[38]
ومن دعاء له عليه السلام دعاؤه عليه السلام إذا سبح الله ومجده
وكان من دعائه عليه السلام في تسبيح الله وتمجيده: سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة عن درك السبيل إليه، وتبارك من إذا غرقت الفطن في تكييفه لم يكن لها طريق إليه غير الدلالة عليه.
كنز الفوائد ص 239، ط 1.
[39]
ومن دعاء له عليه السلام في الفخر بعبوديته لله عزوجل
العلامة الكراجكي رحمه الله قال: أخبرني شيخي أبو عبد الله الحسين بن عبيدالله بن علي الواسطي رضي الله عنه، عن التلعكبري، عن محمد بن همام بن سهيل، عن جعفر بن محمد ابن مالك، عن محمد بن الحسن الزيات، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: كان من دعاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا (1).
إلهي أنت لي كما أحب، وفقني كما [لما خ ل] تحب.
الحديث الأخير من الجز الأول من كنز الفوائد ص 181، ط 1 ورواه عنه في البحار: 2، من 19، 88، س 12، عكسا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي رواية ابن أبي الحديد: (إلهي كفاني فخرا أن تكون لي ربا، وكفاني عزا أن أكون لك عبدا، أنت كما أريد، فاجعلني كما تريد).
[40]
وللدعاء سند آخر يأتي في المختار 136، من باب المسانيد من القصار، ورواه أيضا ابن أبي الحديد في المختار الثاني مما استدركه على قصار نهج البلاغة.
ومن دعاء له عليه السلام وكان يقرؤه في القنوت
اللهم إليك شخصت الأبصار، ونقلت الأقدام ورفعت الأيدي، ومدت الأعناق، وأنت دعيت بالألسن، وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
اللهم انا نشكو إليك غيبة نبينا، وقلة عددنا وكثرة عدونا، وتظاهر الأعداء علينا، ووقوع الفتن بنا، ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره، وإمام حق تعرفه، آمين رب العالمين.
[41]
قال العلامة المجلسي (ره): قال ابن أبي عقيل (ره): وبلغني أن (إلامام) الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج.
الحديث 32، من الباب 52، من صلاة البحار: 18 / 379 س 14 ط الكمباني، وللدعاء طرق كثيرة تقف عليها فيما سيأتي ان شأ الله تعالى.
ومن دعاء له عليه السلام كان يدعو به بعد الثمان ركعات من صلاة الليل
اللهم إني أسألك بحرمة من عاذ بك منك، ولجاء إلى عزتك، واستظل بفيئك، واعتصم بحبلك ولم يثق إلا بك.
يا جزيل العطايا، يا مطلق الأسارى، يامن سمى نفسه من جوده وهابا، أدعوك رهبا ورغبا، وخوفا وطمعا، وإلحاحا وإحافا، وتضرعا وتملقا وقائما وقاعدا، وراكعا وساجدا، وراكبا وماشيا، وذاهبا وجائيا، وفي كل حالاتي، وأسألك أن تصلي
[42]
على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا (1).
البلد الأمين.
كما في الحديث 90 من باب كيفية صلاة الليل من البحار: 18 / 584 ط الكمباني.
وأيضا روى رحمه الله في البحار هذا الدعاء - مع زيادة بقدره - عن إلامام الرضا عليه السلام.
ومن دعاء له عليه السلام وكان عليه السلام كثيرا ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل
أشهد أن السماوات والأرض وما بينهما آيات تدل عليك، وشواهد تشهد بما إليه دعوت، كل ما يؤدي عنك الحجة (2) ويشهد لك بالربوبية موسوم بآثار نعمتك ومعالم تدبيرك، علوت بها عن خلقك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا وكذا: اشارة وكناية عن الحاجة المطلوبة للداعي.
(2) وفي بعض النسخ: (كل من يؤدي عنك الحجة) الخ. وفي رواية الزرندي: (كل يؤدي عنك حجة) الخ.
[43]
ما آنسها من وحشة الفكر، وكفاها رجم الإحتجاج (3) فهي مع معرفتها بك وولهها إليك، شاهدة بأنك لا تأخذك الأوهام، ولا تدركك العقول ولا الأبصار.
[و] أعوذ بك أن أشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك، لا إله إلا أنت واحدا أحدا فردا صمدا، ونحن لك مسلمون.
المختار الأول مما استدركه ابن أبي الحديد على قصار نهج البلاغة، وقريب منه ما رواه الزرندي كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي الاحتجاجات الظنيه، والرجم: هو أن يتكلم الرجل بالظن.
[44]
ومن دعاء له عليه السلام
مناجاته " ع " برواية الكفعمي (ره) إلهي صل على محمد وآل محمد، وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري، وامتحى (1) من المخلوقين ذكري، وصرت في المنسيين كمن قد نسي.
إلهي كبرت سني، ورق جلدي، ودق عظمي، ونال الدهر مني (2)، واقترب أجلي، ونفدت أيامي، وذهبت شهواتي، وبقيت تبعاتي.
إلهي إرحمني إذا تغيرت صورتي، وامتحت محاسني (3)، وبلي جسمي، وتقطعت أوصالي، وتفرقت أعضائي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يقال: متح - (من باب منع) متحا الماء: نزحه. والشئ: قلعه وقطعه.
(2) أي هضمني وأخذ مني مقصوده.
(3) أي أزيلت وسلبت مني محاسني.
[45]
إلهي أفحمتني ذنوبي، وقطعت (4) مقالتي، فلا حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي المعترف بإسأتي، الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهور في بحور خطيئتي (5) المتحير عن قصدي، المنقطع بي، فصل على محمد وآل محمد، وارحمني برحمتك وتجاوز عني يا كريم بفضلك.
إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي، فقد كبر في جنب رجائك أملي (6).
إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما، وكان ظني بك وبجودك أن تقلبني بالنجاة مرحوما (7).
إلهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط الآيسين ولا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين (8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) وقال في حاشية البحار: وفي بعض النسخ: " وانقطعت ".
(5) أي الساقط في بحور الخطايا، والواقع في أبحر الجنايات بقلة مبالاتي وكثرة جساراتي.
(6) وهنا في نسخة البحار سقط.
(7) يقال: قلب الشئ وقلبه وأقلبه - من باب ضرب وفعل وأفعل -: حوله عن وجهه أو حالته.
(8) كذا في النسخة، والصواب: (فلا تبطل صدق رجائي) الخ، كما تقدم ويأتي.
[46]
إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر ذنبي إذ كنت المطالب به، إلا أني إذا ذكرت كبير جرمي، وعظيم غفرانك وجدت الحاصل لي من بينهما عفو رضوانك.
إلهي إن دعاني إلى النار بذنبي مخشي عقابك فقد ناداني إلى الجنة بالرجاء حسن ثوابك.
إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.
إ لهي إن أنامتني الغفلة عن الإستعداد للقائك، فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكريم آلائك.
إ لهي إن عزب لبي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني (9).
إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيامي، فبالإيمان أمضتها [أمضيت خ ل] الماضيات من أعوامي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) كذا في النسخة المطبوعة من البلد الأمين، وفي البحار: (فما أعزب ايقاني بنظرك لي فيما ينفعني) يقال: فلان أعزب: بعد، فهو بمعنى عزب المجرد، ويحتمل كون ما في البحار من غلط النساخ، ويؤيده عدم موافقته لمصدر البحار - وهو البلد الأمين - ولسائر طرق الدعاء، إذ في الجميع: (وعزب ايقاني).
[47]
إلهي جئتك ملهوفا، قد ألبست عدم فاقتي، وأقامني مقام الأذلاء بين يديك ضر حاجتي (10).
إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك، وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك.
إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي لا يغنيها إلا جزاؤك.
إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا وعن التعرض لسواك بالمسألة عادلا، وليس من جميل امتنانك رد سائل ملهوف، ومضطر لانتظار خيرك المألوف.
إلهي أقمت على قنطرة من قناطر الأخطار، مبلوا بالأعمال والإعتبار، فأنا الهالك ان لم تعن علينا بتخفيف الأثقال (11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) هذا هو الظاهر الموافق لجميع طرق الدعاء ومنها البلد الأمين الذي أخذ عنه في البحار.
وفي النسخة المطبوعة من البحار: (وأقامتني مقام الأذلاء) وتأنيث الفعل - بناء على نسخة البحار - لإسناده إلى المضاف إلى المؤنث، وهو شائع. قال ابن مالك في ألفيته: وربما أكسب ثان أولا تأنيثا إن كان لحذف مؤهلا .
(11) كذا في النسخة، وفي طرق أخر غير هذا: (فأنا الهالك إن لم تعن عليها) الخ. وفي بعض الطرق: (إن لم تعن عليها بتخفيف الآصار) =
[48]
إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.
إلهي إن حرمتني رؤية محمد صلى الله عليه وآله في دار السلام، وأعدمتني تطواف الوصفاء من الخدام (12)، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام، فغير ذلك منتني نفسي منك، يا ذا الفضل والإنعام.
إلهي وعزتك وجلالك لو قرنتني في الأصفاد طول الأيام، ومنعتني سيبك من بين الأنام، وحلت بيني وبين الكرام، ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت وجه انتظاري للعفو عنك (13).
إلهي لو لم تهدني إلى الاسلام ما اهتديت، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرفني حلاوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وفى المختار (20): (إن ام تعن عليها بتخفيف الاوزار) .
(12) يقال: طوفه تطويفا وتطوافا: طاف به، وطاف يطوف طوفا وطوافا وطوفانا - كرمضان - بالمكان وحوله: دار حوله.
والوصفاء جمع الوصيف - كالسفراء والسفير - وهو الغلام دون المراهق، والمؤنث وصيفة، والجمع وصائف.
(13) قوله: (عنك) متعلق بكلمة: (صرفت) أو بلفظة: (إنتظاري).
[49]
معرفتك ما عرفت، ولو لم تبين لي شديد عقابك ما استجرت.
إلهي أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما.
إلهي أحب طاعتك وإن قصرت عنها، وأكره معصيتك وإن ركبتها فتفضل علي بالجنة وإن لم أكن من أهلها، وخلصني من النار وإن استوجبتها.
إلهي إن أقعدني التخلف [إن قعدني التخلف خ ل] عن السبق مع الأبرار، فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.
إلهي قلب حشوته من محبتك في دار الدنيا، كيف تطلع عليه نار محرقة في لظى.
إلهي نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلها بين أطباق نيرانك.
إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق [أبين خ ل] أثوابها (14)، كيف تهوي إليه من النار مشتعلات إلتهابها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) وفي رواية القضاعي: (إلهي لسانا كسوته من وحدانيتك أنقى اثوابها). أقول: التماجيد جمع تمجيد - كتماثيل وتفاصيل جمعا تمثيل وتفصيل.
[50]
إلهي كل مكروب إليك يلتجي، وكل محزن إياك يرتجي.
إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، وسمع الزاهدون بسعة رحمتك فقنعوا، وسمع المولون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا، وسمع المؤمنون بكرم عفوك وفضل عوارفك فرغبوا (15) حتى ازدحمت مولاي ببابك عصائب العصاة من عبادك وعجت إليك منهم عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكل أمل قد ساق صاحبه إليك محتاجا وقلب تركه وجيب خوف المنع منك مهتاجا (16)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمعنى العز والرفعة والأنيق - على وزن الغريق -: الشئ الحسن المعجب، إى إن لسانا قد تلبس بالألفاظا الرشيقه الدالة على عز جلالك ورفعة كمالك، كيف تميل إليه وتستولي عليه المشتعلات من لهب النار.
(15) العوارف - جمع العارفة - وهي المعروف، أي الجود والعطية وما يبذل ويعطى لمنتظر النوال ومتوقعه.
(16) الوجيب: الخفقان والاضطراب. يقال: وجب يجب - من باب وعد يعد - وجبا ووجيبا ووجبانا القلب: خفق. ويقال: هاج يهيج هيجا وهيجانا وهياجا - بالكسر -: ثار. والابل: عطشت. والنبت: يبس. واهتاج وتهيج: اثار.
[51]
وأنت المسئول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب ولم تزرأ بنزيله فظيعات المعاطب (17).
إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها، فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.
إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمردة على ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك على ما ينجيها.
إلهي إن عداني الإجتهاد في ابتغاء منفعتي، فلم يعدني برك بي فيما فيه مصلحتي.
إلهي إن قسطت (18) في الحكم على نفسي بما فيه حسرتها، فقد أقسطت الآن بتعريفي إياها من رحمتك إفاق رأفتك (19).
لهي إن أجحف بي قلة الزاد في المسير إليك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) كذا في النسخة، وفي البلد الأمين المختار (20): (ولم تزر بنزيله قطيعات المعاطب). وفي المختار الخامس: (ولم ترد بنزيله قطيعات [فظيعات خ ل] المعاطب). وفي رواية القضاعي: (ولا يرد نائله قاطعات المعاطب).
(18) وفي نسخة البحار: (إن بسطت).
(19) هذا هو الصواب. وفي النسخة المطبوعة من البلد الأمين: (إشفاق رأفتها).
[52]
فقد وصلته الآن بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك.
إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه وسائلي، وإذا ذكرت سخطك بكت لها عيون مسائلي.
إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد آيس [بائس خ ل] قد أتلفه الظماء، وأحاط بخيط جيده كلال الونى (20).
إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه، وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.
إلهي كيف أرد عارض تطلعي إلى نوالك، وإنما أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك.
إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي، وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.
إلهي قد علمت حاجة نفسي إلى ما تكفلت لها به من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي عنه من الجنة بعد وفاتي، فيامن سمح لي به متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه في الآجل، فمن شواهد نعماء الكريم استتمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الوني - كفتى ويمد أيضا -: التعب والفترة.
[53]
نعمائه، ومن محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.
إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي، ولولا ما ذكرت من الإفراط [التفريط خ ل] ما سفحت عبراتي.
إلهي صل على محمد وآل محمد، وامح مثبتات العثرات بمرسلات العبرات، وهب لي كثير السيئات لقليل الحسنات.
إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك فإلى من يفزع المقصرون، وإن كنت لا تقبل إلا من المجتهدين، فإلى من يلتجئ المفرطون، وإن كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان، فكيف يصنع المسيئون، وان كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون فبمن يستغيث المذنبون [المجرمون خ ل].
إلهي إن كان لا يجوز على الصراط إلا من أجازته برأة عمله، فأنى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل انقضاء أجله.
إلهي إن لم تجد إلا على من قد عمر بالزهد مكنون سريرته، فمن للمضطر الذي لم يرضه بين العالمين سعي نقيبته.
[54]
إلهي إن حجبت عن موحديك نظر تغمدك (21) لجناياتهم، أوقعهم غضبك بين المشركين في كرباتهم.
إلهي إن لم تنلنا يد احسانك يوم الورود، اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.
اللهم فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك، واستصف ما كدرته الجرائر منا بصفو صلاتك.
إلهي ارحمنا غرباء إذا تضمنتنا بطون لحودنا وغميت باللبن سقوف بيوتنا، وأضجعنا مساكين على الإيمان في قبورنا، وخلفنا فرادى في أضيق المضاجع، وصرعتنا المنايا في أعجب المصارع، وصرنا في دار قوم كأنها مأهولة وهي منهم بلاقع (22).
إلهي ارحمنا إذا جئناك عراة حفاة، مغبرة من ثرى الأجداث رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا، وخاشعة من أفزاع القيامة أبصارنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) كذا في البحار والبلد الأمين المطبوع، وفي المختار (20): (نظر تعمدك) الخ، وفي المختار (33) (نظر تعمد) الخ.
(22) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق: (وصرنا في ديار قوم) وهو أظهر.
[55]
وذابلة من شدة العطش شفاهنا، وجائعة لطول المقام بطوننا، وبادية هنالك للعيون سوأتنا وموقرة من ثقل الأوزار ظهورنا، ومشغولين بما قد دهانا (23) عن أهالينا وأولادنا، فلا تضعف المصائب علينا بإعراض وجهك عنا (24) وسلب عائدة ما مثله الرجاء منا.
إلهي ما حنت هذه العيون إلى بكائها، ولا جادت متشربة بمائها، ولا أسهدها بنحيب الثاكلات فقد عزائها (25)، إلا لما أسلفته من عمدها وخطائها وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر يا عزيز على كشف غمائها.
إلهي إن كنا مجرمين فانا نبكي على إضاعتنا من حرمتك ما تستوجبه، وإن كنا محرومين فإنا نبكي إذ فاتنا من جودك ما نطلبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) يقال: دهاه دهيا: أي أصابه أمر عظيم.
(24) وفي البحار: (باعراض وجهك الكريم).
(25) كذا في البحار، وفي البلد الأمين: (ولا جادت متسربة بمائها) وفي المختار العشرين: (ولا جادت منشربة بمائها، ولا أسهرها) الخ، وفي رواية القضاعي: (ولا جادت متسربة بمائها، ولا شهرت بنحيب المثكلات فقد عزائها) الخ.
[56]
إلهي شب (26) حلاوة ما يستعذبه لساني من النطق في بلاغته، بزهادة ما يعرفه قلبي من النصح.
في دلالته.
إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به من المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير المسؤولين.
إلهي كيف ينقل بنا اليأس إلى الإمساك عما لهجنا بطلابه (27) وقد ادرعنا من تأميلنا إياك أسبغ ثوابه.
إلهي إذا هزت الرهبة أقنان مخافتنا، انقلعت من الأصول أشجارها، وإذا تنسمت أرواح الرغبة منا أغصان رجائنا أينعت بتلقيح البشارة أثمارها.
إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أسفنا (28) وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا فنحن بين أمرين فلا سخطتك تؤيسنا، ولا رحمتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) ومثله في المختار العشرين، وفي رواية القضاعي: (إلهي ثبت) الخ.
(27) يقال: طالبه مطالبة وطلابا - على زنة ضراب -: طلبه بحق. وإلاسم الطلب - محركة - والطلبة - بالكسر -.
(28) ومثله في المختار (20)، وفي رواية القضاعي: (إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أشفقنا) الخ.
[57]
تؤمننا (29).
إلهي إن قصر ت مساعينا عن استحقاق نظرتك، فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.
إلهي إنك لم تزل علينا بحظوظ صنائعك منعما، ولنا من بين الأقاليم مكرما، وتلك عادتك اللطيفة في أهل الخيفة، في سالفات الدهور وغابراتها، وخاليات الليالي وباقياتها.
إلهي اجعل ما حبوتنا به من نور هدايتك درجات نرقى بها إلى ما عرفتنا من جنتك (30).
إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا، وكيف تلتئم (31) في غمراتها أمورنا، وكيف يخلص لنا فيها سرورنا، وكيف يملكنا باللهو واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب الآجال قبورنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) هذا هو الظاهر، وفي البلد الأمين والبحار: (فلا سخطتك تؤمننا ولا رحمتك تؤيسنا). وفي المختار العشرين: (فلا سخطك تؤمننا، ولا رحمتك تؤيسنا). وفي رواية القضاعي: (لا يؤمننا سخطك، ولا تؤيسنا رحمتك) الخ.
(30) وفي الصحيفة العلوية: (ما عرفتنا من رحمتك) الخ.
(31) وفي بعض الطرق: (وكيف تلتام) الخ، وفي رواية القضاعي: (وكيف تلتئم في عمرانها أمورنا) الخ.
[58]
إلهي كيف نبتهج في دار حفرت لنا فيها حفائر صرعتها، وفتلت بأيدي المنايا (32) حبائل غدرتها، وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها، ودلتنا النفس (33) على انقطاع عيشتها، لولا ما صغت إليه [أصغت إليه خ ل] (34) هذه النفوس من رفائغ لذتها، وافتتانها بالفانيا من فواحش زينتها.
إلهي فاليك نلتجئ من مكائد خدعتها، وبك نستعين على عبور قنطرتها، وبك نستفطم الجوارح عن أخلاف شهوتها، وبك نستكشف جلابيب حيرتها، وبك نقوم من القلوب استصعاب جهالتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) كذا في النسخة، وفي رواية القضاعي: (إلهي كيف نبتهج بدار حفرت لنا فيها حفائر صرعتها، وقلبتنا بأيدي المنايا) الخ. وفي البحار: (إلهي كيف ينتهج) وكأنه من الأغلاط المطبعية.
(33) وفي رواية القضاعي: (ودلتنا العبر على انقطاع) الخ.
(34) وفي البحار: (لولا ما صنعت [أضيفت خ ل] إليه) الخ، ورفائغ اللذات: الواسعة الطيبة منها. ويحتمل قريبا أن يراد (هنا) من رفائغ اللذات أرذلها وأخسها لإطلاق الرفغ على ألام موضع في الوادي، وكل مجتمع وسخ في الجسم، وعلى رذال الناس وأوباشهم.
[59]
إلهي كيف للدور أن تمنع (35) من فيها من طوارق الرزايا، وقد أصيب في كل دار سهم من أسهم المنايا.
إلهي ما تتفجع أنفسنا من النقلة عن الديار، إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الابرار (36).
إلهي ما تضيرنا (37) فرقة الإخوان والقرابات، ان قربتنا منك يا ذا العطيات.
إلهي ما تجف من ماء الرجاء مجاري لهواتنا، إن لم تحم طير الأشائم بحياض رغباتنا.
إلهي أن عذبتني فعبد خلقته لما أردته فعذبته، وإن رحمتني فعبد وجدته مسيئا فأنجيته.
إلهي لا سبيل إلى الإحتراس من الذئب إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(35) كذا في البحار ورواية القضاعي، وفي المختار العشرين والبلد الأمين: (كيف للدور بأن تمنع) الخ.
(36) ومثله في المختار العشرين، وفي رواية القضاعي: (إلهي ما نفجع بأنفسنا) الخ.
(37) وفي المختار العشرين ورواية القضاعي: (إلهي ما تضرنا) الخ، وهما بمعنى واحد، يقال: ضاره يضيره ضيرا: أضر به.
وقوله: (قربتنا) يصح أن يكون خطابا لله تعالى، ويصح كونه مغايبا وفاعله الضمير العائد إلى (فرقة) فالتاء للتأنيث، هو أظهر.
[60]
بعصمتك، ولا وصول إلى عمل الخيرات إلا بمشيتك فكيف لي بإفادة ما أسلفتني فيه مشيتك، وكيف لي بالإحتراس من الذنب ان لم [ما لم خ ل] تدركني فيه عصمتك.
إلهي أنت دللتني على سؤال الجنة قبل معرفتها فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها، أفتدل على خيرك السؤال ثم تمنعهم النوال، وأنت الكريم المحمود في كل ما تصنعه، يا ذا الجلال والإكرام.
إلهي إن كنت غير مستوجب لما أرجو من رحمتك فأنت أهل التفضل علي بكرمك، فالكريم ليس يصنع كل معروف عند من يستوجبه (38).
إلهي إان كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بسعة رحمتك.
إلهي إن كان ذنبي قد أخافني، فان حسن ظني بك قد أجارني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) وفي رواية القضاعي: (إلهي إن كنت لم أستحق معروفك ولم استوجبه فكن أهل التفضل به علي فالكريم لم يضع معروفه عند كل من يستوجبه) أي إن الكريم لا يقصر صنعه المعروف على المستحقين فقط، ولم يخص وضع معروفه وانعامه على من كان مستوجبا له، بل يبتدئ بالكرم ويجود بالنعم على الجميع المستوجبين وغيرهم.
[61]
إلهي ليس تشبه مسألتي مسألة السائلين، لأن السائل إذا منع امتنع عن السؤال، وأنا لا غناء [لا غنى خ ل] بي عما سألتك على كل حال.
إلهي ارض عني فإن لم ترض عني فاعف عني فقد يعفو السيد عن عبده وهو عنه غير راض.
إلهي كيف أدعوك وأنا أنا، أم كيف أيأس منك وأنت أنت.
إلهي إن نفسي (39) قائمة بين يديك، وقد أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بها ما يشبهك وتغمدتني بعفوك.
إلهي إن كان قد دنى أجلي، ولم يقربني منك عملي فقد جعلت الاعتراف بالذنب إليك وسائل عللي، فإن عفوت فمن أولى منك بذلك، وإن عذبت فمن أعدل منك في الحكم هنالك.
إلهي إني جرت على نفسي في النظر لها وبقي نظرك لها فالويل لها إن لم تسلم به (40).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(39) وفي بعض الطرق: (إلهي كأني بنفسي قائمة بين يديك) وكأنه أظهر.
(40) ومثله في المختار العشرين، وفي البحار: (إلهي إني إن جرت)، وفي مناجاته عليه السلام في شهر شعبان: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها، فلها الويل ان لم تغفر لها).
[62]
إلهي إنك لم تزل بي بارا أيام حياتي، فلا تقطع برك عني بعد وفاتي.
الهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد مماتي، وأنت لم تولني إلا الجميل في أيام حياتي.
إلهي إن ذنوبي قد أخافتني [أخافني خ ل] ومحبتي لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله، وعد بفضلك على من غمره جهله، يامن لا تخفى عليه خافية، صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ما قد خفي على الناس من أمري.
إلهي سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها، وأنا إلى سترها يوم القيامة أحوج، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها للعصابة من المسلمين، فلا تفضحني بها يوم القيامة على رؤوس العالمين.
إلهي جودك بسط أملي وشكرك قبل عملي فسرني بلقائك عند اقتراب أجلي.
إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره، فاقبل عذري ياخير من اعتذر إليه المسيئون (41).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41) وفي مناجاته عليه السلام في شهر شعبان: (الهي اعتذاري اليك اعتذار من لم يستغن عن قبول عذره، فاقبل عذري يا اكرم من اعتذر إليه المسيئون).
[63]
إلهي لا تردني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك وهي المغفرة.
إلهي إنك لو أردت إهانتي لم تهدني، ولو أردت فضيحتي لم تسترني، فمتعني بما له قد هديتني وأدم لي ما به سترتني.
إلهي ما وصفت من بلاء ابتليتنيه، أو إحسان أوليتنيه فكل ذلك بمنك فعلته، وعفوك تمام ذلك أن أتممته (42).
إلهي لولا ما قرفت من الذنوب ما فرقت عقابك (43) ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك، وأنت أولى الأكرمين بتحقيق أمل الآملين وأرحم من أسترحم في تجاوزه عن المذنبين.
إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي فأكرم بها أمنية بشرت بعفوك، فصدق بكرمك مبشرات تمنتها (44) وهب لي بجودك مبشرات تمنيها، وهب لي بجودك مدبرات تجنيها (45).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(42) كذا.
(43) هذا هو الصواب، وفي البلد الأمين، (لولا ما فرقت) الخ.
(44) كذا في البحار، وفي البلد الامين: (مبشرات تمنيها) الخ.
(45) كذا في البحار، وفي البلد الأمين: (مدمرات تجنيها) الخ ...
[64]
إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك، وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك، وقد رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين (46) مسيئ ومحسن.
إلهي إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك، وانطلق لساني بتمجيدك، ودلني القرآن على فواضل جودك فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك.
إلهي تتابع إحسانك إلي يدلني على حسن نظرك لي، فكيف يشقى امرء حسن له منك النظر.
إلهي إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطتك، فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.
إلهي إن عرضني ذنبي لعقابك، فقد أدناني رجائي من ثوابك (47).
إلهي إن عفوت فبفضلك، وإن عذبت فبعدلك فيامن لا يرجى إلا فضله، ولا يخاف إلا عدله صل على محمد وآل محمد، وامنن علينا بفضلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) أي بين القاء الحسنات بين الجود والكرم، وإلقاء السيئات بين العفو والمغفرة.
(47) ومثله في المختار (33) وقريب منه في المختار (20).
[65]
ولا تستقص علينا في عدلك (48).
إلهي خلقت لي جسما وجعلت لي فيه آلات أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك بها وأرضيك، وجعلت لي من نفسي داعية إلى الشهوات، وأسكنتني دارا قد ملئت من الآفات، ثم قلت لي انزجر، فبك أنزجر، وبك أعتصم، وبك أستجير، وبك أحترز، وأستوفقك لما يرضيك (49) وأسألك يا مولاي فان سؤالي لا يحفيك (50).
إلهي أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاء مولاه، وأتضرع إليك تضرع من قد أقر على نفسه بالحجة في دعواه.
إلهي لو عرفت اعتذارا من الذنب في التنصل أبلغ من الإعتراف به لأتيته، فهب لي ذنبي بالإعتراف، ولا تردني بالخيبة عند الإنصراف.
إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) لعل المراد من الاستقصاء في العدل المداقة في جميع الأعمال، وعدم المسامحة والمعاملة فيها على وفق العفو والرحمة.
(49) أي اطلب منك التوفيق إلى ما هو مرضي لك.
(50) من قولهم: احفاه إحفاء: برح به في الإلحاح، أي أتبعه وآذاه اذى شديدا.
[66]
وفتحت أفواه آمالها نحو نظرة منك لا تستوجبها، فهب لها ما سألت، وجد عليها بما طلبت، فإنك أكرم الإكرمين بتحقيق أمل الآملين.
إلهي قد أصبت من الذنوب ما قد عرفت، وأسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني عبدا إما طائعا فأكرمته، وإما عاصيا فرحمته.
إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حفرتها، وانصرف عنها المشيعون من جيرتها (51)، وبكى الغريب عليها لغربتها، وجاد بالدموع عليها المشفقون من عشيرتها، وناديها من شفير القبر ذوو مودتها، ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها، ولم يخف على الناظرين إليها عند ذلك ضر فاقتها، ولا على من رآها قد توسدت الثرى عجز حيلتها، فقلت ملائكتي فريد نآى عنه الأقربون، ووحيد جفاه الأهلون، نزل بي قريبا وأصبح في اللحد غريبا، وقد كان لي في دار الدنيا داعيا ولنظري إليه في هذا اليوم راجيا، فتحسن عند ذلك ضيافتي، وتكون أرحم بي من أهلي وقرابتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) كذا في البحار، وفي البلد الأمين المطبوع: (وانصرف عنها المتبعون من جيرتها).
[67]
إلهي لو طبقت ذنوبي ما بين السماء إلى الأرض وخرقت النجوم، وبلغت أسفل الثرى ما ردني اليأس عن توقع غفرانك، ولا صرفني القنوط عن انتظار رضوانك.
إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه، فلا تحرمني جزاءك الذي وعدتنيه، فمن النعمة أن هديتني لحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب لي محمود جزائك.
إلهي وعزتك وجلالك لقد أحببتك محبة استقرت حلاوتها في قلبي، وما تنعقد ضمائر موحديك على أنك تبغض محبيك.
إلهي أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون، ولست أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.
إلهي لا تغضب علي فلست أقوى لغضبك، ولا تسخط علي فلست أقوم لسخطك.
إلهي أللنار ربتني أمي فليتها لم تربني، أم للشقأ ولدتني فليتها لم تلدني.
إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي، وما لها لا تنهمل ولا أدري إلى ما يكون مصيري وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري، وأرى نفسي
[68]
تخاتلني وأيامي تخادعني، وقد خفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ورمقتني من قريب أعين الفوت، فما عذري وقد حشا مسامعي رافع الصوت.
إلهي لقد رجوت من ألبسني بين الاحياء ثوب عافيته أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه أن يشفعه لي عند وفاتي بغفرانه، يا أنيس كل غريب، آنس في القبر غربتي، ويا ثاني كل وحيد، ارحم في القبر وحدتي، ويا عالم السر والنجوى، ويا كاشف الضر والبلوى، كيف نظرك لي بين سكان الثرى، وكيف صنيعك الي في دار الوحشة والبلى، فقد كنت بي لطيفا أيام حياة الدنيا، يا أفضل المنعمين في آلائه، وأنعم المفضلين في نعمائه.
[إلهي خ ل] كثرت أياديك عندي فعجزت عن إحصائها، وضقت [بالأمر خ ل] ذرعا في شكري لك بجزائها، فلك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أبليت، ياخير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج بذمة الإسلام أتوسل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبحق محمد وآل محمد
[69]
أتقرب اليك، فصل على محمد وآل محمد واعرف ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي برحمتك يا أرحم الراحمين.
البلد الأمين 311، والبحار: 2، من 19، 90.
والدعاء (22) من الصحيفة الاولى 67.
وقريب من في الدعاء (6) من الصحيفة الثانية 35.
وهذا الدعاء يشترك في كثير من فقراته مع الدعاء (63) من الصحيفة الرابعة السجادية 155، وكذلك المختار 65، المعروف بالمناجاة الإنجيلية.
ومن دعاء له عليه السلام في التسليم لامر الله تعالى
الكليني برد الله حياته، عن عدة من أصحابنا، عن سهل ابن زياد، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: اللهم من علي بالتوكل عليك، والتفويض إليك، والرضا بقدرتك، والتسليم لأمرك، حتى
[70]
لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت يا رب العالمين.
الحديث 14، من الباب 59، من الكتاب 6، من الكافي 580.
ورواه أيضا زيد الزراد (ره) في أصله، كما في المختار (10) من الصحيفة الثانية.
ومن دعاء له عليه السلام في طلب الصبر على البلية
اللهم إن ابتليتني فصبرني والعافية أحب إلي البحار: 20، 262، ط الكمباني، عن مجلد عتيق، وكان في المجلد كتاب أدب الكاتب للصولي.
وكتاب الجواهر لإبراهيم ابن اسحاق الصولي.
ورواه في التهذيب: 3، 81، عن الإمام الباقر عليه السلام مع زيادات كثيرة.