[103]

 

- 21 -

ومن دعاء له عليه السلام في أيام رجب

على ما في الصحيفة العلوية الثانية ص 228 في الدعاء (113) بشرح يطول ذكره: اللهم يا ذا المنن السابغة، والآلاء الوازعة، والرحمة الواسعة، والقدرة الجامعة، والنعم الجسيمة، والمواهب العظيمة، والأيادي الجميلة، والعطايا الجزيلة.

يامن لا ينعت بتمثيل، ولا يمثل بنظير، ولا يغلب بظهير.

يامن خلق فرزق، وألهم فأنطق، وابتدع فشرع، وعلا فارتفع، وقدر فأحسن، وصور فأتقن، واحتج فأبلغ، وأنعم فأسبغ، وأعطى فأجزل، ومنح فأفضل.

يامن سما في العز ففات خواطر الأبصار، ودنى

 

[104]

في اللطف فجاز هواجس الأفكار.

يامن توحد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه، وتفرد بالكبرياء والآلاء فلا ضد له في جبروت شأنه.

يامن حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الأوهام، وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام.

يامن عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب لعظمته، ووجلت القلوب من خيفته.

أسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي إلا لك، وبما وأيت به على نفسك لداعيك من المؤمنين وبما ضمنت فيه على نفسك للداعين، يا أسمع السامعين، ويا أبصر المبصرين، ويا أنظر الناظرين، ويا أسرع الحاسبين، ويا أحكم الحاكمين، ويا أرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد خاتم النبيين، وعلى أهل بيته الطاهرين الأخيار.

وأن تقسم لي في شهرنا هذا خير ما قسمت، وأن تختم لي في قضائك خير ما ختمت، وتختم لي بالسعادة فيمن ختمت، وأحيني ما أحييتني موفورا، وأمتني مسرورا ومغفورا، وتول أنت

 

[105]

نجاتي من مسألة البرزخ، وادرأ عني منكرا ونكيرا، وأر عيني مبشرا وبشيرا، واجعل لي إلى رضوانك وجنانك مصيرا، وعيشا قريرا، وملكا كبيرا، وصلى الله على محمد وآله بكرة وأصيلا، يا أرحم الراحمين.

اللهم إني أسألك بعقد [بمعاقد خ ل] عزك على أركان عرشك، ومنتهى رحمتك من كتابك، واسمك الأعظم الأعظم، وذكرك الأعلى الأعلى، وكلماتك التامات كلها أن تصلي على محمد وآله وأسألك ما كان أوفى بعهدك، وأقضى لحقك، وأرضى لنفسك، وخيرا في المعاد عندك والمعاد إليك، وأن تعطيني جميع ما أحب، وتصرف عني جميع ما أكره، إنك على كل شي قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

[106]

 

- 22 -

ومن دعاء له عليه السلام في الغايات التي يطلب الدنيا لاجلها

عن حماد بن ابراهيم، قال: إن علي بن أبي طالب عليه السلام جمع الدنيا والآخرة في خمس كلمات كان عليه السلام يقولها: اللهم اني أسألك من الدنيا وما فيها ما أسدد به لساني، وأحصن به فرجي، وأءدي به أمانتي، وأصل به رحمي، وأتجر به لآخرتي.

المختار الرابع من كلمه عليه السلام في نظم درر السمطين ص 151.

ورواه أيضا أمين الإسلام الطبرسي (ره) في كنوز النجاح.

كما في الدعاء (14) من الصحيفة الثانية العلوية.

 

- 23 -

ومن دعاء له عليه السلام عند ختم القرآن الكريم

اللهم اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن

 

[107]

بدني، ونور بالقرآن بصري، وأطلق بالقرآن لساني، وأعني عليه ما أبقيتني فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.

مصباح المتهجد للسيد ابن طاوس رحمه الله، ورواه عنه في الحديث الأخير من الباب 26، من البحار: 19 / 53، ورواه عنه أيضا في الصحيفة العلوية الأولى ص 212.

 

- 24 -

ومن دعاء له عليه السلام في يوم الاربعاء

الحمد لله الذي مرضاته في الطلبة إليه، والتماس ما لديه، وسخطه في ترك الإلحاح في المسألة عليه (1)، وسبحان الله شاهد كل نجوى بعلمه، ومبائن كل ذي جسم بنفسه، ولا إله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كأنه مقتبس من قوله تعالى في الآية (60) من سورة المؤمن: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).

 

[108]

إلا الله الذي لا يدرك بالعيون والأبصار، ولا يجهل بالعقول والألباب، ولا يخلق من الضمير (2) ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله أكبر المتجلل عن صفات المخلوقين، المطلع على ما في قلوب الخلائق أجمعين.

اللهم إني أسألك سؤال من لا يمل دعاء ربه، وأتضرع إليك تضرع غريق يرجو كشف كربه، وأبتهل إليك إبتهال تائب من ذنوبه وخطاياه، وأنت الرؤوف الذي ملكت الخلائق كلهم، وفطرتهم أجناسا مختلفات الألوان والأقدار على مشيتك، وقدرت آجالهم وأرزاقهم، فلم يتعاظمك خلق خلق حتى كونته كما شئت مختلفا مما شئت.

فتعاليت وتجبرت عن اتخاذ وزير، وتعززت عن موازرة شريك، وتنزهت عن اتخاذ الأبناء، وتقدست عن ملامسة النساء.

فليست الأبصار بمدركة لك، وليست الأوهام بواقعة عليك، وليس لك شريك ولا ند ولا عديل ولا نظير.

وأنت الفرد الواحد الدائم، الأول الأخر،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) كذا في النسخة.

 

[109]

والعالم الأحد الصمد القائم الذي لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد.

لا تنال بوصف، ولا تدرك بوهم، ولا يغيرك في مر الدهور صرف.

كنت أزليا لم تزل ولا تزال، وعلمك بالاشياء في الخفاء كعلمك بها في الإجهار والإعلان.

فيامن ذلت لعظمته العظماء، وخضعت لعزته الرؤساء، ومن كلت عن بلوغ ذاته ألسن البلغاء ومن أحكم تدبير الأشياء، واستعجمت عن إدراكه عبارة علوم العلماء (3).

يا سيدي أتعذبني بالنار وأنت أملي، أو تسلطها علي بعد إقراري لك بالتوحيد، وخضوعي وخشوعي لك بالسجود، أو تلجلج لساني في الموقف، وقد مهدت لي بمنك سبل الوصول إلى التسبيح والتحميد والتمجيد.

فيا غاية الطالبين، وأمان الخائفين، وعماد الملهوفين، وغياث المستغيثين، وجار المستجيرين، وكاشف ضر المكروبين، ورب العالمين، وأرحم الراحمين، صل على محمد وآل محمد، وتب علي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) أي إن عبارة علوم العلماء قاصرة عن إدراكه تعالى.

 

[110]

وألبسني العافية، وارزقني من فضلك رزقا واسعا واجعلني من التوابين.

اللهم إن كنت كتبتني شقيا عندك فاني أسألك بمعاقد العز من رحمتك، [و] بالكبرياء والعظمة التي لا يقاومها متكبر، ولا عظيم، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تحولني سعيدا، فانك تجري الأمور على ارادتك، وتجير ولا يجار عليك، وأنت على كل شي قدير، وأنت الرؤف الرحيم الخبير، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، فالطف بي فقديما لطفت بمسرف على نفسه، فامنن علي فقد مننت على غريق في بحور خطيئته، هائما أسلمته للحتوف كثرة زلله (4).

وتطول علي يا متطولا على المذنبين بالصفح والعفو، فإنك لم تزل آخذ بالفضل على الخاطئين والصفح على الآثام، حلول دار البوار (5).

يا عالم الخفيات والأسرار، يا جبار يا قهار، وما ألزمتنيه مولاي من فرض الاباء والأمهات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) الهائم: المتحير. والحتوف جمع الحتف - كفلوس وفلس -: الموت.

(5) أي لكراهتك حلول عبادك دار البوار

 

[111]

وواجب حقوقهم مع الإخوان والأخوات، فاحتمل ذلك عني إليهم وأده يا ذا الجلال والإكرام، واغفر للمؤمنين والمؤمنات إنك على كل شئ قدير.

الصحيفة الأولى العلوية ص 350.

 

- 25 -

ومن دعاء له عليه السلام في يوم الخميس

الحمد لله الذي له في كل نفس من الأنفاس وخطرة من الخطرات منا منن لا تحصى، وفي كل لحظة من اللحظات نعم لا تنسى، وفي كل حال من الحالات عائدة لا تخفى، وسبحان الله الذي يقهر القوي، وينصر الضعيف، ويجبر الكسير، ويغني الفقير، ويقبل اليسير، ويعطي الكثير، وهو على كل شي قدير.

ولا إله إلا الله السابغ النعمة، البالغ الحكمة، الدامغ الحجة، الواسع الرحمة، المانح العصمة.

 

[112]

والله أكبر ذو السلطان المنيع، والبنيان الرفيع، والانشاء البديع، والحساب السريع، وصلى الله على محمد خير النبيين، وآله الطاهرين، وسلم تسليما.

اللهم اني أسألك سؤال الخائف من وقفة الموقف، الوجل من العرض، المشفق من الخشية لبوائق القيامة، المأخوذ على الغرة، النادم على الخطيئة، المسئول المحاسب المثاب المعاقب، الذي لم يكنه مكان (1) عنك، ولا وجد مفرا إلا إليك مستظلا [متنصلا خ ل] ملتجأ من سيئ عمله، مقرا بعظيم ذنوبه، قد أحاطت به الهموم، وضاقت عليه وحائب النجوم (2)، موقن بالموت، مبادر (3) بالتوبة قبل الفوت إن مننت بها عليه وعفوت، فأنت إلهي رجائي إذا ضاق عني الرجاء، وملجائي إذا لم أجد فناء للالتجاء، توحدت يا سيدي بالعز والعلاء، وتفردت بالوحدانية والبقاء، فأنت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا هو الصواب: وفي النسخة: (لم يكنه مكاف) الخ.

(2) وفي نسخة: (رحائب التخوم).

(3) كأنهما خبران لمبتدأ محذوف، والجملة منصوبة المحل على الحالية. ويمكن أن يكونا مجرورين عطفا على قوله: (الخائف من وقفة الموقف).

 

[113]

[وأنت خ ل] المتعزز المتفرد بالمجد، فلك ربي الحمد، لا يواري منك مكان، ولا يغيرك دهر ولا زمان، ألفت بقدرتك الفلق وأثبت بكرمك دياجي الغسق (4)، وأجريت المياه من الصم الصياخيد عذبا وفراتا وأجاجا، وأهمزت من المعصرات ماء ثجاجا (5)، وجعلت الشمس للبرية سراجا وهاجا، والقمر والنجوم أبراجا، من غير أن تمارس فيما ابتدأت لغوبا ولا علاجا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) وفي الهامش هكذا: (ألفت بقدرتك الفرق، وفلقت بقدرتك الفلق).

أقول: وفي دعاء الصباح (ألفت بقدرتك الفرق، وفلقت بلطفك الفلق، وأنرت بكرمك دياجي الغسق، وأنهرت المياه من الصم الصياخيد عذبا وأجاجا، وأنزلت من المعصرات ماء ثجاجا)، الخ.

أقول: (الصم - كقفل - جمع أصم كأسد وأسد وأحمر وحمر، والاصم: هو الشئ الصلب المصمت، والصياخيد جمع الصيخود، وهي الصخرة العظيمة الصلبة التي لا تحرك من مكانها ولا يعمل فيها الحديد، فالصياخيد بيان للصم.

(5) أهمزت - بالزاء المعجمة - بمعنى دفعت وغمزت.

ويحتمل كونه بالراء المهملة - كما في دعاء الصباح: (وانهرت المياه) أي أجريته وأسلته بدفع وقوة.

والمعصرات قيل: هي السحائب حان لها أن تمطر.

والمحكي عن ابن عباس انها الرياح.

وعليه فلفظة (من) بمعنى الباء، أي أهمرت وأجريت بالمعصرات ماء متدافقا، أو ماء سيالا على القولين في معنى الثج.

 

[114]

وأنت إله كل شي وخالقه، وجبار كل مخلوق ورازقه.

فالعزيز من أعززت، والذليل من أذللت، والسعيد من أسعدت، والشقي من أشقيت، والغني من أغنيت، والفقير من أفقرت.

أنت وليي ومولاي وعليك رزقي، وبيدك ناصيتي، فصل على محمد وآل محمد، وافعل بي ما أنت أهله، وعد بفضلك على عبد قد غمره جهله واستولى عليه التسويف، حتى سالم الأيام، فارتكب المحارم والآثام، فاجعلني سيدي عبدا يفزع إلى التوبة، فانها مفزع المذنبين، وأغنني بجودك الواسع عن المخلوقين، ولا تحوجني إلى شرار العالمين، وهب لي عفوك في موقف يوم القيامة [الدين خ ل] فانك أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، وأكرم الأكرمين.

يامن له الاسماء الحسنى، والأمثال العليا، وجبار السماوات والأرضين، إليك قصدت راجيا فلا ترد يدي عن سني مواهبك صفرا (6)، إنك جواد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) السني: الرفيع. والمواهب جمع الموهبة: العطايا. وصفرا: أي خاليا.

 

[115]

مفضال، يا رؤفا بالعباد وهو لهم بالمرصاد، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجزل ثوابي، وتحسن مآبي، وتستر عيوبي، وتغفر ذنوبي، وتنقذني مولاي بفضلك من أليم العقاب، إنك جواد كريم وهاب، فقد ألقتني السيئات والحسنات بين ثواب وعقاب، وقد رجوت أن تكون بلطفك تتعمد عبدك المقر بفوادح (7) العيوب بجودك وكرمك يا غافر الذنوب، وتصفح (8) عن زلله، فليس لي سيدي رب أرتجيه غيرك، ولا إله أسأله جبر فاقتي ومسكنتي سواك، فلا تردني منك بالخيبة يا مقيل العثرات، وكاشف الكربات.

إلهي فسرني فاني لست بأول من سررته، ياولي النعم، وشديد النقم، ودائم المجد والكرم، واخصصني منك بمغفرة لا يقارنها شقاء، وسعادة لا يدانيها أذى، وألهمني تقاك ومحبتك، وجنبني موبقات معصيتك، ولا تجعل للنار علي سلطانا إنك أهل التقوى وأهل المغفرة، وقد دعوتك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) الفوادح جمع الفادح، وهو الشي الثقيل. ويجمع الفادحة بمعنى النازلة أيضا على الفوادح، وكلاهما محتمل، ويمكن أيضا ارجاع الثاني إلى المعنى الاول.

(8) هو بحذف تاء الخطاب عطف على قوله: (تتعمد).

 

[116]

وتكفلت باالإجابة، فلا تخيب سائلك، ولا تخذل طالبك، ولا ترد آملك ياخير مأمول، وأسألك برأفتك ورحمتك وفردانيتك وربوبيتك.

يامن هو على كل شئ قدير وبكل شئ محيط، فاكفني ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي فإنك سميع الدعاء، لطيف لما تشاء، وأدرجني درج من أوجبت له حلول دار كرامتك، مع أصفيائك وأهل اختصاصك بجزيل مواهبك، في درجات جناتك، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

وما افترضت علي فاحتمله عني إلى من أوجبت حقوقه من الاباء والأمهات، والإخوة والأخوات، واغفر لي ولهم مع المؤمنين والمؤمنات، إنك قريب مجيب، واسع البركات، وذلك عليك يسير، يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.

الصحيفة العلوية الأولى ص 354.

 

[117]

 

- 26 -

ومن دعاء له عليه السلام وهو المختار السادس والعشرين من أدعيته عليه السلام

الحمد لله أول محمود، وآخر معبود، وأقرب موجود، البدئ بلا معلوم لأزليته (1) ولا آخر لأوليته، والكائن قبل الكون بغير كيان، والموجود في كل مكان بغير عيان، والقريب من كل نجوى بغير تدان.

علنت عنده الغيوب (2)، وضلت في عظمته القلوب، فلا الأبصار تدرك عظمته، ولا القلوب على احتجابه تنكر معرفته.

تمثل في القلوب بغير مثال تحده الأوهام،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي لا حد ولا أمد له حتى يكون معلوما.

(2) فلا كلي ولا جزئي ألا وقد أحاط به خبرا بجميع خصوصياته ومشخصاته في أزل الآزال، فالأشياء إنما توصف بالغيب بالنسبة إلى الممكنات المحجوبة تحت ستار الإمكان والإفتقار، وأما الخالق الواجب فهو متعال عن صفة النقص.

 

[118]

أو تدركه الأحلام، ثم جعل من نفسه دليلا على تكبره عن الضد والند والشكل والمثل، فالوحدانية آية الربوبية، والموت الآتي على خلقه مخبر عن خلقه وقدرته، ثم خلقهم من نطفة ولم يكونوا شيئا، دليلا على إعادتهم خلقا جديدا بعد فنائهم، كما خلقهم أول مرة (3).

والحمد لله رب العالمين الذي لم يضره بالمعصية المتكبرون، ولم ينفعه بالطاعة المتعبدون، الحليم عن الجبابرة المدعين، والممهل للزاعمين له شريكا في ملكوته، الدائم في سلطانه بغير أمد، والباقي في ملكه بعد انقضاء الأبد، والفرد الواحد الصمد، والمتكبر عن الصاحبة والولد، رافع السماء بغير أمد، ومجري السحاب بغير صفد، قاهر الخلق بغير عدد، لكن الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

والحمد لله الذي لم يخل من فضله المقيمون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) كذا في نسخة البحار، وفي النسخة المخطوطة من مهج الدعوات لصاحب الذريعة دام ظله: (ثم خلقهم من نطفة - ولم يكونوا شيئا - دليل على اعادتهم خلقا جديدا بعد فنائهم) الخ، وهو أظهر.

 

[119]

على معصيته، ولم يجازه لأصغر نعمه المجتهدون في طاعته، الغني الذي لا يضن برزقه على جاحده (4) ولا ينقض عطاياه أرزاق خلقه، خالق الخلق ومغنيه، ومعيده ومبديه ومعافيه، عالم ما أكنته السرائر، وأخبته الضمائر (5) واختلفت به الألسن وآنسته الأرض (6) الحي الذي لا يموت، والقيوم الذي لا ينام، والدائم الذي لا يزول، والعدل الذي لا يجور، والصافح عن الكبائر بفضله، والمعذب من عذب بعدله، لم يخف الفوت فحلم وعلم الفقر إليه فرحم، وقال في محكم كتابه: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) (7).

أحمده حمدا أستزيده في نعمته وأستجير به من نقمته، وأتقرب إليه بالتصديق لنبيه المصطفى لوحيه، المتخير لرسالته، المختص بشفاعته،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) لا يضن: أي لا يبخل برزقه على جاحديه فيقطعه عنهم.

(5) خبت - (من باب ضرب) خبتا ذكره، أي خفي، وفي المختار 28، من الباب الأول من المستدرك: (وأخفته الضمائر).

(6) ولعله كناية عما يكون ويوجد في الأرض، يقال: آنسه فلان: ألفه.

(7) الآية الأخيرة: (45) من سورة فاطر: 35.

 

[120]

القائم بحقه، محمد صلى الله عليه وآله، وعلى أصحابه، وعلى النبيين والمرسلين، والملائكة أجمعين، وسلم تسليما.

إلهي درست الآمال، وتغيرت الأحوال، وكذبت الألسن، وأخلفت العدات إلا عدتك، فإنك وعدت مغفرة وفضلا.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعطني من فضلك، وأعذني من الشيطان الرجيم، سبحانك وبحمدك، ما أعظمك وأحلمك وأكرمك، وسع بفضلك حلمك تمرد المستكبرين (8) واستغرقت نعمتك شكر الشاكرين، وعظم حلمك عن احصاء المحصين (9) وجل طولك عن وصف الواصفين، كيف لولا فضلك حلمت (10) عمن خلقته من نطفة ولم يك شيئا، فربيته بطيب رزقك،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) كذا في البحار، وفي النسخة المخطوطة من مهج الدعوات: (وسع حلمك تمرد المستكبرين) وهو الظاهر.

(9) وفي المخطوط من مهج الدعوات: (وعظم فضلك) الخ، وفي هامشه: (حلمك).

(10) كذا في النسخة، والسياق يمس إلى كلمتي الواو وما النافية، أي: ولولا فضلك ما حلمت عمن خلقت.

 

[121]

وأنشأته في تواتر نعمتك، ومكنت له في مهاد أرضك، ودعوته إلى طاعتك فاستنجد على عصيانك بإحسانك، وجحدك وعبد (11) غيرك في سلطانك كيف لولا حلمك أمهلتني (12) وقد شملتني بسترك، وأكرمتني بمعرفتك، وأطلقت لساني بشكرك، وهديتني السبيل إلى طاعتك، وسهلتني المسلك إلى كرامتك، وأحضرتني سبيل قربتك، فكان جزاؤك مني أن كافأتك عن الإحسان بالإسأة حريصا على ما أسخطك، منتقلا فيما أستحق به المزيد من نقمتك (13)، سريعا إلى ما أبعد رضاك، مغتبطا بعزة الأمل، معرضا عن زواجر الأجل، لم ينفعني حلمك عني (14) وقد أتاني توعدك بأخذ القوة مني حتى دعوتك على عظيم الخطيئة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) هذا هو الصواب الموافق للمخطوط من المهج، وفي البحار: (وعبدك).

(12) كذا في البحار والمخطوط من مهج الدعوات، والظاهر أن الواو وما النافية ساقطتان من الكلام، كما تقدم نظيره.

(13) كذا في البحار ومتن المخطوط من مهج الدعوات، وفي هامشه (مستقلا).

(14) كذا في البحار، وفي المخطوط من المهج: (لم يقنعني).

 

[122]

أستزيدك في نعمك غير متأهب لما قد أشرفت عليه من نقمتك [نقمك خ ل] مستبطأ لمزيدك، ومتسخطا لميسور رزقك، مقتضيا جوائزك بعمل الفجار، كالمراصد رحمتك بعمل الأبرار، [و] مجتهدا أتمني عليك العظائم، كالمدل الآمن من قصاص الجرائم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مصيبة عظم رزؤها وجل عقابها، بل كيف لولا أملي ووعدك الصفح عن زللي أرجو إقالتك وقد هاجرتك بالكبائر (15) مستخفيا عن أصاغر خلقك، فلا أنا راقبتك وأنت معي ولا راعيت حرمة سترك علي، بأي وجه ألقاك وبأي لسان أناجيك، وقد نقضت العهود والأيمان بعد توكيدها، وجعلتك علي كفيلا، ثم دعوتك مقتحما في الخطيئة فأجبتني، ودعوتني وإليك فقري فلم أجب، فواسوأتاه وقبح ضيعاه، أية جرأة تجرأت وأي تغرير غررت نفسي.

سبحانك فبك أتقرب إليك، وبحقك أقسم عليك، ومنك أهرب إليك، بنفسي استخففت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) كذا في البحار، وفي المخطوط من مهج الدعوات: (وقد جاهرتك بالكبائر) وهو أظهر.

 

[123]

عند معصيتي لا بنفسك، وبجهلي اغتررت لا بحلمك، وحقي أضعت لا عظيم حقك، ونفسي ظلمت، ولرحمتك الآن رجوت (16)، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت وتضرعت (17) فارحم إليك فقري وفاقتي وكبوتي لحر وجهي وحيرتي في سوأة ذنوبي إنك أرحم الراحمين.

يا أسمع مدعو وخير مرجو، وأحلم مغض (18) وأقرب مستغاث، أدعوك مستغيثا بك إستغاثة المتحير المستيئس من إغاثة خلقك، فعد بلطفك على ضعفي، واغفر بسعة رحمتك كبائر ذنوبي (19) وهب لي عاجل صنعك انك أوسع الواهبين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين يا الله يا أحد يا الله يا صمد، يامن لم يلد ولم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) كذا في البحار، وفي المخطوط من المهج: (وبرحمتك) الخ.

(17) هذا هو الظاهر الموافق للبحار وهامش المخطوط من مهج الدعوات، وفي متن المهج المخطوط: (وإليك أنيب وتضرعت).

(18) مغض مأخوذ من الإغضاء بمعنى التجاوز عن زلل العبيد، والصفح عن خطيئاتهم، وفي البحار: (واحلم مقض).

(19) وفي المخطوط من مهج الدعوات: (واغفو لي) الخ...

 

[124]

يولد ولم يكن له كفوا أحد (20).

اللهم أعيتني المطالب (21)، وضاقت علي المذاهب، وأقصاني الأباعد، وملني الأقارب، وأنت الرجاء إذا انقطع الرجأ، والمستعان إذا عظم البلاء، واللجاء في الشدة والرخاء، فنفس كربة نفس إذا ذكرها القنوط مساويها أيأست [آيست خ ل] من رحمتك، لا تؤيسني من رحمتك يا أرحم الراحمين.

مهج الدعوات للسيد ابن طاوس رحمه الله، ورواه عنه في البحار: 2، من 19، 132، ط الكمباني.

 

- 27 -

ومن دعاء له عليه السلام

اللهم لك الحمد كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، وأنت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) كذا في المخطوط من المهج، وكلمة (أحد) ساقطة من نسخة البحار.

(21) كذا في المخطوط من المهج، ولفظة (اللهم) ساقطة من البحار.

 

[125]

منتهى الشأن كله.

اللهم لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولك الحمد على غفرانك بعد غضبك.

اللهم لك الحمد رفيع الدرجات، مجيب الدعوات، منزل البركات، من فوق سبع سماوات معطي السؤلات، ومبدل السيئات حسنات وجاعل الحسنات درجات، والمخرج إلى النور من الظلمات.

اللهم لك الحمد غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب والطول (1)، لا إله إلا أنت، وإليك المصير.

اللهم لك الحمد في الليل إذا يغشى، ولك الحمد في النهار إذا تجلى، ولك الحمد في الآخرة، ولأولى.

اللهم لك الحمد في الليل إذا عسعس، ولك الحمد في الصبح إذا تنفس، ولك الحمد عند طلوع الشمس وعند غروبها، ولك الحمد على نعمك التي لا تحصى عددا، ولا تنقضي مددا سرمدا (2).

اللهم لك الحمد فيما مضى ولك الحمد فيما بقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة، ولا يبعد كون الاصل هكذا: (شديد العقاب ذي الطول) كما في الآية الثالثة من سورة المؤمن: 40.

(2) كذا.

 

[126]

اللهم أنت ثقتي، في كل أمر، وعدتي في كل حاجة، وصاحبي في كل طلبة، وأنسي في كل وحشة، وعصمتي عند كل هلكة.

اللهم صل على محمد وآل محمد ووسع لي رزقي، وبارك لي فيما آتيتني، واقض عني ديني، وأصلح لي شأني، إنك رؤوف رحيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العالمين، لا إله إلا الله رب العرش العظيم.

اللهم اني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل خير، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار.

اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا غما إلا كشفته، ولا سقما إلا شفيته، ولا دينا إلا قضيته، ولا خوفا إلا أمنته، ولا حاجة إلا قضيتها بمنك ولطفك برحمتك يا أرحم الراحمين.

البحار: 18، 436، ط الكمباني (*).

 

[127]

 

- 28 -

ومن دعاء له عليه السلام المعروف بدعاء الصباح

قال السيد ابن الباقي (ره): وكان أمير المؤمنين عليه السلام يدعو به بعد ركعتي الفجر.

وقال الشريف يحيى بن قاسم العلوي: ظفرت بسفينة (1) طويلة مكتوب فيها بخط سيدي وجدي أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، ليث بني غالب علي بن أبي طالب عليه أفضل التحيات، وكان في آخرها: كتبه علي بن أبي طالب في آخر نهار الخميس، حادي عشر شهر ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الهجرة.

ونقلته في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، من خطه المبارك، وكان مكتوبا بالقلم الكوفي على الرق، وكانت صورة المكتوب هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم هذا دعاء علمني رسول الله صلى الله عليه وآله (وكان يدعو به في كل صباح):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في البحار، ولا يبعد أن يكون المراد بالسفينة الجلد، بقرينة ما ذكر في اللغة من أن السفن: جلد خشن يجعل على قوائم السيوف، واعتياد الكتابة في الأعصار القديمة على الجلود.

ويحتمل كون النسخة ملحونة، والأصل هكذا: ظفرت بنسخة طويلة الخ.

وقال العلامة الرازي دام ظله: المراد من السفينة الطومار (*).

 

[128]

اللهم يامن دلع لسان الصباح بنطق تبلجه (2) وسرح قطع الليل المظلم [المدلهم خ ل] بغياهب تلجلجه (3) وأتقن صنع الفلك الدوار في مقادير تبرجه، وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه.

يامن دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملائمة كيفياته.

يامن قرب من خطرات الظنون، وبعد عن لحظات العيون (4) وعلم بما كان قبل أن يكون (5)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) دلع: أي أخرج، يقال: دلع لسانه فاندلع أي أخرجه فخرج. ودلع لسانه أي خرج، فهو يجي لازما ومتعديا.

والمراد بلسان الصباح الشمس عند طلوعها، أو النور المرتفع عن الأفق قبل طلوعها.

والتبلج: الاضاءة والإشراق والإضافة بيانية، أي بنطق هو إشراق ذلك اللسان.

(3) سرح - من باب منع وفعل -: أرسل. وغياهب جمع غيهب وهو الظلمة. والتلجلج: التردد والإضطراب.

(4) قال العلامة المجلسي (ره): وفي بعض النسخ: (وكان بلا كيف مكنون) أي مستور عن العقول فكيف بالكيف الظاهر، و (لا كيف) ههنا بمنزلة كلمة واحدة، ولذا صارت مجرورة بحرف الجر.

(5) والكون المستمعل ههنا تام، أي تعلق علمه بما وجد في الخارج قبل أن يوجد فيه، وذلك لأن لجميع الأشياء صورا علمية أزلية في ذات الحق.

وبهذا وأمثاله مما هو من بديهيات الشريعة يتضح جهل من يدعي العلم، ويقول بعدم علمه تعالى بالأشياء قبل وجودها (*).

 

[129]

يامن أرقدني في مهاد أمنه وأمانه، وأيقظني إلى ما منحني به من مننه واحسانه، وكف أكف السؤ عني بيده وسلطانه.

صل اللهم على الدليل إليك في الليل الأليل (6) والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل (7) والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الاول (8) وعلى آله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) أي البالغ في الظلمة، وهذا مثل قولهم: ظل ظليل، وعرب عرباء والمراد به زمان انقطاع العلم والمعرفة.

(7) الناصع: الخالص من كل شي، يقال: أبيض ناصع وأصفر ناصع أي خالص البياض والصفرة، ونصع الأمر: وضح وبان.

وذرى الشئ - بالضم -: أعاليه، والواحدة ذروة - بكسر الذال - وذروة - بالضم أيضا - أعلى السنام، وفلان يذري حسبه أي يمدحه ويرفع شأنه.

والكاهل: ما بين الكتفين.

والأعبل: الضخم الغليظ، يقال فلان عبل الذراعين: ضخمهما.

(8) الزحاليف - بالفاء لغة أهل العالية، وبالقاف في لغة بني تميم - جمع الزحلفة - كدحرجة بضم الزاء أيضا -: آثار تزلج الصبيان من فوق التل إلى أسفله، وقال ابن الأعرابي: الزحلوفة مكان منحدر يملس لأنهم يزحلفون فيه، والضمير في قوله: (زحاليفها) إما راجع إلى القدم فانها مؤنث سماعي، أو راجع إلى الجاهلية وأهلها بقرينة في الزمن الأول، أي كان (ص) ثابت القدم في الحق عند مزالق الجاهلية وفتنها (*).

 

[130]

الأخيار المصطفين الأبرار.

وافتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح (9).

وألبسني اللهم من أفضل خلع الهداية والصلاح.

واغرس [واغزر خ ل] اللهم بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع.

وأجر اللهم لهيبتك من آماقي زفرات الدموع (10) وأدب اللهم نزق الخرق مني بأزمة القنوع (11)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) مصاريع جمع مصراع، ومصراع الباب معروف.

(10) الموق - على زنة بوق وسوق - من العين: طرفها مما يلي الأنف - واللحاظ طرفها الذي يلي الأذن - والجمع آماق وأماق - كآبار وأبار في جمع البئر -.

والزفرات جمع الزفرة - بالكسر - وهي القربة، ومنه قيل للإماء اللواتي يحملن القرب: زوافر.

والدموع جمع الدمعة: ماء العين.

(11) النزق: الخفة والطيش. والخرق - بالضم وبالتحريك -: ضد الرفق، والحمق، والجهل، والأزمه جمع الزمام وهو الخيط الذي في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرفه المقود. وقد يسمى المقود زماما، والخشاش - بالكسر - الذي في أنف البعير وهو من خشب. والبرة - كالكرة -: حلقة من صفر. والخزامة من شعر. والقنوع بضم القاف: رضا الانسان بما قسم له.

وقد شبه عليه السلام الطيش الناشي من غلظة الطبيعة بحيوان يحتاج إلى أن يؤدب بالأزمة (*).

 

[131]

إلهي إن لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق، فمن السالك بي إليك في واضح الطريق، وإن أسلمتني أناتك لقائد الأمل والمنى، فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى (12)، وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان، فقد وكلني خذلانك إلى حيث النصب والحرمان.

إلهي أتراني ما أتيتك إلا من حيث الآمال، أم علقت بأطراف حبالك إلا حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال، فبئس المطية التي امتطت نفسي من هواها (13)، فواها لها لما سولت لها ظنونها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) الأناة - على زنة القناة -: الحلم، ويقال: تأنى في الأمر: ترفق وانتظر. والقائد: الذي يسوق الدابة من أمامها. والأمل: الرجاء. والمنى - بالضم - جمع منية، وهي الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشئ. والمقيل من الإقالة بمعنى فسخ العقد. والعثرات جمع عثرة وهي الزلة. والكبوات: السقطات. يقال كبا بوجهه عليه: سقط. والهوى - بالقصر - الميل النفساني الداعي إلى ما لا ينبغي، وجمعه أهواء.

(13) قال المجلسي الوجيه (ره): وفي بعض النسخ: (إلا حين باعدت بي).

وفي بعضها: (أبعدتني من دار الوصال).

وفي بعض النسخ: (عن صربة الوصال).

وفي القاموس: الصرب - بالكسر -: البيوت القليلة من ضعفى الاعراب. وقال: مطا الدابة: جدت في السير وأسرعت. والمطية: =

 

[132]

ومناها، وتبا لها لجرأتها على سيدها وموليها.

إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، وهربت إليك لاجئا من فرط أهوائي، وعلقت بأطراف حبالك أنامل ولائي، فاصفح اللهم عما كنت أجرمته من زللي وخطائي، وأقلني من صرعة ردائي، فإنك سيدي ومولاي ومعتمدي ورجائي وأنت غاية مطلوبي ومناي، في منقلبي ومثواي.

إلهي كيف تطرد مسكينا التجاء إليك من الذنوب هاربا، أم كيف تخيب مسترشدا قصد إلى جنابك ساعيا، أم كيف ترد ظمآن ورد إلى حياضك شاربا، كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول، وبابك مفتوح للطلب والوغول (14)، وأنت غاية المسئول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= الدابه تمطو في سيرها. وامتطاها وإمطاها: جعلها مطيه. قوله عليه السلام: (من هواها) بيان للمطيه، والضمير للنفس.

(14) مترعة - على صيغة المفعول - ممتلية، يقال: ترع - ترعا - من باب علم، والمصدر على وزن الفرح - الحوض أو الكوز: إمتلأ، فهو ترع. والضنك: الضيق.

والمحول جمع المحل وهو الجدب، أعني انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء.

يقال أرض جدبة وجدوب كما يقال: محل ومحول، يريدون بالواحد الجمع.

والوغول: الدخول على القوم في شرابهم والشرب معهم من دون أن يدعى إليه (*).

 

[133]

ونهاية المأمول.

إلهي هذه أزمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك، وهذه أعباء ذنوبي درأتها (15) بعفوك ورحمتك، وهذه أهوائي المضلة وكلتها إلى جناب لطفك ورأفتك.

فاجعل اللهم صباحي هذا نازلا علي بضياء الهدى وبالسلامة في الدين والدنيا، ومسائي جنة من كيد العدى، ووقاية من مرديات الهوى (16) إنك قادر على ما تشاء، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شي قدير.

تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) الضمير في (عقلتها) راجع إلى الأزمة، يقال عقلت البعير عقلا - من باب نصر وضرب -: ثنيت وظيفه مع ذراعه وشددتهما معا في وسط الذراع بحبل هو العقال. والأعباء جمع العبؤ، وهو الثقيل من كل شئ. ودرأتها: دفعتها.

(16) الوقاية: حفظ الشئ مما يضره، وقد يطلق على ما به ذلك الحفظ. قال المجلسي الوجيه (ره): وهو المراد ههنا. ومرديات الهوى: المهالك الناشئة من هوى النفس. يقال: ردي - ردى - من باب علم، والمصدر كعصا -: هلك. وردى الرجل وأرداه - من باب فعل وأفعل -: أهلكه (*).

 

[134]

وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب (لا إله إلا أنت).

سبحانك اللهم وبحمدك من ذا يعرف قدرك فلا يخافك، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك، ألفت بقدرتك الفرق، وفلقت بلطفك الفلق (17) وأنرت بكرمك دياجي الغسق (18)، وأنهرت المياه من الصم الصياخيد عذبا وأجاجا، وأنزلت من المعصرات ماء ثجاجا (19)، وجعلت الشمس والقمر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) وعن اختيار السيد ابن الباقي: (ألفت بمشيتك الفرق، وفلقت بقدرتك الفلق).

قال الراغب: المؤلف: ما جمع من أجزاء مختلفة ورتب ترتيبا قدم فيه ما حقه أن يقدم، وأخر فيه ما حقه أن يؤخر.

والفرق: الأمور المفترقة المخالفة في المهيات والصفات، أو الجماعات المختلفة المبائنة في الأنساب والصفات.

والفلق: شق الشي وابانة بعضه عن بعض، والفلق - محركا -: الصبح وقيل: هو ما يفلق عنه أي يفرق عنه، فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع الممكنات، فانه سبحانه فلق ظلمة العدم بنور الايجاد.

(18) أنرت: أضأت. ودياجي الغسق: حنادسه أي ظلماته، والغسق: شدة ظلام الليل. وقيل: ظلمة أوله، وفسر بنصفه أيضا.

(19) أنهرت المياه: أرسلتها وأجريتها. قال المجلسي (ره): وفي بعض النسخ: (أهمرت). والهمر: الصب. وحجر أصم: صلب مصمت. وصخرة =

 

[135]

للبرية سراجا وهاجا، من غير أن تمارس فيما ابتدأت به لغوبا ولا علاجا (20).

فيامن توحد بالعز والبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء، صل على محمد وآله الاتقياء، واسمع ندائي، واستجب دعائي، وحقق بفضلك أملي ورجائي، ياخير من دعي لكشف الضر والمأمول، لكل [في كل خ ل] عسر ويسر بك أنزلت حاجتي، فلا تردني من سني [باب خ ل] مواهبك خائبا، يا كريم يا كريم يا كريم برحمتك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= صيخود: شديدة.

والمعصرات: السحائب التى تعطر بالمطر، ويقال: مطر ثجاج: إذا انسب جدا.

(20) السراج يطلق على كل مضي متقد، فجعل الشمس والقمر سراجا كناية عن خلقهما مضيئا متوقدا لمصالح الخليقة. والوهاج من أبنية المبالغة أي كثير الاتقاد، من قولهم: (وهج النار وهجا ووهيجا ووهجانا) إتقدت، والفعل من باب وعد، والمصدر على زنة الوعد والوعيد ورمضان.

وقوله عليه السلام: (من غير أن تمارس) الخ. الممارسة: المزاولة.

واللغب واللغوب: الاعياء والفتور. والعلاج: الممارسة في الشئ من جهة أسبابه، والحيلة في تحصيله بوسائل.

ومراده عليه السلام نفي التعب والتمسك بالوسائل عن الله تعالى في خلق الموجودات والكائنات، بل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (*).

 

[136]

يا أرحم الراحمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجميعن (21).

ثم يسجد ويقول (22): إلهي قلبي محجوب، ونفسي معيوبة، وعقلي مغلوب، وهوائي غالب، وطاعتي قليلة، ومعصيتي كثيرة، ولساني مقر ومعترف بالذنوب، فكيف حيلتي يا ستار العيوب، ويا علام الغيوب، ويا كاشف الكروب، اغفر ذنوبي كلها بحرمة محمد وآل محمد، يا غفار يا غفار يا غفار، برحمتك يا أرحم الراحمين.

البحار: - 18، 656، وج 2، من - 19، 135، ط الكمباني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) وفي المجلد الثامن عشر من البحار بعد قوله عليه السلام: (يا كريم يا كريم يا كريم) هكذا: (ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

(22) قال المجلسي الوجيه (ره) في الثامن عشر من البحار 610، بعد ختام الدعاء: ثم اعلم أن السجود والدعاء فيه غير موجود في أكثر النسخ وفي بعضها موجود، وكان في اختيار السيد ابن الباقي مكتوبا على الهامش هكذا: (إلهي قلبي محجوب، وعقلي مغلوب، ونفسي معيوبة، ولساني مقر بالذنوب، وأنت ستار العيوب، فاغفر لي ذنوبي يا غفار الذنوب، يا شديد العقاب، يا غفور يا شكور يا حليم اقض حاجتي بحق الصادق رسولك الكريم وآله الطاهرين، برحمتك يا أرحم الراحمين) (*).

 

[137]

والمختار 62.

من الصحيفة الاولى 157.

أقول: قال العلامة المجلسي (أعلى الله في المقربين مجالسه): هذا الدعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المعتبرة إلا في مصباح السيد ابن الباقي (ره)، ووجدت منه نسخة قراءة المولى الفاضل مولانا درويش محمد الاصبهاني جد والدي من قبل أمه (23)، على العلامة مروج المذهب نور الدين علي بن عبدالعالي الكركي قدس الله روحه فأجازه، وهذه صورته:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) قال العلامة الرازي دام ظله في احياء الداثر من مآثر من في القرن العاشر (المخطوط 130): المولى كمال الدين درويش محمد بن الشيخ حسن العاملي الاصفهاني النطنزي المدفون بها في مقبرته المشهورة، كان من تلاميذ الشهيد الثاني في بلاده، ولما جاء إلى اصفهان استجاز من المحقق الكركي فكتب له اجازة تاريخها سنة 939.

أقول: ثم ذكر دام ظله صورة الاجازة من البحار: 18، ص 606، والمجلد التاسع عشر 136، كما ذكرناه في المتن، ثم قال: ويروي عنه جماعة: منهم ولده الشيخ المولى محمد قاسم بن درويش محمد، والشيخ يونس الجزائري، والقاضي معز الدين محمد، والقاضي أبو الشرف الاصفهاني، والشيخ عبد الله ابن جابر بن عبد الله العاملي، وهؤلا كلهم من مشايخ سبط صاحب الترجمة المولى محمد تقي المجلسي (ره) ذكرهم في أول لوامعه، أي شرحه على الفقيه - إلى آخر ما حرره دام بقاه من نقل صورة اجازة الكركي له رحمهما الله من اجازات البحار بمثل ما تقدم من المجلد التاسع عشر - (*).

 

[138]

(الحمد لله، قرأ علي هذا الدعاء والذي قبله (24) عمدة الفضلا الأخيار الصلحاء الابرار مولانا كمال الدين، درويش محمد الاصفهاني بلغه الله ذروة الاماني قرأة تصحيح، كتبه الفقير علي بن عبدالعالي في سنة تسع وثلاثين وتسعمأة حامدا مصليا).

ووجدت في بعض الكتب سندا آخر له هكذا: قال الشريف يحيى ابن قاسم العلوي - إلى آخر ما مر في صدر الدعاء -.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(24) ولعدم وجود النسخة المقرؤة عليه عندنا، لم يعلم الدعاء المذكور قبله.