[414]
العائدة الثانية: في ما يناسب المقام من منظوم الكلام.
روى الصدوق (ره)، في المجلس 95، من الامالي 397، وفي مصادقة الاخوان عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال:
تكثر من الاخوان ما اسطعت انهم * عماد إذا استنجدتهم وظهور
وليس كثيرا الف خل وصاحب * وان عدوا واحدا لكثير
(143) وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد: 1، 337، ط 2، وفي ط، ج 2، ص 201،: وقد دحية (دحيم خ ل) الكلبي على علي عليه السلام فما زال يذكر معاوية ويطريه في مجلسه، فقال علي عليه السلام:
صديق عدوي داخل في عداوتي * واني لمن ود الصديق ودود
فلا تقربن مني وأنت صديقه * فان الذي بين القلوب بعيد (144)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(143) ورواه عنه في مستدرك البحار: 17، 265، في الحديث 3، من حكم لقمان، وضبط الشطر الثاني هكذا: عماد إذا ما أستنجدوا وظهور الخ.
ونقل في الحاشية عن الديوان الشطر الاول هكذا: عليك باخوان الصفاء فانهم، الخ.
وكذلك رواه في الحديث 2، من الباب 7، من أبواب احكام العشرة، من الوسائل: 5، 407.
والشطرين الاخيرين رواهما عنه (ع) في كنز الفوائد 36، الفصل 19.
(144) وقال الخليل بن احمد (ره): يقولون لي دار الاحبة قد دنت * وانت كئيب ان ذا لعجيب فقلت وما تغني الديار وقربها * إذا لم يكن بين القلوب قريب وروى الخطيب البغدادي ان نصر بن علي بن نصر البصري الجهضمي، المتوفى سنة.
250 ه، روى عن علي بن جعفر العلوي، قال حدثني اخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن
[415]
وروى الشيخ الصدوق (ره)، في عيون أخبار الرضا معنعنا، قال قال المأمون (للامام) الرضا (ع): أنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل، وترك عتاب الصديق.
فقال (ع):
اني ليهجرني الصديق تجنبا * فأريه أن لهجره أسبابا
وأراه ان عاتبته أغريته * فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا بليت بجاهل متحكم (145) * يجد المحال من الامور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت من الجواب جوابا
فقال له المأمون: ما احسن هذا ! هذا من قاله ؟ فقال (ع): بعض فتياننا، الخ.
وقال كثير عزة:
ومن لا يغمض عينه عن صديقه * وعن بعض ما فيه يعش وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة * يجدها فلا يسلم له الدهر صاحب
وقال بشار بن بردة:
إذا كنت في كل الامور معاتبا * صديقك لم تلق الذي من تعاتبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جده عليهم السلام، ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام فقال: من أحبني واحب هذين واباهما وامهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
قال أبو عبد الرحمان عبد الله: لما حدث بهذا الحديث نصر بن علي، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول له هذا الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتى تركه، وكان له أرزاق فوفرها عليه موسى.
قال الخطيب: انما أمر المتوكل بضربه، لانه ظنه رافضيا، فلما علم انه من أهل السنة تركه.
الكني والالقاب 20، 146.
(145) ونظير هذا الذيل قول الشاعر: إذا نطق السفيه فلاتجبه * فخير من اجابته السكوت سكت عن السفيه فظن اني * عييت من الجواب وما عييت
[416]
فعش واحدا أوصل أخاك فانه * مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى * ظمئت واي الناس تصفوا مشاربه
وقال مسلم بن وابصة:
أحب فتى ينفي الفواحش سمعه * كأن به من كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسطا أذى * ولا مانعا خيرا ولا قائلا هجرا
إذا ما أنت من صاحب لك زلة * فكن أنت محتالا لزلته عذرا
غنى النفس ما يكفيك من سد خلة * فان زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
وقال آخر:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي * وأشرقني على حنقي بريقي
غفرت ذنوبه وصفحت عنه * مخافة أن أعيش بلاصديق
وقال سليمان بن فلاح:
لي صديق ما مسني عدم * مذ وقعت عينه على عدم
قام بعذري لما قعدت به * ونمت عن حاجتي ولم ينم
أغنى وأقنى ولم يسم كرما * بقبل كف له ولاقدم
وقال آخر:
لاتوردن على الصدي * ــق من الدعاية ما يغمه
واحذر بواطش طيشه * يوما إذا ما طال حلمه
فالعجل تنطحه على ادما * ن مس الضرع، امه
وقال بعضهم:
احذر مودة ماذق * شاب المرارة بالحلاوة
يحصي العيوب عليك ايا * م الصداقة للعداوة
وقال الشريف الرضي (ره):
وقد كنت مذلاح المشيب بعارضي * أنفر عن هذا الورى واكشف
[417]
فما إذا عرفت الناس الا ذممتهم * جزى الله خيرا كل من لست أعرف
وقال ابراهيم بن هلال الصابي:
أيا رب كل الناس أبناء علة * أما تغلط الدنيا لنا بصديق
وجوه بها من مضمر الغل شاهد * ذوات أديم في النفاق صفيق
إذا اعترضوا عند اللقاء فانهم * قذى لعيون أو شجى لحلوق
وان عرضوا برد الوداد وظله * أسروا من الشحناء حر صديق
ألا ليتني حيث اتنوت أفرخ القطا * بأقصى محل في البلاد سحيق
أخو وجدة قد آنستني كأنني * بها نازل في معشري وفريقي
فذلك خير للفتى من ثوابه * بمسغبة من صاحب ورفيق
وقال غيره:
اسم الصديق على كثير واقع * وقد أختبرت فما وجدت فتى يفي
كعجائب البحر التي أسماؤها * مشهورة وشخوصها لم تعرف
وقال احمد بن اسماعيل:
مذ سمعنا باسم الصديق فطالب * نا بمعناه ماستفدنا صديقا
أتراه في الارض يوجد لكن * نحن لا نهتدي إليه طريقا؟
أم ترى قولهم: صديقا مجاز * لا نرى تحت لفظه تحقيقا ؟
وقال غيره:
صديقك حين تستغني كثير * ومالك عند فقرك من صديق
فلا تأسف على أحد إذا ما * لهى عنك الزيارة وقت ضيق
وقال بعضهم:
هو خل لي ولكن * لعن الله ولكن
لفظة في ضمنها السوء * تحامى في أماكن
وقال آخر:
ولن تنفك تحسد أو تعادي * فأكثر ما استطعت من الصديق
[418]
وبغضك للتقي (146) أقل ضرا * وأسلم من مودة ذي الفسوق
وقال آخر:
احذر عدوك مرة * واحذر صديقك الف مرة
فلربما انقلب الصدي * ق فكان أعرف بالمضرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(146) وفى بعض النسخ: وبغضاء التقي اقل ضرا، الخ.
وما اجود قول أبي حيان:
عداي للهم فضل على ومنة * فلا أذهب الرحمان غني الاعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها * وهم نافسوني فالتبست المعاليا
[419]
العائدة الثالثة: في نبذ من أقوال الحكماء والعلماء والكبراء في الصديق والصداقة، وفضلها على القرابة.
قالوا: ومما يجب للصديق على الصديق النصيحة جهده، لان صديق الرجل مرآته، يريه حسناته وسيئاته.
وقالوا: الصديق من صدقك وده، وبذل لك رفده.
وقالت الحكماء أيضا: ومما يجب للصديق على الصديق، الاغضاء عن زلاته، والتجاوز عن سيئاته، فان رجع واعتب، والا عاتبته بلا إكثار، فان كثرة العتاب مدرجة للقطيعة (147).
وقال الاحنف: من حق الصديق أن يتحمل ثلاثا: ظلم الغضب، وظلم الدالة، وظلم الهفوة.
وقيل لبزرجمهر: من أحب اليك، أخوك أو صديقك ؟ فقال: ما احب أخي الا إذا كان صديقا.
وقال أكثم بن صيفي: القرابة تحتاج الى مودة، والمودة لا تحتاج الى قرابة.
قال حبيب الطائي:
ولقد سبرت الناس ثم خبرتهم * ووصفت ما وصفوا من الاسباب
فإذا القرابة لاتقرب قاطعا * وإذا المودة أقرب الانساب
وقالت الحكماء: القريب من قرب نفعه، وانتفى ضره. وقال المبرد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
0147) ونعم ما قيل:
إذا ذهب العتاب فليس ود * ويبقى الود ما بقي العتاب
[420]
ما القرب الا لمن صحت مودته * ولم يخنك وليس القرب للنسب
كم من قريب دوي الصدر مضطغن * ومن بعيد سليم غير مقترب
وقيل:
رب بعيد ناصح الحبيب * وابن أب متهم المغيب.
ورأى بعض الحكماء مصطحبين لا يفترقان، فسأل عنهما، فقيل: صديقان.
قال: فما بال احدهما غنيا والاخر فقيرا ؟ ! وكتب ظريف الى صديق له: اني غير محمود على الانقياد اليك، لاني صادقتك من جوهر نفسي، والنفس يتبع بعضها بعضا.
ومن كلام امير المؤمنين (ع): الصديق من صدق في غيبته.
ومن كلام أهل التجارب: الحبوس مقابر الاحياء، وشماتة الاعداء، وتجربة الاصدقاء.
وقيل للثوري: دلني على جليس أجلس إليه.
قال: تلك ضالة لا توجد.
قال ابن أبي الحديد - في شرح قول امير المؤمنين (ع): " حسد الصديق من سقم المودة " -: إذا حسدك صديق على نعمة أعطيتهما لم تكن صداقته صحيحة، فان الصديق حقا من يجري مجرى نفسك، والانسان لا يحسد نفسه.
وقيل لحكيم: ما الصديق ؟ قال: انسان هو أنت الا انه غيرك.
وأخذ هذا المعنى أبو الطيب فقال:
ما الخل الا من أود بقلبه * وأرى بطرف لا يرى بسوائه
ومن أدعية الحكماء: أللهم اكفني بوائق الثقات، واحفظني من كيد الاصدقاء.
وقال العلامة الكراجكي (ره) في كنز الفوائد 37، ط 1: وروى في الكامل: ان عبد الله بن علي بن جعفر بن أبي طالب افتقد صديقا له من
[421]
مجلسه، ثم جاءه، فقال: أين كانت غيبتك ؟ قال: خرجت الى عرض من أعراض المدينة مع صديق لي.
فقال له: ان لم تجد من صحبة الرجال بدا فعليك بصحبة من ان صحبته زانك، وان خفقت له صانك، وان احتجت إليه مانك، وان رأى منك خلة سدها، أو حسنة عدها، وان وعدك لم يحرضك، وان كثرت عليه لم يرفضك، وان سألته أعطاك، وان أمسكت عنه ابتداك.
وقال أبو عمرو بن العلاء (ره): الصديق انسان هو أنت، فانظر صديقا يكون منك كنفسك، وأنشد:
لكل امرء شكل من الناس مثله * فأكثرهم شكلا أقلهم عقلا
لان الصحيح العقل لست بواجد * له في طريق حين تفقده شكلا
وسئل رجل عن صديقين له، فقال: اما أحدهما فعلق مصيبة لاتباع، وأما الاخر فعلق مصيبة لاتبتاع.
وقال آخر: اللهم احفظني من الصديق، فقيل له: ولم ؟ قال: لاني من العدو متحرز، ومن الصديق آمن.
وقيل لبعضهم: كم لك من صديق ؟ فقال: لاادري، لان الدنيا علي مقبلة، فكل من يلقاني يظهر لي الصداقة، وانما أحصيهم إذا ولت عني.
قيل ليحيى بن خالد - وهو في الحبس، وقد احتاج -: لو كتبت الى فلان، فانه صديقك.
فقال: دعوه يكون صديقا.
لبعضهم:
قد أخلق الدهر ثوب المكرمات فلا * تخلق لوجهك في الحاجات ديباجة
ولا يغرنك اخوان تعدهم * انت العدو لمن كلفته حاجة
قال المسعودي (ره) في مروج الذهب: 4، 33، وذكر ابن أبي الازهر قال: حدثني أبو سهل الرازي، عمن حدثه، عن الواقدي (محمد بن عمرو بن واقد مولى بني هاشم) قال: كان لي صديقان، أحدهما هاشمي،
[422]
وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضيقة شديدة، وحضر العيد، فقالت امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم، لانهم يرون صبيان الجيران قد تزينوا في عيدهم، وأصلحوا ثيابهم، وهم على هذه الحال من الثياب الرثة، فلو احتلت بشئ تصرفه في كسوتهم.
قال: فكتبت الى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة علي لما حضر.
فوجه الي كيسا مختوما ذكر أن فيه الف درهم، فما استقر قراري حتى كتب الي الصديق الاخر يشكو مثل ما شكوت الى صاحبي، فوجهت إليه الكيس بحاله، وخرجت الى المسجد، فأقمت فيه ليلي مستحييا من امرأتي، فلما دخلت عليها استحسنت ماكان مني ولم تعنفني عليه، فبينا انا كذلك، إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي: أصدقني عما فعلته فيما وجهت اليك، فعرفته الخبر على جهته، فقال: انك وجهت لي وما أملك على الارض الا ما بعثت به اليك، وكتبت الى صديقنا أسأله المواساة، فوجه بكيسي بخاتمي.
قال: فتواسينا الالف ثلاثا، بعد أن أخرجنا الى المرأة قبل ذلك مأة درهم، ونمى الخبر الى المأمون فدعاني، فشرحت له الخبر، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، لكل واحد ألفا دينار، وللمرأة ألف دينار.
[423]
العائدة الرابعة: في طرف من الاخبار الدالة على رعاية حق الاخوان والحث على اتخاذهم.
روى الاوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير: ان داود قال لابنه سليمان (عليهما السلام): يا بني لاتستقل عدوا واحدا، ولا تستكثر ألف صديق (148)، ولا تستبدل بأخ قديم أخا مستفادا ما استقام لك.
وفي الحديث المرفوع: المرء كثير بأخيه.
وروى ابن مسكويه (ره) في الحكمة الخالدة: 103، ط 2، انه قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: المرء بأخيه.
وقال ابن ابي الحديد في شرح المختار 12، من قصار النهج: وفي الحديث المرفوع ان النبي صلى الله عليه وآله بكى لما قتل جعفر بمؤنة وقال: المرء كثير بأخيه.
وأيضا في الحديث المرفوع: إذا أحب احدكم اخاه فليعلمه.
وقال (ص): من اكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج عنه كربته، لم يزل في ظل الله الممدود، عليه الرحمة ماكان في ذلك.
الحديث 42، من الباب 21، من البحار: 16، 84، نقلا عن الكافي.
وفي الحديث الرابع، من الباب 12 (باب فضل الصديق من البحار): 16، 48، نقلا عن الصدوق (ره) في الامالي معنعنا، قال قال امير المؤمنين عليه السلام: من لك يوما بأخيك كله، وأي الرجال المهذب (149).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(148) رواه أيضا في كنز الفوائد 36، ثم نقل عن امير المؤمنين (ع) قوله:
وليس كثيرا الف خل وصاحب * وان عدوا واحدا لكثير
(149) قال الشاعر:
ولست بمستبق أخا لا تلمه * على شعث أي الرجال المهذب
[424]
وفي الحديث 4، من الباب 17، من البحار: 16، 74، عن كنز الفوائد قال قال امير المؤمنين (ع): من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينه الى أوطانه، وحفظه قديم اخوانه.
وقال (ع) في وصيته الطويلة الى كميل: أخوك الذي لا يخذلك عند الشدة، ولا يقعد عنك الجريرة، ولا يدعك حين تسأله، ولا يذرك وأمرك حتى تعمله، الخ.
وقال (ع) في أواسط وصيته الى الامام المجتبى (ع): احمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر حتى كأنك له عبد، وكأنه ذو نعمة عليك، واياك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو تفعله بغير أهله - الى ان قال (ع) -: وان أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها ان بدا له ذلك يوما ما، الخ.
وقال (ع): لا يكلف المؤمن أخاه الطلب إليه، إذا علم حاجته، توازروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف مالا يفعل.
(150) وقال عليه السلام: شر الاخوان من تكلف له.
وقال (ع): إذا أحتشم المؤمن اخاه فقد فارقه (151).
وروى ابن أبي الحديد، في شرح المختار 12، من قصار النهج، عن الامام الصادق (ع) انه قال: لكل شئ حلية، وحلية الرجل أوداؤه.
وقال (ع): مامن مؤمن بذل جاهه لاخيه المؤمن الا حرم الله وجهه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(150) الحديث 16، من الباب 16، من البحار: 16، 62، نقلا عن الخصال.
ورواه في الحديث 36، من الباب، عن كتاب قضاء الحقوق، عن رسول الله (ص).
(151) المختار الاخير وما قبله من قصار نهج البلاغة.
[425]
على النار، ولم يمسه قتر ولاذلة يوم القيامة، وأيما مؤمن بخل بجاهه على أخيه المؤمن، وهو أوجه منه جاهلا الا مسه قتر وذلة في الدنيا والاخرة، وأصابت وجهه يوم القيامة لفحات النيران، معذبا كان أو مغفورا له.
وقال الامام الكاظم عليه السلام: المؤمن أخ المؤمن لاخيه وأمه، وان لم يلده ابوه، ملعون من اتهم أخاه، ملعون من غش أخاه، ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون من اغتاب أخاه.
وقال (ع): من أتى الى أخيه مكروها فبنفسه بدأ.
(152)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(152) البحار: 17، 206، عن اعلام الدين للديلمي (ره).
[426]
العائدة الخامسة: في الاشعار الدالة على مراعاة حق الاخوة والقيام بلوازمها، المناسبة لقوله (ع): " امحض أخاك النصيحة وساعده على كل حال، الخ " وقوله عليه السلام: " لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، الخ ".
روى في البحار: 8، 517، س 8، وأيضا رواه الطبري في تاريخه: 4، 45، ط سنة 1357، وأيضا رواه مع التالي ابن ابي الحديد في شرح المختار 12، من قصار النهج، الا انه قال: من الشعر المنسوب إليه (ع):
أخوك الذي ان أجرضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما (153)
وليس أخوك بالذي ان تمنعت (154) * عليك أمور ظل يلحاك لائما
ونسب إليه (ع) أيضا:
ان أخاك من يسعى معك (155) * ون يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك * شتت فيك شمله ليجمعك
وكان الامام الصادق عليه السلام كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين:
أخوك الذي لو جئت بالسيف عامدا * لتضربه لم يستغشك بالود
ولو جئته تدعوه للموت لم يكن * يردك إبقاء عليك من الود
وروى في البحار: 12، 32، عن عيون اخبار الرضا معنعنا: انه شكا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(153) أجرضه بريقه اي اغصه به. وفى نسخة: أحرضتك - بالحاء المهملة والضاد المعجمة - من أحرض، اي طال همه وسقمه. وفى نسخة الديوان: أجهضتك، من أجهضه على الامر اي غلبه عليه ونحاه عنه، كذا عن سيدنا الامين (ره). والواجم: الساكت حزنا وغيظا.
(154) وفى بعض النسخ: ان تشعبت.
(155) وفى نسخة: ان أخاك الصدق من كان معك، الخ.
[427]
رجل الى الامام الرضا عليه السلام أخاه فأنشأ (ع):
إعذر أخاك على ذنوبه * واستر وغط على عيوبه
واصبر على بهت السفيه * وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلا * وكل الظلوم الى حسيبه
ورواها في العقد الفريد: 1، ص 356، ط 2، عن امير المؤمنين (ع).
وفي ط، ج 2، ص 231، س 15، تحت الرقم 71 (كتاب العلم).
وقال الشاعر:
إذا أنا لم أصبر على الذنب من أخ * وكنت أجازيه فأين التفاضل
ولكن أداويه فان صح سرني * وان هو أعيا كان فيه تحامل
وقال آخر:
أخو ثقة يسر ببعض شأني * وان لم تدنه مني قرابة
أحب الي من ألفي قريب * تبيت صدورهم لي مسترابة
وقالوا: خير الاخوان من أقبل عليك إذا أدبر الزمان.
قال الشاعر:
فان أولى الموالي ان تواليه * عند السرور لمن واساك في الحزن
ان الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن
وأنشد ابن الاعرابي:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة * ولكن اخوان الصفاء الذخائر
وقال آخر:
أخاك اخاك ان من لا أخاله * كساع الى الهيجا بغير سلاح
وان ابن عم المرء فاعلم جناحه * وهل ينهض البازي بغير جناح
وقال آخر:
إذا كان دواما أخوك مصارما * موجهة في كل أوب ركائبه
[428]
فخل له ظهر الطريق ولا تكن * مطية رحال كثير مذاهبه
وقال آخر:
هي توبتي من أن أظن جميلا * باخ ودود أو أعد خليلا
كشفت لي الايام كل جنية (خبيئة ظ) * فوجدت اخوان الصفاء قليلا
الناس سلمك ما رأوك مسلما * ورأوا نوالك ظاهرا مبذولا
فإذا أمتحنت بمحنة ألفيتهم * سيفا عليك مع الردى مسلولا
[429]
العائدة السادسة: فيما قاله الحكماء والامراء في حقوق الاخوان، وفيمن ينبغي أخوته
قالوا: الاخوان ثلاثة، فأخ يخلص لك وده، ويبذل لك رفده، ويستفرغ في مهمك جهده، وأخ ذونية يقتصر بك على حسن نيته دون رفده ومعونته، وأخ يتملق لك بلسانه، ويتشاغل عنك بشأنه، ويوسعك عن كذبه وايمانه.
وقيل: إخوان الصفا خير من مكاسب الدنيا، هم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء، ومعونة على الاعداء.
قال الشاعر:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرة * ولكن إخوان الصفاء الدخائر
وكان يقال:
الاخوان ثلاث طبقات، طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقة كالدواء يحتاج إليه عند المرض، وطبقة كالداء، لا يحتاج إليه أبدا.
وقال الاحنف: خير الاخوان من ان استغنيت عنه لم يزدك في المودة، وان احتجت إليه لم ينقصك منها وان كوثرت عضدك، وان استرفدت رفدك، وأنشد:
أخوك الذي ان تدعه لملمة * يجبك وان تغضب الى السيف يغضب
وقال بعضهم:
إذا بلغني موت أخ كان لي، فكأنما سقط عضو مني. وكان يقال: صاحبك كرقعة في قميصك، فانظر بم ترقع قميصك. وقال بعضهم: اثنان ما في الارض أقل منهما، ولا يزدادان الا قلة، درهم يوضع في حق، وأخ يسكن إليه في الله. وأوصى بعضهم ابنه فقال: يا بني إذا نازعتك نفسك الى مصاحبة
[430]
الرجال، فأصحب من إذا صحبته زانك، وان خدمته اصنك، وان عرضت لك مئونة أعانك وان قلت صدق قولك، وان صلت شد صولك، وان مددت يدك لامر مدها، وان بدت لك عورة سدها، وان رأى منك حسنة عدها، وان سألته أعطاك، وان سكت إبتداك، وان نزلت بك ملمة واساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا تحتار عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق.
وقال بعض الحكماء: ينبغي للانسان أن يوكل بنفسه كالئين، أحدهما يكلؤه من أمامه، والاخر يكلؤه من ورائه، وهما عقله الصحيح، وأخوه النصيح، فان عقله وان صح فلن يبصره من عيبه الا بمقدار ما يرى الرجل من وجهه في المرآة، ويخفى عليه ما خلفه، وأما أخوه النصيح فيبصره ما خلفه، وما أمامه أيضا.
وأيضا حكي عن الاحنف: خير الاخوان من إذا استغنيت عنه لم يزدك ودا، وان احتجت إليه لم ينقصك.
وقيل لحكيم: من أبعد الناس سفرا ؟ قال: من سافر في ابتغاء الاخ الصالح.
[431]
العائدة السابعة: في الروايات الدالة على أنه ينبغي للمؤمن أن يظهر الغنى ويكون مأيوسا عما في أيدي الناس، المناسبة لقوله (ع) " وان أحببت أن تجمع خير الدنيا والاخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، الخ "
فأقول: روى الشيخ الطوسي (ره) في الحديث 17، من الجزء 18، من الامالي معنعنا: أن ابا أيوب الانصاري أتى النبي (ص) فقال: يارسول الله أوصني وأقلل لعلي احفظ.
فقال (ص): أوصيك باليأس عما في أيدي الناس فانه الغنى، واياك والطمع فانه الفقر الحاضر، وصل صلاة مودع، واياك وما يعتذر منه، وأحب لاخيك ما تحب لنفسك.
وفي آخر وصاياه (ص) لعلي (ع): ثم قال لابي ذر رحمه الله: يا أبا ذر إياك والسؤال فانه ذل حاضر، وفقر تتعجله، وفيه حساب طويل يوم القيامة، الخ.
الحديث الاول، من باب النوادر، من الفقيه: 4، 271، ط النجف.
وروى الصدوق (ره) عنه (ص) انه قال: أفقر الناس ذو الطمع.
وروى أيضا في الحديث 70، من باب النوادر، من الفقيه: 4، 294، عن الحسن بن راشد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: علمني يارسول الله شيئا.
فقال صلى الله عليه وآله: عليك باليأس مما في أيدي الناس، فانه الغنى الحاضر.
قال: زدني يارسول الله.
قال: إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فان بك خيرا أو رشدا اتبعته، وان يك شرا اوغيا تركته.
وقال ابن أبي الحديد في شرح المختار 2، من قصار نهج البلاغة:
[432]
وفي الحديث المرفوع: ان الصفا الزلزال لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع.
وفي الحديث انه قال للانصار: أنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الغنى، فقال: اليأس عما في أيدي الناس، ومن مشى منكم الى طمع الدنيا فليمش رويدا.
وفي الحديث المرفوع: الطمع الفقر الحاضر.
وقال (ص): شرف الرجل قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس.
الحديث 2، من الباب 49، من البحار: 16، 146 معنعنا.
وفي الحديث 5، من الباب، نقلا عن أمالي الصدوق معنعنا عنه (ص): خير الغنى غنى النفس، الخ.
وفي الحديث 10، من الباب معنعنا، عن الخصال وثواب الاعمال - وقريب منه أيضا في شرح المختار 340، من قصار النهج، لاابن ابي الحديد - انه قال رجل للنبي (ص) علمني شيئا إذا أنا فعلته أحبني الله من السماء، واحبني الناس من الارض.
قال (ص): ارغب فيما عند الله يحبك الله، وازهد فيما عند الناس، يحبك الناس.
ورواه في الوسائل وهامشه ج 4، ص 315، عن مجالس الشيخ (ره) ص 126، و 87، والتهذيب: 2، 113، والخصال: 1، 32، وثواب الاعمال.
وفي الحديث 3، من الباب 31، من ابواب الصدقة من وسائل الشيعة: 4، 305، نقلا عن الفقيه 23، وفروع الكافي: 1، 167 معنعنا قال قال امير المؤمنين عليه السلام: إتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله فانه قال: من فتح على نفسه باب مسألة، فتح الله عليه باب فقر.
وقال امير المؤمنين عليه السلام: أزري بنفسه من استشعر الطمع، ورضي بالذل من كشف عن ضره، وهانت عليه نفسه من أمر عليها لسانه.
[433]
وقال عليه السلام: الطمع رق مؤبد.
وقال عليه السلام: الطامع في وثاق الذل.
وقال عليه السلام: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.
وقال عليه السلام: الطمع مورد غير مصدر، وضامن غير وفي، وربما شرق شارب الماء قبل ريه، وكلما عظم قدر الشئ المتنافس فيه عظمت الرزية لفقده، والاماني تعمي أعين البصائر، والحظ يأتي من لا يأتيه.
وقال عليه السلام: الغني الاكبر اليأس عما في ايدي الناس (156).
وقال عليه السلام في وصيته الى الامام المجتبى (ع): وأكرم نفسك عن كل دنية وان ساقتك الى الرغائب، فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا - الى ان قال (ع) -: واياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة، وان استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فانك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وان اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه، وان كان كل منه - الى أن قال (ع) -: ومرارة اليأس خير من الطلب الى الناس - الى ان قال (ع) -: قد يكون اليأس ادراكا إذا كان الطمع هلاكا، الخ.
وقال الامام السجاد عليه السلام للزهري: واعلم ان أكرم الناس من كان خيره عليهم فائضا، وكان عنهم مستغنيا متعففا، وان كان إليهم محتاجا، وانما أهل الدنيا يعشقون أموال الدنيا، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها أو من بعضها كان اعز واكرم.
وفي الحديث 46، من باب الحث على العمل، من ج 2، من 15، من البحار 166، س 9 معنعنا، عن المجالس، عن الامام السجاد (ع) انه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(156) كما في المختار 2، و 182 و 215 و 222 و 275 و 340، من قصار نهج البلاغة.
[434]
كان يقول: أظهر اليأس من الناس، فان ذلك من الغنى، وأقل طلب الحوائج إليهم فان ذلك فقر حاضر، واياك وما يعتذر منه، وصل صلاة مودع، وان استطعت ان يكون اليوم خيرا منك أمس، وغدا خيرا منك اليوم فأفعل.
وروى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث 3، من الباب 67، من الكافي: 2، 148، معنعنا عن الزهري، قال قال علي بن الحسين عليهما السلام: رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شئ ورد أمره الى الله عزوجل في جميع اموره إستجاب الله عزوجل له في كل شئ.
وعن الامام الباقر عليه السلام انه قال: اياك أن تطمع بصرك الى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عزوجل لنبيه: " ولا تعجبك أموالهم ولا اولادهم " وقال: " ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا " فان دخلك من ذلك شئ فاذكر عيش رسول الله (ص)، فانما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف.
وفي الحديث الاخير من الباب 36، من ابواب الصدقات من الوسائل: 4، 315، نقلا عن التهذيب معنعنا عنه (ع) قال: سخاء المرء عما في ايدي الناس اكثر من سخاء النفس والبذل، ومروءة الصبر في حال الفاقة والحاجة والتعفف والغنى اكثر من مروءة الاعطاء، وخير المال الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس.
وروى ثقة الاسلام في الحديث 6، من الباب 67، من كتاب الايمان والكفر، من الكافي: 2، 149، معنعنا عن الغنوي - وفي البحار: 16، 148، في الحديث 29، من الباب 49، نقلا عن الكافي عن الغنوي - عنه (ع): قال: اليأس مما في أيدي الناس عز المؤمن في دينه، أو ما سمعت قول حاتم (157).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(157) قال المجلسي الوجيه (ره): ذكر شعر حاتم ليس للاستشهاد،
[435]
إذا ما عزمت (عرفت خ ل) اليأس ألفيته غنى إذا عرفته النفس والطمع الفقر وفي الحديث 6، من الباب 16، من كتاب الزكاة من الكافي 21، معنعنا عن الحسين ابن أبي العلاء قال: قال أبو عبد الله (الامام الصادق) عليه السلام: رحم الله عبدا عف وتعفف، وكف عن المسألة، فانه يتعجل الدنية في الدنيا، ولا يغني (ولا يعني خ) الناس عنه شيئا.
قال: ثم تمثل عليه السلام ببيت حانم:
إذا ما عرفت اليأس ألفيته غنى * إذا عرفته النفس والطمع الفقر
وقريب منه بلا تمثل بقول حاتم، رواه عنه (ع) في الوسائل: 4، 308، نقلا عن ثواب الاعمال ص 100.
وفي الحديث 23، من الباب 49، من البحار: 16، 247، عن الكافي معنعنا، عن الامام الصادق عليه السلام قال: شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس.
(158) الحديث 1، من الباب 67، من الكافي: 2، 148.
وفي الحديث 26، من الباب عنه أيضا معنعنا، عن عبد الاعلى بن اعين قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: طلب الحوائج الى الناس استلاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بل للاشارة والدلالة على ان هذا مما يحكم به عقل جميع الناس حتى الكفار.
وقوله: " إذا ما عزمت اليأس " كلمة ما زائدة، أي إذا عزمت على اليأس عن الناس الفيته (أي وجدته) غنى، وقوله: " إذا عرفته " بصيغة الخطاب من باب التفعيل، ونصب النفس، أو بصيغة الغيبة ورفع النفس، والطمع مرفوع بالابتدائية، والفقر بالخبرية.
أقول: الوجه الثاني اظهر.
(158) وقريب منه في الحديث 6، من الباب، نقلا عن أمالي الصدوق (ره) معنعنا، وزاد عليه قوله (ع): وولاية الامام من آل محمد.
ورواه في الوسائل وهامشه: 4، 314، عن المجلس 81، من مجالس الصدوق (ره) ص 325، وعن روضة الكافي ص 234.
[436]
للعز، ومذهبة للحياء، واليأس مما في أيدي الناس عز للمؤمن في دينه، والطمع هو الفقر الحاضر.
الحديث 4، من الباب 67، من الكافي.
وعن الخصال معنعنا عنه (ع): قال: إذا أردت أن تقر عينك، وتنال خير الدنيا والاخرة، فأقطع الطمع مما في ايدي الناس، وعد نفسك في الموتى، ولا تحدثن نفسك أنك فوق احد من الناس، واخزن لسانك كما تخزن مالك.
وفي الحديث 1، من الباب 33، من ابواب الصدقات، من كتاب الزكاة، من مستدرك الوسائل: 1، ص 542، عن مجموعة الشهيد (ره)، عن كتاب معاوية بن حكيم، عن صفوان بن يحيى، عن الحرث بن المغيرة البصري، قال قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اليأس مما في أيدي الناس عز للمسلم في دينه، أو ما سمعت قول حاتم:
إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى * إذا عرفته النفس والطمع الفقر
وفي الحديث 2، من الباب 32، من ابواب الصدقة، من وسائل الشيعة، نقلا عن فروع الكافي: 1، 167 معنعنا، وعن الفقيه: 1، 23 مرسلا، عنه (ع) قال: اياكم وسؤال الناس، فانه ذل في الدنيا، وفقر تستعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة.
وقال الامام الكاظم عليه السلام في وصاياه لنصير أهل البيت هشام بن الحكم رفع الله مقامه: اياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من المخلوقين، فان الطمع مفتاح الذل، واختلاس العقل، واختلاف المروءات، وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، الخ.
وفي الحديث 6، وما يليه من الباب 33، من ابواب الصدقة، من كتاب الزكاة، من مستدرك الوسائل: 1، 543، ط 2، عن فقه الرضا (ع) قال: أروي عن العالم عليه السلام انه قال: اليأس مما في أيدي الناس عز
[437]
المؤمن في دينه، وعظمته في أعين الناس، وجلالته في عشيرته، ومهابته عند عياله، وهو أغنى الناس عند نفسه وعند جميع الناس.
وأروي شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس.
وأروي: اليأس غنى، والطمع فقر حاضر.
وروي: من أبدى ضره الى الناس، فضح نفسه عندهم.
(159) وأروي عن العالم عليه السلام انه قال: وقوا دينكم بالاستغناء بالله عن طلب الحوائج.
وروي: سخاء النفس عما في أيدي الناس، اكثر من سخاء البذل.
ورواها بأجمعها عنه في الحديث 12، وما يليه، من الباب 49 من البحار: 16، 147، ط الكمباني.
وفي الحديث 20، من الباب 49، من البحار: 16، 147، نقلا عن الدرة الباهرة للشهيد (ره) قال: قال الامام الجواد عليه السلام: عز المؤمن عناؤه عن الناس.
(160) وقال الامام الهادي عليه السلام: الطمع سجية سيئة، الخ.
وقال (ع): الغناء قلة تمنيك، والرضاء بما يكفيك، والفقر شره النفس وشدة القنوط (161).
وقال الامام العسكري عليه السلام: ما اقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(159) وقريب منه جدا رواه في كنز الفوائد، عن رسول الله (ص)، كما في الحديث 4، من الباب 31، من الكتاب، من المستدرك: 1، 543.
(160) وأيضا رواه عنه في المستدرك: 1، 543، س 1.
(161) هذا أيضا رواه في الحديث 20، من الباب 49، من البحار: 16، ص 147، عن الدرة الباهرة.
[438]
العائدة الثامنة: في ما ورد عن العظماء والحكماء في ذم الطمع والردع عنه
قال ابن ابي الحديد: وقد ضرب الحكماء مثالا لفرظ الطمع فقالوا: ان رجلا صاد قبرة فقالت: ما تريد ان تصنع بي ؟ قال: أذبحك وآكلك، قالت: والله ما أشفي من قرم، ولا أشبع من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال هن خير لك من أكلي، اما واحدة فاعلمك اياها وأنا في يدك، وأما الثانية فإذا صرت على الشجرة، واما الثالثة فإذا صرت على الجبل.
فقال الصياد: هاتي الاولى.
قالت: لاتلهفن على ما فات.
فخلاها، فلما صارت على الشجرة قال: هاتي الثانية.
قالت: لاتصدقن بما لا يكون انه يكون.
ثم طارت فصارت على الجبل، فقالت: يا شقي لو ذبحتني لاخرجت من حوصلتي درتين وزن كل واحدة ثلاثون مثقالا، فعض على يديه وتلهف تلهفا شديدا وقال: هاتي الثالثة.
فقالت: أنت قد أنسيت الاثنتين فما تصنع بالثالثة ؟ ! ألم أقل لك: لاتلهفن على ما فات وقد تلهفت ! ! وألم أقل لك لاتصدقن بما لا يكون أنه يكون، وأنا ولحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين مثقالا، فكيف صدقت أن في حوصلتي درتين كل واحدة منهما ثلاثون مثقالا ؟ ! ! ثم طارت وذهبت.
ومن كلام بعضهم: ما أكلت طعام واحد الا هنت عليه.
وكان يقال: نعوذ بالله من طمع يدني الى طبع (162).
وقال الشاعر:
أرحت روحي من عذاب الملاح * لليأس روح مثل روح النجاح
وقال بعض الادباء:
هذا المعنى الذي قد أطنب فيه الناس ليس كما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(162) الطبع كالدنس لفظا ومعنى.
[439]
يزعمونه، لعمري ان لليأس راحة، ولكن لاكراحة النجاح، وما هو الا كقول من قال: لاأدري نصف العلم، فقيل له: ولكنه النصف الذي لا ينفع.
وقال ابن الفضل:
لا أمدح اليأس ولكنه * أروح للقلب من المطمع
أفلح من أبصر روض المنى * يرعى فلم يرع ولم يرتع
وكان يقال: أكثر مصارع الالباب تحت ظلال الطمع.
وقال بعضهم: العبيد ثلاثة: عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع.
وقال أبو حفص: ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرجال من الطمع (163).
وفي الحديث الاول، من الباب 49، من البحار: 16، 146، نقلا عن الامالي والخصال والمعاني، عن الامام الصادق (ع)، ناقلا عن حكيم انه قال: غني النفس أغنى من البحر (164).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(163) قيل: صدق أبو حفص، والدليل عليه عمله، فانه لاجل طمعه في الخلافة، وعدم حضور صاحبه في اول يوم السقيفة، طار عقله، مخافة ان يتردى بها شخص آخر قبل مجيئه، فجرد سيفه وقال: لا يتكلم أحد بأن محمدا قد مات الا ضربت عنقه، ألا ان محمدا قد ذهب الى ربه، وسيعود، وليقطعن أيدي رجال، الخ.
والحق ان عقل أبي حفص كان بحاله وما كان ذاهب العقل، وانما قال ما قال انتظارا لصاحبه، وقطعا للامال.
(164) قد تقدم عن العلامة المجلسي (ره) وجه تمثل الائمة (ع) ببعض الاشعار الحكمية، وهنا يمكن أن يكون مراده (ع) الحث على اتباع من اتصف بالحكمة علما وعملا، ويحتمل أيضا أن يكون مراده بعض الائمة، وانما عبر عنه بالحكيم، لئلا يستفز بعض السامعين.
[440]
العائدة التاسعة: في المأثور من أقوال الشعراء في الطمع والطامع، وذم السؤال، والتماس الحطام عن المخلوقين
ونسب الى امير المؤمنين (ع) كما في المختار 17، من حرف الباء، من الديوان:
وما المرء الا حيث يجعل نفسه * فكن طالبا في الناس اعلى المراتب
وكن طالبا للرزق من باب حله * يضاعف عليك الرزق من كل جانب
وصن منك ماء الوجه لا تبذلنه * ولا تسأل الا رذال فضل الرغائب
وكن موجبا حق الصديق إذا أتى * اليك ببر صادق منك واجب
... الخ. وفي الختار 20 منه أيضا:
لاتطلبن معيشة بمذلة * واربأ بنفسك عن دني المطلب
وإذا افتقرت فداو فقرك بالغنى * عن كل ذي دنس كجلد الاجرب
فليرجعن اليك رزقك كله * لو كان أبعد من محل الكوكب
وروى ابن شهر اشوب (ره)، عن الامام الرضا (ع):
لبست بالعفة ثوب الغنى * وصرت أمشي شامخ الرأس
لست الى النسناس مستأنسا * لكنني آنس بالناس
إذا رأيت التيه من ذي الغنى * تهت على التآئه باليأس
وما تفاخرت على معدم * ولا تضعضعت لافلاس
وقال أبو الاسود (ره):
البس عدوك في رفق وفي دعة * طوبى لذي اربة للدهر لباس
ولا تغرنك أحقاد مزملة * قد يركب الدير الدامي بأحلاس
[441]
واستغن عن كل ذي قربى وذي رحم * ان الغني الذي استغنى عن الناس
وقال آخر:
رأيت مخيلة فطمعت فيها * وفي الطمع المذلة للرقاب
وقال مجنون العامري:
طمعت بليلى أن تريع وانما (165) * تقطع اعناق الرجال المطامع
ودانيت ليلى في خلاء ولم يكن * شهود على ليلى عدول مقانع
وقال آخر :
إذا حدثتك النفس أنك قادر * على ما حوت أيدي الرجال فكذب
واياك والاطماع ان وعودها * رقارق آل أو بوارق خلب (166)
وقال آخر :
قد أرحنا واسترحنا * من غدو ورواح
واتصال بأمير * ووزير ذي سماح
بعفاف وكفاف * وقنوع وصلاح
وجعلنا اليأس مفتا * حا لابواب النجاح
قال أبو العتاهية:
تسل فان الفقر يرجى له الغنى * وان الغنى يخشى عليه من الفقر
ألم تر ان البحر ينضب ماؤه * وتأتي عل حيتانه نوب الدهر
وقال آخر :
ولست بنظار الى جانب الغنى * إذا كانت العلياء في جانب الفقر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(165) تريع اي تعود وترجع الى ولا تبتليني بالمهاجرة والفراق.
(166) الرقارق: السراب.
والال: ما يشاهد في الضحى، كالماء بين الارض والسماء، والظاهر ان المراد هنا هو نفس الضحى بقرينة الاضافة، والبوارق: جمع البرق، والخلب: السحاب الذي لامطر فيه، ويقال لمن يعد ولا ينجز: انما انت كبرق خلب.
[442]
واني لصبار علي ما ينوبني * وحسبك أن الله أثنى على الصبر
ترى الدهر مغتالي ولم أر ثروة * من المال تنبي الناس عني وعن أمري
واني على فقري لاحمل همة * لها مسلك بين المجرة والنسر
وقال آخر:
قنعت بالقوت من زماني * وصنت نفسي عن الهوان
مخافة ان يقول قوم * فضل فلان على فلان
فلن تراني امد كفي * الى لئيم ولا هجان
ولا أجوب الفلا لرزق * حسبي من الرزق ما كفاني
من كنت عن ماله غنيا * رأيته كالذي يراني
أبره ان أراد بري * واقطع البر ان جفاني
كم كربة قد عييت فيها * فانكشفت بي على المكان
وكم أمور حذرت منها * فكنت من ذاك في أمان
فلو رأيت المنون حلت * بأكثر الخلق ماعناني
يا جاهلا بالزمان غرا * أنظر الى الدور والمغاني
فانها وهي صامتات * أبلغ من كل ذي لسان
ألم تكن معدن الغواني * البيض والخرد الحسان
وكل نهد أقب طرف * وصارم مرهف يماني
ولواو باد الجميع منهم * وأخر متهم يد الزمان (167)
وقال آخر:
للناس مال ولي مالان مالهما * إذا تحارس اهل المال حراس
مالي الرضا بالذي اصبحت املكه * ومالي اليأس مما يملك الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(167) الى هنا ذكرها جمال المفسرين: أبو الفتوح الرازي (ره).
[443]
وقال أبو عبد الله الازدي:
أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس * بكفيك فضل الله فالله أوسع
فلو تسأل الناس التراب لاوشكوا * إذا قيل هاتوا أن يملوا فيمنعوا (168)
وقال آخر:
تعف وعش حرا ولاتك طامعا * فما قطع الاعناق الا المطامع.
وقال آخر:
لا تطلبن الى صديق حاجة * من عف خف على جميع العالم
أنت المسود ما رزقت كفاية * فإذا طلبت ذللت ذل الخادم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(168) هكذا ذكره المفسر، والمعروف: فلو سئل الناس التراب لاوشكوا، الخ.