![]() |
![]() |
2. سورة البقرة / 208; سورة الانعام / 142; سورة نور / 21.
3. سورة المائدة / 91.
4. «اصدقوا»: من مادة «صدق» على وزن عطف بمعنى الإعراض.
5. نزغات»: جمع «نزغة» على وزن ضربة وساوس.
6. «نفثات»: جمع «نفثة» تعني هنا الوسوسة.
7. «اعقلوها»: من مادة «عقل» على وزن دغل احبسوها على أنفسكم لا تتركوها فتضيع منكم، والعقل ربط رجل الناقة.
وَمِنْ كَلام لهُ(عليه السلام)
قاله للخوارج، وقد خرج إلى معسكرهم و هم مقيمون
على إنكار الحكومة، فقال (عليه السلام):
كما ورد أعلاه فانّ هذه الخطبة جانب من حديث الإمام (عليه السلام) قبل معركة النهروان، ذكره الإمام حجّة عليهم، فكان لكلامه بالغ التأثير بحيث تاب أغلب الخوارج وتراجعوا عن القتال، فقد قسمهم الإمام (عليه السلام) بادىء الأمر إلى فئتين، وقد فرق بين صفوقهم، فئة شهدت صفين وأخرى لم تشهدها، وفي القسم الثاني ذكّر أصحاب الصفين بأنّكم أنتم من فرضتم عليَّ مسألة التحكيم، والحال كنت شديد المخالفة لذلك الأمر، وقد أمرتكم بمواصلة الجهاد حتى تحقيق النصر.
وفي القسم الثالث أشار إلى مسألة وهى إننا كنّا في صدر الإسلام نقاتل قرابتنا حين كانوا في معسكر الكفر من أجل نصر الدين، وأمّا الآن فالذي يقف في المعسكر المقابل إخوتنا من
1. سند الخطبة:
نقل المرحوم الطبرسي في كتاب الاحتجاج أقصر ممّا ورد في هذه الخطبة ممّا يدل على أنّه أخذها من مصدر آخر، وقال ابن أبي الحديد إنّ هذا الكلام وإن كان متصلاً لكنّه يتألف في الواقع من ثلاثة أقسام منفصلة، وقد جرت عادة السيد الرضي على انتخاب الأفصح من الكلمات وحذف سائر الكلمات (مصادر نهج البلاغة 2/271).
المسلمين الذين أخطأوا الطريق وقد اختلفت الظروف الشرائط، وعليه فانّ علينا أن ندفع الشبهة عنهم لتحل المشكلة.
—–
«أَكُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ؟ فَقَالُوا: مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. قَالَ: فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ، فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرْقَةً، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فِرْقَةً، حَتَّى أُكَلِّمَ كُلاًّ مِنْكُمْ بِكَلاَمِهِ. وَنَادَى النَّاسَ، فَقَالَ:
أَمْسِكُوا عَنِ الْكَلاَمِ، وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِي، وَأَقْبِلُوا بأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ، فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا.
ثُمَّ كَلَّمَهُمْ(عليه السلام) بِكَلاَم طَوِيل، مِنْ جُمْلَتِهِ أنْ قَالَ(عليه السلام):
أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً، وَمَكْراً وَخَدِيعَةً: إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا، اسْتَقَالُونَا وَاسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ، فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ؟ فَقُلْتُ لَكُمْ: هذَاأَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ، وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ، وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ. فَأَقِيمُوا عَلَى شَأْنِكُمْ، وَالْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ، وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بِنَوَاجِذِكُمْ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِق نَعَقَ: إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ، وَإِن تُرِكَ ذَلَّ. وَقَدْ كَانَتْ هذِهِ الفَعْلَةُ، وَقَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيْتُمُوهَا. وَاللّهِ لَئِنْ أَبَيْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ فَرِيضَتُهَا، وَلاَ حَمَّلَنِيَ اللّهُ ذَنْبَهَا. وَوَاللّهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ; وَإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي، مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ:»
—–
الشرح والتفسير
كما ذكرنا سابقاً فانّ المخاطب بهذه الخطبة هم خوارج النهروان الذين كلمهم الإمام (عليه السلام)بهذا الكلام لإتمام الحجّة عليهم وهداية وإرشاد الفئة الضالة المنخدعة، فقال بادىء الأمر من
أجل إعدادهم: «أَكُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ؟ فَقَالُوا: مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ».
رغم أنّ المدّة بين معركة صفين ومقاتلة خوارج النهروان لم تكن طويلة، لكن لا يعلم كيف اتصلت الفئة الثانية التي لم تشهد صفين بالفئة الأولى الباغية، وربّما أثرت عليها وساوس الفئة الأولى سمومها التي بثّتها بين أهل الكوفة فجعلتها تلتحق بها وتقف معها في مواقفها الفاسدة.
ثم قال (عليه السلام): «فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ، فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرْقَةً، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فِرْقَةً، حَتَّى أُكَلِّمَ كُلاًّ مِنْكُمْ بِكَلاَمِهِ».
فالعبارة تفيد أنّ المخاطبين بحديث مهم إن لم يكونوا على مستوى واحد فانّ الفصاحة والبلاغة تقتضي تمييزهم عن بعضهم والتحدث لكل بما يتناسب ووضعه، ليكون للكلام أثره المرجو والمطلوب، ومن هنا سلك الإمام (عليه السلام) هذا النهج: «وَنَادَى النَّاسَ، فَقَالَ: أَمْسِكُوا عَنِ الْكَلاَمِ، وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِي، وَأَقْبِلُوا بأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ، فَمَنْ نَشَدْنَاهُ(1) شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا».
فالذي يستفاد من هذه العبارة أنّ الخوارج أو جيش الإمام (عليه السلام) ممن حضر هناك، أو كلاهما، أنّهم كانوا مشغولين بالكلام مع بعضهم البعض الآخر، فقد دعاهم الإمام (عليه السلام) إلى الصمت والاستماع لما يقول والاقبال عليه بقلوبهم ليستعدوا للتفاعل مع الكلام، كما إختار من جمعهم بعض الشهود: «ثُمَّ كَلَّمَهُمْ(عليه السلام) بِكَلاَم طَوِيل، مِنْ جُمْلَتِهِ أنْ قَالَ (عليه السلام):»(2).
فقد أخذ الإمام (عليه السلام) أيديهم إلى الماضي القريب وذكّرهم بكبر أخطائهم وعظم معصيتهم وتمردهم، ثم خاطب الفرقة التي شهدت صفين: «أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً(3)، وَمَكْراً وَخَدِيعَةً: إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا، اسْتَقَالُونَا(4) وَاسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ، فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ(5) عَنْهُمْ؟».
بعد ذلك طرح الإمام (عليه السلام) ردّه على تلك الخدعة: «فَقُلْتُ لَكُمْ: هذَاأَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ،
1. «نشد»: من مادة «نشد» بمعنى النداء والسؤال والطلب وهنا بمعنى الاستشهاد.
2. هل هذه الجملة للسيد الرضي أم كلام رواي الخطبة الذي نقل عنه السيد الرضي، لا يعلم بالضبط، لكن من المسلم به أنّ كلام الإمام (عليه السلام) أكثر ممّا ورد في نهج البلاغة وقد اعتاد السيد الرضي على اقتطاف أفصح وأبلغه.
3. «غيلة»: بمعنى «غدر».
4. «استقالوا»: من مادة استقالة بمعنى عودة الشيء.
5. «تنفيس»: بمعنى الكف والحل.
وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ، وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ».
وعليه: «فَأَقِيمُوا عَلَى شَأْنِكُمْ، وَالْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ، وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بِنَوَاجِذِكُمْ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِق نَعَقَ: إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ، وَإِن تُرِكَ ذَلَّ».
لكن مع الأسف فقد وقعت هذه الفتنة (التحكيم) ورأيتكم استجبتم لها، والآن قد ارتفع صوتكم بعد أن سقطتم في الفتنة: «وَقَدْ كَانَتْ هذِهِ الفَعْلَةُ، وَقَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيْتُمُوهَا».
حقّاً، إنّه لمن دواعي العجب! فقد عرضوا الإمام لأشد الضغوط في اللحظات الأخيرة لتلك المعركة المصيرية والتي أشرفت على تحقيق النصر النهائي حتى فرضوا عليه الاستجابة لخدعه عمرو بن العاص وقبول التحكيم، بل أبعد من ذلك هددوه بالقتل إن لم يصدر أمره لمالك الأشتر بالانسحاب والفّ عن القتال، ولما زالت الحجب وتكشفت الأمور وبانت الخدعة توجهوا باللوم إلى الإمام (عليه السلام) لم قبلت التحكيم، بدلاً من العودة إلى نفوسهم والاعتذار والهم بإصلاح ما بدر منهم من أخطاء).
الجدير بالذكر في هذا الأمر أنّ الإمام (عليه السلام) ميز الخوارج في بداية الأمر إلى فرقتين، فرقة شهدت صفين وأخرى لم تشهدها، لتتضح قضية وهى إن تمرّت الفرقة الثانية بفعل جهلها وعدم إحاطتها بأحداث صفين، فما بالكم أنتم الذين شهدتم صفين وتابعتم الأحداث؟ فما المنطق والاُسس التي دفعتكم للقدوم إلى النهروان؟ كيف تتهموني بمسؤولية التحكيم؟
وهكذا أتمّ الحجّة عليهم وعلى اُولئك الفريق الثاني الذي خدع بالفريق الأول ورافقه إلى الميدان، وليس هنالك أسوأ ممن لا يصغي لكلام الناصح الأمين المشفق، فان أصابته مصيبة بما قدمت يداه نسب التقصير فيها إلى ذلك الناصح وجابهه بالإعتراض، نعم، هذا هو دين الأفراد البعيدين عن الانصاف والذين ينسون ما يصدر منهم من أفعال.
ثم أوضح الإمام (عليه السلام) حقيقة الموقف بصورة أخرى ليقسم بأنّه لو لم يقبل التحكيم لما كان عليه من مسؤولية في الالتزام بلوازمها ولا يحملها الله سبحانه ذنبها ووزرها: «وَاللّهِ لَئِنْ أَبَيْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ فَرِيضَتُهَا، وَلاَ حَمَّلَنِيَ اللّهُ ذَنْبَهَا».
إشارة إلى مراده: إن خالفت بشدّة مسألة التحكيم في بداية الأمر فذلك لكي لا أكون مسؤولاً تجاه لوزامها ولا يلحقني وزرها; لأنّ قضية التحكيم أدّت إلى تقوية حكومة
طواغيت الشام وذهبت بدماء شهداء صفين أدراج الرياح، فذلت دعاة الحق وأشعرتهم باليأس.
ثم قال (عليه السلام) إثر ذلك: «وَوَاللّهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ; وَإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي، مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ».
إشارة إلى أنّه حين رأيت ما وقع بينكم من شقاق في مسألة التحكيم يتطلب أن أمنعه، وبخلافه لنازع أحدكم الآخر وشهر السيف في وجه صاحبه ولقاد ذلك الأمر إلى فضيحة كبرى، وهنا شعرت بالاضطرار لقبول التحكيم.
أضف إلى ذلك فلو فوضتم التحكيم إلى من هو عالم به ولا يفارقه ومحيط بمضمونه ولم تتجهوا صوب فرد بسيط وجاهل كأبي موسى الأشعري، لفشلت تلك المؤامرة وخمدت الفتنة، وإن كان فيها من ضرر فهو جزئي محدود، لكنكم فرضتم عليَّ التحكيم وكذلك أجبرتموني على تحكيم أبي موسى الأشعري، فسقطتم في هذه الفتنة وتكبدتم كل هذه الأضرار فما تقولون بهذا الخصوص؟ فهل عليَّ أن أتحمل مسؤولية تقصيركم؟ وأدفع ثمن جريمتكم؟ والذي نخلص إليه مّا مرّ معنا من كلام:
1 ـ أنّ الإمام (عليه السلام) أقسم مرّتين في هذا المقطع من كلامه، سيّما في القسم الثاني الذي أردفه بالتوكيد ليبيّن بعده كل البعد عن أدنى تقصير.
2 ـ ما بيّنه الإمام (عليه السلام) في القسمين المذكورين ليس فيه ما يدلّ على ترديده في مسألة للتحكيم، بل إشارة إلى حالتين مختلفتين، فقد كان مخالفاً بشدّة في البداية، لأنّه كان يعتبرها مكر وحيلة خطيرة، ولما اختلف جيشه وصحبه، وأبى الأعم الأغلب منهم إلاّ التحكيم، استجاب للتحكيم دفعاً للفتنة وإبعاداً للفرقة والشقاق، وعليه فقد كانت مخالفته في بداية الأمر وموافقته تستند إلى الحكمة، وبغض النظر عمّا سبق لو لم يصرّ ذلك الفريق الجاهل على تحكيم ذلك العنصر الفاسد كأبي موسى الأشعري لما كانت المشاكل بذلك الحجم، فذلك الإصرار الفض هو الذي أدّى إلى عقم نتائج معركة صفين والامتياز الذي حصل عليه أعداء الإسلام، وبناءاً على هذا فانّ هذه الفئة المتعصبة أخذت تفقد مواضعها الواحد بعد الآخر حتى انتهت إلى ذلك المصير الأسود، والعجيب أنّهم استجيب للتحكيم؟!
لكن وعلى كل حال، فانّ منطق الإمام (عليه السلام) بهذا الخصوص قد أتى أكله فعادت طائفة عظيمة من الخوارج إلى نفسها فتابت وكفت عن القتال، حتى صرّحت كتب التاريخ بأنّ الأغلبية الساحقة من الخوارج قد تابت ووقفت على عظيم زلّتها.
—–
إنّ الأعمال التي مارسها معاوية طيلة تاريخ حياته ولا سيما في مدّة حكومته لتكشف حقيقة واضحة لكل فرد منصف في أنّه لم يفكر بارساء العدل بين المسلمين، ولم يكن يهمّ بنشر الإسلام، بل كان جلّ همّه ترسيخ دعائم حكومته المتزلزلة، ومن هنا فقد اعتمد كافة الأساليب التي يلجأ إليها جبابرة الدنيا من أجل ترسيخ حكوماتهم، وأبسط نموذج يمكن الإشارة إليه في هذا المجال إنّما يتمثل برفعه لقميص عثمان في الشام وذرف دموع التماسيح على الخليفة المقتول ظلماً بهدف إثارة الناس للتمرد على أميرالمؤمنين علي (عليه السلام)وسفك دماء المسلمين، إلى جانب إغداق الرشاوي الضخمة على زعماء القبائل، بل حتى بعض قواد جيش الإمام علي (عليه السلام) وإيجاد الفرقة والخلاف بينهم وبين سائر الناس.
وكذلك توجيه الأراذل إلى مختلف نواحي البلاد الإسلامية لنهب الثروات وإشاعة أجواء التوتر القلق. ولعل قضية رفع المصاحف وحملها على أسنة الرماح تعدّ واحدة من تلك الأساليب، فمعاوية لم يكن مستعداً لقبول حكم القرآن الكريم، كما لم يكن مهتماً بهذا الأمر، وكل ما يفكر فيه هو الحكومة، كما ذكر شرّاح نهج البلاغة أنّ معاوية قام بوجه أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) في البداية تحت شعار الطلب بدم عثمان، إلاّ أنّه لم يصطدم قط بقتلة عثمان بعد ظهوره عليهم، فقد كان يقول أحياناً، ألست من قتلة عثمان؟ وأحياناً أخرى كان يسكت، ويغدق عليهم العطاء (هذا ما نقله العقاد في كتاب «معاوية» ونقل عبدالكريم الخطيب عن كتاب «علي بن أبي طالب(عليه السلام)» أنّ عائشة بنت عثمان طالبت معاوية بالقصاص من قتلة أبيها.
فأجابها معاوية: «لأنْ تَكُونِي إِبنَةُ عَمِّ أَمِير المُؤمِنِينَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَكونِي امرأَةٌ مِنْ عَرضِ النّاسِ» مراده أنّ قضية الطلب بَدِمِ عثمان قد انتهت، وكان الهدف منها الاستيلاء على
حكومة وقد حصل هذا الأمر، ولعل المطالبة بدم عثمان تهدد كياننا، وما عليك إلاّ الإكتفاء والقناعة بأنّك ابنة عمي، ابنة عم حاكم المسلمين طبعاً، يمكن التعرف على شخصية معاوية من خلال مقربيه، فقد ذكر العقاد، أنّ عمرو بن العاص قال يوماً لمعاوية: «أتَرى أَننا خـالَفنـا عَلِياً لِفَضلِنـا؟ لا وَاللهِ إِنْ هِي إِلاّ الدُّنيـا نَتَكَالَبُ عَلَيها»، أي ولم يكن الحديث عن الإسلام والقرآن سوى الذريعة.
وذكر ابن الأثير أن سعد بن أبي وقاص قال لمعاوية: «السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّها المَلِك».
فقال معاوية: «لِمَ لَم تُسَلِّم عَلَيَّ بأمير المؤمِنينَ».
فأجاب سعد قائلاً: «وَاللهِ إِنِّي مـا أُحِبُّ إِن وَلَّيتُها بِمـا وَلَّيتَهـا».
ومراده أنّك ولّيتها بالمكر والحيلة(1).
—–
1. في ضلال نهج البلاغة، للمرحوم محمد جواد مغنية، ذيل الخطبة التي بحثها 2/222.
«فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الاْبَاءِ وَالاَْبْنَاءِ وَالاِْخْوَانِ وَالقَرَابَاتِ ]الأقرباء[، فَمَا نَزْدَادُ عَلَىِ كُلِّ مُصِيبَة وَشِدَّة إِلاَّ إِيمَاناً، وَمُضِيّاً عَلَى الحَقِّ، وَتَسْلِيماً لِلاَْمْرِ، وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الجِرَاحِ. وَلكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الاِْسْلاَمِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ وَالاِعْوِجَاجِ، وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأْوِيلِ. فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَة يَلُمُّ اللّهُ بِهَا شَعَثَنَا، وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيَما بَيْنَنَا، رَغِبْنَا فِيهَا، وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا».
—–
الشرح والتفسير
يختتم الإمام (عليه السلام) خطبته بالإجابة المنطقية لأصحاب الخوارج، فقد قالوا: لِمَ استجاب الإمام (عليه السلام) إلى التحكيم؟ لَمَ لا نقاتل الأعداء إلى آخر نفس على غرار ما فعله المسلمون من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام؟ هل أذعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لمسألة التحكيم؟ فقد أوضح الإمام (عليه السلام) حقيقة في إجابته على اُولئك بأنّ زماننا يختلف تماماً عن زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن نقاتلهم الآن طائفة من المسلمين المخدوعين، والحال كان أعداؤنا في صدر الإسلام هم الكفّار والمشركون الذين وقفوا بوجه الإسلام.
فقد قال (عليه السلام): «فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الاْبَاءِ وَالاَْبْنَاءِ وَالاِْخْوَانِ وَالقَرَابَاتِ ]الأقرباء[، فَمَا نَزْدَادُ عَلَىِ كُلِّ مُصِيبَة وَشِدَّة إِلاَّ
إِيمَاناً، وَمُضِيّاً عَلَى الحَقِّ، وَتَسْلِيماً لِلاَْمْرِ، وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ(1) الجِرَاحِ».
نعم، لقد كنّا نهجم بشدّة آنذاك على العدو، وإن كان فيهم إخواننا وقرابتنا، فالمصاب وإن عظم علينا، لكن حيث كان ذلك يأمر فقد كنّا نزداد إيماناً، ولم نجابه كل مصائب المعارك وجراحاتها إلاّ بالصبر والشكر: «وَلكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الاِْسْلاَمِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ وَالاِعْوِجَاجِ، وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأْوِيلِ. فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَة يَلُمُّ(2) اللّهُ بِهَا شَعَثَنَا(3)، وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيَما بَيْنَنَا، رَغِبْنَا فِيهَا، وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا».
فقد أشار الإمام (عليه السلام) في هذه العبارة إلى أن قياس زمانه بزمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو قياس مع الفارق، وذلك لأنّ القتال ذلك الزمان كان يدور مع العدو الخارجي، بينما أصبح زمان الإمام(عليه السلام)ضد الأصدقاء المخدوعين والمنحرفين من الداخل، فالواقع يستند موقف الإمام (عليه السلام) في قبول التحكيم إلى الآية الشريفة: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(4).
صحيح أنّ أصل مسألة التحكيم خدعة ولم يكن أمراء جيش الشام يعتقدون بالقرآن، ولهذا السبب كان الإمام شديد المخالفة في بادىء الأمر، لكنّه استجاب لذلك الأمر بعد ذلك الضغط الشديد الذي مارسه السواد الأعظم المخدوع من جيشه مع ذلك كان بالإمكان أن تتمخض مسألة التحكيم عن نتائج مرضية لو خضعت لقيادة سليمة، ولكن كما نعلم فانّ ضغوط الجهّال قد دفعوا التحكيم إلى مسار لا يجر عليهم سوى الضرر والخسارة.
—–
1. «مضض»: الألم والحرقة.
2. «يلمّ»: من مادة «لمّ» على وزن غمّ بمعنى جمع، وتأتي أحياناً بمعنى الجمع والإصلاح.
3. «شعث»: وردت في الأصل بمعنى ما يقع عليه الغبار، ثم يطلق على نوع من التشتت والتفرق.
4. سورة الحجرات / 9.
وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)
قاله لأصحابه في ساحة ]ساعة [الحرب «بصفِّين»
هذه الخطبة جزء من خطبه طويلة إقتطف المرحوم السيد الرضي بعضها، وقد تضمنت إشارة إلى بعض النقاط المهمّة، وهى:
1 ـ يجب على الأفراد الذين يتمتعون بقدرات فائقة في القتال أن يدافعوا ويشدوا من أزر الضعاف.
2 ـ إنّ الأفراد الذين يهربون من الجهاد خشية الموت هم على خطأ، لأنّه لا يمكن الفرار من الموت الذي يدرك الجميع أينا كانوا.
1. سند الخطبة:
يمكن التعرف على هذا الكلام بصورة متفرقة في سائر الكتب، ومنها:
1 ـ الكافي في باب فضل الجهاد.
2 ـ العقد الفريد لابن عبد ربه.
3 ـ الجمل للشيخ المفيد نقلاً عن كتاب الجمل للواقدي.
4 ـ الإرساد للشيخ المفيد.
5 ـ تجارب الاُمم لابن مسكويه طبق نقل تأسيس الشيعة.
6 ـ الآمالي للشيخ الطوسي.
(مصادر نهج البلاغة 2/273).
3 ـ لا موت أشرف وأكرم من الشهادة، فألف ضربة بالسيف خير من ميتة على الفراش.
4 ـ إخبار عن هوان أهل الكوفة وذلّهم في المستقبل بسبب وهنهم وضعفهم في مواجهة الظلمة.
—–
«وَأَيُّ امْرِىً مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ. إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلاَ يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ. إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ! وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِب بِيَدِهِ، لاََلْفُ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَة عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ!».
—–
الشرح والتفسير
يشتمل هذا الكلام ـ سواء أورده الإمام (عليه السلام) على أعتاب معركة الصفين كما ورد آنفاً أو حسبما صرّح به بعض المحققين على هامش معركة الجمل بعد ضجة معسكر عائشة، أو في المعركتين وذلك لأنّه يتناسب مع كل مهما ـ على نقاط مهمّة وردت ثلاث منها في هذا القسم من الخطبة:
الاُولى: لزوم التنسيق بين أفراد الجيش بحيث يتولى الأقوياء الدفاع عن الضعفاء للحدّ من جسامة الخسائر، فقد قال (عليه السلام): «وَأَيُّ امْرِىً مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ(1) جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ(2) الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ».
1. «رباطة جأش»: جأش على وزن عرش والرباطة الربط بإحكام، فالمراد بالعبارة قوّة القلب عند لقاء العدو، حيث يراد بالجأش القلب والصدر.
2. «نجدة»: من مادة «نجد» على وزن مجد، بمعنى الشجاعة.
ثم أضاف (عليه السلام): «فَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ».
فان وهبه القوّة والصلابة فقد وجب عليه الشكر، والمراد أنّ أفعال الله وإن استندت إلى الحكمة جميعاً، مع ذلك فمن تمتع بنعم كثيرة وجب عليه الشكر بافاضتها على الآخرين ليؤدّي بذلك الشكر العملي للنعمة.
والثانية: لو لم يكن هناك من تنسيق بين العسكر فانّ ذلك يؤدّي إلى إحباط الجميع، وذلك لأنّ العدو إنّما يهجم على الجانب الذي يشعر بضعفه، فانّ اخترقه وقضى عليه، إلتفّ ليحاصر باقي العسكر، وعليه وإضافة لمسألة الشكر فانّ فنون القتال وسياسة المعركة تتطلب من الأجنحة القوية من العسكر شد ظهور الأجنحة الضعيفة وعدم التواني في الدفاع عنها، بحيث لا تسدد إليها ضربات العدو، ولا سيّما إذا استطاع العدو أن يشلّ حركة طائفة من الجيش، فانّه سيتمكن من تحطيم معنويات الجميع.
ثم إتجه الإمام (عليه السلام) صوب نقطة مهمّة أخرى وهى ضرورة ألا يتصور أحد أنّه يستطيع الفرار من مخالف الموت، فهو يدرك المقيم والمنتظر والهارب: «إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلاَ يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ».
وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: الموت على نوعين: موت حتمي، وموت معلّق أو مشروط، والذي لا يمكن تغييره هو الموت الحتمي، أمّا الموت المشروط، فهو قابل للتغيير على ضوء تغير الظروف والشرائط، ولعل الموت في ساحة القتال ليس من الموت الحتمي فكيف إستدل الإمام (عليه السلام) بهذه المسألة وقال بشأن الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب.
ويمكن الإجابة عن هذا السؤال بوجهين:
الأول: هو أنّ الإمام (عليه السلام) ناظر للموت الحتمي فقط سواء في ساحة القتال أو غير ساحة القتال فلا يمكن إجتنابه.
والثاني: على فرض أنّ الإنسان يستطيع الهروب من مخالب الموت المشروط أو المعلّق، ولكن ما جدوى ذلك؟ فالموت الحتمي بالتالي سيدرك جميع الأفراد دون استثناء، فلا ينبغي للإنسان أن يستسلم للظلمة في مقابل البقاء عدّة أيّام(1).
1. مرّ علينا بالتفصيل بحث الموت الحتمي والمعلّق في المجلد الثالث من هذا الكتاب.
ثم أشار الإمام (عليه السلام) إلى نقطة مهمّة وقيّمة فقال: «إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ! وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِب بِيَدِهِ، لاََلْفُ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَة(1) عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ!».
فالعبارة تفيد عظمة مقام الشهداء إلى درجة أنّ الإمام (عليه السلام) يعرب عن إستعداده لتحمل ألف ضربة بالسيف يؤثرها على ميتة الفراش الطبيعية، وهذا هو لسان حال أو قال جميع المؤمنين المخلصين والشجعان الذين يعشقون طريق الحق، طبعاً لا تعني العبارة أنّي لا أشعر بألم ضربات السيف ـ كما ذهب إلى لذلك بعض شرّاح نهج البلاغة ـ بل المراد أنّ الأولى بالإنسان من حيث الجانب المعنوي أن يفتح صدره لتحمل أقسى الضربات بدلاً من الموت الطبيعي على الفراش، لأنّ وسام الشهادة يجعل الإنسان يتحمل الألم والمعاناة، ولا ننسى هنا الروايات التي صرّحت بأنّ الإنسان بحكم الشهيد إن مات على الفراش على سلامة من دينه، وهو الأمر الذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) في آخر العبارة.
—–
الشهادة من القيم السامية التي تضمنتها الثقافة الإسلامية، والشهيد يمثل قمة المرتبة الإنسانية، وأولياء الله كما أورد الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة يفكرون دائماً بالشهادة ويأبون الموت طبيعياً على الفراش، ويرون الشهادة أفضل ألف مرّة من ميتة على فراش، وكانوا مستعدين لتلقي آلاف الضربات والفوز بالشهادة دون الموت على الفراش، وذلك لأنّ روح الإنسان أعظم هدية إلهيّة، وما أروع أن تبذل هذه الهدية في سبيل الله سبحانه، لا أنّ تذهب هدراً في الموت.
ويكفي في فضل الشهادة ما ورد في حيث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) حين شاهد فرداً يدعو الله تعالى قائلاً: «اللّهُمّ إِنِّي أسألُكَ خَيرَ مـا تُسأَلُ فَاعطِنِي أَفَضلَ مـا تُعطِي».
1. «ميتة»: بكسر الميم بمعنى كيفية الموت، والميتة بفتح الميم الشخص الميت (بدلاً من الالتفات هنا إلى ميت مذكر ومؤنث ميتة).
فقال (صلى الله عليه وآله) : «إنْ اُستُجِيبَ لَكَ اُهرِيقَ دَمُكَ فِي سَبِيلِ اللهِ»(1).
كما ورد في حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «مـا مِنْ أَحَد يَدخُلُ الجَنَّةَ فَيَتَمنّى أَنْ يَخْرُجَ مَنهـا إِلاّ الشَّهِيدُ فَإنَّهُ يَتَمنّى أَنْ يَرجَعَ فَيُقتَلَ عَشْرَ مَرّلت مِمّا يَرى مِنْ كَرامَةَ اللهِ»(2).
نعم، مقام الشهداء رفيع جدّاً في التعاليم الإسلامية، وهم الذين حفظوا الإسلام حين الخطر، ولولا تضحيات الشهداء كشهداء بدر واُحد وشهداء كربلاء لما بقي من الإسلام اليوم شيئاً سوى اسمه، ويعيش أعداء الإسلام اليوم حالة من الرعب إزاء الشهادة وفلسفتها في الإسلام، وذلك لأنّ الشهيد قد يبدد في لحظات مخططات الأعداء وبرامجهم التي تستوعب تكاليفاً باهضة.
أضف إلى ذلك فهم لا يمتلكون أي سلاح يمكنهم من مواجهة هذا السلاح، سمع أخيراً أنّ الدوائر الصيهوينة وإثر عجزها عن مواجهة انتفاضة الشعب الفلسطيني، قد أكدت على ضرورة إجتثاث جذور ثقافة التفكير بالشهادة، لابدّ من اسقاط مفردة الشهادة من كتاب الدراسة المتوسطة والثانوية، كما لابدّ من إزالة الآيات القرآنية المتعلقة بالشهادة من الكتب الدينية، ومن المؤكد أنّ البلدان الإسلامية العميلة وما أكثرهم قد ساروا على هذا النهج، وقد اصطلحوا على الشهادة بالإنتحار والشهيد بالإرهابي لتشويه هذه المفردة الطيبة، لكن ولحسن الحظ فانّ هذه الثقافة قد إتسعت وترسخت بحيث لا يسع هذه الدعايات الوقوف بوجهها، حتى سارع إليها العديد من الشباب والشابات، وهذا ما يشكل أعطم خطر على أعداء الإسلام، نأمل أن يتعرف المسلمون أكثر فأكثر على هذه القيمة السامية التي تدعو إلى الفخر والاعتزاز.
—–
1. مستدرك الوسائل 11/13، ح21.
2. المصدر السابق، ح2.
![]() |
![]() |