[201]
ومن دعاء له عليه السلام
إلهي توعرت الطرق وقلّ السالكون، فكن أنيسي في وحدتي وجليسي في خلوتي، فإليك أشكو فقري وفاقتي، وبك أنزلت ضري ومسكنتي، لأنك غاية أمنيتي، ومنتهى بلوغ طلبتي.
فيا فرحة لقلوب الواصلين، ويا حياة لنفوس العارفين، ويانهاية شوق المحبين، أنت الذي بفنائك حطت الرحال، وإليك قصدت الآمال، وعليك كان صدق الإتكال.
فيامن تفرد بالكمال، وتسربل بالجمال، وتعزز بالجلال، وجاد بالإفضال، لا تحرمنا منك النوال.
إلهي بك لاذت القلوب، لأنك غاية كل محبوب، وبك استجارت فرقا من العيوب، وأنت الذي علمت فحلمت، ونظرت فرحمت، وخبرت
[202]
فسترت، وغضبت فغفرت، فهل مؤمل غيرك فيرجى، أم هل رب سواك فيخشى، أم هل معبود سواك فيدعى، أم هل قدم عند الشدائد إلا وهي إليك تسعى، فوعزتك (1) يا سرور الأرواح، ويا منتهى غاية الأفراح، اني لا أملك غير ذلي ومسكنتي لديك، وفقري وصدق توكلي عليك فأنا الهارب منك إليك، وأنا الطالب منك ما لا يخفى عليك، فإن عفوت فبفضلك، وإن عاقبت فبعدلك، وإن مننت فبجودك، وإن تجاوزت فبدوام خلودك.
إلهي بجلال كبريائك أقسمت، وبدوام خلود بقائك آليت، أني لا برحت مقيما ببابك حتى تؤمنني من سطوات عذابك، ولا أقنع بالصفح عن سطوات عذابك حتى أروح بجزيل ثوابك.
إلهي عجبا لقلوب سكنت إلى الدنيا، وتروحت بروح المنى، وقد علمت أن ملكها زائل، ونعيمها راحل، وظلها آفل، وسندها مائل، وحسن نضارة بهجتها حائل، وحقيقتها باطل، كيف لا يشتاق إلى روح ملكوت السماء، وأنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وفي البحار: (فوعز عزك يا سرور الارواح) الخ (*).
[203]
لهم ذلك، وقد شغلهم حب المهالك، وأضلهم الهوى عن سبيل المسالك.
إلهي اجعلنا ممن هام بذكرك لبه (2)، وطار من شوقه إليك قلبه، فاحتوثه عليه دواعي محبتك (3) فحصل أسيرا في قبضتك.
إلهي كيف أثني - وبدء الثناء منك - عليك وأنت الذي لا يعبر عن ذاته نطق، ولا يعيه سمع، ولا يحويه قلب، ولا يدركه وهم، ولا يصحبه عزم، ولا يخطر على بال، فأوزعني شكرك، ولا تؤمني مكرك، ولا تنسني ذكرك، وجد بما أنت أولى أن تجود به، يا أرحم الراحمين.
الحديث السابع عشر من الباب 25، من البحار: 2، من 19، 94 ط الكمباني، نقلا عن أصل قديم، استظهر العلامة النوري (ره) انه للتلعكبري (ره).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هام يهيم هياما: عطش. والهيام - بضم الهأ -: أشد العطش.
(3) كذا في النسخة، يقال: أحاث الشئ: أثاره. والأظهر أن يقرأ كلمة (فاحتوشه) بالشين المعجمة - وان لم يساعده رسم الخط - لا بالثاء.
[204]
ومن دعاء له عليه السلام في الشدائد، ونوازل الحوادث، المعروف بدعاء اليماني
(1)اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنا (2) عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي الذنوب لا إله إلا أنت، يا غفور.
اللهم اني أحمدك وأنت للحمد أهل على ما خصصتني به من مواهب الرغائب، ووصل الي من فضائل الصنائع، وعلى ما أوليتني به وتوليتني به من رضوانك، وأنلتني من منك الواصل إلي، ومن الدفاع عني، والتوفيق لي، والإجابة لدعائي حتى أناجيك راغبا وأدعوك مصافيا، وحتى أرجوك فأجدك في المواطن كلها لي جابرا، وفي أموري ناظرا، ولذنوبي غافرا، ولعوراتي ساترا، لم أعدم خيرك طرفة عين منذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وللدعاء طرق ومصادر تأتي الإشارة إليها عند الختام فلا تذهل.
(2) وفي البحار: (اللهم أنت الملك الحق الذي لا إله إلا أنت وأنا عبدك) الخ (*).
[205]
أنزلتني دار الإختيار (3) لتنظر ماذا أقدم لدار القرار، فأنا عتيقك اللهم - من جميع المصائب - واللوازب والغموم التي ساورتني فيها الهموم بمعاريض القضاء (4) ومصروف جهد البلاء، لا أذكر منك إلا الجميل، ولا أرى منك غير التفضيل، خيرك لي شامل، وفضلك علي متواتر، ونعمك عندي متصلة سوابغ، لم تحقق حذاري (5)، بل صدقت رجائي، وصاحبت أسفاري، وأكرمت أحضاري، وشفيت أمراضي، وعافيت أوصابي (6) وأحسنت منقلبي ومثواي، ولم تشمت بي أعدائي ورميت من رماني، وكفيتني شر من عاداني.
اللهم كم من عدو انتضى علي سيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفي البحار: (مذ أنزلتني دار الاختبار) الخ.
(4) اللوازب: الشدائد الثابتة اللاصقة، وهو جمع للازب. ويقال: ساوره سوارا ومساورة: واثبه أو وثب عليه. ومعاريض القضاء: ما يحل ويعرض على الانسان أو في معرض الحلول والنزول، كأنه جمع معراض.
(5) أي ما أترقب وأتوقع حصوله من جزاء أعمالي السيئة لم تحققه، بل حققت وصدقت ما أرجوه منك من العفو والمغفرة.
(6) الأوصاب: الأمراض والأوجاع الدائمة، وما يعرض الجسم من الفتور والتعب والنحول (*).
[206]
عداوته (7)، وشحذ لقتلي ظبة مديته (8)، وأرهف لي شبا حده (9)، وداف لي قواتل سمومه (10)، وسدد لي صوائب سهامه، وأضمر أن يسومني المكروه ويجرعني ذعاف مرارته (11)، فنظرت - ياإلهي - إلى ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن الإنتصار ممن قصدني بمحاربته، ووحدتي في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) يقال: انتضى السيف: استله من غمده.
وألفاظ هذا الدعاء كثيرة الدوران على ألسنة المعصومين (ع) كما في دعأ جوشن الصغير والدعأ (49) من الصحيفة السجادية وغيرهما.
(8) شحذ - شحذا السكين - كشحثه شحثا -: أحده وسنه، فالسكين شحوذ وشحيذ، والفعل من باب منع.
والظبة - كثبة وكرة -: حد السيف أو السنان ونحوهما من آلات القطع، جمع ظباة وظبى وظبون وظبون وأظب - كهداة وهدى وشئون وعضون وفلس -.
والمدية - مثلث الميم -: الشفرة الكبيرة، جمع مدى ومدى ومديات.
(9) رهف السيف وأرهفه - من باب منع وأفعل -: رققه. والشباة - على وزن القناة - من كل شئ: حد طرفه. والشباة من السيف: قدر ما يقطع به، جمع شبا وشبوات.
(10) داف يدوف دوفا، وأداف الدواء والسم: أذابه في الماء وضربه فيه ليخثر.
(11) الذعف والذعاف - كسهم وغراب -: السم الذي يقتل من ساعته (*).
[207]
كثير من ناواني وأرصد لي (12) فيما لم أعمل فيه فكري في الإنتصار من مثله، فأيدتني يا رب بعونك، وشددت أيدي بنصرك، ثم فللت لي حده، وصيرته بعد جمع عديده وحده، وأعليت كعبي عليه، ورددته حسيرا لم يشف غليله، ولم تبرد حرارة غيظه (13)، وقد عض علي شواه وآب موليا قد أخلقت سراياه وأخلقت آماله (14).
اللهم وكم من باغ بغى علي بمكائده،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) كذا في البحار، وهو الصواب المؤيد بما في الدعاء (49) من الصحيفة الكاملة، ودعاء جوشن الصغير.
وفي النسخة المطبوعة من الصحيفة العلوية هكذا: (وحدني في كثير من ناواني وأرصدني).
وفي الصحيفة السجادية: (ووحدتي في كثير عدد من ناواني وأرصد لي بالبلاء فيما لم أعمل فيه فكري) الخ.
وفي دعأ الجوشن: (ووحدتي في كثير ممن ناواني وأرصد لي فيما لم أعمل فكري في الإرصاد لهم بمثله) الخ.
(13) وفي دعاء جوشن: (ولم تبرد حزازات غيظه).
(14) وفي البحار: (وقد عض على شواه، قد أخلفت سراياه وأخلفت آماله) الخ.
وفي الصحيفة السجادية: (قد عض على شواه وأدبر موليا قد أخلفت سراياه).
وفي دعاء الجوشن: (وقد عض علي أنامله وأدبر موليا قد أخفقت سراياه) (*).
[208]
ونصب [لي] شرك مصائده (15)، وضباء الي ضباء السبع لطريدته (16)، وانتهز فرصته واللحاق بفريسته، وهو يظهر بشاشة الملق، ويبسط الي وجها طلقا (17) فلما رأيت يا الهي دغل سريرته، وقبح طويته أنكسته لام رأسه في زبيته، وأركسته في مهوى حفرته [حفيرته خ ل البحار] وأنكصته على عقبه ورميته بحجره، ونكأته بمشقصته (18) وخنقته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) وفي دعاء الجوشن: (وكم من باغ بغاني بمكائده، ونصب لي أشراك مصائده) الخ.
وفي الصحيفة السجادية: (وكم من باغ بغاني بمكائده ونصب لي شرك مصائده) الخ.
(16) وفي البحار: (وأضبأ الي ضبوء السبع) وفي الصحيفة السجادية ودعاء الجوشن: (وأضبأ الي اضباء السبع لطريدته) الخ.
(17) كذا في الصحيفة العلوية، وفي البحار: (وانتهز فرصته واللحاق لفريسته، وهو مظهر بشاشة الملق) الخ.
وفي دعاء الجوشن: (وهو يظهر بشاشة الملق، ويبسط [لي خ ل] وجها غير طلق).
وفي الصحيفة السجادية: (وأضبأ الي اضباء السبع لطريدته انتظارا لانتهاز الفرصة لفريسته، وهو يظهر لي بشاشة الملق، وينظرني على شدة الحنق) الخ.
(18) أي قتلته أو جرحته وأثخنته بمشقصه، وهو على زنة منبر: نصل عريض أو سهم فيه نصل عريض، وجمعه مشاقص.
يقال: نكأ العدو وفي العدو: قتل فيهم وجرح وأثخن.
وفي البحار: (ونكأته بمشقصه) (*).
[209]
بوتره، ورددت كيده في نحره، وربقته بندامته فاستخذل وتضاءل بعد نخوته، ونجع وانقمع بعد استطالته ذليلا مأسورا في حبائله التي كان يحب أن يراني فيها، وقد كنت (19) لولا رحمتك أن يحل في ما حل بساحته فالحمد لرب مقتدر لا ينازع، ولولي ذي أناة لا يعجل، وقيوم لا يغفل، وحليم لا يجهل ناديتك ياإلهي مستجيرا بك، واثقا بسرعة إجابتك متوكلا على ما لم أزل أعرفه من حسن دفاعك عني، عالما أنه لا يضطهد من آوى إلى ظل كنفك (20)، ولا تقرع القوارع من لجأ إلى معقل الإنتصار بك، فخلصتني يا رب بقدرتك، ونجيتني من بأسه بتطولك ومنك.
اللهم وكم من سحائب مكروه جليتها، وسماء نعمة أمطرتها، وجداول كرامة أجريتها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) كذا في المطبوع من الصحيفة العلوية، وفي البحار: (وقد كدت) وهو الظاهر، ومثله في دعاء الجوشن، وفي الصحيفة الكاملة: (وقد كاد أن يحل بي لولا رحمتك ما حل بساحته).
(20) كذا في الصحيفة العلوية والسجادية ودعاء الجوشن، وفي البحار: (لم يضطهد من آوى إلى ظل كفايتك) الخ (*).
[210]
وأعين أحداث طمستها، وناشئ رحمة نشرتها، وغواشي كرب فرجتها، وغيم بلاء كشفتها، وجنة عافية ألبستها، وأمور حادثة قدرتها، لم تعجز [ك خ ل] إذ طلبتها، فلم تمتنع إذ أردتها (21).
اللهم وكم من حاسد سوء تولني بحسده، وسلقني بحد لسانه، ووحرني بغرف عينه (22) وجعل عرضي غرضا لمراميه، وقلدني خلالا لم تزل فيه، كفيتني أمره.
اللهم وكم من ظن حسن حققت، وعدم إملاق جبرت وأوسعت (23)، ومن صرعة أقمت، ومن كربة نفست، ومن مسكنة حولت، ومن نعمة خولت، لا تسأل عما تفعل، ولا بما أعطيت تبخل، ولقد سئلت فبذلت، ولم تسأل فابتدأت، واستميح فضلك فما أكديت، أبيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) هذا هو الصواب الموافق لما في البحار ودعاء الجوشن، وفي الصحيفة العلوية ضبط قوله عليه السلام: (لم تعجزك) وقوله: (فلم تمتنع) بصيغة الغيبة.
(22) كذا في الصحيفة العلوية، وفي البحار: (بغرب [بقرف خ ل] عينه).
وفي الصحيفة السجادية: (ووحرني بقرف عيوبه).
(23) وفي البحار: (وعدم إملاق ضررني جبرت وأوسعت) (*).
[211]
إلا إنعاما وامتنانا وتطولا، وأبيت إلا تقحما على معاصيك، وانتهاكا لحرماتك، وتعديا لحدودك، وغفلة عن وعيدك، وطاعة لعدوي وعدوك، لم تمتنع عن إتمام إحسانك، وتتابع إمتنانك، ولم يحجرني ذلك عن ارتكاب مساخطك.
أللهم فهذا مقام المعترف بك [لك خ ل] بالتقصير، عن أداء حقك، الشاهد على نفسه بسبوغ نعمتك وحسن كفايتك، فهب لي اللهم ياإلهي ما أصل به إلى رحمتك، وأتخذه سلما أعرج فيه إلى مرضاتك، وآمن به من عقابك، فإنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد، وأنت على كل شئ قدير.
اللهم فحمدي (24) لك متواصل، وثنائي عليك دائم من الدهر إلى الدهر، بألوان التسبيح، وفنون التقديس، خالصا لذكرك، ومرضيا [لك] بناصح التوحيد، ومحض التمجيد (25) وطول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) وفي البحار: (اللهم حمدي لك متواصل) الخ.
(25) وفي البحار: (ومرضيا لك بناصح التوحيد، ومحض التحميد) الخ أقول: ناصح التوحيد: خالصه غير المشوب بالشرك، وهو مأخوذ من النصوح بمعنى الخلوص (*).
[212]
التعديد، في إكذاب أهل التنديد، لم تعن في قدرتك (26)، ولم تشارك في إلهيتك، ولم تعاين إذا حبست الأشياء على العزائم المختلفات (27) وفطرت الخلائق على صنوف الهيآت، ولا خرقت الأوهام حجب الغيوب إليك، فاعتقدت منك محذوذا في عظمتك (28)، ولا كيفية في أزليتك، ولا ممكنا في قدمك.
ولا يبلغك بعد الهمم، ولا ينالك غوص الفتن، ولا ينتهي إليك نظر الناظرين في مجد جبروتك وعظيم قدرتك.
إرتفعت عن صفة المخلوقين صفة قدرتك، وعلا عن ذلك كبرياء عظمتك، ولا ينقص (29) ما أردت أن يزداد، ولا يزداد ما أردت أن ينقص، ولا أحد شهدك حين فطرت الخلق، ولا ضد حضرك حين برأت النفوس.
كلت الألسن عن تفسير صفتك، وانحسرت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) وفي البحار: (لم تعن في شي من قدرتك) الخ.
(27) وفي البحار: (ولم تعابن ذ حبست الأشياء) الخ.
(28) وفي البحار: (فاعتقدت منك محمودا) الخ.
(29) وفي البحار في الموردين: (ولا ينتقص) الخ (*).
[213]
العقول عن كنه معرفتك (30).
وكيف تدركك الصفات، أو تحويك الجهات وأنت الجبار القدوس الذي لم تزل أزليا دائما في الغيوب، وحدك ليس فيها غيرك، ولم يكن لها سواك.
حارت في ملكوتك عميقات مذاهب التفكير، وحسر عن إدراكك بصر البصير، وتواضعت الملوك لهيبتك، وعنت الوجوه بذل الإستكانة لعزتك، وانقاد كل شئ لعظمتك، واستسلم كل شئ لقدرتك، وخضعت الرقاب لسلطانك، وضل [فضل خ ل] هنالك التدبير في تصاريف الصفات لك، فمن تفكر في ذلك رجع طرفه إليه حسيرا، وعقله مبهوتا مبهورا، وفكره متحيرا.
اللهم فلك الحمد متواترا متواليا (31) متسقا مستوثقا يدوم ولا يبيد، غير مفقودة في الملكوت، ولا مطموس في العالم، ولا منتقص في العرفان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(30) وفي البحار: (كلت الألسن عن تبيين صفتك).
(31) وفي البحار: (اللهم فلك الحمد حمدا متواترا) الخ.
[214]
فلك الحمد حمدا لا يحصى (32) في الليل إذا أدبر، وفي الصبح إذا أسفر، وفي البر والبحار (33) والغدو والأصال، والعشي والإبكار، والظهيرة والأسحار.
اللهم بتوفيقك أحضرتني النجاة، وجعلتني بمنك (34) في ولاية العصمة، ولم تكلفني فوق طاقتي إذ لم ترض عني إلا بطاعتي، فليس شكري وإن رأيت منه في المقال (35) وبالغت منه في الفعال ببالغ أدأ حقك، ولا مكاف فضلك، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت، لم تغب عنك غائبة، ولا تخفى عليك خافية، ولا تضل لك في ظلم الخفيات ضالة، انما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول كن فيكون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) وفي البحار: (فلك الحمد حمدا لا تحصى مكارمه في الليل إذا أدبر) الخ.
(33) وفي البحار: (في البر والبحر وبالغداة والآصال).
(34) ومثله في البحار غير أن فيه (وجعلتني منك في ولاية العصمة).
(35) كذا في الصحيفة والبحار، ولا يبعد أن يكون الصواب: (وإن دأبت منه في المقال) أي وان داومت بحمدك مقالي فلست ببالغ أداء حقك، فعلى هذا فهو مأخوذ من الدأب والدؤب (*).
[215]
اللهم لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك، وحمدك به الحامدون، ومجدك به الممجدون، وكبرك به المكبرون، وعظمك به المعظمون، حتى يكون لك مني وحدي في كل طرفة عين وأقل من ذلك، مثل حمد جميع الحامدين (36)، وتوحيد أصناف المخلصين، وتقديس أحبائك العارفين، وثناء جميع المهللين، ومثل ما أنت عارف به ومحمود به من جميع خلقك، من الحيوان والجماد.
وأرغب إليك اللهم في شكر ما أنطقتني به من حمدك، فما أيسر ما كلفتني به من ذلك، وأعظم ما وعدتني على شكرك.
ابتدأتني بالنعم فضلا وطولا، وأمرتني بالشكر حقا وعدلا، ووعدتني عليه أضعافا ومزيدا، وأعطيتني من رزقك اعتبارا وامتحانا (37)، وسألتني منه قرضا يسيرا صغيرا، وأعطيتني عليه عطاء كثيرا، وعافيتني من جهد البلاء، ولا [ولم ظ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) وفي البحار: (مثل حمد الحامدين).
(37) وفي البحار بعد ذلك هكذا: (وسألتني منه قرضا يسيرا صغيرا، ووعدتني عليه أضعافا ومزيدا وعطاء كثيرا، وعافيتني من جهد البلاء) الخ (*).
[216]
تسلمني للسوء من بلائك، ومنحتني العافية، وأوليتني بالبسطة والرخاء.
وضاعفت لي الفضل، مع ما وعدتني به من المحلة الشريفة، وبشرتني به من الدرجة الرفيعة المنيعة، واصطفيتني بأعظم النبيين دعوة، وأفضلهم شفاعة محمد صلى الله عليه وآله.
اللهم اغفر لي ما لا يسعه إلا مغفرتك، ولا يمحقه إلا عفوك، وهب لي في يومي هذا وساعتي هذه يقينا يهون علي مصيبات الدنيا وأحزانها، ويشوق إليك، ويرغب فيما عندك (38) واكتب لي المغفرة، وبلغني الكرامة، وأرزقني شكر ما أنعمت به علي، فإنك أنت الله الواحد (39) الرفيع البدئ السميع العليم الذي ليس لأمرك مدفع ولا عن قضائك ممتنع.
وأشهد أنك أنت الله ربي ورب كل شئ (40) فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) وفي البحار: (ويشوقني إليك، ويرغبني فيما عندك) الخ.
(39) وفي البحار: (فانك أنت الله الواحد الرفيع البدئ البديع السميع العليم) الخ.
(40) وفي البحار: (وأشهد انك ربي ورب كل شي) الخ (*).
[217]
العلي الكبير (41).
اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة في الرشد، وإلهام الشكر على نعمتك وأعوذ بك من جور كل جائر، وبغي كل باغ، وحسد كل حاسد.
اللهم بك أصول على الاعداء، وإياك أرجو ولاية الأحباء، مع ما لا أستطيع احصاءه من فوائد فضلك، وأصناف رفدك، وأنواع رزقك، فإنك أنت الله لا إله إلا أنت، الفاشي في الخلق حمدك، الباسط بالجود يدك (42)، لا تضاد في حكمك، ولا تنازع في ملكك، ولا تراجع في أمرك، تملك من الأنام ما شئت، ولا يملكون إلا ما تريد.
[اللهم ظ] أنت المنعم المفضل القادر القاهر، المقدس في نور القدس، ترديت بالعز والمجد، وتعظمت بالقدرة والكبرياء، وغشيت النور بالبهاء، وجللت البهاء بالمهابة.
اللهم لك الحمد العظيم، والمن القديم، والسلطان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(41) وفي البحار: (العلي الكبير المتعال).
(42) وفي البحار: (الباسط بالحق يدك) الخ (*).
[218]
الشامخ، والجود الواسع (43)، والقدرة المقتدرة، والحمد المتتابع الذي لا ينفد بالشكر سرمدا، ولا ينقضي أبدا، إذ جعلتني من أفاضل بني آدم، وجعلتني سميعا بصيرا صحيحا سويا معافا، لم تشغلني بنقصان في بدني، ولا بآفة في جوارحي ولا عاهة في نفسي ولا في عقلي، ولم يمنعك كرامتك إياي وحسن صنيعك عندي (44) وفضل نعمائك علي إذ وسعت علي في دنياي، وفضلتها على كثير (45) من أهلها تفضيلا، وجعلتني سميعا أعي ما كلفتني، بصيرا أرى قدرتك فيما ظهر لي، واسترعيتني واستودعتني قلبا يشهد بعظمتك ولسانا ناطقا بتوحيدك، فإني لفضلك علي حامد ولتوفيقك إياي بجهدي [بحمدك خ ل] شاكر وبحقك شاهد، وإليك في ملمي ومهمي ضارع لأنك حي قبل كل حي، وحي بعد كل ميت، وحي ترث الأرض ومن عليها وأنت خير الوارثين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(43) وفي البحار: (والحول الواسع) الخ.
(44) وفي البحار: (وحسن صنعك عندي) الخ.
(45) وفي البحار: (إذ وسعت علي في الدنيا، وفضلتني على كثير من أهلها تفضيلا) الخ (*).
[219]
اللهم لا تقطع عني خيرك، في كل وقت (46) ولا تنزل بي عقوبات النقم، ولا تغير ما بي من النعم (47)، ولا تخلني (48) من وثيق العصم.
فلو لم أذكر من إحسانك إلي، وإنعامك علي إلا عفوك عني والإستجابة لدعائي حين رفعت رأسي بتحميدك وتمجيدك، لا في تقديرك جزيل حظي حين وفرته إنتقص ملكك، ولا في قسمة الأرزاق حين قترت علي توفر ملكك (49).
اللهم لك الحمد عدد ما أحاط به علمك (50) وعدد ما وسعته رحمتك، وأضعاف ذلك كله، حمدا واصلا متواترا موازنا لآلائك وأسمائك (51) اللهم فتمم إحسانك إلي فيما بي من عمري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) وفي البحار: (اللهم لم تقطع) الخ.
(47) وفي النسخة وكذا البحار: ولم تنزل بي - وكذا التالي -.
(48) وفي النسخة والبحار: (ولا أخليتني من وثيق العصم).
وهو من باب عطف فعل الماضي لفظا على الماضي معنى، ومنه يعلم أن قوله: (لا تقطع) من غلط النسخة، وصوابه: (ولم تقطع) وكذا ما عطف عليه.
(49) وفي البحار: (توفير ملكك).
(50) وزاد في البحار: (وعدد ما أدركته قدرتك) الخ.
(51) وفي البحار: (حمدا واصلا متواترا متوازيا لآلائك) الخ (*).
[220]
كما أحسنت [إلي] فيما منه مضى، فإني أتوسل إليك بتوحيدك وتهليلك وتمجيدك وتكبيرك وتعظيمك، وأسألك باسمك الذي خلقته من ذلك فلا يخرج منك إلا إليك، وأسألك باسمك الروح المكنون المخزون الحي الحي الحي، وبه وبه وبه، وبك [وبك وبك] (52) أن لا تحرمني رفدك وفوائد كراماتك (53) ولا تولني غيرك بك، ولا تسلمني إلى عدوي، ولا تكلني إلى نفسي وأحسن إلي أتم الأحسان، عاجلا وآجلا، وحسن في العاجلة عملي، وبلغني فيها أملي، وفي الآجلة خير منقلبي (54)، فإنه لا يفقرك كثرة ما يتدفق به فضلك (55) وسيب العطايا من مننك، ولا ينقص جودك تقصيري في شكر نعمتك، ولا تجم خزائن نعمتك النعم (56) ولا ينقص عظيم مواهبك من سعتك الاعطاء، ولا يؤثر في جودك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(52) بين القوسين مأخوذ من البحار، والسياق يقتضيه.
(53) وفي البحار: (وفوائد كرامتك).
(54) وفي البحار: (وفي الآجلة والخير في منقلبي).
(55) وفي البحار: (فإنه لا يفقرك كثرة ما يندفق به فضلك).
(56) كذا في البحار، وفي الصحيفة: (ولا تجم خزائن نعمتك المنيع) (*).
[221]
العظيم الفاضل الجليل منحك، ولا تخاف ضيم إملاق فتكدي (57) ولا يلحقك خوف عدم فينقص فيض ملكك [وفضلك].
اللهم ارزقنا (58) قلبا خاشعا، ويقينا صادقا، وبالحق صادعا (59) ولا تؤمني مكرك، ولا تنسني ذكرك، ولا تهتك عني سترك، ولا تولني غيرك، ولا تقنطني من رحمتك، بل تغمدني بفوائدك، ولا تمنعني جميل عوائدك، وكن لي في كل وحشة أنيسا، وفي كل جزع حصنا (60) ومن كل هلكة غياثا، ونجني من كل بلاء وخطاء، واعصمني من كل زلل (61) وتمم لي فوائدك، وقني من وعيدك، واصرف عني أليم عذابك، وتدمير تنكيلك، وشرفني بحفظ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(57) يقال: كدا يكدي كديا - من باب رمى - وأكدى اكداء الرجل: بخل.
(58) وفي البحار: (اللهم ارزقني قلبا خاشعا).
(59) كذا في البحار، وهو الصواب، وفي النسخة: (وبالحق صادقا) الخ.
(60) كذا في النسخة، وفي البحار: (وفي كل جزع حصينا).
(61) وفي البحار: (ونجني من كل بلا، واعصمني من كل زلل وخطاء) الخ (*).
[222]
كتابك، وأصلحني (62) وأصلح ديني ودنياي وآخرتي وأهلي وولدي ووسع رزقي، وأدره علي، وأقبل علي ولا تعرض عني.
اللهم ارفعني ولا تضعني، وارحمني ولا تعذبني وانصرني ولا تخذلني، وآثرني ولا تؤثر علي، واجعل لي من أمري يسرا وفرجا، وعجل إجابتي، واستنقذني مما قد نزل بي، إنك على كل شي قدير وذلك عليك يسير، وأنت الجواد الكريم.
المختار 54، من الصحيفة العلوية الاولى 137.
وقريب منه جدا في البحار: 2، من 19، 256، عن مهج الدعوات.
وقال المجلسي (ره) بعد ذكر الدعاء: ولنا سند آخر عال جدا لهذا الدعاء ولا يخلو من غرابة، فإني أرويه عن والدي عن بعض الصالحين عن مولانا القائم عليه السلام بلا واسطة، وشرح ذلك أن...
أقول: لدعاء اليماني طرق كثيرة، وصور مختلفة ذكر بعضها في مهج الدعوات والبحار: 2، من 19، ص 250 وما بعدها فراجع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(62) وفي البحار: (وأصلح لي ديني ودنياي) الخ (*).