[205]
ومن وصية له عليه السلام
قال شيخ الطائفة قدس الله نفسه: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل الشيباني بأسناده قال: سمعت عليا عليه السلام (1) يقول: لا تتركوا حج بيت ربكم لا يخلو منكم ما بقيتم، فإنكم إن تركتموه لم تنظروا (2) إن أدنى ما يرجع به من أتاه أن يغفر له ما سلف.
وأوصيكم بالصلاة وحفظها فإنها خير العمل، وهي عمود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لم يتضح لي من سوق كلام الشيخ (ره) ان السامع من أمير المؤمنين عليه السلام من إذ الشيخ (ره) - أو من روى الكلام عن أبي المفضل - لاجل الاختصار ذكر اولا هكذا (اخبرنا جماعة عن ابي المفضل قال: حدثنا الفضيل بن محمد بن المسيب أبو محمد البيهقي الشعراني بجرجان، قال حدثنا هارون بن عمر بن عبد العزيز ابن محمد أبو موسى المجاشعي، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عليهم السلام، قال: حدثنا أبو عبد الله (ع).
قال المجاشعي: وحدثنا الرضا علي بن موسى (ع) عن أبيه عن ابي عبد الله جعفر بن محمد (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام).
اقول ثم ذكر حديثا في فضل العلم والعلماء.
ثم نقل ستة احاديث، ثم قال: وباسناده قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: لا تتركوا حج بيت ربكم، الخ.
(2) اي لا تمهلون بل يعجل عليكم بالعقوبة. أو لا تنظرون بنظر العناية.
[206]
دينكم، وبالزكاة فإني سمعت رسول الله (ص) يقول الزكاة قنطرة الإسلام، فمن أداها جاز القنطرة، ومن منعها أحتبس دونها، وهي تطفئ غضب الرب.
وعليكم بصيام شهر رمضان، فإن صيامه جنة حصينة من النار.
وفقراء المسلمين أشركوهم في معيشتكم، والجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه.
وذرية نبيكم لا يظلمون بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
وأوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم، وهم الذين لم يحدثوا بعده حدثا.
ولم يأووا محدثا، فان رسول الله (ص) أوصى بهم (3).
وأوصيكم بنسائكم وما ملكت أيمانكم، ولا يأخذنكم في الله لومة لائم يكفكم الله من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل.
ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) سيجئ شواهد هذه الفقرة وبيان المراد منها.
[207]
الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.
وعليكم بالتواضع والتباذل وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق.
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، وأتقوا الله إن الله شديد العقاب.
الحديث (95) من المجلس الثامن عشر من أمالي الشيخ ص 332 ط طهران، وص 136، ط النجف وللوصية أسناد عديدة وثيقة وألفاظ (اخر) لطيفة رشيقة تقدم بعضها، وتقف على بقيتها فيما سيأتي فارتقب.
[208]
ومن وصية له عليه السلام لكميل بن زياد رحمه الله
قال الطبري رحمه الله: أخبرنا الشيخ أبو البقاء ابراهيم بن الحسين ابن ابراهيم البصري بقراءتي عليه في المحرم سنة ست عشرة وخمسمأة، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، قال: حدثنا أبو طالب محمد بن الحسن بن عتبة، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن احمد، قال: اخبرنا محمد بن وهبان الدبيلي (1) قال: حدثنا علي بن أحمد بن كثير العسكري، قال: حدثني أحمد بن المفضل أبو سلمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال النجاشي (ره): محمد بن وهبان بن محمد بن حماد بن بشير بن سالم بن نافع بن هلال بن صهبان بن هراب بن عائذ بن جرير بن اسلم بن هناة ابن مالك بن فهل بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن نصر بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد، ابن عبد الله الدبيلي ساكن البصرة، ثقة من اصحابنا واضح الرواية، قليل التخليط، له كتب، منها كتاب الصلاة على النبي.
2 - كتاب اخبار الصادق (ع) مع المنصور.
3 - كتاب اخباره (ع) مع ابي حنيفة.
4 - كتاب بشارات المؤمنين عند الموت.
5 - كتاب اخبار الرضا (ع).
6 - كتاب ترويح القلوب بطرائف الحكمة.
7 - كتاب الخواتيم.
8 - كتاب من روى عن أمير المؤمنين (ع) 9 - كتاب المزار.
10 - كتاب الدعاء.
11 - كتاب في معنى الطوبى.
12 - كتاب التحف.
13 - كتاب الاذان حي على خير العمل.
14 - كتاب اخبار يحيى ابن أم الطويل.
15 - كتاب ابي جعفر الثاني.
وقال الشيخ (ره): محمد بن وهبان بن محمد النبهاني المعروف بالدبيلي، يكنى ابا عبد الله البصري، روى عنه التلعكبري، اخبرنا عنه احمد بن ابراهيم القزويني، وكان (ره) يروي دعاء اويس القرني.
ويروي عنه أيضا محمد بن احمد بن داود، والحسين بن ابراهيم القزويني على ما ذكره في جامع الرواة، وفى التعليقة: انه كثيرا ما يروي عنه الثقة الجليل علي بن محمد بن علي الخراز، وبالجملة الرجل في غاية الجلالة عند الاصحاب، ولم يتأمل في عظمته أحد من اولى الالباب، ووثقوه بلا كلام، وارسلوه وثاقته ارسال المسلمات.
[209]
الاصفهاني، قال: أخبرني راشد بن علي بن وائل القرشي (2) قال: حدثني عبد الله بن حفص المدني، قال: أخبرني محمد بن اسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطاة (3) قال: لقيت كميل بن زياد وسألته عن فضل أمير المؤمنين علي بن أبيطالب (ع) فقال: ألا اخبرك بوصية اوصاني بها يوما هي خير لك من الدنيا بما فيها ؟ فقلت: بلى، قال: قال لي علي عليه السلام.
يا كميل سم كل يوم باسم الله وقل لا حول ولا قوة إلا بالله، وتوكل على الله.
وأذكرنا وسم بأسمائنا، وصل علينا واستعذ بالله وبنا، وادرأ (4) بذلك على نفسك وما تحوطه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) وفى الطبعة الجديدة من دار السلام: 2، 26، أبي علي راشد بن علي بن وابل القرشي.
(3) وفى الطبعة الجديدة من دار السلام: سعد بن زيد بن أرطاة.
(4) أي ادفع بما ذكر من تسمية الله وقول: لا حول ولا قوة الا بالله والتوكل على الله وذكرهم والتسمية بأسمائهم ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ عليهم والاستعاذة بالله وبهم.
و (ادرا) أمر من دراه - (من باب منع) درءا ودراة: دفعه دفعا شديدا.
وفى تحف العقول: (وأدر بذلك على نفسك) الى آخره، وهو أمر من (درى - من باب ضرب، دريا ودريا ودرية ودرية ودريانا ودريانا ودريا ودراية) الشئ وبالشئ: إذا توصل الى علمه.
والمصدر الا خير هو اكثر مصادره استعمالا.
وما عن بشارة المصطفى اظهر.
[210]
عنايتك (5) تكف شر ذلك اليوم انشاء الله.
يا كميل إن رسول الله صلى الله عليه وآله أدبه الله عز وجل، وهو عليه السلام أدبني وأنا أؤدب المؤمنين، وأورث الأدب (الآداب خ ف) المكرمين.
يا كميل ما من علم إلا وأنا أفتحه (6) وما من سر الا والقائم عليه السلام يختمه، يا كميل ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا (7) يا كميل ما من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) أي ما تهتم بأمره وحفظه وتعاهده من حاطه - (من باب قال) وتحوطه (من باب تفعل) حوطا وحيطة وحياطة إذا حفظه وتعهده واهتم بأمره.
(6) فيه وما بعده ما تقر به عين كل مؤمن سعيد، وتقذى به باصرة كل ناصب شقي.
وقوله (ع) ذرية بعضها - الى آخره - اقتباس أو اشاراة الى الآية 34، من سورة آل عمران.
(7) ومعناه ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ان اخذت من غيرنا لا تكون منا، وهو المنساق الادلة الشرعية كتابا وسنة، انظر الى قوله صلى الله عليه وآله: علي مع الحق والحق معه، يدور معه حيث دار.
وأمعن النظر في قوله صلى الله عليه وآله في الحث على التمسك بهم، وهو قوله (ص): هم مع القرآن والقرآن معهم، الى غير ذلك مما تواتر عنه صلى الله عليه وآله بين الفريقين، وما أدري ماذا يقول المنصفون من اخواننا من أهل السنة، وقد تركوا الاخذ بقولهم، وملأوا زبرهم من الاخذ بأقوال سمرة بن جندب، وعمران بن حطان الخارجي ونظرائهم.
وما احسن ما افاده العلامة الطباطبائي في منظومة السهم الثاقب من قوله:
وانتم خالفتم ابا الحسن * وآله بعد النبي المؤتمن
وما اخذتم منهم وعنهم * بل اتبعتم غيرهم دونهم
حتى انتهى الامر الى التقليد في * شرائع الدين القويم
الحنفي قلدتم النعمان أو محمدا * أو مالك بن انس أو احمدا
فهل اتى الذكر به أو اوصى * به النبي أو وجدتم نصا
[211]
حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة (8)، يا كميل إذا أكلت الطعام فسم باسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء، وهو الشفاء من جميع الأدواء (الأسواء خ ل) (9) يا كميل إذا أكلت الطعام فواكل الطعام (10) ولا تبخل عليه، فإنك لم ترزق الناس شيئا، والله يجزل لك الثواب بذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) كذا في النسخة، ولعل الصواب: وانت محتاج فيها الى المعرفة، وعلى قوله (ع) علماء الامامية قاطبة حيث يفتون انه يجب على كل مكلف في جميع حركاته وسكناته ان يكون عمله اما عن اجتهاد أو تقليد أو احتياط.
(9) وفى تحف العقول: فسم باسم الذي لا ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ اسمه داء، وفيه شفاء من كل الاسواء، الى آخر الكلام.
والادواء ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ الداء وهو المرض والعلة.
والاسواء: جمع السوء، وهو: الشر والفساد وكل آفة.
(10) من آكله مؤاكلة: إذا اكل معه: اطعمه. اي تناول مع غيرك أو اطعم غيرك.
[212]
يا كميل أحسن خلقك، وابسط جليسك ولا تنهرن (11) خادمك، يا كميل إذا أنت أكلت فطول أكلك ليستوفي من معك، ويرزق منه غيرك يا كميل إذا استوفيت طاعمك فاحمد الله على ما رزقك وارفع بذالك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.
يا كميل لا توقرن معدتك طعاما.
ودع فيها للماء موضعا وللريح مجالا، يا كميل لا تنفد طعامك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينفده (لا ينفده)، يا كميل لا ترفعن يدك عن الطعام إلا وأنت تشتهيه.
فإذا فعلت ذلك فأنت تستمرؤه (12)، يا كميل صحة الجسد من قلة الطعام وقلة الماء.
يا كميل البركة في المال من إيتاء الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين وهم الاقربون (13) يا كميل زد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) من نهره - (من باب منع) نهرا: زجره، ومنه قوله تعالى: (ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) الآية (23) من سورة بني اسرائيل.
(12) استمرأ فلان الطعام: استطيبه وعده مريئا ووجده طيبا.
ومرأ ومرئ - ومرؤ - (من باب منع وعلم وشرف) مراءة الطعام: صار مريئا وساغ من غير غصص، يقال: هنأني ومراني الطعام للازدواج، فان افرد، قيل: امرأني من باب الافعال.
وامرأ الطعام فلانا: طاب له ونفعه.
(13) وفى تحف العقولق (يا كميل البركة في مال من آتى الزكاة، وواسى المؤمنين، ووصل الاقربين). الخ.
وفي دار السلام: وهم الاقربون (لنا)
[213]
قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف، وعليهم أعطف وتصدق على المساكين.
يا كميل لا تردن سائلا ولو بشق تمرة، أو من شطر عنب (حبة خ).
يا كميل الصدقة تنمى عند الله (14).
يا كميل حسن خلق المؤمن من التواضع، وجماله التعطف (التعفف خ) وشرفه الشفقة، وعزه ترك القال والقيل (15).
يا كميل إياك والمراء، فإنك تغري بنفسك السفهاء، (و) إذا فعلت تفسد الإخاء (16)، يا كميل إذا جادلت في الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) وفى تحف العقول: (يا كميل لا ترد سائلا ولو من شطر حبة عنب أو شق تمرة، فان الصدقة تنمو عند الله،) الى آخر الكلام. وتنمو، من نما ينمو نموا: زاد وكثر وارتفع. كنمى ينمي (من باب رمى يرمي) نميا ونميا ونماء ونمية المال: زاد وكثر. كأنمى المال انماء: فأنمى هو زاد. والنمو: الزيادة كالنموة.
(15) وفى تحف العقول: يا كميل أحسن حيلة المؤمن ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ضع: وجماله التعفف، وشرفه التفقه، وعزه ترك القال والقيل، وهو أظهر. وقريب منه في دار السلام. والقال والقيل: هو ما يقوله الناس. وقيل: القال هو الابتداء والسؤال، والقيل هو الجواب.
(16) وفى دار السلام: (وتفسيد الاخاء) الخ.
[214]
تعالى فلا تخاطب إلا من يشبه العقلاء وهذا ضرورة (17).
يا كميل هم على كل سفهاء، كما قال الله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) (18) يا كميل في كل قوم صنف أرفع من قوم، فإياك ومناظرة الخسيس منهم، وإذا (وإن خ ف) اسمعوك فاحتمل وكن من الذين وصفهم الله تعالى فقال (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (19).
يا كميل قل الحق على كل حال ووازر (وواد خ ف) المتقين واهجر الفاسقين، وجانب المنافقين، ولا تصاحب الخائنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) وفيه تصريح بأن الكافر والتارك للشريعة مع صحة قواه الادراكية، وسعة زمان الفكر ولروية، ووجود اعلام الهداية والبصيرة، ليس بعاقل كائنا من كان، ذكيا غاية الذكاء، ام كان غبيا، فهما سيان.
وقوله عليه السلام:) وهذا ضرورة) دليل على عدم جواز المناظرة في شأن الله، في غير حال الاسترشاد والارشاد، ودفع شبهات الملاحدة، والذب عن الشريعة، وهو المستفاد من الادلة العقلية والنقلية.
(18) الآية 12 من سورة البقرة. وما احسن تعبيره - ع -: الا من يشبه العقلاء ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ قوله (ع): هم على كل سفهاء - إذا لو حظ مع قوله تعالى: الا انهم هم السفهاء.
(19) الآية 62 من سورة الفرقان. وفى تحف العقول: يا كميل في كل صنف قومه أرفع من قوم، فاياك ومناظرة الخسيس منهم، الى آخر ما مر، وهو اظهر. والخسيس: الرذل والدني والحقير، والجمع خساس واخسة.
[215]
يا كميل إياك وتطرق (20) أبواب الظالمين والاختلاط بهم والإكتساب منهم وإياك أن تطيعهم (تعظمهم خ) أو تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك.
وإن (وإذا خ ل) اضطررت إلى حضورهنم، فداوم ذكر الله تعالى وتوكل عليه (والتوكل عليه خ ف) واستعذ بالله من شرهم (من شرور هم خ ف)، وأطرق عنهم (21) وأنكر بقلبك فعلهم، وأجهر بتعظيم الله تعالى لتسمعهم فإنهم يهابوك، وتكفى شرهم (22).
يا كميل إن أحب ما امتثله (تمتثله خ ف) العباد إلى الله بعد الاقرار به وبأوليائه عليهم السلام التجمل والتعفف والإصطبار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) من تطرق إليه - من باب التفعل -: إذا ابتغى إليه طريقا، اي لا تبتغ الى ابواب الظالمين طريقا لتختلط بهم وتكتسب من دنياهم شيئا.
وفى تحف العقول: يا كميل لا تطرق ابواب الظالمين للاختلاط بهم والاكتساب معهم، الى آخر ما مر، اي لا تقرع ابوابهم وهي من طرقه - (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ باب نصر) طرقا الباب على القوم إذا دق بابهم، وطلب منهم الدخول ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟، وطرقا وطروقا القوم: إذا أتاهم ليلا، وعلى جميع المعاني هو كناية عن عدم الدنو منهم.
(21) من طرق: إذا سكت ولم يتكلم، أو ارخى عينيه ينظر الى الارض وهما غالبا من لوازم الغضب وعدم الرضا، كما انه المراد هاهنا.
(22) وفى تحف العقول: واجهر بتعظيم الله تسمعهم فانك بها تؤيد وتكفى شرهم، الخ.
[216]
يا كميل لا بأس بأن لا يعلم سرك، يا كميل لا نري الناس إفتقارك (إفتارك خ ف) واضطرارك واصبر عليه بعز وتستر، يا كميل لا بأس بأن تعلم أخاك سرك ومن أخوك ؟ أخوك الذي لا يخذلك عند الشدة (الشديدة خ ل)، ولا يقعد عنك عند الجريرة (23)، ولا يخدعك حين تسأله (ولا يدعك (24) حتى تسأله خ ل وف).
ولا يتركك وأمرك حتى تعلمه (ولا يذرك (25) وأمرك حتى تعلمه خ ف)، فإن كان مميلا أصلحه (26).
يا كميل المؤمن مرآة المؤمن.
لأنه يتأمله ويسد فاقته ويجمل حالته.
يا كميل المؤمنون إخوة ولا شئ آثر عند كل أخ من أخيه يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه (إن خ ف) المؤمن من قال بقولنا، فمن تخلف عنا قصر عنا ومن قصر عنا لم يلحق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟: الجناية لانها تجر العقوبة الى الجاني.
(24) ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ويذر ويترك بمعنى واحد.
(25) لا يذرك أي لا يتركك ولا يدعك. قيل: ولا فعل منه بهذاه المعنى الا المضارع والامر.
(26) قيل: المميل بمعنى الغني وصاحب الثروة والمال الكثير، من أمال يميل
[217]
بنا، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار (27).
يا كميل كل مصدور ينفث (28) فمن نفث إليك منا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27) قال الامام الباقر عليه السلام:
فنحن على الحوض ذواده * نذود ويسعد وراده
فما فاز من فاز الا بنا * وما خاب من حبنا زاده
فمن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده
وقال الامام الصادق عليه السلام:
في الاصل كنا نجو ما يستضاء بنا * وللبرية نحن اليوم برهان
نحن البحور التي فيها لغائصكم * در ثمين وياقوت ومرجان
مساكن القدس والفردوس نملكها * ونحن للقدس والفردوس خزان
من شذ عنا فبرهوت مساكنه * ومن أتانا فجنات ولدان
البحار: 11، 77، 112.
وروى في نظم درر السمطين 108، ط 1، قبيل جامع مناقبه (ع) مرسلا عن علي بن طلحة مولى بني امية، قال: حج معاوية ومعه معاوية بن خديج، وكان من أسب الناس لعلي (ع) فمر بالمدينة، والحسن بن علي جالس، فقيل له: هذا معاوية بن خديج الساب لعلي، فقال: علي بالرجل، فأتاه فقال له الحسن: أنت معاوية بن خديج ؟ قال: نعم.
قال: انت الساب لعلي ؟ فكأنه استحي، فقال له الحسن: والله لئن وردت عليه الحوض - وما اراك ترده - لتجدنه مشمرا الازار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الابل، قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى.
ورواه أيضا في ترجمة معاوية بن خديج من تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 56، ص 919، بأربعة طرق، مسندا عن علي بن طلحة وغيره.
(28) وفى تحف العقول: كل مصدور (مصدود خ ل) ينفث فمن نفث اليك منا بامر أمرك بستره فاياك أن تبديه، الى آخر الكلام.
المصدور الذي يشتكى من صدره، والمقصود: الممنوع عن بغيته، وينفث (من باب ضرب ونصر) أي يلقى ما في صدره من قيح أو دم أو غيظ وحرارة، أي كل من اعترض في حلقه شجى يصيح ويتنفس الصعداء، ويلهج بما اسره، فاياك واظهار اسراره للاشرار والحمقاء، ومراده (ع) ان من ملآ صدره من محبتنا وامرنا لا يمكن له السكوت عليها، فإذا أبرزها لك فعليك بسترها.
[218]
بأمر فاستره وإياك أن تبديه فليس لك من إبدائه توبة فإذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى.
يا كميل إذاعة سر آل محمد عليهم السلام لا يقبل الله تعالى منها، ولا يحتمل أحد عليها (29) وما قالوه لك مطلقا فلا تعلمه إلا مؤمنا موافقا، يا كميل لا نعلموا الكافرين فيزيدوا عليها فيبدوكم (30) بها إلى يوم يعاقبون عليها.
يا كميل لا بد لماضيكم من أوبة، ولا بد لنا فيكم من غلبة يا كميل سيجمع الله تعالى لكم خير البدء والعاقبة.
يا كميل أنتم ممتوعون (31) بأعدائكم تطربون بطربهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) وفى تحف العقول، اذاعة سر آل محمد صلوات الله عليهم لا يقبل منها ولا تحتمل أحد عليها، وما قالوه فلا تعلم الا مؤمنا موفقا. وفى بعض النسخ: فلا تعلمه الا مؤمنا موفقا. وفى بعضها: فلا يعلمه الا مؤمنا موفقا.
(30) كذا في النسخة. وفى دار السلام الطبعة الجديدة: (يا كميل لا تعلموا الكفار من أخبارنا).
(31) وفى دار السلام: (يا كميل أنتم ممتعون باعداءكم) الخ. وهذا الكلام كانه اشارة الى قوله تعالى في الآية 21 من سورة الاعراف: (قل هي للذين آمنوا في الحيوة الدنيا خالصة يوم القيمة).
[219]
وتشربون بشربهم وتأكلون بأكلهم، وتدخلون مداخلهم وربما غلبتم على نعمتهم، (إي والله) على إكراه منهم لذلك، ولكن الله عز وجل ناصركم وخاذلهم، فإذا كان والله يومكم، وظهر صاحبكم، لم يأكلوا والله معكم ولم يردوا مواردكم، ولم يقرعوا أبوابكم، ولم ينالوا نعمتكم، أذلة خائبين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا، (يا كميل) أحمد الله تعال والمؤمنين على ذلك. وعلى كل نعمة. يا كميل قل عند كل شدة لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم تكفها.
وقل عند كل نعمة الحمد لله تزاد (تزدد خ ل) منها، وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسع عليك فيها، يا كميل إذا وسوس الشيطان في صدرك، فقل أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي، وأعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر وقضي، وأعوذ بإله الناس من شر الجنة والناس، تكفى مؤنة إبليس والشياطين معه، ولو أنهم كلهم أبالسة مثله.
[220]
يا كميل إن لهم خدعا وشقاشق (32) وزخارف ووساوس وخيلاء على كل أحد قدر منزلته في الطاعة والمعصية، فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة، يا كميل لا عدو أعدي منهم، ولا ضار أضربك منهم، أمنيتهم أن تكون معهم غدا إذا جثوا في العذاب، لا يفتر عنهم بشرره (22)، ولا يقصر عنهم خالدين فيها أبدا، يا كميل سخط الله تعالى محيط بمن لم يحترز منهم بإسمه وبنبيه وجميع عزائمه، يا كميل إنهم يخدعوك بأنفسهم فإذا لم تجبهم مكروا بك وبنفسك بتحسينهم (بتخبيبهم إليك خ ل) شهواتك وإعطائك أمانيك وإرادتك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(32) جمع شقشقة، وهي شئ كالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وهي مأخوذة من (شقشق الجمل شقشقة) هدر، وشقشق الطير: صوت ويقال للفصيح: هدرت شقشقته، وفلان شقشقة قومه: شريفهم وفصيحهم، والخيلاء - على وزن الامراء - والخيلاء والخيلة: العجب والكبر.
(33) يقال: جثا - جثوا (من باب دعا يدعو) وجثى - جثيا وجثيا فلان: إذا جلس على ركبتيه، أو قام على اطراف اصابعه، فهو جاث جمع جثى، والمؤنث جاثية. وقوله (ع): لا يفتر من فتر - (من باب نصر وضرب) فتورا وفتارا: سكن بعد حدته، ولان بعد شدته. الماء: سكن حره. وفترة وفتورا الحر: انكسر. كتفتر وفتر. والشرر والشرار (كفرس وسحاب): ما يتطاير من النار، الواحدة: شررة وشرارة.
[221]
ويسولون لك وينسونك وينهؤنك ويأمرونك، ويحسنون ظنك بالله عز وجل، حتى ترجوه فتغتر بذلك فتعصيه وجزاء العاصي لظى، يا كميل احفظ قول الله تعالى عز وجل (الشيطان سول لهم وأملى لهم) (34) والمسول الشيطان والمملي الله.
يا كميل أذكر قول الله تعالى لإبليس: (وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا) (35) ان ابليس لا يعد عن نفسه وإنما يعد عن ربه ليحملهم على معصيته فيورطهم، يا كميل إنه يأتي لك بلطف كيده.
فيأمرك بما يعلم أنك قد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(34) الآية 25 من سورة محمد (ص)، والظاهر من الآية الشريفة ان المسول والمملي كليهما هو الشيطان، وصريح كلامه (ع) هنا ان المملي هو الله تعالى، ولم ار هذا في غير هذه الوصية، ولا احتمله (فيما علمت) احد من مفسري الخاصة، ثم ان نسبة الاملاء الى الله تعالى والى الشيطان صحيحة، ولكن معنى الاملاء منسوبا الى الله الامهال، وتأخير العقوبة، وعدم تعجيلها، وهذا أمر جلي يستفاد من الآيات والاخبار، وهو لطف منه تعالى على عبيدة لكي ينيبوا الى الله، ويتوبوا إليه.
واما الاملاء المسند الى الشيطان فمعناه التزيين، وتطويل الآمال، والتغرير.
(35) الآية 66 من سورة بني اسرائيل.
[222]
ألفته من طاعة لا تدعها فتحسب أن ذلك ملك كريم وانما هو شيطان رجيم، فإذا سكنت إليه واطمأنت حملك على العظائم المهلكة التي لا نجاة معها، يا كميل ان له فخاخا ينصبها فأحذر أن يوقعك فيها.
يا كميل إن الأرض مملوءة من فخاخهم (36)، فلن ينجو منها إلا من تشبث بنا، وقد أعلمك الله أنه لن ينجو منها إلا عباده، وعباده أولياؤنا وهو قول الله (عز وجل) (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان (37) وقوله عز وجل: (إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) (38) يا كميل أنج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك وولدك (39).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36) الفخاخ: جمع الفخ، وهو آلة يصاد بها، ويجمع أيضا على فخوخ. ويقال: وثب فلان من فخ الشيطان أي تاب.
(37) الآية 67، من السورة 17: بني اسرائيل.
(38) الآية 102، من السورة 16: نحل.
(39) فمن لم يتمسك بولايتهم، شرك الشيطان في ماله وولده، ودخل فيمن تبع الشيطان، وشمله قوله تعالى في الآية (63) من السورة 18: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا).
[223]
يا كميل لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون ويصومون فيداومون، ويتصدقون فيحسبون أنهم موفقون، يا كميل أقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الشيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك من الخنا (40) والمآثم، حبب إليهم العبادة الشديدة، والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثم حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون الى النار، ويوم القيامة لا ينصرون (41).
يا كميل إنه مستقر ومستودع (42) فاحذر أن تكون من المستودعين، وإنما يستحق أن يكون مستقرا إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج، ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه، وما هديناك إليه.
يا كميل لا رخصة في فرض، ولا شدة في نافلة (43)، يا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(40) الخنى (كعصى): الفحش في الكلام، من خنا - خنوا وخني يخني (من باب دعا وعلم) وأخنى عليه في الكلام: أفحش.
(41) اشارة الى الآية 41، من السورة 28: القصص، أو اقتباس منها.
(42) الضمير راجع الى الايمان بالقرينة المقامية.
(43) ومن ذلك يعلم ضعف ايمان من تهاون بالفرائض فعلا وتركا، ونشط للعمل ببعض المستحبات، كما يعلم وهن قول من زعم انه لا يجوز ترك المستحبات بأجمعها.
[224]
كميل إن الله عز وجل لا يسألك إلا على الفرض، فانما قدمنا عمل النوافل بين أيدينا للأهوال العظام، والطامة يوم المقام يا كميل إن الواجب لله أعظم من أن تزيله الفرائض والنوافل وجميع الأعمال.
وصالح الأموال.
ولكن من تطوع خيرا فهو خير له (44) يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك، وغفلتك أكثر من ذكرك، ونعم الله عليك أكثر من كل عملك، يا كميل إنه لا تخلو من نعمة لله عز وجل عندك وعافية، فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره على كل حال، يا كميل لا تكونن من الذين قال الله عز وجل: (نسوا الله فأنسيهم أنفسهم) (45) ونسبهم إلى الفسق، فقال: (وأولئك هم الفاسقون) (46) يا كميل ليس الشأن أن نصلي وتصوم وتتصدق، الشأن أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(44) اقتباس من الآية 184، من سورة البقرة، أو اشارة إليها.
(45) الآية 19، من السورة 59: الحشر.
(46) الآية 82، من السورة 3: آل عمران.
[225]
تكون الصلاة بقلب نوعمل عند الله مرضي، وخشوع سوي وإبقاء للجد فيها، يا كميل عند الركوع والسجود وما بينهما تبتله (47) العروق والمفاصل حتى تستوفي ولاء إلى ما تأتي به من جميع صلواتك، يا كميل أنظر فيم تصلي وعلى ما تصلي، إن لم تكن من وجهه وحله فلا قبول.
يا كميل إن اللسان يبوح (ينزح خ ل) (48) من القلب، والقلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذى قلبك وجسمك، فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل الله تعالى تسبيحك ولا شكرك.
يا كميل إفهم واعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الأمانات لأحد من الخلق، فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم، وجزاءه النار بما كذب، أقسم لسمعت رسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(47) كذا في النسخة: وفى دار السلام: (يا كميل عند الركوع والسجود وما بينهما تبتلت العروق) الخ.
(48) من باب يبوح بوحا وبؤوحا وبؤوحة إليه بالسر: أظهره. كاياحه، أي ان اللسان ينطق بمعونة القلب، ولا قوة له بلا امداد القلب. وينزح من قولهم: انزحنا البئر: إذا أستقوا من مائها، أي ان اللسان يتغذي ويستقي من القلب.
[226]
صلى الله عليه وآله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثة: يا أبا الحسن أد الأمانة إلى البر والفاجر، فيما قل وجل حتى في الخيط والمخيط (49).
يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل.
ولا نقل إلا مع إمام فاضل (50)، يا كميل أرأيت لو لم يظهر نبي وكان في الأرض مؤمن تقي، لكان في دعائه إلى الله مخطئا أو مصيبا ؟ بلى والله مخطئا، حتى ينصبه الله عز وجل، ويؤهله (له خ).
يا كميل الدين لله، فلا تغترن بأقوال الامة المخدوعة التي قد ضلت بعد ما اهتدت وجحدت بعد ما قبلت.
يا كميل الدين لله تعالى فلا يقبل الله تعالى من أحد القيام به إلا رسولا أو نبيا أو وصيا يا كميل هي نبوة ورسالة وإمامة ولا (وليس خ ف) بعد ذلك إلا متولين ومتغلبين، وضالين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(49) وأوصى لقمان ابنه وقال في آخرها: يا بني أد الامانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكن أمينا تكن غنيا.
الحديث 13، من الباب 12، من البحار: 16، 49.
(50) وفى تحف العقول ودار السلام: (ولا نفل) والنفل - محركة - الغنيمة.
[227]
ومعتدين (51).
يا كميل إن النصارى لم تعطل الله تعالى، ولا اليهود ولا جحدت موسى ولا عيسى ولكنهم زادوا ونقصوا وحرفوا وألحدوا، فلعنوا، ومقتوا ولم يتوبوا يا كميل إنما يتقبل الله من المتقين (52) يا كميل إن أبانا آدم لم يلد يهوديا ولا نصرانيا، ولا كان ابنه الا حنيفا مسلما.
فلم يقم بالواجب عليه، فأداه (53) الى أن لم يقبل الله قربانه، بل قبل من أخيه فحسده وقتله، وهو من المسجونين في الفلق (54) الذي عدتهم إثنا عشر ستة من الأولين، وستة من الآخرين (55) والفلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(51) وفى تحف العقول: يا كميل هي نبوة ورسالة وامامة، وليس بعد ذلك الا موالين متبعين، أو عامهين مبتدعين، انما يتقبل الله من المتقين. وفى بعض النسخ منه: وليس بعد ذلك الا ضالين مبتدعين. قوله (ع): وليس بعد ذلك، أي ما يقوم به النبي والرسول والامام، كذا افيد. ومعنى قوله: (عامهين) أي متحيرين، من عمه في طريقه: إذا تحير.
(52) كما قال الله تعالى في الآية 27 من السورة 5: المائدة.
(53) من باب أدى - أديا (كرمى) وأدى تأدية الشئ: أوصله وجره إليه. قضاه. والاداء: هو الايصال. والقضاء.
(54) الفلق: جب في جهنم. ووصفه (ع) بأن حر جهنم منه.
(55) أما الستة من الاولين فأحدهم من ذكره (ع) هنا، والثاني نمرود ابراهيم (ع)، والثالث فرعون موسى، والرابع السامري الذي اتخذ العجل، والخاس الذي هود اليهود. والسادس الذي نصر النصارى.
وأما الستة من الاخرين فالمذكور في الاخبار ان اربعة منهم من المنافقين والخامس صاحب الخوارج، والسادس عبد الرحمن بن ملجم، والاشبه أن تكون لفظة الذي بمعنى الذين، كما في قوله تعالى: (كمثل الذي استوقد نارا) الخ.
[228]
أسفل من النار، ومن بخاره حر جهنم، وحسبك فيما حر جهنم من بخاره، يا كميل نحن والله الذين اتقوا والذين هم محسنون (56) يا كميل إن الله عز وجل كريم حليم.
عظيم رحيم، دلنا على أخلاقه وأمرنا بالأخذ بها، وحمل الناس عليها، فقد أديناها غير مختلفين وأرسلناها (58) غير منافقين وصدقناها غير مكذبين، وقبلناها غير مرتابين، ولم يكن لنا والله شياطين نوحي إليها وتوحى إلينا، كما وصف الله تعالى قوما ذكرهم بأسمائهم في كتابه أو فرأكما أنزل (شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) (58) الويل لهم فسوف يلقون غيا (59).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(56) اشارة الى الآية 128 من السورة 16: النحل، أو اقتباس منها.
(57) كذا في النسخة.
(58) الآية (112) من السورة 6: الانعام.
(59) اشارة الى الآية 59، من السورة 19: مريم.
[229]
يا كميل لست والله متملقا حتى أطاع.
ولا ممنا حتى أعصى (60) (ولا ممنيا حتى لا أعصى خ ل) ولا مهانا (مائرا خ ل) لطعام الأعراب.
حتى أنتحل إمرة المؤمنين، وأدعى بها (61).
يا كميل انما حظي من حظي بدنيا زائلة مدبرة ونحظى بآخرة باقية ثابتة يا كميل نحن الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، وقد أسمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد جمعهم فنادى الصلاة جامعة (62) يوم كذا وكذا رأياه اسبعة (63) وقت كذا وكذا فلم يتخلف أحد، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إني مؤد عن ربي عز وجل، ولا مخبر عن نفسي فمن صدقني فقد صدق الله، أثابه الجنان ومن كذ بني كذب الله عز وجل ومن كذب الله أعقبه النيران.
ثم ناداني فصعدت فأقامني دونه ورأسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(60) وفى دار الاسلام: ولا ممتنا الخ.
(61) وفى تحف العقول: ولا مائلا لطعام الاعراب، حتى أنحل أمرة المؤمنين وأدعى بها (الى آخر الكلام). يقال: انحل فلانا شيئا: أعطاه اياه، وخصه.
(62) اي احضروا الصلاة جامعة، وعلى هذا فهو منصوب بعامل مقدر.
(63) كذا في النسخة. وفى دار السلام: (وقد جمعهم فنادى الصلاة جامعة أياما سبعة وقت كذا وكذا) الخ. وهو أظهر.
[230]
إلى صدره، والحسن والحسين عن يمينه وشماله ثم قال: معاشر الناس أمرني جبرائيل عن الله عز وجل ربي وربكم، أن أعلمكم، أن القرآن هو الثقل الأكبر، وأن وصيي هذا وإبناي، ومن خلفهم من أصلابهم الثقل الأصغر (64) كل واحد منهما ملازم لصاحبه، غير مفارق له حتى يردا على الله، فيحكم بينهما وبين العباد، يا كميل فإذا كنا كذلك فعلام يتقدمنا من تقدم، ويتأخر عنا من تأخر.
يا كميل قد أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وآله رسالته ونصح لهم، ولكن لا يحبون الناصحين، يا كميل قال رسول الله صلى الله عليه وآله قولا أعلنه، والمهاجرون والأنصار متوافرون، يوما بعد العصر، يوم النصف من شهر رمضان، قائم (65) على قدميه من فوق منبره، علي مني وإبناي منه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(64) وفى دار السلام: (وأن وصيي هذا وابناي ومن خلفهم من أصلابهم هم الثقل الاصغر، يشهد الثقل الاكبر للثقل الاصغر، ويشهد الثقل الاصغر للثقل الاكبر، كل واحد منهما ملازم لصاحبه) الخ.
(65) كذا في النسخة، وعلى هذا فهو خبر لمبتدأ محذوف اي وهو قائم. وفى تحف العقول: (قائما) الخ وهو اظهر.
[231]
والطيبون مني ومنهم، وهم الطيبون بعد أمهم، وهم سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هوى، الناجي في الجنة والهاوي في لظى، يا كميل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (66).
يا كميل ما يحسدونا، والله شانا قبل أن يعرفونا (67) أتراهم بحسدهم إيانا عن ربنا يزيلونا، يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب أليم، وخزي مقيم، وأكبال (68) ومقاطع وسلاسل طوال، ومقطعات النيران، ومقارنة الشيطان الشراب صديد واللباس حديد، والخزنة فظظة (69) والنار ملتهبة، والأبواب موثفة (70) مطبقة، ينادون فلا يجابون،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(66) اقتباس من الآية 29، من السورة - 57 -: الحديد، وقريبة منها الآية 73 و 74 من آل عمران.
(67) كذا في النسخة، ولعل الصواب: والله شاءنا الخ. وفى دار السلام: (ما يحسدوننا) الخ.
(68) الكبل - كفلس وحبر -: القيد. أو اعظم ما يكون من القيود، جمع كبول واكبل.
(69) أي سيئ الخلق، خشن الكلام، عابسة الوجوه، والجمع: افظاظ.
(70) كذا في النسخة. والاقرب ان يكون بالقاف، بمعنى المشدودة والمحكمة.
[232]
ويستغيثون فلا يرحمون، نداؤهم: يا مالك ليقض علينا ربك.
قال: إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون (71) نحن والله الحق الذي قال الله عز وجل.
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن (72).
يا كميل ثم ينادون الله تقدست أسماؤه بعد أن يمكثوا أحقابا (73) إجعلنا على الرضا (الرجاء خ ل) فيجيبهم إخسأوا فيها ولا تكلمون (74) فعندها يئسوا من الكرة (75) واشتدت الحسرة وأيقنوا بالهلكة والمكث جزاء بما كسبوا عذبوا، يا كميل أنا احمد الله على توفيقه إياي والمؤمنين على كل حال.
يا كميل إنما حظي من حظي (76) بدنيا زائلة مدبرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(71) الآية 77 من السورة - 43 -: الزخرف.
(72) الآية 70 من السورة - 23 -: المؤمنون.
(73) الاحقاب جمع الحقب - كقفل وعنق - وهي ثمانون سنة أو اكثر، والدهر، والسنة، والسنون، وله جمعان آخران وهما: حقاب وأحقب.
(74) كما في الآية 108، من السورة: المؤمنون.
(75) الكرة: الرجعة والعودة.
(76) حظي - (من باب علم) حظوه وحظوة وحظة - زيد بالرزق نال حظا منه، واحتظى: كان ذا منزلة وحظ ومكانة، أحظاه أي جعله ذا حظوة، أحظاه بالمال: جعله يحظى به، وأحظاه على فلان، أي فضله عليه. والحظو مصدر بمعنى الحظ. الحظي: ذو الحظوة، والذي أحبه الناس ورفعوا منزلته. والحظوة - بكسر الحاء وضمها وسكون الظاء -: المكانة والمنزلة عند الناس.
[233]
فائتة.
ونحظى بآخرة باقية ثابتة يا كميل كل يصير الى الآخرة (77) والذي يرغب فيه منها ثواب الله عز وجل.
والدرجات العلى من الجنة التي لا يورثها إلا من كان تقيا (78).
يا كميل إذا شئت فقم.
قال أبو جعفر المحمودي: اني قد جمعت بين رواية الطبري رحمه الله وتحف العقول، لتكون الفائدة أتم وجعلت ما انفرد به صاحب تحف العقول بين معقفتين، أو علمته ب (خ ف).
وما تصرفت فيما عن الطبري الا بإسقاط لفظة كميل في بعض المواضع، وتصحيح ما كان غلطا بينا، وبقيت ألفاظ لم اعرف صحتها ولا فسادها، فكتبتها كما هي، وأرجعت تصحيحها الى نظر الباحثين، ولعل الله يوقفنا على نسخة صحيحة، أو طريق آخر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(77) وفى تحف العقول: يا كميل ان كلا يصير الى الآخرة، والذي نرغب فيه منها رضي الله، والدرجات العلى من الجنة التي يورثها من كان تقيا، يا كميل من لا يسكن الجنة فبشره بعذاب اليم، وخزى مقيم، يا كميل انا أحمد الله على توفيقه، وعلى كل حال. إذا شئت فقم.
(78) كما في الآية 63، من السورة 19: مريم.
[234]
للوصية الشريفة فنبذل جهدنا لخدمة المجتمع، وفاء لحق العلم واهله، وارشادا لمن أراد الرشاد والسداد.
اقول: وذكر العلامة النوري (ره) في دار السلام: ج 1، ص 167، ط 1: وفي الطبعة الثانية ج 2 ص 25 انه وجدها في بعض نسخ نهج البلاغة فراجع.