[390]

المائدة الثانية عشرة: في ذكر ما يناسب قوله (ع): " واياك ان تثق لتحميل زادك بمن لاورع له ولا أمانة، الخ ".

وقد قلنا سابقا انه يحتمل ان يكون المراد من هذا الكلام التحذير عن صرف المعروف والعطيات في غير أهله، وهذا المعنى قد ورد في غير واحد من الاخبار الزجر عنه، والردع منه، ففي الحديث الاخير من المجلس 16، من أمالي الشيخ المفيد (ره)، عن كعب الاحبار قال: مكتوب في التوراة: من صنع معروفا الى احمق فهي خطيئة تكتب عليه.

وروى ابن أبي الحديد، في المختار 400، أو 455، مما استدركه على السيد الرضي (ره) انه قال أمير المؤمنين (ع): ينبغي للعاقل ان يمنع معروفه الجاهل واللئيم والسفيه، اما الجاهل فلا يعرف المعروف، ولا يشكر عليه، وأما اللئيم فأرض سبخه لا تنبت، وأما السفيه فيقول: انما أعطاني فرقا من لساني.

وأيضا روى ابن ابي الحديد في المختار 853، مما استدركه على قصار النهج، انه قال (ع): المصطنع الى اللئيم كمن طوق الخنزير تبرا، وقرط الكلب دررا، وألبس الحمار وشيا، وألقم الافعى شهدا.

وفي الحديث 1، من الباب 25، من كتاب الزكاة، من الكافي: 4، 30 معنعنا، عن الامام الصادق (ع) قال: إذا أردت أن تعلم أشقي الرجل أم سعيد، فانظر سببه ومعروفه الى من يصنعه، فان كان يصنعه الى من هو أهله فاعلم أنه خير، وان كان يصنعه الى غير أهله، فاعلم انه ليس له عند الله خير.

ورواه الصدوق (ره)، في الفقيه مرسلا، كما في الوافي: 2، ص 84، في الحديث 3، من الباب 58، من كتاب الزكاة.

ورواه أيضا في

 

[391]

الحديث، 2، من الباب، من الكافي، بسند آخر.

وفي الحديث الرابع، من الجزء الرابع، من أمالي الشيخ (ره) معنعنا، عن الامام الصادق (ع) قال: انه من عظم دينه، عظم إخوانه، ومن استخف بدينه استخف بأخوانه، يا محمد اخصص بمالك وطعامك من تحبه في الله عزوجل.

وفي تحف العقول عن الامام الكاظم عليه السلام قال: والصنيعة لا تكون صنيعة الا عند ذي دين أو حسب، الخ.

وقريب منه رواه في مستطرفات السرائر عن النبي (ص).

ورواه في الحديث 80، من باب النوادر، من الفقيه: 4، 298 معنعنا، مع زيادات كثيرة عن الامام الصادق (ع).

وأما ما قيل في هذا المعنى من الشعر فقير قليل أيضا.

ففي المختار 9 من حرف العين، من الديوان المنسوب الى امير المؤمنين (ع) ص 93:

لا تضع المعروف في ساقط * فذاك صنع ساقط ضائع

وضعه في حر كريم يكن * عرفك مسكا عرفه ضائع

وقال شاعر:

ان الصنيعة لا تكون صنيعة * حتى يصاب بها طريق المصنع

فإذا اصطنعت صنيعة فاعمد بها * لله أو لذوي القرابة أودع

هذا ما حضرني الان من شواهد الاحتمال الاول.

وأما شواهد الاحتمال الثاني - اي كون الكلام تحذيرا من ايكال الامر الى غيره، بأن يكون مساق قوله (ع): " واياك أن تثق لتحميل زادك بمن لاورع له ولا أمانة، الخ " مساق قوله (ع): " يابن آدم كن وصي نفسك، واعمل في مالك ما تؤثر ان يعمل فيه من بعدك " (128) - فكثيرة أيضا نثرا ونظما، ويدل عليه جميع ما ورد في الشريعة من الحث على المبادرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(128) المختار 251، من قصار نهج البلاغة.

 

[392]

الى الخيرات، ويدل عليه أيضا ماقاله السبط الشهيد عليه السلام: مالك ان لم يكن لك، كنت له منفقا، فلا تنفقه بعدك فيكون ذخيرة لغيرك، وتكون أنت المطالب به، المأخوذ بحسابه، واعلم انك لا تبقى له، ولا يبقى عليك (129) فكله قبل ان يأكلك.

وفي حديث آخر عنه (ع): مالك ان لم يكن لك، كنت له، فلاتبق عليه، فانه لا يبقي عليك، وكله قبل أن يأكلك.

الحديث 28 و 34، من مختار كلمه (ع) في البحار: 17، 151، نقلا عن اعلام الدين، والدرة الباهرة.

واما الشواهد المنظومة للمعنى الثاني فكثيرة أيضا، ومما نسب الى امير المؤمنين عليه السلام قوله:

قدم لنفسك في الحياة تزودا * ولقد تفارقها وأنت مودع

واهتم للسفر القريب فانه * أنأى من السفر البعيد واشع

واجعل تزودك المخافة والتقى * فلعل حتفك في مسائك أسرع

... الخ. وقال آخر:

قدم جميلا إذا ما شئت تفعله * ولا تؤخر ففي التأخير آفات

ألست تعلم ان الدهر ذو غير * وللمكارم والاحسان اوقات

وقال آخر:

إذا ماكنت متخذا وصيا * فكن فيما ملكت وصي نفسك

ستحصد ما زرعت غدا وتجزى * إذا وضع الحساب ثمار غرسك

وقال آخر:

تمتع انما الدنيا متاع * وان دوامها لا يستطاع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(129) كذا في النسخة، والسياق يقتضي ان يقال: ولا يبقى لك، ولعله من سهو النساخ، أو أن على بمعنى اللام.

 

[393]

وقدم ما ملكت وأنت حي * أمير فيه متبع مطاع

ولا يغررك من توصي إليه * فقصر وصية المرء الخداع

ومالي أن أملك ذاك عيري * وأوصيه به لولا الخداع

وقال آخر:

قدم لنفسك شيئا * وأنت مالك مالك

من قبل أن تتلاشى * ولون حالك حالك

وقال آخر:

افعل الخير مابدا وتهيا * علم الخير لائح في الثريا

انما أنت أنت مادمت حيا * فإذا مت صرت تأويل رؤيا

وقال الاعشى:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * وأبصرت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على ان لا تكون كمثله * وانك لم ترصد كما كان أرصدا

وقال الاخطل:

وإذا افتقرت الى الذخائر لم تجد * ذخرا يكون كصالح الاعمال

 

[394]

شطر آخر من وصيته (عليه السلام) لابنه محمد بن الحنفية

وقال عليه السلام في هذه الوصية (67) :

يا بني البغي سائق إلى الحين (68) لن يهلك امرؤ عرف قدره (69)، من حصن (حظر خ) شهوته صان قدره، قيمة كل امرئ ما يحسن (70) الاعتبار يفيدك الرشاد، أشرف الغنى ترك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) من هنا الى آخر الوصية رواها الصدوق (ره) بلا حذف، واسقاط شئ منها، على ما هو الظاهر من كلامه.

(68) الحين - كزين وشين ومين -: المحنة. الهلاك.

(69) قريب منه ذكره السيد (ره)، في المختار 99، من باب الخطب، والمختار 148، من باب القصار من النهج. وهذا مما تواتر عنه (ع)، وقد أشرنا غير مرة الى ان جل مافى هذه الوصية مذكور في خطبة الوسيلة وفى وصيته (ع) الى الامام المجتبى (ع).

(70) يحسن - من الاحسان - بمعنى العلم، ومراده (ع) ان قيمة المرء تدور مدار علمه، فمن لاعلم له فلاقيمة له، وقيمة العالم أيضا بمقدار قيمة علمه كما وكيفا.

وقال الفيض (ره) في شرح الكلام: يعني تزيد قيمة المرء بزيادة علمه كما وكيفا، ولاشك ان شرف العلم بشرف المعلوم، فالعالم بعظمة الله وجلاله أعظم قدرا من العالم بأحكامه، وكذلك في سائر العلوم، وما كان المقصود منه الدنيا فقيمته ما يحصل له في الدنيا، وماله في الاخرة من نصيب سوى الحسرة والندامة.

اقول: هذا الكلام الشريف مما اطبقت الامة جمعاء على صدوره من امير المؤمنين (ع) وانه (ع) أبو عذرته، وانه اجل تعبير ينبئ عن وزن العالم، ويكشف عن سمو مقامه، وللعلماء والشعراء كلم نافعة، وافادات جيدة في نفاسة هذا الكلام وشرافته، نشير إليها في مناهج البلاغة، في شواهد المختار 81، من قصار نهج البلاغة انشاء الله تعالى.

 

[395]

المنى، الحرص فقر حاضر المودة قرابة مستفادة، صديقك أخوك لابيك وأمك، وليس كل أخ لك من أبيك وأمك صديقك، لاتتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، كم من بعيد أقرب منك من قريب، وصول معدم خير من مثرجاف (71) الموعظة كهف لمن وعاها، من من بمعروفه أفسده (72) من أساء خلقه عذب نفسه وكانت البغضة أولى به، ليس من العدل القضاء بالظن على الثقة (73)، ما أقبح الا شر عند الظفر، والكابة عند النائبة (74) والغلظة والقسوة على الجار،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) الوصول - كصبور -: الكثير الوصل، أو الكثير الاعطاء، وكأن المراد منه هنا معناه الوصفي بلا مبالغة وتكثير، والمعدم: الفقير.

والمثري: ذو المال والغني.

والجافي: الغليظ.

(72) هذا المعنى مقتبس من قوله تعالى في الاية: 264، من سورة البقرة " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس، الخ ".

(73) أي إذا كان أحد موثوقا عندك في الدين أو الامانة أو المحبة أو غيرهما، فما لم يحصل لك اليقين على زواله لا تحكم بالزوال، فان الظن لا يغني من الحق شيئا، وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ".

(74) الاشر: كالبطر والفرح لفظا ومعنى.

والكابة والكأبة والكآبة - كالراحة والكعبة والصحابة -: الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن، وهي مصادر لقولهم: كئب (من باب علم).

 

[396]

والخلاف على الصاحب، والحب (والخبث خ) من ذوي المروءة (75)، والغدر من السلطان، وزل معه حيث زال، لاتصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب (76) لعل له عذرا وأنت تلوم، إقبل من متنصل (77) عذره فتنا لك الشفاعة، وأكرم الذين بهم نصرك، وازدد لهم طول الصحبة برا وإكراما وتبجيلا وتعظيما، فليس جزاء من سرك أن تسوءه (78)، أكثر البر ما استطعت لجليسك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(75) قال في الوافى: الخب - بالخاء المعجمة -: الخداع والمكر، وفى بعض النسخ: الخبث - بالمثلثة - وفى بعضها بالحاء المهملة والنون والمثلثة، وكأنهما تصحيف.

(76) صرم يصرم (من باب ضرب) صرما وصرما (كفلس وقفل) - فلانا.

أي هجره.

الشئ: قطعه.

والاستعتاب: طلب الرجوع والعود الى ماكان عليه.

وفى كتاب العلم من العقد الفريد قال: قال علي (ع): لا تقطع اخاك على ارتياب، ولا تهجره دون استعتاب.

(77) يقال: تنصل فلان من ذنبه أي تبرأ منه.

ومنه الحديث: يا على من لم يقبل العذر من متنصل لم ينل شفاعتي.

(78) أوصى عليه السلام بهذا البيان القدسي بالاهتمام بشئون الانصار والاعوان من الاخوان والاقرباء والاصدقاء، حيث ان الانسان بمعاضدتهم ينال المقصود، وبمعاونتهم يظفر بطلبته، فيفرح ويبتهج، فعليه أن يجزيهم بالبر والاكرام، ويثيبهم بالانعام والاحترام في جميع اوقات الصحبة، ولا يتبرم بطول صحبتهم فيترك ما يجب عليه من مراعاة حقهم، لانه لا يجزى الاحسان الا بالاحسان، فليس جزاء من سرك بانجاح المقاصد، ونيل الامال، ان تسوءه يترك رعايته، واظهار الملالة والسامة من طول صحبته.

 

[397]

فإنك إذا شئت رأيت رشده من كساء الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه من تحرى القصد خفت عليه المؤن (79) من لم يعط نفسه شهوتها أصاب رشده مع كل شدة رخاء ومع كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلا بعد أذى، كفر النعم موق (80) ومجالسة الاحمق شوم.

إعرف الحق لمن عرفه لك شريفا كان أو وضيعا، من ترك القصد جاز، ومن تعدى الحق ضاق مذهبه، كم من دنف نجا، وصحيح قد هوى (81) قد يكون اليأس إدراكا، والطمع هلاكا، إستعتب من رجوت عتابه (82)، لا تبيتن من امرء على غدر، الغدر شر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) التحري: الطلب واختيار ما هو الاولى من الامور.

والقصد: هو التوسط بين الافراط والتفريط.

والمؤن - على زنة زفر وعمر - جمع المئونة - بفتح اوله وضمه - وهي القوت وما يصرفه الانسان في حوائجه، ولملازمته نوعا من الثقل يستعمل في كل شدة وثقيل.

(80) الموق: الحمق، وفى خطبة الوسيلة: كفر النعم لوم، وصحبة الجاهل شوم.

(81) الدنف - على زنة كتف -: من ثقل مرضه وصار ملازما له، وجمعه أدناف، ومؤنثه دنفة، وجمع المؤنث دنفات.

وهوى: هلك.

(82) العتبى: الرضا، أي اطلب رضا من ترجو رضاه ولا تتركه ساخطا عليك، أو المعنى اطلب الرجوع الى المحبة والعود إليها لمن تحتمل وترجو رجوعه الى المسرة، وحاصله ترك الانقطاع والهجران إذا كان الاتصال ممكنا، والتحبب محتملا، والمعنى الثاني لازم للاول، إذ كل من رضي بعد السخط فقد رجع الى ماكان عليه اولا، ومنه الحديث: ولابعد الموت من مستعتب.

 

[398]

لباس المرء المسلم.

من غدر ما أخلق أن لايوفى له، الفساد يبير الكثير والاقتصاد ينمي اليسير (83) من الكرم الوفاء بالذمم من كرم ساد، ومن تفهم إزداد، إمحض أخاك النصيحة وساعده على كل حال ما لم يحملك على معصية الله عز وجل (84) لن لمن غاظك (85) تظفر بطلبتك، ساعات الهموم ساعات الكفارات، والساعات تنفد عمرك (86)، لاخير في لذة بعدها النار، وما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) يبير، من الابارة، أي يهلكه ويبطله، ونمى ينمي نميا ونميا - من باب رمى يرمي - كنما ينمو نموا - من باب دعا يدعو - المال وغيره: زاد وكثر.

وأنمى انماء الشئ، أي زاده، فأنمى هو، أي زاد.

(84) وبهذا يقيد جميع ما ورد في رعاية الاخوان.

وأداء حقوقهم، ومعاونتهم، وعدم مهاجرتهم، ولاجل ان الحكم عقلي - إذ حق الله أقدم واجل من جميع الحقوق - فلا يختص بمورد الاخوة، بل يقيد به حقوق جميع المخلوقين.

(85) غاظه يغيظه (من باب باع) غيظا، وغيظه واغاظة وغايظه، أي حمله على الغيظ وهو الغضب، أو الاشد منه.

وقال (ع) في وصية الى الامام المجتبى (ع): لن لمن غالظك فانه يوشك ان يلين لك، الخ.

وهذا مأخوذ من قوله تعالى: " ادفع بالتي هي احسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ".

وللكلام ذنابة تأتي.

(86) وفى الحديث: يابن آدم انت عدد أيامك.

وروى في جامع الاخبار - على ما حكي عنه - عن السبط الشهيد (ع) انه قال: يابن آدم انما انت أيام، كلما مضى يوم ذهب بعضك.

 

[399]

الجنة (87) كل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية، لا تضيعن حق أخيك إتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه، ولا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، ولا على الاساءة أقوى منك على الاحسان إليه (88)، يا بني إذا قويت فاقو على طاعة الله عزوجل، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عزوجل (89)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(87) اي ما يعده الناس شرا (من المصائب في سبيل الله وتحمل مشقة التكاليف) ليس بشر، بل هو خير محض، لانه يجر الى المكلف خيرا لا ينقطع ولا يبيد، وهكذا معنى قوله (ع) في الفقرة السابقة: " وما خير بخير بعده النار، الخ " أي ما تحسبونه خيرا " من المتاع الحقير الذي تنالونه بمعصية الله) ليس بخير، بل هو شر محض، لانه يجر المكلف الى الجحيم والعذاب الاليم، والفقرة السابقة والجملتان الاخيرتان كالتأكيد لهما، ولا يذهب عنك أن هذه الجمل قد ألقاها (ع) في ضمن كثير من كلماته، كخطبته الوسيلة، ووصيته الى الامام المجتبى (ع)، والمختار 387، من قصار النهج، وغيرها.

(88) من قوله (ع): لا تضيعن حق اخيك، الى قوله: على الاحسان إليه، مذكور في وصيته الى السبط الاكبر: الامام المجتبى (ع)، ورواه أيضا عنه (ع) في كنز الفوائد 34.

(89) ومن قوله (ع): يا بني إذا قويت، الى قوله: عن معصية الله عزوجل - رواه باختلاف ما، في المختار 383، من قصار النهج عنه (ع).

وقريب منه جدا رواه عنه (ع) ابن مسكويه (ره)، في جاويدان خرد (الحكمة الخالدة) ثم قال ابن مسكويه: فكان ابن المقفع يقول: ليجتهد البلغاء ان يزيدوا في هذا حرفا.

 

[400]

وإن استطعت أن لا تملك المرأة (90) من أمرها ما جاوز نفسها فافعل، فإنه أدوم لجمالها وأرخى لبالها وأحسن لحالها فان المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك إحتمل القضاء بالرضا، وإن أحببت أن تجمع خير الدنيا والاخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس والسلام عليك يا بني ورحمة الله وبركاته.

قال الصدوق (طاب ثراه) في آخر الحديث 10، من نوادر الفقيه): هذا آخر وصيته عليه السلام لمحمد بن الحنفية (ره).

أقول: قال شيخ الطائفة عطر الله مرقده في ترجمة الاصبغ بن نباته (ره): كان الاصبغ من خواص امير المؤمنين عليه السلام، وعمر بعده، وروى عهد مالك الاشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين عليه السلام لما ولاه مصر، وروى وصية امير المؤمنين عليه السلام الى ابنه محمد بن الحنفية.

أخبرنا بالعهد إبن جيد، عن محمد بن الحسن الحميري، عن هارون بن مسلم، والحسن بن طريف جميعا، عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، عن امير المؤمنين عليه السلام.

وأما الوصية، فأخبرنا بها الحسين بن عبيدالله، عن الدوري، عن محمد بن أبي الثلج، عن جعفر بن محمد الحسيني، عن علي بن عبدك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) من قوله (ع): وان استطعت، الى قوله: فيصفو عيشك - ذكرناه في باب الخطب من هذا الكتاب، عن مصادر كثيرة.

وأيضا هذا كله مذكور في وصيته الى الامام الحسن (ع) مع زيادة، وكذلك في الحكمة الخالدة 177.

ولا يخفى ان الظاهر من هذا الكلام الشريف - بقرينة ذيله -

 

[401]

الصوفي، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباته المجاشعي، قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام الى ولده محمد بن الحنفية وصيته.

وقال النجاشي رحمه الله: كان الاصبغ بن نباته المجاشعي من خاصة امير المؤمنين عليه السلام، وعمر بعده، روى عنه عهد الاشتر، ووصيته الى محمد إبنه.

أخبرنا ابن الجندي، عن علي بن همام، عن الحميري عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بالعهد.

وأخبرنا عبد السلام بن الحسين الاديب، عن أبي بكر الدوري، عن محمد بن أحمد ابن أبي الثلج، عن جعفر بن محمد الحسني، عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بالوصية.

وروى ثقة الاسلام الكليني (ره)، بسندين في الحديث 7، من الباب 19، من كتاب النكاح، من الكافي: 5، 337، معنعنا عن الامام الباقر والصادق (ع) قال: قال امير المؤمنين عليه السلام في رسالته الى الحسن عليه السلام: إياك ومشاورة النساء، فان رأيهن الى الافن، وعزمهن الى الوهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك اياهن، فان شدة الحجاب خير لك ولهن من الارتياب، وليس خروجهن باشد من دخول لا تثق به عليهن، فان استطعت ان لا يعرفن غيرك من الرجال فأفعل.

ثم قال ثقة الاسلام قدس الله نفسه: أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن محمد الحسيني، (130) عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم تحميل الاحور الشاقة على النساء مما ينغص عيشها، ويذهب بطراوتها وبهاء وجهها ونضارة غصنها، من ادارة شئون الحياة، ودحراجها الى الجهات لتحصيل المآكل والاقوات.

(130) كذا في النسخة، والصواب " الحسني " كما تقدم ويأتي.

 

[402]

ابن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، عن امير المؤمنين عليه السلام مثله، إلا انه قال: كتب بهذه الرسالة امير المؤمنين عليه السلام الى ابنه محمد بن الحنفية.

أقول لا تنافي بين الروايتين، لان امير المؤمنين عليه السلام كتب اليهما جميعا، فالاولون من الرواة لما لم يطلعوا على الرواية الثانية، - أو لم يكونوا بصدد بيانها، أو بينوها أيضا، ولكن النقلة عنهم لم يعلموا بها - اكتفوا بذكر الاولى فقط، وكذلك الكلام في رواة الرواية الثانية الاتية.

وأيضا روى ثقة الاسلام رفع الله درجاته في الحديث 3، من الباب 152، من كتاب النكاح، من الكافي: 5، 510، بالسندين المتقدمين - إلا ان فيما تقدم روى عن أبي عبد الله الاشعري، عن رجاله الى ان انتهى الى الامام الباقر والصادق (ع)، وهنا يروي عن ابي علي الاشعري، عن المذكورين في ما تقدم، عن الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام قال: في رسالة امير المؤمنين عليه السلام الى الحسن عليه السلام: لا تملك المرأة من الامر ما يجاوز نفسها، فان ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، فان المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك، ولا تطمعها أن تشفع لغيرها، فيمل عليك من شفعت له عليك معها، واستبق من نفسك بقية، فان إمساكك نفسك عنهن وهن يرين أنك ذو إقتدار، خير من أن يرين منك حالا على انكسار.

ثم قال ثقة الاسلام عطر الله مضجعه: أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن محمد الحسني، عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف بن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباته، عن امير المؤمنين عليه السلام مثله، إلا انه قال: كتب امير المؤمنين صلوات

 

[403]

الله عليه بهذه الرسالة الى ابنه محمد رضوان الله عليه (131) وممن ذكر السند للوصية الشريفة السيد ابن طاووس رحمه الله، نقلا عن الجزء الاول عن كتاب الزواجر والمواعظ، من نسخة تاريخها: ذو القعدة، من سنة ثلاث وسبعين وأربع مأة، تأليف ابي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: وأخبرنا احمد بن عبد الرحمان بن فضال القاضي، قال حدثنا الحسن بن محمد بن أحمد، واحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) قالا: حدثنا جعفر بن محمد الحسني، قال: حدثنا الحسن بن عبدك، قال حدثنا الحسن بن ظريف بن ناصح، عن الحسن (الحسين خ) بن علوان، عن سعد بن طريف عن اصبغ بن نباتة المجاشعي قال: كتب أمير المؤمنين (ع) الى ابنه محمد.

وقال السيد (ره) أيضا: واعلم أنه قد روى الشيخ المتفق على ثقته وأمانته محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله برحمته، رسالة مولانا أمير المؤمنين (ع)، الى إبنه الحسن (ع)، وروى رسالة أخرى مختصرة عن خط علي عليه السلام الى ولده محمد بن الحنفية (ع)، وذكر الرسالتين في كتاب الرسائل، ووجدنا منها نسخة قديمة يوشك أن تكون كتابتها في زمان حياة محمد بن يعقوب رحمه الله.

انتهى ملخصا (132).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(131) قال المحمودي: لاغرابة في اشتباه الامر على الرواة في الوصيتين أو الرسالتين، لانهما صدفا بحر واحد، ولؤلؤا صدف فارد، وكلتاهما تستقيان من بحر الولاية، وتتفرعان عن دوحة الامامة، وتنبتان عن شجرة العلوم الالهية، وتنشآن عن مغرس المعارف الربوبية، فمن شاهد الاولى، ولم يكن عارفا بالثانية، ثم تليت الثانية عليه، يقول بلا تأمل: كأنها هي، بل غير المتعمق يقول: هي هي، وذلك لفرط الوحدة، والتشابه من جهات شتى، وقلة المميزات، ولذا التبس الامر على بعض الرواة.

(132) قال أبو جعفر المحمودي: المستفاد من القرائن ان هذه الوصية غير رسالته (ع) الى ابنه محمد بن الحنفية، التي وجدها السد ابن طاووس

 

[404]

أقول: قد تقدم في التعليقات السابقة ان الشيخ المفيد والكراچكي والسيد الرضي وابن شعبة وابن ابي جمهور والعلامة أيضا رووا بعض فقرات هذه الوصية الشريفة، وكذلك كثير من فقراتها قد تكلم به امير المؤمنين عليه السلام في غير واحد من كلماته الكريمة، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بنهج البلاغة ونهج السعادة، وخطبة الوسيلة، ووصيته (ع) الى السبط الاكبر (ع)، والمختار الاول والثاني والثالث والرابع والخامس من الباب الاول من دستور معالم الحكم وغيره، فقد تحقق بتراكم الشواهد الداخلية والخارجية ان كون الوصية الشريفة من كلام سيد البلغاء والموحدين وامير المؤمنين (ع) أمر جلي، والاريب لا يمكنه أن يناقش فيها، وأرباب اللب والانصاف بعض ما تقدم يكفيها، فتبصر واستقم، ولا تكونن من الممترين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ره) في رسائل ثقة الاسلام الكليني قدس الله نفسه، إذ نحن وان كنا محرومين عن رسائل الكليني (ره) وأمثالها من ذخائر العلماء القدماء، ولكن من وصف العدل العلامة السيد ابن طاووس اياها بالاختصار، يعلم أن هذه الوصية غير تلك الرسالة، إذ الوصية كما رأيتها - مع ما أسقطه الصدوق (ره) منها - لا تقل عن وصيته (ع) الى الامام المجتبى (ع).

ويدل عليه أيضا ما ذكرناه في باب الكتب، من كتابه (ع) الى ابنه محمد، عن مصدر آخر، غير رسائل الكليني، وهو كما قال السيد مختصر.

 

[405]

وهنا عوائد وزوائد :

العائدة الاولى: في بيان بعض ما ورد في شأن الصديق، ولوازم الصداقة، المناسب لقوله (ع): " صديقك أخوك لابيك وامك، الخ " وقوله (ع): " لاتتخذن عدو صديقك صديقا، فتعادي صديقك، الخ ".

واعلم أن لكل شئ آثارا وخواصا في دار الوجود، تكوينا أو اعتبارا وتشريعا، وهذه الاثار والخواص إذا قسناها الى شئ آخر أو آثاره ولوازمه، قد يكونان متلائمين - على اختلاف أقسامه - وقد يكونان متعاندين، غير متوافقين.

ومن جملة الموجودات الصداقة والمحابة والموادة بين الشخصين، ولها لوازم وثمرات وآثار بحسب التكوين والعقل والمعتاد بين ذوي العقول، وهكذا بحسب الشرائع.

فمن جملة آثار الصداقة: إختيار هوى الصديق على هوى نفسه وغيره، (133) والفرح إذا فرح، والحزن إذا حزن، والمواساة مع في البأساء والضراء، وتفقده عند غيبته، ومراودته والمعاشرة معه بالجميل عند حضوره، وموالاة وليه، ومعاداة عدوه، وستر ما يشينه، ونشر ما يزينه، الى غير ذلك مما هو مركوز في فطرة جميع ذوي الحس والعقل، من اي صنف وقطر وسلالة، فانك إذا تأملت تجد جميع الامم القائلين بالشريعة وغيرهم، يحنون الى صديقهم، ويفرون وينزجرون من بغيضهم، بحسب طبعهم وفطرتهم، ولم ير ولاسمع - ولن يرى ولا يسمع - أن احدا رتب آثار الصداقة - من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(133) لبعضهم:

اريد وصاله ويريد هجري * فأترك ما اريد لما يريد

 

[406]

بذل النفس والمال، واختيار هوى الحبيب والصديق على هوى شخصه - على عدوه.

وكذلك العكس: لم يعهد من فرد من ذوي العقول أن يعامل مع صديقه معاملة العدو، بان يسبه ويضربه عند الحضور، ويغتابه ويسئ القول فيه لدى الغيبة، ويفرح عند حزنه، ويحزن عند مسرته، ويساعد أعداءه على استيصاله، أو يسعى في سبيل مرضاة عدوه، أو تنغيص عيش صديقه وحبيبه، وهذا أمر إرتكازي - حتى للحيوانات - غير محتاج الى اقامة الشواهد، الا أنا نذكر بعض الشواهد، لتنبيه الغافل، ولالزام بعض الكاذبين وتكذيبهم، والفات العقلاء والمنصفين، على انهم هم الكاذبون في دعواهم، فنقول: قال الله تعالى في الاية 29 و 30، من سورة آل عمران: قل ان كنتم تحبون لله فاتبعوني يحببكم الله، الخ.

وقال تعالى: قل اطيعوا الله والرسول فان تولوا فان الله لا يحب الكافرين.

وقال تعالى في الاية 22، من سورة المجادلة: لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم، الخ.

فتأمل في الاية الاولى كيف رتب اتباع حبيبه على محبته، وعلقه عليه، فمن لم يتبع الرسول فليس بمحب لله، ولا لرسوله، وتدبر في الاية الثانية كيف اطلق الكافر على من لم يطع الله ورسوله، وأعلن انه لا يحبهم، وتفكر في الاية الثالثة كيف حكم بالملازمة بين الايمان بالله ورسوله، وبين قطع المراودة والموادة مع من حاد الله، وكنى بعدم الوجود عن عدم الامكان واستحالة التحقق.

وروى الصدوق (ره)، في المجلس 95، من الامالي 397، وفي مصادقة الاخوان، قال قال لقمان لابنه: يا بني إتخذ الف صديق، وألالف قليل، ولا تتخذ عدوا واحدا، والواحد كثير.

 

[407]

وروى في الحديث 1، من الباب 10، من ابواب احكام العشرة، من مستدرك الوسائل: 2، 62، عن الجعفريات معنعنا، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين من يخالل، فليتق الله المرء، ولينظر من يخالل.

وفي الحديث الثاني، من الباب، نقلا عن كتاب الاخلاق لابي القاسم الكوفي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: المؤمنون كأسنان المشط، يتساوون بينهم في الحقوق بينهم، ويتفاضلون باعمالهم، والمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.

وقال (ص): إختبروا الناس بأخدانهم، فانما يخادن الرجل من يعجبه.

(134) وفي الحديث الاخير من الباب السابع، من أبواب احكام العشرة، من المستدرك: 2، 62، ط 2، عن القطب الراوندي (ره)، في لب اللباب، قال قال امير المؤمنين عليه السلام: عليكم بالاخوان، فانهم عدة في الدنيا والاخرة، ألا تسمعون الى قوله تعالى: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.

(135) وروى الصدوق (ره) معنعنا، في صفات الشيعة 165، في الحديث التاسع، عن امير المؤمنين (ع) انه قال: مجالسة الاشرار تورث سوء الظن بالاخيار، ومجالسة الاخيار تلحق الاشرار بالاخيار، ومجالسة الفجار للابرار تلحق الفجار بالابرار، فمن اشتبه عليكم أمره، ولم تعرفوا دينه، فانظروا الى خلطائه، فان كانوا اهل دين الله فهو على دين الله، وان كانوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(134) هذا هو الصحيح، وفى النسخة: فانما يخادن الرجل من يعجبه نحوه.

اقول: وبعض شواهد الباب قد تقدم في تعليقات قوه (ع): " صاحب أهل الخير تكن منهم " فراجع.

(135) الاية 100 من سورة الشعراء.

 

[408]

على غير دين الله فلاحظ له في دين الله.

ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر، فلايواخين كافرا، ولا يخالطن فاجرا، ومن آخى كافرا أو خالط فاجرا، كان كافرا فاجرا.

ورواه عنه في الحديث 7، من ابواب احكام العشرة، من المستدرك: 2، ص 62.

وصدر الكلام رويناه بسند عال في الباب 5، من نهج السعادة.

وفي المختار 130، من قصار نهج البلاغة: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ اخاه في ثلاث: في نكبته وغيبته ووفاته (136).

وفي الحديث 13، من تفسير الاية 100، من سورة الشعراء، من تفسير البرهان: 3، 187، ط 2، عن الزمخشري في ربيع الابرار، عن علي عليه السلام: من كان له صديق حميم، فانه لا يعذب، ألا ترى انه كيف أخبر الله عن اهل النار: " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ".

وقال (ع): حسد الصديق من سقم المودة.

المختار 214، من قصار نهج البلاغة.

وفي المختار 295، منها: أصدقاؤك ثلاثة، واعداؤك ثلاثة، فاصدقاؤك: صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك، وأعداؤك: عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك.

وقال (ع) في وصف القرامطة وتكذيبهم: ينتحلون لنا الحب والهوى، ويضمرون لنا البغض والقلى، وآية ذلك، قتلهم وراثنا، وهجرهم أجداثنا.

(137)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(136) ونعم ما قيل:

الصبر من كرم البيعة * والمن مفسدة الصنيعة

ترك التعهد للصدي‍ * - ق يكون داعية القطيعة (137)

كما في شرح المختار 176، من خطب النهج، من شرح ابن أبي الحديد: 10، 14، ومن هذا وامثاله مما تواتر عنه (ع) يعلم حال من ادعى

 

[409]

وقال (ع): ان اولى الناس بالانبياء أعملهم بما جاءوا به، ثم تلا عليه السلام: " ان أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا " (138).

ثم قال عليه السلام: ان ولى محمد من أطاع الله وان بعدت لحمته، وان عدو محمد من عصى الله وان قربت قرابته.

المختار 92، أو 95 من قصار نهج البلاغة، ورواه أيضا الزمخشري في ربيع الابرار، وروى صدره فقط في تنبيه الخواطر، قال العلامة المجلسي (ره): في الحديث 75 من الباب 58 من البحار: 1، ص 58، - بعد ما ذكره على وفق النسخ المطبوعة من النهج: " أعلمهم " بتقديم اللام على الميم - وفي بعض النسخ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مودة امير المؤمنين واهل بيته عليهم السلام، وهو متصل بعدوه، ومظاهر له، أو يعادي أحباء أمير المؤمنين (ع) أو يصادق عدوه ويصافي مودته، ولذا قال عليه السلام - في جواب من قال: اني احبك وفلانا -: اما الان فانت أعور، فاما ان تبصر أو تعمى.

مع انا أشرنا الى أن الامر فطري لكافة ذوي الشعور، مستغن عن اقامة البرهان، وما احسن للمقام قول الشاعر:

تود عدوي ثم تزعم انني * صديقك ان الرأي عنك لعازب

(138) الاية 68، من سورة آل عمران.

ونعم ما قيل:

يا مدعي الحب لمولاه * من ادعى صحح معناه

من ادعى شيئا بلا شاهد * لابد ان تبطل دعواه

وحبذا ماقاله الاخر:

تعصي الاله وانت تظهر حبه * هذا محال في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لاطعته * ان المحب لمن يحب مطيع

وما اوضح ماقاله الاخر:

إذا صافى صديقك من تعادي * فقد عادك وانقطع الكلام

وما ابين ما افاده الاخر:

صديق صديقى داخل في صداقتي * وخصم صديقي ليس لي بصديق

وما أبدع ما نظمه الاخر:

وإذا ما اختبرت ود صديق * فاختبر وده من الغلمان

 

[410]

" اعملهم " بتقديم الميم على اللام، وهو اظهر.

اقول: بل تقديم الميم على اللام متعين، والتفصيل في شرح ابن أبي الحديد: 18، 252.

وقال (ع) لابنه الحسن (ع): يا بني اياك ومصادقة الاحمق، فانه يريد ان ينفعك فيضرك، واياك ومصادقة البخيل فانه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، واياك ومصادقة الفاجر فانه يبيعك بالتافه، واياك ومصادقة الكذاب، فانه كالسراب، يقرب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب.

(139) وقال السبط الاكبر الامام الحسن عليه السلام: القريب من قربته المودة، وان بعد نسبه، والبعيد من بعدته المودة، وان قرب نسبه، لا شئ أقرب الى شئ من يد الى جسد، وان اليد تغل فتقطع، وتقطع فتحسم.

الحديث السابع، من الباب الخامس، من كتاب العشرة، من الكافي: 2، 643.

وقال عليه السلام: لاتواخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره، فإذا إستنبطت الخبرة، ورضيت العشرة، فآخه على اقالة العثرة، والمواساة في العشرة.

البحار: 17، 145، نقلا عن تحف العقول.

وقال الامام السجاد عليه السلام: لا تعادين أحدا وان ظننت انه لا يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد، وان ظننت انه لا ينفعك، فانك لا تدري متى ترجو صديقك، ولا تدري متى تخاف عدوك، ولا يعتذر اليك أحد الا قبلت عذره، وان علمت انه كاذب.

الحديث 35، من باب فضل الصديق (12) من البحار: 16، 50، س 4، نقلا عن الدرة الباهرة.

وفي الحديث الثامن، من الباب 15، من البحار: 16، 52، نقلا عن الخصال معنعنا، قال قال أبو جعفر عليه السلام: لا تقارن ولاتواخ اربعة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(139) المختار 37، من قصار النهج، ورواه أيضا ابن عساكر، وكذلك صاحب دستور معالم الحكم، وغيرهم، كما فصلنا القول فيه في مناهج البلاغة، وسيمثل ان شاء الله تعالى.

 

[411]

الاحمق والبخيل والجبان والكذاب، أما الاحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك، واما البخيل فانه يأخذ منك ولا يعطيك (140)، واما الجبان فانه يهرب عنك وعن والديه، واما الكذاب فانه يصدق ولا يصدق.

(141) وقال الامام الصادق عليه السلام: من رأى أخاه على امر يكرهه فلم يرده عنه وهو يقدر عليه فقد خانه، ومن لم يجتنب مصادقة الاحمق أو شك أن يتخلق بأخلاقه.

الحديث الثاني، من باب من ينبغي مصادقته (15) من البحار: 16، 52، نقلا عن أمالي الصدوق (ره) معنعنا.

وفي الحديث العاشر، من الباب، عن امالي الشيخ، الحديث 11، من الجزء الاول، 24 معنعنا، قال (ع): اياك وصحبة الاحمق، فانه أقرب ما تكون منه، أقرب ما يكون الى مساءتك.

وقريب منه في الحديث الحادي عشر، من الباب 4، من كتاب العشرة، من الكافي: 2، 642.

وفي الحديث الاول، من باب فضل الصديق (12) من البحار: 16، ص 48، عن أمالي الصدوق (ره) معنعنا، عنه (ع) كان يقول: الصداقة محدودة، ومن لم تكن فيه تلك الحدود فلا تنسبه الى كمال الصداقة، ومن لم يكن فيه شئ من تلك الحدود، فلا تنسبه الى شئ من الصداقة، اولها، ان تكون سريرته وعلانيته لك واحده.

والثانية - ان يرى زينك زينه، وشينك شينه.

والثالثة - ان لا يغيره منك مال ولاولاية.

الرابعة - ان لا يمنعك شيئا مما تصل إليه مقدرته.

والخامسة - أن لا يسلمك عند النكبات (النائبات خ).

ورواه الكليني (ره) معنعنا، في الحديث الاخير، من الباب 3، من كتاب العشرة، من الكافي.

وفي الحديث 12، من الباب، عن أمالي الشيخ (ره) معنعنا، عنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(140) هذا كناية عن انه يضر ولا ينفع.

(141) اشارة الى ان الكذاب ولو كان مهمونا عليه من الضرر الا أن مصادقته ومصاحبته غير مفيدة لسلب الوثوق عن قوله، ولو كان صادقا واقعا.

 

[412]

عليه السلام قال: إذا كان لك صديق، فولي ولاية فاصبته على العشر مما كان لك عليه قبل ولايته، فليس بصديق سوء.

وفي الحديث 13، من الباب، عن أمالي الشيخ (ره) معنعنا، عن الحسين بن صالح، قال: سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: لقد عظمت منزلة الصديق، حتى ان أهل النار يستغيثون به، ويدعونه قبل القريب الحميم، قال الله سبحانه مخبرا عنهم: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.

(142) وروى الصدوق (ره)، في مصادقة الاخوان (18) معنعنا عنه (ع) قال: أكثروا من الاصدقاء في الدنيا، فانهم ينفعون في الدنيا والاخرة، اما في الدنيا فحوائج يقومون بها، واما في الاخرة فان اهل جهنم قالوا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.

ورواه عنه في الحديث 5، من الباب 7، من ابواب احكام العشرة، من الوسائل: 5، 407.

وأيضا روى الصدوق (ره)، في الامالي انه قال (ع) لبعض اصحابه: لاتطلع صديقك من سرك الا على مالو اطلع عليه عدوك لم يضرك، فان الصديق قد يكون عدوك (عدوا خ) يوما ما.

كما في الحديث 17، من الباب 12، من البحار: 16، 49، ط الكمباني.

وفي الحديث 29، من الباب، نقلا عن الاختصاص قال (ع): ان الذين تراهم لك اصدقاء إذا بلوتهم وجدتهم على طبقات شتى، فمنهم كالاسد في عظم الاكل، وشدة الصولة، ومنهم كالذئب في المضرة، ومنهم كالكلب في البصبصة، ومنهم كالثعلب في الروغان والسرقة، صورهم مختلفة، والحرفة واحدة، ما تصنع غدا إذا تركت فردا وحيدا لاأهل لك ولاولد، الا الله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(142) الاية 100، من سورة الشعراء، وأيضا نقله في الحديث 34، من الباب، بسند آخر عن امالي الشيخ، عن الحسن بن صالح بن حي، عنه (ع).

 

[413]

وفي الحديث 33، من الباب، نقلا عن أمالي الطوسي معنعنا، عن سفيان بين عيينه، قال: سمعت جعفر بن محمد (ع) في مسجد الخيف يقول: انما سموا إخوانا لنزاهتهم عن الخيانة، وسموا أصدقاء لانهم تصادقوا حقوق المودة.

وفي الحديث 35 من الباب، نقلا عن أمالي الشيخ المفيد (ره) معنعنا، عنه (ع) قال: لاتسم الرجل صديقا سمة معروفة، حتى تختبره بثلاث: تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحق الى الباطل، وعند الدينار والدرهم، وحتى تسافر معه.

وقال (ع): صديق عدو علي، عدو علي.

الحديث 29، من باب من ينبغي مصادقته (15) من البحار: 16، ص 53، ط الكمباني، نقلا عن الاختصاص.