[273]

- 34 -

ومن وصية له عليه السلام الى السبط الاكبر الامام الحسن المجتبى عليه السلام

يا بني إذا نزل بك كلب الزمان وقحط الدهر (1) فعليك بذوي الأصول الثابتة، والفروع النابتة من أهل الرحمة والإيثار والشفقة، فإنهم أقضى للحاجات، وأمضى لدفع الملمات (2).

وإياك وطلب الفضل، واكتساب الطياسيج والقراريط (3)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كلب الزمان: شدته وضيقه من فقر أو مرض أو اعتداء معتد ونحوها يقال: (كلب الامر كلبا): اشتد وصعب. والفعل من باب علم، والمصدر على زنة فرس. والقحط - كفلس وفرس -: الجدب. يقال: قحط - من باب علم ومنع - المطر قحطا: احتبس. وقحط قحطا وقحوطا وقحطا - - كفلسا وفلوسا وفرسا - واقحط - على بناء المجهول - العام: احتبس فيه المطر واجدب فهو قاحط، والجمع قواحط واقحط الله الارض: صابها بالقحط، واقحط الناس: لم يمطروا. وعام قحط وقحيط ومقحوط: احتبس فيه المطر وأجدب. سنة قحيط: قليلة الخير، لاحتباس المطر فيه.

(2) أمضى أي أشد مضيا، واسرع مبادرة للدفاع عمن نزلت عليه النائبة. والملمات: النوازل الشديدة من حوادث الدهر ونكباته.

(3) الطياسيج جمع الطسوج - كتنور - وهو حبتان وربع دانق - بكسر النون وفتحها وهو معرب دانگ الفارسية -. والقراريط جمع القيراط وهو نصف دانق. وعند اليونايين القيراط: حبة خرنوب ونصف دانق. والدرهم عندهم اثنتا عشرة حبة. وقيل: القيراط بمكة: ربع سدس دينار. وفى العراق نصف عشره. وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين. وأصل القيراط: قراط - بالتشديد - فأبدل احد حرفي تضعيفه ياءا كما ابدلوا في دينار، ولذلك يجمع على قراريط، كما يجمع الدينار على دنانير.

 

[274]

من ذوي الأكف اليابسة، والوجوه العابسة، فإنهم إن أعطوا منوا، وإن منعوا كدوا (4).

ثم أنشأ عليه السلام:

واسأل العرف - إن سألت - كريما * لم يزل يعرف الغنى واليسارا

فسؤال الكريم يورث عزا * وسؤال اللئيم يورث عارا

وإذا لم تجد من الذل بدا * فالق بالذل - إن لقيت الكبارا (5)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) يقال: كد - كدا في العمل: اشتد. وكد الشئ نزعه بيده. كد زيد عمرا: أتعبه. وكدده: طرده طردا شديدا. تكدد: تكلف الكد وأصابه أذى. أكد واكتد: امسك وبخل. اكتده واستكده: طلب منه الاشتداد في العمل. (5) العرف - كقفل -: الجود. المعروف وما يبذل للسائل وملتمس النوال. وجملة: (ان سألت) معترضة ومفعولها محذوف. وكذلك قوله عليه السلام: (ان لقيت) فانه معترض بين العامل ومعموله.

والمعنى انه ان كان لا بد لك ولا محيص عن التماس العطاء، وطلب المعروف والحباء، فاطلبه ممن كان كريما وذا غنى قديم، ويسار مستمر، فان سائله يفوز بوصول البغية، مع حفظ ماء الوجه وعزة النفس، بخلاف الطلب من اللئيم، والتماس النوال من الهجين، فانه يوجب العار، والرجوع بالخيبة، مع ذل السؤال، وأما رفع الحوائج الى الاكابر، وملاقاتهم لقضاء الحوائج فليس بعار.

 

[275]

ليس إجلالك الكبير بعار * إنما العار أن تجل الصغارا

اعلام الدين للديلمي (ره) كما في الحديث (66) من الباب (16) من كتاب الزكاة، من البحار: ج 20، ص 42، ط الكمباني.

والحديث الرابع، من الباب (31) من كتاب الزكاة من مستدرك الوسائل: ج 1، ص 542.

وينبغي ان نسرد شطرا من الآثار الواردة الجارية على مساق الوصية الشريفة، الدالة على تحمل آلام الفقر، وانه عند الاضطرار يستمسك بذيل من كرم أصله وطاب فرعه ليس إلا، وبعض حكايات الاجواد.

روى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث الاخير، من الباب (16) من كتاب الزكاة، من الكافي: 4 ص 22 عن لقمان الحكيم، انه قال لابنه يا بني ذقت الصبر، وأكلت لحاء الشجر، فلم اجد شيئا هو أمر من الفقر، فان بليت به يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك ولا ينفعوك بشئ، ارجع الى الذي ابتلاك به فهو اقدر على فرجك وسله، من ذا الذي سأله فلم يعطيه، أو وثق به فلم ينجه.

 

[276]

وفي اواخر الحديث الاول، من باب النوادر، من كتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 170، في وصايا النبي (ص) لعلي (ع): يا علي لان أدخل يدي في فم التنين الى المرفق، أحب الي من ان اسأل من لم يكن ثم كان - وساق صلى الله عليه وآله وصاياه الشريفة، الى ان قال لابي ذر -: يا أبا ذر اياك والسؤال فانه ذل حاضر، وفقر تتعجله، وفيه حساب طويل الى يوم القيامة - الى ان قال (ص) - يا أبا ذر لا تسأل بكفك وان أتاك شئ فاقبله.

وفي وصاياه هذه ايضا - ص 256، ج 4 -: يا علي ثمانية ان أهينوا فلا يلوموا الا أنفسهم: الذاهب الى مائدة لم يدع إليها، والمتأمر على رب البيت، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، الخ.

وفي ترجمة ابن التمار - محمد بن سعيد بن احمد ابي زرعة القرشي - من تاريخ دمشق: ج 49، ص 520 معنعنا، عن عبد الله بن بسر المازني، قال: قال رسول الله (ص): اطلبوا الحوائج بعزة الانفس، فان الامور تجري بالمقادير.

وبهذا السند قال (ص): من تناول أمرا بمعصية (ظ) كان ذلك أفوت لما رجا، واقرب لمجئ ما انفا [ما اتقى ظ].

وفي الحديث الثالث، من الباب (16)، من كتاب الزكاة، من الكافي ج 4، ص 20، معنعنا قال صلى الله عليه وآله: الايدي ثلاث: يد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد المعطى اسفل الايدي، فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم.

ان الارزاق دونها حجب، فمن شاء قني حياءه وأخذ رزقه، ومن شاء هتك الحجاب وأخذ رزقه، والذي نفسي بيده لان يأخذ أحدكم حبلا ثم يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه، ثم يدخل به

 

[277]

السوق فيبيعه بمد من تمر، ويأخذ ثلثه ويتصدق بثلثيه خير له من ان يسأل الناس، اعطوه أو حرموه.

وقريب من ذيله رواه عنه (ص) في العقد الفريد: ج 2، ص 43، ط 2.

وفي باب وفاة الامام الحسن المجتبى (ع) من تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 116، ط النجف، قال (ع): كان رسول الله (ص) إذا سأله أحد حاجة لم يرده الا بها أو بميسور من القول.

وفي الحديث (273) من روضة الكافي، ص 220، معنعنا قال (ص): ما أشد حزن النساء، وأبعد فراق الموت، واشد من ذلك كله فقر يتملق صاحبه، ثم لا يعطى شيئا.

وفي الحديث الثاني، من الباب الخامس عشر، من كتاب الزكاة، من الكافي: 4، ص 19، معنعنا عن الإمام الصادق (ع) قال: قال امير المؤمنين: اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله فانه قال: من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر.

وفي الحديث الاول، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة، من الكافي: ج 4، ص 22، معنعنا عن الإمام الصادق (ع) ان امير المؤمنين صلوات الله عليه بعث الى رجل بخمسة أو ساق من تمر البغيبغة، وكان الرجل ممن يرجو نوافله، ويؤمل نائله ورفده (6)، وكان لا يسأل عليا ولا غيره شيئا، فقال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: والله ما سألك فلان، ولقد كان يجزيه من الخمسة الاوساق وسق واحد.

فقال له أمير المؤمنين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) البغيبغة - تصغير البغبغ -: ضيعة أو عين بالمدينة، غزيرة كثيرة النخل لآل رسول الله (ص). النوافل: العطايا. وكذلك الرفد والنائل. والضمير في قوله: (نوافله ونائله ورفده) راجع الى أمير المؤمنين (ع) كما هو الظاهر.

 

[278]

عليه السلام: لا كثر الله في المؤمنين ضربك، أعطي أنا وتبخل انت ! لله انت، إذا انا لم اعط الذي يرجوني الا من بعد المسألة، ثم اعطيه بعد المسألة، فلم أعطه ثمن ما أخذت منه، وذلك لاني عرضته ان يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عند تعبده له، وطلب حوائجه إليه، فمن فعل هذا بأخيه المسلم، وقد عرف انه موضع لصلته ومعروفه، فلم يصدق الله عز وجل في دعائه له، حيث يتمنى له الجنة بلسانه، ويبخل عليه بالحطام من ماله، وذلك ان العبد قد يقول في دعائه: (اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) فإذا دعا لهم بالمغفرة، فقد طلب لهم الجنة، فما انصف من فعل هذا بالقول ولم يحققه بالفعل.

وفي الحديث الرابع، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة، من الكافي: ج 4، ص 24 مسندا عن الحارث الهمداني (ره) قال: سامرت أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقلت: يا امير المؤمنين عرضت لي حاجة.

قال: فرأيتني لها أهلا ؟ (7) قلت: نعم يا امير المؤمنين.

قله: جزاك الله عني خيرا.

ثم قام الى السراج فأغشاها وجلس، ثم قال: انما اغشيت السراج لئلا أرى ذل حاجتك في وجهك، فتكلم فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (الحوائج امانة من الله في صدور العباد، فمن كتمها كتبت له عبادة، ومن أفشاها كان حقا على من سمعها ان يعينه.

وفي الحديث (21) من الباب (102) من البحار: ج 9، ص 517، س 2 عكسا نقلا عن جامع الاخبار، انه جاء اعرابي الى امير المؤمنين (ع) فقال: يا امير المؤمنين اني مأخوذ بثلاث علل: علة النفس وعلة الفقر وعلة الجهل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) المسامرة: المؤانسة بالتحادث ليلا. ولعل معنى قوله (ع): (رأيتني لها أهلا) ان حاجتك هل من سنخ ما يطلب من مثلي ويرفع الي، أم ليست كذلك.

 

[279]

فأجابه امير المؤمنين (ع) وقال: يا أخا لاعرب، علة النفس تعرض على الطبيب، وعلة الجهل تعرض على العالم، وعلة الفقر تعرض على الكريم.

فقال الاعرابي: يا امير المؤمنين أنت الكريم، وأنت العالم، وأنت الطبيب.

فأمر امير المؤمنين بأن يعطى له من بيت المال ثلاثة الاف درهم، وقال له: تنفق ألفا بعلة النفس، والفا بعلة الجهل، والفا بعلة الفقر.

وروى الصدوق (ره) في الحديث العاشر، من المجلس (46) من الامالي ص 164، معنعنا: ان رجلا جاء الى امير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين ان لي اليك حاجة، فقال: اكتبها في الارض فاني أرى الضر عليك بينا، فكتب في الارض: أنا فقير محتاج.

فقال (ع): يا قنبر اكسه حلتين.

فأنشأ الرجل يقول:

كسوتني حلة تبلى محاسنها * فسوف اكسوك من حسن الثنا حللا

ان نلت حسن ثنائي نلت مكرمة * ولست تبغي بما قد نلته بدلا

ان الثناء ليحيي ذكر صاحبه * كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * فكل عبد سيجزى بالذي فعلا

فقال عليه السلام أعطوه مأة دينار.

فقيل: يا امير المؤمنين أغنيته.

فقال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (انزل الناس منازلهم) ثم قال (ع): اني لاعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم، ولا يشترون الاحرار بمعروفهم (8).

ورواه عنه في الحديث السابع، من الباب (102) من البحار: 41 ص 35.

وروى ابن شهر اشوب (ره) عن ابي السعادات، في فضائل العشرة: انه (ع) كان يحارب رجلا من المشركين، فقال المشرك: يا بن ابي طالب هبني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) ورواه في مستدرك الوسائل: 1، ص 533، بطرق اخر أيضا.

 

[280]

سيفك.

فرماه إليه، فقال المشرك: عجبا يا بن ابي طالب في مثل هذا الوقت تدفع الي سيفك ! فقال: انك مددت يد المسأة الي، وليس من الكرم ان يرد السائل.

فرمى الكافر نفسه الى الارض وقال: هذه سيرة أهل الدين، فقبل قدمه وأسلم.

وقال الإمام المجتبى عليه السلام: فوت الحاجة خير من طلبها الى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلق، والعبادة انتظار الفرج (9).

وقال (ع): لا تأت رجلا الا ان ترجو نواله، أو تخاف يده، أو تستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، أو تصل رحما بينك وبينه.

وروى الغزالي، في بيان فضيلة السخاء، من كتاب ذم المال، من احياء العلوم، انه رفع رجل الى الحسن بن علي عليه ما السلام رقعة.

فقال (ع): حاجتك مقضية.

فقيل له: يا بن رسول الله لو نظرت في رقعته، ثم رددت الجواب على قدر ذلك.

فقال: يسألني الله تعالى عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته.

وقال (ع): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها.

قيل يا بن رسول الله ومن أهلها ؟ قال: الذين قص الله في كتابه ذكرهم فقال: (انما يتذكر اولوا الالباب) قال: هم اهل العقول (10).

وفي البحار ج 17، ص 67، ط الكمباني، وفي ط الجديدة في المجلد (77) ص 235، نقلا عن كتاب العدد القوية للشيخ الفقيه رضي الدين علي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) كذا في قصة وفاة الامام الحسن (ع) من تاريخ اليعقوبي: 2، ص 215، ط النجف.

(10) كما في وصايا الامام الكاظم (ع) من تحف العقول، والبحار: 17، ص 199. والحديث (12) من كتاب العقل والجهل، من الكافي: 1، ص 19. والآية هي الاية التاسعة عشرة من سورة الرعد: 13.

 

[281]

ابن يوسف بن المطهر أخي العلامة (ره) (قيل: وقف رجل على الحسين بن علي عليهما السلام فقال: يا بن أمير المؤمنين بالذي انعم عليك بهذه النعمة التي ما نلتها منه بشفيع منك إليه، بل انعاما منه عليك، الا ما انصفتني من خصمي، فان غشوم ظلوم، لا يوقر الشيخ الكبير، ولا يرحم الطفل الصغير.

وكان (ع) متكئا فاستوى جالسا، وقال له: من خصمك حتى انتصف لك منه ؟ فقال له: الفقر.

فأطرق عليه السلام ساعة، ثم رفع رأسه الى خادمه وقال: احضر ما عندك من موجود، فاحضر خمسة الاف درهم، فقال: ادفعها إليه، ثم قال له: بحق هذه الاقسام التي اقسمت بها علي، متى أتاك خصمك جائرا الا ما اتيتني منه متظلما).

وجاءه أعرابي فقال (ع): أعطوه ما في الخزانة، فكان عشرين الف درهم، فقال: يا مولاي الا تركتني أبوح بحاجتي، وانشر مدحتي.

فأنشأ عليه السلام:

نحن اناس نوالنا خضل * يرتع فيها الرجاء والامل

لو علم البحر فضل نائلنا * لغاض من بعد فيضه خجل

رواه الشبلنجي في كتاب نور الابصار ص 111.

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق: 66، ص 445: قرأت على ابي محمد طاهر بن سهل بن بشر، عن ابي الحسن بن مسري (11) - حيلولة - وأنبأنا أبو محمد ابن الاكفاني، انبأنا أبو الحسن علي بن الحسين بن احمد ابن صصري، أنبأنا أبو منصور طاهر بن العباس بن منصور المروزي العماري بمكة، انبأنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن احمد بن جعفر السقطي بمكة، أنبأنا اسحاق بن محمد بن اسحاق السوسي، انبأنا أبو بكر محمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) هذا ظاهر ما في النسخة. والمراد من الحيلولة هو فصل سند أو اسناد بين متن الرواية والسند الاول.

 

[282]

ابن احمد بن صديق، أنبأنا أبو بكر محمد بن ابراهيم العوامي، حدثني ابن الاعرابي، عن المبرد، حدثني المازني، قال قال الاصمعي: عرضت على معاوية جارية فأعجبته، فسأل عن ثمنها، فإذا ثمنها مأة الف درهم، فابتاعها ونظر الى عمرو بن العاص، فقال لمن تصلح هذه الجارية.

قال لامير المؤمنين.

قال: ثم نظر الى غيره فقال له كذلك.

قال: لا.

قيل لمن ؟ قال: للحسين بن علي بن ابي طالب، فانه احق بها لما له من الشرف، ولما كان بيننا وبين أبيه (12) فأهداها له، فأمر من يقوم عليها، فلما مضت اربعون يوما حملها وحمل معها اموالا عظيمة وكسوة وغير ذلك، وكتب: ان امير المؤمنين اشترى جارية فأعجبته فأثرك بها.

فلما قدمت على الحسين بن علي أدخلت عليه، فأعجب بجمالها فقال لها:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) هيهات، هيهات، لو كان ينفع اهداء أخوال معاوية لطبق من الرطب في الطائف الى النبي (ص) وهو جائع مجروح، لكان اهداء معاوية جارية الى الحسين (ع) ينفعه، ولو كان اهداء بعض ملوك الشام هاجر الى سارة امرأة الخليل (ع) ينجي المهدي ويخلصه من النار وهو كافر مقيم على الكفر، لكان اهاء معاوية ينجيه من وبال غضب الخلافة، وهضم أهل بيت النبوة، وقتل أولياء الله، ومحاربة نبي الله، وذلك لما تواتر عن النبي (ص) من قوله لعلي (ع): (يا علي حربك حربي) الى غير ذلك مما اتفق الفريقان عليه من الاقوال الصادرة عنه (ص) ومخالفة معاوية له واصراره عليه.

وهل مثل اهداء معاوية الا كمثل من يسيطر على أموال مؤمن ويصادرها ويغتصبها، ثم يرسل إليه بشربة من ماء بئره، أو بجذوة من ناره ! !.

ومن هذه الجهة وغيرها مما لا يحصى، كان أمير المؤمنين (ع) يظهر التألم من صنع أمثال معاوية، ويقول: ان بني امية ليفوقونني تراث محمد تفويقا، والله لئن بقيت لهم لانفضنهم نفض اللحام الوذام التربة.

كما في المختار (76) من خطب نهج البلاغة، ط ايران.

 

[283]

ما اسمك ؟ فقالت: هوى.

قال أنت هوى (كذا) كما سميت، هل تحسنين شيئا ؟ قالت: نعم، أقرأ القرآن وانشد الاشعار.

قال: اقرئي، فقرأت: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو.

قال: انشديني، قالت: ولي الامان.

قال: نعم.

فأنشأت تقول:

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير ان لا بقاء للانسان

فبكى الحسين، ثم قال: انت حرة، وما بعث به معاوية معك فهو لك.

ثم قال لها هل قلت في معاوية شيئا ؟ فقالت [نعم قلت فيه]:

رأيت الفتى يمضي ويجمع جهده * رجاء الغنى والوارثون قعود

وما للفتى الا نصيب من التقى * إذا فارق الدنيا عليه يعود

فأمر (ع) لها بألف دينار، واخرجها، ثم قال: رأيت ابي كثيرا ما ينشد:

ومن يطلب الدنيا لحال تسره * فسوف لعمري عن قليل يلومها

إذا ادبرت كانت على المرء فتنة * وان اقبلت كانت قليلا دوامها

ثم بكى (ع) وقام الى صلاته.

وجاء رجل من الأنصار، الى السبط الشهيد عليه السلام يريد ان يسأله حاجته، فقال (ع): يا أخا الأنصار صن وجهك عن ذلة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، وات بها، سأسرك إن شاء الله.

فكتب إليه: يا أبا عبد الله ان لفلان علي خمس مأة دينار، وقد ألح بي، فكلمه ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل منزله فاخرج صرة فيها الف دينار، (فدفع إليه) وقال له: أما خمس مأة فاقض بها دينك، وأما خمس مأة فاستعن بها دهرك ولا ترفع حاجتك إلا الى أحد ثلاثة: الى ذي دين أو مروءة أو حسب، أما ذو الدين فيصون دينه، وأما ذو المروءة فانه يستحي لمروءته، وأما ذوب الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله في حاجتك فهو يصون وجهك ان يردك

 

[284]

بغير قضاء حاجتك (13).

وقال (ع): طلب الحوائج الى الناس مذلة الحياة، ومذهبة للحياء، واستخفاف بالوقار، وهو الفقر الحاضر، وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغني الحاضر (14).

وأتاه رجل فسأله، فقال (ع): ان المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو حمالة مفضعة.

فقال الرجل: ما جئت الا في احداهن فأمر له بمأة دينار (15).

وقال النيشابوري في تفسير الاية (32) من سورة البقرة، من تفسيره ج 1، 83: ويحكى ان أعرابيا سأل الحسين بن علي (ع) حاجة وقال: سمعت جدك يقول: إذا سألتم حاجة فاسألوها من أوجه اربعة: اما عربيا شريفا أو مولى كريما، أو حامل القران، أو صاحب الوجه الصبيح، أما العرب فشرفت بجدك واما الكرم فدأبكم وسيرتكم، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل، وأما الوجه الصبيح فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا أردتم أن تنظروا الي فانظروا الى الحسن والحسين (ع).

فقال الحسين (ع): ما حاجتك ؟ فكتبها على الارض.

فقال الحسين (ع): سمعت أبي عليا (ع): يقول: قيمة كل امرء ما يحسنه.

وسمعت جدي يقول: المعروف بقدر المعرفة.

فأسألك عن ثلاث مسائل، إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما معي، وان أجبت عن ثنتين فلك ثلثا ما عندي، وان أجبت عن الثلاثة فلك كل ما عندي.

وقد حمل الى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) المختار الثاني عشر، من قصار كلامه (ع)، في تحف العقول 176، ط النجف، ورواه عنه في البحار: 17، اول ص 149، ط الكمباني.

(14) رواه في البحار: ج 17، ص 153، س 12، عكسا، ط الكمباني.

(15) المختار التاسع من قصار كلامه (ع) في تحف العقول 175، ط النجف.

 

[285]

الحسين صرة مختومة من العراق، فقال: سل ولا قوة الا بالله.

فقال عليه السلام: أي الاعمال أفضل ؟ قال الاعرابي: الايمان بالله.

قال: فما نجاة العبد من الهلكة ؟ قال: الثقة بالله.

قال: فما يزين المرء ؟ قال: علم معه حلم.

قال: فان أخطأ ذلك ؟ قال: فمال معه كرم.

قال: فان أخطأ ذلك ؟ قال: فقر معه صبر.

قال: فان أخطأ ذلك ؟ قال: فصاعقة من السماء فتحرقه.

فضحك الحسين (ع) ورمى بالصرة إليه.

وروى العلامة النوري (ره) في الحديث الخامس، من الباب السابع عشر، من أبواب الصدقة، من كتاب الزكاة، من مستدرك الوسائل: 1، 536، عن السيد ولي الله الرضوي، في كتاب: مجمع البحرين في مناقب السبطين) عن الحسن البصري قال: كان الحسين عليه السلام سيدا، زاهدا، ورعا، صالحا، ناصحا، حسن الخلق، فذهب ذات يوم مع أصحابه الى بستان له، وكان له في ذلك البستان غلام يقال (ظ) له: صافي، فلما قرب من البستان رأى الغلام يرفع الرغيف فيرمي بنصفه الى الكلب ويأكل نصفه فتعجب الحسين عليه السلام من فعل الغلام، فلما فرغ من الاكل، قال: الحمد لله رب العالمين، اللهم اغفر لي ولسيدي، وبارك له كما باركت على أبويه يا أرحم الراحمين.

فنادى الحسين عليه السلام: يا صافي.

فقام الغلام فزعا وقال: يا سيدي وسيد المؤمنين الى يوم القيامة، اني ما رأيتك، فأعف عني.

فقال الحسين عليه السلام: يا صافي اجعلني في حل، دخلت بستانك بغير اذنك.

فقال صافي: بفضلك وكرمك وسؤددك تقول هذا.

فقال الحسين عليه اسلام: اني رأيتك ترمي بنصف الرغيف الى الكلب، وتأكل نصفه فما معنى ذلك ؟ فقال الغلام: يا سيدي ان الكلب ينظر الي حين أكل، فأستحيي منه لنظره الي، وهذا كلبك يحرس بستانك من الاعداء، وأنا عبدك وهذا

 

[286]

كلبك فأكل من رزقك معا.

فبكى الحسين عليه السلام ثم قال: ان كان كذلك فأنت عتيق لله، ووهب له ألف دينار، فقال الغلام: ان أعتقتني فاني أريد القيام ببستانك.

فقال الحسين عليه لسلام: ان الكريم إذا تكلم بكلام ينبغي أن يصدقه بالفعل، البستان ايضا وهبته لك، واني لما دخلت البستان قلت: اجعلني في حل فاني قد دخلت بستانك بغير اذنك، [وقد وهبتك البستان بما فيه ظ] غير ان هؤلاء أصحابي لاكلهم الثمار والرطب فأجعلهم أضيافك وأكرمهم لأجلي، أكرمك الله يوم القيامة، وبارك لك في حسن خلقك ورأيك.

فقال الغلام: ان وهبت لي بستانك فاني قد سبلته لاصحابك.

قال السيد الامين تغمده الله برضوانه، في أعيان الشيعة، في القسم الاول، من الجزء الرابع ص 52، ط 2: وروى أحمد بن سليمان بن علي البحراني في كتاب (عقد اللآل في مناقب الآل): ان الحسين (ع) كان جالسا في مسجد جده رسول الله (ص) بعد وفاة اخيه الحسن (ع)، وكان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية المسجد، وعتبة بن ابي سفيان في ناحية اخرى، فجاء اعرابي على ناقة، فعقلها بباب المسجد، ودخل فوقف على عتبة بن ابي سفيان فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال له الاعرابي: اني قتلت ابن عم لي، وطولبت بالدية، فهل لك ان تعطيني شيئا ؟ فرفع رأسه الى غلامه وقال: ادفع إليه مأة درهم.

فقال الاعرابي: ما اريد الا الدية تماما.

ثم تركه وأتى عبد الله بن الزبير، وقال له مثل ما قال لعتبة.

فقال عبد الله لغلامه: ادفع إليه مأتي درهم.

فقال الاعرابي: ما اريد الا الدية تماما.

ثم تركه واتى الحسين (ع) فسلم عليه، وقال: يا بن رسول الله اني قتلت ابن عم لي، وقد طولبت بالدية، فهل لك ان تعطيني شيئا ؟ فقال له: نحن قوم لا نعطي المعروف الا على قدر المعرفة.

فقال: سل ما تريد.

فقال له الحسين: يا اعرابي ما النجاة من الهلكة ؟ قال: التوكل

 

[287]

على الله عز وجل.

فقال: وما الهمة ؟ قال: الثقة بالله.

ثم سأله الحسين عليه السلام غير ذلك.

واجاب الاعرابي.

فأمر له الحسين (- ع) بعشرة الاف درهم، وقال له: هذه لقضاء ديونك، وعشرة الاف درهم أخرى وقال: هذه تلم بها شعثك، وتحسن بها حالك وتنفق منها على عيالك، فأنشأ الاعرابي يقول:

طربت وما هاج لي معبق * ولا لي مقام ولا معشق

ولكن طربت لآل الرسو * ل فلذ لي الشعر والمنطق

هم الا كرمون هم الا نجبون * نجوم السماء بهم تشرق

سبقت الانام الى المكرمات * فقصر عن سبقك السبق

بكم فتح الله باب الرشاد * وباب الفساد بكم مغلق

وروى ابن عساكر معنعنا - في تاريخ الشام: ج 13، ص 56 في ترجمة سبط رسول الله وريحانته الامام الحسين عليه السلام: ان سائلا خرج يتخطي أزقه المدينة، حتى اتى باب الحسين عليه السلام، فقرع الباب وانشد يقول:

لم يخب اليوم من رجاك ومن * حرك من خلف بابك الحلقة

فأنت ذو الجود أنت معدنه * ابوك قد كان قاتل الفسقة

وكان الحسين واقفا يصلي، فخفف من صلاته وخرج الى الاعرابي، فرأى أثر ضر وفاقة، فرجع ونادى بقنبر، فأجابه لبيك يابن رسول الله (ص).

قال: ما تبقى معك من نفقتنا ؟ قال: مأتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك.

فقال: هاتها، فقد اتى من هو أحق بها منهم، فأخذها وخرج يدفعها الى الاعرابي وانشأ يقول:

خذها فاني اليك معتذر * واعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا * كانت سمانا عليك مندفقة

 

[288]

لكن ريب الزمان ذو نكد * والكف منا قليلة النفقة

فأخذها الاعرابي وولى وهو يقول:

مطهرون نقيات جيوبهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

وأنتم أنتم الاعلون عندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور

من لم يكن علويا حين تنسبه * فماله في جميع الناس مفتخر

وفي ترجم محمد بن ادريس بن ابراهيم (ابي الحسن الاصبهاني) من تاريخ دمشق: ج 47، ص 114 قال: اخبرنا أبو القاسم علي بن ابراهيم قراءة، انبأنا القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمان بن عبد الله بن علي ابن ابي العجائز، انبأنا ابي، انبأنا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي، حدثني أبو الحسن محمد بن ادريس بن ابراهيم الاصبهاني، اخبرني احمد بن محمد البزاز الرازي باصبهان، اخبرني أبو زرعة الرازي، اخبرني فلان - باسناد ذكره -: ان الحسين بن علي بن ابي طالب دفع ذات يوم الى سائل عشرة آلاف درهم، فقالت له جارية له يقال لها فضة: والله لقد اسرفت يا بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: يا فضة وانشأ يقول:

إذا جمعت مالا يداي ولم انل * فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي

اريني بخيلا نال خلدا ببخله * وهات أريني باذلا مات من هزل

على الله اخلاف الذي اتلفت يدي * فلا مهلكي بذلي ولا مخلدي بخلي

وفي العقد الفريد: 2، 271، ط 2: قال الشيباني: أقبل اعرابي الى مالك بن طوق فأقام بالرحبة حينا - وكان الاعرابي من بني أسد صعلوكا في عباءة صوف وشملة شعر - فكلما اراد الدخول منعه الحجاب وشتمه العبيد وضربه الاشراط، فلما كان في بعض الايام خرج مالك بن طوق يريد التنزه حول الرحبة، فعارضه الاعرابي، فضربوه ومنعوه، فلم يثنه ذلك

 

[289]

حتى أخذ بعنان فرسه، ثم قال: أيها الامير اني عائذ بالله من اشراطك هؤلاء.

فقال مالك: دعوا الاعرابي، هل من حاجة يا اعرابي ؟ قال نعم - أصلح الله الامير - ان تصغي الي بسمعك، وتنظر الي بطرفك، وتقبل الي بوجهك.

قال: نعم.

فأنشأ الاعرابي يقول:

ببابك دون الناس أنزلت حاجتي * واقبلت أسعى حوله وأطوف

ويمنعني الحجاب والستر مسبل * وانت بعيد والشروط صفوف

يدورون حولي في الجلوس كأنهم * ذئاب جياع بينهن خروف

فأما وقد أبصرت وجهك مقبلا * فأصرف عنه انني لضعيف

ومالي من الدنيا سواك ولا لمن * تركت ورائي مربع ومصيف

وقد علم الحيان قيس وخندف * ومن هو فيها نازل وحليف

تخطي أعناق الملوك ورحلتي اليك وقد حنت اليك صروف

فجئتك أبغي اليسر منك فمر بي * ببابك من ضرب العبيد صنوف

فلا تجعلن لي نحو بابك عودة * فقلبي من ضرب الشروط مخوف

فاستضحك مالك حتى كاد ان يسقط عن فرسه، ثم قال لمن حوله: من يعطيه درهما بدرهمين وثوبا بثوبين، فوقعت عليه الثياب والدارهم من كل جانب، حتى تحير الاعرابي، ثم قال له: هل بقيت لك حاجة يا أعرابي ؟ قال أما اليك فلا.

قال: فالي من ؟ قال: الى الله، ان يبقيك للعرب، فانها لا تزال بخير ما بقيت لها.

وأيضا قال ابن عبد ربه تحت الرقم الاول، من كتاب كلام الاعراب، من العقد الفريد: 2، 276 س 3، ط 2: سأل أعرابي شيخا من بني مروان - وحوله قوم جلوس - وقال: أصابتنا سنة، ولي بضع عشرة بنتا.

فقال الشيخ:، أما السنة فوددت والله أن بينك وبين السماء صفائح من حديد، ويكون مسيلها مما يليني فلا تقطر عليكم، وأما البنات فليت

 

[290]

الله أضعفهن لك أضعافا مضاعفة، وجعلك بينهن مقطوع اليدين والرجلين، ليس لهن كاسب غيرك ! ! فنظر إليه الاعرابي ثم قال: والله ما أدري ما أقول لك، ولكن أراك قبيح المنظر، سئ الخلق، فأعضك الله ببظر أمهات هؤلاء الجلوس حولك.

وفى الحديث السادس، من المجلس (23) من ا مالي الشيخ المفيد - ره) معنعنا، عن الامام السجاد (ع) انه قال: أظهر اليأس من الناس، فان ذلك من الغنى، وأقل طلب الحوائج إليهم، فان ذلك فقر حاضر، واياك وما يعتذر منه، وصل صلاة مودع، وان استطعت أن تكون اليوم خيرا منك [من ظ] أمس، وغدا خيرا [منك ظ] من اليوم فأفعل.

وقال عليه السلام: طلب الحوائج الى الناس مذلة للحياة، ومذهبة للحياء، واستخفاف بالوقار، وهو الفقر الحاضر، وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر.

الحديث (12) من كلمه (ع) في تحف العقول ص 201.

وأيضا في تحف العقول 305 عنه (ع) انه قال لأبنه محمد عليهما السلام: افعل الخير الى كل من طلبه منك، فان كان اهله فقد اصبت موضعه، وان لم يكن بأهل كنت انت اهله، وان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الى يسارك واعتذر اليك فاقبل عذره.

وروى ثقة الاسلام الكليني (ره) في الحديث الاول، من الباب 16، من كتاب الزكاة، من الكافي: 4 ص 20، معنعنا عن الامام الباقر عليه السلام انه قال: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل احد احدا، ولو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد احدا.

وقريب منه في الحديث (69) من كلمه، في تحف العقول ص 220 وقال (ع): ان الله تبارك وتعالى جعل الرحمة في قلوب رحماء خلقه،

 

[291]

فاطلبوا الحوائج منهم، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فان الله تبارك وتعالى أحل غضبه بهم.

ورواه في الحديث (370) من الاختصاص 240.

وفي الحديث (26) من كلمه من تحف العقول 215، عنه (ع): انما مثل الحاجة الى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الافعى، انت إليه محتاج (ظ) وانت منها على خطر.

وفي الحديث (64) من كلمه (ع) في تحف العقول ص 219: من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأ، ومن اضعف كان شكورا، ومن شكر كان كريما، ومن علم أن ما صنع كان الى نفسه لم يستبطئ الناس في شكر كان ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته الى نفسك، ووقيت به عرضك، واعلم ان طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن رده.

وفي الحديث الثاني، من الباب 16، من كتاب الزكاة من الكافي: ج 4 ص 20، معنعنا عن الامام الصادق عليه السلام قال: اياكم وسؤال الناس، فانه ذل في الدنيا وفقر تعجلونه، وحساب طويل يوم القيامة.

وفي الحديث الخامس، من الباب الثامن عشر، منه معنعنا عنه (ع) قال: ما توسل الي أحد بوسيلة، ولا تذرع بذريعة أقرب له الى ما يريده مني من رجل سلف إليه مني يد أتبعتها أختها وأحسنت ربها فاني رأيت منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل، ولا سخت نفسي برد بكر الحوائج.

ومثله في الحديث (48) من كلم الامام الباقر (ع) من تحف العقول ص 217.

وقريب منه في ترجمة محمد المهدي العباسي من تاريخ دمشق: ج 49.

وفي الحديث (26) من قصار كلامه (ع) في تحف العقول: فوت

 

[292]

الحاجة خير من طلبها الى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلق منها.

وفيه ص 272، في المختار (89) عنه (ع) انه قال لداود الرقي: تدخل يدك في فم التنين الى المرفق، خير لك من طلب الحوائج الى من لم يكن فكان.

وفي الحديث (370) من كتاب الاختصاص ص 240 عنه (ع) قال: ان الله تبارك وتعالى جعل الرحمة في قلوب رحماء خلقه، فأطلبوا الحوائج منهم، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم، فان الله تبارك وتعالى أحل غضبه بهم.

وفي الحديث السابع، من الباب السادس عشر، من كتاب الزكاة، من الكافي: ج 4 ص 21، معنعنا عن ابن رمانة، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فذكرت له بعض حالي، فقال: يا جارية هات ذلك الكيس، هذه أربعمأة دينار وصلني بها أبو جعفر [المنصور] فخذها وتفرج بها.

فقلت: لا والله جعلت فداك ما هذا دهري، ولكن أحببت أن تدعو الله عز وجل لي.

فقال: اني سأفعل، ولكن اياك أن تخبر الناس بكل حالك فتهون عليهم.

وقال الامام الكاظم عليه السلام في وصاياه لهشام بن الحكم (ره): يا هشام اياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من المخلوقين فان الطمع مفتاح الذل، واختلاس العقل، واختلاق المروآت (كذا) وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه، وجاهد نفسك لتردها عن هواها، فانه واجب عليك كجهاد عدوك الخ (16).

وفي المختار (39) من قصار كلامه (ع) في تحف العقول ص 309،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(16) تحف العقول 298، ورواه عنه في البحار: 1، ص 44، وما بعدها وج 17، ص 197، وما بعدها..

 

[293]

ط النجف، و 413، ط طهران: روي انه (ع) مر برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض (ع) عليه نفسه في القيام بحاجة ان عرضت له.

فقيل له: يا بن رسول الله أتنزل الى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو اليك أحوج ؟ ! فقال (ع): عبد من عبيد الله، وأخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله، يجمعنا واياه خير الآباء: آدم (ع) وأفضل الاديان: الاسلام ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه فيرانا - بعد الزهو عليه - متواضعين بين يديه، ثم قال (ع):

نواصل من لا يستحق وصالنا * مخافة أن نبقى بغير صديق

وفي المختار (30) منه، عنه (ع) لا تصلح المسألة الا في ثلاثة: في دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدقعة.

وقال الامام الرضا عليه السلام: خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشئ من الدنيا والآخرة، من لم تعرف الوثاقة في أرومته، والكرم في طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة لربه (17).

وفي الحديث الثالث، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة، من الكافي، ج 4، ص 23 معنعنا عن اليسع بن حمزة قال: كنت في مجلس أبي الحسن الرضا عليه السلام أحدثه، وقد اجتمع عليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام، إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال: السلام عليك يا بن رسول الله، رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك عليهم السلام، مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فان رأيت أن تنهضني الى بلدي ولله علي نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك، فلست موضع صدقة.

فقال له: اجلس رحمك الله، وأقبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) المختار (31) من قصار كلامه (ع) في تحف العقول ص 232، وفى ط ص 446.

 

[294]

على الناس يحدثهم حتى تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا، فقال: أتأذنون لي في الدخول ؟ فقال له سليمان: قدم الله أمرك.

فقام فدخل الحجرة، وبقي ساعة، ثم خرج ورد الباب، وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: أين الخراساني ؟ فقال: ها أناذا.

فقال: خذ هذه المأتي دينار، واستعن بها في معونتك ونفقتك، وتبرك بها ولا تصدق بها عني، وأخرج فلا أراك ولا تراني، ثم خرج.

فقال له سليمان: جعلت فداك، لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه ؟ فقال: مخافة ان أرى ذل السؤال في وجهه، لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له) (18)، أما سمعت قول الاول:

متى آته يوما لأطلب حاجة * رجعت الى أهلي ووجهي بمائة

وقال الامام العسكري عليه السلام: ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك، فان لكل يوم رزقا جديدا، وأعلم ان الالحاح في المطالب يسلب البهاء، ويورث التعب والعناء، فأصبر حتى يفتح الله لك بابا يسهل الدخول فيه، فما أقرب الصنع من الملهوف، والامن من الهارب المخوف، فربما كانت الغير نوع من أدب الله، والحظوظ مراتب، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك، وانما تنالها في أوانها، واعلم أن المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك، ولا تعجل بحوائجك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) المستفاد من أستشهاده (ع) لعلمه بقول الرسول (ص): (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجة) ان المراد بالاستتار معناه العام اي يستتر بحسنه حتى عن المتصدق عليه والمحسن إليه، بحيث لا يعرفه أو لا يراه، وهذا مخصص بالادلة المنفصلة ببعض الحسنات كالصدقات المستحبة وما يضاهيها، كما ان قوله (ص) (والمستتر بالسيئة مغفور له) يراد منه لصغائر من الذنوب وما بحكمها، لا العموم، والتفصيل في علم الفقه والكلام.

 

[295]

قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط - الخ (19).

وقال (ع): نائل الكريم يحببك إليه، ونائل اللئيم يضعك لديه (20).

وينبغي أن نذكر قبسا من افادات الحكماء والاكابر أيضا تتميما للفائدة.

قال بعض الحكماء: ينبغي للعاقل أن يكون في دنياه كالمدعو الى الوليمة، ان أتته صحفة تناولها، وان جازته لم يرصدها ولم يطلبها.

وفي كتاب الرحمة لهرمس: القناعة أمنع عز، والاستعانة بالله أحصن حرز.

وقال بزرجمهر: إذ أنجز رجل وعده من معروفه فقد أحرز مع فضيلة الجود شرف الصدق.

وسئل أنوشروان: أي الاشياء أمر مرارة ؟ قال: الحاجة الى الناس إذا طلبت من غير أهلها.

وقال أكثم بن صيفي: كل السؤال وان قل، أكثر من كل نوال وان جل.

وقيل لأعرابي: من أحق الناس بالرحمة ؟ قال: الكريم يسلط عليه اللئيم، والعاقل يسلط عليه الجاهل.

وقال آخر: حسبك من فساد الدنيا انك ترى أسنمة توضع، وأخفافا ترفع، والخير يطلب عند غير أهله، والفقر قد حل غير محله.

وقال آخر لأخ له: قد نهيتك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه، فان حظك من عطيته السؤال.

وقال بطلميوس: من قبل عطيتك فقد أعانك على البر والكرم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) رواه عنه (ع) في البحار: 17، 218. وج 23 ص 10، عن اعلام الدين للديلمي.

(20) البحار: 17، 218، نقلا عن الدرة الباهرة.

 

[296]

وقال آخر: ذ أمكنك الرجل من أن تصنع معروفك عنده، فيده عندك مثل يدك عنده، وإذا أصابك من هم نزل به أو خوف تدفعه عنه، فلم تبذل دمك دونه فقد قصرت بحسبك عنده، ولو أن أهل البخل لم يدخل عليهم الا سوء ظنهم بالله لكان ذلك عظيما.

وقيل لقس بن ساعدة: ما أفضل المعرفة ؟ قال: معرفة الرجل نفسه.

قيل له: فما أفضل العلم ؟ قال: وقوف المرء عند علمه.

قيل له: فما أفضل المروءة ؟ قال: استبقاء الرجل ماء وجهه.

وقال بعضهم: أعيى ما يكون الكريم إذا سأل حاجة لنفسه، وأعيى ما يكون الحكيم إذا خاطب سفيها.

وقال بعض آخر: لا تعدن معروفا نلته (21) وان كان حظا نفيسا بعد ابتذال قدرك واراقة ماء وجهك، فان الذي فقدت من عز الصيانة اكثر من قدر العائدة، وقيمة ما بذلت أعظم من الذي حزت من قضاء وطرك.

وقال التميمي: لا تطلبوا الحوائج الى ثلاثة: الى عبد يقول: الامر لغيري، والى رجل حديث العهد بالغنى، والى صيرفي همته أن يسرق أو يسترجح في كل مأة دينار حبة.

وقال أرسطا طاليس: إذا دخلتم الى الكرام فعليكم بتخفيف الكلام، وتقليل الطعام، وتعجيل القيام.

وقف أعرابي على قوم يسألهم، فقالوا: من أنت ؟ فقال: ان سوء الاكتساب يمنعني من الانتساب.

وقال بعض الحكماء: من لم يستوحش من ذل السؤال لم يأنف من لؤم الرد.

وقال بعض الاماجد: ما رددت أحدا عن حاجة الا تبينت العزة في قفاها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) كذا في النسخة، ولعل الصواب: لا تعدن معروفا ما نلته الخ.

 

[297]

والذل في وجهي.

وكان بعض الحكماء يقول: لا تطلب من الكريم يسيرا فتكون عنده حقيرا.

وقال بعضهم: من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فان قضاها المسئول عنه استعبده بها، وان رده عنها رجع كلاهما ذليلا، هذا بذل البخل، وذاك بذل الرد.

وقال ابن السماك: من يهرب منك ان سألته فلا تسأله، ولكن سل من أمرك أن تسأله.

وقال غيره: نحن نسأل أهل زماننا الحافا وهم يعطوننا كرها، فلا هم يثابون، ولا نحن يبارك لنا.

وقالت أعرابية لابنها: يا بني ان سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم، ومن افتقرت إليه هنت عليه، ولا تزال تحفظ وتكرم حتى تسأل وترغب، فإذا ألحت عليك الحاجة، ولزمك سوء الحال، فأجعل سؤالك الى من إليه حاجة السائل والمسئول، فانه يعطي السائل.

ويحسن أيضا أن نأتي بشطر من الحكم المنظومة مما أفاده الشعراء في مدح الصبر على القناعة، وذم السؤال.

نسب الى امير المؤمنين (ع):

ما اعتاض باذل وجهه بسواله * عوضا ولو نال المنى بسؤال

وإذا السؤال مع النوال قرنته * رجح السؤال وخف كل نوال

وإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضال

ان الكريم إذا حباك بموعد * أعطاكه سلسا بغير مطال (22)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) كما في المختار (23) من حرف اللام، من الديوان 112، ونسبها الامام الصادق (ع) في الحديث 5، من الباب الثامن عشر، من كتاب الزكاة من الكافي: 4 ص 25، الى الشاعر، الا انه لم يذكر الشطرين الاولين، وابتدأ بقوله: وإذا بليت ببذل وجهك - الخ.

وفيه ايضا: ان الجواد إذا حباك بموعد الخ.

ورواها عن الكافي في ترجمة الامام الصادق (ع) من البحار: 11، 115، ط الكمباني.

ومنه أخذ أبو العتاهية:

قست السؤال فكان أعظم قيمة * من كل عارفة جرت بسؤال

فإذا أبتليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضال

وإذا خشيت تعذرا في بلدة * فاشدد يديك بعاجل الترحال

واصبر على غير الزمان فانما * فرج الشدائد مثل حل عقال

 

[298]

وفي المختار (17) من حرف الباء:

وصن منك ماء الوجه لا تبذلنه * ولا تسأل الارذال فضل الرغائب

وفي المختار (20) من حرف الباء من الديوان ص 39:

لا تطلبن معيشة بمذلة * واربأ بنفسك عن دني المطلب

وإذا افتقرت فدا وفقرك بالغنى * عن كل ذي دنس كجلد الاجرب

فليرجعن اليك رزقك كله * لو كان أبعد من محل الكوكب

وأيضا نسب إليه (ع) في المختار 24، من حرف اللام، من الديوان:

بلوت الناس قرنا بعد قرن * فلم أر مثل مختال بمال

ولم أر في الخطوب أشد هولا * واصعب من معاداة الرجال

وذقت مرارة الاشياء طرا * فما طعم أمر من السؤال

 

[299]

وايضا نسب إليه (ع) في المختار (25) من حرف اللام من الديوان:

لنقل الصخر من قلل الجبال * أحب الي من منن الرجال

يقول الناس لي في الكسب عار * فقلت العار في ذل السؤال

وسأل سائل حاجة عن الامام الصادق (ع) فاسعف حاجته، فجعل السائل يشكره، فقال عليه السلام.

إذا ما طلبت خصال الندى * وقد عضك الدهر من جهده

فلا تطلبن الى كالح * أصاب اليسارة من كده

ولكن عليك بأهل العلى * ومن ورث المجد عن جده

فذاك إذا جئته طالبا * تحب اليسارة من جده (23)

وما أحسن ما قيل:

ليس يعتاظ باذل الوجه * عن بذل وجهه عوضا

كيف يعتاظ من أتاك وقد * صير الذل وجهه عرضا

وقال بعضهم:

ان كنت طالب حاجة فتجمل * فيها بأحسن ما قدرت وأجمل

ان الكريم أخا المروءة والنهى * من ليس في حاجاته بمثقل

وقال آخر:

سؤال الناس مفتاح عتيد * لباب الفقر فاكفف عن سؤال

وقال بشر الحافي(24):

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) البحار: 11، 111.

(24) وقال الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: 2، 391، طبعة الاسلامي: انها لابي هفان البصري.

 

[300]

أقسم بالله لمص النوى (25) * وشرب ماء القلب المالحة

أعز للانسان من حرصه (26) * ومن سؤال الاوجه الكالحة

فاستغن بالله تكن ذا الغنى (27) * مغتبطا بالصفقة الرابحة

اليأس عز والتقى سؤدد (28) * ورغبة النفس لها فاضحة (29)

من كانت الدنيا له برة (30) * فانها يوما له ذابحة

كم سالم(31) صيح به بغتة * وقائل عهدي به البارحة

أمسى وأمست عنده قينة * واصبحت تندبه نائحة

طوبى لمن كانت موازينه * يوم يلاقي ربه راجحة

وقال أيضا (32):

لمص الثماد وخرط القتاد * وشرب الاجاج أو ان الظما

على المرء أهون من ان يرى * ذليلا لخلق إذا أعدما

وخير لعينيك من منظر * الى ما بأيدي اللئام العمى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) وفى نسخة ابي الفتوح: لرضع النوى.

(26) وفى نسخة ابن ابي الحديد: أحسن بالانسان من ذلة.

(27) وفى ابي الفتوح: فاستغن باليأس وكن ذا غنى.

(28) وفى ابي الفتوح: الزهد عز - الخ. وفى شرح النهج: فالزهد عز - الخ.

(29) وفى شرح النهج لابن ابي الحديد: وذلة النفس - الخ.

(30) وفى ابي الفتوح: من يكن الدنيا به برة - الخ، وهذان الشطران غير موجودين في شرح ابن ابي الحديد على النهج.

(31) من هنا الى آخر الابيات غير مذكور في تفسير ابي الفتوح.

(32) على رواية ابن أبي ا لحديد في شرح المختار 404 من قصار النهج.

 

[301]

وقال محمد بن حازم (33):

لطي يوم وليلتين * ولبس طمرين باليين

أيسر من نعمة لقوم * أغض منها جفون عيني

اني وان كنت ذا عيال * قليل مال كثير دين

لاحمد الله حين صارت * حوائجي بينه وبيني

وله أيضا:

أشد من فاقة وجوع * مقام حر على خضوع

فاطلب غنى ما بقدر قوت * وأنت بالمنزل الرفيع

ولا تزد ثروة بمال * ينال بالذل والخشوع

وارحل إذا اجدبت بلاد * عنها الى الريف والربيع

لعل دهرا اتى بنحس * يكر بالسعد في الرجوع

وما أحلى ما أنشده القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز:

وما زلت منحازا بعرضي جانبا * من الذل اعتد الصيانة مغنما

إذا قيل هذا مشرب قلت قد ارى * ولكن نفس الحر تحتمل الظما

أنزهها عن بعض مالا يشينها * مخافة أقوال العدى: فيم أو لما

فأصبح عن عيب اللئيم مسلما * وقد رحت في نفس الكريم مكرما

فأقسم ما عز امرء حسنت له * مسامرة الاطماع ان بات معدما

يقولون لي: فيك انقباض وانما * رأوا رجلا عن موقف الذل محجما

أرى الناس من داناهم هان عندهم * ومن اكرمته عزة النفس اكرما

ولم أقض حق العلم ان كان كلما * بدا طمع صيرته لي سلما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(33) على ما رواه جمال المفسرين الشيخ أبو الفتوح الرازي قدس سره، في تفسير الآية - 275 - من سورة البقرة: 2.

 

[302]

ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي * لاخدم من لاقيت لكن لا خدما

ءأشقى به غرسا وأجنيه ذلة * إذا فاتباع الجهل قد كان احزما

ولو ان أهل اعلم صانوه صانهم * ولم عظموه في النفوس لعظما

ولكن أذلوه فهان ودنسوا محياه بالاطماع حتى تجهما

واني إذا ما فاتني الامر لم أبت * أقلب كفي إثره متندما

ولكنه ان جاء عفوا قبلته * وان مال لم اتبعه هلا وليتما

وكم طالب رقي بنعماه لم يصل * إليه وان كان الرئيس المعظما

وما كل برق لاح لي يستفزني * ولا كل أهل الارض أرضاه منعما

ولكن إذا ما اضطرني الامر لم أزل * أقلب فكري منجدا ثم متهما

الى ان ارى من لا أغص بذكره * إذا قلت: قد أسدى علي وانعما

فكم نعمة كانت على الحر نقمة وكم مغمنم يعتده الحر مغرما

وماذا عسى الدنيا وان جل خطبها * تنال به من صير الصبر معصما

ونعم ما قال العاصمي:

تسل فليس في الدنيا كريم * يلوذ به صغير أو كبير

وربع المجد ليس له انيس * وحزب الفضل ليس لهم نصير

وقائلة أراك على حمار * فقلت لان سادتنا حمير

وقال آخر:

ذل السؤال شجى في الحلق معترض * من دونه شرق من خلفه حرض

ما مال كفك ان جادت وان بخلت * من ماء وجهي ان افسدته عوض

وقال آخر:

يا أيها المنيع نبل الرجال * وطالب الحاجات من ذي النوال

لا تحسبن الموت موت البلا * وانما الموت سؤال الرجال