[178]

- 33 -

ومن دعاء له عليه السلام وهو مناجاته برواية القضاعي

قال القاضي القضاعي: أخبرني أبو عبد الله محمد بن منصور بن شيكا التستري مجيزا، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن غراب، قال: حدثني القاضي أحمد بن محمد، قال: حدثنا القاضي موسى بن اسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي شبه (1)، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الله الاسدي، قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول في مناجاته: إلهي لولا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي، ولولا ما ذكرت من الإفراط ما سفحت عبراتي.

إلهي فامح مثبتات العثرات بمرسلات العبرات، وهب كثير السيئات لقليل الحسنات.

إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك فإلى من يفزع المقصرون، وإن كنت لا تقبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كذا في النسخة المطبوعة في مصر (*).

 

[179]

إلا من المجتهدين، فإلى من يلتجئ المخطئون، وإن كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان، فكيف يصنع المسيئون، وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون، فبمن يستغيث المذنبون.

إلهي إن كان لا يجوز على الصراط إلا من أجازته برأة عمله فأنى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل حلول أجله.

إلهي إن حجب عن موحديك نظر تعمد (2) لجناياتهم، أوقعهم غضبك بين المشركين في كرباتهم.

إلهي فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك، وستصف لنا ما كدرته الجرائم بصفح صلاتك.

إلهي ارحم غربتنا إذا تضمنتنا بطون لحودنا وعميت علينا باللبن سقوف بيوتنا، وأضجعنا على الايمان في قبورنا، وخلفنا فرادى في أضيق المضاجع، وصرعتنا المنايا في أنكر المصارع، وصرنا في ديار قوم كأنها مأهولة وهي منهم بلاقع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي إن حجبت عن موحديك نظر تعمدك لجناياتهم) الخ، وهو الظاهر.

 

[180]

إلهي فإذا جئناك عراة مغبرة من ثرى الأجداث رؤوسنا، وشاحبة من تراب الملاحد وجوهنا (3)، وخاشعة من أهوال القيامة أبصارنا، وجائعة من طول القيام بطوننا، وبادية هناك للعيون سوأتنا ومثقلة من أعباء الأوزار ظهورنا، ومشغولين بما قد دهانا عن أهلينا وأولادنا، فلا تضاعف علينا المصائب بإعراض وجهك الكريم عنا، وسلب عائدة ما مثله الرجاء منا.

إلهي ما حنت هذه العيون إلى بكائها، ولا جادت متسربة بمائها (4) ولا شهرت بنحيب المثكلات فقد عزائها، إلا لما سلف من نفورها وإبائها، وما دعاها إليه عواقب بلائها، وأنت القادر يا كريم على كشف غمائها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق: (وشاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا) وكأنه جمع الملحودة بمعنى الشق في جانب القبر الذي يوضع فيه الميت.

ولم أر فيما عندي من كتب اللغة من يذكر أن اللحد أو الملحودة يجمع على الملاحد أو الملاحيد.

(4) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (ولا جادت متشربة بمائها، ولا أشهدها بنحيب الثاكلات فقد عزائها) الخ.

وفي المختار العشرين: (ولا جادت منشربة بمائها، ولا أسهرها بنحيب الثاكلات) الخ (*).

 

[181]

إلهي ثبت (5) حلاوة ما يستعذبه لساني من النطق في بلاغته، بزهادة ما يرفعه قلبي من النصح في دلالته.

إلهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به من المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير المسئولين.

إلهي كيف يقبل بنا اليأس عن الإمساك [عما] لهجنا بطلابه (6)، وقد ادرعنا من تأميلنا إياك أسبغ أثوابه.

إلهي إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أشفقنا (7) وإذا تلونا منها الغفور الرحيم فرحنا، فنحن بين أمرين، لا يؤمننا سخطك ولا تؤيسنا رحمتك (8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي شب حلاوة ما يستعذبه لساني) الخ.

(6) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (إلهي كيف ينقل بنا اليأس إلى الإمساك عما لهجنا بطلابه).

(7) وفي المختار (11، و 20): (إذا تلونا من صفاتك شديد العقاب أسفنا) الخ.

(8) كذا في النسخة، وفي المختار العشرين: (فلا سخطك تؤمننا، ولا رحمتك تؤيسنا) والصواب ما في المختار (11) من قوله: (فلا سخطتك تؤيسنا، ولا رحمتك تؤمننا) (*).

 

[182]

إلهي إن قصرت بنا مساعينا عن استحقاق نظرك، فما قصرت رحمتك بنا عن دفاع نقمتك.

إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا صدورنا، وكيف تلتئم في عمرانها أمورنا، وكيف يخلص (9) فيها سرورنا، وكيف يملكنا باللهو واللعب غرورنا، وقد دعتنا باقتراب آجالنا قبورنا.

إلهي كيف نبتهج بدار حفرت لنا فيها حفائر صرعتها، وقلبتنا بأيدي المنايا حبائل غدرتها، وجرعتنا مكرهين جرع مرارتها، ودلتنا العبر على انقطاع عيشتها (10).

إلهي فاليك نلتجي من مكائد خدعتها، وبك نستعين على عبور قنطرتها، وبك نستعصم (11) الجوارح على أخلاف شهوتها، وبك نستكشف جلابيب حيرتها، وبك يقوم من القلوب استصعاب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) وفي المختار "11": (وكيف تلتئم في غمراتها امورنا، وكيف يخلص لنا فيها سرورنا) الخ، وفي المختار "20": (وكيف تلتام في غمراتها امورنا، وكيف يخلص لنا فيها امورنا) الخ.

(10) وفي المختار "11": (ودلتنا النفس على انقطاع عيشتها).

(11) وفي غيره: (وبك نستفطم الجوارح) الخ (*).

 

[183]

جهالتها (12).

إلهي كيف للدور أن تمنع من فيها من طوارق الرزايا، وقد أصيب في كل دار سهم من أسهم المنايا.

إلهي ما نفجع بأنفسنا عن الديار، إن لم توحشنا هناك ممرافقة الأبرار (13).

إلهي ما تضرنا فرقة الإخوان والقرابات، إذا قربتنا منك يا ذا العطيات.

إلهي ارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري، وإمحى من المخلوقين ذكري، وصرت في المنسيين كمن قد نسى.

إلهي كبرت سني، ودق عظمي، ورق جلدي ونال الدهر مني، واقترب أجلي، ونفدت أيامي، وذهبت شهوتي، وبقيت تبعتي، وامتحت محاسني، وبلي جسمي، وتقطعت أوصالي، وتفرقت أعضائي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (وبك نقوم من القلوب استصعاب جهالتها).

(13) وفي المختار (11 و 20): (إلهي ما تتفجع أنفسنا من النقلة عن الديار، إن لم توحشنا هنالك من مرافقة الأبرار) الخ (*).

 

[184]

إلهي فارحمني (14).

إلهي أفحمتني ذنوبي، وانقطعت مقالتي فلا حجة لي ولا عذر، فأنا المقر بجرمي، والمعترف بإساءتي والأسير بذنبي، والمرتهن بعملي، المتهور في خطيئتي، المتحير عن قصدي، المنقطع بي.

إلهي فصل على محمد وآل محمد، وارحمني برحمتك، وتجاوز عني (15).

إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي، فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما، وكان ظني بجودك أن تقلبني مرحوما، كلا إني لم أسلط على حسن ظني بك قنوط ظن الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.

إلهي إن كنا مرحومين فانا نبكي على ما ضيعناه في طاعتك ما تستوجبه، وإن كنا محرومين فإنا نبكي إذ فاتنا من جوارك ما نطلبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (إلهي فارحمني إذا تغيرت صورتي، وامتحت محاسني وبلي جسمي وتقطعت أوصالي وتفرقت أعضائي) الخ.

(15) وفي المختار الحادي عشر: (وتجاوز عني يا كريم بفضلك).

 

[185]

إلهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به، وكبر ذنبي إذ كنت المطالب به، إلا أني إذا ذكرت كثرة ذنوبي وعظيم غفرانك وجدت الحاصل لي بينهما عفو رضوانك.

إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنسني اليقين بمكارم عطفك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الإستعداد للقائك، فقد أنبهتني المعرفة بكريم آلائك.

إلهي إن عزب لبي عن تقويم ما يصلحني، فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.

إلهي جئتك ملهوفا قد ألبست عدمي وفاقتي وأقامني مقام الأذلين بين يديك ذل حاجتي (16).

إلهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك، وجد بمعروفك فاخلطني بأهل نوالك (17).

إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا وعن التعرض لغيرك بالمسألة عادلا، وليس من جميل امتنانك أن ترد سائلا ملهوفا، ومضطرا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) وفي المختار الحادي عشر: (قد ألبست عدم فاقتي، وأقامني مقام الأذلا بين يديك ضر حاجتي)، ومثله في المختار الخامس.

(17) وفي المختار الخامس: (وجدت بالمعروف) الخ (*).

 

[186]

لانتظار أمرك مألوفا.

إلهي أقمت على قنطرة الأخطار (18) مبلوا بالأعمال والاعتبار، فأنا الهالك ان لم تعن عليها بتخفيف الآصار (19).

إلهي أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي، أم من أهل السعادة فأبشر رجائي.

إلهي لو لم تهدني إلى إلاسلام ما اهتديت، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، ولو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، ولو لم تعرفني حلاوة نعمتك ما عرفت، ولو لم تبين شديد عقابك ما استجرت.

إلهي إن أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.

إلهي نفسا أعززتها بتأييد إيمانك، كيف تذلها بين أطباق نيرانك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) وفي المختار (11، و 20): (إلهي أقمت على قنطرة من قناطر الأخطار) الخ.

(19) - جمع الأصر مثلث الفاء -: الأثقال، الذنوب. وفي المختار الحادي عشر: (إن تعن علينا بتخفيف الأثقال) وفي المختار العشرين: (إن لم تعن عليها بتخفيف الأوزار) (*).

 

[187]

إلهي لسانا كسوته من وحدانيتك أنقى أثوابها كيف تهوي إليه من النار شعلات التهابها (20).

إلهي كل مكروب فإليك يلتجي، وكل محزون فإياك يرتجي.

إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، وسمع المذنبون بسعة رحمتك فقنعوا، وسمع المولون عن القصد بجودك فرجعوا، وسمع المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا، حتى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك ببابك، وعج منهم إليك عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك، ولكل أمل ساق صاحبه إليك محتاجا، ولكل قلب تركه يا رب وجيف الخوف منك مهتاجا (21)، فأنت المسئول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب، ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(20) وفي المختار الحادي عشر: (إلهي لسان كسوته من تماجيدك أنيق [أبين خ ل] أثوابها، كيف تهوي إليه من النار مشتعلات التهابها).

(21) كذا في النسخة، وفي غيره من الطرق: (ولكل قلب تركه وجيب خوف المنع منك مهتاجا) الخ. أقول: الوجيف والوجيب بمعنى واحد، يقال: وجب يجب وجبا ووجيبا ووجبانا القلب: رجف وخفق. ووجف يجف وجفا ووجيفا القلب: خفق. والشئ: اضطرب، فهو جاف وواجف. وكلاهما من باب وعد (*).

 

[188]

يرد نائله قاطعات المعاطب (22).

إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.

إلهي إن كانت نفسي استسعدتني متمردة على ما يرديها، فقد استسعدتها الآن بدعائك على ما ينجيها.

إلهي إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه حسرتها فقد أقسطت في تعريفي إياها من رحمتك أسباب رأفتها.

إلهي إن قطعني قلة الزاد في المسير إليك، فقد وصلته بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك.

إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت لها عيون وسائلي، وإذا ذكرت سخطك بكت له عيون مسائلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) وفي المختار الخامس: (وأنت المسؤل الذي لا تسود لديه وجوه المطالب، ولم ترد بنزيله قطيعات [فظيعات خ ل] المعاطب) الخ.

وفي المختار (11): (ولم تزرأ بنزيله فظيعات المعاتب).

وفي المختار العشرين: (ولم تزر بنزيله قطيعات المعاطب) (*).

 

[189]

إلهي أدعوك دعاء من لم يرج غيرك في دعائه وأرجوك رجاء من لم يقصد غيرك في رجائه.

إلهي كيف أسكت بالإفحام لسان ضراعتي، وقد أقلقني ما أبهم علي من مصير عاقبتي.

إلهي قد علمت حاجة جسمي إلى ما تكفلت له من الرزق في حياتي، وعرفت قلة استغنائي عنه في الجنة بعد وفاتي، فيامن سمح لي به متفضلا في العاجل، لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه في الآجل.

إلهي إن عذبتني فعبد خلقته لما أردت فعذبته، وإن رحمتني فعبد ألفيته مسيئا فأنجيته.

إلهي لا احتراس من الذنب إلا بعصمتك، ولا وصول إلى عمل الخيرات إلا بمشيتك، وكيف لي بافادة ما سلبتني فيه مشيتك (23)، وكيف لي باحتراس من الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك (24)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) وفي المختار الحادي عشر: (فكيف لي بافادة ما أسلفتني فيه مشيتك) الخ، وفي المختار العشرين: (فكيف لي بافادة ما أسلمتني فيه مشيتك) الخ.

(24) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (وكيف لي بالإحتراس من الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك).

 

[190]

إلهي أنت دللتني على سؤال الجنة قبل معرفتها فأقبلت النفس بعد العرفان على مسألتها، أفتدل على خيرك السؤال ثم تمنعه، وأنت الكريم المحمود في كل ما تصنعه، يا ذا الجلال والإكرام.

إلهي إن كنت غير مستأهل لما أرجو من رحمتك، فأنت أهل أن تجود على المذنبين بفضل سعتك.

إلهي نفسي قائمة بين يديك، وقد أظلها حسن توكلها عليك، فاصنع بي ما أنت أهله وتغمدني برحمتك (25).

إلهي إن كان دنا أجلي ولم يقربني منك عملي فقد جعلت الإعتراف بالذنب وسائل عللي، فان عفوت فمن أولى منك بذلك، وان عذبت فمن أعدل منك في الحكم هنالك.

إلهي إنك لم تزل بارا بي أيام حياتي فلا تقطع برك بي بعد وفاتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) وفي المختار الحادي عشر: (إلهي إن نفسي قائمة بين يديك، وقد أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بها ما يشبهك، وتغمدتني بعفوك).

وفي المختار العشرين: (إلهي كأني بنفسي قائمة بين يديك، وقد أظلها حسن توكلي عليك، فصنعت بي ما يشبهك، وتغمدتني بعفوك) (*).

 

[191]

إلهي كيف آيس من حسن نظرك بعد مماتي (26) وأنت لم تولني إلا الجميل في حياتي.

إلهي إن ذنوبي قد أخافتني، ومحبتي لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله، وعد بفضلك على من غمره جهله، يامن لا تخفى عليه خافية، صل على محمد وعلى آل محمد، واغفر لي ما خفي عن الناس من أمري.

إلهي ليس اعتذاري إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره، فاقبل عذري ياخير من اعتذر إليه المسيئون.

إلهي إنك لو أردت إهانتي لم تهدني، ولو أردت فضيحتي لم تعافني، فمتعني بما له هديتني وأدم لي ما به سترتني.

إلهي لولا ما اقترفت من الذنوب ما خفت عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك، وأنت أكرم الأكرمين بتحقيق آمال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) كذا في النسخة، ومثله في مناجاة الشعبانية، وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي كيف أيأس من حسن نظرك لي بعد مماتي وأنت لم تولني إلا الجميل في أيام حياتي)، وفي المختار العشرين: (وأنت لم تولني إلا الجميل أيام حياتي) (*).

 

[192]

الآملين، وأرحم من استرحم في تجاوزه عن المذنبين (27).

إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي فأكرم بها أمنيتي، فقد بشرت بعفوك وصدق كرمك مبشرات تمنيها، وهب لي بجودك مقصرات تجنيها (28).

إلهي ألقتني الحسنات بين جودك وكرمك، وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك، وقد رجوت أن لا يضيع بين ذين وذين مسئ ومحسن.

إلهي إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك، وانطلق لساني بتمجيدك، ودلني القرآن على فضائل جودك، فكيف لا يبتهج رجائي بحسن موعدك (29).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(27) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (وأنت أولى الأكرمين بتحقيق أمل الآملين) الخ.

(28) كذا في النسخة، وفي المختار الحادي عشر: (فاكرم بها أمنية بشرت بعفوك، فصدق بكرمك مبشرات تمنتها [تمنيها خ ل] وهب لي بجودك مدبرات [مدمرات خ ل] تجنيها).

وفي المختار العشرين: (فأكرم بها أمنية بشرت بعفوك وصدق بكرمك مبشرات تمنيها، وهب لها بجودك مدمرات تجنيها)).

(29) كذا في النسخة، والصواب: (بحسن موعودك) كما تقدم (*).

 

[193]

إلهي تتابع إحسانك يدلني على حسن نظرك، فكيف يشقى امرؤ أوليته منك حسن النظر.

إلهي إن نظرت إلي بالهلكة عيون سخطك، فما نامت عن استنقاذي منها عيون رحمتك.

إلهي إن عرضني ذنبي لعقابك فقد أدناني رجائي من ثوابك (30).

إلهي إن غفرت فبفضلك، وإن عذبت فبعدلك، فيامن لا يرجى إلا فضله، ولا يخاف إلا عدله صل على محمد وآل محمد، وامنن علي بفضلك ولا تستقص علي عدلك (31).

إلهي خلقت لي جسما، وجعلت لي فيه آلات أطيعك بها وأعصيك، وأغضبك بها وأرضيك، وجعلت لي من نفسي داعيا إلى الشهوات، وأسكنتني دارا ملئت من الآفات، وقلت لي: ازدجر فبك أعتصم، وبك أحترز، وأستوفقك لما يرضيك، وأسألك فان سؤالي لا يحفيك (32).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) ومثله في المختار الحادي عشر، وقريب منه جدا في المختار العشرين.

(31) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (ولا تستقص علينا في عدلك).

(32) استوفقك: أي أطلب توفيقك اياي للأعمال التي ترضيك، وأسألك وأطلب منك جميع الخيرات، فان الطلب منك والسؤال عنك لا يحفيك =

 

[194]

إلهي لو عرفت اعتذارا وتنصلا هو أبلغ من الإعتراف به لأتيته، فهب لي ذنبي بالإعتراف، ولا تردني في طلبي بالخيبة عند الإنصراف.

إلهي كأني بنفسي قد اضطجعت في حفرتها، وانصرف عنها المشيعون من عشيرتها، وناداها من شفير القبر ذوو مودتها، ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها، ولم يخف على الناظرين إليها ذل فاقتها، ولا على من رآها قد توسدت الثرى عجز حيلتها.

فقلت: ملائكتي قريب نآى عنه الآقربون، وبعيد جفاه الأهلون، وخذله المأملون، نزل بي قريبا، وأصبح في اللحد غريبا، وقد كان لي في دار الدنيا راعيا، ولنظري إليه في هذا اليوم راجيا، فتحسن عند ذلك ضيافتي، وتكون أشفق علي من أهلي وقرابتي.

إلهي سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها فلا تفضحني يوم ألقاك على رؤوس العالمين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= أي لا يجهدك -، فان إتعاب الطلب وإجهاد السؤال للمسؤول عنه إما لكونه بخيلا أو لقصوره وعدم مكنته لإجابته الطالب والسائل، والله تعالى أكرم الأكرمين، وأغنى من جميع العالمين، وأقدر القادرين.

 

[195]

واسترها علي هناك يا أرحم الراحمين.

إلهي لو طبقت ذنوبي بين السماء والأرض، وخرقت النجوم، وبلغت أسفل الثرى، ماردني اليأس عن توقع غفرانك، ولا صرفني القنوط عن انتظار رضوانك.

إلهي سعت نفسي إليك لنفسي تستوهبها، وفتحت أفواه أملها تستوجبها (33)، فهب لها ما سألت وجد لها بما طلبت، فإنك أكرم الأكرمين بتحقيق أمل الآملين.

إلهي قد أصبت من الذنوب ما [قد] عرفت، وأسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني عبدا لك إما طائعا أكرمتني، وإما عاصيا فرحمتني.

إلهي دعوتك بالدعاء الذي علمتني، فلا تحرمني من حبائك الذي عرفتني، فمن النعمة أن هديتني لحسن دعائك، ومن تمامها أن توجب لي محمود جزائك.

إلهي انتظرت عفوك كما ينتظره المسيئون،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) كذا في النسخة، وفيه سقط بين، والصواب: (وفتحت أفواه آمالها نحو نظرة منك [برحمة] لا تستوجبها، فهب لها ما سألت) الخ، كما في المختار (11، و 20) (*).

 

[196]

ولست أيأس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.

الهي جودك بسط أملي، وشكرك قبل عملي، فصل على محمد وعلى آل محمد، وبشرني بلقائك وأعظم رجائي لجزائك.

إلهي أنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل الآملين، ولا يبطل عندك سبق السابقين.

إلهي إن كنت لم أستحق معروفك ولم أستوجبه فكن أهل التفضل به علي، فالكريم لم يضع معروفه عند كل من يستوجبه (34).

إلهي مسكنتي لا يجبرها إلا عطاؤك، وأمنيتي لا يغنيها إلا نعماؤك.

إلهي أستوفقك لما يدنيني منك، وأعوذ بك مما يصرفني عنك.

إلهي أحب الأمور إلى نفسي، وأعودها علي منفعة ما أرشدتها بهدايتك إليه، ودللتها برحمتك عليه، فاستعملها بذلك عني إذ أنت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(34) وفي المختار الحادي عشر: (إلهي إن كنت غير مستوجب لما أرجو من رحمتك، فأنت أهل التفضل علي بكرمك، فالكريم ليس يصنع كل معروف عند من يستوجبه) أي ليس شأن الكريم أن يصنع أو يضع معروفه عند كل من يستوجبه فقط بل يعمم المستوجبين وغيرهم جميعا (*).

 

[197]

أرحم بها مني.

إلهي أرجوك رجاء من (35)، وأخافك خوف من يرجو ثوابك، فقني بالخوف شر ما أحذر، وأعطني بالرجاء خير ما أحاذر.

إلهي انتظرت عفوك كما ينتظر المذنبون، ولست آيسا من رحمتك التي يتوقعها المحسنون.

إلهي مددت إليك يدا بالذنوب مأسورة، وعينا بالرجاء مذرورة، وحقيق لمن دعاك بالندم تذللا، أن تجيب له بالكرم تفضلا.

إلهي إن عرضتني ذنوبي لعقابك، فقد أدناني رجائي من ثوابك.

إلهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط الآيسين فلا تبطل صدق رجائي بك بين الآملين.

إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيامي، فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.

إلهي إن أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(35) كذا في النسخة، وفيه سقط بين، ولعل الأصل هكذا: (إلهي أرجوك رجاء من يخاف عقابك) الخ (*).

 

[198]

إلهي ما أضيق الطريق على من لم تكن أنت دليله، وما أوحش المسلك على من لم تكن أنت أنيسه.

إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت خطيأتي، وما لها لا تنهمل ولا أدري ما يكون إليه مصيري أو ماذا يهجم عليه عند البلاغ مسيري (36)، وأرى نفسي تخاتلني، وأيامي تخادعني، وقد خفقت فوق رأسي أجنحة الموت، ورمتني من قريب أعين الفوت (37) فما عذري وقد أوجس في مسامعي رافع الصوت (38).

لقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته (39) أن لا يعرني منه بين الأموات بجود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) وفي المختار الحادي عشر والعشرين: (إلهي انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي، وما لها لا تنهمل ولا أدري [وما أدري خ ل] إلى ما يكون مصيري، وعلى ماذا يهجم عند البلاغ مسيري) الخ.

(37) وفي المختار (11، و 20): (ورمقتني من قريب) الخ.

(38) وفي المختار (11، و 20): (فما عذري وقد حشا مسامعي) الخ.

(39) وهنا أيضا سقط، وفي المختار (5 و 11) هكذا: (إلهي لقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته، أن لا يعريني منه بين الأموات بجود رأفته، ولقد رجوت ممن تولاني في حياتي باحسانه، أن يشفعه لي عند وفاتي بغفرانه) =

 

[199]

رأفته، ولقد رجوت حين تولاني باقي حياتي بإحسانه، أن يسعفني عند وفاتي بغفرانه.

يا أنيس كل غريب، آنس في القبر وحشتي، ويا ثاني كل وحيد، ارحم في القبر وحدتي، يا عالم السر وأخفى، ويا كاشف الضر والبلوى، كيف نظرك لي من بين ساكني الثرى، وكيف صنعك بي في دار الوحشة والبلى، فقد كنت بي لطيفا أيام حياة الدنيا (40).

يا أفضل المنعمين في آلائه، وأنعم المفضلين في نعمائه، كثرت عندي أياديك فعجزت عن احصائها، وضقت ذرعا في شكري لك بجزائها، فلك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أبليت.

ياخير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج بذمة الإسلام أقبلت إليك، وبحرمة القرآن أعتمد عليك، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أتقرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= وفى المختار (20) هكذا: (إلهى قد رجوت ممن تولاني في حياتي باحسانه: أن يتغمدني عند.

وفاتي بغفرانه: ولقد رجوت ممن ألبسني بين الأحياء ثوب عافيته أن لا يعرينى منه بين الأموات بجود رأفته).

(40) وفي المختار (5 و 11، و 20): (وكيف صنيعك الي) الخ (*).

 

[200]

إليك، فصل على محمد وعلى آل محمد، واعرف لي ذمتي التي بها رجوت قضاء حاجتي، واستعملني بطاعتك، واختم لي بخير، وأعتقني من النار، وأسكني الجنة، ولا تفضحني بسريرتي حيا ولا ميتا، وهب لي الذنوب التي فيما بيني وبينك، وأرض عبادك عني في مظالمهم قبلي، واجعلني ممن رضيت عنه، فحرمته على النار والعذاب.

وأصلح لي كل أموري التي دعوتك فيها في الآخرة والدنيا.

يا حنان يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يامن له الخلق والأمر، تباركت يا أحسن الخالقين، يا رحيم يا كريم يا قدير، صل على محمد وعلى آله الطيبين، وعليه وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته، إنه حميد مجيد.

المختار ما قبل الأخير من الباب الثامن من دستور معالم الحكم 158، طبع مصر.

وقد علم مما تقدم أن هذه المناجاة بحسب الصناعة قد بلغت فوق حد الإستفاضة، مع أن متنه بنفسه برهان قاطع على صدوره من أمير المؤمنين عليه السلام (*).