تأمّلات

1 ـ أساس الفتن

إنّ التأريخ الإسلامي ولا سيما إبان القرن الأول والثاني ملي بالفتن الغريبة والأليمة التي كادت تقضي على جهود النبي(صلى الله عليه وآله) وصحبه الميامين، ولو لا تلك الفتن التي عصفت بالإسلام لما


1. العبارة إقتباس من الآية 101 من سورة الأنبياء «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى أُولـئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ» التي وردت بعد الحديث عن جهنم، في اشارة إلى أنّ هذه الطائفة ناجية من النار، ولما كانت فتن الدنيا هى جهنمها، فقد استثنى(عليه السلام)هذه الطائفة من هذه الفتن.

[ 360 ]

كنا نعيش مثل هذا العالم، والأنكى من ذلك الفتن التي وقعت بعد خمس وعشرين سنة من رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) حين وصلت الخلافة عام 35 هـ فاستهدفت تلك الفتن إعادة الإسلام إلى الجاهلية; أمّا السنوات الأخيرة لخلافة عثمان فقد شهدت غياب جميع القيم والمثل الإسلامية، في حين تجددت سنن الجاهلية وأعرافها المقيتة وانبرت طلائع الشرك والنفاق للتسلم مواقعاً حساسة في الحكومة; الأمر الذي كان يعقد وظيفة الإمام(عليه السلام). صحيح أنّ الإمام(عليه السلام)تمكن بجهاده المرير أن يحيى القيم والمثل الإسلامية، ولكن المؤسف أنّ الفتن لم تسكن حتى أدت في خاتمة المطاف إلى قتل الإمام(عليه السلام) في محرابه من قبل تلك الطغمة الضالة. ثم إتسع حجم هذه الفتن على عهد معاوية ويزيد وسائر الشجرة الأموية الخبيثة، فقد سفكت الدماء، واستفلحت البدع، وسادت الأهواء، لتبلغ ذروتها على عهد بني العباس حتى مثل الإسلام وجفت عروقه. فلو نظرنا إلى هذه الفتن لوقفنا على عمق خطبة الإمام(عليه السلام)التي حصرت أساس الفتن في أمرين إتباع الهوى والبدع في دين اللّه; الأمران الذان يشاهدان في كل مكان، فقد تمسكت طائفة من أصحاب الفتن بالأمر الأول بينما لاذت طائفة اُخرى بالأمر الثاني. ولا نرى البحث يسع الخوض في هذه التفاصيل ونوكلها إلى مكان آخر.

 

2 ـ السياسات الشيطانية

من عجائب الدهر أنّ مبادئ السياسة الاستبدادية تقريباً متكافئة طيلة التأريخ. فقد إعتمد فرعون قبل ألف سنة ـ على ضوء المنطق القرآني ـ سياسة فرق تسد (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَـعَلَ أَهْلَها شِـيَعاً)(1) وما زال هذا المبدأ باق على قوته في كافة نقاط العالم الاستكباري، فالحكومات تلجأ إلى أقذر الوسائل من أجل تفرقة الصفوف. ولما كانت السياسة الشيطانية آخذة في التعقيد في عصرنا الراهن أكثر من سائر العصور، فقد تعقد تبعاً لذلك مزج الحق بالباطل، حيث يمزج بعض الساسة الحق بالباطل بالشكل الذي يصعب تمييزه على الناس، وأدنى ذلك خداع الرأي العام ببعض العناوين كحقوق الإنسان والرفق


1. سورة القصص / 3.

[ 361 ]

بالحيوان ويوم العامل وأطباء بلا حدود ومنظمة العفو الدولية وتأسيس المراكز الخيرية وإعانة المحرومين ومنح حق اللجوء السياسي لعدد من النازحين، فهم يتحدثون عنها بالشكل الذي قد يسيل له لعاب حتى بعض اليقظين والواعين. وناهيك عن كل ما سبق فالحكومات الاستكبارية تتشدق بالديمقراطية وضرورة الرجوع إلى آراء الشعب فاذا تمّ ذلك وجرت الاُمور خلافاً لمصالحها اللامشروعة عمدت إلى الانقلاب أو أثارة الفتن; الأمر الذي لمسناه بوضوح في التجربة الجزائرية، فابقوا على تلك الحكومة التي فشلت في تلك التجربة لأنّها تضمن مصالحها. بينما تغض النظر عن الحكومات التي تعيش عقلية القرون الوسطى وتمد لها يد العون والمساعدة لأنها تحفظ مصالحها.

نعم هذه هى حقيقة عالم السياسة والتي يتضح منها عمق كلام الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة في أنّ أصحاب الفتن إنّما يمزجون الحق بالباطل لخداع عوام الناس.

—–

[ 362 ]

[ 363 ]

 

 

الخطبة(1) 51

 

 

 

ومن خطبة له(عليه السلام)

 

لما غلب أصحاب معاوية أصحابه(عليه السلام) على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم الماء.

 

نظرة إلى الخطبة

روى إبن أبي الحديد في إطار شرحه لهذه الخطبة أنّ نصر بن مزاحم قال: كان أبو الأعور السلمي على مقدمة جيش معاوية، وكان قد ناوش مقدمة جيش علي(عليه السلام)وعليها الأشتر النخعي مناوشة ليست بالعظيمة، فانصرف أبو الأعور عن الحرب راجعاً، فسبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقناصرين ـ موضع في الشام ـ إلى جانب صفين، فحال جيشه بين ماء الفرات وأهل العراق. فلما بلغ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) الخبر دعا صعصعة بن صوحان فقال: إئت معاوية وقل له: إنا سرنا إليك مسيرنا هذا وأنا كره لقتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنّك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالحرب ونحن ممن رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك; فحل بين الماء والناس حتى ننظر فيما بيننا وبينكم; وفيما قدمنا له وقدمتم له; وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له، وندع الناس يقتتلون حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فمضى صعصعة بالرسالة إلى معاوية، فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فأشار عليه بعض أصحابه بمنعهم الماء، غير أنّ عمروبن العاص أشار عليه قائلاً: خل بين القوم وبين


1. لقد نقل هذه الخطبة «نصر بن مزاحم» في كتاب صفين عن جابر عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) (مع بعض الفوارق الطفيفة) (مصادر نهج البلاغة 2 / 20).

[ 364 ]

الماء فإنّهم لن يعطشوا وأنت ريان. بينما كان معاوية يرجح الرأي القائل بمنع جيش الإمام علي(عليه السلام) من الماء. فمكث أصحاب الإمام(عليه السلام) بغير ماء فاغتم(عليه السلام) فألقى هذه الخطبة التي تفيض عذوبة وفصاحة وبلاغة، شاحذاً همم أصحابه فكشفوا أصحاب معاوية عن الماء.

جدير بالذكر أنّ القسم الأول من هذه الخطبة يشير إلى هذه الحقيقة وهى أنّ الإنسان إذا لم يقدم بكل شجاعة لأخذ حقه لم يكن أمامه سوى الذل والاستسلام للظلم والجور. أمّا القسم الثاني من الخطبة فيصور خداع معاوية ومكره في تأليب الجهال وزجهم في المعركة بما يجعلهم يستميتون من أجل الباطل!!

—–

[ 365 ]

 

 

 

 

«قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّة وَتَأْخِيرِ مَحَلَّة أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّماءِ تَرْوَوْا مِنَ الْماءِ فالْمَوْتُ فِي حَياتِكُمْ مَقْهُورِينَ وَالْحَياةُ فِي مَوْتِكُمْ قاهِرِينَ. أَلا وَإِنَّ مُعاوِيَةَ قادَ لُمَةً مِنَ الْغُواةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْراضَ الْمَنِيَّةِ».

—–

 

الشرح والتفسير

أقبروا هذه الفتنة الخبيثة

أشرنا سابقاً إلى أنّ الإمام علي(عليه السلام) ألقى هذه الخطبة في ظل تلك الظروف العصيبة التي ألمت بصحبه. وقد إختار الإمام ـ الذي يمثل مصدر البلاغة والفصاحة ـ هذه العبارات الحماسية من أجل تحقيق الهدف المنشود والذي جعل أصحابه يهبون مسرعين لطرد عتاة الشام ومردتها عن شريعة الفرات.

نعم ما زالت هذه العبارات ـ ورغم تقادم الزمان عليها ـ تقرع أسماع الجميع وتلهمهم الصمود والتصدي للأعداد إذا ما شكلوا خطراً على عزتهم وشرفهم. فقد استهل الإمام(عليه السلام)خطبته بالقول: «قد استطعموكم القتال». وهى كلمة مجازية تعني: طلبوا القتال منكم، وهى تستعمل حيث يطلب أحدهم الطعام من آخر، وكأنّ الحرب والقتال طعام يطلبونه من أصحاب الإمام(عليه السلام). وما أشبه هذا الكلام بما تتناقله ألسنة عوام الناس في حياتهم اليومية من قبيل تعبيرهم «هذا الفرد يحكه جلده» في إشارة واضحة إلى أنّه يأتي بالأفعال التي ستؤدي إلى ضربه. والحق أنّ هذا أبلغ تعبير أورده الإمام(عليه السلام) بشأن منع أهل الشام للماء عن أصحابه(عليه السلام). ثم يواصل الإمام(عليه السلام) خطبته بأن ليس أمامكم سوى سبيلين لا ثالث لهما تجاه

[ 366 ]

خسة هذا العمل الذي ارتكبه أهل الشام; فإمّا السلة وإمّا الذلة «فأقروا على مذلة وتأخير محلة(1) أو رووا(2) السيوف من الدماء ترووا من الماء».

أجل لم يكن لهم من سبيل ثالث، فلو وهنوا أمام العدو وغلب عليهم العطش بحيث أمات رهطاً من جندهم لكان ذلك وصمة عار في جبينهم ولفقدوا مكانتهم ومنزلتهم لدى العدو والصديق، إلاّ أنّهم حين نهضوا بالأمر وحملوا على العدو قد حظوا بمكانتهم ومنزلتهم لدى العدو والصديق، كما كشفوا عن مروءتهم وعظمة خلقهم حين لبوا طلب مولاهم بالابقاء على شريعة الماء مفتوحة بوجه جيش الشام; الأمر الذي جعل جيش معاوية يشعر بخسة عمله، وهذا ما أدى بدوره إلى ارتفاع معنويات أصحاب الإمام علي(عليه السلام)وضعف روحية جيش الشام في معركة صفين ولا سيما في أوائل تلك المعركة حين شهدت هذه الواقعة.

ثم يشير الإمام(عليه السلام) إلى مفهوم كلي ودائمي على أنّه السر في انتصار وعزة ورفعة كل اُمّة، فيخاطب جنده قائلاً: «فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين».

نعم ليس هناك من قيمة لهذه الحياة المادية في قاموس الأفراد الصالحين،كما لا يعتبر الموت مناهضاً لهذه القيمة، بل القيمة في نظر الأحرار إنّما تكمن في الحياة التي تسودها العزة والكرامة، ولذلك تراهم يؤثرون الموت مع العزة على الحياة مع الذلة، وهذا هو السر في انتصار الفئة الإسلامية القليلة في عصر النبي(صلى الله عليه وآله) ـ وما تلاه من عصور ـ على الفئة الضالة الكثيرة العدد والعدة. أجل فالعزة في المجتمع الإسلامي مقدمة على كل ما سواها; ولا يتوانى مثل هذا المجتمع في التضحية بالغالي والنفيس من أجل تحققها. وهذا المعنى قد تجلى بأروع صورة في كلمات شبل علي(عليه السلام) الإمام الحسين(عليه السلام) في حادثة كربلاء الدموية، فقد كان(عليه السلام) لا ينفك ينادي: «لا والله لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أُقر لكم إقرار العبيد»(3). ثم رد على الحر بن يزيد الرياحي ـ بعد أن جعجع بالحسين(عليه السلام) في طريقه إلى كربلاء وسقاهم الحسين(عليه السلام) بعظمته المعروفة الماء


1. «محلة» تستعمل بمعنى المكانة والمنزلة الاجتماعية.

2. «رووا» من مادة «التروية» بمعنى الارتواء من الماء، ولهذا يصطلح على اليوم الثامن من شهر ذي الحجة بـ «يوم التروية» حيث كان الحجيج في السابق يتزودون بالماء حين الذهاب إلى عرفة ومنى والمشعر الحرام، كما قد تستعمل هذه المفردة ويراد بها المعنى الكنائي كإرواء السيوف الذي ورد في هذه الخطبة.

3. بحار الأنوار 45 / 7.

[ 367 ]

ورشف خيولهم ـ حين نصحه بعدم مقاتلة يزيد حفظاً لنفسه قائلاً: أفبالموت تخوفني. ثم تمثل(عليه السلام) بالشعر الذي أنشده شاعر الأوس حين حذره ابن عمه من نصرة النبي(صلى الله عليه وآله)فقال:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى *** اذا مانوى حقاً وجاهد مسلماً

وواسى الرجال الصالحين بنفسه *** وفارق مثبوراً وباعد مجرماً

فان عشت لم أندم وان مت لم أُلم *** كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما(1)

ولا غرو فهذا هو المعنى الذي أكده القرآن الكريم (قُلْ هَلْ تَرَبَّـصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدى الحُسْنَـيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّـصُ بِكُمْ أَنْ يُـصِـيبَكُمُ اللّهُ بِعَذاب مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّـصُوا إِنّا مَعَكُمْ مُتُرَبِّـصُونَ)(2).

ثم يشير أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبته إلى مكر معاوية وسذاجة أهل الشام. الذين انطلقت عليه ألاعيب معاوية وحيله فقال(عليه السلام): «ألا وإن معاوية قاد لمة من الغواة وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية»(3).

فالإمام(عليه السلام) يصور في هذه العبارات حكومة معاوية التي تستند إلى الحيلة والمكر والخداع واستغفال السذج من الناس، إلى جانب تصويره إلى أهل الشام الذين بلغوا حداً من الضلال والغواية ما جعلهم يضحون بأنفسهم باطلاً من أجل تحقيق مآرب معاوية وأهدافه المشؤومة.

ولعل العبارة الوارة في الخطبة تمثل إجابة على السؤال الذي قد يتبادر إلى أذهان أصحاب الإمام(عليه السلام) عن علة دفاع أهل الشام عن مطامع معاوية إلى حد الاستماتة. فالإمام(عليه السلام)يكشف النقاب عن هذه الحقيقة وهى أن مكر معاوية في تزوير الواقع من جانب وجهل أهل الشام وغفلتهم من جانب آخر قد جعلتهم يظنون بأنّهم يقاتلون في سبيل الله ونيل الشهادة. نعم لقد كان للدعاية الواسعة والأساليب النفسية التي إعتمدها معاوية وعمرو بن العاص بالغ الأثر في صفوف أهل الشام إلى درجة أنّ البعض منهم أيقن بأنّ عثمان قد قتل مظلوماً وإن قاتله هو الإمام علي(عليه السلام).


1. ارشاد المفيد 2 / 81 . طبعة آل البيت.

2. سورة التوبة / 52.

3. «لمه» من مادة «لمى يلمو لموا» بمعنى أخذ الشيء بأكمله و(لمه) بضم اللام وفتح الميم بدون التشديد» بمعنى الجماعة القليلة، (غواة) جمع غاوي بمعنى الضال، والعمس بمعنى محو الأثر وعدم العلم بالشيء، ومن هنا أطلق العميس على الظلام الدامس، فيقال ليل عماس; أي مظلم.

[ 368 ]

وقد نهض معاوية للطلب بدمه إلى جانب الدفاع عن القرآن والإسلام وخلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وعليه فليس القتل في هذا السبيل سوى الجنّة والشهادة التي يتعطش إليها كل مسلم غيور!

طبعاً حبل الكذب والخداع مهما طال قصير ولا يمكن للشمس أن تحجبها الغربان وسرعان ما تتضح الحقائق، غير أنّ ذلك لا يكون إلاّ بعد انجلاء الغبرة وإزهاق الأرواح ولات حين مناص.

 

تأمّلات

1 ـ ضرورة العيش في ظل العزة والكرامة

تتميز المدرسة الإسلامية عن سائر المدارس والمذاهب بمبادئها وركائزها الحيوية الأصيلة، ومنها المبدأ الذي ورد في الخطبة المذكورة والذي يكمن في ترجيح الموت الشريف على الحياة الوضيعة، وبعبارة اُخرى ففي الوقت الذي تحذر فيه المدرسة الإسلامية عن ممارسة الظلم والجور فانها تؤكد على عدم الركون إلى الظلمة والاستسلام للطواغيت، وقد تجسد هذا المعنى في رجالات الإسلام الذين استحقوا بحق لقب «أُباة الضيم»(1). والواقع أن القرآن هو الذي أكد هذا المبدأ (وَلِلّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُـؤْمِنِـينَ)(2).

وكذلك تظافرت روايات أهل البيت(عليهم السلام) بهذا الأمر، فقد قال الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى فوض إلى المؤمن كل شيء إلا إذلال نفسه»(3). وقال الإمام الحسين(عليه السلام): «موت في عزّ خير من حياة في ذلّ»(4)، كما قال(عليه السلام): «ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة وهيهات له ذلك، هيهات منّي الذلة أبي الله ذلك ورسوله والمؤمنون وجدود طهرت وحجور طابت أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(5).


1. «أباة» جمع أبي بمعنى الرفض والامتناع والضيم بمعنى الظلم، وهو ما يطلق على أولئك الذين لا يستسلمون للظلم والجور.

2. سورة المنافقون / 8 .

3. الكافي 5 / 63.

4. بحار الأنوار 44 / 192.

5. بحار الأنوار 45 / 83 .

[ 369 ]

وأورد ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: «سيد أهل الآباء الذي علّم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف اختياراً له على الدنية أبو عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) عرض عليه الأمان وأصحابه فأنف من الذُل».

ثم تطرق إلى كلماته الحماسية في يوم عاشوراء «ألا وان الدعي ابن الدعي...» وأنّها على غرار ما أورده أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في خطبته المعروفة ـ 34 ـ «إنّ امرء يمكن عدوه من نفسه، يعرق لحمه، ويفري جلده، ويهشتم عظمه، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه صدره، فأما أنا فدون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفية...» قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟! فقال: عضضت بالجندل; إنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت; لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية، أو الاستيلاء على الملك; فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها; فما كنّا فاعلين لا أم لك(1)!

 

2 ـ غسل أدمغة المغفلين

النقطة المهمّة الاُخرى التي تضمنتها خطبة أمير المؤمنين(عليه السلام)، أنّ أئمة الباطل قد ينمقون كلامهم بالمكر والخداع بما يجعلهم ينفذون إلى أعماق أفكار السذج من الناس، وكأنّهم يسوقونهم إلى الشهادة، حيث يقبلون على القتال بكل شدة وصرامة، في حين لا يزيدهم ذلك القتال سوى الطر من الرحمة والتغلغل في الدرك الأسفل من النار، وهذه طامة كبرى. ولم يكن معاوية يدعا من اُولئك الطواغيت الذين ساروا على هذا النهج في غسل أدمغة أتباعهم وسوقهم للدفاع عن أهدافهم ومآربهم المشؤومة، فقد سبقه وتلاه الكثير من الظلمة الذين اعتمدوا هذا الاسلوب. فعمر بن سعد قائد عسكر يزيد في كربلاء حين دفع بأهل الكوفة للهجوم على الإمام الحسين(عليه السلام) نادى بأعلى صوته: «يا خيل الله اركبي، وبالجنّة ابشري!»(2).


1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 263.

2. بحار الأنوار 44 / 391.

[ 370 ]

كما كانت أجهزة الدعاية الفرعونية تصور موسى وهارون(عليهما السلام) ممن يسعى للسيطرة على مصر وإشاعة الفساد فيها، في حين تصف فرعون بالمدافع عن هذه الأرض وعزة واستقلال أهلها، فيخاطب الاُمّة قائلاً: (إِنْ هـذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما)(1). ومازال هذا هو المنطق الغاشم الذي يمارسه الظلمة على مر العصور والدهور.

 

3 ـ المروءة والشهامة

قال نصر ـ في كتاب صفين ـ إنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية لما ملك أهل العراق: ما ظنك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم أمس؟ أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه؟ ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوءة. ويبدو أن عمرو كان بصدد تقريع معاوية ولومه على عدم قبول إقتراح ابن العاص بعدم منع أهل العراق من الماء. فقال معاوية: دع عنك ما مضى، فما ظنك بعلي؟ قال: ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه، وأن الذي جاء له غير الماء. فهو يعلم بخلق علي(عليه السلام) وليس لاغلاق شريعة الفرات من انسجام وذلك الخلق.(2)

وهذا هو الخلق الذي ورثه ابنه الحسين(عليه السلام) الذي سقى الحر بن يزيد الرياحي وجنده الماء في تلك الصحراء القافرة بينما كان خلق أعدائه أن ذبحوه عطشاناً إلى جانب شط الفرات، وليتهم اكتفوا بذلك فقد منعوا الماء حتى عن رضيعه.

ملكنا فكان العفو مناسجية *** فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بالذي فيه ينضح

—–


1. سورة طه / 63.

2. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 330.

[ 371 ]

 

 

الخطبة(1) 52

 

 

 

ومن خطبة له(عليه السلام)

 

وهى في التزهيد في الدنيا وثواب اللّه للزاهد، ونعم اللّه على الخلق

 

نظرة إلى الخطبة

تشتمل الخطبة في الواقع على ثلاثة أقسام: القسم الأول في الزهد وعدم التعلق بالدينا وأنّ نعم الدنيا إلى زوال، وعلى المؤمنين أنّ يستعدوا لسفر الآخرة من خلال العمل الصالح، القسم الثاني ثواب الزهاد والأعمال الصالحة، والقسم الثالث الاقرار بعجز العباد عن إداء حق شكر المنعم، ولا سيما أعظم هذه النعم الإيمان.

—–


1. سند الخطبة: روي أنّ الإمام(عليه السلام) خطبها في عيد الأضحى وبدايتها (اللّه أكبر اللّه أكبر لا اله إلاّ اللّه واللّه أكبر وللّه الحمد الحمدللّه على ما هدانا...)ورواها المرحوم الصدوق (ره) في كتابه من لا يحضره الفقية 1 / 229 والشيخ الطوسي (ره) في كتاب المصباح / 261 وقال: نقل أبومخنف عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه أنّ علياً(عليه السلام) خطب الناس في الأضحى وقد أورد السيد الرضي (ره) بعضها في نهج البلاغة، كما روى الشيخ المفيد قسما منها في المجلس العشرين من الامالي. مصادر نهج البلاغة 2 / 22 وقد مضى شبيه هذا المضمون في الخطبة 28.

[ 372 ]

[ 373 ]

 

 

القسم الأول

 

«أَلا وَإِنَّ الدُّنْيا قَدْ تَصَرَّمَتْ، وَآذَنَتْ بِانْقِضاء، وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُها وَأَدْبَرَتْ حَذّاءَ، فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَناءِ سُكّانَها وَتَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرانَها وَقَدْ أَمَرَّ فِيها ما كانَ حُلْواً، وَكَدِرَ مِنْها ما كانَ صَفْواً، فَلَمْ يَبْقَ مِنْها إِلاَّ سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الاِْداوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ، لَوْ تَمَزَّزَها الصَّدْيانُ لَمْ يَنْقَعْ، فَأَزْمِعُوا عِبادَ اللّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدّارِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِها الزَّوالُ، وَلايَغْلِبَنَّكُمْ فِيها الاَْمَلُ، وَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيها الاَْمَدُ».

 

الشرح والتفسير

لقد تواترت خطبه(عليه السلام) في نهج البلاغة التي توصي بالزهد في الدنيا وعدم الاغترار بها والتزود منها إلى الدار الآخرة، إلى جانب التحذير من مخاطرها وأنّها متقلبة سريعة الزوال،

رغم أن الإنسان يطمح بالحياة مادامه في الدنيا ولابد أن يعيش بعزة ورفعة ويصرّف شؤون حياته المادية دون التبعية للآخرين وأنّ الإنسان لابدّ أن يتأهب فيها إلى السفر الشاق الذي ينتظره، ومن هنا ورد التأكيد في هذا الخطبة على الزهد في عشر عبارات رائعة في الدقة والمعنى، فقال في العبارة الاولى: «ألا وإن الدنيا قد تصرمت،(1) وآذنت(2) بانقضاء» فالعبارة قد تكون إشارة إلى عمر الدنيا الايل للانقطاع والانتهاء، ومن هنا يسمى زماننا آخرالزمان، أو إشارة إلى الحياة الدنيا لكل فرد من الأفراد في كل عصر وزمان في أنّه قصير سريع الزوال، والمعنى الاخير أنسب. فمفهوم العبارة هو أنّ عمر الإنسان من القصر في هذه الحياة الدنيا وكأنّه يخاطب بالاستعداد للرحيل منذ ولادته. فقوله(عليه السلام):«ألا وإن الدنيا قد تصرمت» يتناول باطن الدنيا، بينما تناول قوله(عليه السلام): «وآذنت بانقضاء» ظاهرها، وبعبارة أخرى فانّ الدنيا فانية ذاتا،


1. «تصرمت» من مادة «صرم» بمعنى انقطعت وفنيت، ومن هنا يطلق الصارم على السيف القاطع، وتصرم الدنيا يعني انقطاع أجلها.

2. «آذنت» من مادة إيذان أعلمت وأخبرت.

[ 374 ]

كما أنّ مختلف ملامحها في الحياة الإنسانية هى الاُخرى قد أخبرت عن هذا الفناء، وبالتالي فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بها ويعيش الخسران.

وهى كما صورها الشاعر:

هى الدنيا تقول بمل فيها *** حذار حذار من بطشي وفتكي

فلا يغرنكم حسن إبتسامي *** فقولي مضحك والفعل مبك

ثم قال(عليه السلام): «وتنكر معروفها وأدبرت حذاء»(1) كيف لا وغضاضة الشباب وطراوة الفتوة ونظارة الوجه آيلة إلى الكهولة والعجز والشحوب، ثم وصف الدنيا(عليه السلام) بقوله: «فهى تحفز(2)بالفناء سكانها وتحدوا بالموت جيرانها» فالعبارة تفيد حركة الإنسان نحو أجله ومصيره المحتوم شاء ذلك أم أبي. والحدي الصوت الذي يردد لتعجيل حركة الناقة، فما أروع هذا التعبير الذي يفيد توفر جميع العوامل التي تدعو الإنسان لحث الخطى والسرعة في الحركة إلى الزوال والفناء. أمّا التعبير بالجيران بعد السكان فكأنّه يفيد أنّ محل سكن الإنسان ليس في هذا العالم، فهو جاره وليس بصاحبه، أي أنّه مفارقه لامحالة! ثم قال(عليه السلام): «وقد أمر(3) منها ما كان حلوا وكدر منها ما كان صفوا». فما أسرع نهاية مرحلة الطفولة والشباب الحلوة العذبة لتستبدل بمرارة الشيخوخة والكهولة فيعد الاستقرار إضطراباً والحصة سقماً والراحة تعباً، وقيل في تفسير هذه العبارة إنّها إشارة إلى اختلاف ظاهر الدنيا وباطنها، فظاهرها حلو وباطنها مرّ، ظاهرها عذب وباطنها علقم، غير أن التمعن في العبارات السابقة يفيد أنّ التفسير الأول أنسب. ثم يختتم(عليه السلام)حديثه عن الدنيا بالقول «فلم يبق منها الاسملة كسملة(4) الاداوة(5)أو جرعة كجرعة المقلة لو تمززها(6) الصديان لم ينقع» فالعبارة إشارة إلى حياة كل فرد من


1. «حذاء» من مادة «حذ» على وزن حظ بمعنى السريعة الذهاب ،ومن هنا يطلق الحذاء على الدابة السريعة، والمراد هنا سرعة أجل الدنيا.

2. «تحفز» من مادة «حفز» على وزن حبس بمعنى تعجلهم وتسوقهم، وقد ورد في الحديث الشريف أن حفز الموت من علامات القيامة. قيل وما حفز الموت. قال(صلى الله عليه وآله): موت الفجأة (لسان العرب).

3. «مر» على وزن «شر» بمعنى المضي والعبور ومر على وزن حر ضد الحلو، وأمر» من مادة «مُر» بمعنى مضي الزمان يجعل حلاوة الدنيا مرارة.

4. «سملة» من مادة «سمل» على وزن حمل بمعنى البقية من الماء تبقى في الإناء، ومن هنا كان الاسمال بمعنى الإصلاح لأنّه يزيل ما بقى من الأحقاد والأضغان.

5. «إدواة» على وزن إدارة القربة الصغيرة من الجلد.

6. «تمزز» من مادة «مز» على وزن حز بمعنى التذوق والامتصاص والأكل وقال صاحب مقاييس اللغة امتصاص الماء تدريجياً وببطئ.

[ 375 ]

الأفراد وانها تقترب بمرور الزمان من نهايتها، وقد كان تعبيره بمنتهى الروعة لتصوير قصر عمر الدنيا وسرعة زوالها، فالسملة تعنى الشي الزهيد الذي لاقيمة له، وتطلق على ما يتبقى من الماء في الاناء، و«جرعة المقلة» تطلق على المسافر الذي يشكو من قلّة الماء فيسعى للحصول على الماء لادخاره، أجل فعمر الدنيا قصير إلى درجة أنّه لا يروي ظمأ من تعلق به، فما أحرى العاقل أن يفيق إلى نفسه وينأى بها بعيداً عن الاغترار به، فينهمك بالآخرة ويسرع في السير إليها. ثم يخلص الإمام(عليه السلام) إلى النتيجة الواضحة «فازمعوا(1) عباداللّه الرحيل عن هذه لدار المقدور على أهلها الزوال ولا يغلبنكم فيها الأمل ولا يطولن عليكم فيها الأمد»(2). إنّ الإنسان راحل عن هذه الدنيا شاء أم أبي، ومراد الإمام(عليه السلام)إرحلوا بعلم وعبرة واغتنموا الفرصة وسيروا على النهج بالعمل الصالح والخلق الرفيع والمعرفة باللّه لتنالوا سعادة الآخرة والخلود في نعيمها. فقد نبه(عليه السلام) إلى الخطرين الكامنين في الطريق فقال: «ولا يغلبنكم فيها الأمل ولا يطولن عليكم فيها الأمد»; الأمر الذي أرشد القرآن الكريم إليه بقوله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِـيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(3)ونؤكد مرة اُخرى أنّ العبارات لاتفيد ترك الدنيا والرهبانية فيها وعدم الإكتراث إلى الحياة، بل تفيد عدم التعلق بزخا رف الدنيا والاغترار بها، وبعبارة اُخرى فالمراد التعامل مع الدنيا كما هى، لا على أساس الوهم والخيال وما تمليه علينا أهوائنا وشهواتنا.

 

الدنيا الغرور

لا أحد يعتقد بالخلود في هذه الدنيا، فهى آيلة إلى الزوال والفناء وأنّ الإنسان سيودعها يوماً ليودع خده التراب في تلك الحفرة، إلاّ أنّ زينة الدنيا وزبرجها قد تلقى بحجابها على هذا الواقع بحيث قد ينسى الإنسان الموت بالمرة، أو يتناسى تلك الحقيقة المرة، فينطلق في نشاطاته


1. «أزمعوا» من مادة «زمع» بمعنى العزم على الشيىء، ولذلك قيل ان هذه المفردة قلبت من عزم أي نقلت فيها حرفي الزاء والميم من مكان إلى آخر، وقيل كانت في الأصل جمع ثم بدلت إلى زاء، والمفردات الثلاث (عزم وزمع وجمع) بمعنى واحد وهو التصميم والعزم على الشي.

2. «أمد» على وزن صمد أجل الشيوتأتي بمعنى الغضب، لأنّ صبر الإنسان ينفد حين الغضب.

3. سورة الحديد / 16.

[ 376 ]

وفعالياته وكأنّه مخلد في الحياة الدنيا. وقد يطرح هذا الحجاب مؤقتا إذا ما مات أحدهم واشتركنا في مراسم تشييعه ودفنه لتتضح أمامنا الدنيا على حقيقتها، فاذا عدنا إلى حياتنا نسينا كل شي وعاد ذلك الحجاب، وكأنّ الموت لم يكتب علينا، وبالطبع فانّ هذا الكلام لا يصدق على أولياء اللّه، فهم أرفع من أن تبعدهم هذه الحجب عن حقيقة الحياة والموت، فهم لا يرون الدنيا سوى قنطرة إلى الآخرة. والحق أنّ تحذير الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة من الدنيا لا يعني أبداً أنّه يحث الناس على مقاطعة الدنيا وتركها، كيف وهو يراها مقدمة للآخرة «الدنيا مزرعة الآخرة». والطريف أنّ بعض الشعراء من أولياء اللّه قد صوروا هذه الحقيقة في أشعارهم، ولا بأس هنا بالتعرض لهذه القضية.