ومن خطبة له (عليه السلام)

قال: [ في ذمِّ قريش وبيان عظمة أهل البيت (عليهم السلام)]

بعد حمد الله تعالى والثناء عليه

«إنّ قريشاً طلبت السعادة فشقيت، وطلبت النجاة فهلكت، وطلبت الهدى فضلّت، ألم يسمعوا ـ ويحهم ـ قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»؟ فأين المعدل والمفرّ عن ذريّة الرسول الذين شيّد الله بنيانهم فوق بنيانهم، وأعلى رؤسهم فوق رؤسهم، واختارهم عليهم، ألا إنّ الذرّيّة أفنان أنا شجرتها، ودوحة أنا ساقها، وإنّي من أحمد (صلى الله عليه وآله) بمنـزلة الضوء من الضوء، والذراع من العضد، كنّا ظِلالاً تحت العرش قبل خلق البشر وقبل خلق الطينة التي خُلق منها البشر أشباحاً عالية لا أجسام نامية، إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يعرف كُنهه إلاّ ثلاثة: مَلَك مقرّب أو نبيّ مُرسَل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان، فإذا انكشف لكم سرّ أو وضح لكم أمر فاقبلوه، وإلاّ فاسكتوا تسلموا، وردّوا علمنا إلى الله تعالى».

* * *

قوله صلوات الله عليه: «وإنّي من أحمد بمنـزلة الضوء من الضوء».

قال ابن أبي الحديد المعتزلي (مج 4 ص 107 من الطبعة الاولى بمصر) عند شرح هذه الكلمة: «ذلك لأنّ الضوء الأوّل يكون علّة في الضوء الثاني، ألا ترى أنّ الهواء المقابل للشمس يصير مضيئاً من الشمس، فهذا الضوء هو الضوء الأوّل، ثمّ إنّه يقابل وجه الأرض فيضيء وجه الأرض منه، فالضوء الذي على وجه الارض هو الضوء الثاني، وما دام الضوء الأوّل ضعيفاً فالضوء الثاني ضعيف، فإذا ازداد الجوّ إضاءة ازداد وجه الأرض إضاءة، لأنّ المعلول يتبع العلّة، فشبّه (عليه السلام) نفسه بالضوء الثاني، وشبّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالضوء الأوّل، وشبّه منبع الأضواء والأنوار سبحانه وجلّت أسماؤه بالشمس التي توجب الضوء الأول، ثمّ الضوء الأوّل يوجب الضوء الثاني، وههنا نكتة وهي أنّ الضوء الثاني يكون أيضاً علّة لضوء ثالث، وذلك أنّ الضوء الحاصل على وجه الأرض ـ وهو الضوء الثاني ـ إذا أشرق على جدار مقابل ذلك الجدار قريباً منه مكان مظلم، فإنّ ذلك المكان يصير مضيئاً بعد أن كان مظلماً، وإن كان لذلك المكان المظلم باب وكان داخل البيت مقابل ذلك الباب جدار، كان ذلك الجدار أشدّ إضاءة من باقي البيت، ثمّ ذلك الجدار إن كان فيه ثقب إلى موضع آخر كان ما يحاذي ذلك البيت أشدّ إضاءة ممّا حواليه، وهكذا لا يزال الضوء يوجب بعضه بعضاً على وجه الإنعكاس بطريق العلّيّة وبشرط المقابلة، ولا تزال تضعف درجة درجة إلى أن تضمحلّ ويعود الأمر الى الظلمة، وهكذا عالم العلوم والحكم المأخوذة من أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تزال تضعف كلّما انتقلت من قوم إلى قوم إلى أن يعود الاسلام غريباً كما بدا بموجب الخبر النبوي الوارد في الصحاح «بدء الإسلام غريباً وسيعود غريباً».(1)

وأمّا قوله: وكالذراع من العضد، فلأنّ الذراع فرع على العضد، والعضد أصل، ألا ترى أنّه لا يمكن أن يكون ذراع إلاّ إذا كان عضد، ويمكن أن يكون عضد لا ذراع له، ولهذا قال الراجز لولده:

يا بكر بكرين ويا خلب الكبد أصبحت مني كذراع من عضد

فشبّه (عليه السلام) نفسه بالنسبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالذراع الذي العضد أصله وأُسّه، والمراد من هذا التشبيه الإبانة عن شدّة الامتزاج والاتّحاد والقرب بينهما، فإنّ الضوء الثاني شبيه بالضوء الأول، والذراع متّصل بالعضد اتّصالاً بيّناً، وهذه المنـزلة فقد أعطاه إياها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مقامات كثيرة، نحو قوله في قصّة براءة «قد أُمرت أن لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو رجل مني»، وقوله: «لتنتهنّ يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلاً مني، أو قال عديل نفسي»، وقد سمّاه الكتاب العزيز نفسه فقال: «وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ»(2) وقد قال له «لحمك مختلط بلحمي، ودمك منوط بدمي، وشبرك وشبري واحد».(3)

 

[أهل البيت (عليهم السلام) أظلة العرش]:

قوله (عليه السلام): «كنّا ظِلالاً تحت العرش قبل خلق البشر وقبل خلق الطينة التي خلق منها البشر».

جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي من علماء القرن الثالث الهجري (مج1 ص 18 ط النجف) عن الإمام الرضا، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه مني. فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يا علي إنّ الله فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمّة من بعدك، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتقديسه، لأنّ أوّل ما خلق الله خلق أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وبتمجيده، ثمّ خلق الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبّحنا لتعلم الملائكة، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا»(4).

وفي كتاب الاختصاص تأليف الشيخ المفيد رضوان الله عليه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «والله ما برء الله من بريّة أفضل من محمد ومنّي ومن أهل بيتي، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم من شيعتنا»(5).

وفي كتاب (بصائر الدرجات) في باب (أمير المؤمنين وأولو العزم أيّهم أفضل). وكذا جاء في بحار الأنوار، عن عبد الله بن الوليد قال: قال لي أبوعبد الله (عليه السلام): أيّ شيء يقول الشيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين (عليهم السلام)؟ قلت: يقولون إنّ عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين، قال: فقال: أيزعمون أمير المؤمنين (عليه السلام) قد علم ما علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: نعم، ولكن لا يقدّمون على أُولي العزم من الرسل أحداً، قال أبو عبد الله (عليه السلام): فخاصِمهم بكتاب الله. قال: قلت: وفي أيّ موضع منه أخاصمهم؟ قال: قال الله تعالى لموسى: «وكَتَبْنا لَهُ فِي الأَْلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ»(6) علمنا أنّه لم يكتب لموسى كلّ شيء، وقال الله تبارك وتعالى لعيسى: «وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ»،(7) وقال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله): «وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ»(8).

وعن الحسين بن علوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الله خلق أُولي العزم من الرسل وفضّلهم بالعلم وأورثنا علمهم وفضلهم، وفضّلنا عليهم في علمهم، وعلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم يعلموا، وعَلِمنا علمَ الرسول وعلمَهم»(9).

وعن عبد الله بن الوليد السمان قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا عبد الله ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى (عليه السلام)؟ قال: قلت: جُعلت فداك، ومن أيّ حالات تسألني؟ قال: أسألك عن العلم، فأمّا الفضل فهم سواء. قال: قلت: جُعلت فداك فما عسى أقول فيهم؟ فقال: هو والله أعلم منهما، ثم قال: يا عبد الله أليس يقولون إنّ لعلي (عليه السلام) ما للرسول من العلم؟ قال: قلت بلى، قال: فخاصمهم فيه، قال إنّ الله تبارك وتعالى قال لموسى: «وكَتَبْنا لَهُ فِي الأَْلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ»(10) فأعلمنا أنّه لم يبيّن له الأمر كلّه، وقال الله تبارك وتعالى لمحمد:«وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ».(11)

وعن علي بن إسماعيل عن بعض رجاله قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل: «تمصّون الثماد وتدعون النهر الأعظم؟ فقال له الرجل: ما تعني بهذا يا بن رسول الله؟ فقال: عِلم الأنبياء بأسره أوحاه الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، فجعله محمّد عند علي (عليه السلام)، فقال له الرجل: فعلي أعلم أو بعض الأنبياء، فنظر أبو عبد الله (عليه السلام) إلى بعض أصحابه، فقال: «إنّ الله يفتح مسامع من يشاء، أقول له إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل ذلك كلّه عند علي فيقول علي أعلم أو بعض الأنبياء».(12)

وفي المجلّد الاول من أصول الكافي تأليف محمد بن يعقوب الكليني ص 222 ـ في باب (أنّ الأئمة ورثة العلم) عن علي بن النعمان، رفعه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أبو جعفر يمصّون الثماد القليل من الماء ويدعون النهر العظيم ! قيل له: وما النهر العظيم؟ قال: رسول الله والعلم الذي أعطاه الله، إنّ الله (عز وجل) جمع لمحمد (صلى الله عليه وآله) سنن النبيّين من آدم وهلمّ جرّاً إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم النبيّين بأسره، وإنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له رجل: يا بن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيّين؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): اسمعوا ما يقول، إنّ الله يفتح مسامع من يشآء، إنّي حدّثته أنّ الله جمع لمحمّد (صلى الله عليه وآله) علم النبيّين، وأنّه جمع ذلك كلّه عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيّين».(13)

وفيه أيضاً ص 263 عن حمران بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ جبرئيل أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) برمّانتين، فأكل رسول الله إحداهما وكسر الأخرى بنصفين فأكل نصفاً وأطعم علياً نصفاً، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أخي هل تدري ما هاتان الرمّانتان؟ قال: لا. قال: أمّا الأولى فالنبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك الله، كيف كان يكون شريكه فيه؟ قال: «لم يعلّم الله محمداً (صلى الله عليه وآله) عِلماً إلاّ وأمره أن يعلّمه علياً (عليه السلام)».(14)

وفي المجلّد الحادي عشر من البحار ص 114 ط الحديثة، بالإسناد عن الصدوق، عن أبيه، عن محمد العطّار، عن الفزاري، عن محمد بن عمران، عن اللؤلئي، عن ابن بزيع، عن ابن ظبيان، قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): اجتمع ولد آدم في بيت فتشاجروا، فقال بعضهم: خير خلق الله أبونا آدم، وقال بعضهم: الملائكة المقرّبون، وقال بعضهم: حملة العرش، إذ دخل عليهم هبة الله، فقال بعضهم: لقد جاءكم من يفرّج عنكم. فسلّم ثم جلس فقال: في أيّ شيء كنتم؟ فقالوا: كنّا نفكّر في خير خلق الله فأخبروه، فقال: اصبروا لي قليلاً حتّى أرجع إليكم، فأتى أباه فقال: يا أبت إنّي دخلت على أخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني، فلم يكن عندي ما أخبرهم، فقلت: اصبروا حتّى أرجع اليكم، فقال آدم (عليه السلام): يا بُنيّ وقفت بين يدي الله (جل جلاله) فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، محمّد وآل محمّد خير من برأ الله».

وفي تفسير النيسابوري المطبوع على هامش تفسير الطبري في سورة الزخرف آية 45، في تفسير قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ». عن ابن عباس وابن مسعود أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «أتاني ملك فقال: يا محمّد سَل من أرسلنا من قبلك من رُسلنا علام بُعثوا؟ قال: قلت: علام بُعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)». رواه الثعلبي.(15)

في تفسير البرهان في سورة الزخرف آية 45، في تفسير في قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» عن جابر بن عبد الله، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جابر أيّ الأخوة أفضل؟ قال: قلت: البنون من الأب والأم، فقال: إنّا معاشر الأنبياء أخوة وأنا أفضلهم، ولأحب الأخوة إليّ علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن زعم أنّ الأنبياء أفضل منه فقد جعلني أقلّهم، ومن جعلني أقلّهم فقد كفر، لأنّي لم أتّخذ علياً أخاً إلاّ لما علمتُ من فضله.(16)

 

[حرّة بنت حليمة السعدية والحجّاج الثقفي]:

وفي المجلد الحادي عشر من البحار ص 39، والمجلد 46 ص 134 منه أيضاً ط الحديثة، وفي الأنوار النعمانية ص 8 ط الأولى، وفي اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء ص 98:

أنه لمّا وردت حرّة بنت حليمة السعدية على الحجّاج بن يوسف الثقفي، قال لها: أنت حرّة بنت حليمة السعدية؟ قالت: نعم، قال لها: لقد نُقل عنك أنك تفضّلين علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر وعثمان؟ قالت: لقد كذب الذين قالوا لك أنّي أفضّله على هؤلاء خاصّة، بلى أفضّله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى. قال لها: يا ويلك إنّي أقول لك أنّك تفضّلينه على الأصحاب فتبتدرينهم بسبعة من الأنبياء من أُولي العزم، فإن لم تأتِني ببيان ما قلت وإلاّ ضربت عنقك، قالت: ما أنا فضّلته على هؤلاء الأنبياء، بل الله فضّله في القرآن العظيم عليهم، في قوله في حقّ آدم: «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى»(17) وقال في حقّ علي: «وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً»(18) فقال: أحسنت يا حرّة، فبم تفضّيله على نوح ولوط؟ قالت: ما أنا فضّلته، بل الله تعالى فضّله عليهما بقوله: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما»(19) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) كان ملكه تحت سدرة المنتهى وزوجته فاطمة الزهراء بنت محمد التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، فقال: أحسنت يا حرّة، فبم تفضّليه على أبي الأنبياء ابراهيم خليل الله؟ قال: ما أنا فضّلته، بل الله فضّله بقوله تعالى: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى»(20) وعلي بن أبي طالب يقول: لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً، وهذه كلمة لم يقلها أحد قبله ولا بعده، قال: أحسنت يا حرّة، وبم تفضّليه على موسى؟ قالت: ما أنا فضّلته، بل الله تعالى فضّله عليه، بقوله: «فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(21) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفديه بنفسه ولم يخف حتّى أنزل الله تعالى فيه «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِباد».(22) قال: أحسنت يا حرّة، وبم تفضّليه على داود (عليه السلام)؟ قالت: ما أنا فضّلته بل الله فضّله بقوله: «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(23) قال: بأيّ شيء كانت حكومته؟ قالت: في رجلين كان أحدهما له كرم والآخر له غنم فرعته، فاحتكما إلى داود فقال داود: تباع الغنم ويُنفق ثمنها في الكرم حتّى يعود. فقال ابنه سليمان: لا يا أبة، بل يؤخذ من صوفها ولبنها ويُنفق في الكرم حتّى يعود، فأنزل الله تعالى «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ»(24) وعلي بن أبي طالب قال: سَلوني عمّا فوق السماء، سلوني قبل أن تفقدوني، فهذا سفط العلم وهذا لعاب رسول الله، قال: أحسنت يا حرة، وبم تفضّليه على سليمان؟ قالت: ما أنا فضّلته بل الله تعالى فضّله بقوله تعالى: «وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ بَعْدِي»(25) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: يا دنيا لقد طلّقتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، حتّى أنزل الله تعالى في حقّه «تِلْكَ الدَّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَْرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(26) قال: أحسنت يا حرّة، وبم تفضّليه على عيسى روح الله؟ قالت: ما أنا فضّلته، بل الله تعالى فضّله عليه بقوله: «يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّه»(27) وعليّ لما ادّعت فيه الغلاة أنّه الله لم يُعاتبه الله تعالى. قال: أحسنت يا حرّة، ثمّ أكرمها وأحسن إليها وسرّحها سراحاً جميلاً».

 

[علي (عليه السلام) والأنبياء]:

جاء في مشارق أنوار اليقين، للشيخ البرسي الحلي:

إنّ الله سبحانه وصف أنبياءه بأوصاف، ووصف وليّ نبيه بأعلى منها، فقال: في نوح «إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً»(28) وقال في علي «وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً»(29) وأين الشاكر من مشكور السعي؟ ووصف إبراهيم بالوفاء فقال «وإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى»،(30) وقال في علي «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»،(31) ووصف سليمان بالملك فقال: «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(32) وقال في علي: «وإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً»،(33) ووصف أيوب بالصبر فقال: «إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً»،(34) وقال في علي: «وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا»،(35) ووصف عيسى بالصلاة والزكاة فقال: «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ»،(36) وقال في علي: «ومِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً»،(37) ووصف محمداً (صلى الله عليه وآله) بالعزّة فقال: ««وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»،(38) وقال في علي: «وما لأَِحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى * إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَْعْلى * وَلَسَوْفَ يَرْضى».(39)

وقال «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا»(40)، ووصف الملائكة بالخوف فقال: «يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ»(41)، وقال في علي: «إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا»(42) ووصف ذاته المقدّسة بصفات الألوهيّة فقال: «وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ»(43) وقال في علي: «ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ»(44)»(45).

وصفوة القول أنّ لمحمد (صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته (عليهم السلام) مكانة عند الله تعالى لم يتوصّل إليها أحد، ولم يعرف قدرها إلاّ الرسل والأنبياء المعصومون (عليهم السلام).

فقد دلّت الأخبار الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) بأنّ الانبياء توسّلوا إلى الله تعالى بالخمسة أصحاب الكساء في ساعات المحن التي تعرّضوا لها، فلقد توسّل بهم آدم (عليه السلام) بعد خروجه من الجنة، ونوح عند الطوفان، وإبراهيم عندما ألقاه النمرود في النار، وهكذا بقية الأنبياء (عليهم السلام) وقد أنجاهم الله تعالى من المحن التي تعرّضوا لها بواسطة هؤلاء الخمسة المعصومين (عليهم السلام).

وأخيراً ظهرت هذه الحقيقة نتيجة للبحث والتنقيب، حيث نشرت (البذرة) النجفية التي تُصدرها ثانوية منتدى النشر الأهلية في عدديها الثاني والثالث بتاريخ شوال ـ ذي القعدة سنة 1385 هجـ بحثاً مترجماً عن كتاب إليا والذي نشرته دار المعارف الإسلامية بلاهور (باكستان).

تحت عنوان:

 

أسماء مباركة توسّل بها نوح (عليه السلام):

ما هذا نصّه مترجماً عن الاوردية:

«في تموز عام 1951 م حينما كان جماعة من العلماء السوفيت المختصّين بالآثار القديمة ينقّبون في منطقةٍ بوادي قاف عثروا على قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوّسة وبالية، ممّا دعاهم الى التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا على أخشاب أخرى متحجّرة وكثيرة كانت بعيدة في أعماق الأرض!!

ومن بين تلك الأخشاب التي توصّلوا إليها نتيجة التنقيب خشبة على شكل مستطيل طولها 14 عقداً وعرضها 10 عقود سبّبت دهشتهم واستغرابهم، حيث لم تتغيّر فلم تتسوّس ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخرى.

وفي أواخر سنة 1952 أُكمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح (عليه السلام)، وأنّ الأخشاب الأخرى هي أخشاب هيكل سفينة نوح.

وممّا يذكره المؤرّخون أنّ سفينة نوح استوت على قمّة جبل قاف، وشوهد أنّ هذه اللوحة قد نُقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة.

وهنا ألّفت الحكومة السوفيتية لجنة بعد الانتهاء من الحفر عام 1953 قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة، ومن أهم علماء الآثار وهم:

1 ـ سوله نوف، أستاذ الألسن في جامعة موسكو.

2 ـ إيفاهان فينو، عالم الألسن القديمة في كلية لو لوهان بالصين.

3 ـ ميشانن لو، مدير الآثار القديمة.

4 ـ تانمول كورف، أستاذ اللغات في كلية كيفزو.

5 ـ دي راكن، أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين.

6 ـ ايم أهمد كولاه، مدير التنقيب والاكتشافات العام.

7 ـ هيجر كولتوف، رئيس جامعة ستالين.

وبعد مرور ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها اتّفقوا على أنّ هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صُنعت منه سفينة نوح (عليه السلام)، وأنّ النبي نوح كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرّك والحفظ.

وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية، وقد ترجمها إلى الانكليزية العالم البريطاني (ايف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانجستر، وهذا نصّ تعريبها:

«يا إلهي ويا مُعيني برحمتك وكرمك ساعدني، ولأجل هذه النفوس المقدسة: محمّد، إيليا، شبر، شبير، فاطمة، الذين هم جميعهم عظماء ومُكرمون، العالم قائم لأجلهم، ساعدني لأجل أسمائهم، أنت فقط تستطيع أن توجّهني نحو الطريق المستقيم».

وأخيراً بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبرى أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة ومنـزلة أصحابها عند الله تعالى حيث توسّل بها نوح (عليه السلام) اليه تعالى.

واللغز الأهم الذي لم يستطع تفسيره أيّ واحد منهم هو عدم تفسّخ هذه اللوحة رغم مرور آلاف السنين عليها، وهذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو».

يقول الله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ».(46)

 

[مقتطفات في فضل أهل البيت (عليهم السلام)]:

وبهذه المناسبة أنقل هنا بعض الأحاديث التي تناسب المقام بشأن أهل البيت الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام.

جاء في كتاب (ينابيع المودّة) تأليف العلاّمة الشيخ سليمان القندوزي الحنفي ص 10 من الطبعة الأولى قال: أخرج أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن المغازلي الواسطي الشافعي في كتاب المناقب بسنده عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: سمعت حبيبـي محمد (صلى الله عليه وآله) يقول: «كنت أنا وعلي نوراً بين يدَي الله (عز وجل)، يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق آدم أودع الله ذلك النور في صُلبه، فلم نزل أنا وعلي شيئاً واحداً حتّى افترقنا في صُلب عبد المطلب، ففيَّ النبوّة وفي علي الامامة».(47)

وفي المناقب، عن إسحاق بن إسماعيل النيشابوري, عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين قال: حدّثنا عمّي الحسن (عليه السلام) قال: سمعت جدّي (صلى الله عليه وآله) يقول: «خُلقت من نور الله (عز وجل)، وخُلق أهل بيتي من نوري، وخُلق محبّوهم من نورهم، وسائر الناس في النار».(48)

وفي المجلد الأوّل من كتاب حلية الأولياء ص 86 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربّي ـ وهي جنّة الخُلد ـ فليوالِ علياً من بعدي وليوالِ وليّه، وليقتدِ بالأئمة من بعدي، فإنّهم عِترتي خُلقوا من طينتي، رُزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».

وقال (صلى الله عليه وآله): «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين».

وقال (صلى الله عليه وآله): «الزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه من لقي الله وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا».

وقال (صلى الله عليه وآله): «معرفة آل محمد براءة من النار، وحبّ آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب».

وقال (صلى الله عليه وآله): «فلو أن رجلاً صفّ قدميه بين الركن والمقام فصلّى وصام وهو مُبغض لآل محمد دخل النار».

وجاء في تفسير الفخر الرازي في سورة الشورى، وتفسير الكشّاف في قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»(49) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمد بشّره مَلَك الموت بالجنّة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمد فُتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات على حبّ آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات على السنّة والجماعة، ألا ومن مات على بُغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بُغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشمّ رائحة الجنّة».(50)

قال الفخر الرازي: آل محمد (صلى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله أشدّ التعلّقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل، وأيضاً اختلف الناس في الآل، فقيل: هم الأقارب، وقيل: هم أمّته، فإن حملناه على القرابة فهم الآل، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أنّ على جميع التقديرات هم الآل، وأمّا غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيه.(51)

وروى صاحب الكشّاف أنّه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتُهم؟ فقال (صلى الله عليه وآله): علي وفاطمة وابناهما، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبي (صلى الله عليه وآله)، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم.

 

[أوجه عظمة أهل البيت (عليهم السلام)]:

ويدلّ عليه وجوه:(52)

الأول: قوله تعالى: «إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى».

والثاني: لا شكّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يحبّ فاطمة (عليها السلام)، قال (صلى الله عليه وآله): فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، وثبت بالنقل المتواتر من محمد (صلى الله عليه وآله) أنّه كان يحبّ علياً (عليه السلام) والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كلّ الأمّة مثله، لقوله تعالى: «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ».(53)

ولقوله: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِه»(54) ولقوله تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ»(55) ولقوله سبحانه: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».(56)

الثالث: أنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة، وهو قوله: «اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد» وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فكلّ ذلك يدّل على أنّ حبّ آل محمد واجب.

وقال الشافعي:

يا راكباً قِف بالمحصّب من مِنى
سَحراً إذا فاض الحجيجُ إلى منى
إن كان رفضاً حبُّ آل محمد

 

واهتف بساكن خيفها والناهضِ
فيضاً كملتطم الفرات الفائض
فليشهد الثقلان أنّي رافضي(57)

* * *

 

ومن خطبة له (عليه السلام): في وصف القرآن والاستشفاء بآياته

«ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ ـ أي علي النبي ـ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وَسِرَاجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَمِنْهَاجاً لا يُضِلُّ نَهْجُهُ وَشُعَاعاً لا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَفُرْقَاناً لا يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَتِبْيَاناً لا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَشِفَاءً لا تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَعِزّاً لا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَحَقّاً لا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ وَرِيَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ وَأَثَافِيُّ الْإِسْلَامِ وَبُنْيَانُهُ وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ».

* * *

 

[خصائص القرآن]:

في هذا الكلام نبذ من فضائل القرآن ومناقبه وخصائصه وفوائده:

أولها: كونه نوراً لا تُطفأ مصابيحه: أمّا أنّه نور، فلاهتداء الناس به من ظلمات الجهل كما يُهتدى بالنور المحسوس في ظلمة الليل، وأمّا مصابيحه: فاستعارة لطريق الاهتداء وفنون العلوم التي تضمّنها القرآن.

ثانيا: كونه سراجاً لا يخبو توقّده ـ أمّا أنّه سراج لا يخبو توقّده، فالمراد به عدم انقطاع اهتداء الناس به واستضاءتهم بنوره.

والثالثة: أنّه بحر لا يُدرك قعره ـ وذلك أنّ استعارة البحر له باعتبار اشتماله على النكات البديعة والأسرار الخفيّة ودقائق العلوم التي لا يدركها بُعد الهمم ولا ينالها غَوص الفطن، كما لا يدرك الغائص قعر البحر العميق.

الرابعة: كونه منهاجاً لا يضلّ نهجه ـ أي طريقاً واضحاً مستقيماً إلى الحق لا يضلّ سالكه.

والخامسة: كونه شعاعاً لا يظلم ضوؤه ـ أي حقّاً لا يدانيه شكّ وريب، ولا تشوبه ظلمة الباطل فتغطّيه وتستره، كما قال تعالى: «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ»(58) وقال: «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ».(59)

والسادسة: كونه فرقاناً لا يخمد برهانه ـ أي فارقاً بين الحقّ والباطل وفاصلاً بينهما، لا تنتفي براهينه الجليلة وبيّناته التي يفرق بينهما، كما قال تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وما هُوَ بِالْهَزْلِ».(60)

وقال: «هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ».(61)

والسابعة: كونه بنياناً لا تهدم أركانه ـ شبّهه (عليه السلام) ببنيانٍ مرصوص وثيق الأركان، فاستعار له لفظه، والجامع انتظام الأجزاء واتّصال بعضها ببعض وقوله «لا تهدم أركانه» ترشيح للاستعارة، وفيه إشارة إلى أن البنيان الوثيق كما أنّه مأمون من التهافت والهدم والانفراج، فكذلك الكتاب العزيز محفوظ من طرق النقص والخلل والإندراس.

والثامنة: كونه شفاء لا تُخشى أسقامه ـ يعني أنّه شفاء للأبدان والأرواح، أمّا الأبدان فبالتجربة والعيان، مضافاً إلى الأحاديث الواردة في خواصّ أكثر الآيات المفيدة للاستشفاء والتعويذ بها، مثل ما جاء في كتاب أصول الكافي باسنإده عن السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه قال: شكى رجل وجعاً في صدره الى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال له (صلى الله عليه وآله): استشفِ بالقرآن، فإنّ الله تعالى يقول: «وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ». (62) (63).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: من لم تُبرءه الحمد لم يبرءه شيء.(64)

وقال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): من قرأ آية الكرسي عند منامه لم يخف الفالج إن شاء الله، ومن قرأها في دبر كلّ فريضة لم يضرّه ذو حمّة.(65).

وفي تفسير مجمع البيان أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟ فقال له جابر: بلى بأبي أنت وأمّي يا رسول الله علّمنيها، قال: فعلّمه الحمد أم الكتاب، ثمّ قال: يا جابر ألا أخبرك عنها؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي فأخبرني، فقال: هي شفاء من كلّ داء إلاّ السّام، والسام الموت.(66)

 

[آيات مفيدة لدفع الأذى والأوجاع والفقر وكلّ ضرر]:

وفي المجلّد الأول من كتاب مسند الإمام علي نقلاً عن أصول الكافي مج 2 ص 624 عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: والذي بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالحقّ وأكرم أهل بيته، ما من شيء تطلبونه من حرز من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابّة من صاحبها أو ضالّة أو آبق إلاّ وهو في القرآن، فمن أراد ذلك فليسألني عنه.

قال: فقام اليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عمّا يؤمن من الحرق والغرق، فقال (عليه السلام): اقرأ هذه الآيات «الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ»،(67) «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» إلى قوله سبحانه وتعالى «عَمَّا يُشْرِكُونَ»،(68) فمن قرأها فقد أمن من الحرق والغرق، قال: فقرأها الرجل واضطرمت النار في بيوت جيرانه ـ وبيته وسطها ـ فلم يصبه شيء.

ثمّ قام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين إنّ دابّتي استصعبت علي وأنا منها على وجل، فقال (عليه السلام): اقرأ في أُذنها اليمنى «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(69) فقرأها فذلّت دابته.

وقام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين إنّ أرضي مسبعة، وإنّ السباع تغشى منـزلي ولا تجوز حتّى تأخذ فريستها، فقال (عليه السلام): اقرأ «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(70) فقرأها الرجل فاجتنبته السباع.

ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين إنّ في بطني ماءاً أصفر فهل من شفاء؟ فقال له (عليه السلام): نعم بلا درهم ولا دينار، ولكن اكتب على بطنك آية الكرسي وتغسلها وتشربها وتجعلها ذخيرة في بطنك فتبرأ باذن الله (عز وجل). ففعل الرجل فبرأ بإذن الله.

ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الضالّة؟ فقال (عليه السلام): اقرأ (ياسين) في ركعتين، وقل: يا هادي الضالّة رُدّ عليّ ضالّتي، ففعل فردّ الله (عز وجل) عليه ضالّته.

ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الآبق؟ فقال (عليه السلام): اقرأ «أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » ـ إلى قوله ـ «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»(71) فقالها الرجل، فرجع إليه الآبق.

ثمّ قام إليه آخر فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن السرق، فإنّه لا يزال يُسرق لي الشيء بعد الشيء ليلاً؟ فقال له (عليه السلام): اقرأ إذا أويتَ إلى فراشك «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا» ـ إلى قوله ـ «وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً».(72)

ثمَّ قال (عليه السلام): من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ» ـ إلى قوله ـ «تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ».(73) حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين. قال: فمضى الرجل فإذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية، فتغشّاه الشيطان وإذا هو آخذ بخطمه، فقال له صاحبه: أنظره، واستيقظ الرجل فقرأ الآية، فقال الشيطان لصاحبه: أرغم الله أنفك، احرسه الآن حتّى يُصبح، فلمّا أصبح رجع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبره وقال له: رأيت في كلامك الشفاء والصدق.

وفي كتاب (وسائل الشيعة) مج 2 ص 641 من الطبعة الجديدة في ايران، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: شكا رجل إلى علي (عليه السلام) وجع الظهر وأنّه يسهر الليل، فقال (عليه السلام): ضع يدك على الموضع الذي تشتكي منه واقرأ ثلاثاً «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الآْخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ»(74) واقرأ سبع مرآت «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»(75) إلى آخرها، فإنّك تُعافى من العلل إن شآء الله.

في تفسير مجمع البيان عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دخلت بيتك فسلّم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلّم واقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» مرّة واحدة، ففعل الرجل فأفاض الله عليه رزقاً حتّى أفاض على جيرانه.(76)

وفي كتاب (طبّ الأئمة) عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) قال له رجل: يا ابن رسول الله إنّ أهلي يصيبهم كثيراً هذا الوجع الملعون، قال: وما هو قال: وجع الرأس، قال (عليه السلام) خذ قدحاً من ماء واقرأ عليه «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ»(77) ثم اشربه فإنّه لا يضرّه إن شاء الله تعالى.(78)

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ رجلاً شكا إليه صمماً، فقال: امسح يدك عليه واقرأ عليه «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَْمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَْسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». (79) (80)

وعن أبي بصير قال: شكوت إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وجعاً في أضراسي وأنّه يسهرني الليل. قال: فقال: يا أبا بصير إذا أحسستَ بذلك فضع يدك عليه واقرأ سورة الحمد وقل هو الله أحد، ثمّ اقرأ «تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ»(81) فإنه يسكن ثمّ لا يعود.(82)

عبد الله بن سنان عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه (عليه السلام) قال: شكى رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إنّ لي أخاً يشتكي بطنه، فقال: مُر أخاك أن يشرب شربة عسل بماء حار، فانصرف إليه من الغد وقال: يا رسول الله قد سقيته وما انتفع بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسْقِ أخاك شربة عسل وعوِّذه بفاتحة الكتاب سبع مرآت، فلمّا أدبر الرجل قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي إنّ أخا هذا الرجل منافق، فمن هاهنا لا تنفعه الشربة.(83)

وعن أبي بصير قال: شكى رجل إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وجع السرّة، فقال له: اذهب فضع يدك على الموضع الذي تشتكي وقل «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(84) ثلاثاً فإنّك تُعافى بإذن الله.(85)

قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاة قطّ فقال بإخلاص نيّة ومسح موضع العلّة «ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً»(86) إلاّ عُوفي من تلك العلّة أيّة علّةٍ كانت، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول: «شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ».(87)

عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاء رجل من خراسان إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول الله حججتُ ونويت عند خروجي أن أقصدك فإنّ بي وجع الطحال وأن تدعو لي بالفرج، فقال له علي بن الحسين: قد كفاك الله ذلك وله الحمد، فإذا أحسست به فاكتب هذه الآية بزعفران بماء زمزم واشربه، فإنّ الله تعالى يدفع عنك ذلك الوجع «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الأَْسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً»(88) تكتب على رقّ ظبي وعلّقها على العضد الأيسر سبعة أيام فإنّه يسكن.(89)

وعن المفضّل بن عمر عن محمد بن إسماعيل، عن أبي زينب قال: شكا رجل من إخواننا إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وجع المثانة، قال: فقال له (عليه السلام) عوّذه بهذه الآيات إذا نمتَ ثلاثاً واذا انتبهت مرّة واحدة فإنّه لا تحسس به بعد ذلك «مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ * أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ».(90)

قال الرجل: ففعلت ذلك فما أحسست بعد ذلك بوجع.(91)

عن حمّاد بن عيسى رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إذا اشتكى أحدكم وجع الفخذين فليجلس في تورٍ كبير أو طشت في الماء المسخن وليضع يده عليه وليقرأ «أَنَّ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ».(92) (93)

وعن سالم بن محمد قال: شكوت إلى الصادق (عليه السلام) وجع الساقين وأنّه قد أقعدني عن أموري وأسبابي. فقال: عوَّذهما، قلت: بماذا يا ابن رسول الله؟ قال: بهذه الآية سبع مرآت فإنّك تُعافى بإذن الله تعالى «ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً»(94) قال: فعوّذتهما سبعاً كما أمرني، فرفع الوجع عنّي رفعاً حتّى لم أحسّ بعد ذلك بشيء منه.(95)

علي بن عروة الأهوازي قال: حدّثنا الديلمي عن داود الرقّي، عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: من كان في سفر فخاف اللصوص والسبع فليكتب على عرف دابته «لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى»(96) فإنّه يأمن بإذن الله (عز وجل).

قال داود الرقي: فحججتُ فلمّا كنّا بالبادية جاء قوم من الأعراب فقطعوا على القافلة وأنا فيهم، فكتبت على عرف جملي «لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى» فو الذي بعث محمّداً بالنبوّة وخصّه بالرسالة وشرّف أمير المؤمنين بالامامة ما نازعني أحد منهم، أعماهم الله عني.(97)

عن أبي عمر بن يزيد الصيقل، عن الصادق (عليه السلام) قال: شكى إليه رجل من أوليائه القولنج، فقال له (عليه السلام): اكتب له أمّ القرآن وسورة الاخلاص والمعوّذتين، ثمّ تكتب أسفل ذلك «أعوذ بوجه الله العظيم وبعزّته التي لا تُرام، وبقدرته التي لا يمتنع منها شيء من شرّ هذا الوجع ومن شرّ ما فيه» ثم تشربه على الريق بماء المطر تبرأ بإذن الله تعالى.(98)

إسماعيل بن زياد، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كسل أو أصابته عين أو صداع بسط يديه فقرأ فاتحة الكتاب والمعوّذتين ثمّ يمسح بها وجهه فيذهب عنه ما كان يجد.(99)

إلى كثير وكثير من هذه النظائر ممّا هو نور من أنوار النبوّة ولمعة من لمعان الإمامة، ولم يكن مُكتسباً من أساتذة ومعلمين كما زعم الجاهلون، ولو كان ذلك لظهر وبان.

 

[مناظرة طبيّة بين الصادق (عليه السلام) وطبيب هندي]:

وجرت مناظرة طبّية بين الإمام الصادق (عليه السلام) وطبيب هندي في مجلس المنصور الدوانيقي، ذكرها العلاّمة المجلسي في المجلّد الرابع عشر من البحار ص 478 من الطبعة الحديثة. وفي كتاب طبّ الأئمة أيضاً ص 24 ط النجف قال: روى محمد بن إبراهيم الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي، عن عباد بن مهيب، عن أبيه، عن جدّه، عن الربيع صاحب المنصور قال: حضر أبو عبد الله (عليه السلام) مجلس المنصور يوماً وعنده رجل من الهند يقرأ عليه كتب الطبّ، فجعل أبو عبد الله (عليه السلام) ينصت لقرائته، فلمّا فرغ الهندي قال له: يا أبا عبد الله أتريد ممّا معي شيئاً؟ قال: لا. فإنّ معي ما هو خير ممّا معك، قال: وما هو؟ قال (عليه السلام): أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وأردّ الأمر كلّه إلى الله (عز وجل)، واستعمل ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعلم أنّ المعدة بيت الداء، وأنّ الحمية رأس كلّ دواء، وأعوّد البدن ما اعتاده.

فقال الهندي: وهل الطبّ إلا هذا، فقال الصادق (عليه السلام): أتراني من كتب الطبّ أخذت؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): لا، والله ما أخذتُ إلاّ عن الله سبحانه، فأخبرني أنا أعلم بالطبّ أم أنت؟ قال الهندي: بل أنا. قال الصادق: فأسألك شيئاً؟ قال: سَل.

قال الصادق (عليه السلام): أخبرني يا هندي، لم كان في الرأس شؤون؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جُعل الشعر عليه من فوق؟ قال: لا أعلم. قال: فلم خلت الجبهة من الشعر؟ قال: لا أعلم. قال (عليه السلام): فلم كان لها تخطيط وأسارير؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان الحاجبان فوق العينين؟ قال: لا أعلم، قال: فلم جُعلت العينان كاللوزتين؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جُعل الأنف فيما بينهما؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جُعل ثقب الأنف في أسفله؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جُعلت الشفة والشارب فوق الفم؟ قال: لا أعلم. قال: فلم حدّ السّن وعرض الضرس وطال الناب؟ قال: لا أعلم. قال: فلم جُعلت اللحية للرجال؟ قال: لا أعلم. قال: فلم خلا الظفر والشعر من الحياة؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان القلب كحب الصنوبر؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كانت الرئة قطعتين، وجعلت حركتهما في موضعهما؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كان الكبد حدباء؟ قال: لا أعلم. قال: فلم كانت الكلية كحب اللوبية؟ قال: لا أعلم، قال: فلم جُعل طيّ الركبة إلى خلف؟ قال: لا أعلم، قال: فلم انخصرت القدم؟ قال: لا أعلم.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): لكنّي أعلم، قال الهندي: فأجِب، قال الصادق (عليه السلام): إنّما كان في الرأس شؤون لأنّ المجوّف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع، فإذا جُعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد، وجُعل الشعر من فوقه، ليوصل بوصوله الأدهان إلى الدماغ، ويخرج بأطرافه البخار منه، ويردّ الحرارة والبرد عنه، وخلت الجبهة من الشعر، لأنها مصبّ النور إلى العينين، وجُعل فيها التخطيط والأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس إلى العين قدر ما يُميطه الانسان عن نفسه، كالأنهار في الارض التي تحبس المياه، وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية، ألا ترى أنّ من غلبه النور جعل يده على عينيه ليردّ عليهما قدر كفايتهما منه؟ وجُعل الأنف بينهما ليقسم النور قسمين إلى كلّ عين سواء، وكانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء، ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل ولا وصل إليها دواء ولا خرج منها داء، وجُعل ثقب الأنف في أسفله لتنـزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ، وتصعد فيه الروائح إلى المشام، ولو كان في أعلاه لما نزل منه ماء ولا وجد رائحة، وجُعل الشارب والشفة فوق الفم لحبس ما ينـزل من الدماغ عن الفم، لئلاّ يتعفّن فينغّص على الانسان طعامه وشرابه فيُميطه عن نفسه، وجعلت اللحية للرجال ليُستغنى بها عن الكشف في المنظر، ويُعلم بها الذكر من الأنثى، وجُعل السن حادّاً لأنّ به يقع العضّ، وجُعل الضرس عريضاً لأنّ به يقع الطحن والمضغ، وكان الناب طويلاً ليسند الأضراس والأسنان كالاسطوانة في البناء، وخلا الكفّان من الشعر لأنّ بهما يقع اللمس، فلو كان فيهما شعر ما درى الانسان ما يقابله ويلمسه، وخلا الشعر والظفر من الحياة لأنّ طولهما سمج يقبح وقصّهما حسن، فلو كان فيهما حياة لآلم الانسان قصّهما، وكان القلب كحبّ الصنوبر لأنّه منكّس، فجُعل رأسه دقيقاً ليدخل في الرئة فيتروّح عنه ببردها، ولئلاّ يشيط الدماغ بحرّه، وجعلت الرئة قطعتين ليدخل القلب بين مضاغطها فيتروّح بحركتها، وكانت الكبد حدباء لتثقل المعدة وتقع جميعها عليها فتعصرها ليخرج ما فيها من البخار، وجعلت الكلية كحب اللوبيا، لأنّ عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة، فلو كانت مربّعة أو مدوّرة لاحتبست النقطة الأولى إلى الثانية فلا يلتذّ بخروجها، إذ المني ينـزل من فقار الظهر إلى الكلية، وهي تنقبض وتنبسط وترميه أوّلاً فأوّلاً إلى المثانة كالبندقة من القوس.

وجُعل طيّ الركبة إلى خلف لأنّ الإنسان يمشي إلى ما بين يديه فتعتدل الحركات، ولولا ذلك لسقط في المشي، وجُعلت القدم منخصرة لأنّ المشي إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى.

فقال الهندي: من أين لك هذا العلم؟ فقال (عليه السلام): أخذتُه عن آبائي (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرائيل عن ربّ العالمين (جل جلاله) الذي خلق الأجساد والأرواح، فقال الهندي: صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله وعبده، وأنّك أعلم أهل زمانك.

* * *

(1) عوالي اللئالي 1: 33 / ح12؛ مسند أحمد 4: 73.

(2) آل عمران: 61.

(3) شرح نهج البلاغة 4: 107، ط الاولى، مصر.

(4) تفسير القمّي 1: 18، ط النجف.

(5) الاختصاص: 234.

(6) الأعراف: 145.

(7) الزخرف: 63.

(8) النحل: 89.

(9) بصائر الدرجات: 227؛ بحار الأنوار 17: 145/ ح 33.

(10) الأعراف: 145.

(11) النحل: 89.

(12) بحار الأنوار 13: 242، ط الجديدة.

(13) أصول الكافي 1: 222.

(14) أصول الكافي 1: 263.

(15) أخرجه البيّاضي في الصراط المستقيم 1: 279 عن تفسير الثعلبي.

(16) تفسير البرهان 4: 148.

(17) طه: 121.

(18) الإنسان: 22.

(19) التحريم: 10.

(20) البقرة: 260.

(21) القصص: 21.

(22) البقرة: 207.

(23) ص: 26.

(24) الأنبياء: 79.

(25) ص: 35.

(26) القصص: 83.

(27) المائدة: 116.

(28) الاسراء: 3.

(29) الانسان: 22.

(30) النجم: 37.

(31) الانسان: 7.

(32) النساء: 54.

(33) الانسان: 20.

(34) ص: 44.

(35) الانسان: 12.

(36) مريم: 31.

(37) الانسان: 26.

(38) المنافقون: 8.

(39) الليل: 19.

(40) المائدة: 55.

(41) النحل: 50.

(42) الانسان: 10.

(43) الأنعام: 14.

(44) الانسان: 8.

(45) مشارق انوار اليقين: 192 - 193، الفصل 104.

(46) فصّلت: 53.

(47) ينابيع المودّة: 10، ط الاولى؛ 2: 307 / ح875، الطبعة المحقّقة 1416 هـ.

(48) أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 15: 20/ ح32؛ ينابيع المودّة 1: 46/ ح7.

(49) الشورى: 32.

(50) تفسير الرازي 27: 166؛ تفسير الكشاف 4: 173.

(51) تفسير الرازي 7: 39.

(52) تفسير الكشاف 27: 166.

(53) الأعراف : 158.

(54) النور: 63.

(55) آل عمران: 31.

(56) الاحزاب: 21.

(57) نظم درر السمطين للزرندي: 111؛ المسترشد: 78؛ بحار الانوار 23: 234.

(58) البقرة: 2.

(59) فصلت: 42.

(60) الطارق: 13.

(61) البقرة: 185.

(62) يونس: 57.

(63) مكارم الأخلاق: 387؛ بحار الانوار 89: 176.

(64) تفسير العيّاشي 1: 20؛ بحار الانوار 89: 237/ ح34.

(65) عدّة الداعي: 273؛ بحار الانوار 89: 266.

(66) تفسير العيّاشي 1: 20؛ بحار الانوار 89/ 237/ ح33.

(67) الأعراف: 196.

(68) الزمر: 76.

(69) آل عمران: 38.

(70) التوبة: 128 و129.

(71) النور: 40.

(72) الاسراء: 110 و111.

(73) الأعراف: 54.

(74) آل عمران: 145.

(75) القدر: 1.

(76) تفسير مجمع البيان 10: 480.

(77) الانبياء: 30.

(78) طب الائمة: 19؛ بحار الانوار 92: 51/ ح7.

(79) الحشر: 21 - 24.

(80) طب الأئمة: 32؛ تفسير نور الثقلين 5: 294/ ح81.

(81) النمل: 88.

(82) طبّ الأئمّة: 24؛ بحار الأنوار 92: 92 93/ ح2.

(83) طب الأئمّة: 28؛ الفصول المهمّة للحّر العاملي 3: 82؛ بحار الانوار 92: 109/ ح2.

(84) فصّلت: 24.

(85) طب الأئمّة: 28؛ بحار الأنوار 92: 109 - 110/ ح3.

(86) الاسراء: 82.

(87) طب الأئمّة: 82؛ بحار الأنوار 92: 110/ ح3.

(88) الاسراء: 110 و111.

(89) طب الائمّة 29 - 30؛ بحار الانوار 92: 104/ ح1.

(90) البقرة: 109 و110.

(91) طب الأئمّة: 30.

(92) الانبياء: 30.

(93) طب الأئمّة: 31؛ بحار الأنوار 92: 69/ ح1.

(94) الكهف: 72.

(95) طب الأئمّة: 32؛ بحار الأنوار 92: 85/ ح1.

(96) طه: 77.

(97) طب الأئمّة: 36 - 37؛ تفسير نور الثقلين 3: 385/ ح86.

(98) طب الأئمّة: 38؛ بحار الأنوار 92: 110/ ح 4.

(99) طب الأئمّة: 39؛ بحار الأنوار 10: 368/ ح9.