[167]
وههنا فوائد
روى ثقة الاسلام الكليني (ره)، في الحديث 4، من باب مولد امير المؤمنين عليه السلام، من كتاب الحجة، من الكافي 454، عن اسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: لما كان يوم الذي قبض فيه امير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع بالبكاء، ودهش الناس، كيوم قبض النبي صلى الله عليه وآله، وجاء رجل باكيا، وهو مسرع مسترجع، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه امير المؤمنين عليه السلام، فقال: رحمك الله يا أبا الحسن، كنت اول القوم اسلاما، وأخلصهم ايمانا، واشدهم يقينا، وأخوفهم لله، واعظمهم عناء، واحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وآله، وآمنهم على اصحابه، وافضلهم مناقب، واكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله، واشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، واشرفهم منزلة، واكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا، قويت حين ضعف اصحابه، وبرزت حين استكانوا (1)، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله إذ هم اصحابه، وكنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع، برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وصغر الفاسقين، فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنورــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاستكانة: الخضوع والذل.
[168]
الله إذ وقفوا، فأتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا (2)، وأقلهم كلاما، وأصوبهم نطقا، وأكبرهم رأيا، واشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالامور، كنت والله يعسوب الدين اولا وآخرا، الاول حين تفرق الناس، والاخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ماعنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذا اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا (3)، وصبرت إذ أسرعوا، وادركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، كنت على الكافرين عذابا صبا ونهبا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله بنعمائها، وفزت بحبائها، وأحزرت سوابقها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخر، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال عليه السلام: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال عليه السلام (4): ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الارض، جليلا عند المؤمن، لم يكن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لاحد فيك مطمع، ولا لاحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) كذا في النسخة. وفى المختار 36، من خطب نهج البلاغة: وكنت اخفضهم صوتا، واعلاهم فوتا (الخ). وهو اظهر. والفوت السبق. ويقال: قنت يقنت (من باب نصر) قنوتا، أي اطاع وامسك عن الكلام. تواضع الله. وفى بعض نسخ الكافي: وأعلاهم قدما، وأطيبهم كلاما، وأصوبهم منطقا.
(3) أي استقللت بالامر حين جزع اصحاب النبي (ص) وفزعوا من القيام بالامر، كما في غزوة الاحزاب وغير واحد من مقامات أخر.
(4) كأنه من باب الالتفات من الخطاب الى الغيبة، أي كما قلت عليك السلام. وكثير من هذه الجمل مما قد وصف (ع) نفسه بها، كما في المختار ال (36) من خطب النهج.
[169]
عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حت تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، واطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام، فظهر امر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الانام، فانا لله وانا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، قوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا، كنت للمؤمنين كهفا وحصنا، وقنة راسيا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا اجرك، ولا اضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى، وبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم طلبوه فلم يصادفوه. ورواه الشيخ الصدوق (ره) معنعنا ايضا، في كتاب اكمال الدين.
وقال اليعقوبي رحمه الله (لما دفن امير المؤمنين عليه السلام): فقام القعقاع بن زرارة على قبره فقال: رضوان الله عليك يا امير المؤمنين، فوالله لقد كانت حياتك مفتاح خير، ولو أن الناس قبلوك لاكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، ولكنهم غمطوا النعمة (5) وآثروا الدنيا على الاخرة.
وروى العلامة المجلسي (ره) في البحار: 9، 675: انه لما دفن امير المؤمنين (ع) وقف صعصعة بن صوحان رضي الله عنه على القبر، ووضع احدى يديه على فؤاده، والاخرى قد أخذ بها التراب وضرب به رأسه، ثم قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) اي احتقروها وازدروا بها ولم يشكروها.
[170]
بأبي انت وامي يا امير المؤمنين، ثم قال: هنيئا لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت على خالقك، فتلقاك الله ببشارته، وحفتك ملائكته، واستقررت في جوار المصطفى، فأكرمك الله بجواره، ولحقت بدرجة اخيك المصطفى، وشربت بكأسه الاوفي، فاسأل الله ان يمن علينا باقتفائنا اثرك، والعمل بسيرتك، والموالاة لاوليائك، والمعاداة لاعدائك، وان يحشرنا في زمرة اوليائك، فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده، وقمت بدين الله حق القيام، حتى أقمت السنن وأبرت الفتن، واستقام الاسلام، وانتظم الايمان، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام، بك اشتد ظهر المؤمنين، واتضحت أعلام السبل، واقيمت السنن، وما جمع لاحد مناقبك وخصالك، سبقت الى اجابة النبي (ص) مقدما مؤثرا، وسارعت الى نصرته، ووقيته بنفسك، ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر، قصم الله بك كل ذي بأس شديد، وذل بك كل جبار عنيد، وهدم بك حصون اهل الشرك والكفر والعدوان والرداء، وقتل بك اهل الضلال من العدى، فهنيئا لك يا امير المؤمنين، كنت اقرب الناس من رسول الله (ص) قربى، واولهم سلما، واكثرهم علما وفهما، فهنيئا لك يا ابا الحسن، لقد شرف الله مقامك، وكنت أقرب الناس الى رسول الله (ص) نسبا، وأولهم اسلاما، وأوفاهم يقينا، وأشدهم قلبا وأبذلهم لنفسه مجاهدا، واعظمهم في الخير نصيبا، فلاحرمنا الله أجرا، ولا أذلنا بعدك، فو الله لقد كانت حياتك مفاتح للخير، ومغالق للشر، وان يومك هذا مفتاح كل شر، ومغلاق كل خير، ولوان الناس قبلوا منك لاكلوا من فوقهم، ومن تحت ارجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا على الاخرة.
[171]
ثم بكى بكاء شديدا، وابكى كل من كان معه، وعدلوا الى الحسن والحسين ومحمد وجعفر والعباس ويحيى وعون وعبد الله، فعزوهم في ابيهم صلوات الله عليهم، وانصرف الناس، ورجع اولاد امير المؤمنين (ع) وشيعتهم الى الكوفة، ولم يشعر بهم احد من الناس.
[172]
في نبذ مما قيل في رثائه (ع) من الشعر قال السبط الاكبر الامام المجتبى (ع):أين من كان لعلم ال * لمصطفى في الناس بابا
أين من كان إذا ما * أقحط الناس سحابا
أين من كان إذا نو * دي في الحرب اجابا
اين من كان دعاه * مستجابا ومجابا
وقال في المناقب: 3، 97: قال صعصعة بن صوحان في مرثيته (ع):
ألا من لي بأنسك يا أخيا * ومن لي ان ابثك ما لديا
طوتك خطوب دهر قد توالى * لذاك خطوبه نشرا وطيا
فلو نشرت قواك لي المنايا * شكوت اليك ما صنعت اليا
بكيتك يا علي بدر عيني * فلم يغن البكاء عليك شيا
كفى حزنا بدفنك ثم اني * نفضت تراب قبرك من يديا
وكانت في حياتك لي عظات * وانت اليوم اوعظ منك حيا
فيا اسفا عليك وطول شوقي * اليك لو أن ذلك رد شيئا
وقال أبو بكر ابن حماد التاهرتي، على ما في الاستيعاب وغيره:
قل لابن ملجم والاقدار غالبة * هدمت ويلك للاسلام اركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم * وأول الناس اسلاما وايمانا
وأعلم الناس بالقران ثم بما * سن الرسول لنا شرعا وتبيانا
صهر الرسول ومولاه وناصره * أضحت مناقبه نورا وبرهانا
[173]
وكان منه على رغم الحسود له * مكان هارون من موسى بن عمرانا
وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا * ليثا إذا لقي الاقران أقرانا
ذكرت قاتله والدمع منهدر * فقلت سبحان رب الناس سبحانا
اني لاحسبه ماكان من بشر * كلا ولكنه قد كان شيطانا
أشقى مراد إذا عدت قبائلها * واخسر الناس عند الله ميزانا
كعاقر الناقة الاولى التي جلبت * على ثمود بأرض الحجر خسرانا
قد كان يخبرهم ان سوف يخضبها * قبل المنية أزمانا فأزمانا (6)
فلاعفا الله عنه ما تحمله * ولاسقى قبر عمران بن حطانا
لقوله في شقي ظل مجترما * ونال ما ناله ظلما وعدوانا
يا ضربة من تقي ما أراد بها * الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
كأنه لم يرد قصدا بضربته * الا ليصلى عذاب الخلد نيرانا
وقال الحاج محمد رضا الازري (ره):
مصاب رمى ركن الهدى فتصدعا * ونادى به ناعي السماء فأسمعا
وضجت له الاملاك في ملكوتها * وأوشك عرش الله ان يتضعضعا
ومن يك اعلى الناس شأنا ومفخرا * يكن رزؤه في الناس ادهى وافظعا
مصاب على الاسلام القى جرانه * وبرقع بالغي الهدى فتبرقعا
فيا ناشد الاسلام قوض سفره * وصاح به داعي النفير فجعجعا
وأصبح كالذود الظماء بقفرة * من الدولم تعهد بها الدهر مربعا
ولم تر عقد الدين الا مبددا * ولم تر شمل الدين الا موزعا
وان قتيلا شيد الدين سيفه * جدير عليه الدين ان يتصدعا
فيا هل ذري الاسلام أن زعيمه * لقى حوله جبريل ينعى فلا نعى
وان عماد الدين بان عميدها * وودعها داعي الهدى يوم ودعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) وفى بعض النسخ: قبل المنية اشقاها وقد كانا.
[174]
وياهل دري المختار ان حبيبه * بسيف عدو الله امسى مقنعا
وأقسم لو ان النعي لقبره * بكاه أسى في قبره وتفجعا
ومن عجب ان ينزل الموت داره * وقد كان لايلفاه الا مروعا
لتبك الطول الغلب من آل هاشم * طويل ذرى حك السهى فتصدعا
ليبك التقى منه منار هداية * وتنعى الوغى منه كميا سميدعا
وان يبكه الاسلام وجدا وحسرة * فقد كان للاسلام حصنا ومفزعا
وان يبكه البيت الحرام فطالما * به كان محمي الجوار ممنعا
وان يبك جبريل له فلشدما * بخدمته جبريل كان ممتعا
وان يبكه بدر السماء فانما * بكى البدر بدرا منه أسنى وأرفعا
ولو عقلت شمس الضحى يوم دفنه * لخطت له في عينها الشمس مضجعا
امام دعا لله حتى انتهى له * ألا هكذا فليدع لله من دعا
ولم يمض حتى أن شأى كل سابق * ولم يبق في قوس الفضائل منزعا
وان عد في نسك فلم يبق أورعا * وان عد في فتك فلم يبق أروعا
لقد طبق الافاق بأسا ونائلا * فذلت له الاعناق خوفا ومطمعا
كأن مقاليد السماء بكفه * فلم يك الا ما أراد وأرفعا
أما والهجان القود تدمى نحورها * ومن بمنى يرمي الجمار تطوعا
وبالبيت ذي الاستار والنفر الاولى * بأرجائه تهوى ركوعا
وسجدا وبالابطح الاعلى ومروة والصفا * وبالحجر الملموس والركن أجمعا
لقد صرع الاسلام ساعة قتله * فيا مصرع الاسلام عظمت مصرعا
فكيف ودار الوحي امست ربوعها * خلاء وامسي منزل الدين بلقعا
أجدك من للدين أبقيت كالئا * ومن لعلوم الغيب أصبحت مودعا
ويارب دمع كان صعبا قياده * فأصبح منقادا ليومك طيعا
وان يغد في الارضين رزؤك مفظعا * فقد راح في اهل السموات أفظعا
[175]
ويومك في الاسلام ثلم ثلمة * وأوسع خرقا في الهدى لن يرقعا
فلا بطشت الا بساعد أجذم * ولاعطست الا بمارن اجدعا
وقال الشيخ كاظم البستي النجفي (ره):
خطب ألم بركن الدين فانهارا * أورى الغداة بقلب المصطفى نارا
فأي حادثة في الدين قد وقعت * فألبسته من الاشجان أطمارا
كرت وقد شمرت عن ساقها فرمت * فجدلت بطلا في الحرب كرارا
هذي المحاريب أين القائمون بها * والليل مرخ من الظلماء أستارا
جار الزمان عليهم كم بهم ملا الد * نيا مصابا وكم أخلى لهم دارا
هذي منازلهم بعد الانيس فلا * ترى بها غير وحش القفر زوارا
اضحى المؤمل للجدوي يجيل بها * طرفا وليس يرى في الدار ديارا
بالله يا راكبا حرفا معودة * طي السباسب انجادا، واغوارا
يمم بها بمنى من غالب فئة * وجوهها سطعت في الليل أقمارا
مطعامة الجدب ان كف به بخلت * واسرة الحرب ان نقع لها ثارا
فأي طود هدى من مجدكم مارا * وأي بحر ندى من جودكم غارا
هذا علي امير المؤمنين لقى * مضرجا بدم من رأسه فارا
قد حجب الخسف بدرا منه مكتملا * وغيض الحتف بحرا منه تيارا
أودى ومن حوله للمسلمين ترى * من دهشة الخطب اقبالا وادبارا
وافت إليه بنوه الغر مسفرة * عن أوجه تملا الظلماء أنوارا
تدعوه والعين عبرى تستهل دما * والحزن أجج في أحشائها نارا
يانيرا غاب عن أفق الهدى فأرى * أفق الهدى لا يرى للصبح إسفارا
أبكيك في الجدب مطعاما سواغبها * وفي لظى الحرب مقداما ومغوارا
فلا أرى بعد حامي الجار من أحد * يجيرنا من صروف الدهر لو جارا
فلابدا بعده بدر ولاطلعت * شمس ولافلك في أفقها دارا
[176]
وقال السيد صالح النجفي القزويني (ره) في قصيدته:
تالله لاأنساه في محرابه * لله يسجد في الظلام ويركع
وجلا ابن ملجم والظلام مجلل * سيف المنية والبرية هجع
وقضى عليه به وقنع رأسه * لله رأس بالحسام مقنع
فهناك أعول جبرئيل مناديا * فوق السما من في البسيطة يسمع
اليوم أشقى الاشقياء قد غال أتقى الاتقيا وله الجميل مضيع
اليوم منعمر الهدى متهدم * اليوم منهمر الندى متقشع
اليوم روض العلم ألوى والتقى * أودى وعرنين المكارم أجدع
قتل ابن عم المصطفى قتل الوصي * المرتضى قتل الامام الاورع
يقضي امام المسلمين مخضبا * والمسلمون لهم قلوب هجع
فمن المعزي احمدا بوصيه أرداه صمصام بسم منقع
ومن المعزي فاطما بحميها * قد قد مفرقه الحسام الاقطع
ومن المعزي المجتبى بملمة * كادت له السبع العلى تتصدع
ومن المعزي المستضام بفارس * الاسلام جرعه الحمام الاوضع
ومن المعزي جبرئيل بمن به * جبريل سبح والملائك أجمع
أفهل درت آل الهدى ان الهدى * اودى ودك شمامه المترفع
أم هل دري الدين المبين بنكبة * نزلت فخذ الدين منها أضرع
عجبا لقلب لا يذوب ومقلة * جزعا له بدمائها لا تدمع
عجبا لارض لاتمور ولج بحر * لا يغور وعارض لا يقلع
عجبا لبدر التم يسفر مشرقا * لم بالسواد عليك لا يتبرقع
عجبا لعرش الله جل جلاله * كيف استقام وركنه متضعضع
عجبا لقبر قد حواك ولم يضق * بنداك وهو من البسيطة أوسع
لكن حواك فقر فيك وانه * لولاك لهو الخاشع المتصدع
[177]
لاكان يومك يا علي فانه * يوم به الدين الحنيف مضعضع
أصمى مصابك قلب كل موحد * واصم نعيك كل أذن تسمع
أدري ضريحك كم حوى بك من على * سام له انحط الضراح الارفع
مازلت مضطهدا تغض على القذى * جفنا وقلبك بالنوائب موجع
وهجرت لله المضاجع قائما * فكأنما لك في قيامك مضجع
ورزئت بالطهر البتول وما انقضى * رزء الرسول ولم تجف الادمع
هجموا على بنت الرسول وروعوا * قلب البتول واي قلب روعوا
تدعو فيغضي المسلمون كأنها * لم تدعهم وكأنهم لم يسمعوا
أتباح حرمتها ويسقط حملها * ما بينهم وترض منها الاضلع
لهفي لها غضبي تموت ومالها * متوجع منهم ولا متفجع
ودفنتها سرا كما أوصت وقد * هجعوا لكيلا يحضروا ويشيعوا
ومنعتهم عن نبش مرقدها وهم * لولاك عما حاولوا لم يرجعوا
[178]
في ترجمة الرواة، ونقدم الاول فالاول.اما الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الاهوازي من موالي علي بن الحسين عليهما السلام، فقد وثقه الشيخ (ره) في الرجال والفهرست، واثنى عليه ابن النديم.
قال الشيخ في الفهرست 83: الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الاهوازي من موالي علي بن الحسين عليه السلام ثقة، روى عن (الامام) الرضا، وابي جعفر الثاني وابي الحسن الثالث عليهم السلام، واصله كوفي وانتقل مع اخيه الحسن (رضي الله عنه) الى الاهواز، ثم تحول الى قم، فنزل على الحسن بن أبان، وتوفي بقم، وله ثلاثون كتابا، وهي: كتاب الوضوء، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الحج، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، كتاب الوصايا، كتاب الفرائض، كتاب التجارات، كتاب الاجارات، كتاب الشهادات، كتاب الايمان والنذور والكفارات، كتاب الحدود والديات، كتاب البشارات، كتاب الزهد، كتاب الاشربة، كتاب المكاسب، كتاب التقية، كتاب الخمس، كتاب المروءة والتجمل، كتاب الصيد والذبائح، كتاب المناقب، كتاب المثالب، كتاب التفسير، كتاب المؤمن، كتاب الملاحم، كتاب المزار، كتاب الدعاء، كتاب الرد على الغالية، كتاب العتق والتدبير.
أخبرنا بكتبه ورواياته ابن ابي جيد القمي، عن محمد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد
[179]
بن مهران.
قال ابن الوليد: واخرجها الينا الحسين بن الحسن بن أبان بخط الحسين بن سعيد، وذكر انه كان ضيف ابيه.
واخبرنا بها عدة من اصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسين، عن ابيه.
ومحمد بن الحسن، ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله.
والحموي عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد.
وذكره النجاشي رحمه الله، واطال الكلام في طرقه الى كتب الحسين بن سعيد رحمه الله.
وقال ابن النديم في محكي فهرسته: الحسن والحسين، إبنا سعيد الاهوازيان، من أهل الكوفة، من موالي علي بن الحسين (ع) من اصحاب (الامام) الرضا (ع)، كانا اوسع اهل زمانهما علما بالفقه والاثار والمناقب وغير ذلك من علوم الشيعة، وصحبا أيضا ابا جعفر ابن الرضا (ع).
ثم ذكر رحمه الله أسامي كتبه كما مر عن الشيخ (ره).
واما حماد بن عيسى الجهني البصري المتوفي سنة تسع ومأتين، وقيل: ثمان ومأتين، فهو من اصحاب الامام الصادق والكاظم عليهما السلام، وادرك الامام الرضا وابنه ابا جعفر عليهما السلام.
قال معلم الامة الشيخ المفيد (ره): وكان اصله كوفيا، ومسكنه البصرة، وعاش نيفا وتسعين، ولحق بأبي عبد الله عليه السلام، ومات بوادي قناة بالمدينة، وهو واد يسيل من الشجرة الى المدينة، ومات سنة تسع ومأتين.
حدثنا جعفر بن الحسين المؤمن - رحمه الله - عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حماد بن عيسى، قال: دخلنا على ابي الحسن الاول عليه السلام، فقلت له: جعلت
[180]
فداك، أدع الله لي أن يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج في كل سنة.
فقال: اللهم صل على محمد وال محمد، وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما، والحج خمسين سنة.
قال حماد: فلما اشترط خمسين سنة، علمت اني لاأحج اكثر من خمسين سنة.
قال حماد: وحججت ثمان واربعين حجة، وهذه داري قد رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا إبني، وهذه خادمتي، قد رزقت كل ذلك.
فحج بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين، ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل ابا العباس النوفلي القصير، فلما صار في موضع الاحرام، دخل يغتسل في الوادي فحمله فغرقه الماء رحمة الله عليه، واتاه قبل ان يحج زيادة على خمسين، (7) عاش الى وقت (الامام) الرضا عليه السلام، وتوفي سنة تسع ومأتين، وكان من جهينة.
وحكي عن الكشي رحمه الله انه قال: اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، واقرت له بالفقه.
وذكره الشيخ (ره) في رجاله في اصحاب الامام الصادق (ع)، وقال في الفهرست 86: حماد بن عيسى الجهني غريق الجحفة، ثقة، له كتاب النوادر، وكتاب الزكاة، وكتاب الصلاة، اخبرنا بها عدة من اصحابنا، عن ابي المفضل، عن ابن بطة، عن احمد بن ابي عبد الله، عن ابيه، عن حماده ورواه ابن بطة، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمان ابن ابي نجران،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) هذا الحديث رواه الكشي أيضا، ورواه أيضا في قرب الاسناد - كما في البحار: 11، 244، ولكن اختلفوا في ضبط هذه الفقرة، ففي نسخة الاختصاص المطبوعة، والمحكي عن نسخ أخرى، ضبط (اتاه) بالمثناة الفوقية.
وفى محكي قرب الاسناد هكذا: فجاء الوادي فحمله، فغرق فمات رحمنا الله واياه، الخ.
وفى نسخة مطبوعة من الكشي والمحكي من نسخ اخرى: فجاء الوادي فحمله فغرقه الماء، رحمه الله واباه، الخ.
[181]
وعلي بن حديد، عن حماد بن عيسى.
واخبرنا بها ابن ابي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد ابن ابي الصهبان، عن ابي القاسم الكوفي، عن اسماعيل بن سهل، عن حماد.
وفي محكي الخرائج وكشف الغمة عن احمد بن هلال، عن امية بن علي العبسي (القيسي خ) قال: دخلت انا وحماد بن عيسى على ابي جعفر عليه السلام بالمدينة لنودعه، فقال لنا: لا تخرجا، أقيما الى غد، فلما خرجنا من عنده، قال حماد: انا اخرج فقد خرج ثقلي.
قلت اما انا فأقيم، فخرج حماد، فجرى الوادي تلك الليلة، فغرق فيه، وقبره بسياله.
(8) وحكي عن المحقق الفيض (ره) انه قال: حماد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد، فانه ابن عيسى الثقة الجهني الذي يروي غالبا عن حريز.
وقال المحقق النجاشي قدس الله نفسه: حماد بن عيسى أبو محمد الجهني مولى، وقيل عربي، اصله الكوفي، سكن البصرة.
وقيل: انه روى عن ابي عبد الله عليه السلام عشرين حديثا، وروى عن ابي الحسن والرضا (ع)، ومات في حياة ابي جعفر الثاني عليه السلام، ولم يحفظ عنه رواية عن الرضا ولاعن ابي جعفر.
وكان ثقة في حديثه، صدوقا، قال: سمعت من ابي عبد الله عليه السلام سبعين حديثا، فلم ازل ادخل الشك على نفسي، حتى اقتصرت على هذه العشرين.
(9) وله حديث مع ابي الحسن موسى عليه السلام في دعائه بالحج،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) وهذه الفقرة مذكورة في ذيل رواية قرب الاسناد أيضا (على مافى البحار) وقيل في بيانه: السيالة - بالمثناة التحتانية - على زنة سحابة: موضع بقرب المدينة، على مرحلة منها لمن يريد مكة.
(9) الظاهر من سوق هذا التعبير ان حمادا ذكر لبعض الرواة ما رواه عن الامام الصادق (ع)، أو أراه ما كتبه عن الامام (ع) من العشرين حديثا،
[182]
وبلغ من صدقه انه روى عن جعفر بن محمد، وروى عن عبد الله بن المغيرة، وعبد الله بن سنان، وعبد الله بن المغيرة، عن ابي عبد الله.
له كتاب الزكاة اكثره عن حريز وبشير عن الرجال (10)، اخبرنا به الحسين بن عبيد الله، قال: حدثنا احمد بن جعفر بن سفيان، قال: حدثنا حميد بن زياد، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن غالب، قال: حدثنا محمد ابن اسماعيل الزعفراني، عن حماد به.
وكتاب الصلاة، اخبرنا به، محمد بن جعفر، عن احمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، قال الحسن بن فضال: ورجل يقرأ عليه كتاب حماد في الصلاة، قال احمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتابا فيه عبر ومواعظ، وتنبيهات على منافع الاعضاء من الانسان والحيوان، وفصول من الكلام في التوحيد، وترجمته مسائل التلميذ، وتصنيفه عن جعفر بن محمد بن علي (ع)، وتحت الترجمة - بخط الحسين بن احمد بن شيبان القزويني - التلميذ: حماد بن عيسى، وهذا الكتاب له، وهذه المسائل سأل عنها جعفرا وأجابه.
وذكر ابن شيبان: ان علي بن حاتم اخبره بذلك، عن احمد بن ادريس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال لحماد: أهذا جميع ما ترويه من الامام (ع) ام لك بقية ؟ فأجابه حماد: بان جميع ما رويته وسمعته من الامام كان سبعين حديثا، فلم ازل ادخل الشك على نفسي حتى اقتصرت على هذه العشرين، الخ.
(10) كذا في المطبوعة من رجال النجاشي، فقيل: ان مراد النجاشي (ره) من هذه العبارة: ان حماد يروي اكثر كتاب زكاته عن حريز وبشير عمن يروي عن الامام (ع).
وقيل: ان لفظ بشير - بالموحدة التحتانية ثم الشين المعجمة - غلط، والصواب يسير - بالمثناة التحتانية ثم السين المهملة - ومعناه ان اكثر روايات كتاب الزكاة لحماد يرويه عن حريز، واقله ويسيره عن اخرين.
[183]
قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الحسن الطائي، رفعه الى حماد.
وهذا القول ليس بثبت، والاول من سماعه من جعفر بن محمد أثبت.
ومات حماد بن عيسى غريقا بوادي قناة، وهو واد يسيل من الشجرة الى المدينة، وهو غريق جحفة، في سنة تسع ومأتين.
وقيل: سنة ثمان ومأتين، وله نيف وتسعونه سنة، رحمه الله.
واما عمرو بن شمر، فهو من اصحاب الامامين الهمامين، الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام، كما ذكره الشيخ (ره) في الرجال والفهرست.
وضعفه بعضهم، ولعله لروايته بعض أسرار آل محمد (ص)، لانه قد نال حظا وافرا، وحاز قسمة عظيمة من السر المستصعب والمنهل العذب، من علوم آل محمد (ص)، وما خصهم الله به من الفضائل والمكارم.
وقد فحصنا عن رواياته، وسبرناها فلم نجد فيها شيئا يوجب ضعف راويه، أو حط مقامه وسقوطه عن الاعتبار، اللهم الا ان يدعي مدع، أو يقول قائل: ان شرط قبول الرواية وصدق الراوي ان تكون رواياته خالية عن مناقب آل البيت، أو مشتملة على حط مقامهم ومدح اعدائهم.
واما جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث، أبو عبد الله وقيل: أبو محمد الجعفي المتوفي سنة 128، فهو أيضا من اصحاب السيدين الامام الباقر والصادق (ع)، وقد وثقه جماعة كثيرة من علماء الخاصة والعامة، وزينوا كتبهم بذكر احاديثه ومروياته، وتشرفوا بمحضره للاخذ عنه والاستضاءة من قبساته، فقد روي عن سفيان الثوري انه قال: جابر الجعفي صدوق في الحديث الا انه كان يتشيع.
(11) وحكى عنه أيضا انه قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جميع ما نقلناه هنا عن علماء العامة في ترجمة جابر مأخوذ من اعيان الشيعة.
[184]
ما رأيت أورع بالحديث من جابر.
وفي تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن اسحاق صاحب السيرة بسنده، قال شعبة: اما محمد بن اسحاق وجابر الجعفي فصدوقان.
وزاد ابن حنبل: في الحديث.
وفي ميزان الاعتدال ذكر له علامة (د ت ق) اشارة الى انه اخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه القزويني، ثم قال: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي، أحد علماء الشيعة، قال ابن مهدي عن سفيان: كان جابر الجعفي ورعا في الحديث، ما رأيت أورع منه في الحديث.
ابن مهدي سمعت سفيان يقول: ما رأيت في الحديث اورع من جابر الجعفي ومنصور.
وقال شعبة: صدوق.
وزاد في تهذيب التهذيب: في الحديث.
وعن شعبه: كان جابر إذا قال انبأنا وحدثنا وسمعت فهو من اوثق الناس.
وقال وكيع: ما شككتم في شئ فلا تشكوا ان جابر الجعفي ثقة.
وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبه: لئن تكلمت في جابر الجعفي لاتكلمن فيك.
أنبأ كثير بن معاوية، سمعت جابر بن يزيد يقول: عندي خمسون الف حديث ما حدثت منها بحديث، ثم حدث يوما فقال: هذا من الخمسين الف.
وقال سلام ابن ابي مطيع: قال لي جابر الجعفي: عندي خمسون الف باب من العلم ما حدثت بها أحدا، فأتيت ايوب فذكرت هذا له فقال: اما الان فهو كذاب (12).
وقال عبد الرحمان بن شريك: كان عند ابي، عن جابر الجعفي عشرة آلاف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) ان ارباب القياس لما نظروا ورأوا ان بضاعة ائمتهم من العلم مزجاة، وصفقتهم من الكمال خاسرة، قاسوا مدائن علم الرسول (ص) والاخذين عنهم (ع) بائمتهم، ولم يعلموا انه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون=
[185]
مسألة.
وقال عبد الرحمان بن مهدي: الا تعجبون من سفيان بن عيينه لقد تركت لجابر الجعفي (لما حكي عنه) اكثر من الف حديث، ثم هو يحدث عنه.
وعن الاعمش انه قال: أليس اشعث بن سوار يسألني عن حديث ؟ فقلت: لا، ولانصف حديث، ألست انت الذي تحدث عن جابر الجعفي ؟ ! وقيل لشعبة: تركت رجالا ورويت عن جابر الجعفي.
قال: روى اشياء لم أصبر عنها.
وفي تهذيب التهذيب: لم طرحت فلانا وفلانا ورويت عن جابر ؟ قال: لانه جاء باحاديث لم نصبر عنها.
ورأيت زكريا ابن ابي زائدة يزاحمنا عند جابر، فقال لي سفيان: نحن شباب وهذا الشيخ ماله يزاحمنا، ثم قال لنا شعبة: لا تنظروا الى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر، هل جاءكم بأحد لم يلقه.
وقال ابن عدي: عامة ما قذفوه به انه كان يؤمن بالرجعة.
وليس لجابر الجعفي في سنن ابي داود والنسائي سوى حديث واحد في سجود السهو.
وروى ابن حبان بسنده، عن الجراح بن مليح قال سمعت جابرا يقول عندي سبعون الف حديث، عن ابي جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها.
سأل رجل سفيان: ارأيت يا أبا محمد الذين عابوا على جابر الجعفي قوله: حدثني وصي الاوصياء ؟ ! فقال سفيان: هذا اهونه.
وفي تهذيب التهذيب: جابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي أبو عبد الله، ويقال: أبو يزيد.
ثم ذكر ما مر من الميزان وزاد: عن زهير بن معاوية: كان جابر إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس.
وسئل شريك عن جابر فقال: ماله العدل الرضي، ومد بها صوته.
وقال ابن حبان: واخبرني ابن فارس، ثنا محمد بن رافع، رأيت احمد بن حنبل في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ولم يتفطنوا للمثل السائر: وليس سواء عالم وجهول. ولو تفطنوا وانصفوا لم يبادروا الى تكذيب وعاة العلم ودعاة الحق.
[186]
مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر الجعفي، فقلت: يا ابا عبد الله ! تنهوننا عن حديث جابر وتكتبونه ؟ ! قال: لنعرفه.
الى غير ذلك من كلماتهم، وما تحمله اكابرهم منه.
ووثقة من اعاظم الخاصة: ابن الغضائري (ره) الذي قلما يسلم من قدحه احد.
ومعلم الامة، الشيخ المفيد في رسالته التي صنفها في الرد على اصحاب العدد، ووصفه في جملة من وصفه: بانهم فقهاء اصحاب ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام، والاعلام والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والاحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق الى ذم واحد منهم، وهم اصحاب الاصول المدونة، والمصنفات المشهورة.
وكذلك المحقق النجاشي (ره) والشيخ الطوسي (ره) وجل من تأخر عنهم.
ونقل عن الفقيه الجليل الفضل بن شاذان قدس الله نفسه: ان علم الائمة عليهم السلام انتهى الى اربعة نفر: سلمان الفارسي، وجابر، والسيد، ويونس بن عبد الرحمن.
وقال الحافظ ابن شهر اشوب عطر الله مرقده في ترجمة الامام الباقر (ع): جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث من اصحاب السيدين باقر العلوم والصادق عليهما السلام، وقد نال مرتبة عظيمة من العلم وحمل الاسرار، وتشرف بمقام منيع حتى صار بابا للامام الباقر (ع).
(13) وان شئت العثور على شموخ مقامه، وعلو درجته، فارجع الى الروايات الواردة عنه، في ترجمته أو في معاجز الائمة (ع).
نعم، لما رأى بعض الجاهلين بمقامات أهل البيت، الناصبين لهم العداء والمقت ما تضمنته كتبه، أو رواه عنه الثقات، أو سمع هو منه مشافهة من مناقبهم، وعلو مقامهم عند الله، وما اختار الله لهم من الكرامات الباهرة، والمزايا الموهوبة، والعلوم الموروثة عن رسول الله (ص)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) هذا ليس نص كلام ابن شهر اشوب، بل نقل بالمعنى.
[187]
اشمأزت قلوبهم، واضطربت عروقهم الاموية، وجاشت شنآنهم الموروثة عن اسلافهم، فرموه بالضعف، ولكن البصير يعلم ان هذا ليست اول قارورة كسرت في الاسلام، ويترنم بأنه: شنشنة اعرفها من اخزم، فكم من موحد اوحدي رموه بالكفر والزندقة ! وكم من ورع تقي نسبوه الى الالحاد والتفرقة ! وسعوا في استيصاله بشتى الوسائل ! ولذا اضطر بعض للتوقي عن بوائقهم، والفرار من غوائلهم، الى تصديقهم، والسكوت عما يفترونه وينسبونه الى البررة الكرام ! الى الله اشكو معشرا يعيشون جهالا، ويموتون ضالا.
ولنعم ما قال بعض العلماء من ان: خفاء فضل الفاضل، وتضييع حق المحق من لوازم الفضل والتمسك بالحق.
ولنعم ما افاد الحكيم الشيخ أبو علي ابن سينا متضجرا من الهمج والرعاع، ومشيرا الى طريق التخلص من اولي الجور والعداء، بقوله بالفارسية.
بااين دو سه نادان كه چنين ميدانند * از جهل كه داناي جهان آنانند
خر باش كه اين جماعت از فرط خري * هركس نه خر است كافرش ميخوانند
واما ابراهيم بن عمر الصنعاني اليماني أبو اسحاق، فهو من اصحاب الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام، وهو عند المحققين من الثقات المعول عليهم، المأخوذ منهم.
قال النجاشي (ره): ابراهيم بن عمر اليماني الصنعاني شيخ من اصحابنا ثقة، روى عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام، ذكر ذلك أبو العباس وغيره، له كتاب يرويه عنه حماد بن عيسى وغيره، اخبرنا محمد بن عثمان، قال حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد قال: حدثنا عبيد الله بن احمد بن نهيك قال: حدثنا ابن ابي عمير، عن حماد بن عيسى، عن ابراهيم بن
[188]
عمر - به.
وذكره شيخ الطائفة (ره) في غير موضع من رجاله، وقال: في فهرسته 32: ابراهيم بن عمر اليماني، وهو الصنعاني، له اصل، اخبرنا به عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن ابيه، عن محمد بن الحسن الصفار، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عنه.
واخبرنا احمد بن عبدون، عن ابي طالب الانباري، عن حميد بن زياد عن ابن نهيك، والقاسم بن اسماعيل القرشي جميعا - به.
وحكي عن المحقق الورع المجلسي الكبير (ره) انه قال: ان اصوله معتمد عند الاصحاب.
وحكي عن ابن حجر انه قال في التقريب: ان ابراهيم بن عمر اليماني الصنعاني ابا اسحاق، صدوق من السابعة.
واما ابان ابن ابي عياش، (14) أبو اسماعيل البصري الزاهد، مولى عبد القيس، المتوفى سنة 138 ه، فهو الذي التجأ به سليم بن قيس (ره) واستجاره لما فر من الطاغية حجاج بن يوسف الثقفي، فاجاره أبان ابن ابي عياش وخلصه من سيف حجاج، فبقي سليم عنده مختفيا حتى دنا اجله، فطلب ابان، وشكره على صنيعه، واودعه كتابه، وشرط عليه ان لا يظهره ولا يحدث به مادام سليم حيا، وان يودعه عند قرب اجله ودنو وفاته من كان معتمدا من شيعة علي امير المؤمنين (ع)، فقبل أبان، ووفي بما اشترطه سليم (ره) فاودع كتابه عند حضور اجله عند عمر بن اذينه (ره).
وحكي عن ميزان الاعتدال: ان سلمان العلوي قال لحماد بن زيد: يا بني عليك بابان، فذكر ذلك لايوب السختياني، فقال: ما زال نعرفه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) واسم ابي عياش: فيروز، وقيل: دينار.
[189]
بالخير منذ كان.
وحكي عنه ايضا: ان أبانا رئي في النوم، فقال: أو قفني الله بين يديه، فقال: ما حملك على ان تكثر للناس من ابواب الرجاء ؟ فقلت: يا رب اردت ان احببك الى خلقك.
فقال: قد غفرت لك.
وأما سليم بن قيس الهلالي أبو صادق رحمه الله، فهو من اصحاب امير المؤمنين عليه السلام، وحاملي اسراره، وصاحب الاصل القديم المعتبر عند أعيان الطائفة، المعتمد لدى المحققين جميعا.
وبقي حتى ادرك الحجاج، فطلبه ليقتله كما قتل نظراءه مثل سعيد بن جبير، وكميل بن زياد، وغيرهما رضوان الله عليهم، ففر منه، واخفى شخصه، وتوارى عن الناس، حتى ادركه الموت وهو في جوار أبان ابن أبي عياش رضوان الله عليهما.
وبموته ضاع ما انفرد بحفظه وحمله من أسرار امير المؤمنين عليه السلام، الا ما اودعه في كتابه، ولعل اكثر ما في كتابه أيضا قد انمحى وأتى عليه الدهر، لاستيلاء اعداء اهل البيت على الاقطار الاسلامية، وسعيهم في استيصال الشيعة وقتلهم تحت كل حجر ومدر.
والاصل الموجود من كتاب سليم الذي وصل الينا من السلف الصالح يدا بيد، موافق للحق والحقيقة، وما ظن فيه من القدح يمكن تصحيحه وحمله على مالا ينافي الحقائق، أو عدالة صاحبه ووثاقته.
نعم بعض من غفل من تاريخ سليم وما ابتلي به، جعله هدفا لسهم الانتقاد، لوجدانه في اصل سليم مالا يقبل الصحة - بحسب نظره ومبلغ علمه - ولم يلتفت المسكين الى انه لا يتصور عادة تصديق جميع الناس لما كتبه أو حققه غير المعصوم، ولم يدر انه لا يوجد في ملة من المل، ومذهب من المذاهب، كتاب أو أمر حققه البشر - غير المؤيد من الله وغير المعصوم -
[190]
ثم يكون جميع ما اشتمل عليه مورد االقبول الجميع، وتصديق الكل، ولو كان صاحبه في نهاية العظمة، وغاية الدقة، وكان حظه من الحياة والتعيش مع ابناء عصره حظا أو في، ونصيبا اعلى، وكتابه في كل عصر بمرءى ومسمع من الناس، فكيف بالكتاب الذي صاحبه مرعوب وجل، وعاش في زاوية الاختفاء مطرودا عن اهله ومصره، وكان مطلوبا للقتل والصلب من قبل الد الخصوم، واسفك الانام للدماء، وهو حجاج بن يوسف المنصوب من قبل الامويين، الذين يرون حب علي وأولاده ومتابعتهم اكبر من كل زندقة والحاد، ولعنهم والتبري منهم، وستر مناقبهم، واظهار شخصيات معانديهم، اعظم من كل قربة ورشاد.
هذا كله بالنسبة الى صاحب الكتاب، واما الكتاب ومطالبه فعند اعداء اهل البيت عين الكفر والالحاد، ولاجله كان في اغلب الاعصار، مخزونا عند اهله لا يطمثه إنس ولاجان، كل ذلك خوفا من القتل والاستيصال وهتك الحرمات، واسترقاق البنين والنبات.
وهذه الامور من الاسباب العادية للتلف، ومحق بعض الحقائق، لاسيما في الاعصار القديمة التي كانت الكتب فيها غير مطبوعة، ولذا شنت غارات الحوادث على جل كتب المتقدمين من علماء الامامية، فكم من صحائف مكرمة قد أكلتها دواب الارض، وكم من زبر معظمة قد تقاطر عليها الامطار فمحتها من صفحة الوجود، وكم من حقائق مرقومة قد جنت عليها ايادي الظالمين واعداء الدين بالحرق والغرق، والمزق والسحق، ومحوها بالبزاق والبصاق ! ! فلولا عناية الباري بحفظ دينه، وآثار اوليائه، لاصبحت تلك الاثار اسما بلا مسمى، كالعنقاء والكيمياء.
اضف الى جميع ما ذكرنا السهو والنسيان، وهو مالا يخلو منه احد،
[191]
حتى قيل: انه طبيعة ثانوية، وقيل: الانسان مجبول على السهو والنسيان: فأي محقق في صنعته لم يصدر منه في اموره خطأ أو سهو أو نسيان، واي ذي عناية في عمل من الاعمال، لم يبتل بالغفلة والذهول، واي كاتب لم يبدل العقول بالبقول، والفصول بالفضول ؟ ! والحاصل ان سليم بن قيس الهلالي رحمه الله، من أعيان الطائفة: وكتابه من الاصول المعتبرة، وحسبك شاهدا على تبرزه وكونه من اولياء امير المؤمنين عليه السلام، موته في ديار الغربة وهو خائف يترقب، ومرعوب وجل، مع انه لو كان مريدا للدنيا، ويروقه التقرب الى سلاطين زمانه، وطواغيت ايامه - امثال ابي هريرة، وسمرة بن جندب، ومن على شاكلتهما - كان متمكنا بشتى الوسائل من التقرب إليهم، وهضم حلوائهم، ولبس زيهم، وأكل فريستهم، لان الملوك وآكلي أموال الناس بالباطل، في حاجة شديدة الى التشبث باهل العلم والصلاح، ليتخذوا بهم مال الله دولا، وعباد الله خولا، فيأكلوا الدنيا باسم الدين، ويسيطروا على أموال الفقراء والمساكين، ويتأمروا على العالمين، ولاجله ينوهون باسم من يوافقهم ويعظمونه فوق حد التعظيم، ولو لم يميز السين من الشين، ولم يعرف الصاد من الضاد، ويحطون من مقام من خالفهم ولو كان اعلم أهل الارض، بل ولو كان نفس القداسة والروحانية، وعين العلم والعدالة والانسانية ! ! ومن صعب عليه تصديق ما ذكرنا، وتشخيص اهل زمانه، فليراجع الى تاريخ بني امية، وما صنعوا مع امير المؤمنين (ع) واوليائه، وما اختلقوا لاعدائه ومبغضيه، فانه يرى الامر جليا، فيصدق ما قلناه، لان الزمان اشباه، والبشر اشكال.
واما كتابه فكفى في اعتباره ان علماءنا خلفا عن سلف تمسكوا بمطالبه، وجعلوها دليلا ومصدرا لدعاويهم.
[192]
واما ابن عبدون، فهو احمد بن عبد الواحد بن احمد البزاز أبو عبد الله المتوفى سنة 423 ه.
قال النجاشي رحمه الله: هو شيخنا المعروف بابن عبدون، له كتب، منها اخبار السيد ابن محمد كتاب تاريخ، كتاب تفسير خطبة فاطمة (ع) معربة، كتاب عمل الجمعة، كتاب الحديثين المختلفين، أخبرنا بسائرها.
وكان رحمه الله قويا في الادب، قد قرأ كتب الادب على شيوخ اهل الادب، وكان قد لقي ابا الحسن، علي بن محمد القرشي المعروف بابن الزبير، وكان علوا في الوقت(15) .
وقال الشيخ رحمه الله: احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، يكنى ابا عبد الله، كثير السماع والرواية، سمعنا منه، واجاز لنا بجميع ما رواه، مات سنة ثلاث وعشرين واربعمأة.
واما ابن ابي الزبير، فهو علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المتوفى سنة 348، وكان رحمه الله شيخ الشيوخ، واستاذ اهل الكمال والنبوغ، وراوي الاصول، ومجيز الاكابر والفحول.
قال الشيخ (ره) في باب من لم يرو عن الائمة عليهم السلام من رجاله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) قيل: المراد به مدح ابن الزبير، وانما كان علوا في الوقت، لانه كان يروي عن علي بن فضال بلا واسطة، كما يظهر ذلك من الغضائري في المفضل بن صالح، ومثل الكشي - الذي في مرتبة الكليني - يروي عنه بتوسط العياشي، وكان ناهز مأة سنة، كما صرح به الشيخ في رجاله.
قال المحمودي: بل مقصود النجاشي (ره) من هذه العبارة مدح ابن عبدون، وانما كان مدحا له، للملازمة العادية بين الاتصال بعلية الناس، وبين العلى، كما يمدح مثلا سلمان بانه اخذ عن اهل البيت واتصل بهم (ع) دون غيرهم، وذلك في العرفيات فوق حد الاحصاء، ونظمه الشعراء فقالوا: عن المرء لا تسال وسل عن خدينه، الخ.
وقال آخر:
فاعتبر الارض باسمائها * واعتبر الصاحب بالصاحب
[193]
480: علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي، روى عن علي بن الحسن ابن فضال جميع كتبه، وروى اكثر الاصول، روى عنه التل عكبري، واخبرنا عنه احمد بن عبدون، ومات ببغداد سنة ثمان واربعين وثلاث مأة، وقد ناهز مأة سنة، ودفن في مشهد امير المؤمنين عليه السلام.
ويكنى بابي الحسن أيضا، كما يعلم ذلك مما ذكره النجاشي (ره) في ترجمة ابن عبدون من قوله - في وصفه -: وكان ابن عبدون قد لقي ابا الحسن علي بن محمد القرشي المعروف بابن الزبير، وكان علوا في الوقت(16).
وأرخ النجاشي أيضا وفاته كالشيخ (ره)، فقال في ترجمة ابان بن تغلب: اخبرنا احمد بن عبد الواحد قال: حدثنا علي بن محمد القرشي سنة ثمان واربعين وثلاث مأة - وفيها مات - قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد بن ابي عمير، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب، فجاء شاب، فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال له ابان: كأنك تريد ان تعرف فضل علي بمن تبعه من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: فقال الرجل: هو ذلك.
فقال: والله ما عرفنا فضلهم الا باتباعهم اياه.
قال: فقال أبو البلاد: عض ببظر امه رجل من الشيعة في اقصى الارض وادناها يموت أبان ولا يدخل مصيبته عليه.
فقال له أبان: يا أبا البلاد !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) قال في التعليقة على ما حكي عنه: الاقرب رجوع الضمير - في قوله: وكان علوا - الى علي بن محمد - والعلو - بالمهملة على مافى النسخ - الظاهر ان المراد به علو الشأن، واكثار رواية ابن عبدون عنه قرينة ظاهرة.
والمحكي عن المحقق الداماد انه قال: علي بن محمد بن الزبير المعروف عند الاصحاب، شيخ الشيوخ، وراوية الاصول. قال النجاشي: كان علوا في الوقت، اي كان في غاية الفضل والعلم والثقة والجلالة في وقته واوانه.
[194]
تدري من الشيعة ؟ الشيعة الذين ادا اختلف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اخذوا بقول علي، وإذا اختلف الناس عن علي اخذوا بقول جعفر بن محمد عليه السلام.
وأما علي بن الحسن بن فضال، فقد اجمع اصحابنا الا النادر منهم، على قبول روايته والوثوق بقوله، وانه من الاعاظم، ومن فقهاء اصحابنا، وعده الشيخ (ره) في رجاله في اصحاب الامام الهادي والامام العسكري عليهما السلام، وقال في فهرسته: علي بن الحسن بن فضال فطحي المذهب، ثقة كوفي، كثير العلم، واسع الرواية والاخبار، جيد التصانيف، غير معاند، وكان قريب الامر الى أصحابنا الامامية، القائلين بالاثني عشر، وكتبه في الفقه مستوفاة، وفي الاخبار حسنة، قيل: انها ثلاثون كتابا، منها كتاب الطب، وكتاب فضل الكوفة، وكتاب الدلائل، وكتاب المعرفة، وكتاب المواعظ، وكتاب التفسير وكتاب البشارات، وكتاب الجنة والنار، وكتاب الوضوء، وكتاب الصلاة، وكتاب الحيض، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الرجال، وكتاب الوصايا، وكتاب الزهد، وكتاب الحج، وكتاب العقيقة، وكتاب الخمس، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الجنائز، وكتاب صفات النبي (ص)، وكتاب المثالب، وكتاب اخبار بني اسرائيل، وكتاب الاصفياء.
اخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه اكثرها، والباقي اجازة احمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير سماعا واجازة عنه.
وقال النجاشي (ره): علي بن الحسن بن علي بن فضال بن عمر بن ايمن مولى عكرمة بن ربعي الفياض أبو الحسن، كان فقيه اصحابنا بالكوفة، ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا، ولم يعثر له على زلة فيه، ولا ما يشينه، وقل ماروى عن ضعيف، وكان فطحيا، ولم يرو عن
[195]
ابيه شيئا، وقال: كنت اقابله - وسني ثمان عشرة سنة - بكتبه، ولا افهم ادراك الروايات، ولا استحل ان ارويها عنه. وروى عن اخويه عن ابيهما.
وذكر احمد بن الحسين رحمه الله، انه رأى نسخة اخرجها أبو جعفر ابن بابويه، وقال: حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني قال: حدثنا احمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا علي بن الحسن بن فضال، عن ابيه، عن الرضا.
ولا يعرف الكوفيون هذه النسخة، ولا رويت من غير هذا الطريق.
وقد صنف كتبا كثيرة منها ما وقع الينا.
ثم عدد كتبه كما ذكره (ره)، وزاد عدة كتب، منها: كتاب الانبياء، كتاب الفرائض، كتاب الدعاء، كتاب الملاحم، كتاب اثبات امامة عبد الله، كتاب ماروي في الحمام، كتاب المتعة، كتاب الغيبة، كتاب اسماء آلات رسول الله (ص) واسماء سلاحه، كتاب العلل ونحوها، ثم قال: ورأيت جماعة من شيوخنا يذكرون: ان الكتاب المنسوب الى علي بن الحسن بن فضال المعروف باصفياء امير المؤمنين عليه السلام (ويقولون: انه) موضوع عليه لااصل له، والله اعلم.
قالوا: وهذا الكتاب الصق روايته الى ابي العباس - ابن عقدة، وابن زبير، ولم نر أحدا ممن روى عن هذين الرجلين يقول: قرأته على الشيخ، غير انه يضاف الى كل رجل منهما بالاجازة حسب.
قرأ احمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق والنكاح والزهد والجنائز والمواعظ والوصايا والفرائض والمتعة والرجال على احمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه، وقرأت انا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة، عن ابن الزبير عن علي بن الحسن، واخبرنا بسائر كتب ابن فضال بهذا الطريق.
واخبرنا محمد بن جعفر في آخرين، عن احمد بن محمد بن سعيد
[196]
عن علي بن الحسن - بكتبه.
ومجمل القول ان الرجل عند المحققين من اكمل الثقات.
واما محمد بن عبد الله بن زرارة.
فهو أيضا ممن ورث المجد والعظمة من ابيه وعشيرته الاكرمين الموالين للائمة الطاهرين عليهم السلام.
قال أبو غالب الزراري رحمه الله، في رسالته المشتملة على ترجمة آل أعين اجمالا: ومن ولد زرارة محمد بن عبد الله بن زرارة، وكان كثير الحديث، وروى عنه علي بن الحسن بن علي بن فضال حديثا كثيرا.
واما عمر بن اذينة رحمه الله، فقد اصفق الاصحاب رضوان الله عليهم على جلالته ووثاقته، وعده الشيخ (ره) في رجاله من اصحاب الامام الصادق والامام الكاظم عليهما السلام، وذكره في فهرسته مع طريقه الى كتبه.
وقال الكشي (ره): قال حمدويه: سمعت اشياخي منهم العبيدي وغيره، ان ابن اذينة كوفي، وكان هرب من المهدي، ومات باليمن، فلذلك لم يرو عنه كثير، ويقال: اسمه محمد بن عمر بن اذينة، غلب عليه اسم ابيه، وهو كوفي مولى لعبد القيس.
وقال المحقق النجاشي رضوان الله عليه: عمر بن محمد بن عبد الرحمان ابن اذينة بن سلمة بن الحارث بن خالد بن عائذ بن سعد بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن نهشة (بهته خ) بن جديمة بن الديل بن شن بن اقصى بن عبد القيس بن افصى بن دعمي بن جديلة بن اسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، شيخ اصحابنا البصريين ووجههم، روى عن ابي عبد الله عليه السلام بمكاتبة، له كتاب الفرائض، اخبرنا احمد بن محمد، عن احمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن مفضل بن ابراهيم، عن محمد بن زياد، عن عبيد الله بن احمد بن نهيك، واحمد بن سقلاب جميعا، عن محمد بن ابي عمير، عن عمر بن اذينة.
[197]
وينبغي لنا ان نذكر ما جرى بينه وبين ابن أبي ليلى لفوائده الجنة، وخلوا اكثر الكتب عنه.
قال القاضي نعمان (ره): روينا عن عمر بن اذينه، وكان من اصحاب ابي عبد الله جعفر بن محمد (ع) انه قال: دخلت يوما على عبد الرحمان ابن ابي ليلى بالكوفة وهو قاض، فقلت: أردت ان أسألك عن مسائل - وكنت حديث السن.
- فقال: سل يابن اخي عما شئت.
قلت: اخبرني عنكم معاشر القضاة، ترد عليكم القضية في المال والفرج والدم، فتقضي أنت فيها برأيك، ثم ترد تلك القضية بعينها على قاضي مكة، فيقضي فيها بخلاف قضيتك، ثم ترد على قاضي البصرة وقاضي اليمن، وقاضي المدينة، فيقضون فيها بخلاف ذلك، ثم تجتمعون عند خليفتكم الذي استقضاكم، فتخبرونه باختلاف قضاياكم، فيصوب رأي كل واحد منكم، وإلهكم واحد، ونبيكم ودينكم واحد ! أفأمركم الله بالاختلاف فاطعتموه، أم نهاكم عنه فعصيتموه، أم كنتم شركاء الله في حكمه، فلكم ان تقولوا وعليه ان يرضى، أم انزل الله دينا ناقصا فاستعان بكم في إتمامه، أم انزل الله تاما فقصر رسول الله (ص) عن ادائه، أم ماذا تقولون ؟ ! فقال: من اين انت يافتى ؟ قلت: من أهل البصرة.
قال: من ايها ؟ قلت: من عبد القيس.
قال: من أيهم ؟ قلت: من بنى أذينة.
قال: ما قرابتك من عبد الرحمان بن أذينة ؟ قلت: هو جدي.
فرحب بي وقربني وقال: اي فتى ! لقد سألت فغلظت، وانهمكت فتعوصت، وسأخبرك ان شاء الله.
أما قولك في اختلاف القضايا، فانه ما ورد علينا من أمر القضايا مما له في كتاب الله اصل، أو في سنة نبيه (ص) فليس لنا ان نعدو الكتاب والسنة، وأما ما ورد علينا مما ليس في كتاب الله ولافي سنة نبيه (ص)
[198]
فانا نأخذ فيه برأينا.
قلت: ما صنعت شيئا، لان الله عزوجل يقول: ما فرطنا في الكتاب من شئ، وقال: فيه تبيان كل شئ.
أرأيت لو أن رجلا عمل بما أمر الله به، وانتهى عما نهى الله عنه، أبقي عليه شئ يعذبه الله عليه إن لم يفعله، أو يثيبه عليه ان فعله ؟ قال: وكيف يثيبه على ما لم يأمره به، أو يعاقبه على ما لم ينهه عنه ؟ ! قلت: وكيف يرد عليك من الاحكام ما ليس له في كتاب الله أثر، ولافي سنة نبيه خبر ؟ ! قال: اخبرك يا ابن اخي حديثا حدثناه بعض اصحابنا، يرفع الحديث الى عمر بن الخطاب، انه قضى قضية بين رجلين، فقال له - أدنى القوم إليه مجلسا -: أصبت يا أمير المؤمنين، فعلاه عمر بالدرة، وقال: ثكلتك امك، والله ما يدري عمر أصاب ام أخطأ، انما هو رأي اجتهدته، فلا تزكونا في وجوهنا.
قلت: افلا احدثك حديثا ؟ قال: وما هو ؟ قلت: اخبرني ابي، عن ابي القاسم العبدي، عن ابان، عن علي بن ابي طالب (ع) انه قال: القضاة ثلاثة، هالكان وناج، فاما الهالكان فجائر جار متعمدا، ومجتهد اخطأ، والناجي من عمل بما أمر الله به.
فهذا نقض حديثك (حديثكم خ) يا عم.
قال: أجل والله يابن أخي، قتقول انت ان كل شئ في كتاب الله عزوجل ؟ قلت: الله قال ذلك، وما من حلال ولاحرام ولاأمر ولانهي الا وهو في كتاب الله عزوجل، عرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله، ولقد اخبرنا لله فيه بما لانحتاج إليه، فكيف بما نحتاج إليه.
قال: كيف قلت (وما هو خ) ؟ قلت: قوله: فاصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها.
قال: فعند من يوجد علم ذلك ؟ قلت: عند من عرفت.
قال: وددت لو اني عرفته، فأغسل قدميه، وآخذ عنه، (واخدمه خ) واتعلم منه.
قلت: اناشدك الله هل تعلم رجلا كان إذا سأل رسول الله (صلع) شيئا أعطاه، وإذا سكت عنه ابتداه ؟ قال: نعم، علي بن ابي طالب (ع).
قلت: فهل علمت ان عليا
[199]
سأل أحدا بعد رسول الله (صلع) عن حلال أو حرام ؟ قال: لا.
قلت: هل علمت انهم كانوا يحتاجون إليه ويأخذون عنه ؟ قال: نعم.
قلت: فذلك عنده.
قال: فقد مضى فأين لنا به ؟ قلت: تسأل في ولده، فان ذلك العلم عندهم (فيهم خ).
قال: وكيف لي بهم ؟ قلت: أرأيت قوما كانوا بمفازة (في مفازة خ) من الارض، ومعهم أدلاء، فوثبوا عليهم، فقتلوا بعضهم وجافوا (وأخافوا خ) بعضهم، فهرب واستتر من بقي لخوفهم، فلم يجدوا من يدلهم، فتاهوا في تلك المفازة حتى هلكوا، ما تقول فيهم ؟ قال: الى النار، واصفر وجهه، وكانت في يده سفر جلة فضرب بها الارض فتهشمت، وضرب بين يديه وقال: انا لله وانا إليه راجعون.
المقدمة الاخيرة من كتاب دعائم الاسلام، ونقله عند المجلسي العظيم (ره) في البحار: 24، 5.
واما العدة وقعت في الطريق الثاني من الكافي من احمد بن محمد الخ.
فانهم الان غير معلومين لي تفصيلا وتعيينا، إذ يحتمل احمد بن محمد ان يكون الاشعري، ويحتمل ان يكون البرقي، فان كان الاشعري فقد تقدمت ترجمته وترجمة عدته في تعليقات المختار 1.
وان كان البرقي فسيجئ ترجمته وترجمة عدته.
واما الحسين بن سعيد وحماد بن عيسى وعمرو بن شمر وجابر، فقد مضت خلاصة القول في تراجمهم.
[200]
تعليق تفسيري نقلي: على قوله (ع): واعتصموا بحبل الله، الخ.
روى النعماني (ره) مسندا عن الامام السجاد عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا ومعه أصحابه في المسجد، فقال: يطلع عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة يسأل عما يعنيه، فطلع رجل طوال شبيه برجال مصر، فتقدم فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال: يارسول الله اني سمعت الله عزوجل يقول فيما انزل: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (1) " فما هذا الحبل الذي أمرنا الله بالاعتصام به، و (أن) لا نتفرق عنه ؟ فأطرق رسول الله صلى الله عليه وآله مليا، ثم رفع رأسه، فأشار بيده الى علي وقال: هذا حبل الله الذي من تمسك به عصم به في دنياه ولم يضل في آخرته.
فوثب الرجل الى علي، فاحتضنه من وراء ظهره وهو يقول: اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله، ثم قام فخرج، فقام رجل من الناس، فقال: يارسول الله ألحقه فاسأله ان يستغفر الله لي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا تجده موفقا.
قال: فلحقه الرجل فسأله ان يستغفر له، فقال له: أفهمت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله، وما قلت له ؟ قال: نعم.
قال: فان كنت متمسكا بذلك فغفر الله لك، والا فلا غفر الله لك.
كما في الحديث الثاني، من تفسير الاية المباركة، من البرهان.
وروي أيضا في الحديث الرابع، من تفسير الاية الشريفة، عن السيد الرضي (ره) في الخصائص معنعنا، عن ابي الحسن عليه السلام، في خطبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) الاية 103 من سورة آل عمران.
[201]
خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه، وفي الخبر: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أدعوا عمي - يعني العباس -، فدعي له، فحمله وعلي عليه السلام حتى أخرجاه، فصلى بالناس وانه لقاعد، ثم حمل فوضع على المنبر بعد ذلك، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدرها، فبين باك وصائح، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب ساعة، ويسكت ساعة، وكان فيما ذكر من خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والانصار ومن حضر في يومي هذا وساعتي هذه من الانس والجن ؟ ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا واني خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شئ، حجة الله عليكم، وحجتي وحجة وليي، وخلفت فيكم العلم الاكبر، علم الدين، ونور الهدى، وضياءه، وهو علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وهو حبل الله، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم، فاصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.
ايها الناس هذا علي، من احبه وتولاه اليوم وبعد اليوم فقد اوفي بما عاهد عليه الله، ومن عاداه وابغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة اصم وأعمى لاحجة له عند الله.
وفي الحديث الخامس منه معنعنا، عن عبد الله بن عباس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ جاء اعرابي فقال: يارسول الله سمعتك تقول: واعتصموا بحبل الله جميعا، فما حبل الله الذي نعتصم به ؟ فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده في يد علي (عليه السلام) وقال: تمسكوا بهذا، فهذا هو الحبل المتين.
وفي الحديث السادس، من تفسير الاية، عن العياشي، عن ابن يزيد
[202]
قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن قوله: واعتصموا بحبل الله جميعا، قال: علي بن ابي طالب حبل الله المتين.
وفي الحديث السابع، عنه أيضا، عن جابر قال: آل محمد عليهم السلام هم حبل الله الذي أمر بالاعتصام به فقال: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
وعن رشيد الدين ابن شهر آشوب (ره)، عن محمد بن علي العنبري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، انه سأله أعرابي عن هذه الاية: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا "، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام وقال: يا اعرابي هذا حبل الله فاعتصم به.
فدار الاعرابي من خلف علي عليه السلام، واحتضنه وقال: أللهم اني اشهدك اني اعتصمت بحبلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سره ان ينظر الى رجل من أهل الجنة فلينظر الى هذا.
ثم قال ابن شهر اشوب: وروى نحوا من ذلك عن الامام الباقر عليه السلام.
كما في الحديث الثامن، من تفسير الاية.
وروي في الحديث التاسع، من تفسير الاية، عن الثعلبي باسناده الى جعفر بن محمد عليه السلام، في قوله تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " قال: نحن حبل الله الذي قال الله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
ورواه أيضا أبو الفتوح الرازي، عن ابان بن تغلب، عن الامام الصادق (ع).
وروي عن عطية العوفي، عن ابي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا أيها الناس اني تركت فيكم خليفتين ان أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما اكبر من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي اهل بيتي، ان الله اللطيف الخبير
[203]
أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وعن الامام السجاد عليه السلام قال: الامام منا لا يكون الا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون الا منصوصا.
فقيل له: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله: فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، والقرآن يهدي الى الامام، وذلك قول الله عزوجل: ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم (1) نقله في الصافي، في تفسير الاية الكريمة، عن معاني الاخبار.
وعن تفسير القمي: إن حبل الله هو التوحيد والولاية.
والاثار في ذلك كثيرة جدا، وللكلام بقية نبحث عنها فيما سيأتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاية 9، من سورة بني اسرائيل.