالة على الوحدة. ومذهبا: طريقا وسبيلا.
أي انا اتبرأ من اذى الجيش الا أن يكونوا جائعين مضطرين إلى ما يسدوا به رمقهم وقوتهم فانه يجوز لهم ان يأكلوا ويتناولوا بمقدار ما يدفع به الضرورة.
(3) (عن ظلمهم) متعلق بقوله: (نكلوا) يقال: (نكله عن الشئ): صرفه. و (شيئا) مفعول لقوله: (تناول) و (ظلما) تمييز. و (عن ظلمهم) من باب اضافة المصدر إلى فاعله اي اردعوا واصرفوا من كان من الجيش يأخذ شيئا من مال غيره ظلما وتعديا - اي من غير اضطرار - عن ظلمه وبغيه. ويحتمل كون اضافة) ظلم) إلى الضمير، من قبيل اضافة المصدر إلى مفعوله، اي أصرفوه عن ظلم الرعايا ومن يمر به. والاول اظهر لفظا، والثاني أو جه معنى.
[241]
أيدي سفهائكم عن مضارتهم والتعرض لهم فيما استثنيناه منهم (4) وأنا بين أظهر الجيش، فارفعوا إلي مظالمكم وما عراكم مما يغلبكم من أمرهم [وما] لا تطيقون (5) دفعه إلا بالله وبي، فأنا أغيره بمعونة الله إن شاء الله.
المختار (60، أو 64) من باب كتب نهج البلاغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وهو التناول عند الاضطرار بمقدار يدفع به جوعه.
(5) كذا في النسخة التي عليها تعليقات محمد عبده، وفى نسخة ابن ابي الحديد وابن ميثم: (ولا تطيقون دفعه). وعراكم: غشيكم ونالكم.
[242]
ومن كتاب له عليه السلام إلى أمراء الاجناد
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي حديث عمر [ابن سعد الاسدي] أيضا بأسناده، ثم قال: ان عليا (عليه السلام) كتب إلى أمراء الاجناد: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المومنين.
أما بعد فإني أبرأ إليكم وإلى أهل الذمة من معرة الجيش إلا من جوعة إلى شبعة، ومن فقر إلى غنى أو عمي إلى هدى (1) فإن ذلك عليكم (2) فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان، وخذوا على أيدي سفهائكم واحترسوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(معرة الجيش: أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زرعهم شيئا بغير علم.
أو هو ما يترتب على مرور الجيش غالبا من الاذى والمساءة والغرم والجناية والعيب والشدة وغيرها.
(2) هذا هو الظاهر، وفي النسخة. (فان ذلك عليهم). وقوله. (فاعزلوا الناس): اصرفوهم وامنعوهم، والفعل من باب (ضرب) و (احترسوا): أحترزوا واجتنبوا.
[243]
أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا فإن الله تعالى يقول: (قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما) [77 - الفرقان] فإن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الارض، فلا تألوا أنفسكم خيرا (3) ولا الجند حسن سيرة، ولا الرعية معونة ولا دين الله قوة، وأبلوا في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما [يجب علينا أن] نشكره بجهدنا (4) وأن ننصره ما بلغت قوتنا ولا قوة إلا بالله.
وكتب أبوثروان.
كتاب صفين ص 125، الطبعة الثانية بمصر، وفي ط ص 132، ورواه عنه ابن ابي الحديد، في شرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة: ج 3 ص 194.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) المقت: البغض أو أشده. وقوله: (فلا تألوا): لا تمنعوا أنفسكم خيرا، ولا تقصروا ولا تبطأوا به عنها. والفعل - من باب (دعا يدعو).
(4) يقال: (أبلى زيد فلانا عذره): قدمه له فقبله. وأبلى في الحرب بلاء حسنا: أظهر فيها بأسه حتى بلاه الناس واختبروه. و (الجهد) بضم الجيم وفتحها كالمجهود: بذل الوسع والطاقة.
[244]
ومن كتاب له عليه السلام إلى جنوده
قال نصر بن مزاحم (ره): وفي كتاب عمر بن سعد [الاسدي] أيضا: وكتب [امير المؤمنين عليه السلام] إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي علهيم: من عبد الله علي أمير المؤمنين.
أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم وأحمركم (1) وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد، وبمنزلة الولد من الوالد الذي لا يكفيهم منعه إياهم طلب عدوه والتهمة به (كذا) ما سمعتم وأطعتم وقضيتم الذي عليكم وإن حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم، فإذا فعل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعل المراد من الاسود والاحمر: العرب والعجم، لغلبة الادمة والسمرة والسواد في الاول، والبياض والحمرة في الثاني، ويحتمل ان يراد من الاول العبيد، ومن الثاني الاحرار، وابقاء الكلام على اطلاقه اولى.
[245]
ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق، ونصرته على سيرته (2) والدفع عن سلطانه، فإنكم وزعة الله في الارض (3) فكونوا له أعوانا، ولدينه أنصارا، ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها إن الله لا يحب المفسدين.
كتاب صفين ص 126 / الطبعة الثانية بمصر، ورواه عنه ابن ابي الحديد، في الشرح المختار (46) من خطب نهج البلاغة، ج 3 ص 195.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) كلمة (على).
بمعنى في أي وجبت نصرته في طريقته ومذهبه، فما يراه صوابا ويوافق الحق يجب معاونته في فعله، وما يراه خطأ يلزمكم مظاهرته كي لا يتحقق.
(3) الوزعة - جمع الوازع - وهم الولاة المانعون من محارم الله تعالى، وفى الحديث: (السلطان وزعة الله في أرضه).
ومنه قوله (ع) في المختار (72) من خطب نهج البلاغة: - أو ما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي) الخ.
[246]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية (1)
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام على من اتبع الهدى، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو.
أما بعد فإنك قد رأيت من الدنيا وتصرفها بأهلها وإلى ما مضى منها (كذا) وخير ما بقي من الدنيا ما أصاب العباد الصادقون فيما مضى، ومن يقس شأن الدنيا بالآخرة يجد بينهما بونا بعيدا (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال نصر بن مزاحم (ره) في الجزء الثاني من كتاب صفين ص 80: عن صالح بن صدقة، عن اسماعيل بن زياد، عن الشعبي، ان عليا (ع) قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة، واقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص.
(2) هذا هو الظاهر، وفى نسخة كتاب صفين المطبوع بمصر، وشرح ابن أبي الحديد: (ومن نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما) الخ. و (البون) بضم الباء وفتحها وسكون الواو -: البعد. الفضل. المسافة والفرق بين شيئين.
[247]
وأعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القدم ولا في الولاية، ولست تقول فيه بأمر بين تعرف لك به أثرة (3) ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ولا عهد تدعيه من رسول الله، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت [تبهجت خ] بزينتها وركنت إلى لذتها وخلي فيها بينك وبين عدو جاهد ملح مع ما عرض في نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها وقادتك فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها.
فاقعس عن هذا الامر، وخذ أهبة الحساب، فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك منه مجن [ما لا ينجيك منه منج خ] (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) القدم - على زنة الفرس والعنب -: التقدم. السابقة في الامر. والولاية والولاءة - بفتح الواو، كالولاية بكسرها -: القرابة، والاثرة - كغرفة -: المكرمة المتوارثة والفعل الحميد. والاثرة - كشجرة الاختيار.
(4) فاقعس: تأخر. و (أهبة الحساب) - بضم الالف وسكون الهاء وفتح الباء -: عدته والتهيؤ له. وما لا يجنك - من باب (مد) و (أفعل) -: ما لا يسترك. والمجن كالمجنة - بكسر الميم فيهما -: كل ما وقي به السلاح. الترس، والجمع مجان.
[248]
ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية، أو ولاة لامر هذه الامة بغير قدم حسن ولا شرف سابق على قومكم (كذا) فشمر لما قد نزل بك، ولا تمكن الشيطان من بغيته فيك (5) مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان، وإلا تفعل أعلمك ما أغفلك [ما أغفلت خ] من نفسك، فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه، فجرى منك مجرى الدم في العروق.
واعلم أن هذا الامر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدوناه وامتنوا به علينا (6) ولكنه قضاء ممن امتن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) فشمر: فتهيأ. والبغية. - بضم الباء وفتحها وكسرها وسكون الغين -: ما يرغب فيه ويطلب.
(6) هذا من جملة ما يحتج به الامامية من ان الامام والخليفة لابد ان يكون منصوبا من قبل الله ورسوله، وليس للناس في نصبه - كنصبهم النبي - من نصيب، ولنعم ما أفاده العلامة الطباطبائي:
وليس للامة فيه ملتمس * وضل من عليهم الامر التبس
[249]
به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق، لا أفلح من شك بعد العرفان والبينة.
اللهم احكم بيننا وبين عدونا بالحق، وأنت خير الحاكمين.
كتاب صفين ص 108، الطبعة الثانية بمصر، وفي ط ص 121، ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار العاشر، من كتب نهج البلاغة: ج 15، ص 86.
وقريب منه رواه ابن عساكر في ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 63، أو 976، برواية الكلبي الآتية.
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية
على ما رواه ابن عساكر عن الكلبي:
أما بعد فقد رأيت الدنيا وتصرفها باهلها، ومن يقس شأن الدنيا بالآخرة يجد بينهما بونا بعيدا.
ثم إنك يا معاوية قد ادعيت أمرا لست من أهله
[250]
لافي قديم ولا في حديث، ولست تدعي أمرا بينا، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه (1) من دنيا دعتك فأجبتها، وقادتك فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها، فأي شئ من هذا الامر وجدته ينجيك.
ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة هذا الامر بغير قدم (ظ) حسن، ولا شرف باسق (2) فلا تمكنن الشيطان من بغيته [فيك] مع أني أعلم أن الله ورسوله صادقان (ظ) فيما قالا، فأعوذ بالله من لزوم الشقاء، فإنك يا معاوية مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذا وجرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انقشعت عنك زالت وانكشفت.
والجلابيب: جمع الجلباب - بكسر الجيم وسكون اللام -: وهو القميص أو الثوب الواسع، واستعاره للدنيا بأعتبار ان الانسان يغتر بكل منهما ويتبختر بالتزين بهما.
(2) يقال: (بسق النخل - من باب نصر - بسوقا): ارتفعت أغصانه وطال فهو باسق.
وبسق أصحابه وعلى اصحابه بسوقا - كفسق فسوقا - علاهم بالفضل.
[251]
منك [مجرى الدم (3)].
أللهم احكم بيننا وبين من خالفنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
ترجمة معاوية من تاريخ دمشق: ج 56 ص 63.
ومن كتاب له عليه السلام إلى عمر بن العاص (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص.
أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، صاحبها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) هذا هو الظاهر كما تقدم في المختار السالف، وفى النسخة: (فجرى منك المجرى).
(1) ويجئ عند ختام الكتاب عن نصر بن مزاحم (ره) ان هذا اول كتاب كتبه عليه السلام إلى عمرو بن العاص وانه جاء جوابه قبل ارتحاله (ع) من النخيلة.
[252]
مقهور فيها (2) لم بصب منها شيئا قط إلا فتحت له حرصا وأدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها، ولن يستغني صاحبها بمانال عما لم يبلغه، ومن وراء ذلك فراق ما جمع (3) والسعيد من وعظ بغيره، فلا تحبط أجرك أبا عبد الله، ولا تجارين معاوية في باطله، فإن معاوية غمص الناس وسفه الحق (4) والسلام.
قال ابن أبي الحديد - في شرح المختار (49) من كتب النهج -: قال نصر: وهذا أول كتاب كتبه علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص، ثم قال: قال نصر: فكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا.
قال ابن أبي الحديد: وهو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل، وهو مذكور في [المختار (30) من كتب] نهج البلاغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) جملة (وصاحبها مقهور فيها) غير موجودة في المختار (49) من كتب نهج البلاغة.
(3) وفى ونهج البلاغة: (ومن وراء ذلك فراق ما جمع ونقض ما أبرم).
(4) فلا تجارين: فلا توافقن ولا تتبعن ويقال: (غمص زيد - من باب ضرب - عمرا): احتقره. ومثله غمصه غمصا - من باب علم، والمصدر منهما على زنة فلس. ويقال: (سفه الرجل سفها - كنصره نصرا -: غلبه في المسافهة. حمله على السفه، أو نسبه إليه. وسفه نفسه: أذلها واستخلف بها. وسفه نصيبه: نسيه.
[253]
فأجابه عمرو بن العاص وكتب إليه (ع): من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب، أما بعد فان الذي فيه صلاحنا وألفة ذات بيننا ان تنيب إلى الحق وأن تجيب إلى ما تدعون إليه من شورى، فصبر الرجل منا نفسه على الحق، وعذره الناس بالمحاجزة والسلام.
فجاء الكتاب إلى علي (ع) قبل ان يرتحل من النخيلة.
كتاب صفين ط مصر، ص 110، وفي ط ص 124 / ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار (49) من كتب نهج البلاغة، ج 17 / ص 15، ورواه عنه أيضا في شرح المختار (35) من باب الخطب، ج 2 ص 227، كما رواه المجلسي (ره) في البحار: ج 8 ص 475 س 4 عكسا، وص 505 س 7، كما رواه في تنبيه الخواطر 338.
وقريب منه جدا في المختار 49، أو 52) من كتب نهج البلاغة.
[254]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية شيخ الطائفة
محمد بن الحسن الطوسي (ره) عن معلم الامة: محمد بن محمد بن نعمان قال: أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال: حدثنا الاجلح، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن زيد الحماني، قال: كتب امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد فإن الله أنزل إلينا كتابه ولم يدعنا في شبهة، ولا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة، والتوبة مبسوطة، ولا تزر وازرة وزر أخرى (1) وأنت ممن شرع الخلاف متماديا في غمرة الامل (2) مختلف السر والعلانية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اقتباس من الآية (164) من سورة الانعام، و (45) من سورة الاسراء، و (18) من سورة فاطر، و (7) من سورة الزمر، و (38) من سورة النجم.
(2) يقال:) تمادى زيد على كذا): دام على فعله ولج. وتمادى في الامر: بلغ فيه المدى أي الغاية والمنتهى. وغمرة الشئ - بفتح الغين وسكون الميم -: شدته ومزدحمه، والجمع غمرات وغمار وغمر - كقطرات وعقار وعمر -.
[255]
رغبة في العاجل، وتكذيبا بعد (كذا) في الآجل، و كأنك قد تذكرت ما مضى منك فلم تجد إلى الرجوع سبيلا.
الحديث (32) من الجزء الثامن، من أمالي الشيخ (ره) ص 135 / ط طهران، ورواه عنه في البحار: ج 8 / 538 س 20 ط الكمباني.
ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص وبالاسناد المتقدمة
عن شيخ الطائفة (ره) كتب صلوات الله عليه إلى عمرو بن العاص: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص.
أما بعد فإن الذي أعجبك مما تلويت من الدنيا ووثقت به منها منقلب عنك (1) فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى حذرت ما بقي، و
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعل معنى تلويت: استأثرت أو عطفت اليك أو تمنيت.
[256]
انتفعت منها بما وعظت به ولكنك اتبعت هواك وآثرته، ولولا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه غيره، لانا أعظم رجاء وأولى بالحجة، والسلام.
ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص أيضا
قال ابن أبي الحديد: قال نصر: وكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الابتر بن الابتر عمرو بن العاص بن وائل، شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والاسلام (1) سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد فإنك تركت مروءتك لامرئ فاسق مهتوك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اشارة إلى ما نزل في شأن العاص بن وائل لما قال: ان محمدا أبتر لا نسل له، لانه ليس له ولد ذكر، وسوف يموت ذكره بموته بلا ولد، فرد الله عليه، وانزل لافتضاحه إلى الابد: (انا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، ان شانئك هو الابتر) والشانئ: المبغض مع سوء خلق وعداوة.
[257]
ستره (2) يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته فصار قلبك لقلبه تبعا كما قيل: (وافق شن طبقة) (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) قال ابن أبي الحديد: ان (معاوية) كان كثير الهزل والخلاعة، وصاحب جلساء وسمار، ولم يتوقر ولم يلزم قانون الرياسة الا منذ خرج على امير المؤمنين (ع) واحتاج إلى الناموس والسكينة، والا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك موسوما بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا خوفا منه، الا انه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب والفضة، ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها وعليها جلال الديباج والوشي، ونقل الناس عنه في كتب السيرة انه كان يشرب الخمر في أيام عثمان - إلى آخر كلامه - فراجعه فانه مفيد جدا.
(3) فاعل (يشين) اما الضمير العائد إلى (امرئ فاسق) أو الفاعل هو قوله: (بمجلسه) أي انك تركت مروءتك لفاسق من صفته ان مجلسه والقعود معه بنفسه من أسباب شين الكريم، والمراودة به والاختلاط معه من وسائل تسفيه الحليم.
والتسفيه: جعل الشخص سفيها أي خفيف العقل مضطرب الرأي.
وقوله: (وافق شن) الخ من الامثلة السائر المعروفة، والمحكي عن الاصمعي أن الشن اسم لوعاء من أدم كان تشن - أي تقبض - فجعل له غطاء فوافقه.
وعلى هذا فالهاء في (طبقه) ضمير عائد إلى (الشن) وليست جزأ للكلمة، وقيل: ان الشن اسم لرجل من دهاة العرب صادف في سفره امرأة مثله ذكاوة وفطانة اسمها طبقة، فتزوجها وحملها إلى عشيرته واهله فلما علموا بما حوته من الفراسة والكياسة، قالوا: (وافق شن طبقة) وعليه فالهاء جزء للكلمة، وقيل فيه غير ذلك.
ومما يناسب الكلام جدا ما انشده مسكين الدارمي من أولياء معاوية وعمرو وعمر بن سعد، من قوله:
وإذا الفاحش لا قى فاحشا * فهناكم وافق الشن الطبق
انما الفاحش ومن يعنى به (ظ)* كغراب الشر ما شاء يعق
أو حمار الشر ان اشبعته * رمح الناس وان جاع نهق
أو غلام السوء ان جوعته * سرق الجار وان يشبع فسق
[258]
فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك، وكان علم الله بالغا فيك، فصرت كالذئب يتبع الضر غام إذا ما الليل دجى، أو أتى الصبح يلتمس فاضل سؤره وحوايا فريسته (4) ولكن لا نجاة من القدر، ولو بالحق أخذت لادركت ما رجوت (5) وقد رشد من كان الحق قائده، فإن يمكن الله منك ومن ابن آكلة الاكباد ألحقتكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن تعجزا [ني] وتبقيا بعدي فالله حسبكما، وكفى بانتقامه إنتقاما، وبعقابه عقابا، والسلام.
شرح المختار (39) من الباب الثاني من نهج البلاغة، من شرح ابن أبي الحديد: ج 16 / 163، وفي ط - ج 4 ص 61، وفي ط ص 39، ورواه أيضا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الضر غام: الاسد. وإذا ما الليل دجى: أظلم فهو داج. والليلة داجية. والسؤر: ما يفضل ويبقى بعد الاكل والشرب. والحوايا - كعطايا -: جمع الحوية مؤنث الحوي: ما انقبض واستدار من الامعاء.
(5) أي لو تمسكت بالحق واستقمت عليه، كتمسكك واستقامتك على الباطل، لادركت ما رجوت من الرئاسة والحكومة على بعض العباد.
[259]
ابن ميثم (ره) في شرح المختار المشار إليه، من شرحه: ج 5 ص 58، وقريب منه جدا في المختار (39) من كتب نهج البلاغة، ورواه في جمهرة الرسائل: ج 1 / 486، عن ابن أبي الحديد، كما رواه عنه ايضا العلامة الاميني مد ظله في الغدير:
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية كتبه إليه بعد حروب كثيرة في صفين
أما بعد فإنك قد ذقت ضراء الحرب وأذقتها، وإني عارض عليكم ما عرض المخارق على بني فالج:
أيا راكبا إما عرضت فبلغن * بني فالج حيث استقر قرارها
هلموا إلينا لا تكونوا كانكم * بلاقع أرض طار عنها غبارها
سليم بن منصور أناس بحرة * وأرضهم أرض كثير وبارها (1)
كتاب صفين ص 385 ط 2 بمصر، ورواه عنه في البحار: ج 8 ص 497 س 20.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوبار - بكسر الواو كالوبارة ومثلهما الوبور - بضم الواو -: جمع الوبر - على زنة الفلس وهو دويبة قصير الزند والاذنين أصغر من السنور، ويقال لها بالفارسية: (ونك). وقيل: انها لا ذنب لها، ولونها طحلاء، وهي ترجز في البيوت.
[260]
ومن كتاب له عليه السلام أجاب به معاوية
لما كتب إليه في صفين بما نصه: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب، أما بعد فان الله تعالى يقول في محكم كتابه: (ولقد أوحي اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) [65 / الزمر: 39] واني أحذرك الله ان تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه الامة وتفريق جماعتها، فاتق الله واذكر موقف القيامة، واقلع عما أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين، واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (لو تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لاكبهم الله على مناخرهم في النار) (1) فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين وسادات المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن، وذي العة ادة والايمان،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا الحديث بوحده كاف في أن معاوية واتباعه من أهل النار لقتلهم الرجل الصالح الذي أبلته العبادة، الا وهو حجر بن عدي الكندي (ره) شهيد مرج عذراء، وتأمل في كلمات ام المؤمنين عايشه والحسن البصري وغيرهم حول قتله فانها تغنيك عن غيرها، ولا حاجة في الحكم بهلاكه إلى ذكر بقية موبقاته من الحرب مع نفس النبي (ص) بحكم القرآن والسنة القطعية، واراقة دماء سبعين الف من المسلين بصفين، وقتل ثلاثين الف من مسلمي اليمن لما ارسل إليهم بسر بن أرطاة وغيرها مما هو مذكور في أسفار المؤرخين والمحدثين، بل على رواية معاوية وأتباعه قتل الحجر بوحده يكفي لهلاكه وهلاك تبعته.
[261]
من شيخ كبير، وشاب غرير (2) كلهم بالله تعالى مؤمن، وله مخلص، وبرسوله مقر عارف فان كنت أبا حسن انما تحارب على الامرة والخلافة، فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين، ولكنها ما صحت لك، انى بصحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوا بها ! وخف الله وسطواته، واتق بأسه ونكاله، واغمد سيفك عن الناس، فقد والله أكلتهم الحرب، فلم يبق منهم الا كالثمد في قرارة الغدير (3) والله المستعان.
ولما وقف أمير المؤمنين عليه السلام على كتابه أجابه بما لفظه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.
أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة، ورسالة محبرة، نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئ (4) ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) بله اسم فعل بمعنى (دع) و (أترك). والغرير: الشاب لا تجربة له. المغرور.
(3) الثمد - على زنة الفلس والفرس -: الماء القليل يتجمع في الشتاء، وينضب في الصيف، أو الحفرة يجتمع فيها ماء المطر، والجمع ثماد كعبد وعباد. وقرارة الغدير وقراره: مستقره.
(4) موصلة - بصيغة اسم المفعول -: ملفقة من كلمات مختلفة كالثوب المرقع بقطع متباينة الالوان. و (محبرة): مزينة. و (نمقتها): حسنت كتابتها. و (أمضيتها (: انفذتها وأجزتها. وقوله (ع): (وكتاب أمرئ) عطف على قوله: (موعظة).
[262]
فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لاغطا، وضل خابطا (5).
فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها، وأستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذ أمروا بها أخذتهم العزة بالاثم (6).
وأما تحذيرك إياي أن يحبط عملي وسابقتي في الاسلام، فلعمري لو كنت [أنا] الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك، ولكني وجدت الله تعالى يقول: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) [9 - الحجرات 49] فنظرنا إلى الفئتين، أما الفئة الباغية (5) يقال: (هجر في كلامه - من باب نصر - هجرا): خلط وهذى، فهو هاجر، والكلام مهجور.
و (لاغطا) حال عن فاعل (هجر) واللغط - كفرس -: الصوت والجلبة، أو الصوت الذي لا معنى له.
و (خابطا) اي سائرا على غير هدى وبصيرة.
(6) اقتباس من قوله تعالى في الآية (206) من سورة البقرة: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا - إلى ان قال: - وإذا قيل له -: اتق الله أخذته العزة بالاثم) اي حملته العزة وحمية الجاهلية على فعل الاثم، ودعته إليه.
كما يقال: أخذته الحمى: لزمته.
[263]
فوجدناها الفئة التي أنت فيها، لان بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر، وهو أمير لابي بكر على الشام.
وأما شق عصا هذه الامة فأنا أحق أن أنهاك عنه.
فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني بقتالهم وقتلهم، وقال: لاصحابه: (إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله) وأشار إلي (7) وأنا أولى من اتبع أمره.
وأما قولك: (إن بيعتي لم تصح لان أهل الشام لم يدخلوا فيها) كيف وإنما هي بيعة واحدة، تلزم الحاضر والغائب، لا يثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، والمروي فيها مداهن (8) فاربع على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) هذا الكلام ونظائره مما ورد عنهم (ع) في مقامات كثيرة مما يهدم أساس ما أختلقه بعض النواصب حيث زعم ان حروب امير المؤمنين (ع) لم يكن بأمر رسول الله (ص) وانما كانت حروبا سياسية للتحفظ على الامارة.
(8) لا يثنى فيها النظر: لا ينظر فيها ثانيا بعد النظر الاول: (ولا يستأنف فيها الخيار) أي لا اختيار لاحد فيها كي يستأنفه بعد عقدها.
و (المروي): المتفكر هل يقبلها أم يردها.
و (المداهن): المنافق، وهو الذي يتظاهر بخلاف ما أبطنه في ضميره.
[264]
ظلعك، وانزع سربال غيك، واترك ما لا جدوى له عليك (9) فليس لك عندي إلا السيف حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا وتدخل في البيعة راغما، والسلام (10).
شرح المختار السابع من كتب نهج البلاغة، من شرح ابن أبي الحديد: ج 14، ص 42.
ونقله تحت الرقم (444) من جمهرة الرسائل: ج 1، ص 475، أيضا عن شرح ابن أبي الحديد: ج 3 ص 302.
(9) فأربع على ظلعك: توقف عليه.
و (الظلع) - على زنة الفلس -: النقص والعيب.
أي انك ناقص فانته عما ليس من شأنك، وقف على حدك ولا تجاوزه.
و (الجدوى) - كعدوى -: الغناء والنفع. العطية.
(10) حتى تفئ إلى أمر الله أي حتى ترجع إليه.
والكلام اشارة إلى قوله تعالى في الآية التاسعة من سورة الحجرات: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله).
[265]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية
أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك (1) وكتاب ليس ببعيد الشبه منك، حملك على الوثوب على ما ليس لك فيه حق (كذا).
ولولا علمي بك وما سبق من رسول الله صلى الله عليه وآله فيك مما لا مرد له دون إنفاذه، إذا لوعظتك، و لكن عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب، و لم يخف العقاب، ولا يرجو لله وقارا، ولم يخف له حذارا (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موصلة: ملفقة من كلام مختلف أخذت كل قطعة منه من غيرك فألفتها تأليف الثوب المرقع. و (نمقتها): حسنت كتابتها. و (أمضيتها): صوبتها وأنفذتها. و (كتاب) عطف على (موعظة).
(2) ولا يرجو لله وقارا. أي لا تخاف لله عقابا ولا ترجو منه ثوابا. أو لا تخاف لله عظمة فتوحده وتطيعه. وعلى التقديرين فا (لرجاء) بمعنى الخوف هنا. أقول: هذان الوجهان مما ذكره المفسرون في تفسير الآية "13" من سورة نوح أعنى قوله تعالى: (ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا). و (الحذار) بفتح أوله: اسم فعل بمعنى (الحذر): الخوف. التحرز.
[266]
فشأنك وما أنت عليه من الضلالة، والحيرة و الجهالة، - تجد الله [عزوجل] في ذلك بالمرصاد - من دنياك المنقطعة، وتمنيك الاباطيل، وقد علمت ما قال النبي صلى الله عليه وآله فيك وفي أمك وأبيك، والسلام.
شرح المختار السابع من الباب الثاني من نهج البلاغة من شرح ابن ميثم (ره): ج 4 ص 356 ط طهران سنة 1386.
ونقله عنه في البحار: ج 8 ص 539، وقريب منه جدا في المختار (7) من كتب نهج البلاغة.
[267]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية
إن بيعتي شملت الخاص والعام، وإنما الشورى للمؤمنين من المهاجرين الاولين السابقين بالاحسان من البدرييين، وإنما أنت طليق بن طليق، لعين بن لعين وثن بن وثن، ليست لك هجرة ولا سابقة ولا منقبة و لا فضيلة، وكان أبوك من الاحزاب الذين حاربوا الله و رسوله، فنصر الله عبده وصدق وعده، وهزم الاحزاب وحده.
ثم وقع عليه السلام في آخر الكلام: ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا مناقب آل أبي طالب، للحافظ ابن شهر آشوب.
ونقله عنه في البحار: ج 8 ص 511 س 13، ط الكمباني.
[268]
ومن كتاب له عليه السلام أجاب به ما كتبه إليه معاوية بن أبي سفيان
قال نصر بن مزاحم (ره): لما انتهى إلى معاوية [قول أمير المؤمنين عليه السلام: (اني مناجز القوم إذا اصبحت وغاد عليهم بالغداة احاكمهم إلى الله عز وجل) وشعر معاوية بن الضحاك (1) و] شعر الاشتر (2) هاله ذلك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وأشعاره هكذا:
ألا ليت هذا الليل أطبق سرمدا * علينا وأنا لا نرى بعده غدا
ويا ليته ان جاءنا بصباحه * وجدنا إلى مجرى الكواكب مصعدا
حذار عليا انه غير مخلف * مدى الدهر، ما لبى الملبون موعدا
فأما قراري في البلاد فليس لي * مقام ولو جاوزت جابلق مصعدا
كأني به في الناس كاشف رأسه * على ظهر خوار الرحالة أجردا
يخوض غمار الموت في مرجحنة * ينادون في نقع العجاج محمدا
فوارس بدر والنضير وخيبر * وأحد يروون الصفيح المهندا
ويوم حنين جالدوا عن نبيهم * فريقا من الاحزاب حتى تبددا
هنالك لا تلوي عجوز على ابنها * وان أكثرت في القول: نفسي لك الفدا
فقل لابن حرب ما الذي انت صانع * أتثبت أم ندعوك في الحرب قعددا
وظني بأن لا يصبر القوم موقفا * يقفه وان لم يجر في الدهر للمدى
فلا رأى الا تركنا الشام جهرة * وان أبرق الفجفاج فيها وأرعدا (2)
وقال الاشتر (ره) حين قال امير المؤمنين (ع): (اني مناجز القوم إذا اصبحت) هكذا: قد دنا الفصل في الصباح وللسلم رجال وللحروب رجال إلى أن قال:
يابن هند شد الحيازيم للمو * ت ولا يذهبن بك الآمال
ان في الصبح ان بقيت لامرا * تتفادى من هو له الابطال
... الخ
[269]
وقال: قد رأيت ان أكتب إلى علي كتابا أسأله الشام - وهو الشئ الاول الذي ردني عنه - وألقي في نفسه الشك والريبة.
فضحك عمرو بن العاص، ثم قال: اين انت يا معاوية من خدعة علي ؟ ! فقال: ألسنا بني عبد مناف ؟ قال: بلى ولكن لهم النبوة دونك، وان شئت أن تكتب فاكتب.
فكتب معاوية مع عبد الله بن عقبة، وهو من السكاسك، ومن ناقلة أهل العراق (3) إلى علي (ع): أما بعد فاني أظنك ان لو علمت ان الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت، وعلمنا لم يجنها بعضنا على بعض، وإنا وان كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ونصلح به ما بقي، وقد كنت سألتك الشام على ألا يلزمني لك طاعة ولا بيعة، فأبيت ذلك علي، فأعطاني الله ما منعت وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس، فاني لا أرجو من البقاء الا ما ترجو، ولا اخاف من الموت الا ما تخاف، وقد والله رقت الاجناد، وذهبت الرجال، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل الا فضل لا يستذل به عزيز، ولا يسترق به حر، والسلام.
فلما انتهى كتابه إلى أمير المؤمنين (ع) وقرأه، قال: العجب لمعاوية وكتابه، ثم دعا (ع) كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، فقال: أكتب إلى معاوية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) الناقلة من الناس: الذين دأبهم وعادتهم الانتقال من مكان إلى آخر. ونواقل العرب: هم الذين ينتقلون من قبيلة إلى أخرى فينتسبون إليها. أقول: ما ذكرنا هنا خلاصة كلام النصر في كتاب صفين، وليس عين نصه.
[270]
[من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان] أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر [فيه] أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض (4) فإنا وإياك منها في غاية لم نبلغ ها (5) وإني لو قتلت في ذات الله وحييت، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله، و الجهاد لاعداء الله.
وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا مانندم به على ما مضى.
فإني ما نقصت عقلي، ولا ندمت على فعلي.
فأما طلبك الشام (6) فإني لم أكن لاعطيك اليوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) بين المعقوفين مأخوذ من كنز الفوائد، وفى المروج الذهب: (من علي بن ابي طالب، إلى معاوية بن أبي سفيان) الخ والضمير في قوله: (لم يجنها) راجع إلى الحرب.
(5) وفى الامامة والسياسة: (وانا واياك في غاية لم نبلغها بعد) وفى مروج الذهب وكنز الفوائد: (وانا واياك نلتمس (منها) غاية لم نبلغها بعد).
(6) وفى الامامة والسياسة، وكنز الفوائد: (وأما طلبك الي الشام) ومثله في نهج البلاغة، الا ان فيه: فأما. وفى مروج الذهب: (فأما طلبك مني).
[271]
ما منعتك أمس (7).
وأما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست أمضى على الشك مني على اليقين (8) وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة (9).
وأما قولك: (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل) فلعمري إنا بنو أب واحد، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) وفى نهج البلاغة بعد ذلك هكذا: (وأما قولك: ان الحرب قد أكلت العرب، الا حشاشات أنفس بقيت، ألا ومن أكله الحق فالي الجنة، ومن أكله الباطل فالى النار، وأما استواؤنا في الحرب والرجال، فلست بأمضى على أنشك مني على اليقين) الخ.
(8) ومثله في الامامة والسياسة، وفى مروج الذهب وكنز الفوائد (فلست بأمضى على الشك مني على اليقين) الخ.
(9) ومثله في نهج البلاغة، وفى مروج الذهب: (وليس أهن الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الاخرة) وفى كنز الفوائد: (ولا أهل الشام على الدنيا بأحرص) الخ.
(10) وقريب منه لفظا في الامامة والسياسة، ومروج الذهب، وكنز الفوائد، وفى نهج البلاغة: (وأما قولك: انا بنو عبد مناف.
فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلفا يتبع سلفا هوى في نار جهنم) الخ.
[272]
وفى أيدينا [بعد] فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز، وأعززنا بها الذليل (11) والسلام.
اول الجزء الثاني عشر من أجزاء نسخة عبد الوهاب، من كتاب صفين، ص 471 ط مصر، ومثله الا في الفاظ يسيرة، في رئاسة معاوية وسيره من مروج الذهب: ج 3 ص 13، ط بيروت، وفي ط مصر، ج 2 ص 61، وفي ط ص 22، وكذلك في الامامة والسياسة ص 118، وكنز الفوائد، في الفصل الثالث من الرسالة الثالثة، ص 201 ج 2.
ورواه أيضا في المختار (17) من كتب نهج البلاغة بنقص جمل، واضافات جيدة بديعة، ورواه ابن أبي الحديد في شرحه: ج 15، ص 122، عن كتاب صفين، ورواه تحت الرقم: (446) من جمهرة رسائل العرب ص 479، عن شرح ابن أبي الحديد: ج 3 / 424، والامامة والسياسة: ج 1 / 88، ومروج الذهب: ج 2 ص 61.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) وفى الامامة والسياسة، ومروج الذهب وكنز الفوائد: (وفى أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز، وبعنا بها الحر، والسلام).
وفى نهج البلاغة: (وفى أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز، ونعشنا بها الذليل، ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت له هذه الامة طوعا وكرها كنتم ممن دخل في الدين اما رغبة واما رهبة على حين فاز اهل السبق بسبقهم وذهب المهاجرون الاولون بفضلهم، فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا، ولا على نفسك سبيلا).
[273]
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية، لما أكرهه قواد جيشه وجل من في جنده على الصلح
وبعث الحكمين، وكتب معاوية - أو ارسل - إليه: (ان الامر قد طال بيننا وبينك، وكل واحد منا يرى أنه على الحق فيما يطلب من صاحبه، ولن يعطي واحد منا الطاعة للآخر، وقد قتل فيما بيننا بشر كثير، وأنا أتخوف ان يكون ما بقي أشد مما مضى، وانا [سوف] نسأل عن ذلك الموطن، ولا يحاسب به غيري وغيرك، فهل لك في أمر لنا ولك فيه حياة وعذر براءة وصلاح للامة، وحقن للدماء، وألفة للدين وذهاب للضغائن والفتن: أن يحكم بيننا وبينك حكمان رضيان، أحدهما من اصحابي، والآخر من أصحابك، فيحكمان بما في كتاب الله بيننا فانه خير لي ولك، وأقطع لهذه الفتن، فاتق الله فيما دعيت له، وارض بحكم القرآن ان كنت من أهله، والسلام).
فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام وكتب إليه بما لفظه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.
أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء نفسه إتباع ما يحسن به فعله ويستوجب فضله ويسلم من عيبه، وإن
[274]
البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه، ويبديان من خلله عند من يغنيه ما استرعاه الله ما لا يغني عنه تدبيره (1) فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شئ وصلت إليه منها، ولقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته، وقد رام قوم أمرا بغير الحق، فتأولوا على الله تعالى فأكذبهم ومتعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ، فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله، ويندم فيه من أمكن الشيطان من قياده ولم يحاده (2) وغرته الدنيا، واطمأن إليها.
ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن (3) - ولقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في ط مصر، من كتاب صفين، وفى شرح ابن أبي الحديد: (وان البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه، فأحذر الدنيا فانه) الخ وفى نهج البلاغة: (وان البغي والزور يذيعان.
(يوتغان) بالمرء في دينه ودنياه، ويبديان خلله عند من يعيبه، وقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته، وقد رام أقوام) الخ.
(2) وفى نهج البلاغة: ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجادبه) وهو أظهر، ولم يحاده أي لم يغضبه ولم يعاديه، وهي من باب (مفاعلة).
(3) وفى نهج البلاغة: (وقد دعوتنا إلى حكم القرآن، ولست من أهله، ولسنا اياك أجبنا، ولكنا أجبنا القرآن في حكمه والسلام.
[275]
علمت أنك لست من أهل القرآن، ولست حكمه تريد، والله المستعان - وقد أجبنا القرآن إلى حكمه، ولسنا إياك أجبنا، ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا.
قبيل قصة الحكمين من كتاب صفين ص 493 ط 2 بمصر.
ورواه عنه ابن أبي الحديد، في شرح المختار (35) من خطب النهج: ج 2 ص 225 ورواه أيضا عن، ابراهيم بن الحسين بن علي بن مهران بن ديزيل الكسائي الهمذاني المتوفى سنة 281 / في كتاب صفين.