فقد ركز الإمام(عليه السلام) في هذه العبارة على ثلاث نقاط ضعف: الاولى: غياب العقول، وكأنّ عقولهم فارقت أبدانهم فأصبح وجودهم كبلد ليس له من مدير ومدبر.الثانية: عدم وجود عرى التواصل بينهم أبداً، حيث لكل منهم طلباته على ضوء اهوائهم وعقولهم القاصرة.وبالبداهة سوف لن تتمكن محل هذه الفئة من حل مشالكها، فضلاً عن مشاكل الآخرين.

الثالثة: نقطة ضعفهم تكمن في اضطرار زعمائهم للتاقلم معهم. وقد أدت بهم هذه الصفات إلى الخواء في ميدان قتال العدو، ثم قال(عليه السلام): «صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه».

[ 192 ]

ياللعجب! فمن أطاع الله أحق بان يطاع، ومن عصاه لابدّ من معصيته والوقوف بوجهه، بينما انعكست القضية هنا; فقد عومل مطيع الله بالجفاء، وعاصيه بالحب والاحترام!!

ثم تطالعنا عبارة لامثيل لها في نهج البلاغة، حيث قال(عليه السلام): «لوددت والله أن معاوية صار فني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم، وأعطاني رجلاً منهم»، فالتأكيدات المتعددة في هذه العبارة تفيد جدية الإمام(عليه السلام) دون أدنى مبالغة، وكأنّ أهل الشام بمنزلة سكة ذهبية وأهل العراق فضية. كما تفيد العبارة مدى انضباط أهل الشام آنذاك حيث وقفوا بكل صلابة خلف معاوية رفم خداعه لهم; بينما لم يكن هناك أدنى انضباط لأهل العراق فلم يكن قيمة عشرة منهم تعدل قيمة واحد من أهل الشام!

—–

[ 193 ]

 

 

القسم الثالث

 

«يَا أهْلَ الْكُوفَةِ، مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلَاث وَاثْنَتَيْنِ: صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاع، وَبُكْمٌ ذَوُو كَلَام، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَار، لاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلا إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ الْبَلَاءِ! تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ! يَا أشْبَاهَ الإبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا! كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ، وَاللّهِ لَكَأَنّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ: أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى، وَحَمِيَ الضِّرَابُ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أبي طَالِب انفراج الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا. وَإِنَّي لَعَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاج مِنْ نَبِيِّي، وَإنِّى لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً».

—–

 

الشرح والتفسير

العمل بالتكليف

صعد الإمام(عليه السلام) هنا من حدة كلامه وامطار أرواح القوم بوابل تقريعه ولومه، مع بيان نقاط ضعفهم، علهم يفيقون من غفلتهم ويجدوا في اصلاح أنفسهم، فقال(عليه السلام): «يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذوو أسماع، و بكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار».

فالإمام(عليه السلام) يشير إلى عجزهم عن مشاهدة الأحداث والافتقار إلى تحليلها الصحيح وعدم السعي للعثور على الحلول، فقد قبعوا في مخادعهم ينتظرون العدو الذي لايأبه بشيىء، دون أن تتحرك لهم قصبة، أو يسمعوا رعيده ووعيده فيستعدوا لمجابهته.

إلى جانب ذلك فهناك خصلتان لم تكن فيهم «لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء».

لا شك أنّ الحياة مليئة بالأحداث الساخنة والطبيعية: فأحياناً الحرب والقتال والاُخرى

[ 194 ]

الصلح والسلام، وتارة الراحة والأمان واُخرى التعب والبلاء. والأصدقاء الأوفياء والاخوة الثقاة لايعرفون عند الراحة والاستقرار، وميدان معرفتهم إنّما يكمن في الصعوبات والمعضلات والنزاعات والبلايا والأحداث الأليمة، وممّا يؤسف له أهل الكوفة لم ينجحوا آنذاك في الامتحان، وقد كشفوا مراراً عن غدرهم وضعفهم وعدم صمودهم وثباتهم.

ومن هنا دعا عليهم الإمام(عليه السلام) في العبارات القادمة، ثم اختتم كلامه يتشبيهين رائعين لاوضاعهم النفسية فقال: «تربت(1) أيديكم»، ثم اتبعها بالقول: «يا أشباه الابل غاب عنها رعاتها».

فالتشبيه تعبير واضح عن جهل القوم وعدم انضباطهم. فقد شبههم في البداية بالحيوانات ومن ثم بعدم وجود الراعي النافذ الكلام.

ثم قال(عليه السلام) بعد أن أقسم أنّهم لو حمي الوطيس ونشبت الحرب لتركوا الإمام(عليه السلام) وحده في الساحة وانفرجوا عنه انفراج المرأة عن وليدها حين وضعها لحملها: «والله لكأني بكم فيما إخالكم: أن لو حمس(2) الوغى(3)، وحمي(4) الضراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها».

هذا وقد ذكرت عدة تفاسيرللعبارة «انفرجتم...» إلاّ أن ما أوردناه سابقا هو الأنسب لمقام أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) إلى جانب رعاية الفصاحة والتناسب في مقام التشبيه. فالمرأة حين الوضع ترجو أن تضع حملها كل لحظة لما تعانيه من الاُم وأوجاع، والإمام(عليه السلام) شبه أهل الكوفة بهذه المرأة التي تعد اللحظات أملا في وضع الحمل، فكانوا يعيشون حالة من الجزع في ميدان القتال بحيث ينتظرون بفارغ الصبر الفرصة المؤاتية للهروب من ساحة المعركة، وهو الهروب الذي لاعودة فيه، كالوليد الذي ينسلخ عن رحم أمه فلا يعود إليه. وللإمام(عليه السلام)تشبيه رائع


1. «تربت» من مادة «تراب»، تستعمل في الخسارة والفقر، وكأنّ الفقير قد صرع وخالط التراب يده.

2. «حمس» بالفتح من مادة «حمس» على وزن قفص بمعنى الشدة و«الحماسة» و«التحمس» يعني التشديد ولا سيما في المعركة.

3. «وغى» يعني في الأصل اصوات المقاتلين في المعركة، كما تطلق على نفس المعركة، وقد وردت عنا بهذا المعنى.

4. «حمى» من مادة «حمى» على وزن سعي شدة الحرارة، و«الضراب» بمعنى الاشتياك والمناوشة والقتال.

[ 195 ]

بهذا الشأن ورد في الخطبة 34 حيث قال(عليه السلام): «وأيم الله إنّي لأظن بكم أن لوحمس الوغى، واستحر الموت، قد انفرجتم عن إبن أبي طالب انفراج الرأس».

وفي الختام يكشف عن موقفه في هذه الأحداث فقال(عليه السلام): «وإنّي لعلى بينة من ربّي، ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا(1)». فمن الطبيعي أن لايكون هناك من شعور بالفشل أو الهزيمة لمن انطلق في حركته على هدي من الله ونور من رسوله(صلى الله عليه وآله)، ولايرى في كل ما يحدث سوى الغلبة والنصر وأداء التكليف والوظيفة. والعبارة «ألقطه لقطا» تعني جمع الأشياء من نقاط مختلفة، الأمر الذي يحتاج إلى الدقة والفطنة، ومراد الإمام(عليه السلام) من هذه العبارة أنّي أجد في الاختيار من أجل التقدم في مسار الحق وانتخب أفضل السبل من أجل بلوغ الهدف.

 

تأمّل : مقارنة بين أهل العراق والشام

لقد أورد الإمام(عليه السلام) عبارة عجيبة في إطار مقارنته بين أهل العراق والشام لم يرمثيلها حيث قال: لوددت والله أنّ معاوية صرفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلا منهم. والحال كان ينبغي أن تكون القضية معكوسة، فقد عقد القرآن الكريم مثل هذه المقارنة بين المؤمنين والكفار فقال: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِاَتَيْنِ)(2)، ترى لم انقلب هذا المعيار القرآني بشأن أهل العراق والشام؟

يبدو أنّ التحليلات الدقيقة من شأنها ايقافنا على ماورد في كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بهذا الشأن.

فالكوفة منطقة حربية حديثة، وأنّ أهلها الذين كانوا يمثلون القسم الأعظم من جيش الإمام(عليه السلام) قد قدموا هناك من عدّة مناطق وهم ينحدرون من مختلف القبائل بحيث لم يكن يسودهم الانسجام والانضباط المطلوب. فكان لكل واحد منهم أهدافه وطموحاته


1. «لقط» أخذ الشيء من الأرض، وتطلق «القطة» على الأشياء المفقودة، لانّها عادة ماتلتقط من الأرض.

2. سورة الانفال/65.

[ 196 ]

وطروحاته الفكرية، بينما كانوا أهل الشام كتلة واحدة عاشت هناك ليتحلوا بكافة عناصر الوحدة والانسجام ووحدة الفكر والثقافة. هذا أولا.

وثانياً: كان في جيش الإمام(عليه السلام) من قدم بغية الحصول على الغنائم، فان كانت هناك غنيمة سارعوا لميادين القتال، بينما يقبعون في بيوتهم حيث التضحية والفداء والشهادة.

ثالثاً: كان أهل الشام ينظرون إلى منطقتهم كوطن لابدّ من الدفاع عنه والذود عن حياضه، بينما كان لأغلب أهل الكوفة وطن آخر خارج الكوفة، وكلما ضاقت عليهم السبل في الكوفة عادوا إلى أوطانهم.

أضف إلى ذلك فانّ ضعف إرادتهم وسرعة خداعهم وانفعالهم بالأعيب العدو، ومن ذلك خديعتهم في صفين، وعدم معرفتهم بمقام الإمام(عليه السلام) ومنزلته، والاغماض عن الحوادث المستقبلية، كل هذه الاُمور كانت تفعل فعلها فيهم في ميدان القتال.

ومن هنا كانوا يختلقون مختلف الذرائع للهروب من ساحة الحرب، ولايتوانون في اغتنام أية فرصة تسنح لهم من أجل الفرار، منهم يتذرعون تارة بحرارة الجو، واُخرى ببرودته والحال يصرخ فيهم الإمام(عليه السلام): «فاذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر».(1)

وكأنّ القتال لابدّ أن ينشب في فصل الربيع; على ظلال الأشجار وسط الحقول الخضراء والمياه المتدفقة وتغريد العصافير والطيور.

العنصر الآخر الذي أدى إلى ضعف جيش الكوفة وعدم تحليه بالانضباط هو أنّ أشرافهم كانوا مرفهين على عهد عثمان، حيث كان يقسم أموال بيت المال دون حساب بين الناس، وكانت الحصة العظيمة تمنح للزعماء والاشراف والبطانة والأقرباء. فلما تسلم الإمام(عليه السلام) زمام الاُمور تغيرت الأوضاع ليعيشوا مرارة العدالة بعد أن أنسوا بالظالم والجور، ومن هنا كانوا لا ينفكون عن الشكوى، هذا من جانب ومن جانب آخر فانّ معاوية كان يسعى جاهداً لتحقيق أهدافه دون الاكتراث لدين الله والقيم الإسلامية والموازين الشرعية،


1. نهج البلاغة، خطبة 27.

[ 197 ]

فكان يبذل الآف الدنانير لشراء هذا الفرد أو ذاك من أجل ترسيخ دعائم حكومة، فان لم يسعفه ذلك عمد إلى التهديد والارعاب والقتل.

ومن هنا نقف على عمق حكمة الإمام(عليه السلام) وبعد أفقه وتدبيره في كيفية تمكنه من زج هؤلاء القوم في الجمل وصفين والنهروان، وإن شهدت هذه الوقائع بعض الانكسارات بسبب تمرد البعض وعدم طاعتهم لأوامر الإمام(عليه السلام).

وهنا نكتشف عمق ماقاله ابن أبي الحديد: إنّ سياسة علي(عليه السلام) إذا تأملها المنصف متدبراً لها بالاضافة إلى أحواله التي دفع اليها مع أصحابه، حِرت محِرى المعجزات، لصعوبة الأمر وتعذره ثم كسربهم الأعداء، وقتل بهم الرؤوساء، فليس يبلغ أحد في حسن السياسة وصحة التدبير مبلغه(1).

والحق إننا إذا أردنا أن نصدر حكمنا على سياسة أميرالمؤمنين(عليه السلام) ونعلن رأينا بهذا الشأن، كان علينا أن نأخذ هذه الاُمور بنظر الاعتبار. وناهيك عن كل ما سبق فانّ الإمام(عليه السلام)لم يكن ليعتمد أية وسيلة من أجل بلوغ الهدف، حيث يمنعه دينه وعدله وورعه وتقواه عن ذلك.

—–


1. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7/73.

[ 198 ]

[ 199 ]

 

 

القسم الرابع

 

«انْظُرُوا أهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدىً، وَلَنْ يُعِيدُو كُمْ فِي رَدىً، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا، وَإِنْ نَهَضُوا فِانْهَضُوا. وَلا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا. لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّد صَلَّى اللّهُ عَليهِ و آلِهِ، فَمَا أَرَى أحَداً يُشْبِهِهُمْ مِنْكُمْ! لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعثاً غُبْراً، وَقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنَ طُولِ سُجُودِهِمْ! إِذَا ذُكِرَ اللّهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ!».

—–

 

الشرح والتفسير

صحب النبي(صلى الله عليه وآله)

أشار الإمام(عليه السلام) ـ في المقطع الأخير من هذه الخطبة ـ إلى نقطتين مهمتين; الاُولى: تعريفه بالقادة الذين لايضلون أبداً، بهدف تمسك الاُمّة بهم وعدم الانفراج عنهم والتماس الهداية عن طريقهم بغية الفوز بالفلاح والسعادة ـ والثانية: يتحدث عن صفات أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)لتكون نموذجاً للاخرين، فيكونوا مصداقاً لمضمون الآية الشريفة: (وَالَّذِينَ اتَّـبَعُوهُمْ بِإِحْسان)(1)، فيجدوا ويجتهدوا في هذا السبيل ويسعوا لأن يتحلوا بصفاتهم. فقال(عليه السلام): «انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى».

فهذا الكلام في الواقع إشارة إلى حديث الثقلين الذي يعتبرمن الأحاديث المتواترة والذي


1. سورة التوبة/100.

[ 200 ]

أوصى بالتمسك بالقرآن وأهل البيت اللذان لن يفترقا حتى يردا الحوض، ولن تضل الامة أبدا إن تمسكت بهما.

ومن الواضح طبعاً أنّ المراد بأهل البيت، هم أئمة العصمة(عليهم السلام) الذين قال فيهم الحق سبحانه وتعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِـيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِـيراً)(1).

ثم أمرهم(عليه السلام) بالحركة خلفهم أن تحركوا ونهضوا، والقعود أن جلسوا وصمتوا: «فان لبدوا فالبدوا(2)، وإن نهضوا فانهضوا».

فالحق أن الشرائط والظروف الزمانية والمكانية في تغير مستمر; فان كانت الظروف تقتضي القيام والنهضة وخوض غمار الجهاد، فان السكوت يقود قطعاً إلى البؤس والشقاء، وان كانت الظروف لاتسمح بالقيام، فانّ النهضة لاتنطوي سوى على الخيبة والخسران وهدر الطاقات. وأئمّة العصمة من أهل البيت(عليهم السلام) أعلم من غيرهم بهذه الظروف والشرائط وينطلقون في حركتهم وسكونهم من خلالها، وعليه فعدم الاقتداء بهذا الاُسلوب إنّما يؤدي إلى الخسران.

ومن هنا قال(عليه السلام): «ولاتسبقوهم فتضلوا، ولاتتأخروا عنهم فتهلكوا»، فالمجتعمات لاتخلو على الدوام من الأفراد الذين يعيشون حالة الافراط والتفريط. فالمفرطون يحكمون يبطىء حركة الزعماء الحق فيتقدموا عليهم، ليقودوا المجتمع إلى الهاوية. والمفرطين على العكس يرون حركتهم مستعجلة فيتأخرون عنهم بذريعة الحزم والاحتياط وإجالة الفكر; الأمر الذي يؤدي إلى هلاكهم واختلال حركة المجتمع.

والواقع هو أنّ عبارة الإمام(عليه السلام) تنسجم والحديث النبوي المشهور: «مثل أهل بيتي فكيم، مثل سفينة نوح من ركيها نجى ومن تخلف عنها هلك»، وقد ورد هذا الحديث بعبارات مختلفة في مصادر الفريقين، وهو يكشف عن علم أهل بيت النبي(عليهم السلام)المستقى من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كونهم السفينة الوحيدة للنجاة في هذه البحار العاصفة; على غرار الطوفان الذي لم يكن فيه من وسلية للنجاة سوى سفينة نبي الله نوح(عليه السلام)(3).


1. سورة الاحزاب/33.

2. «لبدوا» من مادة «لبود» الإقامة في المكان.

3. نقل هذا الحديث المرحوم السيد حامد حسين الهندي في كتاب عبقات الأنوار عن 92 كتاب من 92 عالم من علماء العامة.

[ 201 ]

والجدير ذكره ماورد شبيه هذه العبارة في الخطبة 87 بشأن القرآن في وصفه خلص عباد الله الذين جعلوه محوراً في حياتهم «فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله».

وهذا تأكيد آخر لحديث الثقلين.

ثم تطرق(عليه السلام) إلى خصائص طائفة معينة من صحب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ليقتدي بها صحبه، فقال(عليه السلام): «لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فما أرى أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا(1) غبراً».(2)

ثم قال في صفتهم الثانية: «وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون(3) بين جباههم وخدودهم(4)».

وقال أيضاً: «ويقفون على مثل الجمر(5) من ذكر معادهم».

نعم فقد شعروا بعظم العذاب الإلهي بكل كيانهم، فلم يهدأ بالهم ويسكن روعهم: «كأنّ بين أعينهم ركب(6)المعزى(7) من طول سجودهم»، فقد ذاقوا حلاوة العبودية، فتراهم يطيلون سجودهم، حتى بدت آثار السجود على جباههم.

«إذا ذكر الله هملت(8) أعينهم حتى تبل جيوبهم».

فقد تنهمر دموعهم حياً لله تارة، وخوفاً من العقاب وخشية الفراق تارة اُخرى: «ومادوا(9) كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاءا للثواب».

والتشبيه بالشجر الذي يميد من جراء الريح العاصف، هو تشبيه رائع، وقد أشار(عليه السلام) إلى


1. «لشعث» جمع «أشعث» وهو المغير الرأس وهى كناية عن الفقر أو الزهد.

2. غير جمع أغير بمعنى الغبار.

3. «يراوحون» من مادة «تراوح» القيام بالأعمال الواحد بعد الاخر.

4. «خدود» جمع «خد» طرفا الوجه.

5. «جمر» جمع «جمرة» قطعة من النار، وتطلق الجمرة وجمعها جمرات.

6. «ركب» جمع «ركبة» موصل الساق من الرجل بالفخذ.

7. «معزى» و«معز» معروف.

8. «هملت» من مادة «همول» الجريان والنزول.

9. مادوا من مادة ميدان الحركة و الاضطراب.

[ 202 ]

دليل ذلك والذي يكمن في خوف العقاب تارة ورجاء الثواب تارة اُخرى.

فهم يبكون بعين شوقا إلى لقاء ربّهم، بينما تهمل الاُخرى خشية من عقاب ربّهم! وهذا هو ديدن الصالحين من عباد الله الذين يعيشون بين الخوف والرجاء.

 

تأمّلات : 1 ـ ولاية أهل البيت وعصمتهم

تتضح عصمة أهل البيت(عليه السلام) بجلاء من خلال عبارات الإمام(عليه السلام) وذلك أنّه(عليه السلام): «انظروا أهل بيت نبيكم والزموا سمتهم، واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فان لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولاتسبقوهم فتضلوا، ولاتتأخروا عنهم فتهلكوا».

فالعبارات من أوضح الادلة على مقام عصمتهم(عليهم السلام); لأنّ مثل هذه الوصايا لاتصح في غير المعصومين من الذنب والخطأ.

كما تدل من جانب آخر على أنّ امامة المسلمين دائما في أهل البيت وذلك لأنّ الإمام(عليه السلام) لم يقيد وصاياه بزمان معين.

كما تدل من جهة اُخرى على أنّ مفهوم الولاية لاينسجم وانتقاء أوامر أهل البيت(عليهم السلام)، بل الولاية الحقيقية في امتثال أوامرهم في كل شيء وعلى أي حال. أمامن يتبع أهل البيت على مستوى اللسان والقول أو بعض التصرفات الفردية والاجتماعية، فلايمكن اعتباره من الموالين الواقعيين، بل ذلك زعم وإدعاء فقط. ومن البديهي أنّ مراد الإمام(عليه السلام) لايقتصر على عصره أو زمانه; لأنّه يعرف بأهل البيت بصفتهم أئمة وولاة وليس فقط شخصه والشاهد الحي على هذا الكلام ما ورد في الحديث النبوي الشريف أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «اني وأهل  بيتي مطهرون، فلا تسبقوهم فتضلوا، ولاتتخلفوا عنهم فتزلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا، ولا تعلموهم فانّهم أعلم منكم. هم أعلم الناس كباراً، وأحلم الناس صغاراً; فاتبعوا الحق وأهله حيث كان»(1)


1. تفسير القمي نقلا عن بحارالانوار 23/130 ح 12.

[ 203 ]

2 ـ مميزات أهل الكوفة والشام

هناك رابطة لطيفة بين القسم الأخير من هذه الخطبة، الذي يدعو الناس من جانب إلى اتباع اهل البيت، ومن جانب آخر إلى بيان خصائص أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والاقسام السابقة من الخطبة التي عرضت بالذم الشديد لأهل العراق والكوفة. وذلك لأنّها تفهمهم من جانب أن ليس لكم من عذر عند الله، لأنّ قادتكم أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، الذين ما انفك رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوصي الاُمّة بالتمسك بهم وعدم مفارقتهم، فهم عدل القرآن وسفن النجاة، والحال زعيم اهل الشام معروف بالظلم والانحراف والسلب والنهب، وعليه فقد تمت عليكم الحجة.

والآخر أنّ ضعفكم وهو أنّكم ليس لعدم قدرتكم البدنية، بل لضعف ارتباطكم بالله وخواؤكم الروحي وانعدام معنوياتكم، ومن هنا دعاهم لاقتفاء آثار تلك الثلة من صحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) بصورة عملية حيث كانت لها أعظم رابطة بالله سبحانه وتعالى.

ثم تطرق(عليه السلام) إلى بيان صفاتهم التي تدعوا إلى الغلبة والنصر فقال: لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم. إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفاً من العقاب، ورجاء للثواب. و قد كان هذا التعبد و الإلتزام هو سر إنتصارهم على خصومهم.

 

3 ـ حقيقة الصحابة

لعل هناك من يفهم من اطلاق كلام أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) أنّ هذه الخصائص قد جمعت في كافة أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وعليه فهو دليل على ماذهبوا إليه من نظريتهم المعروفة في تنزيه الصحابة، والحال أنّ هذه الخصائص إنّما تتصف بها فئة خاصة من اصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد ومن كان على شاكلتهم، لا جميع الصحابة. وذلك لأنّه أولا: أنّ هذا الموضوع يخالف السير والتواريخ، حيث لم تدون لهم كل هذه الصفات، ثانياً: تفيد أغلب آيات القرآن الكريم أنّ بينهم من عرف بالنفاق والذنوب والخطايا والمعاصي. ومن

[ 204 ]

ذلك أن بعضهم قد خان رسول الله(صلى الله عليه وآله) وجيش المسلمين، وقد تابوا بعد أن افتضح أمرهم; كحاطب بن أبي بلتعة وأبي لبابة، وقصتهم معروفة، وعمود التوبة في مسجد النبي(صلى الله عليه وآله)شاهد حي على هذه الحقيقة.

وفيهم من اعترض على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حكم الزكوة، والمال و منهم من عاهد الله بالانفاق أن آتاهم من فضله ومنهم ثعلبة بن حاطب الانصاري الذي وردت قصته في الآيات 75 ـ 77 من سورة التوبة.

وفيهم من تخلف عن غزوة تبوك وتمرد على أوامر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقد وردت قصتهم في ذيل الآية 118 من سورة التوبة.

وفيهم الحِواسيس الذين وصفتهم الآية 47 من سورة التوبة: (وَفِـيكُمْ سَـمّاعُونَ لَهُمْ).

وفيهم من بنى مسجد ضرار بهدف ايجاد الفرقة والاختلاف بين صفوف المؤمنين، وقد وردت قصتهم في الآيات 107 ـ 110 من سورة التوبة.

وفيهم من سار على الصراط على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم انقلبوا بعده فاثاروا الفتن واشعلوا نيران الحروب وسفكوا دماء المسلمين، كطلحة والزبير الذين أججا نار الجمل وخرجا على إمام المسلمين، ومعاوية الذي آثار الفتن ومنها فتنة صفين.

وعليه يبدو من السذاجة أن نتغاضى عن هذه الحقائق والوقائع التأريخية وصريح الآيات القرآنية، لنعتبر الصحابة منزهين جميعاً يتصفون بالطهر والعفاف والورع والتقوى.

وبناءاً على ما تقدم فان أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) إذا مدح الصحابة وأثنى عليهم ـ في هذه الخطبة أو سائر الخطب ـ فالمفروغ منه أن مراده خاصة صحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) لاجميعهم.

وهم ثلة معدودة من صحابه كانت تقتفي آثار رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتلتحق به في كافة المعارك والغزوات، حتى استشهد أغلبهم على عهده(صلى الله عليه وآله).

على كل حال فانّ هذه الثلة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) التي انطوت على أعظم دروس العبودية والاستقامة والصمود والتضحية في سبيل الله والإسلام، وتعلمتها من معلم البشرية الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) لجديرة بان تكون قدوة للمسلمين في كل عصر وزمان.

وهم الذين قال قيهم المؤرخون أنّهم كانوا يتلون لبعضهم البعض الآخر سورة العصر حين

[ 205 ]

يفترقون، ليوصي كل منهم الاخربالايمان والعمل الصالح والتحلي بالحق والصبر.(1)

وصفهم القرآن بقوله: (سِـيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ).(2)

وهم المعروفون بشدتهم وصلابتهم تجاه الاعداء، واللين والرحمة تجاه الأصدقاء: (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(3).


1. اسد الغاية 3/144.

2. سورة الفتح/29.

3. سورة الفتح/29.

[ 206 ]

[ 207 ]

 

 

الخطبة(1) 98

 

 

 

ومن كلام له(عليه السلام)

 

يشير فيه إلى ظلم بني أمية

 

نظرة إلى الخطبة

تحدث الإمام(عليه السلام) في هذه الخطبة بعبارات قصار عن فجائع حكومة بني أمية وظلمهم وانحرافهم، بحيث صور جميع مظالمهم وفضائحهم في هذه الكلمات المختصرة، وهى تفيد وخامة العواقب التي تنتظر المجتمع الإسلامي إذا ضعفت إرادته في المجابهة والتصدي.

التأريخ من جانبه أشار إلى تحقق كافة تكهنات الإمام(عليه السلام)، وأنّ عدم الالتفات إلى تحذيراته(عليه السلام) فساد ذلك الظلم والجور الذي عم المسلمين بما لم يشهد له التأريخ مثيلاً.

والخطبة ضمنياً رد قاطع على أولئك الذين يترددون في قتال الإمام(عليه السلام) لبني أمية، على أنّه قتال المسلمين للمسلمين.

—–


1. سند الخطبة: قال صاحب مصادر نهج البلاغة، روى هذه الخطبة ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة، والذي يفهم من عباراته أنّ الإمام علي(عليه السلام) خطبها بعد الخطبة 123 (مصادر نهج البلاغة 2/193).

[ 208 ]

[ 209 ]

 

 

«وَاللّهِ لايَزَالُونَ حَتَّى لايَدَعُوا لِلّهِ مُحَرَّماً إِلاَّ اسْتَحَلُّوهُ، وَلاَ عَقْداً إِلاَّ حَلُّوهُ، وَحَتَّى لاَ يَبْقِى بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر إلاّ دَخَلَهُ ظُلْمُهُمْ وَنَبَا بِهِ سُوءُ رَعْيِهِمْ، وَحَتَّى يَقُومَ الْبَاكِيَانِ يَبْكِيَانِ: بَاك يَبْكِي لِدِينِهِ، وَبَاك يَبْكِي لِدُنْيَاهُ، وَحَتَّى تَكُونَ نُصْرَةُ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِهِمْ كَنُصْرَةِ الْعَبْدِ مُنْ سَيِّدِهِ، إذا شَهِدَ أَطَاعَهُ، وَإِذَا غَابَ اغْتَابَهُ، وَحَتَّى يَكُونَ أَعَْمَكُمْ فِيهَا عَنَاءً أَحْسَنُكُمْ بِاللّهِ ظَنّاً، فَإِنْ أتَاكُمُ اللهُ بِعَافِيَة فَاقْبِلُوا، وَإِنِ ابْتُلِيتُمْ فَاصْبِرُوا، فَإِنَّ «الْعَاقَبَة لِلْمُتَّقِينَ»».

—–

 

الشرح والتفسير

مظالم بني أمية

أشار الإمام(عليه السلام) بهذه العبارات القصار إلى مصير بني أمية، كما يشير إلى الفجائع التي ارتكبتها هذه الطغمة الفاسدة. حيث أقسم على امتداد حكومتهم حتى تستحل كل حرام وتنتهك كافة المواثيق والعهود: «والله لايزالون(1) حتى لا يدعوا لله محرماً إلاّ استحلوه، ولا عقداً إلاّ حلوه».

وقد قام بعض الأعلام باحصاء بدع بني أمية والمحارم التي انتهكوها واستحلوها، والعهود التي نقضوها، سنستعرضها في الأبحاث القادمة. ويتضح من خلالها عمق الفجائع التي جروها على العالم الإسلامي.

ثم أشار(عليه السلام) إلى الفضائع التي ارتكبوها بحق المسلمين وعموم ظلمهم وشموله بحيث لايفلت منه بيتاً من البيوت: «وحتى لايبقى بيت مدر، ولا وبر إلاّ دخله ظلمهم ونبا به سوء رعيهم»، والمراد ببيوت المدر المبنية من الطوب والحجر ونحوهما وهى بيوت المدينة عادة. أمّا


1. قال بعض شرّاح نهج البلاغة ان العبارة «لايزالون» فيها محذوف تقديره «لايزالون ظالمين»، والظاهر الأنسب أن يكون تقديره لايزالون حاكمين، ولا سيما بالنظر إلى العبارات اللاحقة.

[ 210 ]

الوبر فيرادبه صوف الناقة، فالمراد ببيت الوبر الخيام التي كانت تقام في القرى والبوادي، والحق أنّ هذا أروع تعبير لشمولية الظلم بحيث لايسع أحد النجاة من ذلك الظلم. وهو الظلم الذي قد يدفع بالبعض إلى الفرار من بيوتهم.

ثم تطرق(عليه السلام) إلى أنّ الناس آنذاك على طائفتين; طائفة تبكي دينها، واُخرى تبكى دنياها: في تصويره للفاجعة الثالثة «وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكى لدينه، وباك يبكي لدنياه».

نعم فالمتدينون يبكون خشية على دينهم من الأخطار التي تهدده من هذه الطغمة سليلة الجاهلية، بينما يبكي أصحاب الدنيا على دنياهم، فالظلمة قد ساموا الناس الظلم في دينهم ودنياهم.

ثم قال(عليه السلام): فى بيانه للفاجعة الرابعة «وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه».

في أشارة إلى أنّهم يستعبدون الناس، وليتها كانت من نوع العبودية التي تسودها علاقة الحب والرأفة بين العابد والمعبود، بل العبودية التي تختزن كل معاني الظلم والتحقير والاستخفاف; وكأنّهم قيدوا أعناق الناس وسحبوهم بالاتجاه الذي يريدون.