—–

 

الشرح والتفسير

عاقبة السوء

يرى البعض من شرّاح نهج البلاغة أنّ هذا الكلام مستقل، ومن هنا ذكره بصورة مستقلة، بينما يراه البعض الآخر استمرار للكلام السباق، فمن ذكره بصورة مستقلة استدلّ بعدم وجود إرتباط بين هذا المقطع والمقطع السابق، حيث حث الإمام (عليه السلام) أصحابه في المقطع السابق على الجهاد والقتال ببسالة، بينما جرى الكلام في هذا المقطع عن الهزيمة والفرار، وليس هنالك من إنسجام بين هذين المقطعين، ولكن بالنظر إلى أنّ هذا المقطع يخبر عن المستقبل، وهو المستقبل الذي لا يكون فيه الإمام (عليه السلام) بين ظهرانيهم ويشهدون حالة من الفرقة والتشتت والضعف والهوان والذلّة، وعليه يمكن تصور إرتباط بين هذا المقطع وسابقه.

ولكن على حال سواء كان هذا المقطع مستقل أم مرتبطاً، فهو كلام الإمام (عليه السلام) ويخبر عن المصير المرير لأفراد يوثرون العافية والدعة على الجهاد، فقال: «وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ(1)».

فالعبارة يمكن أن تكون إشارة إلى الحيوانات المعروفة الضباب جمع ضب بالكسر والتي إن تحركت بصورة جماعية اضطربت وإحتك بعضها بالبعض الآخر فيظهر من هذا الاحتكاك


1. «كشيش الضباب»: بمعنى الصوت الذي لا يرتفع كثيراً ويطلق على صوت الضفدع، والضب وصوت الناقة.

[ 162 ]

صوتاً، والمراد أنّكم اضطربتم حين الفرار، بحيث إندك بعضكم بالبعض الآخر وقد انبعث صوت اضطرابكم.

ثم قال (عليه السلام): «لاَ تَأْخُذُونَ حَقَّاً، وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً(1)».

أي حال أسوأ من أن يصبح الإنسان على درجة من الضعف والعجز بحيث لا يستطيع الدفاع عن حقّه أو عن صحبه وقرابته وإخوته في الدين، كما لا يستطيع الوقوف بوجه الظلم الذي يوجه إليه وإلى الآخرين، حقّاً إنّها لحالة مؤلمة مهينة.

ثم إختتم خطبته بالقول: «قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ، فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ، وَالْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ(2)».

فالعبارة قد خليتم والطريق تشير إلى إتمام الحجة الكاملة، فقد بيّن الطريق إلى الهدف بكل وضوح من قبل زعيم عالم، وقد زالت الموانع التي تحول دون سلوكه، وعليه فلن تعد هناك من حجة لمن يقصّر في هذا الطريق، ولذلك بشر سالكين هذا الطريق بالسعادة، بينما هدد المتباطىء بالهلكة.

—–


1. «ضيم»: بمعنى الظلم.

2. «متلوم»: من مادة «تلوم» بمعنى الانتظار والتباطىء والتوقف.

[ 163 ]

 

 

الخطبة(1) 124

 

 

 

وَمِنْ كَلام لهُ (عليه السلام)

 

في حث أصحابه على القتال

 

نظرة إلى الخطبة

وردت هذه الخطبة كما يفهم من عنوانها بشأن حث الإمام (عليه السلام) لأصحابه على الجهاد، وذلك لأنّه حسب تصريح شرّاح نهج البلاغة أنّها وردت قبل معركة صفين، ومن هنا تضمنت إشارة إلى بعض الأمور المهمّة:

1 ـ ذكر الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة مطالب دقيقة بخصوص فنون القتال وانتخاب أفضل السبل في مجابهة العدو، بحيث يمكن التوصل إلى النتائج بأقلّ الخسائر.

2 ـ حذر أصحابه في المقطع الآخر من الخطبة وضمن مدحه لمقاتليه من الفرار الذي يستتبع الفضيحة والعار، كما يتطرق إلى ذكر مقامات الشهداء.

3 ـ يلعن في المقطع الثالث أعدائه ويقوي عن هذا الطريق عزائم أصحابه المجاهدين.

—–


1. سند الخطبة:

نقل هذه الخطبة نصر بن مزاحم المتوفى عام 202 ق في كتاب صفين، كما نقلها المؤرخ المشهور الطبري في تاريخه عن أبي مخنف في حوادث عام 37 هـ، كما وردت في كتاب الجهاد عن الكافي وكتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي (مصادر نهج البلاغة 2/277).

[ 164 ]

[ 165 ]

 

 

القسم الأول

 

«فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ، وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ، وَعَضُّوا عَلَى الاَْضْرَاسِ، فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ; وَالْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ، فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلاَْسِنَّةِ; وَغُضُّوا الاَْبْصَارَ، فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ، وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ; وَأَمِيتُوا الاَْصْوَاتَ، فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ. وَرَايَتَكُمْ فَلاَ تُمِيلُوهَا وَلاَ تُخِلُّوهَا، وَلاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ، وَالْمَانِعِينَ الذِّمَارَ مِنْكُمْ، فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ، وَيَكْتَنِفُونَهَا: حِفَافَيْهَا، وَوَرَاءَهَا وَأَمَامَهَا; لاَ يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا، وَلاَ يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا. أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ، وَآسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ، فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَقِرْنُ أَخِيهِ».

—–

 

الشرح والتفسير

سبع وصايا في فنون القتال

يرى بعض كبار المحدثين أنّ هذه الخطبة تبتدأ كالآتي: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجلَّ دَلَّكُم عَلَى تِجارَة تُنجِيكُم مِنْ عَذاب أَلِيم وَتُشفِي بِكُم عَلَى الخَيرِ الإِيمـانُ بِاللهِ وَالجِهادُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَجَعَلَ ثَوابَهُ مَغفِرَةً لِلذَنْبِ وَمَساكِنَ طَيِّبَة فِي جَنَّاتِ عَدْن وَقَالَ عَزَّ وَجلَّ: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ)(1) فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ...»(2).

ثم أشار في مواصلته لهذا الكلام إلى سبع وصايا هامّة في فنون تحقيق النصر، فقال في


1. سورة الصف / 4.

2. الكافي 5/39، ح4.

[ 166 ]

وصيّته الاُولى بهذا الشأن: «فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ(1)، وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ(2)».

فمن الطبيعي أن يكون قليلاً هو الضرر الذي يتعرض له من يلبس الدرع بفعل السهام والسيوف، ومن هنا لا يسع العدو السيطرة عليهم، ومن لم يتدرع يمكنه أن يواصل قتاله وهجماته من خلفهم، والذي يستفاد من هذه العبارة وجود فئة في ميدان القتال لم ترتدي الدرع، وذلك إمّا يعود إلى الأزمات والمشاكل التي يعيشها المجتمع الإسلامي، أو أنّ إرتداء الدرع كان يثقل على البعض ويعيق حركته في ميدان القتال، ولذلك كان الأشداء من المقاتلين هم الذين يتدرعون.

وقال (عليه السلام) في وصيّة الثانية: «وَعَضُّوا عَلَى الاَْضْرَاسِ(3)، فَإِنَّهُ أَنْبَى(4) لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ(5)».

وكما ذكرنا في شرح الخطبة الحادية عشرة أنّ لهذه الخطبة فائدتان، الاُولى إزالة الخوف والرعب، أو الحدّ من هذا الخوف إلى أقلّ درجة، ومن هنا فانّ الإنسان يعمد إلى إطباق أسنانه على بعضها حين الخوف بهدف إزالته، والأخرى تبقي على صلابة عظام الرأس فلا تتأثر كثيراً بضربات السيف.

وقال في الوصيّة الثالثة: «وَالْتَوُوا(6) فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ، فَإِنَّهُ أَمْوَرُ(7) لِلاَْسِنَّةِ».

والوصيّة أشبه بما يقال اليوم، إن أراد أحد أن يرميك تحرك يميناً وشمالاً، أي عليك بتغيير موضعك باستمرار حتى لا يتمكن العدو من التصويب باتجاهك.

جدير بالذكر أنّ بعض شرّاح نهج البلاغة أشار أنّ المراد بالانعطاف والانحناء حين الهجوم بالحربة على العدو، فانّ ذلك يضاعف من دقّة الحربة لمواجهة ضد جسد العدو، لكن


1. «الداع»: بمعنى لابس الدرع من مادة درع على وزن فعل.

2. «الحاسر»: من لا درع له من مادة حسر على وزن عصر بمعنى العري.

3. «أضراس»: جمع «ضرس» على وزن حرس الإنسان وردت بمعنى سن العقل.

4. «أنبى»: من مادة «نبو» على وزن عفو بمعنى عدم العمل.

5. «الهام»: جمع «هامة» على وزن قامة رأس الإنسان أو رأس أي موجود حي.

6. «التووا»: من مادة «التواء» بمعنى الانعطاف أو الميل لهذا الجانب وذاك.

7. «أمور»: من مادة «مور» على وزن غور بمعنى الحركة السريعة، كما وردت بمعنين الذهاب الإياب والاضطراب وهذا هو المعنى المراد في العبارة.

[ 167 ]

بالإلتفات إلى الوصايا السابقة واللاحقة لهذه الوصية والتي تبيّن فنون الدفاع، فانّ المعنى الأول يبدو هو الأنسب، لا سيّما التعبير بالحرف في لا يتناسب والمعنى الثاني، بينما يتناسب ما إخترناه حتى التعبير الأمور المأخوذ من مادة مور والذي يعني الاضطراب.

وقال في الوصيّة الرابعة بعض النظر (وعدم النظر إلى كثرة العدو وآخره) فذلك أسكن للقلب: «وَغُضُّوا الاَْبْصَارَ، فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ(1)، وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ».

تختلف هذه الوصيّة عن سابقاتها لاشتمالها على بعد نفسي ونعلم جميعاً أنّ روحية الجنود كلما كانت مرتفعة كان الأمل بالنصر أكثر، ومن هنا أكّد الإمام (عليه السلام) هذا المعنى مراراً وقد مرّ علينا نموذج ذلك في الخطبة 11 و 66.

وقال في الوصية الخامسة: «وَأَمِيتُوا الاَْصْوَاتَ، فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ».

من الطبيعي أنّ الإنسان حين ينشغل بالحديث فانّه يستهلك جانباً من قواه الفكرية وكذلك جانباً من طاقته البدنية ويحد من تركيزه الفكري والالتفات إلى حملات العدو المبرمجة، ومن هنا فانّ العدو الصامت البعيد عن الضوضاء والضجيج يبدو أخطر من غيره. ولذلك ورد بشأن معركة بدر أنّ قريش تعجبت من قلّة عدد جيش الإسلام وتصورت أنّ عدد المسلمين أكثر ممّاترى ولعلهم إختفوا خلف التلة حيث يردون ميدان القتال في الوقت المناسب، فبعثوا بعمير بن وهب لينظر أطراف الميدان، فركب فرسه وجعل ينظر حول الصحرا ولم ير شيئاً، فعاد وقال: عدد المسلمين يقارب الثلاثمائة، إلاّ أنّي رأيتهم مستعدين للقتال ولا يقوى أحد على مواجهتهم، أمّا ترونهم خرسا لا يتكلمون، يتلمذون تلمذ الأفاعي ما لهم ملجأ إلاّ سيوفهم وما أراهم يولون حتى يقتلوا ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم(2).

وقال في الوصيّة السادسة: «وَرَايَتَكُمْ فَلاَ تُمِيلُوهَا وَلاَ تُخِلُّوهَا(3) وَلاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ، وَالْمَانِعِينَ الذِّمَارَ(4) مِنْكُمْ».


1. فسرّت هذه المفردة سابقاً.

2. منتهى الآمال، ج1، وقائع العام الهجري الثاني.

3. «تخلّوا»: من مادة «تخلية» بمعنى الإخلاء والترك، وعليه فالصحيح فتح الخاء لأنّها من باب التفعيل.

4. «ذمار»: بكسر الذال ما يلزم الرجل حفظه وحمايته.

[ 168 ]

ثم أتمّ كلامه باستدلال منطقي قائلاً: «فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ(1) هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ، وَيَكْتَنِفُونَهَا: حِفَافَيْهَا(2)، وَوَرَاءَهَا وَأَمَامَهَا; لاَ يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا، وَلاَ يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا».

كان للراية أهميّة خاصة في ميدان القتال في الأزمنة الماضية، وذلك لدورها في إرتباط الصفوف والتحامها، وحين كان ينهمك المقاتلون وسط الميدان وجوانبه بالقتال، كانوا يلتفون حين الضرورة حول الراية لإعادة تنظيم صفوفهم وشن الحملات من جديد، وإن سقطت الراية اضطرب العسكر وأحياناً كان ينهار، ولذلك ترى العدو يسعى جاهداً للإحاطة بالراية، بينما يحاول الطرف الآخر الابقاء على الراية مرفوعة وهو يدافع عنها بكلّ ما اُوتي من قوّة، فقد كان سقوطها يعني الهزيمة، وزبدة الكلام فانّ انتصاب الراية دليل على القدرة وسبب قوّة وعزيمة المقاتلين وحلقة اتصالهم مع بعضهم، ولهذا ما انفك الإمام (عليه السلام) عن التأكيد وصاياه بحفظ الراية، حيث أكد من جهة ضرورة ثبوت موضع الراية وأنّ حماتها من أشجع الأفراد، ومن جهة اُخرى يوصي حملة الراية بعدم التخلي عنها ومراقبتها من جميع الجهات، لا أنّ يتخلفوا عنها ولا يتقدمواعليها، ويضحوا بالغالي والنفيس من أجل حفظها بفضلها علامة الاقتدار والشموخ وورد في شأن غزوة خيبر التي.لف الفريقان بخصوصها عشرات الروايات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى الراية في اليوم الأول إلى أبي بكر فلم يتمكن من فتح قلاعها، وفي اليوم الثاني أعطاها عمر بن الخطاب، فلم يفلح، فقال (صلى الله عليه وآله): «لاَُعطِيَنَ الرايةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ كَرّارٌ غَيرُ فَرّار يَفتَحِ اللهُ عَلَيهِ»(3).

فامتدت الأعناق في اليوم التالي ليروا من هو ذلك الرجل، وقد تمنى كل فرد (شجاع) أن يكون هو المعني فيعطيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراية، نادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) وسلّمه الراية فلم


1. «الحقائق»: جمع «حاقة» على وزن جادة النازلة الشديدة.

2. «حفافي»: مثنى «حفاف» على وزن كتاب بمعنى جانب الشيء وحفافيها هنا إشارة إلى جانبي الراية يمينها وشمالها.

3. الكامل لابن الأثير 2/219، وتفسير الثعلبي (طبق نقل غاية المرام، /467) وصحيح مسلم، ج4 كتاب الفضائل الصحبة الحديث 32; صحيح البخاري 5/171 باب غزوة خيبر (طبعاً ذكرت الجملة الأخيرة فقط بشأن علي (عليه السلام) في صحيح البخاري مسلم).

[ 169 ]

يرجع إلاّ بعد أن فتح خيبر واستسلم له أهلها، هذه دلالة على الأهميّة الفائقة للراية وحاملها في ذلك الزمان، وقد تكرر نفس هذا المعنى في عصر علي (صلى الله عليه وآله) مالك الأشتر النخعي وقال له علمت بوقوفك في القتال وشجاعتك ولولا ذلك لدفعت الراية إلى غيرك، فردّ عليه بالقول: «لأسرنّك اليوم يا مالك أو اُقتل شهيداً»(1).

ثم أشار الإمام (عليه السلام) في وصيّته السابعة والأخيرة إلى قضية أخرى من تكتيكات الحرب أنذاك فقال: «أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ(2)، وَآسَى(3) أَخَاهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ، فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَقِرْنُ أَخِيهِ».

يتضح المفهوم الدقيق لهذا الكلام فيما لو دققنا بصورة صحيحة على وضع الحروب في ذلك الزمان، فقد كانت للمعركة في ذلك الوقت ثالث صور (وأحياناً كانت تتحقق الصور الثلاث في نفس المعركة):

الأولى: أن يتقدم أحد الشجعان وسط الميدان ويدعو شجاعاً آخر من العدو لمبارزته، فيتبارزان حتى يهلك أحدهما.

الثانية: أن يتقدم الميدان عدّة أفراد ليقف كل واحد منهم أمام خصمه فيبدأ بينهم القتال.

الثالثة: أن تدور المعركة بين المعسكرين بأكملهما طبعاً هناك صورة رابعة تكون المعركة فيها غادرة كأن تنهال طائفة على فرد فتنزل عليه ضرباتها من كل جانب، ويبدو أنّ العبارة تشير إلى هذه الصورة الثانية التي يبرز فيها عدّة أفراد إلى أمثالهم، وفي هذه الحالة لا ينبغي لأحد أن يترك خصمه لآخر، بل يبارز كل واحد خصمه فيراعي المساواة والمواساة وتقف من خلال هذه الوصايا على مدى خبرة الإمام (عليه السلام) بفنون القتال حيث يعرّف أصحابه على أدق تفاصيل القتال قبل البدء فيه.

—–


1. شرح نهج البلاغة للعلاّمة التستري 13/558.

2. «قرن»: الكفؤ وعدل الإنسان في الشجاعة في ميدان القتال ويطلق أحياناً القرن على كل كفو، وقد اشتق في الأصل من قرن بفتح القاف والاقتران الذي يعني الاقتراب بين شيئين أو عدة أشياء، ومن هنا يقال للزمان الطويل قرن حيث تكون فيه طائفة من الأجيال مع بعضها.

3. «آسى»: من مادة «وسى» على وزن مشى بمعنى عاون والمواساة تعني المعاضدة ومساعدة كل واحد الآخر.

[ 170 ]

[ 171 ]

 

 

القسم الثاني

 

«وَايْمُ اللّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ، لاَ تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ الاْخِرَةِ، وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ، وَالسَّنَامُ الاَْعْظَمُ. إِنَّ فِي الْفِرارِ مَوْجِدَةَ اللّهِ، وَالذُّلَّ الْلاَّزِمَ، وَالْعَارَ الْبَاقِيَ. وَإِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيد فِي عُمُرِهِ، وَلاَ مَحْجُوز ]محجوب[ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِهِ. ]مَن[ الرَّائِحُ إِلَى اللّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ؟ الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي! الْيَوْمَ تُبْلى الاَْخْبَارُ! وَاللّهِ لاََنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ».

—–

 

الشرح والتفسير

الجنّة تحت ظلال السيوف

أشار الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة إلى ثلاثة أمور بهدف إعداد الأصحاب في ميدان القتال، فأحياناً يهددهم إن هم فروا من القتال، وأخرى يمدحهم ويتعرض لما يتحلون به من نقاط إيجابية يراها فيهم، وأخيراً يشجعهم ويحثهم على الثواب والأجر الاُخروي، وعليه يمكن إيجاز هذا المقطع من الخطبة في ثلاثه محاور هى: التهديد، والتشجيع، والتمجيد، فقد قال على مستوى المحور الأول: «وَايْمُ اللّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ، لاَ تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ الاْخِرَةِ».

فالعبارة سيف الآخرة إشارة إلى عذاب الله الذي يشمل الفارّين من ميدان الجهاد، ولا شك أنّ الفرار من الزحف من الكبائر، وذلك لأنّ فرار عدّة أفراد يؤدّي إلى هزيمة عسكر جرّار ويقود حضارة عريقة إلى السقوط والإنيهار، أو يجعل العدو يسدد ضرباته الموجعة إلى

[ 172 ]

الإسلام، ثم قال على مستوى المحور الثاني، أ ى المدح والثناء: «وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ(1) الْعَرَبِ، وَالسَّنَامُ(2) الاَْعْظَمُ. إِنَّ فِي الْفِرارِ مَوْجِدَةَ(3) اللّهِ، وَالذُّلَّ الْلاَّزِمَ، وَالْعَارَ الْبَاقِيَ. وَإِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيد فِي عُمُرِهِ، وَلاَ مَحْجُوز(4) بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِهِ».

فهو يعدهم من جانب بصفتهم مبرزي شخصيات العرب التي تشد نحوها الأنظار، من جانب آخر يذكرهم بمساوىء عار الفرار وهى الغضب الإلهي والذل الدائم والهوان والفضيحة الأبدية، على صعيد آخر ذكرّهم بهذه النقطة وهى إن كان الهدف من الفرار هو التمتع بعمر أطول فانّ هذا الهدف لا يحصل بالفرار، ذلك لأنّه لا محيص من الممات واليوم الذي قدرّ فيه فلا يدفعه دافع.

نعم، قد يتصور الإنسان أنّه يحصل على عمر أطول عن طريق الفرار، ولو فرض أنّ الأمر كذلك فما قيمة هذا العمر وهو يتضمن العواقب الثلاث متمثلة بغضب الله والذل والهوان الأبدي، وقد خاطب القرآن الكريم اُولئك الذين يشعرون بالقلق من تواجدهم في جبهات القتال قائلاً: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ...).(5)

ثم إختتم الإمام (عليه السلام) كلامه بعبارة قصيرة عميقة المعنى تهدف حثهم على جهاد العدو فقال: «مَن الرَّائِحُ(6) إِلَى اللّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ؟ الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي(7)!».

وأخيراً قال (عليه السلام) بأنّ اليوم تبلى أخبار وأعمال كلّ فرد ويتميز فيها الغث من السمين: «الْيَوْمَ تُبْلى الاَْخْبَارُ!».

العبارة من الرائح إلى الله سبحانه إشارة إلى الأفراد الذين يقبلون بكلّ شوق ورغبة وعشق الشهادة، كعشق العطشان إلى الماء الزلال.


1. «لهاميم»: جمع «لهموم» على وزن حلقوم الجواد السابق من الإنسان والخيل.

2. «سنام»: أعلى الجمل ثم اطلق على كل شيء بارز.

3. «موجدة»: من مادة «وجد» علث وزن نجد بمعنى الغضب، كما ورد بمعنى الحزن والمعنى الأول هو الأنسب هنا.

4. «محجوز»: من مادة «حجز» بمعنى المنع.

5. سورة آل عمران / 154.

6. «رائح»: من مادة «رواح» الاندفاع بسرعة خلف شيء.

7. «العوالي»: جمع «العالية» تعني أسنة الرماح، كما تعني الرمح.

[ 173 ]

وقد أورد الإمام (عليه السلام) شبيه هذا المعنى في وصيّته قبل الشهادة وبعد ضربته حيث قال: «وَمَا كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِب وَرَدَ، وَطَالِب وَجَدَ...»(1). والعبارة اليوم تبلى الأخبار هى في الواقع إقتباس من الآية 31 من سورة محمد(صلى الله عليه وآله): (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).

والفردة أخبار إمّا تعني الأعمال أوالكلام والزعم والتي تبلى جميعاً في ميدان الجهاد، والعبارة: «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي!». تشبه العبارة التي أوردها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ميدان معركة أحد، حيث قال: «الجَنَّةُ تَحتَ ظِلالِ السُّيُوفِ».

الجدير بالذكر أنّ أحد الأنصار سمع هذا القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي يده تميرات يلوكها، فقال: بخ بخ! ليس بيني وبين الجنّة إلاّ هذه التميرات، ثم قذفها من يده وكسر جفن سيفه وحمل على قريش فقاتل حتى قُتل(2).

ثم قال في العبارة الأخيرة من أجل حث صحبه على الجهاد: «وَاللّهِ لاََنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ». بمعنى لا دافع عندهم للجهاد وهم يحرصون على العودة إلى بيوتهم، بينما أحرص على جهاد عدو الحق والعدالة، فالمراد هلموا لكل رغبة لميدان الجهاد واعلموا أنّ النصر حليفكم حين تقاتلون عدواً لا دافع له.

—–


1. نهج البلاغة، الرسالة 23.

2. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/6 الحديث (الجنّة تحت ظلال السيوف)، كما ورد الحديث في بحار الانوار 97/13.

[ 174 ]

[ 175 ]

 

 

القسم الثالث

 

«اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ، وَشَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ، وَأَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ. إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْن دِرَاك، يَخْرُجُ مِنْهُمُ ]مِنْهُ [النَّسِيمُ، وَضَرْب يَفْلِقُ الْهَامَ، وَيُطِيحُ الْعِظَامَ، وَيُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَالاَْقْدَامَ; وَحَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ; وَيُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ، تَقْفُوهَا الْحَلاَئِبُ; وَحَتَّى يُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ; وَحَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ، وَبِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَمَسَارِحِهِمْ».

—–

 

الشرح والتفسير

القضاء على آخر معاقل العدو

خاض الإمام علي (عليه السلام) في هذا المقطع ـ الذي يمثل المقطع الأخير من الخطبة ـ في أمرين:

الأول: يدعو فيه على العدو، وهوالدعاء الذي يجر عليهم الهزيمة والعذاب الإلهي ويشدّ من عزيمة صحبه ويضاعف إرادتهم فقال: «اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ(1) جَمَاعَتَهُمْ، وَشَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ، وَأَبْسِلْهُمْ(2) بِخَطَايَاهُمْ».

جدير ذكره أنّ الإمام (عليه السلام) اشترط اللعن بعدم قبول الحق، وذلك لأنّ الهدف النهائي من هذا القتال لا يكمن في الاستيلاء على العدو والسلطة، بل ليس للإمام (عليه السلام) من هدف سوى قبول الحق، فانّ قبله انتفت الحرب، وهذه هى فلسفة قتال دعاة الحق وأهل الإيمان طيلة التاريخ.


1. «افضض»: من مادة «فضّ» على وزن خط بمعنى الهزيمة.

2. «أبسل»: من مادة «بسل» على وزن نسل بمعنى المنع من الشيء أو القهر والغلبة والإبسال بمعنى التسليم للهلكة والعبارة إشارة إلى هذا المعنى.

[ 176 ]

والأمر الآخر: هو أنّ الإمام (عليه السلام) ذكر اختلاف الكلمة ضمن دعائه كوسيلة لتفريق العدو وهزيمته والذنوب من أسباب البؤس والشقاء، ومن هنا كان دعاؤه درساً، ليس درس واحد بل دورس. وفي القسم الآخر من هذا المقطع من الخطبة أشار إلى وصيّة قتالية مهمّة أخرى فقال لهم، إن أردتم الانتصار عليكم بتوجيه الضربات الموجعة إلى العدو وأن تقوم كل فرقة من العسكر بمهمتها الخاصة ومتابعة العدو حين الهزيمة دون إمهاله ليتحقق النصر الشامل، فشرح ذلك قائلاً: «إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْن دِرَاك(1)، يَخْرُجُ مِنْهُمُ النَّسِيمُ، وَضَرْب يَفْلِقُ الْهَامَ، وَيُطِيحُ(2) الْعِظَامَ، وَيُنْدِرُ(3) السَّوَاعِدَ وَالاَْقْدَامَ».

ثم واصل (عليه السلام) حديثه مؤكداً على ضرورة شن الهجمات عليهم تلو الهجمات وأن تتبنى فرقة مطاردتهم ورميهم بالسهام، وأن تعاضد كل فئة الاُخرى وتحمل على العدو، كما يقوم الفرسان بمطاردتهم حتى المدن حتى نتدوس حوافر خيلكم آخر نقطة في أرضهم والاستيلاء على مسار الذهاب والأياب والطرق المراي من كل جانب: «وَحَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ(4) تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ; وَيُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ(5)، تَقْفُوهَا الْحَلاَئِبُ(6); وَحَتَّى يُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِيسُ(7) يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ; وَحَتَّى تَدْعَقَ(8) الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ(9) أَرْضِهِمْ، وَبِأَعْنَانِ(10) مَسَارِبِهِمْ وَمَسَارِحِهِمْ(11)».


1. «دراك»: من مادة «درك» متتابع متوال وكأن كل واحد منهم يدرك الآخر ويصله، وعليه فانّ طعن الدراك بمعنى السهام التي تطلق تبعاً على العدو.

2. «يطيح»: من مادة «إطاحة» بمعنى الاسقاط.

3. «يندر»: من مادة «اندار» بمعنى يسقط، كما يطلق على طرح شيء من الحساب.

4. «مناسر»: جمع «منسر» على وزن محفل القطعة من الجيش تكون أمام الجيش العظيم ويطلق عليها الطليعة، ومنسر على وزن منبر بمعنى منقار الطيور.

5. «كتائب»: جمع «كتيبة» طائفة من الجيش من مئة إلى ألف.

6. «الحلائب»: جمع «حليبة أو حلوبة» بمعنى الجماعة التي تجتمع على صوب، كما تطلق على الخيّالة.

7. «الخميس»: بمعنى الجيش الكامل الذي يتألف من خمسة أقسام، المقدّمة والميمنة والميسرة والقلب والساقة.

8. سيأتي تفسير كلمة «تدعق» في كلام السيد الرضي.

9. سيأتي تفسير كلمة «نواحر» في كلام السيد الرضي.

10. «أعنان»: قال صاحب لسان العرب جمع «عنن» على وزن كفن بمعنى نواحي الشيء وأطرافه.

11. «مسارب»: جمع «مسربة» بمعنى المرعى وكذلك مسارح بمعنى المرعي، إلاّ أن بعض شرّاح نهج البلاغة ذهب إلى أنّ المسارب ما يسرب فيه المال والمرعى، والمسارح ما يسرح فيه والفرق بين مسرح ومسرب أنّ السروح إنّما يكون في أول النهار وليس ذلك بشرط في السروب. (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/9).

[ 177 ]

فقد علم الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة جنوده الآداب الفردية للقتال، وفي القسم الأخير الآداب الجماعية في كيفية عمل الكتائب والفرق والخيّالة والمشاة وتنسيقها فيما بينهما تجاه العدو والاعتماد على الأساليب العلمية في القضاء على العدو، ومن النقاط المهمّة التي تطرق إليها الإمام (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة هى عدم التواني في إتمام النصر على العدو، وربّما كانت للإنسحابات أبعاد المباغتة، والهدف تشديد الحملات، فلا يدمي تعقيب العدو إلى أقصى نقاط مناطقة والاستيلاء على كل مكان ليزول بالمرة أي احتمال لأنّ يشن العدو هجماته.

والحق لو عمل جيش الإمام (عليه السلام) بهذه الوصيّة في صفين والتي أوردها الإمام(عليه السلام) قبل المعركة لخمدت فتنة بني أمية إلى الأبد ولزال شبح ظلمهم وجور حكمهم عن المسلمين، ولكن واللأسف فقد سمعوا كل هذه الوصايا وضربوها عرض الحائط فتجرعوا مرارة تمردهم.

—–