1. سورة القصص / 73.

2. سورة الانعام / 97.

3. سورة النحل / 16.

4. «افضال» من مادة «فضل» بمعنى الإحسان.

5. المناجاة الخمسة عشر، مناجاة الشاكرين، بحارالانوار 91 / 146.

6. بحارالانوار 13 / 351 ح 41.

[ 341 ]

 

 

القسم الثاني

 

«أَمّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذا الْمِلْطاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَة مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنافَ دِجْلَةَ، فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ».

—–

 

الشرح والتفسير

تعبئة القوى لمواجهة العدو

أشار الإمام(عليه السلام) إلى برنامج وخطة حربية فقال «أما بعد فقد بعثت مقدمتي(1) وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط(2) حتى يأتيهم أمري» فنهر الفرات يقع غرب دجلة، فيكون دجلة شرقه، وعليه فان مقدمة جيش الكوفة تتحرك من جانب الفرات إلى الشمال باتجاه الجانب الغربي للفرات، وقد أمر الإمام(عليه السلام) بمواصلة هذا السير من قبل الجيش، بينما إتجه(عليه السلام) من الفرات إلى الشرق نحو المدائن لتعبئة أكبر عدد ممكن من الناس، ثم قال(عليه السلام) «وقد رأيت أن أقطع هذه النطفة(3) إلى شرذمة(4) منكم موطنين أكناف(5) دجلة، فأنهضهم معكم إلى عدوكم وأجعلهم


1. «مقدمة» بكسر الدال بمعنى المتقدم وبفتح الدال المبعوث مسبقا وتطلق المفردتان على طليعة الجيش يعني الطائفة التي تتحرك أمام العسكر لتطلعه على ما يواجهه من أحداث.

2. كما ذكرنا سابقا فإن ملطاط» اقتبست من مادة «لط» «لطط» وميمها زائدة، وتعني هذه المادة الإقتراب والمرافقة، ومن هنا يقال «لط» للقلادة لأنها ترافق العنق دائما، كما يقال الملطاط لشاطىء النهر والبحر، بينما إعتبرها البعض الآخر من أرباب اللغة من مادة «ملط» على وزن «شرط» وليس هناك من فارق مع سابقتها من حيث المعنى وإن تفاوت اللفظ.

3. «نطفة» الماء الصافي القليل أم الكثير، ويطلق أحيانا بمعنى كل ماء جار ومائع سيال.

4. «شر ذمة» تعني في الأصل الجماعة القليلة وما يتبقى من الشىء، ويقال الشر ذمة لما يفصل عن الثمرة.

5. «أكناف» جمع «كنف» على وزن «هدف» بمعنى أطراف الشىء، وحيث تكون أطراف الأشياء سببا لستر الأقسام الباطنية فانه يقال «الكنيف» للجدر ان الأربعة التي يستتر فيها الإنسان، وكذلك يطلق على الواقي والدرع الذي يحفظ الإنسان من ضربات الأعداء.

[ 342 ]

من أمداد القوة لكم». وهكذا ورد الإمام(عليه السلام) شرق العراق والمدائن، وبينما كانت مقدمة جيش الإمام(عليه السلام)تواصل زحفها في غرب الفرات، ولما بلغهم قدوم معاوية نحوهم بجيش عظيم، عبروا الفرات واتجهوا إلى الشرق صوب الإمام(عليه السلام) حذراً من محاصرتهم من قبل العدو ولم يستعدوا بعد لخوض القتال، فاستحسن ذلك منهم الإمام(عليه السلام)فلما اكتمل الجيش سار به الإمام(عليه السلام)لمواجهة العدو. جدير بالذكر أنّ مفردة «ملطاط» من مادة ملط أو لط هنا بمعنى شاطئ الفرات ـ نعم فقد دلهم الإمام(عليه السلام) المسير ليتقدموا من جانب شاطئ الفرات لأنّ الشام كانت في جهة الشمال، والفرات ينحدر من الشمال إلى الجنوب، وهكذا لا يكون الجيش في مشقة من حيث الماء والهواء وظلال الأشجار، ولا يضلون الطريق، إلى جانب سهولة الالتحاق بهم، وعليه فهذا المسير ينطوي على عدّة فوائد والتعبير بالنطفة عن ماء الفرات حسب ما قال السيد الرضي (ره) هو من غريب العبارات وعجيبها، فالمفردة على ضوء ما صرح به جمع من أرباب اللغة تعني الماء الخالص، وقيل الماء الجاري، وكيفما كان فهى إشارة إلى عذوبة ماء الفرات وخلوه من الاملاح، وإن كان ظاهره قليل الكدورة.

قال السيد الرضي (ره): يعني(عليه السلام) بالملطاط هاهنا السمت الذي أمرهم بلزومه، وهو شاطئ الفرات، ويقال ذلك أيضا لشاطئ البحر، وأصله ما استوى من الأرض، ويعني بالنطفة ماء الفرات، وهو من غريب العبارات وعجيبها.

 

أخبار علي(عليه السلام) في جيشه وهو في طريقه إلى صفين

ذكر بعض شراح نهج البلاغة في ذيل هذه الخطبة بعض القضايا التأريخية التي نشير إليها هنا:

1ـ فى قصر كسرى

سار عليه السلام حتى انْتهى إلى المدائن وقصر كسرى وإذ رجل من أصحابه أنشد:

جرت الرياح على محل ديارهم *** فكأنما كانوا على ميعاد!

[ 343 ]

فقال له عليه السلام: ألا قلت:

(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّات وَعُيُون* وَزُرُوع وَمَقام كَرِيم * وَنَعْمَة كانُوا فِـيها فاكِهِـينَ * كَذ لِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ * فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ)(1)

2ـ في الأنبار

مرّ (عليه السلام) بالأنبار (أحد المدن الغربية في العراق) فتقدم دهاقنتها إليه فلما استقبلوه، نزلوا عن خيولهم، ثم جاءوا يشتدّون معه، وبين يديه ومعهم براذِين قد أوقفوها في طريقه، فقال: ما هذه الدّوابّ التى معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا: أمّا هذا الذي صنعنا فهو خُلُق مِنّا نعظّم به الأمراء; وأمّا هذه البراذين فهدّية لك، وقد صنعنا للمسلمين طعاماً، وهيّأناً لدوابّكم عَلفاً كثيراً.

فقال عليه السلام: أمّا هذا الذي زعمتم أنّه فيكم خُلُق تعظّمون به الأمراء فو اللّه ما ينفع ذلك الأمراء; وإنّكم لتشقّون به على أنفسكم وأبدانكم، فلا تعودوا له. وأمّا دوابّكم هذه; فإنْ أحببتم أن آخذَها منكم، وأحسبها لكم من خَراجِكم أخذناها منكم. وأمّا طعامكم الذي صنعتم لنا; فإنا نكرهُ أن نأكلَ من أموالكم إلاّ بثمن.

3ـ قرب الدير

عليّ عليه السلام في مسيره إِلى الشام; حتى إذا كُنا بظهر الكوفة من جانب هذا السّواد، عطش الناس احتاجوا إلى الماء، فانطلق بنا عليّ عليه السلام حتى أتى ]بنا[ إلى صخرة ضِرْس في الأرض; كأنّها رُبْضَةُ عنز; فأمرنا فاقتلعناها، فخرج لنا من تحتها ماء، فشرِب الناس منه، وارتوَوْا. ثم أمرنا فأكفأناها عليه. وسار الناس حتى إذا مضى قليلاً، قال عليه السلام: أمِنْكم أحدٌ يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا: نعم يا أميرالمؤمنين، قال: فانطِلقوا إليه، فانطلق مِنّا رجالٌ ركباناً ومشاة، فاقتصصنا الطريق إليه; حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنّه فيه، فطلبناه، فلم نقدر على شيء، حتى إذا عِيلَ علينا انطلقنا إلى ديْر قريب مِنّا، فسألناهم: أين هذا الماء الذي عندكم؟ قالوا: ليس قُرْبَنا ماء، فقلنا: بلى إنّا شربنا منه، قالوا: أنتم شَرِبتم


1. سورة الدخان / 25 ـ 29.

[ 344 ]

منه! قلنا: نعم، فقال صاحب الدَّيْر: واللّه ما بُنِي هذا الدير إلاّ بذلك الماء، وما استخرجه إلاّ نبيّ أو وصىّ نَبىّ.

قال العلامة المجلسي فما كان من الراهب إلا أن أتى الإمام(عليه السلام) وأعلن إسلامه ولازم الإمام(عليه السلام) حتى إستشهد ليلة الهرير فصلى الإمام(عليه السلام) عليه وأنزله القبر وقال: والله إني لأرى موضعه في الجنة.

4ـ في الرقة

ثم سار حتى أتى الرَّقّة ـ وجلّ أهلها عثمانية، فَرّوا من الكوفة إلى معاوية ـ فأغلقوا أبوابَها دونه، وتحصنّوا، وكان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدىّ في طاعة معاوية، وقد كان فارق علياً عليه السلام في نحو من مائة رجل من بني أسد، ثم كاتب معاوية، وأقام بالرَّقّة حتى لَحِق به سبعمائة رجل.

قال نصر: فروى حَبّة أن عليّاً عليه السلام لما نزل على الرّقة، نزل بموضع يقال له البَلِيخ على جانب الفرات، فنزل راهب هناك من صَوْمعته، فقال لعلىّ عليه السلام: إنّ عندنا كِتاباً توارثناه عن آبائنا، كتبه أصحابُ عيسى بن مريم، أعِرضه عليك؟ قال: نعم، فقرأ الراهب الكتاب:

بسم اللّه الرحمن الرحيم. الذين قضى فيما قضى، وسَطّر فيما كتب: أنه باعثٌ في الأميّين رسولاً منهم; يعلّمهم الكتابَ والحكمة، ويدلّهم على سبيل اللّه، لا فظٌّ ولا غليظ; ولا صَخّابٌ في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يعفُوا ويصفح، أمّته الحمّادون الذين يحَمدون اللّه على كل نَشر، وفى كل صَعود وهَبوط، تذِلّ ألسنتهم بالتكبير والتهليل، والتسبيح; وينصرهُ اللّه على من ناوأه; فإذا توفّاه اللّه، اختلف أُمتهُ من بعده; ثم اجتمعت، فلبث ما شاءاللّه، ثم اختلفت، فيمرّ رجل من أمته بشاطىء هذا الفُرات، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقضِى بالحقّ ولا يركُس الحكم، الدنيا أهون عليه من الرّماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شُرب الماء على الضمآن. يخاف اللّه في السرّ، وينصح له في العلانية، لا يخاف في اللّه لومةَ لائم; فمن أدرك ذلك النبىّ مِنْ أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنّة، ومَنْ أدرك ذلك العبد الصالح فلينصرْه، فإنّ القتل معه شهادة.

[ 345 ]

ثم قال له: أنا مصاحبُك، فلا أفارقُك حتى يصيبَني ما أصابك. فبكى عليه السلام، ثم قال: الحمدللّه الذي لم أكُنْ عنده منسيًّا، الحمدللّه الذي ذكرني عنده في كُتُب الأبرار.

فمضى الراهب معه، فكان فيما ذكروا يتغدّى مع أميرالمؤمنين ويتعشّى، حتى أصيب يوم صفين; فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال عليه السلام: اطلبوه، فلما وجده صلّى عليه ودفنه. وقال: هذا مِنّا أهلَ البيت، واستغفر له مراراً.(1)

—–

 

نزول عليّ بكربلاء

فلما نزل بكَرْبَلاء صلّى بنا، فلما سلّم رفع إليه من تُربتها فشمّها، ثم قال: واها لك يا تُرْبة! لُيحشَرَنّ منك قومٌ يدخلون الجّنة بغير حساب. ثم قال «هيهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم ثم أومأ بيده إلى مكان آخر وقال: هيهنا مراق دمائهم».

—–


1. وردت هذه القضايا التأريخية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/288.

[ 346 ]

[ 347 ]

 

 

الخطبة(1) 49

 

 

 

ومن كلام له (عليه السلام)

 

وفيه جملة من صفات الربوبية والعلم الإلهي

 

نظرة إلى الخطبة

تدور الخطبة حول صفات الربوبية والعلم الإلهي ـ كما ورد سابقاً ـ وتتضمن إشارات عميقة المعاني إلى جوانب من صفات الجلال والجمال وتنزيه الذات الإلهية المقدسة من مزاعم الملحدين والمشبهة التي تشبه اللّه بالمخلوقات

—–

 

 


1. سند الخطبة: رواها جمع ممن عاش بعد السيد الرضي (ره) ومنهم العلامة المجلسي في روضة البحار وعلي بن محمد بن شاكر الواسطي في كتاب عيون الحكم والمواعظ (مصادر نهج البلاغة، 2/18).

[ 348 ]

[ 349 ]

 

 

 

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيّاتِ الاَْمُوُرِ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلامُ الظُّهُورِ، وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ، وَلا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ، سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلا شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلا. اسْتِعْلاؤُهُ باعَدَهُ عَنْ شَيْء مِنْ خَلْقِهِ، وَلا قُرْبُهُ ساواهُمْ فِي الْمَكانِ بِهِ. لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ، وَلَمْ يَحْجُبْها عَنْ واجِبِ مَعْرِفَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً!»

—–

 

الشرح والتفسير

المنزه عن الظن والخيال

ذكرنا سابقاً أن الخطبة واردة في صفات الجلال والجمال، حيث أشارت إلى عدد من أسماء اللّه الحسنى بعبارات قصيرة بعيدة المعنى، فقد استهل الخطبة بذكر خمس صفات من صفاته التي توضح كل واحدة منها الاُخرى فقال «الحمدللّه الذي بطن(1) خفيات الاُمور ودلت عليه أعلام الظهور» وليس للعين من سبيل إلى رؤيته «وامتتع على عين البصير» ومن هنا «فلا عين من لم يره تنكره ولا قلب من أثبته يبصره». وقد أورد شرّاح نهج البلاغة عدّة تفسيرات لقوله(عليه السلام) «الذي بطن خفيات الاُمور» فقال البعض: بطن هنا بمعنى علم، وقيل بطن هنا بمعنى الخفاء; أي اللّه الذي خفيت به الأسرار، إلاّ أنّ التفسير الذي ذكرناه أنسب وهو أن


1. «بطن» من مادة «بطن» على وزن متن تستعمل للأشياء الخفية، ويقال بطنت الأمر بمعنى علمت ببواطنة وأسراره. ولما كان داخل البطن خفي فقد استعملت هذه المفردة بشأن كل شيء خفي، وباطن الأشياء بمعنى داخلها، وله معنى الفعل اللازم والمتعدي.

[ 350 ]

بطن بمعنى الخفاء ومفهوم العبارة أنّ اللّه مخفى في الأسرار، وبعبارة أخرى فانّ ذاته أعظم خفاءاً من الخفاء، وزبدة الكلام فان مفهوم العبارة ما أنشده الفيلسوف في شعره:

وجوده من أظهر الاشياء *** وكنهه في غاية الخفاء

أمّا العبارة «دلت عليه أعلام الظهور» فتعني أنّ آياته ظاهرة جلية في كل مكان، في السموات والنجوم والمجرات والمنظومات وفي الأرض في الصحارى والبحارى والجبال والأنهار وعلى جبين كافة الكائنات الحية في أوراق الأشجار والبراعم والثمار وفي باطن الذرات والجزئيات. وبالطبع كلما تقدم العلم وكشفت الأسرار ازدادت الاَدلة والآيات على قدرة الذات الإلهية وعلمها المطلق. والعبارة الثالثة «وامتنع على عين البصير» تفيد تعذر رؤية جماله سبحانه على أحدّ العيون، وذلك لأنّ المشاهدة الحسية إنّما تختص بالجسم والجسمانيات ذات الجهة والمكان، بينما ذاته المطلقة ليست بجسم ولا جسمانية وليس لها من جهة أو مكان، بل هى مطلقة منزهة عن كل هذه العوارض والنقائص (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِـيفُ الْخَبِـيرُ)(1). ولما سأل موسى(عليه السلام) من جانب بني إسرائيل ربّه (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْك َ) الشهود الحسي، خوطب (لَنْ تَرانِي)(2) ثم شاهد موسى(عليه السلام)قبسات من تجليات اللّه التي دكت الجبل فصعق موسى ومن معه فلما أفاق قال (سُبْحانَك َ تُبْتُ إِلَيْك َ وَأَنَا أَ وَّلُ الْمُؤْمِنِـينَ)والعبارة «فلا عين من لم يره...» نتيجة طبيعة تشير إلى أنّ العاقل لا يسعه إنكار الذات الإلهية المقدسّة بفعل وجود هذه الأدلة والآيات، رغم تعذر المشاهدة الحسية، أما المؤمنون باللّه فلا ينبغي لهم أن يعتقدوا بمشاهدته حتى قلبياً، وبالطبع يمكن رؤيته قلباً كما ورد عنه(عليه السلام) «لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان»(3)، غير أنّ هذه المشاهدة تتعلق بالأسماء والصفات لا مشاهدة كنه الذات، وهنا يصدح حتى أولياءاللّه فضلاً عن عامة المخلوقات «ما عرفناك حق معرفتك» ثم قال(عليه السلام): «سبق في العلو فلا شيء أعلى منه وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه» ثم يخلص على(عليه السلام)


1. سورة الانعام / 103.

2. سورة الاعراف / 143.

3. نهج البلاغة، الخطبة 179.

[ 351 ]

إلى هذه النتيجة «فلا استعلاؤه(1) باعده عن شيىء من خلقه ولا قربه ساواهم في المكان به» لعله يتصور بأنّ هذه الصفات تناقض مع بعضها فكيف يكون الشي بعيداً عالياً وفى نفس الوقت قريباً ملازماً؟ كيف يكون بعيداً في القرب وقريباً في البعد؟ نعم إذا كان المقياس هو المخلوقات التي من حولنا فهناك تناقض، غير أنّ الالتفات إلى هذه النقطة يزيل مثل هذا التناقض ويرشد إلى معرفة صفات اللّه، وهى أنّ وجوده سبحانه لامنتاهي وغني ومطلق من جميع الجهات، وهو الوجود الذي لايشوبه أية محدودية من حيث الزمان والمكان والعلم والقدرة، بل هو فوق الزمان والمكان فهو في كل مكان وكل زمان وفى نفس الوقت ليس له مكان ولا زمان. ومثل هذا الوجود قريب من جميع الأشياء وهو بعيد عنها جميعاً لأنّه لا يشبهها، هو أظهر من كل شي، لأنّ كل شي متقوم بوجوده، وهو ابطن من كل شي لأنّه لا يشبه المخلوقات والكائنات التي نعرفها ونألفها. وبناءا على هذا فالمراد بالعلو في العبارة المذكورة فوقيته للوجود وعلوه عليه لا علوه في المكان، والمراد بالقرب قربه في الاحاطة الوجودية لا القرب في المكان. وهنا لابدّ من الاذعان إلى أن فهم وإدراك هذه الصفات ليس سهلاً علينا بفعل تعاملنا مع صفات الممكنات; إلاّ أنّه يمكن تقريبها إلى الأذهان من خلال التأمل والاستعانة ببعض الأمثلة وإن كانت ناقصة قاصرة. على سبيل المثال للرد على السؤال الذي يقول كيف يكون له وجود في كل مكان وزمان ولا يحويه مكان وزمان، يمكننا أن نستعين ببعض الأمثلة الناقصة من قبيل بعض المعادلات والقوانين الرياضية، فكلنا نعلم بأنّ (2 + 2 = 4) فهى صادقة في كل زمان ومكان في السماء والأرض، وفى نفس الوقت ليس لها من زمان أو مكان. فقوله(عليه السلام): «فلا استعلاؤه باعده عن شي من خلقه ولا قربه ساواهم في المكان به» نتيجة واضحة لتلك الحقيقة المذكورة، فقد قال بعض شرّاح نهج البلاغة بعد أن إستعانوا بمثال ناقص إلاّ أنّه مناسب، في أنّ أمواج الضوء تنعكس على الزجاج وتنفذ إلى داخله فتضيئها، وهى في نفس الوقت أقرب إليها من كل شي، وهى ليست مثلها، بل هى وجود لطيف وأعلى وأرفع، ولعل هذا المعنى هو المراد بالآية (اللّهُ نُورُ السَّمـواتِ وَالأَرْضِ...)(2) ثم


1. الاستعلاء قد يكون بمعنى الافضلية واريد بها هنا هذا المعنى.

2. سورة النور / 35.

[ 352 ]

أشار(عليه السلام) إلى صفة اُخرى: «لم يطلع العقول على تحديد صفته ولم يحجبها عن واجب معرفته» فكنه ذاته ليس واضح لأحد ولا حقيقة صفاته، لأنّ ذاته وصفاته لا متناهية، فأنى لعقل الإنسان المتناهي والمحدود أن يحيط باللامتناهي واللامحدود مع ذلك فانّ أثاره الوجودية التي تجلت في كافة الوجودات جعلت الإنسان يلم على سبيل الإجمال بذاته وصفاته وإليك هذا المثال الناقص: كلنا نعلم بوجود الروح، وانّ الزمان حقيقة واقعة، إلاّ أنّ إدارك حقيقة الروح وا لزمان ليس بالامر إلهين. وكلنا نعرف الفارق بين الكائن الحي والميت، ولكن ما كنه حقيقة الحياة؟ يبدو فهم ذلك صعباً، بعبارة أخرى لنا علم إجمالي بهذه الاُمور لاتفصيلي(1) ثم قال(عليه السلام)«فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود(2)» الواقع أن جاحدي اللّه إنّما يجحدوه لساناً بينما يقرون به قلباً (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمـواتِ وَالأَرْضَ وَسَـخَّرَ الشَّـمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُـنَّ اللّهُ فَأَ نّى يُـؤْفَكُونَ *... وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَـزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِـها لَـيَقُولُنَّ اللّهُ قُلِ الحَمِدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَـرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(3). كيف يمكن إنكار وجود اللّه وكل شي يهتف باسمه ويتقوم بوجوده. ثم إختتم(عليه السلام)كلامه بالقول «تعالى اللّه عما يقول المشبهون به والجاحدون له علواً كبيراً» والمشبهة على نوعين: من يشبه اللّه بعباده فيرى له جسماً ويداً ورجلا، والآخر من يشبه الآخرين به فيرى له شريكاً وشبيهاً فيعبده ويسجد له بدلاً من اللّه. وقد ذهب بعض الشرّاح إلى المعنى الأول هو المراد من العبارة، في حين ذهب البعض الآخر إلى المعنى الثاني، ويبدو المعنى الثاني أصح إستناداً لقوله «المشبهون به» وان كانت الطائفتان على خطأ، لأنّه لايشتمل على صفات المخلوقين بحيث تتخلل الحوادث ذاته المقدسة، ولا يمكن لمخلوق أن يشمل مكانه لأنّه لا يتحلى بأي من صفاته.

 

وجوده ظاهر وكنه ذاته خفي

لقد تضمنت الخطبة بعض الاشارات إلى عدّة جوانب في مجال أسماء اللّه وصفاته: الاولى


1. للوقوف على المزيد بهذا لاشأن راجع المجلد الأول من الشرح، الخطبة الاولى.

2. «جحود» و «جحد» بمعنى الإنكار الممزوج بالعلم ـ وقال الراغب في المفردات تعني نفي ما ثبت في القلب، أو إثبات ما نفاه القلب ـ وعليه ففي مفهوم الجحود نوع من التعصب والعداء الخفي ضد الحق.

3. سورة العنكوبت / 61 ـ 63.

[ 353 ]

خفاء وكنه ذات اللّه في نفس ظهور وجوده في جميع عالم الوجود بحيث لا يستطيع أحد أن ينكر وجوده، بينما لا يستطيع أيضاً الاحاطة بكنه ذاته المطهرة. وهذا في الواقع أحد الآثار اللامتناهية لوجوده المطلق، حيث كلما خطونا خطوة نحو معرفة ذاته تقهقرنا خطوات عن درك كنه هذه الذات، وكلما حلقنا في سماء معرفة صفاته إحترقت أجنحتنا وسقطنا في عالم الجهل وعلى قول ابن أبي الحديد في شعره:

فيك يا اعجوبة الكون *** غدا الفكر كليلا

أنت حيرت ذوي اللب *** وبلبلت العقولا

كلما قدم فكري فيك *** شبراً فر ميلا

ناكصاً يخبط في *** عمياء لا يهدى سبيلا(1)

وبالمقابل فانّ آثاره قد تجلت في كافة دقائق عالم الوجود، بحيث لا يسع من يلمس هذه الآثار أينما حلّ إلاّ أنّ يزمزم مع نفسه بدعاء الإمام الحسين(عليه السلام) في عرفة «متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هى التي توصل إليك، أو يكون لغيرك من الوجود ما ليس لك، عميت عين لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل لها من حبك نصيباً».

والثانية الحديث عن قرب اللّه وبعده إلى جانب قربه وبعده منا، وأنّه أبعد ما يكون عنا في غاية قربه، وأقرب ما يكون في غاية بعده، وهذا الأمر هو الآخر من آثار ذاته المطلقه اللامتناهية، وذلك لأن مثل هذه الذات في كل مكان ولا يخلو منها مكان، وإلاّ كانت محدودة. والثالثة نفي صفات المخلوقات والشبه عن ذاته المقدسة، وهذا أيضاً من آثار الذات اللامتناهية، لأنّ جميع المخلوقات محدودة ناقصة، وجودها متناهي وصفاتها مشوبة بالنقص والعدم، فاذا شبهناه بأحد مخلوقاته وقلنا بالشريك والشبيه وتصورنا له صفات المخلوقين نكون قد أخرجناه من حالة اللاتناهي وكونه واجب الوجود وجعلناه في عداد الممكنات المحدودة وسنتعرض إلى هذه الاُمور في الخطب القادمة إن شاء اللّه.


1. وردت هذه الأشعار في حواشي «شرح الباب الحادي عشر» في الصفحة الأولى من قول إبن أبي الحديد.

[ 354 ]

[ 355 ]

 

 

الخطبة(1) 50

 

 

 

ومن كلام له (عليه السلام)

 

وفيه بيان لما يخرب العالم به من الفتن وبيان هذه الفتن

 

نظرة إلى الخطبة

أشار الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة إلى أهم عوامل فساد المجتمعات البشرية ولاسيما الانحراف الذي عصف بالمجتمع الإسلامي بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، ثم بين(عليه السلام)كيف تخلط الشياطين الحق بالباطل وتزينه للإنسان. فلو طرح الحق كما هو لاغلقت طرق نفوذ الشياطين، كما لو عرض الباطل على هيئته لما قبله أحد، ومن هنا فان الشياطين تخلط الحق بالباطل لاغواء الناس وإضلالهم. نعم فهؤلاء يدسّون السم المهلك في كل طعام لذيذ ليحثوا المغنّلين على تناوله. فهم يخفون الباطل في الحق دائما ليضلوا الناس عن طريق ذلك.

—–


1. سند الخطبة: نقل هذه الخطبة عدد ممن عاش قبل السيد الرضي (ره)، كالمرحوم الكليني في الكافي في باب البدع والرأي والمقاييس (1 / 54) وأحمدبن محمدبن خالد البرقي في كتاب المحاسن (1 / 208) واليعقوبي في تأريخه (2 / 136) وابوجبان التوحيدي في البصائر والذخائر / 32، وأخرون ممن عاشوا بعد الرضي ولا حاجة لذكرهم. مصادر نهج البلاغة 2 / 19.

[ 356 ]

[ 357 ]

 

 

 

«إِنَّما بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْواءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكامٌ تُبْتَدَعُ، يُخالَفُ فِيها كِتابُ اللّهِ، وَيَتَوَلَّى عَلَيْها رِجالٌ رِجالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللّهِ، فَلَوْ أَنَّ الْباطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْباطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذا ضِغْثٌ فَيُمْزَجانِ فَهُنالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطانُ عَلَى أَوْلِيائِهِ، وَيَنْجُو «الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللّهِ الْحُسْنى».

—–

 

الشرح والتفسير

هناك كلام بين المفسرين والشرّاح بشأن زمان الخطبة والظروف التي رافقتها، فيرى البعض أنّه خطبها بعد ستة أيّام من خلافته، بينما يرى البعض الآخر أنّه خطبها بعد التحكيم، وبالطبع فانّ الخطبة تنسجم والاحتمالين; أي أن تكون الخطبة في بداية الخلافة أو بعد التحكيم. فقد إستهل الإمام(عليه السلام) الخطبة بالإشارة إلى سبب ظهور الفتن في المجتمعات الإسلامية التي تشمل ما بعد وفاة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وبعض الحوادث كالجمل وصفين والنهروان فقال: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع(1) يخالف فيها كتاب اللّه». نعم أساس الفتن أمرين: اتباع أهواء النفس والاحكام الموضوعة المخالفة لكتاب اللّه والسنة، فمما لا شك فيه أنّ الفتن ستقبر لو كانت التعاليم الإسلامية والاحكام القرآنية هى السائدة وحفظت هذه القوانين والأحكام ومنعت البدع وابتعد عن الأهواء في إجراء الأحكام الشرعية; وذلك لأنّ هذه القوانين تهدف بسط العدل والقسط وتضمن حقوق الناس وتعين وظائفهم. فالفتنة تفرزها


1. «تبتدع» من مادة «بدعة» بمعنى حديثة الظهور، وتستعمل بشأن الاحكام المخالفة لكتاب اللّه والسنة النبوية.

[ 358 ]

الأهواء وتحريف القوانين لصالح الأطماح الشخصية وغياب العدل وتضييع الوظائف والاقبال على البدع. فاصحاب الفتن يلجأون تارة إلى التحريف والتفسير الخاطئ لاشباع أهوائهم ورغباتهم، وإذا تطلب الأمر وضع بعض الاحكام الجديدة، أقبلوا على البدع، صحيح أنّ تلك البدع تفرزها الأهواء، إلاّ أنّ الأهواء والرغبات الشيطانية قد تتبلور أحياناً كتفسير وإجراء للأحكام الشريعة واُخرى كبدع واحكام موضوعة، ومن هنا فصلاً عن بعضها في كلام الإمام(عليه السلام). على سبيل المثال يمكن الاشارة هنا إلى فتنة بني أمية التي تعد من أكبر الفتن التي شهدها الإسلام فقد إستولى معاوية بواسطة المكر والخداع على الحكومة ثم ابتدع توريثها في ولده، وادعى أنّ زياد ابن أبي سفيان وأخذ البيعة ليزيد في حياته، وسن سب أميرَالمؤمنين علي(عليه السلام) من على المنابر ثم اتهمه بقتل عثمان وطالب بدمه.(1) ثم قال(عليه السلام) «ويتولى(2) عليها رجال رجالاً على غير دين اللّه» ثم أشار في العبارة اللاحقة إلى وسائل هذا العمل، التي استغلت من قبل الجناة والطواغيت طيلة التأريخ حتى أصبحت سنة، وهى أنّهم يمزجون الحق بالباطل من أجل تحقيق أطماعهم وأغراضهم «فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحق لم يحف على المرتادين(3)، ولو أنّ الحق خلص من لبس الباطل إنقطعت عنه السن المعاندين» فما أروع هذه العبارة، لو خلص الباطل من مزاج الحق لما كان هناك من يتبعه، ولو خلص الحق من لبس الباطل لخرست ألسن المتخرصين، ولذلك فمن البديهي ألا يحل الحق الخالص مشاكل عبدة الأهواء، لأنّ منافعهم كامنة في الباطل، ولا الباطل الخالص يحقق لهم أغراضهم، لأنّ الناس لا يقفوف إلى جانبهم، وهنا يتجهون صوب خلط الحق بالباطل; الأمر الذي يجسد كافة السياسات المخربة في العالم. ثم قال الإمام(عليه السلام)بهذا الشأن «ولكن يؤخذ من هذا ضغث(4)ومن هذا ضغث فيمز جان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو (الَّذِينَ سَبَقَتْ


1. راجع كتاب الغدير / 10.

2. «يتولى» من مادة «تولى» بمعنى الاتباع. وتأتي أحيانا بمعنى الإقتراب والسيطرة على المقام والمنصب إلا أن المراد هنا المعنى الأول.

3. «مرتادين» من مادة «ارتياد»، الطالبين للحقيقة.

4. «ضغث» على وزن حرص قبضة من حشيش مختلط فيها الرطب باليابس، كما يطلق الضغث على الاحلام المزعجة، وقد وردت في العبارة بمعنى بعض من الشيء.

[ 359 ]

لَهُمْ مِنّا الحُسْنى). فالعبارة تفيد أنّ خلط الحق والباطل لا يمنع من معرفة الباطل وان تطلب ذلك قدرا من البحث والتحري والرجوع إلى الآخرين، ومن هنا قال الإمام(عليه السلام) بأنّ خلط الحق بالباطل لايؤثر في أولياءاللّه، بينما يؤثر على أولياء الشيطان فيقودهم إلى الغواية والظلال. فالواقع هو أنّ مزج الحق بالباطل بمثابة الضوء الأخضر لعبدة الأهواء وذريعة لاتباع الشيطان لخداع أنفسهم فيستدلوا على الآخرين بأنا سلكنا هذا لطريق لأنا إعتمدنا الدليل الفلاني (الذي يمثل الحق الممزوج بالباطل). نعم يمكن أن يقع بعض المستضعفين الفكريين والسذج جهلاً في حبائل الشيطان، والحال لو كان لهم زعيم ومرشد لما شهدوا مثل هذا المصير وعليه فالامة إزاء مزج الحق بالبطل على ثلاثة طوائف: