[71]

- 14 -

ومن دعاء له عليه السلام في العياذ بالله من البلية الداعية الى المعاصي

محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (ره) عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثني (الإمام الصادق) جعفر (بن) محمد، عن أبيه، قال: كان علي (عليه السلام) يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك أن تبتليني ببلية تدعوني ضرورتها على أن أتغوث بشي من معاصيك، [إلى أن أتعرض لمعصية من معاصيك خ ل].

اللهم ولا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك ولئامهم، فإن جعلت لي [بي خ ل] حاجة إلى أحد [من خ ل] خلقك فاجعلها إلى أحسنهم وجها وخلقا، وأسخاهم بها نفسا، وأطلقهم بها لسانا وأسمحهم بهاكفا، وأقلهم بها علي امتنانا.

الحديث 1 من قرب الاسناد، ورواه عنه في المختار 66، من الصحيفة الثانية 166، والذيل مذكور في المختار 135، من كلمه عليه السلام في تحف العقول 151.

 

[72]

- 15 -

ومن دعاء له عليه السلام في استجابة الدعاء عند الطلب

محمد بن يعقوب رضوان الله عليه، عن علي بن ابراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، قال: قال لي ابتداءا منه أبو عبد الله عليه السلام: يا معاوية أما علمت أن رجلا أتى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه، فقال له: فأين أنت عن الدعاء سريع الإجابة، فقال له الرجل: ما هو ؟ قال: قل: اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأجل الأكرم، المخزون المكنون، النور الحق، البرهان المبين، الذي هو نور مع نور، ونور من نور، ونور في نور، ونور على نور، ونور فوق كل نور، ونور يضي به كل ظلمة، ويكسر به كل شدة، وكل شيطان مريد، وكل جبار عنيد، ولا تقر به أرض ولا تقوم به

 

[73]

سماء (1)، ويأمن كل خائف، ويبطل به سحر كل ساحر، وبغي كل باغ، وحسد كل حاسد، ويتصدع لعظمته البر والفاجر، وتستقل به الفلك حين يتكلم به الملك (2)، فلا يكون للموج عليه سبيل، وهو اسمك الأعظم الأعظم، الأجل الأجل، النور الأكبر، الذي سميت به نفسك، واستويت به على عرشك، وأتوجه إليك بمحمد وأهل بيته [و] أسألك بك وبهم أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا.

الحديث 17، من الباب الأخير من كتاب الدعاء من الكافي 2 - 582.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال السيد الداماد (ره): الجار والمجرور في قوله: (لا تقربه أرض ولا تقوم به سماء) غير متعلق بالفعل المذكور، بل بفعل آخر مقدر، والتقدير: إذا دعيت به لا تقر أرض، وإذا دعيت به لا تقوم سماء، أو الباء بمعنى مع، أي لا تقر معه أرض ولا تقوم معه سماء، واما لا تقوم له - باللام موضع الباء - فمعناه: لا تنهض لمقاومته ومعارضته.

(2) في بعض النسخ: (ويستقر به الفلك حتى يتكلم به الملك).

 

[74]

- 16 -

ومن دعاء له عليه السلام في طلب الزهد عن الدنيا

اللهم إني أسألك سلوا عن الدنيا ومقتالها فإن خيرها زهيد، وشرها عتيد، وصفوها يتكدر وجديدها يخلق، وما فات فيها لم يرجع، وما نيل فيها فتنة، إلا من أصابته منك عصمة، وشملته منك رحمة، فلا تجعلني ممن رضي بها واطمأن إليها، ووثق بها، فإن من اطمأن إليها خانته، ومن وثق بها غرته.

الباب 3، من إرشاد القلوب ص 36.

 

[75]

 

- 17 -

ومن دعاء له عليه السلام

قال الديلمي: وكان عليه السلام يقول في دعائه: اللهم توفني فقيرا، ولا تتوفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين.

إرشاد القلوب ص 26، باب الزهد.

 

- 18 -

ومن دعاء له عليه السلام في الاستعاذة بالله من معاداة أوليائه

قال معلم الأمة الشيخ المفيد (ره): حدثنا أبو علي أحمد بن محمد الصولي بمسجد براثا، سنة اثنتين وخمسين وثلاث مأة، قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثني محمد

 

[76]

ابن زكريا الغلابي، قال: حدثني قيس بن حفص الدورقي، قال: حدثنا حسين الأشقر، عن عمر بن الغفار، عن اسحاق ابن الفضل الهاشمي، قال: كان من دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): اللهم إني أعوذ بك أن أعادي لك وليا أو أوالي لك عدوا أو أرضى لك سخطا أبدا.

اللهم من صليت عليه فصلواتنا عليه، ومن لعنته فلعنتنا عليه.

اللهم من كان في موته فرج لنا ولجميع المسلمين فأرحنا منه، وأبدل لنا من هو خير لنا حتى ترينا من علم الإجابة ما نتعرفه في أدياننا ومعايشنا يا أرحم الراحمين.

الحديث الأخير من المجلس 20، من أمالي الشيخ المفيد (ره) ورواه عنه السيد ابن طاوس (ره) في كتاب المجتنى المخطوط ص 9، ورواه السماهيجي (ره) في الدعاء (66) من الصحيفة العلوية ص 163.

 

[77]

- 19 -

ومن دعاء له عليه السلام في أداء الدين

اللهم يا فارج الهم، ومنفس الغم، ومذهب الأحزان، ومجيب دعوة المضطرين، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت رحماني ورحمان كل شئ، فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك، وتقضي بها عني الدين كله.

المختار 63، من الصحيفة الأولى ص 162.

 

- 20 -

ومن دعاء له عليه السلام وهو المعروف بالمناجاة الالهيات

قال السيد الإمام ضياء الدين حجة الإسلام، أبو الرضا فضل الله بن علي بن عبد الله الحسني الراوندي قدس الله روحه

 

[78]

أخبرني الدهخداه السعيد أبو الحسن علي بن يحيى الراوندي رحمة الله عليه، قال علي بن الحسن بن محمد بن أحمد الباز كز زي قلت: ونقلت من نسخته بخطه، قال: أخبرني أبو الحسن علي ابن محمد الخليدي القاساني، يوم الأحد تاسع شهر رمضان من سنة ثمان وثمانين وثلاث مأة، قال: حدثني علي بن نصير القطامي يوم الثلاثاء، غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاث مأة، قال: حدثني أحمد بن الحسن بن أحمد بن داود القاساني الوسابي (1) بجرجان، سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مأة، قال: حدثني أبي عن علي بن محمد بن شيرة الوثابي القاساني المعروف بالأعز، عن الإمام المعصوم المؤيد، الموسوم بأبي محمد الحسن بن علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام بهذه المناجاة، وذلك بسر من رأى سنة ستين ومأتين، وهي هذه: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري، وانمحى من المخلوقين ذكري، وصرت في المنسيين كمن قد نسي قبلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة، ولعل الصواب: الوثابي.

 

[79]

إلهي كبرت سني، ورق جلدي، ودق عظمي ونال الدهر مني، واقترب أجلي، ونفدت أيامي، وذهبت شهوتي وبقيت تبعتي، وانمحت محاسني وبلي جسمي (2) وتقطعت أوصالي، وتفرقت أعضائي.

إلهي أفحمتني ذنوبي، وقطعت مقالتي، فلا حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي، المعترف بإسأتي، الأسير بذنبي، المرتهن بعملي، المتهور في بحور خطيئتي، المتحير عن قصدي، المنقطع بي، فصل على محمد وآل محمد، وارحمني برحمتك، وتجاوز عني بمغفرتك.

إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما، وقد كان ظني بجودك أن تقلبني بالنجاة مرحوما إلهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط (3) الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) يقال: بلي يبلى - من باب علم - بلى وبلاء - كعدي وسلاما - الثوب: رث، فهو بال وبلي.

(3) وفي المختار "5": (إلهي إذ لم أسلط) الخ.

 

[80]

ذنبي إذ كنت المطالب به (4) إلا أني إذا ذكرت كبر جرمي وعظم غفرانك وجدت الحاصل لي من بينهما عفو رضوانك.

إلهي إن دعاني إلى النار مخشي عقابك، فقد ناداني إلى الجنة بالرجاء حسن ثوابك.

إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الإستعداد للقائك فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكريم آلائك.

إلهي إن عزب لبي عن تقويم ما يصلحني، فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.

إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيامي، فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.

إلهي جئتك ملهوفا قد ألبست عدم فاقتي، وأقامني مقام الأذلاء بين يديك ضر حاجتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) إن كان الضمير المتصل بكان في كلتا الفقرتين للخطاب - كما هو الظاهر - فقوله عليه السلام: (المبارز) اسم مفعول، و (المطالب) اسم فاعل، وإن كان الضمير المتصل في الموردين للمتكلم، فالأول اسم فاعل والثاني اسم مفعول، وإن فرق بينهما - بأن يقرأ أحدهما على الخطاب والثاني على التكلم - فيراعى المعنى في (المبارز به) و (المطالب به).

 

[81]

إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك، وجدت بالمعروف فألحقني بأهل نوالك.

إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي لا يغنيها إلا جزاؤك.

إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا وعن التعرض لسواك بالمسألة عادلا، وليس من جميل رد سائل ملهوف، ومضطر لانتظار خيرك مألوف (5).

إلهي أقمت نفسي على قنطرة الأخطار (6) مبلوا بالأعمال والإعتبار، فأنا الهالك إن لم تعن عليها بتخفيف الأوزار.

إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي، أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.

إلهي إن حرمتني رؤية محمد صلى الله عليه وآله في دار السلام، وأعدمتني طواف الوصفاء من الخدام، وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) وفي المختار الخامس والحادي عشر: (وليس من جميل إمتنانك رد سائل ملهوف، ومضطر لانتظار خيرك المألوف).

(6) وفي المختار (5 و 11): (إلهي أقمت نفسي على قنطرة من قناطر الأخطار) الخ...

 

[82]

المقام، فغير ذلك منتني نفسي منك يا ذا الفضل [والإنعام].

إلهي وعزتك لو قرنتني في الأصفاد طول الأيام ومنعتني سيبك من بين الأنام، ودللت على فضائحي عيون الأشهاد، وحلت بيني وبين الأبرار، ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت وجه انتظاري للعفو عنك (7).

إلهي لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم تعرفني حلاوة معرفتك ما عرفت، ولو لم تبين لي شديد عقابك ما استجرت.

إلهي أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد (8)، ولم أعصك في أبغض الإشياء إليك وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما.

إلهي أحب طاعتك وإن قصرت عنها، وأكره معصيتك وان ركبتها، فتفضل علي بالجنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) قوله عليه السلام: (عنك) متعلق بقوله: (صرفت)، وقوله: (للعفو) متعلق بكلمة (انتظاري).

(8) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (إلهي أطعت) الخ.

 

[83]

وإن لم أكن أهلها، وخلصني من النار وإن كنت استوجبتها.

إلهي إن أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.

إلهي قلب حشوته من محبتك في دار الدنيا، كيف تطلع عليه نار محرقة في لظى.

إلهي نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلها بين أطباق نيرانك.

إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق (9) أثوابها كيف تهوي إليه من النار مشعلات التهابها.

إلهي كل مكروب إليك يلتجي وكل محزون إياك يرتجي.

إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، وسمع الزاهدون بعظيم جزائك فقنعوا، وسمع المذنبون بسعة رحمتك فرغبوا، وسمع المولون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا، حتى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك، وعجت إليك منهم عجيج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) تماجيد - كتقاويم وتفاسير - جمع تمجيد: بمعنى التعظيم. وأنيق - كأليف وعريف -: الشئ الحسن المعجب.

 

[84]

الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكل أمل ساق صاحبه إليك محتاجا، ولكل قلب تركه وجيب خوف المنع منك مهتاجا (10)، وأنت المسئول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب، ولم تزر بنزيله قطيعات المعاطب (11).

إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها، فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.

إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمردة على ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك على ما ينجيها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) وفي رواية القضاعي: (ولكل قلب تركه يا رب وجيف الخوف منك مهتاجا) وهما بمعنى واحد.

(11) كذا في النسخة، وفي المختار (11): (وأنت المسئول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب، ولم تزرا بنزيله فظيعات)... الخ. وفي المختار الخامس: (ولم ترد بنزيله قطيعات (فظيعات) المعاطب).

وفي رواية القضاعي: (ولا يرد نائله قاطعات المعاطب)، ولا يبعد أن يكون المجزوم - هنا - مضارع زار - من باب قال - أي إن قطيعات لا تزور بنزيل الله، أي إن الله تعالى لا تعاطب نزيله.فيكون موافقا لما في المختار الخامس.

 

[85]

إلهي إن عداني الاجتهاد في انبغاء (12) منفعتي، فلم يعدني برك بما فيه مصلحتي.

إلهي إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه حسرتها، فقد أقسطت الآن بتعريفي اياها من رحمتك إشفاق رأفتها.

إلهي إن أجحف بي قلة الزاد في المسير إليك، فقد وصلته بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك.

إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت إليها وجوه وسائلي، وإذا ذكرت سخطك بكت لها عيون مسائلي.

إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد قد أيبس ريقه متلف الظماء، وأمت بجودك عنه كلالة الونى (13).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) كذا في النسخة، يقال: (إنبغى إنبغاءا) الشئ: أي تيسر، ويحتمل قويا غلط النسخة، والأصل: (إن عداني الإجتهاد في ابتغاء منفعتي) الخ، كما في غير هذا الطريق.

(13) وفي المختار الخامس: (إلهي فأفض بسجل من سجالك على عبد آيس قد أتلفه الظماء، وأمط بجودك عن خيط جيده كلال الونى). أقول: الإماتة والإماطة بمعنى الإذهاب والإزالة. ويقال: كل - من باب فر - كلا =

 

[86]

إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.

إلهي كيف أرد عارض تطلعي إلى نوالك، وإما أنا في استرزاقي لهذا البدن أحد عيالك.

إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي، وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.

إلهي قد علمت حاجة نفسي إلى ما تكفلت لي به من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي عنه من الجنة بعد وفاتي، فيامن سمح لي به متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه في الآجل، فمن شواهد نعماء الكريم استتمام نعمائه، ومن محاسن آلاء الجواد استكمال آلائه.

إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي، ولولا ما ذكرت من التفريط ما سفحت عبراتي.

إلهي صل على محمد وآل محمد وامح متعبات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= وكله وكلالا وكلالة وكلولا وكلولة - كضربا وضربة وسحابة وحلولا وحلولة -: تعب وأعيا، فهو كال.

ويقال: ونى بنى - من باب وقى - وونى يونى - من باب وجل - ونيا وونيا ووناء وونيه وونى كضربا وحربا وإناء وفدبه وعدة وعصا -: فتر وضعف وكل.

 

[87]

العثرات، بمرسلات العبرات، وهب لي كثير السيئات، لقليل الحسنات، ان الحسنات يذهبن السيئات.

إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك فإلى من يفزع المقصرون، وإن كنت لا تقبل إلا من المجتهدين، فإلى من يلتجئ المفرطون، وإن كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان فكيف يصنع المسيئون وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون فبمن يستغيث المذنبون.

إلهي وإن كان لا يجوز على الصراط إلا من أجازته برأة عمله (14)، فأنى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل انقضاء أجله.

إلهي إن لم تجد إلا [على ظ] من عمر بالزهد مكنون سريرته، فمن للمضطر الذي لم يرضه بين العالمين سعي تقيته (15).

إلهي إن حجبت عن موحديك نظر تعمدك لجناياتهم، أوقعهم غضبك بين المشركين في كرباتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) براة عمله (ص)، كذا في الأصل.

(15) كذا في النسخة، وفي غيرها من الطرق: (سعي نقيبته) وهو أظهر.

 

[88]

إلهي إن [لم] تنلنا يد إحسانك يوم الورود (16) اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.

إلهي فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك، واستصف ما كدرته الجرائر منا بصفو صلاتك.

إلهي ارحمنا غرباء إذا تضمنتنا بطون لحودنا وغميت باللبن سقوف بيوتنا، وأضجعنا مساكين على الأيمان في قبورنا، وخلفنا فرادى في أضيق المضاجع، وصرعتنا المنايا في أعجب المصارع، وصرنا في ديار قوم كأنها مأهولة وهي منهم بلاقع (17).

إلهي إذا جئناك عراتا حفاتا مغبرة من ثرى الأجداث رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا (18).

وخاشعة من أهوال القيامة أبصارنا، وذابلة من شدة العطش شفاهنا، وجائعة لطول المقام بطوننا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) أي يوم القيامة والعرض على الله تعالى.

(17) أي قفراء خالية عن الأهل والأنيس.

(18) الثرى: التراب. والأجداث: القبور. وشاحبة: متغيرة. والملاحيد (لعله) جمع الملحودة: وهي الشق الذي يوضع فيه الميت من جانب القبر.

 

[89]

وبادية هنالك للعيون سوأتنا، وموصرة من ثقل الأوزار ظهورنا، ومشغولين بما قد دهانا (19) عن أهالينا وأولادنا، فلا تضاعف المصائب علينا بإعراض وجهك الكريم عنا، وسلب عائدة ما مثله الرجاء منا.

إلهي ما حنت هذه العيون إلي بكائها، ولا جادت منشربة بمائها، ولا أسهرها بنحيب الثاكلات (20) فقد عزائها، إلا ما أسلفته من عمدها وخطائها، وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر يا عزيز على كشف غمائها.

لهي إن كنا مجرمين فإنا نبكي على إضاعتنا من حرمتك ما نستوجبه، وإن كنا محرومين فإنا نبكي إذ فاتنا من جودك ما نطلبه.

إلهي شب (21) حلاوة ما يستعذبه لساني من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) موصرة: ثقيلة، أو مكسرة. ودهانا: أصابنا من الداهية.

(20) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (ولا جادت متشربة بمائها، ولا أسهدها) الخ. وفي رواية القضاعي: (ولا جادت متسربة بمائها ولا شهرت بنحيب المثكلات فقد عزائها) الخ، ولعله أظهر.

(21) ومثله في المختار الحادي عشر، وفي رواية القضاعي: (إلهي ثبت) الخ.

 

[90]

المنطق (22) في بلاغته، بزهادة ما يرفعه قلبي من النصح في دلالته.

إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به [من] المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير المسئولين.

إلهي كيف ينقل بنا اليأس عن الإمساك عما لهجنا بطلا به، وقد ادرعنا من تأميلنا إياك أسبغ أثوابه.

إلهي إذا هزت الرهبة أفنان مخافتنا، انقلعت من الأصول أشجارها، وإذا تنسمت أرواح الرغبة أغصان رجائنا أينعت بتلقيح البشارة أثمارها.

إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أسفنا (23) وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا، فنحن بين أمرين، فلا سخطك يؤمننا، ولا رحمتك تؤيسنا (24).

إلهي إن قصرت مساعينا عن استحقاق نظرتك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق (من النطق).

(23) وهكذا في المختار الحادي عشر، وفي رواية القضاعي: (إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أشفقنا) الخ.

(24) وفي رواية القضاعي: (لا يؤمننا سخطك، ولا تؤيسنا رحمتك).

 

[91]

فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.

إلهي إنك لم تزل بحظوظ صنائعك علينا منعما ولنا من بين الأقاليم مكرما، وتلك عادتك اللطيفة، في أهل الخيفة، في سالفات الدهور وغابراتها، وخاليات الليالي وباقياتها.

إلهي فاجعل ما حبوتنا به من نور هدايتك، درجات نرقى بها إلى غرفات جنتك.

إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا، وكيف تلتام في غمراتها أمورنا، وكيف يخلص لنا فيها أمورنا (25)، وكيف يملكنا باللهو واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب الآجال قبورنا.

إلهي كيف نبتهج بدار قد حفرت فيها حفائر صرعتها، وقتلتنا بأيدي المنايا (26) حبائل غدرتها، وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها، ودلتنا النفس على انقطاع عيشتها، لولا ما أصغت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) وفي غير هذا الطريق: (وكيف تلتئم) الخ (وكيف يخلص فيها سرورنا) الخ.

(26) وفي غير هذا الطريق: (وفتلت بأيدي المنايا حبائل غدرتها) ولعله أظهر، وفي رواية القضاعي: (وقلبتنا بأيدي المنايا) الخ (ودلتنا العبر على انقطاع عيشتها).

 

[92]

إليه النفوس من رفائغ لذتها (27)، وافتتانها بالفانيات من فواحش زينتها.

إلهي فاليك نلتجئ من مكائد خدعتها، وبك نستعين على عبور قنطرتها، وبك نستفطم الجوارح من أخلاف (28) شهوتها، وبك نستكشف من جلابيب حيرتها، وبك نقوم من القلوب استصعاب جهالتها.

إلهي كيف للدور بأن تمنع من فيها من طوارق الرزايا، وقد أصيب في كل دار سهم من أسهم المنايا.

إلهي ما تتفجع أنفسنا من النقلة عن الديار، إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار.

إلهي ما تضرنا فرقة الإخوان والقرابات، ان قربتنا منك يا ذا العطيات.

إلهي ما تجف من ماء الرجاء مجاري لهواتنا، إن لم تحم طير الأشائم بحياض رغباتنا (29).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) رفائغ اللذة: هناؤها الواسعة منها، أو أردؤها وألأمها، أو الوسخة منها.

(28) وفي رواية القضاعي: (وبك نستعصم الجوارح).

(29) اللهوات جمع اللهاة - بفتح اللام - وهي اللحمة المشرفة على الحلق =

 

[93]

إلهي إن عذبتني فعبد خلقته لما أردته فعذبته بعدلك، وان رحمتني فعبد وجدته مسيئا فأنجيته برحمتك.

إلهي لا سبيل إلى الإحتراس من الذنب إلا بعصمتك، ولا وصول إلى عمل الخيرات إلا بمشيتك، فكيف لي بإفادة ما أسلمتني فيه مشيتك، وكيف لي بالإحتراس من الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك.

إلهي أنت دللتني على سؤال الجنة قبل معرفتها فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها، أفتدل على خيرك السؤال، ثم تمنعهم النوال، وأنت المحمود في كل ما تصنعه يا ذا الجلال.

إلهي ان كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل سعتك.

إلهي إن كان ذنبي قد أخافني، فان حسن ظني بك قد أجارني.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= في إقصى سقف الفم. وحام يحوم حوما وحومانا - كرمضان - على الشئ وحوله: داربه. والأشائم - جمع أشأم - وهو من يإتى بالشؤم: ضد اليمن والبركه.

 

[94]

إلهي كأني بنفسي قائمة بين يديك، وقد أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بي ما يشبهك، وتغمدتني بعفوك.

إلهي ما أشوقني إلى لقائك، وأعظم رجائي لجزائك، وأنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل الآملين، ولا يبطل عندك شوق الشائقين.

إلهي إن كان قد دنا أجلي، ولم يقربني منك عملي، فقد جعلت الإعتراف بالذنب إليك وسائل عللي.

إلهي ان عفوت فمن أولى منك بذلك، وإن عذبت فمن أعدل في الحكم منك هنالك.

إلهي جرت على نفسي في النظر لها (30)، وبقي نظرك لها، فالويل لها إن لم تسلم به (31).

إلهي إنك لم تزل بي بارا أيام حياتي، فلا تقطع برك عني بعد وفاتي.

إلهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد مماتي، وأنت لم تولني إلا الجميل أيام حياتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) وفي غيره من بعض الطرق: (إلهي إني جرت على نفسي) الخ.

(31) ومثله في المختار الحادي عشر، وفي مناجاته عليه السلام في شهر شعبان: (إلهي قد جرت على نفسي في النظر لها، فلها الويل ان لم تغفر لها).

 

[95]

إلهي إن ذنوبي قد أخافتني، ومحبتي لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله (32) وعد بفضلك على من غمره جهله، يامن لا تخفى عليه خافية، ولا تغيب عنه غائبة، صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ما قد خفي على الناس من أمري.

إلهي سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها لعصابة من المؤمنين، وأنا إلى سترها يوم القيامة أحوج، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها للعصابة من المسلمين، فلا تفضحني بها يوم القيامة على رؤوس العالمين.

إلهي جودك بسط أملي وشكرك قبل عملي، فصل على محمد وآل محمد، وسرني بلقائك عند اقتراب أجلي.

إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره، فاقبل عذري ياخير من اعتذر إليه المسيئون (33).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(32) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (فتول من أمرك) ا لخ.

(33) ومثله في المختار الحادي عشر، وفي مناجاته عليه السلام في شهر شعبان: (إلهي اعتذاري اليك اعتذار من لم يستغن عن قبول عذره، فاقبل عذري يا أكرم من اعتذر إليه المسيئون).

 

[96]

إلهي لا تردني عن حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك.

إلهي وعزتك لئن طالبتني بجرمي لاطالبنك بعفوك، ولئن واخذتني بجهلي لاطالبنك بحلمك، ولئن جازيتني بلؤمي لاطالبنك بكرمك، ولئن أدخلتني النار لأعرفن أهلها أني كنت أحبك.

إلهي إنك لو أردت فضيحتي لم تسترني، فمتعني بما له هديتني، وأدم لي ما به سترتني إلهي ما وصفت من بلاء أبليتنيه، أو إحسان أوليتنيه، فكل ذلك بمنك مما قد فعلته، وعفوك تمام ذلك أن أتممته.

إلهي لولا ما اقترفت من الذنوب ما فرقت عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك، وأنت أولى الأكرمين، بتحقيق أمل الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين.

إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي فأكرم بها أمنية بشرت بعفوك، وصدق بكرمك مبشرات تمنيها، وهب لها بجودك مدمرات تجنيها.

 

[97]

إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك، وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك، وقد رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين مسئ ومحسن.

إلهي إذا شهد إيماني بتوحيدك، وانطلق لساني بتمجيدك، ودلني القرآن على فواضل جودك، فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعودك.

إلهي تتابع إحسانك إلي يدلني على حسن نظرك، فكيف يشقى امرؤ حسن له منك النظر.

إلهي إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطتك، فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.

إلهي إن عرضني ذنبي لعقابك، فقد أدناني رجائي لك من ثوابك.

إلهي إن عفوت فبفضلك، وان عذبت فبعدلك فيامن لا يرجى إلا فضله، ولا يخشى إلا عدله، صل على محمد وآل محمد، وامنن علينا بفضلك ولا تستقص علينا في عدلك.

إلهي خلقت لي جسما وجعلت فيه آلات أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك بها وأرضيك، وجعلت لي من نفسي داعية إلى الشهوات،

 

[98]

وأسكنتني دارا قد ملئت من الآفات، ثم قلت لي انزجر.

إلهي بك أنزجر، وبك أعتصم، وبك أحترز من الذنوب فاحفظني، وبك أستجير من النار فأجرني، وأستوفقك لما يرضيك، وأسألك فإن سؤالي لا يحفيك، أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاؤه مولاه (33) وأتضرع إليك ضراعة من قد أقر على نفسه بالحجة في دعواه.

إلهي لو عرفت اعتذارا من الذنب في التنصل أبلغ من الإعتراف به لأتيته، ولو عرفت مجتلبا لحاجتي منك ألطف من الإستخذاء لك لفعلته (34) فصل على محمد وآل محمد، وهب لي ذنبي بالإعتراف، ولا تردني في طلبتي بالخيبة عند الإنصراف.

إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها، وفتحت أفواه آمالها نحو نظرة منك برحمة لا تستوجبها، فهب لها ما سألت.

وجد لها بما طلبت، فإنك أكرم الأكرمين، بتحقيق أمل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) وفي المختار (11): (أدعوك دعاء ملح لا يمل دعاء مولاه).

(34) الاستخذاء: الخضوع والانقياد.

 

[99]

الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين.

إلهي قد أصبت من الذنوب ما قد عرفت، وأسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني عبدا إما طائعا فأكرمته، وإما عاصيا فرحمته.

إلهي كأني بنفسي قد أضجعت في حفرتها، وانصرف عنها المشيعون من جيرتها، وبكى الغريب عليها لغربتها، وجاد بالدموع عليها المشفقون من عشيرتها، وناداها من شفير القبر ذوو مودتها، ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها، ولم يخف على الناظرين إليها عند ذلك عدم فاقتها، ولا على من رآها قد توسدت الثرى عجز حيلتها، فقلت ملائكتي فريد قد نآى عنه الأقربون، ووحيد جفاه الأهلون، نزل بي قريبا، وأصبح في اللحد غريبا، وقد كان لي في دار الدنيا داعيا ولنظرتي له في هذا اليوم راجيا، فتحسن عند ذلك ضيافتي، وتكون أشفق علي من أهلي وقرابتي.

إلهي لو طبقت ذنوبي ما بين السماء إلى الأرض

 

[100]

وخرقت التخوم (35)، وبلغت أسافل الثرى، ما ردني اليأس عن توقع غفرانك، ولا صرفني القنوط عن انتظار رضوانك.

إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه، فلا تحرمني جزأك الذي وعدتنيه، فمن النعمة أن هديتني بحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب لي محمود جزائك.

إلهي وعزتك وجلالك لقد أحببتك محبة استقرت حلاوتها في قلبي وصدري، وما تنعقد ضمائر موحديك على أنك تبغض محبيك.

إلهي لا تشبه مسألتي مسائل السائلين، لأن السائل إذا منع إمتنع من السؤال، وأنا لا غنى بي عما سألتك على كل حال.

إلهي لا تغضب علي فلست أقوى على غضبك، ولا تسخط علي فلست أقوم لسخطك.

إلهي أخاف عقوبتك كما يخافها المذنبون، وأنتظر عفوك كما ينتظره المجرمون، ولست أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.

إلهي أللنار ربتني أمي فليتها لم تربني، أم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) وفي المختار (11، و 33): (وخرقت النجوم) الخ.

 

[101]

للشقاء ولدتني فليتها لم تلدني.

إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي، وما لها لا تنهمل وما أدري إلى ما يكون مصيري، وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري، وأرى نفسي تخاتلني، وأيامي تخادعني، وقد خفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ورمقتني من قريب أعين الفوت، فما عذري وقد حشا مسامعي رافع الصوت (36).

إلهي قد رجوت ممن تولاني في حياتي بإحسانه أن يتغمدني عند وفاتي بغفرانه، ولقد رجوت ممن ألبسني بين الاحياء ثوب عافيته، أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته.

إلهي أمرتني فقصرت، ونهيتني فركبت، فهذه يدي بما جنت، وهذه ناصيتي بما أتت، إن تعذبني فلك السبيل، وإن تعف عني فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة يا أرحم الراحمين.

يا أنيس كل غريب، آنس في القبر غربتي، ويا ثاني كل وحيد، ارحم في القبر وحدتي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) ومثله في المختار الـ(11)، وفي رواية القضاعي: (فما عذري وقد أوجس في مسامعي رافع الصوت).

 

[102]

ويا عالم السر والنجوى، ويا كاشف الضر والبلوى كيف نظرك لي من بين سكان الثرى، وكيف صنيعك الي في دار الوحشة والبلى، فقد كنت بي لطيفا أيام حياة الدنيا.

يا أفضل المنعمين في نعمائه، وأنعم المفضلين في آلائه.

إلهي كثرت أياديك عندي فعجزت عن احصائها، وضقت ذرعا في شكري لك بجزائها، فلك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أبليت.

ياخير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، فبذمة الإسلام أتوسل إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبمحمد وآل محمد أتشفع إليك، صل على محمد وآل محمد، واعرف لي ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي، وارحمني برحمتك يا قريب يا مجيب، انك على كل شي قدير، وبكل شي محيط، يا أرحم الراحمين.